معرفة الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) في الزيارات (١)
الشيخ حسين الصالح
من الصفات البارزة لأهل الإيمان هي الوفاء بالعهد وأداء الأمانة، حيث ورد في الكتاب العزيز: ﴿قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ... وَالَّذينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ﴾، وفي السنة الشريفة ذكر أنها من صفات المؤمنين ومن شروط الإيمان كقول الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «ثلاثة لا عذر لأحد فيها، أداء الأمانة إلى البَر والفاجر، والوفاء بالعهد إلى البَر والفاجر...».
فكلّما تكون الأمانة والعهد والميثاق أهم، يكون الوفاء بها وأداؤها أخطر، ومن أبرز وأهم مصاديق الأمانة والعهود هي مواثيق وعهود الإقرار بالتوحيد والرسالة والإمامة والولاية، فقد وردت روايات مستفيضة، بل متواترة عند الفريقين بأنّ المقصود من الأمانة والعهد في القرآن الكريم هي ولاية أمير المؤمنين وولاية الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام).
روى الشيخ الصدوق (قدس سره) في الموثّقة عن أبي بصير: قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ قال (عليه السلام): «الأمانة الولاية».
فيجب على كلّ مؤمنٍ يؤمن بالله العظيم، وعلى كل مسلمٍ يعتقد بنبوّة خاتم المرسلين وجوباً اعتقادياً معرفياً أن يفي بعهده وميثاقه مع إمامه، فإنّ وفاء العهد مع حجّة الله وأداء حقوقه وفاء بالعهد الإلهي والميثاق الربانيّ، ومن أحسن طرق الوفاء والأداء زيارة الأئمة (عليهم السلام)، حيث قال الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام): «إنّ لكل إمامٍ عهداً في عُنُق أوليائه وشيعته، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء، زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم، وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة».
فللزيارة غايات مهمة وكبيرة، فمنها أنّ زيارتهم زيارة الله تعالى، ومنها أنّها إكرام للمزور وتعظيماً له واستيناساً به، ومن أعظم غايات الزيارة معرفة الزائر المزورَ عن طريق زيارته، فليست الزيارة فعلاً بدنيّاً ولسانيّاً فحسب، بل حقيقتها المعرفة القلبية والارتباط المعنوي والروحي مع الإمام المعصوم (عليه السلام)، فلهذا حثّنا أئمتنا (عليهم السلام) على الزيارة وأكدوا أشد التأكيد على الإتيان بهذه الفريضة الإيمانية الاعتقادية، وعلّمونا طريقة الزيارة، وعرّفونا أنفسهم عن طريق هذه الزيارات الشريفة.
فيجب علينا أن ننظر إلى الزيارات، كمتون عقائدية معرفيّة، وندقّق في عباراتها، ونتدبّر في مضامينها، ونتعقّل في مفاهيمها العليا، لنعرف المزورَ ومكانته ومقامه عن طريق زيارته.
ومن أحسن نماذج الزيارات الواردة في معرفة الأئمة (عليهم السلام) عموماً (زيارة الجامعة الكبيرة) وفي معرفة الإمام الغائب عن الأبصار الحجة بن الحسن المهدي (عجّل الله فرجه) خصوصاً (زيارة آل يس)، حيث قال الإمام الحجّة (عجّل الله فرجه): «فإذا أردتم التّوجه بنا إلى الله تعالى وإلينا فقولوا كما قال الله تعالى: ﴿سَلامٌ عَلى آلْ ياسينَ﴾».
فمن أهمّ وظائفنا في زمن الغيبة زيارة الإمام (عجّل الله فرجه)، فإنّه يسمع كلامنا ويردّ جوابنا وغير مهمل لمراعاتنا، فقد ورد في رواية عن أحمد بن إبراهيم قال: (شكوت إلى أبي جعفر محمد بن عثمان [النائب الثاني للإمام الحجّة (عجّل الله فرجه)] شوقي إلى رؤية مولانا (عجّل الله فرجه). فقال لي: مع الشوق تشتهي أنْ تراه؟ فقلت: نعم، فقال لي: شكر الله لك شوقك وأراك وجهه في يسر وعافية، لا تلتمس يا أبا عبد الله أنْ تراه، فإنّ أيام الغيبة تشتاق إليه ولا تسأل الاجتماع معه، إنّها عزائم الله والتسليم لها أولى، ولكن توجّه إليه بالزّيارة).
فمن الواجب علينا دوام الارتباط القلبي والروحي مع ولي زماننا وحجة الله علينا عن طريق زيارته لنحافظ على إيماننا وعقيدتنا في غيبته ومعرفته عبر هذه الزيارات.