معرفة الإمام (عجّل الله فرجه) على ضوء الزيارات (٣)
الشيخ حسين الصالح
أعزائي القراء الناهلين من بساتين الهدى الحياة الأبدية، ها نحن ذا عدنا لحديقة الحياة النورانية لنقطف سويا تلك الإيجابية الموجهة لطريق الحق وامتداد الرسالة السماوية، ونستمد من المعين المقرب لنا للتعرّف أكثر على شخصية ومقام إمام العصر والزمان (عجّل الله فرجه) كيف لا يكون وهو خاتم الأوصياء وحامل لواء الحق وكلمة التوحيد، والمنتظر في كل حين.
إنّه (عجّل الله فرجه) كآبائه الطاهرين (باب الله) كما ورد في زيارته (عجّل الله فرجه): (السلام عليك يا باب الله وديّان دينه) وكما ورد في دعاء الندبة: (أين باب الله الذي منه يؤتى)
والمقصود من (باب الله) باب علمه وتوحيده وأحكامه وأسراره وجميع ما جاء به الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلنوضح هذا المقام والمنصب العظيم الإلهي الذي أعطاه الله تبارك وتعالى، ويجب علينا الالتزام به اعتقاداً وعملاً في ضمن نكات:
- باب التوحيد ومعرفة الله: أنّ الله تعالى خلقنا للعبودية كما صرّح في قوله: ﴿وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ تتفرع العبودية والعبادة على المعرفة، فالعبادة بدون معرفة محال، إذن أساس الدين وركنه هو معرفة الله (عزَّ وجل): (أول الدين معرفته) وكذلك لا يمكن معرفة الله في يومنا هذا من غير طريق الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) الذي هو (باب معرفة الله والسبيل والطريق إلى معرفته سبحانه).
وبيّن الإمام الحسين (عليه السلام) هذا المطلب لأصحابه فقال (عليه السلام): أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلاّ ليعرفوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه، فقال له رجل يا ابن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله؟
قال: معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته) فالإمام المهدي عليه السلام يهدينا الى معرفة الله تعالى وهو الهادي في هذا العصر وهو تفسير لقوله تعالى: ﴿إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ﴾.
- باب محبة الله: علامة محبة الله، التبعية والإطاعة لولي الله المنصوص من قبل الله تعالى كما قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ فإتباع النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) محبة الله ورضاه غفران الذنوب، فأي سعادة أعظم من أنْ يكون الإنسان محبوباً لربه وخالقه ونيل هذا المقام مرهون بإطاعة الله وإطاعة الله تظهر في إطاعة ولي الله المعصوم.
ومن العجيب أنّ الله أمر نبيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع كونه سيد الخلق من الأولين الآخرين بحب الإمام الحجة (عجّل الله فرجه) في ليلة المعراج، في ليلة معراج حين رأى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنوار الأئمة الاثني عشر في المعراج ونور القائم من آل محمّد (عليهم السلام) في وسطهم يتلألأ كأنه كوكب درّى فسئل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يا رب من هؤلاء؟ فأوحى الله تعالى لنبيه المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم): هؤلاء الأئمة وهذا القائم يحل حلالي ويحرم حرامي وينتقم من أعدائي يا محمد أحببه فإني أحبه وأحب من يحبه.
- باب العلم الرباني: لا يخفى فضيلة العلم ومكانة العالم على العقلاء وأنّه من أعظم نعم الله التي وهبها لعباده، ولكنّ الله تعالى أمر أنْ نأخذ العلم من العلماء الربانيين الذين هم الراسخون في العلم وهم عيش العلم وموت الجهل وهم المعصومون الأربعة عشر (عليهم السلام) كما ورد في تفسير قوله تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إلى طَعَامِهِ﴾ عن الإمام الباقر (عليه السلام): (علمه الذي يأخذه عمن يأخذه) ومن أخذ العلم من غير أهل العصمة (عليهم السلام) هلك وأهلك ولذا حث أئمتنا (عليهم السلام) بأخذ العلم منهم لأنّهم خزّان علم الله كما قال الإمام الصادق (عليه السلام) لبعض المخالفين: شرّقا وغرّبا فلا تجدان علماً صحيحاً إلاّ شيئاً خرج من عندنا أهل البيت.
وكما أنّ سيد الأوصياء أمير المؤمنين (عليه السلام) هو باب العلم الإلهي وباب الحكمة النبوية، كذلك وارثه ووصيه خاتم الأوصياء (عجّل الله فرجه) كما قال في وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام): يا كميل ما من علم إلاّ وأنا أفتحه وما من سر إلاّ والقائم يختمه.
فالله تبارك وتعالى يملأ به الأرض عدلاً وقسطاً وعلماً ونوراً كما ملئت ظلماً وجوراً وجهلاً، فحينما يقوم القائم (عجّل الله فرجه) (وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم).