فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 الصفحة الرئيسية » المكتبة التخصصية المهدوية » كتب أخرى » الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة
 كتب أخرى

الكتب الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة

القسم القسم: كتب أخرى الشخص المؤلف: محمد بن الحسن الحرّ العاملي تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٦/١٦ المشاهدات المشاهدات: ٢٤١٩٠٥ التعليقات التعليقات: ٠

الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة

المؤلف: المحدث الخبير محمد بن الحسن الحرّ العاملي (العلامة الشيخ حرّ العاملي)
تحقيق: مشتاق مظفر

فهرس الموضوعات

الإهداء

مقدمة التحقيق
مقدمة الكتاب
الباب الأوّل: في المقدّمات
الاُولى: وجوب التسليم لما ورد عنهم عليهم السلام
الثانية: حديث آل محمد عليهم السلام صعب مستصعب ولا يجوز إنكاره
الثالثة: عدم جواز التأويل بغير نص ودليل
الرابعة: عدم جواز التعمق والتدقيق المنا في للتسليم
الخامسة: وجوب الرجوع في جميع الأحكام إلى أهل العصمة عليهم السلام
السادسة: وجوب العمل بما لا يحتمل التقية وترك ما عارضه إذا وافق التقية
السابعة: وجوب الرجوع في جميع الأحكام إلى رواة الحديث فيما رووه عنهم عليهم السلام
الثامنة: وجوب عرض الحديث المشكوك فيه، والحديثين المختلفين على القرآن
التاسعة: وجوب ترجيح الحديث الموافق لاجماع الشيعة
العاشرة: الاشارة الى جملة من وجوه الترجيح المنصوص في محال التعارض
الحادية عشرة: وجوب الرجوع الى الكتب الأربعة وأمثالها
الثانية عشرة: ذكر الكتب المعتمدة التي نقل منها الشيخ الحر العاملى
الباب الثاني: في الإستدلال على صحّة الرجعة وإمكانها ووقوعها وفيه وجوه
الأول: الدليل الذي استدلوا به على صحة المعاد
الثاني: الآيات القرآنية الدالة على المعاد
الثالث: الأحاديث المتواترة عن النبي والأئمة عليهم السلام في الرجعة
الرابع: إحماع الشيعة الامامية على اعتقاد صحة الرجعة
الخامس: ثبوت الرجعة من ضروريات مذهب الامامية
السادس: إن الرجعة قد وقعت في بني اسرائيل والامم السالفة
السابع: صحة الرجعة وثبوتها ووقوعها من اعتقادات أهل العصمة عليهم السلام
الثامن: إنا مأمورون بالاقرار بالرجعة واعتقادها
التاسع: الرجعة لم يقل بصحته إحد من العامة
العاشر: إن الامام يجب إن يكون مستجاب الدعوة
الحادي عشر: إن الله ما اعطى احد من الأنبياء فضيلة ولا علما الا وقد أعطى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم
الثاني عشر: إن الامام عالم بالاسم الأعظم
الباب الثالث: في جملة من الآيات القرآنية الدالّة على صحّة الرجعة ولو بانضمام الأحاديث في تفسيرها
الاُولى:
الثانية:
الثالثة:
الرابعة:
الخامسة:
السادسة:
السابعة:
الثامنة:
التاسعة:
العاشرة:
الحادية عشرة:
الثانية عشرة:
الثالثة عشر:
الرابعة عشر:
الخامسة عشر:
السادسة عشر:
السابعة عشر:
الثامنة عشر:
التاسعة عشر:
العشرون:
الحادية والعشرون:
الثانية والعشرون:
الثالثة والعشرون:
الرابعة والعشرون:
الخامسة والعشرون:
السادسة والعشرون:
السابعة والعشرون:
الثامنة والعشرون:
التاسعة والعشرون:
الثلاثون:
الحادية والثلاثون:
الثانية والثلاثون:
الثالثة والثلاثون:
الرابعة والثلاثون:
الخامسة والثلاثون:
السادسة والثلاثون:
السابعة والثلاثون:
الثامنة والثلاثون:
التاسعة والثلاثون:
الأربعون:
الحادية والأربعون:
الثانية والأربعون:
الثالثة والأربعون:
الرابعة والأربعون:
الخامسة والأربعون:
السادسة والأربعون:
السابعة والأربعون:
الثامنة والأربعون:
التاسعة والأربعون:
الخمسون:
الحادية والخمسون:
الثانية والخمسون:
الثالثة والخمسون:
الرابعة والخمسون:
الخامسة والخمسون:
السادسة والخمسون:
السابعة والخمسون:
الثامنة والخمسون:
التاسعة والخمسون:
الستّون:
الحادية والستّون:
الثانية والستّون:
الثالثة والستّون:
الرابعة والستّون:
الباب الرابع: في إثبات أنّ ما وقع في الاُمم السابقة يقع مثله في هذه الاُمّة
كل ما أعطى الله للأنبياء أعطاه لمحمد وآل محمد عليهم السلام
اعطي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنين وسبعين حرفا من الاسم الاعظم
لم يجتمع الناس على بيعة أبي بكر
جلوس حيان السراج في مجلس أبي عبد الله عليه السلام
خطبة سلمان المحمدي في اثبات الرجعة
ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعطاه لأمير المؤمنين عليه السلام ثم اماما بعد إمام
ما جرى في امم الأنبياء السابقين يجري في هذه الامة
الباب الخامس: في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت في الاُمم السابقة
احتجاج الامام الرضا عليه السلام على أهل المقالات في احياء الموتى
مجلس للامام الرضا عليه السلام عند المأمون في عصمة الأنبياء عليهم السلام
فتية يدعون الله عزوجل لاحياء ميت
بعث عيسى عليه السلام في زمن ظهرت فيه الأمراض
قدرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل ما جاء به عيسى عليه السلام
حلول الطاعون في مدينة من مدائن الشام ثم أحياهم الله تعالى
عيسى عليه السلام يحيي والدا وحيد لامة فيعمر عشرين سنة
إبراهيم عليه السلام يذبح أربعة من الطير
ولد وحيد لامة يموت بسبب نصف قرصة
الخضر يظفر على عين فيها ماء الحياة
موسى عليه السلام يأمر قومه بذبح بقرة لاحياء ميت
عيسى عليه السلام أحيا أربعة أنفس عازر وابن العجوز وابنة العاشر وسام بن نوح
موسى عليه السلام يحيي شابا حديد عهد بالزواج
إبراهيم عليه السلام يحيي أربعة من الطير
آمن الملك وأهل مملكته بسبب إحياء ولده
طفلان أحياهما الله بسبب صبر امهما
احتجاج الامام الصادق عليه السلام على الزنديق في إحياء الموتى
سارة وآسية ومريم وحوا يزرن خديجة الكبرى عند ولادة الزهراء عليهم السلام
ملك الروم يؤمن بنبوة عيسى عليه السلام
الباب السادس: في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت في الأنبياء والأوصياء السابقين عليهم السلام
الباب السابع: في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت في هذه الاُمّة في الجملة
الباب الثامن: في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت للأنبياء والأئمّة عليهم السلام في هذه الاُمّة بالجملة
الباب التاسع: في جملة من الأحاديث المعتمدة الواردة في الإخبار بوقوع الرجعة لجماعة من الشيعة وغيرهم من الرعية، وما يدلّ على إمكانها وعدم جواز إنكارها
الباب العاشر: في ذكر جملة من الأخبار المعتمدة الواردة في الإخبار بالرجعة لجماعة من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام
الباب الحادي عشر: في أنّه هل بعد دولة المهدي عليه السلام دولة أم لا؟
الباب الثاني عشر: في ذكر شبهة منكر الرجعة والجواب عنها
فهرس مصادر التحقيق

