ما هي حقيقة الانتظار؟
زهراء الفضلي
الانتظار عمل، فقد ورد أنّه (أفضل أعمال أمتي) فلا يعني السلبية، كالإمتناع من أي عمل جهادي يحلو للبعض أن يفهموه... ومن انتظر قافلة ليسافر معها فمن الطبيعي أن يكون على أتم استعداد للانطلاق بمجرد إيذانه بذلك... وبهذا يكون منتظراً لهذه القافلة، والانتظار لكل أمر يستلزم استعداداً متناسباً مع ذلك الأمر المنتظر. فانتظار سفر قصير يستلزم استعداداً معيناً... يختلف عن الاستعداد الذي يلزمه سفر طويل. ومن الواضح أنّ الإمام المنتظَر (عجّل الله فرجه) ينتظر قائداً، سيقود مسيرة تحفّ بها الملائكة وجمهورها أهل التقوى والعبادة... ويخوض المعارك الحامية الوطيس واحدة تلو الأخرى.
جاء عن الإمام الصادق (عليه السلام): ما تستعجلون بخروج القائم فو الله ما لباسه إلا غليظ وما طعامه إلاّ الشعير الجشب وما هو إلاّ السيف والموت تحت ظل السيف.
وهل يمكن تحقيق التناسب في نفس الإنسان مع هذه المسيرة إلاّ بالرعاية في مجالي الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر؟
وإذا كان المنتظِر له (عجّل الله فرجه) لم يهتم بتهذيب نفسه وتزكيتها فهل باستطاعته الإنسجام مع مسيرة المتيقن والأبدال...
كذلك إذا لم يكن يحمل روح الجهاد متشوقاً للشهادة في سبيل الله بما يلزمه ذلك من إعداد عسكري يمكنه من تقحّم ساحات الجهاد، فهل باستطاعته أن يجاهد بين يدي الإمام (عجّل الله فرجه)؟!
من الطبيعي جداً أنّ من لا يحرص على إعداد نفسه في هذين المجالين.. فلا يصح أن يسمى منتظراً.. بل ينبغي أن يخاف من شمول بعض الأحاديث له. من ذلك ما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): إذا خرج القائم (عليه السلام) خرج من هذا الأمر من كان يرى أنه من أهله ودخل في سنة عبدة الشمس والقمر.
إن ما ينبغي توفره في الأمة هو التقوى والمرابطة حتى تستجيب لقائدها وهو يخطو بها من نصر إلى نصر.
ولا يمكن التصدي لذلك إلاّ بالبناء الإيماني الصادق العميق وروح الجهاد المعتمدة على الله تعالى.. وهنا لا بّد من الوقوف على هذين العاملين:
الأول: التقوى
فإن الاعتقاد بوجود الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) وبيعته والمواظبة على آداب الغيبة، وكل ذلك لا ينفع صاحبه شيئاً إذا لم يكن متقياً...
فإن المسيرة التي سيقودها (عجّل الله فرجه) هي مسيرة أهل العبادة الذين تطوى لهم الأرض، أهل البصائر الذين لا ذنوب لهم تحجبهم عن رؤية الحقيقة حين (تتطاير القلوب مطايرها) ومما يرشدنا إلى الترابط بين الانتظار والتقوى ما ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه فجدّوا وانتظروا.
وبديهي أن التقوى لازمة على كل حال.. إلاّ أن المقصود هو الإشارة إلى هذه العلاقة بينها وبين الانتظار... فما على أحدنا إذا أراد أن يكون من جنوده (عجّل الله فرجه) إلاّ أن يعتني بتهذيب نفسه.. ليحصل على الأقل على شيء من التناسب بينه وبين هذه المسيرة الربانية التي سيملأ الله بها الأرض قسطاً وعدلاً.
العامل الثاني: المرابطة وروح الجهاد
لا شك أن الوقوف مع الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه) أثناء غيبته إنما يتحقق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله مع نائبه الفقيه الجامع للشرائط.. انطلاقاً من الاهتمام بأمور المسلمين ومواجهة الطواغيت الذين يريدون ليطفئوا نور الله تعالى... وفي هذا السياق يمكن فهم الروايات التي تتحدث عن إعداد السلاح أو واسطة النقل (الدّابّة) وغيرها.
فالانتظار عمل دائب باتجاه تزكية النفس (الجهاد الأكبر).
إن الانتظار لا يعني على الإطلاق تأجيل الصراع مع أعداء الله تعالى لأن ذلك قد يكون مقدمة للمعركة الفاصلة حتى تكون هي الفاصلة بإذن الله على يدي وليه الإمام المنتظر (عجّل الله فرجه).
وهكذا يتضح أن الانتظار هو إدراك لثلاثة أمور أساسية:
• ندرك قضية الإمام (عجّل الله فرجه) عقائدياً.. أي نؤمن بأن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري (عجّل الله فرجه) وأمه السيدة نرجس (عليها السلام) وهو مولود وحي وهو المذخور لقيادة اليوم الموعود.
• إدراك قضية الإمام (عجّل الله فرجه) نفسياً.. أي أن ندرّب أنفسنا على تطبيق أحكام الإسلام، كترويض النفس على الالتزام بالحجاب الكامل والمواظبة على صلاة الليل، وترك الغيبة. لأنّ الإمام عند ظهور لا يتعامل مع المذنب إلاّ بالسيف.
• ندرك قضية الإمام سلوكياً.. أي أن نمارس الدعوة له وننشر قضيته ونبشّر الناس باقتراب الظهور المبارك.
فهنا نكون من المنتظرين حقاً لإمامنا المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه).