وسائل بناء علاقتنا بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه)
السيد علي الحكيم
إنّ من المسائل المهمة لدى جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم، هي أن يكون الإنسان عارفاً لإمام زمانه، فقد ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية.
وقد روي هذا الحديث بعدة روايات، منها ما ورد عن عثمان بن محمد العمري (رضوان الله عليه) أنه قال: سمعت أبي يقول: سئل أبو محمد الحسن بن علي (عليه السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام): إن الأرض لا تخلو من حجة الله على خلقه إلى يوم القيامة، وإنّ من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فقال (عليه السلام): إن هذا حق كما أن النهار حق، فقيل له: يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ قال (عليه السلام): ابني محمد هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما أنّ له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج وكأني انظر إلى الإعلام البيض، تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.
إن مسألة معرفة الإمام من المسائل المهمة، فالإنسان الذي لا يعرف إمام زمانه معرّض لان يموت ميتة جاهلية، ونحن أتباع أهل البيت (عليهم السلام) نرتبط بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) ونعتبرهم حجج الله سبحانه وتعالى علينا، وهم الدعاة إليه والأدلاء عليه، والسبب المتصل بين السماء والأرض، نتولى آخرهم بما نتولى به أولهم، وندين لله سبحانه وتعالى بهذه العقيدة لما صح عندنا من الأدلة العقلية والنقلية بإمامتهم (عليهم السلام) أجمعين.
فإن البيعة التي في أعناقنا هي لإمام زماننا سيدنا ومولانا الحجة بن الحسن العسكري (عجّل الله فرجه)، وبالتالي فمن المفترض أن تكون هناك علاقة بين المأموم وإمامه، إذ لا يمكن أن نتصور أن الإمام - وهو أهم شيء في حياة الإنسان - لا تكون له من الناحية العملية والواقعية أية أهمية عند الإنسان، فالإمام من الناحية النظرية مقدم على النفس والأهل والولد وكل شيء، ولكن عندما نرجع الى واقعنا فقد لا نجد أن الإمام (عجّل الله فرجه) يشكل جزءاً مهماً من أوقاتنا اليومية. فعلينا أن نطرح على أنفسنا هذا التساؤل: كيف نبني العلاقة السليمة مع الإمام (عجّل الله فرجه)؟
هناك مجموعة من الوسائل والطرق لبناء العلاقة مع الإمام الحجة (عجّل الله فرجه). فهذه العلاقة لابدّ أن تتناسب مع مقام الإمام (عجّل الله فرجه) من جهة، ومع بركاته وما نعيش به من مننه (عجّل الله فرجه) من جهة أخرى، ومن هذه الوسائل:
دراسة آثار الإمام (عجّل الله فرجه) وما يتعلق به:
إن الإمام (عجّل الله فرجه) هو الإمام الحي الواجب الإتباع والذي نرتبط به ببيعة له في رقابنا، وحينئذ لا بد من تعويض عملية عدم اللقاء به والتشرف بخدمته، بدراسة الأمور المتعلقة به (عجّل الله فرجه) كافة، من حيث حياته، وصفاته، وتاريخ غيبته، وتاريخ الغيبة الصغرى وما جرى فيها من أحداث واتصال مع الإمام (عجّل الله فرجه) بواسطة سفرائه، ومن المهم جداً أيضاً دراسة الروايات الواردة في ما يتعلق بالغيبة الكبرى، وما يجري فيها من علامات الظهور له (عجّل الله فرجه)، فإن هذه الدراسة لها أثرها الكبير في حياة الإنسان المؤمن وعلاقته بالإمام صاحب الأمر (عجّل الله فرجه) من حيث مجموعة من الأمور، منها:
- زيادة المعرفة بالإمام (عجّل الله فرجه)، التي لها أثرها الكبير في سلامة العقيدة وزيادة الأجر والثواب، وعظم المقام عند الله سبحانه وتعالى، فالإيمان بالإمامة من المسائل العقائدية المهمة جداً، وبالتالي كلما ازداد التعمق في المسائل العقائدية وترسخت القضية العقائدية في نفس الإنسان المؤمن، كلما كان ذلك ادعى لزيادة الأجر والثواب وعمق المعرفة به (عجّل الله فرجه).