الإهداء

إلى الذي بيُمنه رزق الورى.
إلى الذي بوجوده ثبتت الأرض والسماء.
إلى الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطا.
إلى الذي إليه منتهى مواريث الأنبياء.
إلى حجّة الله على مَنْ في الأرض والسماء.
إلى نور الله الذي لا يُطفى.
إلى صاحب يوم الفتح وناشر راية الهدى.
إلى ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى.
إلى معزّ الأولياء ومذلّ الأعداء.
إلى الطالب بدم المقتول بكربلاء.
إلى خير مَنْ تقمّص وارتدى.
إلى ابن النبيّ المصطفى وابن عليّ المرتضى.
إلى ابن خديجة الغرّا وابن فاطمة الزهراء.
سيّدي ومولاي الحجّة بن الحسن العسكري عجلّ الله تعالى فرجك أُقدّمُ عملي هذا بين يديك الكريمتين راجياً منك القبول والتسديد والدعاء.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الواصل الحمد بالنعم والنعم بالشكر، نحمده على آلائه كما نحمده على بلائه، والحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره وسبباً للمزيد من فضله ودليلاً على آلائه وعظمته.
ثمّ الصلاة والسلام على نبيّه نبيّ الرحمة وشفيع الاُمّة وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين المنتجبين.
وبعد:
لم يترك لنا الشيخ الحرّ العاملي موضوعاً من المواضيع التي تختصّ بالرجعة كي نتحدَّث عنه في المقدّمة إلا وتطرّق له بالتفصيل.
إذ تعرَّض للرجعة من كلّ نواحيها وجوانبها عقلاً ونقلاً وتفسيراً وحديثاً وتراه شارحاً لبعض الأحاديث الغامضة وأحياناً يردّ بعض الشبهات بالأدلّة القامعة على مَنْ أنكر أو استبعد ذلك.
فرأينا من الأفضل أن نذكر بعض الكتب التي اُلّفت في الرجعة مطبوعة كانت أو مخطوطة، وهي كما يلي:
١ ـ آيات الحجّة والرجعة (في تفسير الآيات المتعلّقة بهما): للشيخ محمّد علي بن حسن علي الهمداني (ت: ١٣٧٨ هـ).
٢ ـ آيات الرجعة (في بيان الآيات الدالّة على الرجعة): فارسي للميرزا محسن عماد العلماء خوشنويس الأردبيلي (ت: ق١٤ هـ).
٣ ـ آيات الظهور في انتظار الفرج والسرور: في تفسير مائة وعشرة آيات من القرآن الكريم في شأن ظهور الحجّة والرجعة: للميرزا علي قلي الدهخوارقاني آذرشهري.
٤ ـ إثبات الرجعة: للفضل بن شاذان بن خليل الأزدي النيسابوري (ت: ٢٦٠ هـ).
٥ ـ إثبات الرجعة: للعلاّمة الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي (ت: ٧٢٦).
٦ ـ إثبات الرجعة: للمحقّق الكركي علي بن الحسين بن عبد العالي (ت: ٩٤٠ هـ).
٧ ـ إثبات الرجعة: رسالة فارسية في ألفي بيت للعلاّمة المجلسي (ت: ١١١٠).
٨ ـ إثبات الرجعة: للمحقّق آقا جمال الدين محمّد بن آقا حسين الخوانساري (ت: ١١٢٥) كتبه باسم شاه سلطان حسين.
٩ ـ إثبات الرجعة: للشيخ سليمان بن أحمد آل عبد الجبّار القطيفي (ت: ١٢٦٦ هـ).
١٠ ـ إثبات الرجعة: للمفتي مير محمّد عبّاس بن علي أكبر الموسوي التستري اللكهنوي (ت: ١٣٠٦ هـ).
١١ ـ إثبات الرجعة: معرّب للشيخ محمّد رضا الطبسي، طبع في النجف الأشرف سنة ١٣٥٥ هـ.
١٢ ـ إثبات الرجعة: للميرزا حسن بن عبد الرزّاق اللاهيجي القمّي.
١٣ ـ إثبات الرجعة: للسيّد حسن بن السيّد هادي الموسوي العاملي الكاظمي من آل صدر الدين.
١٤ ـ إثبات الرجعة: للسلطان محمود بن غلام علي الطبسي.
١٥ ـ إثبات الرجعة: للسيّد محمود بن فتح الله الحسيني الكاظمي.
١٦ ـ إثبات الرجعة والردّ على منكريها: للمولى حسين التربتي نزيل سبزوار (ت: حدود ١٣٠٠ هـ).
١٧ ـ إيقاظ الاُمّة من الهجعة في إثبات الرجعة: للسيّد مهدي بن محمّد الموسوي الاصفهاني الكاظمي.
١٨ ـ برهان الشيعة في إثبات الرجعة: للسيّد محمّد علي بن شرف الدين السنقري.
١٩ ـ تحفة الشيعة في آيات الرجعة: للسيّد حسين بن نصران عرب باغي.
٢٠ ـ تنبيه الاُمّة في إثبات الرجعة: لمحمد رضا الطبسي الخراساني النجفي.
٢١ ـ الجوهر المقصود في إثبات الرجعة: للشيخ أحمد البيان بن حسن الواعظ الاصفهاني.
٢٢ ـ دحض البدعة من إنكار الرجعة: للشيخ محمّد علي بن حسن علي الهمداني الحائري.
٢٣ ـ دلائل الرجعة (أو إيمان ورجعت) فارسي: لغلامعلي بن محمّد بن إسماعيل العقيقي الكرمانشاهي.
٢٤ ـ كتاب الرجعة: للحسن بن علي البطائني.
٢٥ ـ الرجعة: لأبي النضر محمّد بن مسعود العياشي السمرقندي صاحب التفسير المعروف.
٢٦ ـ الرجعة: للشيخ الصدوق محمّد بن علي بن حسين بن بابويه القمّي (ت: ٣٨١ هـ).
٢٧ ـ الرجعة: للميرزا محمّد مؤمن بن دوست محمّد الحسيني الاسترآبادي (ت: ١٠٨٨ هـ) محقّق.
٢٨ ـ الرجعة: ملاّ سليمان بن محمّد الجيلاني التنكابني (ت: ق١١ هـ).
٢٩ ـ الرجعة: لحامد بن علي بن إبراهيم المفتي الدمشقي الحنفي (ت: ١١٧١ هـ).
٣٠ ـ الرجعة: للشيخ أحمد بن صالح بن طوق البحراني (ت: ق١٣ هـ).
٣١ ـ الرجعة: مختصر فارسي: للشيخ حبيب الله بن علي مدد الكاشاني (ت: ١٣٤٠ هـ).
٣٢ ـ الرجعة: للشيخ محمّد علي بن حسن علي الهمداني السنقري.
٣٣ ـ الرجعة بين العقل والقرآن: لحسن الطارمي.
٣٤ ـ الرجعة وأحاديثها: للفضل بن شاذان بن الخليل الأزدي النيشابوري (ت: ٢٦٠ هـ).
٣٥ ـ الرجعة وأحاديثها المنقولة عن آل العصمة عليهم السلام: لأحمد بن الحسن بن إسماعيل من أحفاد المير أحمد بن موسى الكاظم عليه السلام.
٣٦ ـ الرجعة والردّ على أهل البدعة: للحسن بن سليمان الحلّي. وهي رسالة أدرجها ضمن مختصر البصائر، نقل من المصادر التي لم ينقل منها سعد بن عبد الله الأشعري، وقد حقّقناه مع المختصر.
٣٧ ـ الرجعة والظهور: للحاج ميرزا محمّد طبيب زاده.
٣٨ ـ الرجعة وظهور الحجّة: في الأخبار المنقولة عن آل العصمة عليهم السلام: للميرزا محمّد مؤمن الحسيني الاسترآبادي (ت: ١٠٨٨ هـ) الشهيد بمكّة.
٣٩ ـ رسالة في إثبات الرجعة: محمّد بن هاشم السرابي التبريزي.
٤٠ ـ رسالة في الرجعة: علي بن محمّد رفيع الطباطبائي (ت: ١١٩٥ هـ).
٤١ ـ الكرّة والرجعة: في إثبات الرجعة بالبيان العصري، للسيّد محمّد صادق بن سيّد باقر الهندي.
٤٢ ـ مسألة في الرجعة: للشيخ المفيد.
٤٣ ـ النجعة في إثبات الرجعة: للعلاّمة السيّد علي نقي النقوي اللكهنوي.
٤٤ ـ نور الأبصار في الرجعة: للشيخ علي بن محمّد علي بن حيدر الشروقي.
٤٥ ـ وافية المؤمنين في تحقيق رجعة الأئمّة المعصومين عليهم السلام: ليوسف بن قاسم الاسترآبادي (ت: ق١١ هـ).
ومن هنا يتّضح للقارئ العزيز أهمّية الرجعة ومدى اهتمام العلماء الماضين والمتأخِّرين والمعاصرين بهذا الموضوع لأنّه يُعدّ من إحدى عقائد الشيعة الإمامية الاثني عشرية.
فعندما تتصفّح مصنّفاتهم ترى فيها إثباتات إستدلالية مستخلصة من الآيات الشريفة والأحاديث المتواترة عن النبيّ وأهل بيته صلّى الله عليه وعليهم.
فنسأل من الباري جلَّ جلاله أن يثبّتنا على هذه العقيدة الحقّة التي اعتقد بها النبيّ وآله صلّى الله عليهم أجمعين فأرسوها في أحاديثهم الشريفة، وأن يميتنا معتقدين بها، ونسأله تعالى أن يرجعنا بعد الاندثار في ظهور الحجّة المنتظر عجّل الله فرجه لأخذ الثأر من الظالمين والقاتلين للعترة الطاهرة والغاصبين لحقّ الزهراء وأمير المؤمنين عليهما السلام لأنّهما أوّل من ظُلما بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنّه مجيب الدعاء والحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على النبيّ وآله الطيّبين الطاهرين.
ترجمة المؤلِّف
نسبه:

هو الشيخ المحدِّث محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن الحسين الحرّ العاملي المشغري. من بيت كبير جليل خرج منه أعاظم الفقهاء والمحدِّثين الذي ينتهي نسبه إلى الحرّ بن يزيد الرياحي المستشهد بين يديّ الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء.
مولده:
ولد في قرية مشغر(١) ليلة الجمعة في الثامن من شهر رجب الأصب سنة ١٠٣٣ هـ.
مشايخه:
قرأ في مدينة مشغر على أبيه، وعمّه الشيخ محمّد الحرّ وجدّه لاُمّه الشيخ عبدالسلام بن محمّد الحرّ، وخال أبيه الشيخ علي بن محمود وغيرهم.
وقرأ في قرية جبع على عمّه أيضاً وعلى الشيخ زين الدين بن محمّد بن الحسن بن زين الدين وعلى الشيخ حسين الظهيري وغيرهم. وأقام في البلاد أربعين سنة وحجّ فيها مرّتين.
أسفاره:
سافر إلى العراق فزار الأئمّة عليهم السلام، ثمّ زار الإمام الرضا عليه السلام بطوس واتّفق مجاورته بها مدّة أربع وعشرين سنة وحجّ فيها أيضاً مرّتين، وزار العتبات المقدّسة في العراق أيضاً مرّتين.
أقوال العلماء فيه:
قال ابن معصوم في السلافة: علم لا تباريه الأعلام، وهضبة فضل لا يفصح عن وصفها الكلام، أرجت أنفاس فوائده أرجاء الأقطار، وأحيت كلّ أرض نزلت بها فكأنّها لبقاع الأرض أمطار، تصانيفه في جبهات الأيّام غرر، وكلماته في عقود السطور درر.(٢)
ووصفه المحبّي في خلاصة الأثر: بالأديب المشهور.(٣)
قال البحراني في لؤلؤة البحرين: كان عالماً فاضلاً محدِّثاً اخبارياً.(٤)
وقال الخوانساري في روضات الجنات: وأحد المحمّدين الثلاثة المتأخِّرين الجامعين لأحاديث هذه الشريعة.(٥)
وقال النوري في خاتمة المستدرك: صاحب التصانيف الرائقة التي منها الوسائل الذي هو كالبحر الذي ليس له ساحل.(٦)
ووصفه القمّي في الفوائد الرضوية: عالم، فاضل، محقّق مدقّق، متبحِّر جامع، كامل صالح، ورع ثقة، فقيه نبيه، محدِّث حافظ، شاعر أديب أريب.(٧)
أحواله:
قال المحبّي: قدم مكّة في سنة سبع أو ثمان وثمانين وألف، وفي الثانية منهما قتلت الأتراك بمكّة جماعة من العجم لمّا اتّهموهم بتلويث البيت الشريف حين وجد ملوّثاً بالعذرة وكان الحرّ العاملي قد أنذرهم قبل الواقعة بيومين وأمرهم بلزوم بيوتهم لمعرفته على ما زعموا بالرمل فلمّا حصلت المقتلة فيهم خاف على نفسه، فالتجأ إلى السيِّد موسى بن سليمان أحد أشراف مكّة الحسنيّين، وسأله أن يخرجه من مكّة إلى نواحي اليمن، فأخرجه مع أحد رجاله إليها. ورأيت بخطّ بعض الفضلاء أنّ الحرّ العاملي رجع بعد القصّة وأنشد شعراً:

فضل الفتى بالجود والإحسان * * * والجود خير الوصف للإنسان(٨)

