انتظار الفرج
الشيخ مرتضى علي باشا
ورد في العديد من الروايات الشريفة أن أفضل أعمال هذه الأمة هو انتظار الفرج. وهذا المصطلح (انتظار الفرج) ينطوي على عدة أبعاد:
الأول: أن الوضع الذي يعيشه العالم بأسره هو حالة من الضيق والاختناق والشدة. فالمنتظر يقرّ ويذعن بمدى انحراف الواقع الفعلي عن الحقيقة والصواب، ووصل إلى مستوى من الانزجار والتنفر بحيث يرى نفسه والعالم بأسره سجناء مقيّدين بأنواع القيود، لذا فهو ينتظر (الفرج) من هذا الوضع الذي يعيشه.
علينا أن لا نقتصر في رؤيتنا إلى الوضع الشخصي أو القومي. انظر إلى العالم كله، ستراه يعيش حالة من التخبط والابتعاد عن الله تعالى، عالم يسوده الظلم والقهر والفساد. ومن جهة أخرى يجب أن لا تقتصر رؤيتنا على البعد المادي، بل لا بدّ أن نستشعر الحاجة الروحية والمعنوية والأخلاقية.
أمّا الثاني فهو: الخلاص الحقيقي والتام لهذا العالم لا يكون إلاّ على يد المهدي (عجّل الله فرجه) الذي بشّر به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فالبشر مهما قام بواجبه في الإصلاح ومحاربة الفساد فإنه يؤدي وظيفته الشرعية، ويصلح بمقدار جزئي. أما الإصلاح التام والشامل لهذه الأرض فهو على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الذي يملأ الله تعالى به الأرض قسطاً وعدلاً.
والبعد الثالث: ما دمت منتظراً للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فأنت مؤمن به، مرتبط به، ذاكر له. وكل هذه الأمور من ركائز الإيمان وموجباته.
والبعد الرابع: ما دمت منتظراً، إذن ما زال الأمل مشتعلاً في قلبك، ولم يدخلك اليأس من روح الله ورحمته بسبب الشبهات أو طول المدة. وقد ورد في الدعاء الشريف (اللّهم وَلا تَسْلُبْنَا الْيَقينَ لِطُولِ الْأَمَدِ في غَيْبَتِهِ، وَانْقِطاعِ خَبَرِهِ عَنَّا، وَلا تُنْسِنا ذِكْرَهُ وَانتظارهُ، وَالْإيمانَ بِهِ، وَقُوَّةَ الْيَقينِ في ظُهُورِهِ، وَالدُّعاءَ لَهُ وَالصلاة عَلَيْهِ، حَتَّى لا يُقَنِّطَن طُولُ غَيْبَتِهِ مِنْ ظُهُورِهِ وَقِيامِهِ).
البعد الخامس: من ينتظر حدوث أمر ما؛ فإنه يهيّئ نفسه لاستقبال ذلك الأمر. مثلاً: من ينتظر مجيء ضيف لا شك أنه يهيء نفسه والمكان واللوازم لاستقباله، ولا يبقى ساكناً بلا حركة.
فمن ينتظر موعد الامتحانات الجامعية يبدأ بالاستعداد النفسي لها وتهيئة الجو المناسب ومراجعة الدروس والمذاكرة. لذا فانتظار المصلِح تعني الأمور التالية:
١- أن يصلح الإنسان نفسه بالقيام بالواجبات والابتعاد عن المحرمات. لا يمكن أن يكون الإنسان منغمساً في الشهوات أكثر فأكثر، ومع ذلك يدعي حبه وانتظاره للمصلح.
٢- إيقاد شعلة الأمل بالنصر والتأييد الإلهيين في نفسه، وفي نفوس بقية المؤمنين.
٣- نصرة قضية الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وأهدافه حتى قبل ظهوره، وذلك كلٌ من موقعه. فالشاعر ينصر القضية بشعره، وصاحب الفنون الجميلة ينصرها بفنه، وأصحاب المجموعات البريدية بما لديهم من قدرات وهكذا.
٤- التمهيد لخروج الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وقد جاء في الروايات الشريفة أن هناك من يمهّد أو يوطأ للخروج، كراية الخراساني، والرايات السود من المشرق. إذن (فكرة التمهيد) للخروج هي فكرة تعتمد على الروايات الشريفة، على عكس ما يفهم البعض من لزوم السكون التام إلى أن يحصل الظهور المبارك.