التغيير وليد الفكر
الشيخ حسين عبد الرضا الأسدي
لقد بات واضحاً اليوم أن الفكر مهما كان قوياً وذا أسس متينة فإنه لوحده ليس كافياً لتغيير سلوك الناس، ما لم ترافق ذلك الفكر ظروف موضوعية مناسبة تحمل الناس على ترجمة ذلك الفكر إلى سلوك عملي وواقع معاش.
وهذا لا يعني الاستغناء عن الفكر، الذي يؤسس لتغيير السلوك، كلا، بل يعني أن تغيير السلوك حقيقة مركبة من بعد نظري يمثله الفكر، وبعد عملي تمثله تلك الظروف الموضوعية، ولذلك نجد أن الإسلام عندما جعل تشريعاته التي تمثل فكره بنحو عام، جعل إلى جانبها إجراءات عملية مناسبة لتحمل الناس على التزام السلوك المناسب لكل تشريع.
من هنا نجد أن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى جانب قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): قولوا لا إله إلا الله تفلحوا. يقول (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله.
والظهور المقدس يخضع لهذه الحقيقة، حقيقة أنه يوم تغيير سلوك يقوم على فكر متين، فإذا تهيأت الظروف الموضوعية المناسبة (مما يصطلح عليه بشروط الظهور) لم نستبعد آنذاك صدور الإذن الإلهي للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بالقيام بتلك الإجراءات العملية لتغيير السلوك.
ومن هنا يتبين:
أولاً: إن من أهم واجبات زمن الغيبة هو العمل على إرساء قواعد الفكر الإسلامي عموماً والمهدوي خصوصاً في نفوس الناس، فإن ذلك من المقدمات المهمة جداً ومن متممات شرائط الظهور.
ثانياً: ولأجل ذلك لا بد من استحداث طرق - لا تخرج عن الإطار الإسلامي العام - لنشر ذلك الفكر وتعميمه على ربوع الكرة الأرضية. فينبغي مواكبة الطرق الحديثة لنشر الفكر وعدم الجمود على الطرق الكلاسيكية التي صار مداها أقصر من رمية صبي.
ثالثاً: وقد نفهم من هذا أن أحد الأسباب التي أدت إلى تأخير يوم الظهور عن زمن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبقية الأئمة (عليهم السلام) راجع إلى عدم اكتمال الفكر المطلوب ليوم الظهور، فالنقص ليس في المعصومين، إنما هو في الناس (أو كما يقولون في الفلسفة ليس في الفاعل بل في القابل) حيث لم يكتمل فكرهم لتحمّل مسؤولية يوم الظهور.
ولعله من الأسباب التي أدت إلى تأخير يوم الظهور إلى يوم الناس هذا.
رابعاً: وسيتضح لنا من ذلك أيضاً ضرورة الإجراءات العملية التي سيقوم بها الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) مما حكته الروايات الشريفة، خصوصاً ما يتعلق بتصفية العناصر المنحرفة في المجتمع وإزاحتهم تماماً عن طريق التكامل، فإن مجرد الفكر - كما تقدم - لا يكفي لتغيير السلوك ما لم تصاحبه إجراءات عملية مناسبة.