وسيأتي في فصل أشعاره.
وفي روضات الجنّات: ومن جملة ما حكي عن قوّة النفس التي كان يتّصف بها أنّه ذهب ـ في مدّة إقامته باصفهان ـ إلى مجلس الشاه سليمان الصفوي، فدخل بدون استئذان، وجلس على ناحية من المسند الذي كان الشاه جالساً عليه، فسأل عنه الشاه فأخبر أنّه عالم جليل من علماء العرب يدعى محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، فالتفت إليه وقال له بالفارسية: شيخنا، فرق ميان حُرْ وخَرْ چقدر است؟ فأجابه الشيخ على الفور: يك متكى ـ معناه بالعربية: كم هو الفرق بين الحرّ والحمار؟ فأجابه ببديهته: مخدّة واحدة ـ فتعجَّب الشاه من جرأته وسرعة إجابته.
ولمّا وصل إلى مشهد المقدّس، ومضى على ذلك زمان أُعطي منصب قاضي القضاة وشيخ الإسلام في تلك الديار وصار بالتدريج من أعاظم علمائها.(٩)
مؤلّفاته:
١ ـ الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسيّة، وهو أوّل ما ألّفه ولم يجمعها أحد قبله.
٢ ـ الصحيفة الثانية من أدعية الإمام علي بن الحسين عليهما السلام الخارجة عن الصحيفة الكاملة.
٣ ـ تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة. يشتمل على جميع أحاديث الأحكام الشرعية الموجودة في الكتب الأربعة، وسائر الكتب المعتمدة ـ أكثر من سبعين كتاباً ـ مع ذكر الأسانيد وأسماء الكتب وحُسن الترتيب.
٤ ـ هداية الاُمّة إلى أحكام الأئمّة عليهم السلام، منتخبة من كتاب الوسائل مع حذف الأسانيد والمكرّرات.
٥ ـ فهرست وسائل الشيعة. يشتمل على عنوان الأبواب، وعدد أحاديث كلّ باب ومضمون الأحاديث.
٦ ـ الفوائد الطوسية: يشتمل على مائة فائدة في مطالب متفرّقة.
٧ ـ إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات: يشتمل على أكثر من عشرين ألف حديث، منقولة من جميع الكتب الخاصّة والعامّة، مع حسن الترتيب والتهذيب، واجتناب التكرار بحسب الإمكان.
٨ ـ أمل الآمل في علماء جبل عامل: ألّفه بسبب رؤيا رآها.
قال في خاتمة الأمل ـ الفائدة التاسعة ـ: إعلم أنّي في السنة التي قدمت فيها المشهد الرضوي ـ وهي سنة ١٠٧٣ ـ وعزمت على المجاورة به والإقامة فيه، رأيت في المنام كأنّ رجلاً عليه آثار الصلاح، يقول لي: لأيّ شيء لا تؤلِّف كتاباً تسمِّيه (أمل الآمل في علماء جبل عامل)؟ فقلت له: إنّي لا أعرفهم كلّهم، ولا أعرف مؤلَّفاتهم وأحوالهم كلّها، فقال: إنّك تقدر على تتبّعها واستخراجها من مظانّها.
ثمّ انتبهت من هذا المنام، وفكّرت في أنّ هذا بعيد أن يكون من وساوس الشيطان، ومن تخيّل النفس، ولم يكن يخطر ببالي هذا الفكر من قبل أصلاً، فلم ألتفت إلى هذا المنام، فإنّه ليس بحجّة شرعاً، ولا هو مرجّح لفعل شيء أو تركه، فلم أعمل به مدّة أربع وعشرين سنة، لعدم الاهتمام بالمنام وللاشتغال بأشغال أُخر، ثمّ خطر ببالي أن أفعل ذلك.(١٠)
٩ ـ الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة: وفيها اثنا عشر باباً، تشتمل على أكثر من ستّمائة حديث، وأربعة وستّين آية من القرآن، وأدلّة كثيرة، وعبارات المتقدِّمين والمتأخِّرين، وجواب الشبهات وغير ذلك.
١٠ ـ رسالة في الردّ على الصوفية: تشتمل على اثني عشر باباً واثني عشر فصلاً، فيها نحو ألف حديث في الرّد عليهم عموماً وخصوصاً في كلّ ما اختصموا به.
١١ ـ رسالة في خلق الكافر وما يناسبه.
١٢ ـ رسالة في تسمية المهدي عليه السلام سمّاها(كشف التعمية في حكم التسمية).
١٣ ـ رسالة الجمعة: في جواب من ردّ أدلّة الشهيد الثاني في رسالة الجمعة.
١٤ ـ رسالة نزهة الاسماع في حكم الاجماع.
١٥ ـ رسالة تواتر القرآن.
١٦ ـ رسالة الرجال: مطبوعة مع الوسائل.
١٧ ـ رسالة أحوال الصحابة.
١٨ ـ رسالة تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان.
١٩ ـ بداية الهداية: في الواجبات والمحرمات المنصوصة من أوّل الفقه إلى آخره في غاية الاختصار.
قال في آخرها: فصارت الواجبات: ألفاً وخمسمائة وخمسة وثلاثين، والمحرّمات: ألفاً وأربعمائة وثمان وأربعين.
٢٠ ـ الفصول المهمّة في أصول الأئمّة عليهم السلام: يشتمل على القواعد الكليّة المنصوصة في اُصول الدين واُصول الفقه وفروعه، وفي الطب، ونوادر الكلّيات.
٢١ ـ العربية العلوية واللغة المرويّة: ذكر فيه، ما يتعلّق بالعربية في النحو والصرف والمعاني والبيان، وما يتعلّق باللغة من تفسير الألفاظ الواردة في القرآن وغيره كلّ ذلك من الأخبار.
٢٢ ـ إجازات متعدّدة للمعاصرين مطوّلات ومختصرات.
٢٣ ـ ديوان شعر يقارب عشرين ألف بيت: أكثره في مدح النبيّ وآله صلى الله عليه وآله وسلم.
٢٤ ـ منظومة في المواريث.
٢٥ ـ منظومة في الزكاة.
٢٦ ـ منظومة في الهندسة.
٢٧ ـ منظومة في تاريخ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام: ووفياتهم، وعدد أزواجهم، وأولادهم، ومدّة خلافتهم، وأعمارهم، ومعجزاتهم، وفضائلهم، تبلغ نحو ألف ومائتي بيت.
شعره:
قال ابن معصوم في السلافة: وله شعر مستعذب الجنا، بديع المجتبى والمجتنى، ولا يحضرني من شعره إلا قوله:

فضل الفتى بالبذل والإحسان * * * والجود خير الوصف للإنسان
أو ليس إبراهيم لمّا أصبحت * * * أمواله وقفاً على الضيفان
حتّى إذا أفنى اللهى أخذ ابنه * * * فسخا به للذبح والقربان
ثمّ ابتغى النمرود إحراقاً له * * * فسخا بمهجته على النيران
بالمال جاد وبابنه وبنفسه * * * وبقلبه للواحد الديّان
أضحى خليل الله جلّ جلاله * * * ناهيك فضلاً خلّة الرحمن
صحّ الحديث به فيالك رتبة * * * تعلو بأخمصها على التيجان

وهذا الحديث رواه أبو الحسن المسعودي في كتاب أخبار الزمان وقال: (إنّ الله تعالى أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: إنّك لمّا سلّمت مالكَ للضيفان وولدك للقربان، ونفسك للنيران، وقلبك للرّحمن اتّخذناك خليلاً) ـ انتهى ما ذكره صاحب سلافة العصر.(١١)
ولا بأس بذكر شيء من الشعر المذكور في ذلك الديوان، فمنه قوله من قصيدة تزيد على أربعمائة بيت في مدح النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام:

جدَّ وجدي لفرقة وتنائي * * * عن ربى أرض مكّة الغرّاءِ
وشجاني بعد الحجاز خصوصاً * * * عند بعدي عن طيبة الفيحاءِ

إلى أن قال:

