المستقبل والانتظار والوعد
الدكتور علي أبو الخير
ربط الله تعالى المستقبل بما يمكن تسميته بفلسفة الانتظار، وقبل الحديث عن هذه الفلسفة الانتظارية نورد بعض الآيات التي تتحدث عن الانتظار والوعد الإلهي لأولئك المنتظرين: ﴿يَوْمَ يَأْتي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ﴾. ﴿وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرينَ﴾. ﴿فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرينَ﴾ ﴿وَقُلْ لِلَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَ تَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ ﴿وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذينَ كَفَرُوا إيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾.
﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولي بَأْسٍ شَديدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً﴾. ﴿فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبيراً﴾.
تفاوتت آراء المفسرين في شرحهم لكلمة الوعد كل حسب رؤيته الفكرية والمدرسة السياسية التي ينتمي إليها هؤلاء ما بين مفسر للوعد بأنه يوم البعث والنشور أو مفسر لها بأن هذا الوعد يعنى تلك الفتوحات الواسعة التي حدثت في الصدر الأول للتاريخ الإسلامي إلا أن هذه المرحلة قد تميزت بالإضافة لهذه الفتوحات بمجموعة أخرى من الحوادث السلبية التي شوهت المزاج النفسي للمسلمين كافة وأدت حسب ما نعتقد إلى إطلاق مجموعة أخرى من الروايات التبريرية الاعتذارية والتي تحمل في ثناياها اعترافا ضمنيا بالواقع الأليم الذي عاشته الأمة؛ في الآيات هنا تتحدث عن انتظار معلق بوعد إلهي لابد أن يتحقق، بعضها يتحدث عن انتظار يوم القيامة، أما الآيات الأخرى فإنها تتحدث عن شيء مستقبلي غير يوم القيامة، فيقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين، هنا يتحدى القرآن أولئك الحادين الكافرين عن أمر الله الذين طلبوا معجزة أو آية كونية يتحققون منها على صدق نبوته فيرد عليهم بأن الغيب عند الله وأنه سوف يعطيهم هذا المعجزة فيما بعد، في المستقبل لهم أو لأحفادهم أو لأمثالهم المنكرين لنبوة محمد، فقط عليهم الانتظار، قد تكون هذه المعجزة آية كونية، وقد تكون رجلاً مصلحاً، يقدم لهم هذه الدلالة الكونية عندما يندلع الصراع بين الحق والباطل، الحق الذي يمثله النبي الأعظم وأمته، والباطل لدى أولئك اليهود ومعهم قوى الاستكبار العالمي، وبالتالي يمكن ربط آيات الانتظار بالوعد الإلهي للمستضعفين بوراثة الأرض، والوعد الإلهي للمسرفين والمستكبرين واليهود جميعاً ﴿ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفينَ﴾، هنا يدرك الذين أوتوا العلم من قبله أن الله منجز وعده فوعده مفعول في ديمومة إنسانية تستهدف انتظار من يبعثه الله ليصلح العالم من خلال حرب تدور رحاها بين كل قوى الإيمان مجتمعة، وقوى الاستكبار مجتمعة، وللدلالة على أن هذه الحرب قادمة أن الأديان السابقة تعيش على نبوءات توراتية تستهدف انتظار المخلص، فرغم علمية العقل الغربي، إلا أنه يعيش على أساطير فيها بعض ما تبقى من نبوءات تنتظر الملك النبي كما عند اليهود، والمسيح الموعود عند النصارى، وهى أفكار إذا خلصت من شوائبها إن المخلص لابد أن يكون من داخل دولة التوحيد، من فكرة ثورة الانتظار القرآنية، وأن يتجسد هذا المنتظر في شخص من أهل بيت النبي المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد بشرت التوراة والإنجيل به (عجّل الله فرجه)؛ فهو الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا؛ والأرض هنا الكون بأسرة؛ وهو ما يهم الإنسان في انتظاره؛ الإنسان على اختلاف أديانه، خاصة المستضعفين من بني الإنسان.