المنظومة القضائية في عصر الظهور
الشيخ علي العلي
عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) أنّه قال: إذا قام قائم آل محمّد (عليه السلام) حكم بين الناس بحكم داوود، لا يحتاج إلى بيّنة، يلهمه الله تعالى فيحكم بعلمه.
وقال (عليه السلام): إذا قام قائم آل محمد بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول عهدك في كفك فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه فانظر إلى كفك وعمل بما فيها.
١- القضاء ومعطياته في الإسلام:
لربما كان القضاء من أكثر المواضيع التي ترتبط بحياة الإنسان مباشرة لأن المسألة فيه تخص الحقوق والواجبات.
وهو الذي يسعى لتحقيق العدل. فهو مرتبط به ارتباطاً مباشراً لأنه هو الأداة التنفيذية لسن هذا العدل وإقامته، وإصدار الأحكام التي يثيرها، وكذلك حل المنازعات التي يمكن أن تكون.
ولقد أشار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى مصادر استلهام الأحكام والتعاطي مع التشريعات.
حيث يقول (عليه السلام) في خطبة له: فلما أفضت إليَّ [يعني المسألة] نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته وما استنه النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فاقتديته.
فالإمام (عليه السلام) يحدد المصدر ويؤكد أنه القرآن الكريم وسنّة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
٢- ما هو عليه القضاء في عصرنا الحاضر زمن الغيبة الكبرى:
القضاء مشكلة المشاكل كان وما يزال من أبرز المواضيع التي ينبغي التأمل فيها.
إن دائرة القضاء فيها عدة معطيات، وفيها أمور كثيرة، وإنّ القاضي في عصرنا الحالي، زمن الغيبة الكبرى، نجد انه يتعامل في حكمه مع البينات والإيمان، فدائرته في الحكم هي اليمين وإن لم تكن فهي البينة - أي من بعض حيثيات القضية -.
هذه هي دائرته ولا يمكن له تجاوزها.
فدائرة القاضي العادي أن يتعامل بالإيمان والبينات ليقضي إذا ثبت أمامه بضوئها.
وإن أبرز المؤسسات التي يلجأ إليها الناس من أجل الحصول على حقوقهم المهتضمة، هي المحاكم على اختلاف أنواعها وأشكالها.
وليكن في الحسبان أن مصادر التشريع لهذه المحاكم مصادر عديدة أحدها التشريع الإسلامي.
إن المنظومة القضائية هدفها إحقاق الحق وإقامة العدل، وإذا فقدت هذا الدور اختلّت منظومة العدل، وهذا ما هو حاصل وعلى طول زمن الغيبة الكبرى إنْ لم نقل قبلها أيضاً.
٣- كيفية تعاطي دولة الإمام مع غير المسلمين:
نعلم أنّ مصادر التشريع الأساسية هي القرآن والسنة، وأن القاضي كيف كان فهو يعمل بالبينات والإيمان.
وقد تثار إشكالية أن الحكومة العالمية بحكومة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، يخاطب فيها النصارى، ويخاطب فيها اليهود، فكيف نحكم بالقرآن، وهناك روايات تقول إنه -أي- الإمام (عجّل الله فرجه) سوف يحكم لأهل الزبور بزبورهم وأهل التوراة بتوراتهم.
وجواباً على هذا الأشكال نقول:
ليست هذه إشكالية عظيمة، لأنّ جوهر الكتب السماوية يتطابق تماماً مع القرآن، كتاب الإسلام.
لأن الدين عند الله الإسلام. ورسالة الختام رسالة محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) متطابقة مع كل رسالات الأنبياء مع عمومية وشمولية هذه الرسالة العالمية، وأن هناك أحكام واضحة وجليّة في التعاطي مع غير المسلمين لذلك فإن هذه المنظومة متكاملة من هذه الجهة.
وقد جاء في الروايات أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) عندما يظهر يستخرج الزبور والتوراة والإنجيل، وقبل التحريف طبعاً.
٤- كيف يحكم الإمام في دولته:
هناك - وكما قدّمنا - رواية للإمام الصادق (عليه السلام): أنّ الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يحكم بحكم داوود ولا يحتاج إلى بيّنة، بمعنى أنه (عجّل الله فرجه) لن يكون له غير مصدر واحد في قضائه وإصدار أحكامه فلا بيّنة ولا إيمان، فهو (عجّل الله فرجه) يحكم بعلمه.
وقد يأتي السؤال كثيراً فأين سنّة جده رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بل أين القرآن.
وهنا نقول جواباً على ذلك: إنّ هذا الإمام منصّب بالنص، وهو عدل القرآن، ومن غير المعقول أن يحكم بحكم غيره.. وهل البيّنة أقوى من حكم القرآن ومن علم الإمام الذي يحيط بالدائرة التشريعية والتكوينية.. وإنّ البيّنة قد تكون غير كافية ولا تتوفر فيها الدلالة القوية والواضحة وإن بدت كذلك ظاهراً.
إنّ الإمام (عجّل الله فرجه) يفعّل علمه في دائرة التشريع والتكوين لإقامة العدل الإلهي.
إن المنظومة القضائية في عصر الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ودولته العالمية سوف تكون مختلفة عما نحن عليه الآن تماماً.
فسوف يكون هناك قضاء الإمام (عجّل الله فرجه)، وهناك قاض أو قضاة يحكمون بسلطة المعصوم وطريقته فهم لا يميلون عنه، فهم مثله يقيمون الحق في دولة سمتها العدل.
إذن القضاء مؤسسة سوف تكون مزدهرة فيما بعد الظهور المهدوي المقدّس سوف تكون هذه المؤسسة العنوان المشرف لتلك الدولة. حيث العدل الاجتماعي والأمن القضائي.. فإذا صلح القضاء صلح كل أمر في الدولة، فالعدل أساس الملك. كيف لا والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) هو نفسه القانون، وهو القرآن والسنّة.