بنبيّ فاق الخلائق فضلاً * * * وعلي وولده الأوصياء
مفزع الناس مرجع الخلق طرّاً * * * منبع الفضل مجمع العلياء
بحر علم وطود حلم رزين * * * معدن الجود منهل للظماء
تشكّك في فضل مجدهم فاسـ * * * ـأل جميع الأعداء والأولياء
إن يشهدوا كلّهم فأكرم بفضل * * * أثبتته شهادة الأعداء
حبّذا حبّذا وناهيك ناهيـ * * * ـك بفخر وسؤدد وعلاء
مدحتهم أهل السماوات والأر * * * ض وفي الأرض شاع بعد السماء
سلْ ثقات الرواة إن شئت أن تسـ * * * ـمع عنهم غرائب الأنباء
ومجال المديح فيهم فسيح * * * طال فيه تسابق الفصحاء
غير أنّ الاعداد تقصر عنه * * * إن أرادوا ميلاً إلى الإحصاء
كلّما قلت فيهم فهو صدقٌ * * * من جميل ومدحة غرّاء

إلى أن قال:

فالأكاذيب في مديح علاهم * * * غير مشهورة من الشعراء
بمديحي لهم تشاغل فكري * * * لا بمدح الملوك والاُمراء
ذكرهم عندنا يلذّ ويحلو * * * لا غناء عن ظبية غنّاء
أنا داع إليهم وإلى اللّـ * * * ـه بهم كلّ من أجاب دعائي
وجزائي شفاعة منهم يو * * * م جزائي فلينعموا بجزائي
وإبائي يزداد عند سواهم * * * ولدى عزّهم يزول إبائي
أنا عبدٌ لعبدهم وموال * * * لهم أولياؤهم أوليائي
شمس مجد لهم تعالت وجلت * * * تخجل الشمس في سنا وسناء
بلغوا سؤدداً بليغاً منيعا * * * بارع الوصف مفعم البلغاء
أهل بيت هم سفينة نوح * * * وصراط النجاة يوم الجزاء
فاز من كان يهتدي بهداهم * * * في اختلاف الأهواء والآراء
أعلم الخلق بل إليهم تناهى * * * سند الناقلين والعلماء
أترجّاهم لدنياي والاُخـ * * * ـرى وهيهات أن يخيب رجائي
جدّهم سابق البروق على متـ * * * ـن براق في ليلة الإسراء
قاطعاً للعوالم الملكوتيـ * * * ـة يمضي قدماً بغير انثناء
خلف الأرض والسماوات والكر * * * سي والعرش خلفه من وراء
خائضاً في بحار وصل وقرب * * * يتلألأ في روضة الآلاء
خاتم الأنبياء لكنّه أضحـ * * * ـى إماماً لسائر الأنبياء
كم صلاة كان المقدّم فيها * * * وهم خلفه بغير إباء
أشرقت في دجى ظلام القضايا * * * من سنا علمهم وجوه القضاء
سطعت نارهم على كلّ طود * * * فاهتدى من رآه في البيداء
خير نار يبدو الردى والهدى فيـ * * * ـها لكلّ الأعداء والأولياء
صرعوا الكفر والضلالة لمّا * * * هاج منهم بأس لدى الهيجاء
وعناق السيوف أحلى لديهم * * * من عناق البيضاء والسمراء
وإذا اُجّجت جحيم ضلال * * * أطفأوا نارها بغيث الداء
فرؤوس الرؤوس ودعن بالر * * * غم صدور الصدور يوم اللقاء
مدحهم خير قربة ظل يزري * * * بالعبادات أيما ازراء
كلّ بيت منه ببيت من الجـ * * * ـنة يجزى أكرم بذاك الجزاء
خبراً صادقاً رواه ثقاة النـ * * * ـقل لم نروه عن الضعفاء
لو ظمئنا يوم الجزا لوجدنا * * * ساقي الحوض مروياً للظماء
هم ملاذي إذا الخطوب ادلهمت * * * وهم مفزعي لدى الادواء
يتجلّى عنّا بهم كلّ خطب * * * وبهم يستجاب كلّ دعاء
أنا حرّ رقّ الذنوب وأرجو * * * بهم أن اُرى من العتقاء
كم عروس من المناقب رامو * * * ها فجاءت تسعى على استحياء
كلّما جادلوا العدى أبطلوا كلّ * * * محال منهم وكلّ مراء
فعليهم تحيّةٌ وسلام * * * وصلاةٌ منّا وطيب ثناء
وقوله من القصائد المحبوكات الطرفين في مدحهم: من قافية الهمزة:
أغير أمير المؤمنين الذي به * * * تجمّع شمل الدين بعد تناء
أبانت به الأيّام كلّ عجيبة * * * فنيران بأس في بحور عطاء

وهي تسع وعشرون قصيدة.
وقوله من قصيدة محبوكة الأطراف الأربعة:

فإن تخف في الوصف من إسراف * * * فلذ بمدح السادة الأشراف
فخر لهاشمي أو منافي * * * فضل سما مراتب الآلاف
فعلمهم للجهل شاف كافي * * * فضلهم على الأنام وافي
فاقوا الورى منتعلاً وحافي * * * فضل به العدوّ ذو اعتراف
فهاكها محبوكة الأطراف * * * فن غريب ما قفاه قاف

وقوله:

إنّ سرّ الصديق عندي مصون * * * ليس يدريه غير سمعي وقلبي
لم أكن مطلعاً لساني عليه * * * قطّ فضلاً عن صاحب ومحبِّ
حكمه أنّني أُخلّده في السـ * * * ـجن أعني الفؤاد من غير ذنب
لستُ أخفي سرّي وهذا هو الوا * * * جب عندي إخفاء أسرار صحبي

وقوله من قصيدة طويلة في مزج المدح بالغزل:

لئن طاب لي ذكر الحبائب أنّني * * * أرى ذكر أهل البيت أحلى وأطيبا
فهنّ سلبن العلم والحلم في الصبا * * * وهم وهبونا العلم والحلم في الصبى
هواهنّ لي داء هواهم دواؤه * * * ومن يك ذا داء يرد متطبّبا
لئن كان ذاك الحسن يعجب ناظراً * * * فإنّا رأينا ذلك الفضل أعجبا

وقوله من قصيدة اُخرى طويلة في مزج الغزل بالمدح:

سعدي بسعدى فإذا ما نأت * * * سعدى فلا مطمع في السعد
وفضل أهل البيت مع حسنها * * * كلاهما جازا عن الحدِّ
وتلك دنيانا وهم ديننا * * * وما من الأمرين من بدّ
وحبّها من أعظم الغيّ والـ * * * ـحبّ لهم من أعظم الرشد
بل حبّها عارٌ وحبّي لهم * * * مجدٌ وليس العار كالمجدِ

وقوله:

كم حازم ليس له مطمع * * * إلاّ من الله كما قد يجب
لأجل هذا قد غدا رزقه * * * جميعه من حيث لا يحتسب

وقوله:

كم من حريص رماه الحرص في شعب * * * منها إلى أشعب الطماع ينشعب
في كلّ شيء من الدنيا له طمع * * * فرزقه كلّه من حيث يحتسب

وقوله:

سترت وجهها بكفٍّ خضيب * * * إذ رأتني من خوف عين الرقيب
كيف نحظى بالاجتماع وقد عا * * * ين كلّ إذ ذاك كفّ الخضيب
وبودّي لو كان ذاك الذي لا * * * ح من الورد في الخدود نصيبي
ذلك الهجر في الصبى كان خيراً * * * من وصال سخت به في مشيبي

