الحاجة إلى المصلح العالمي
محمد حسن عبد الخاقاني
يتصور البعض وربما يدعي أن فكرة المهدي المنتظر فكرة شيعية فحسب، روج لها أتباع المذاهب، وجاء ذلك نتيجة لظروف معينة مروا بها.
فيحق القول والحالة هذه إن القضية المهدوية فكرة إسلامية عميقة وتكاد تكون عالمية، بل هي كذلك.
إن ما ورد عن المسلمين من تصرفات ومن القرن الأول الهجري لمؤشر واضح على وجود هذه الفكرة عندهم اعتماداً على ما جاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، - ما سمعوه وما نقل لهم منه - وما ذكرته السنة، شعراءهم وسياسييهم، وتسمية الخلفاء لأبنائهم (بمحمد المهدي) مثلاً، كل ذلك يصب في بحر هذا الطريق ويؤدي إليه.
إن فكرة المصلح والمنقذ تدل على تأصل قضية المهدي (عجّل الله فرجه)، فالاعتقاد بها عالمي يستند إلى حتمية ظهور المخلص والمنقذ الذي تنتظره جميع الأديان والملل- صحيح أن الاختلاف وقع في شخص هذا المصلح وولادته وتوقيت ظهوره، إلّا أن القضية ليست مجرد حديث عن شخص مختلف فيه وفي وجوده، أو ظاهرة يتم التنظير لتفسيرها، بل هي مسألة ترتبط أشد الارتباط بالواقع، ترتبط بالحاجة لنشر الخير والمحبة بين بني البشر وإعمام القسط والعدل في أرجاء المعمورة، فإضافة إلى أنها عقيدة سماوية روحية فهي تنسجم مع سيكولوجيا الإنسان وما في عقله، ومع حالته الاجتماعية ونظمه السياسية.
إن قضية المهدي المنتظر- المنقذ للعالم أجمع - موجودة وتتطور عند البشر كلما أحست البشرية بالحاجة إلى هذا المنقذ، وما سلسلة الأنبياء والرسل إلّا تحقيق لهذه الحاجة في نفس الإنسان التواقة إلى رسم المستقبل المشرق لبني هذا الجنس، وهي حاجة تنبع من الإحساس الفطري إلى من يخلص العالم من الظلم والجور ويحقق الحلم العالمي ببناء نظام إنساني مستقر يرفل بالأمن والخير والسلام.
إنه كلما تعرض بني البشر لكوارث الظلم، واستغلال بني الإنسان، وجرائم الحاكمين، ومصائب الطامعين، كلما ازدادت حاجتهم، بل وتفكيرهم بهذا المصلح المخلص المنقذ والمهدي المنتظر، وكلما واجه العالم أتون البؤس والفقر ومسته نار الحرمان والتهميش، كلما ارتسمت أمامه صورة الإشراق وازدادت عنده وتعاظمت حالة الانتظار.
ولا يختلف البشر في ذلك وإن اختلفت معتقداتهم ومصادر تلك المعتقدات، فهي عند معتنقي الأديان السماوية، ومتبعي الأديان الوضعية فهو (بوذا) عند البوذيين و(تيودور) عند الأحباش.
أمّا عند اليهود فـ(مسيا)، عند المسيحيين (البار قليط)، وعند المسلمين (محمد المهدي).
فعقيدة الانتظار للمصلح والمنقذ هي عند كل البشر، وفي كل المعتقدات، وهي قبل الإسلام، وهذا دليل على قوة الإسلام، وخير دليل على أصالة الدين وتمثيله لحاجة النفس البشرية. وما تزع إليه من التأسيس لحياة حرة كريمة، وما يتفق مع الفطرة التي خلق عليها بني الإنسان.
لذلك جاء هذا الاتساق بين عقيدة المسلمين وعقائد غيرهم من أصحاب الأديان.
لقد مرت على البشرية في خط تاريخها الطويل حالات من الاختناق والتأزم، أفقدتها الأمل بالتخلص مما هي فيه.
فتولدت - وعند كل الأجيال - لأن يكون في خلدها حاجة ملحة لمن ينقذها ويخلصها ويزيل عنها ما تراكم من تسلط وحيف، وباتت حاجة فطرية يستشعرها الإنسان كلما ازدادت حالات ذلك الاختناق وتعقدت حالات التأزم، وخيم الظلم وكتم الفساد أفواه العباد، عندها تبرز حالة من الترقب والانتظار إلى من يخلص من على البسيطة من ورطتهم، فكان إحساس عالمي يشمل الناس جميعاً يحرك في البشر الأمل بالغد المشرق، وهو إحساس لا يختص بزمان أو مكان، لأنه نابع من حاجة البشر كل البشر.
فمناداة المسلمين باسم إمامهم، والدعاء له، وانتظار الفرج بظهوره لم تأت من فراغ، فهي متجذرة في القدم وأصيلة أصالة البشرية، ثابتة في فكر الإنسان وموجودة وجود الحاجة إلى النور بعد الظلام، إلى الخير بعد انتشار الشر، والحاجة إلى القسط والعدل بعد تفشي الظلم والجور.
إن انتشار ثقافة إسلامية مهدوية، برزت على الساحة الفكرية بشكل ملحوظ، وإذا استثنينا مسألة الخصوصية فيها، واستبعدنا الاختلاف في تفاصيلها، نتج عندنا وأصبح لدينا مشتركاً عالمياً تؤيده الحاجة الفعلية، وتدعمه النصوص الدينية، وأولها ما جاء من قوله تعالى: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾، ودلالته على عالمية القضية صدقاً، وعلى تطبيقها مصداقاً.