فالمعرفة المطلوبة بإمام الزمان (عجّل الله فرجه) والتي تعد من الأمور الواجبة لها عدة مراتب، فكلما ازدادت هذه المعرفة زاد إيمان الإنسان، وكلما قلت كان ذلك سبباً مؤثراً على الحالة الإيمانية له.
- الإحساس بحياة الإمام (عجّل الله فرجه) وتلمس آثار وبركات حياته (عجّل الله فرجه) وتأثيرها في حياتنا، فعندما يعرف الإنسان أن الإمام يعيش فيما بيننا، وأن أعمالنا تعرض عليه، وأن له تأثيرات كثيرة في حياتنا، وانه أحد أهم عوامل البركة، بل أن الكون وترابطه والمحافظة عليه إنما هو بسبب وجوده الشريف، فكلما عرف الإنسان ذلك كلما تفاعل مع قضية الإمام (عجّل الله فرجه)، على أنها قضية يعيشها يوميا، لا أنها مجرد فكرة سوف تحدث في مستقبل الأيام.
- في دراسة الروايات الواردة فيما يتعلق بالإمام الحجة (عجّل الله فرجه) يجد الإنسان المؤمن منهجاً حياتياً كاملاً له، وذلك من خلال دراسة فترة الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى، وما جرى فيهما على شيعة آل البيت (عليهم السلام)، وكيفية تدخل الإمام (عجّل الله فرجه) في حل الكثير من الإشكالات القائمة، ودفع المسيرة ببركة وجوده الشريف، فكل ذلك يعطي للإنسان منهجاً في حياته، وكيف يمكن أن يتحرك ويتفاعل مع الأحداث في زمن غيبته (عجّل الله فرجه).
ولعل التوقيع الشريف الصادر عنه (عجّل الله فرجه) إلى الشيخ المفيد (رضوان الله عليه): نحن وإن كنا نائين (ثاوين) بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله سبحانه وتعالى لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ... إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء... .
- عندما ينظر الإنسان إلى الدنيا وما يجري فيها من غلبة الكفر وضعف المسلمين وهوانهم، يعيش حالة اليأس والقنوط والحيرة في طريقة العمل للنهوض بهذه الأمة وإرجاع مجدها الغابر، ولكنه عندما يرجع إلى الروايات الواردة بشأن الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) يجد الأمل، ويجد الضوء في نهاية النفق المظلم، وهكذا يعيش الإنسان الموالي لأهل البيت (عليهم السلام) حالة الأمل الذي يضفي السعادة على حياته، وما أقسى الحياة من غير هذا الأمل؛ لذلك نلاحظ أن شيعة آل البيت (عليهم السلام) طيلة مسيرتهم الممتدة خلال الخمسة عشر قرناً الماضية تحملوا ما لا يستطيع غيرهم تحمله؛ باعتبار أنهم يعيشون المستقبل ويعيشون الأمل.
- رفع مستوى الولاء من خلال زيادة المودة للإمام (عجّل الله فرجه)، فنحن نعلم أن الإيمان هو حالة الحب والبغض كما عبر عن ذلك أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
فعن فضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحب والبغض أمن الإيمان هو؟ فقال (عليه السلام): وهل الإيمان إلاّ الحب والبغض. والمحبة الحقيقة هي التي تنبع من المعرفة، فكلما ازداد الإنسان معرفة بالإمام (عجّل الله فرجه) ازداد حباً له، والحب يعني الطاعة والولاء والإنقياد والأتباع، وكل ما فيه رضاً للمحبوب (عجّل الله فرجه).
وهناك العشرات من الكتب والمؤلفات حول الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يمكن الرجوع إليها والإستفادة منها.