وقوله:

ولمّا التقينا عانقتني غزالة * * * بديعة وصف من حسان الولائد
ولم أجتهد في الضمّ منفرداً به * * * ولكنّني قلّدت ذات القلائد

وقوله:

سترت محاسنها الحِسان بلؤلؤ * * * وبجوهر وبفضّة وبعسجد
هيهات ذاك الستر أظهر حسنها * * * حتّى لقد فتنت إمام المسجد

وقوله:

وذات خال خدّها مشرق * * * نوراً كركن الحجر الأسود
كعبة حسن ولها برقع * * * من الحرير المحض والعسجد
قد أكسبت كلّ امرئ فتنة * * * حتّى إمام الحيّ والمسجد
كم هام إذ شاهدها جاهل * * * بل هام فيها عالم المشهد

وقوله:

أبخلت يا سلمى برد سلام * * * وفتنت شيخ مشايخ الإسلام

وقوله:

يا سليمى سلبتِ لو تعلمينا * * * قلب شيخ الإسلام والمسلمينا
ظالم طرفك الضعيف وإنّا * * * لضعاف القوى فلا تظلمينا

وقوله:

فتكت سليمى والمحاسن قد بدت * * * بشيخ شيوخ المسلمين ولم ترعي
تحصّنت منّي يا سليمى مع الهوى * * * بحصنين مجدي ذي التقدّس والشرع

وقوله:

لا تكن قانعاً من الدين بالدو * * * ن وخذ في عبادة المعبود
واجتهد في جهاد نفسك وابذل * * * في رضى الله غاية المجهود

وقوله من قصيدة في مدحهم عليهم السلام:

وما حاز أجناس الجناس وسائر المحا * * * سن من فنّ البديع سوى شعري
وديوان شعري في مديحهم لما * * * حوى بديع الحسن من كتب السحر

وقوله من قصيدة في مدحهم عليهم السلام:

وفي كلّ بيت قلته ألف نكتة * * * تحسنه من فضلهم وتجيده
وغيري إذا ما قال شعراً محافظ * * * على وزنه من غير معنى يفيده

وقوله من قصيدة:

قلّما فاخروا سواهم وحاشا * * * ذهباً أن يفاخر الفخارا
وأرى قولنا الأئمّة خير * * * من فلان ومن فلان عارا
إنّما سبقهم لبكر وعمرو * * * مثل ما يسبق الجواد الحمارا
إنّني ذو براعة واقتدار * * * جاوز الحدّ في الأنام اشتهارا
وإذا رمت وصف أدنى علاهم * * * لا أرى لي براعة واقتدارا

وقوله من قصيدة ثمانين بيتاً خالية من الألف في مدحهم عليهم السلام:

وليّي عليّ حيث كنت وليّه * * * ومخلصه بل عبد عبد لعبده
لعمرك قلبي مغرم بمحبّتي * * * له طول عمري ثمّ بعد لولده
هم منيتي هم مهجتي هم عقيدتي * * * وقلبي بحبّهم مصيب لرشده
وكلّ كبير منهم شمس منبر * * * وكلّ صغير منهم شمس مهده
وكلّ كمي منهم ليث حربه * * * وكلّ كريم منهم غيث وهده
بذلت له ودّي ومحض محبّتي * * * وروحي وموجودي وَضْنٌ بودّه

وقوله:

علمي وشعري اقتتلا واصطلحا * * * فخضع الشعر لعلمي راغما
فالعلم يأبى أن اُعدّ شاعراً * * * والشعر يرضى أن اُعدّ عالما

وقوله من قصيدة:

حسن شعري ما زال يرضى * * * ولا ينكر لي أن اُعدّ في العلماء
وعلومي غزيرة ليس ترضى * * * أبداً أن اُعدّ في الشعراء

وقوله:

حذار من فتنة الحسنا وناظرها * * * ولا ترح بفؤاد منه مكلوم
فقلبها صخرة مع ضعف قوّتها * * * وطرفها ظالم في زيّ مظلوم

وقوله:

لحى الله من لا يغلب النفس والهوى * * * إذا طلبا ما ليس يحسن في العقل
تمكّن منه حبّ دنيا دنيّة * * * فأورده شرّ الموارد بالجهل
وألجأ حبّ الجاه منه إلى الردى * * * فعانى العناء الصعب في المطلب السهل

وقوله:

يا صاحب الجاه كن على حذر * * * لا تك ممّن يغترّ بالجاه
فإنّ عزّ الدنيا كذلّتها * * * لا عزّ إلا بطاعة الله

وقوله من أبيات:

أما تبغي مدى الأيّام شكري * * * أما ترضى بهذا الحرّ عبدا

وقوله من قصيدة في مدحهم عليهم السلام:

أنا الحرّ لكن برّهم يسترقّني * * * وبالبرّ والإحسانُ يستعبد الحرُّ

وقوله من قصيدة:

أنا حرّ لكن كرق لخود * * * سلبتني سكينة ووقارا
كلّ حسن من الحرائر لا بل * * * من إماء يستعبد الأحرارا
وهوى المجد والحسان وأهل الـ * * * ـبيت في القلب لم يدع لي قرارا

وقوله من قصيدة:

سادتي إنّني لعبد لكم قنّ * * * وإنّي اُدعى مجازاً بحرّ

وقوله من اُخرى:

خليليّ مالي والزمان معاندي * * * بتكسير آمالي الصحاح بلا جبر
زمان يرينا في القضايا غرائباً * * * وكلّ قضاء منه جورٌ على الحرّ

وقوله من اُخرى:

ولكنّما يقضي من المدح واجباً * * * عليه وفرضاً عبدك المخلص الحرّ

وقوله من اُخرى:

والجواري الحور الحسان جوار * * * مقبلات بالأنس بعد النفار
عاد قلبي رقاً وليس عجيباً * * * كلّ حرّ غيد لتلك الجواري

وقوله من اُخرى:

وإنّي له عبد وعبد لعبده * * * وحاشاه أن ينسى غداً عبده الحرّا
ولم يسبِ قلبَ الحرّ كالحور والعُلى * * * وحبّ بني الحوراء فاطمة الزهرا

وقوله من اُخرى:

أنا حرّ عبد لهم فمتى ما * * * شرّفوني بالعتق عدت رقيقا
أنا عبدٌ لهم فلو أعتقوني * * * ألف عتق ما صرت يوماً عتيقا

وقوله من اُخرى:

أنا حرّ لدى سواهم وعبدٌ * * * لهم ما حييت بل عبد عبد

وقوله من اُخرى:

ونبيّ الهدى وكلّ النبيّين * * * بل الله مادح الأبرار
مدح عبد حرّ حقير لدى * * * مدح النبيّين سادة الأحرار

وقوله من قصيدة طويلة:

طال ليلي ولم أجد لي على السهد * * * معيناً سوى اقتراح الأماني
وكأنّي في عرض تسعين لمّا * * * حلت الشمس أوّل الميزان
ليت أنّي فيما يساوي تمام المـ * * * ـيل عرضاً والشمس في السرطان

وقوله من اُخرى:

غادة قد غدت لها حكمة الـ * * * ـعين وأضحت عن غيرها في انتفاء
بين ألحاظها كتاب الاشا * * * رات وفي ريقها كتاب الشفاء

