علامات الظهور واختلاط الأوراق
الشيخ محمد حسين الأنصاري
يعلم المتتبع لروايات الظهور أن الأمور قد اختلطت في كثير منها، وذلك لأنّ علماءنا الأعلام قد ركّزوا على الفقه، دون بقية موارد الروايات ليعرفوا الحلال من الحرام، لأجل المحافظة على دين الله في الأرض، وعدم ضياعه، فكانت مدرستهم الفقهية هي ملجأ الوافدين لمعرفة أحكام الله التي شرعها للناس، بعد أن فرّط الناس في خلفائهم، والجأوهم للإبتعاد عنهم، بل للغيبة.
وبطبيعة الحال اشتغالهم بالأهم جعلهم يصرفون وقتهم فيه، ولا يغوصون في أعماق هذه الروايات المتعلقة بالظهور، فنقل بعضها على ما هو عليه.
وبعضها قد طمر خوفاً من ظلم السلاطين وبطشهم. أوضاع في غمرة السنين.
ثم هناك القصاصون الذين يعيشون عالم الخيال، قد وضعوا ما وضعوا فيها. ربما شغف في ذلك محبوهم.
كذلك تحريف السنين، من حيث التلف، والنسيان والسهو، والغلط، والاشتباه.
كل ذلك اشترك في اختلاط الأوراق بعضها ببعض، من حيث الصدق والكذب، والزيف والإفتراء، والواقع والحقيقة، فضاعت الكثير من المعالم، وتشوهت كثير من الحقائق في هذا الزخم الهائل من الأيام والشهور والسنين.
لذا جاءت بعض الروايات كالأحجية، وبعضها قد اختلط بالبعض الآخر، وبعضها قد قطعت أوصاله، وبعضها يشعرك بوضعها أسلوبها.
ولكن ما بين هذا الزخم الهائل ظهرت معالم تدلّنا على ما يهم من الطريق، وحاشاهم أن يتركونا نضيع، وهم سفينة نجاتنا.
لذا أمرنا بالتدقيق في رواياتهم، والانتباه لما جاء فيها:
ورواية عن أبي عبيدة الحذّاء، عن الإمام أبي جعفر (عليه السلام) تنيبك عن ذلك: حيث قال له (صلّى الله عليه وآله وسلّم): والله، إن أحبّ أصحابي إلي: أورعهم وأفقههم، وأكتمهم لحديثنا. وإن أسوأهم عندي حالاً، وأمقتهم للذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا، ويروى عنا، فلم يقبله، اشمأز منه، وجحده، وكفّر من دان به، وهو لا يدري لعل الحديث من عندنا خرج، وإلينا أسند، فيكون بذلك خارجا عن ولايتنا... .
وهذه نماذج من الروايات:
- عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، ولا يملون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين.
- وفي حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام): كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق يطلبون الحق، فلا يعطونه، ثم يطلبونه فلا يعطونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلونه حتى يقوموا... ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم... قتلاهم شهداء... أما إني لو أدركت ذلك لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر.
- عن أبي عبد الله الحارث بن جزء الزبيدي قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): يخرج قوم من قبل المشرق فيوطئون للمهدي (عليه السلام) سلطانه. أي تبدأ عملية التوطئة للظهور من المشرق.
- ويقول الإمام الصادق (عليه السلام): ستخلو الكوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحية في جحرها.
ثم يظهر العلم ببلد يقال له قم، وتصير معدنا للعلم والفضل، حتى لا يبقى مستضعف في الدين، حتى المخدرات، وذلك عند قرب ظهور قائمنا (عليه السلام).
- وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) يشير إلى علامات الظهور: بين يدي القائم (عليه السلام) موت أحمر، وموت أبيض، وجراد في غير حينه أحمر كالدم، فأما الموت الأحمر فبالسيف، وأما الموت الأبيض فالطاعون.
- وعن الإمام الباقر (عليه السلام): لا يقوم القائم (عليه السلام) إلاّ على خوف شديد، وطاعون قبل ذلك. والظاهر أن المقصود من الطاعون الأوبئة.
- وعن أبي سعيد الخدري (رحمه الله) قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ...أبشروا بالمهدي (عليه السلام) فانه يأتي في آخر الزمان على شدة، وزلازل، يسع الله له الأرض عدلاً وقسطاً.
ونقول لعل ما يحدث في هذه الأيام من أحداث، وعلامات واضحة، وإشارات لائحة تنبيك عن قرب الظهور، ولكن كما قلنا إن الزمن طويل، فالقرب قد يكون بسنين معدودة، أو بعد عشرات منها، أو قد يتجاوزها بمقدار لا يعلمه إلا الله تعالى.
فـ (تسونامي) آسيا الذي حدث أواخر عام ٢٠٠٤م. الذي تسبب بموت أكثر من ربع مليون إنسان تقريبا ما زالت مأساته حاضرة في الأذهان.
وأعاصير أمريكا لا زالت لها واقعها الخاص، منذ عام ٢٠٠٤م حيث أصبحت (نيو اورليانز) لا جديد فيها إلا الخرائب.
وما زالت أعاصير أمريكا تضرب بها الأمثال.
وما زالت سومطرة المتكررة، بقوة درجاتها العالية، وهكذا اليابان، ذكرها يزلزل القلوب قبل الأقدام؛ فكل زلزال قوي، يتبعه زلزال أخر أقوى منه، وهذا ما لم يسجل في سجل الزلازل منذ أن نشأ، وهو ما صرح به علماء الأرصاد بأنفسهم.
ولو أخذنا فقط الشهرين الأولين لسنة (٢٠١٠م) لرأينا انه قد حدث فيهما أكثر من (٤٢) زلزالاً في محيط العالم، على ما أحصاه علماء الجيولوجيا، من بينها زلازل مدمرة عدة، ناهيك عن الكوارث الطبيعية من الفيضانات، والثلوج العجيبة، والهزات الأرضية التي تجاوزت الأعداد المعقولة لها، فضلاً عن الحروب والأمراض والأوبئة، ومرض السارس، وأنفلونزا الخنازير، ناهيك عن أمراض العراق السرطانية التي تولدت من الحروب الفتاكة.
ولعلها ليست بداية فقط، فأين المعتبر؟!