أبعاد الأمل في انتظار الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) (٢)
الشيخ محمد السند
نلاحظ في قضية (انتظار الفرج اكبر الفرج) إنّ أية امّة يصيبها إحباط بسبب شدة المحنة التي تعيشها إلاّ أنّ هناك قدرة للمقاومة والصبر من خلال مشروع الأمل بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فاكبر فرج يزيح عن الأمّة الإيمانية ويبعد المعوقات عنها هو انتظار الفرج، لأنه تطلّع عميق لمستقبل مشرق يضخ في روح المؤمنين طاقة جبارة من النشاط ومن الصبر والإخلاص، وغيرها من الفضائل والكمالات التي تنبع من هذا المعتقد، كما أنّ هناك الورع وهو اكبر الفضائل لدى الإنسان، فلا تغريه أية مغريات حتى لو كانت في طريق الاستقامة، إذن ليس عبطاً قول أعظم البشر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المتقدم، لأنّ انتظار الفرج رؤية عقائدية وينبوع لكل الكمالات للفرد والمجتمع.
وأحد أبعاده أن كل ما يطرح من طرح فإن الفرج يعني أنّ ما سيأتينا به المستقبل أكبر وآصل، وهذا يجذب العلماء للتعلّم أكثر وأكثر، كذلك يجذب الحوزات في الدين أكثر وأكثر، وهذا لا يعني أنّ هذا تشكيكاً في الثوابت، وإنّما الدين متين فاغلوا فيه برفق، فلا باطن من دون ظاهر ولا ظاهر من دون باطن... وهي رأس الخيط للوصول.
أيها الباحث أيها المفكر استيقظ، فهناك أفق للدين أكبر وأكبر، وواصل المسيرة العلمية، فعندما نقول التوسع في علوم الرياضيات متناغم مع الأوليات الرياضية بل مبني عليها. وفي هذا ردّ على شبهة أنه - أي الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) - يأتي بدين جديد أي لا صلة له بدين جده، وكثير من السذج ينطوي عليه هذا المعنى وتفسيراتهم الخاطئة له.
إنّ الفيزياء لو تعرضها على علماء الفيزياء قبل ٥٠ سنة فإنّهم يصابون بالجنون بسبب انذهالهم لهول وعظمة ما اكتشفوه في الفيزياء، ولكن هل هذا يناقض ما كانت عليه الفيزياء القديمة، لا، بل بالعكس إنّه مترابط، بل هي مبتنية عليها أي على ما أكتشف سابقاً، فالتوسع لا يعني نقض السابق بل ابتناءه عليه، وهذا حاصل في جميع المجالات، فتوسع العلوم لا يعني تناقض مسائلها. انّه ولحد الآن لم يكشف من العلم إلاّ حرفين، وسيكشف الإمام (عجّل الله فرجه) ٢٥ حرفاً منه، فهذان الحرفان لا تتناقض مع بقية الحروف المستقبلية بل تتلائم وتنسجم معها.
المهم أنّ انتظار الفرج أكبر الفرج، وهذا بنفسه باعث حثيث لمزيد من السعي في الوسط العلمي لدى العلماء، لا إنّه باعث لنسف الوسط العلمي واستهداف وتدمير الحوزات وقتل العلماء، بل هو باعث لمزيد من التمسك بالعلم والعلماء كي يكون طريق الفرج.
لاحظ إنّه حتى على صعيد الطابع العلمي كم هو يضخ بالفوائد العظيمة، وأحد أبعاد هذه القاعدة النبوية حصن من الانحراف أو عاصم من الانحراف، من خلال آليات عديدة:
فهو يعصم مسيرة الإيمان، لاحظ التأثير الوقائي العاصم للعقيدة المهدوية، وهي على مستوى المسلمين لا فقط على مستوى الشيعة، فكل من يدّعي المهدوية يتم تكذيبه بحسب ما ورد من أخبار ووعود النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إذ إن المسلمين موعودون بالمهدي لا بالسلفية ولا بالإخوان ولا بغيرها من الحركات. فكل مونتاج بديل عن الأصل يحاول اختطاف ذهن البشر عن البوصلة الحقيقية يتم تكذيبه، فالإيمان بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) واقٍ عن أي اغترار بأية أطروحة زائفة. واللطيف أنّ في هذا الأمل وهذا المستقبل الموعود والرؤية النبوية المعلمة للبشر حول هذا الأمل قد حدد في الروايات حتى معالمه العسكرية، ومعالمه الأمنية والسياسية والإرهاصات المرافقة له ليقول لنا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنّ معلم هذا الفرج لا تشتبهوا فيه مع زيفيّات أخرى لا من جهة الأرقام العسكرية، ولا من الجهة الزمنية ولا الجغرافية، بل إنّ كل المعالم واضحة أمامكم. فهو عاصم وواق ومثبّت للبشر على الطريق المستقيم، وكل البدائل الزيفيّة تسقط، فهناك الكفوء المذخور لهذا الأمر وهذا معنى الاصطفاء والحجية، فإنّ الإمامة الإلهية والاعتقاد بها وبالدولة الإلهية. طموح وتطلع إلى شيء عظيم.
طبيعة الحديث النبوي أنّه منفتح على جوانب عديدة، الآن لو نستطيع أن نرصد ألفاظ الحديث الشريف لأنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ألقاه بعدة قوالب (أعظم الفرج أو أفضل العبادة) وغيرها، وفي بعض الروايات (من مات منتظراً للفرج مات شهيداً أو مات على الصراط المستقيم)، لأنّ المنتظِر صفة عقائدية تنطوي فيها كل المعاني العقائدية التي مرت، فأنت منتظِر يعني إنك تتطلع إلى شيء عظيم، وإنك ملازم للصراط المستقيم ولا تستهويك فئات معترضة أو جماعات.
إنّ المنتظِر يختلف عن اليائس والمستعجل، أنت منتظِر فقدرة رباطك وتخطيطك وتدبيرك ذو أفق هائل، وهذه هندسة وحيانيّة لشيء عظيم في هذا الأوان وهو الانتظار، وهذه الاستراتيجية لا يمكن التلاعب بها.