وقوله من اُخرى:

فروى لحظها كتاب الاشا * * * رات وكم قد روى عن الغزالي
وكتاب الشفاء عن ريقها يرويه * * * حيث يروي بذاك الزلال

وقوله من اُخرى:

مطول الفرع على متنها * * * وخصرها مختصر نافع

وقوله من اُخرى:

لاحت محاسن برق مبسمها * * * حتّى نسيت محاسن البرقى

وقوله:

ءأرغب عن وصل من وصله * * * دواء لقلبي وعقلي وديني
كتاب المحاسن في وجهه * * * ويتلوه فيه كتاب العيون

وقوله:

كأنّ قلبي إذ غدا طائراً * * * مضطرباً للغمّ لما هجم
ملامة في أذني عاشق * * * أو عربي في بلاد العجم(١٢)

وفاته:
توفي رحمة الله عليه في المشهد الرضوي المقدّس بطوس سنة ١١٠٤ هـ، عن إحدى وسبعين سنة.
دفن رضوان الله عليه في ايوان بعض حجر الصحن الشريف، وتاريخ وفاته منقوش على صخرة موضوعة على قبره.
وقد رثاه أخوه الشيخ أحمد قائلاً: في اليوم الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة ١١٠٤ هـ، كان مغرب شمس الفضيلة والإفاضة والإفادة، ومحاق بدر العلم والعمل والعبادة، شيخ الإسلام والمسلمين وبقيّة الفقهاء والمحدِّثين الناطق بهداية الاُمّة وبداية الشريعة، الصادق في النصوص والمعجزات ووسائل الشيعة الإمام الخطيب الشاعر الأديب، عبد ربّه العظيم العليّ الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الحرّ العاملي المنتقل إلى رحمة باريه، عند ثامن مواليه.

في ليلة القدر الوسطى وكان بها * * * وفاة حيدر الكرّار ذي الغيرِ
يا من له جنّة المأوى غدت نزلاً * * * أرقد هناك فقلبي منك في سعرِ
طويت عنّا بساط العلم معتلياً * * * فاهنأ بمقعد صدق عند مقتدرِ
تاريخ رحلة عاماً فجعت به * * * وأسرى لنعمة باريه على قدر

وهو أخي الأكبر صلّيت عليه في المسجد تحت القبّة جنب المنبرِ ودُفن في إيوان حجرة في الصحن الرضوي.(١٣)
منهجيّة التحقيق:
وكما هو المتعارف في اسلوب التحقيق قمنا بالمراحل التالية:
١ ـ عمدنا إلى مقابلة النسخة المطبوعة مع النسخ الخطيّة وقد تكفّلت بها ابنتي الكبيرة نسخة (ش) فجزاها الله عنّي خير الجزاء وقابلت أنا بقية النسخ وثبتّ جميع الاختلافات في الهامش.
٢ ـ قمنا بتقويم النصّ وإصلاح ما يجب على المقوّم إصلاحه.
٣ ـ أرجعنا الأحاديث والأقوال إلى منابعها الأصلية.
٤ ـ خرّجنا الآيات الشريفة من القرآن الكريم.
٥ ـ عرّفنا الكلمات الغامضة مع تعريف للأماكن والبلدان.
٦ ـ أعددنا فهارس للآيات والأحاديث والمواضيع ومصادر التحقيق.
النسخ المعتمدة:
١ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة آية الله العظمى السيِّد المرعشي النجفي قدس سره وهي بخطّ السيّد أبو الحسن علوان تمّ نسخها سنة ١٠٩٦ هـ. على يد محمد قاسم ابن يوسف بن جبرا ورمزنا لها برمز (ش).
٢ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران المهداة من مكتبة سيد محمد مشكاة والتي نسخت بتاريخ ١٠٨٤ هـ. ولم يذكر اسم الناسخ فيها، ورمزنا لها برمز (ك).
٣ ـ النسخة المحفوظة في مركز دائرة المعارف الاسلامية الكبرى في طهران، والتي تمّ نسخها في سنة ١٣٣٥ هـ على يد محمد حسن بن محمد حسين بن المولى عبد المطلّب والتي نسخت من نسخة كُتبت في حياة المؤلّف في سنة ١٠٨١ هـ. ورمزنا لها برمز (ط).
٤ ـ النسخة المحفوظة في مكتبة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم قدس سره في النجف الأشرف، والتي تمّ نسخها في سنة ١٢٠٢ هـ على يد محمد كاظم بن محمد هاشم القائيني، ورمزنا لها برمز (ح).
ملاحظة هامّة:
بعد حصولنا على ثلاث نسخ خطيّة جديدة، ومراجعتنا لهذه النسخ، تمّ على ضوء ذلك إجراء، بعض التعديلات والإضافات المفيدة على هذه الطبعة، نوجزها كالآتي:
١ ـ مقابلة المتن مع النسخ الجديدة الثلاث.
٢ ـ ضبط المتن بشكل أدقّ من الطبعة السابقة.
٣ ـ ضبط أسانيد الروايات بشكل أفضل.
٤ ـ إضافة بعض الأحاديث وأقوال العلماء والتي لم تكن موجودة في النسخة السابقة.
هذا بالاضافة إلى أننا قمنا بتدارك الأخطاء الحاصلة في الطبعة السابقة ـ بحسب الطاقة والوسع ـ سواء كانت في المتن أو الهامش.
ولا ندّعي لأنفسنا الكمال.
والحمد لله الواحد الجبار، ولا بدّ للانسان من زلل وعثار، والكمال وحده للواحد القهار.

