الحكمة من نزول عيسى (عليه السلام) آخر الزمان!
الشيخ محمد متولي الشعراوي/ عالم أزهري
ذهب قوم إلى أنه بنزول عيسى (عليه السلام) يرتفع التكليف لئلاّ يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم عن الله تعالى وينهاهم، وهذا امر مردود بقوله تعالى: (وخاتم النبييّن).
وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا نبي بعدي)، وقوله: (وأنا العاقب) يريد آخر الأنبياء وخاتمهم، وإذا كان ذلك فلا يجوز أن يتوهم أنّ عيسى (عليه السلام) ينزل نبياً بشريعة متجددة وغير شريعة محمّد نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل إذا نزل فإنّه يكون يومئذ من أتباع محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما أخبر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حيث قال: (لو كان موسى حياً ما وسعه إلا إتباعي).
فإنْ قيل: فما الحكمة في نزوله في ذلك الوقت دون غيره؟ فالجواب عنه في ثلاثة أوجه:
أحدها: يحتمل أنْ يكون ذلك لانّ اليهود همت بقتله وصلبه وجرى أمرهم معه على ما بيّنه الله تعالى في كتابه، وهم أبداً يدعون أنهم قتلوه وينسبونه للسحر وغيره إلى ما كان الله برّأه ونزهه منه، ولقد ضرب الله عليهم الذلة فلم تقم لهم منذ أعز الله الإسلام وأظهر رايته، ولا كان لهم في بقعة من بقاع الأرض سلطان ولا قوة ولا شوكة، ولا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة، فيظهر الدجال وهو أسحر السحرة، ويبايعه اليهود فيكونون يومئذ جنده مقدرين أنهم ينتقمون به من المسلمين، فإذا صار أمرهم إلى هذا أنزل الله تعالى الذي عندهم أنهم قد قتلوه وأبرزه لهم ولغيرهم من المنافقين والمخالفين حياً، ونصره على رئيسهم وكبيرهم المدعي الربوبية فقتله وهزم جنده من اليهود بمن معه من المؤمنين، فلا يجدون يومئذ مهرباً وإن توارى أحد منهم بشجر أو حجر أو جدار ناداه: يا روح الله ها هنا يهودي حتى يقف عليه. فأمّا أنْ يسلم وأما أن يقتل، وكذا كل كافر من كل صنف حتى لا يبقى على وجه الأرض كافر.
والوجه الثاني: وهو أنه يحتمل انْ يكون انزاله مدة لدنو أجله لا لقتال الدجال، لأنّه لا ينبغي لمخلوق من التراب أن يموت في السماء لكن أمره يجري على ما قاله الله تعالى: ﴿مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفيها نُعيدُكُمْ وَ مِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى﴾. فينزل الله تعالى ليقبره في الأرض مدة يراها فيها من يقرب منه ويسمع به من نأى عنه، ثم يقبضه فيتولى المؤمنون أمره ويصلون عليه ويدفن حيث دفن الأنبياء التي أمه مريم من نسلهم وهي الأرض المقدسة، فينشر إذا نشر معهم، فهذا سبب إنزاله، غير أنه يتفق في تلك الأيام من بلوغ الدجال باب لد.
هذا ما وردت به الأخبار فإذا اتفق ذلك وكان الدجال قد بلغ من فتنته إن ادّعى الربوبية ولم ينتصب لقتاله أحد من المؤمنين لقتلهم كان أحق بالتوجيه إليه ويجري قتله على يديه اذ كان ممن اصطفاه الله لرسالته وأنزل عليه كتابه وجعله وأمه آية فعلى هذه الوجه يكون الأمر بإنزاله لا أنّه ينزل لقتال الدجال قصداً.
والوجه الثالث: أنّه وجد في الإنجيل أمة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حسب ما قال وقول الحق سبحانه: (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجيلِ) فدعا الله (عزَّ وجل) أن يجعله من امة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فاستجاب الله تعالى دعاءه ورفعه إلى السماء إلى أن ينزله آخر الزمان مجدداً لما درس من دين الإسلام دين محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فوافق خروج الدجال فيقتله.
ولا بدّ على هذا أنْ يقال: إن قتاله للدجال يجوز أن يكون من حيث أنه إذا حصل بين ظهراني الناس وهم مفتونون قد عم فرض الجهاد أعيانهم وهو أحدهم، لزمه من هذا الفرض ما يلزم غيره، فذلك يقوم به، وذلك داخل في أتباع نبينا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم). وبالله التوفيق.