الرجعة (٣)
الشيخ حميد عبد الجليل الوائلي
تحدثنا في الحلقة الماضية عن أنّ الرجعة خاصة أو عامة؟ وهل هناك أكثر من رجعة، أو أنّها رجعة واحدة؟
وحديثنا في هذه الحلقة عن حقيقة الرجعة، وهل هي من عالم الدنيا أو من عالم آخر كعالم البرزخ أو القيامة أو غيرها؟
وسنقدم البحث فيما تنتهي إليه النتائج على أساس الروايات الواردة من أهل البيت (عليهم السلام)، علماً أننا سنقتصر على رواية واحدة، فيما سنفرد ذكر الروايات في أبحاث لاحقة لأنّها تنفع في جميع البحوث المترتبة على هذا البحث واللاحقة له.
فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: «يخرج مع القائم (عليه السلام) من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً من قوم موسى، وسبعة من أهل الكهف ويوشع بن نون وسليمان وأبو دجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً»، وفي مضمون هذا الخبر روايات أُخرى. ولابدّ من الالتفات إلى قضية في غاية الأهمية في مثل هذه الأبحاث، حيث الحديث عن الرجعة لا يمكن الوصول فيه إلى أي استنتاج ما لم يكن الاعتماد على الروايات في ذلك، فتفاصيلها غيب لا يظهر لنا إلّا بمقدار ما أظهره أهل البيت (عليهم السلام)، وأطلعوا من خلال حديثهم الناس على تلك الحقائق الغيبية، فمن لا يملك هذا المنهج يصعب عليه الولوج في التفاصيل وتحديد النتائج للأسئلة التي تقدمت.
وحيث إنّ الرواية المتقدمة دلّت على أنّ هؤلاء النفر من الأُمم السابقة سيرجعون مع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وحيث إنّه (عجّل الله فرجه) لم يكن قد مات ليرجع معهم بل غاب وسيظهر وسيرجعون معه، فهو (عجّل الله فرجه) يعيش في ضمن الإطار الطبيعي للحياة الدنيوية ويمارس فيها أعماله على أساس القوانين الطبيعية والقانون الدنيوي، ونقصد بالقانون الدنيوي هو النظام الاجتماعي الذي نعيش فيه الآن دون أي اختلاف، وكل ما يترتب على هذا النظام من قوانين، فمثلاً نظام العلاقات الاجتماعية، ونظام العلاقة الأسرية، ونظام الثواب والعقاب، ونظام التكليف والنُظم الإدارية الأُخرى كلها نعيشها ونتعامل مع بعضنا البعض على أساسها.
فالنتيجة بكلمة واحدة أنّ كلّ من يرجع في زمان ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) سيكون خاضعاً للنظام الطبيعي، سواء كان ذلك نظاماً إدارياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً، وسواء كان ذلك النظام مؤسساً على أساس قواعد شرعية أو على أساس قواعد عقلائية، وكل من يرجع سيكون محكوماً لهذا النظام، فإذا كان الأمر كذلك، ونحن نعلم من أدلّة أُخرى سنتذكر في حينها أنّ البرزخ والقيامة وعوالم ما عدا الدنيا لها نُظم خاصة حدثتّنا عن بعضها الروايات وبقي البعض الآخر في كتم الغيب وعالم المجهول بالنسبة إلينا، فلابدّ أنْ يكون الراجعون خاضعين لنُظم عالم الدنيا، فإنّ خصوصيات من يرجعون لابدّ أنْ تكون بعينها خصوصيات من هم موجودون الآن، لأنّه لو كان من يرجع يختلف من حيث اللطافة والتكليف لما صح إرجاعه مع من لا يتمتّع بهما ولأصبح إرجاعه لغواً.
وحيث إنّ الهدف الظاهري من الرجعة هو إشهاد الناس، الظالم والمظلوم بعض تجليات الرحمة الإلهية في تحقيق العدل، وهو عنصر مشترك بين ظهور الإمام (عجّل الله فرجه) وتحقّق الرجعة، فلابدّ أنْ تكون القوانين الحاكمة هي بذاتها التي وقع فيها الظلم، لكي يصح الاقتصاص من الظالم.
علماً أنّ من يدّعي أنّ الرجعة تخضع لقوانين أخرى غير التي نعيشها يكون قد ادّعى خلاف الأصل والمشاهد، وهو ما يحتاج إلى دليل.
فضلاً عن أنّ أدلّة التكاليف المطلقة لم ينص على نسخها أو تخصيصها أي دليل من أدلّة الرجعة فتكون سارية المفعول.