استدارة الفَلك
نور مهدي كاظم الساعدي
ورد في الروايات التي تروي شرائط ظهور الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) حديث عن استدارة الفَلك، منها ما ورد في خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكوفة إذ قال: «وفيَّ سُنّة من أيوب وسيجمع الله لي أهلي كما جمع ليعقوب شمله وذاك إذا استدار الفلك وقلتم ضل أو هلك ألا فاستشعروا قبلها بالصبر»، وذكر النعماني في غيبته أنّ المفضل بن عمر قال:
قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما علامة القائم؟ قال (عليه السلام): «إذا استدار الفلك، فقيل: مات أو هلك، في أي واد سلك»؟ قلت: جعلت فداك، ثم يكون ماذا؟ قال (عليه السلام): «لا يظهر إلّا بالسيف» ولعل السؤال الذي يتبادر لذهن القارئ مفاده:
ما هو المقصود باستدارة الفَلك؟
الفَلك بفتح الفاء يراد به مسار النجوم، كما في قوله تعالى: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾، أمّا بضم الفاء وتسكين اللام فيراد بها السفن كما في قوله تعالى: ﴿وَالْفُلْكُ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ مِمَّا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾.
والكلام في المقال حول المعنى الأول هو:
أوّلاً: استدارة مسار الفَلك - من نجوم وكواكب وغيرها - وتغيّر اتجاه حركته، وما يعضد هذا المعنى الأحاديث الواردة في أخبار ظهور الدجال وخروج دابة الأرض، منها ما جاء في حديث الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي نقله الشيخ الصدوق في (كمال الدين وتمام النعمة) إذ قال: «ترفع الدابة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله (جل جلاله)، وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة».
ثانياً: ما نقل عن الإمام الصادق (عليه السلام) من أنّه فسّر استدارة الفَلك باختلاف الشيعة بينهم، وبيّن (موجز دائرة معارف الغيبة) من أنّ استدارة الفَلك فيه دلالة على شدة الاضطراب وتزلزل الأحوال، وكأنّ هذا الاختلاف يُشعر باضطراب عام يشمل جميع أنشطة الحياة. فعن زائدة بن قدامة عن عبد الكريم قال: ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) القائم، فقال: «أنّى يكون ذلك ولم يستدر الفَلك حتّى يقال مات أو هلك في أي وادٍ سلك»، فقلت: وما استدارة الفلك؟ فقال (عليه السلام): «اختلاف الشيعة بينهم».
وما يعضد هذا المعنى ما نقل من أخبار عن اختلاف الشيعة قبل الظهور المبارك منها رواية أمير المؤمنين حيث قال (عليه السلام): «يا مالك كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا»، وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض، فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير؟ قال (عليه السلام): «الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا...» إلى آخر الرواية التي ذكرت في (الغيبة) للنعماني.
وهذا الاختلاف هو من باب التمحيص والغربلة - كما يشير لذلك ما روي عنهم (عليهم السلام) - حتى يبقى القليل الصالح المؤهل للقيام مع قائم آل محمد (عليهم السلام)، والنهوض بمسؤولية تلك المرحلة والتي لا يأتيها إلّا ذو حظ عظيم.