١٧ ربيع الأوّل / ١٤٢٨ هـ
الفقير إلى رحمة ربّه الغني
مشتاق صالح المظفّر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله محيي الأموات، ومميت الأحياء، الذي لا تعجز قدرته عن شيء من الأشياء، الذي فضّل الأنبياء والأوصياء(١٤) على جميع القبائل والعشائر، وفضّل بعدهم المؤمنين فبشَّرهم بأحسن البشائر، وذخر لأهل العصمة وشيعتهم أشرف الكنوز والذخائر، وخصّهم بأفضل(١٥) المفاخر وأكمل المآثر، وأتمّ لهم الفضائل الباطنة والظاهرة، وجعل لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة،(١٦) فوعدهم بالدولة الظاهرة والصولة القاهرة، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين، صلاةً وسلاماً دائمين إلى يوم الدين.
وبعد: فيقول الفقير إلى الله الغنيّ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي عامله الله بلطفه الخفيّ والجلي: قد جمع بعض السادات المعاصرين رسالة في إثبات الرجعة التي وعد الله بها المؤمنين، والنبيّ والأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين، وفيها أشياء غريبة مستبعدة لم يعلم من أين نقلها، ليظهر أنّها من الكتب المعتمدة، فكان ذلك سبباً لتوقّف بعض الشيعة عن قبولها، حتّى انتهى إلى إنكار أصل الرجعة، وحاول إبطال برهانها ودليلها، وربّما مال إلى صرفها عن ظاهرها وتأويلها، مع أنّ الأخبار بها متواترة والأدلّة العقليّة والنقليّة على إمكانها ووقوعها كثيرة متظاهرة.(١٧)
وقد نقل جماعة من علمائنا إجماع الإمامية على اعتقاد صحّتها، وإطباق الشيعة الإثني عشرية على نقل أحاديثها وروايتها، وتأوّلوا معارضها على شذوذه وندوره(١٨) بالحمل على التقية، إذ لا قائل بها من غير الشيعة الإمامية، وذلك دليل واضح على صحّتها، وبرهان ظاهر على ثبوتها ونقل روايتها،(١٩) فالتمس منّي بعض الإخوان جمع ما حضرني من أخبارها، والكشف عن حقيقة أسرارها، وما ورد فيها من أحاديث الكتب المعتمدة من الروايات، وما يمكن إثباته(٢٠) من كلام علمائنا الأثبات، فرأيت ذلك من جملة المهمّات بل من الفروض الواجبات، فشرعت في جمعها إظهاراً لنصيحة المؤمنين، ودفعاً للشبهات عن أحكام الدين، مع ضيق الوقت، وتراكم الأشغال، وكثرة الموانع الموجبة للكلال واشتغال البال، وقلّة وجود الكتب التي يحتاج إليها ويعوّل في مثل ذلك عليها، وفيما حضر من ذلك كفاية إن شاء الله تعالى لذوي الإنصاف، الذين يتنكّبون طريق البغي والاعتساف.
فإنّ الذي وصل إلينا في هذا المعنى قد تجاوز حدّ التواتر المعنوي، وأوجب لأهل التسليم العلم القطعي اليقيني، وقد سمّيت هذه الرسالة بـ (الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) سائلاً من الله التوفيق والتسديد، راغباً من كرمه المعونة والتأييد، راجياً منه جزيل الثواب، وأن ينفع بها في الدنيا ويوم الحساب، وهي مرتّبة على أبواب اثني عشر تبرّكاً بهذا العدد الشريف.
الأوّل: في المقدّمات.
الثاني: في الإشارة(٢١) إلى الإستدلال على الرجعة وإمكانها ووقوعها.
الثالث: في جملة من الآيات القرآنية الدالّة على ذلك ولو بانضمام الأحاديث في تفسيرها.
الرابع: في إثبات أنّ ما وقع في الاُمم السابقة يقع مثله في هذه الاُمّة.
الخامس: في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت في الاُمم السابقة.
السادس: في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت في الأنبياء(٢٢) والأوصياء السابقين.
السابع: في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت في هذه الاُمّة في الجملة، ليزول استبعاد الرجعة(٢٣) الموعود بها في آخر الزمان.
الثامن: في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت للأنبياء والأئمّة عليهم السلام في هذه الاُمّة في الجملة، ليزول بها الاستبعاد المذكور.
التاسع: في جملة من الأحاديث المعتمدة الواردة في الإخبار بالرجعة لجماعة من الشيعة وغيرهم من الرعيّة.
العاشر: في جملة من الأحاديث المعتمدة الواردة في الإخبار بالرجعة لجماعة من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام.
الحادي عشر: في أنّه هل بعد دولة(٢٤) المهدي عليه السلام دولة أم لا؟
الثاني عشر: في ذكر شبهة منكر الرجعة والجواب عنها.
والله وليّ التوفيق وبيده أزمّة التحقيق.

الباب الأوّل: في المقدّمات

التي لابدّ منها قبل الشروع في المقصود، ليكون الطالب لتحقيق هذه المسألة على بصيرة في طلبه، ونذكرها على وجه الاختصار إذ يكفي التنبيه عليها والإشارة إليها وهي اثنتا عشرة:
الاُولى: في وجوب التسليم لما ورد عنهم عليهم السلام
والأحاديث في ذلك كثيرة جدّاً ولا بأس بإيراد شيء منها:
١ ـ روى الشيخ الجليل ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني ـ في باب التسليم: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّاد بن عثمان، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي،(٢٥) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لو أنّ قوماً عبدوا الله وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجّوا البيت، وصاموا شهر رمضان، ثمّ قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه(٢٦)
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألاّ صنع خلاف الذي صنع؟ كانوا(٢٧) بذلك مشركين، ثمّ تلا هذه الآية (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(٢٨) ثمّ قال: عليكم بالتسليم).(٢٩)
٢ ـ وعن علي بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن الخشّاب، عن العبّاس بن عامر، عن ربيع المسلي،(٣٠) عن يحيى بن زكريا الأنصاري،(٣١) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (من سرّه أن يستكمل الإيمان كلّه(٣٢) فليقل(٣٣): القول منّي في جميع الأشياء قول آل محمّد، فيما أسرّوا وما أعلنوا، وفيما بلغني عنهم وما لم يبلغني).(٣٤)
٣ ـ وفي باب معرفة الإمام والردّ إليه: عن الحسين بن محمّد،(٣٥) عن الحسن بن علي، عن أحمد بن عائذ، عن أبيه،(٣٦) عن ابن اُذينة، عن غير واحد، عن أحدهما عليهما السلام قال: (لا يكون العبد مؤمناً حتّى يعرف الله ورسوله والأئمّة كلّهم وإمام زمانه،(٣٧) ويردّ إليه ويسلّم له).(٣٨)
٤ ـ وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عمّن ذكره، عن محمّد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا تكونون صالحين حتّى تعرفوا، ولن تعرفوا حتّى تصدّقوا، ولن تصدّقوا حتّى تسلموا أبواباً أربعة، لا يصلح آخرها إلا بأوّلها،(٣٩) ضلّ أصحاب الثلاثة وتاهوا تيهاً بعيداً).(٤٠)
أقول: والأدلّة العقلية والنقلية(٤١) على ذلك كثيرة.
الثانية: في أنّ حديثهم: صعب مستصعب وأنّه لا يجوز إنكاره
٥ ـ روى الكليني ـ في باب أنّ حديثهم صعب مستصعب: عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن المنخّل،(٤٢) عن جابر(٤٣) قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ حديث آل محمّد صعب مستصعب، لا يحتمله(٤٤) إلا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل،(٤٥) أو عبدٌ امتحن الله قلبه للإيمان، فما ورد عليكم من حديث آل محمّد فلانت له قلوبكم وعرفتموه فاقبلوه، وما اشمأزّت منه قلوبكم وأنكرتموه فردُّوه إلى الله وإلى الرسول وإلى العالم من آل محمّد، وإنّما الهلاك(٤٦) أن يحدّث أحدكم بحديث(٤٧) لا يحتمله، فيقول: والله ما كان هذا. والإنكار هو الكفر).(٤٨)
ورواه الصفّار في (بصائر الدرجات): عن محمّد بن الحسين ببقيّة السند.(٤٩)
٦ ـ وعن أحمد بن إدريس، عن عمران بن موسى، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة،(٥٠) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ذكرت التقيّة عند علي بن الحسين عليهما السلام فقال: والله لو علم أبو ذرّ ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما فما ظنّكم بسائر الخلق؟ إنّ علم العلماء صعب مستصعب، لا يحتمله إلا نبي مرسل، أو ملكٌ مقرّب، أو عبدٌ مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، قال: وإنّما صار سلمان من العلماء لأنّه امرؤ منّا أهل البيت فلذلك نسبته إلى العلماء).(٥١)
ورواه الصفّار عن عمران بن موسى.(٥٢)
أقول: قوله: (لقتله) يحتمل وجوهاً ذكرها السيِّد المرتضى في (الدرر والغرر) وغيره وأقربها(٥٣) أنّ الضمير المرفوع عائد إلى العلم الذي في قلب سلمان، والضمير المنصوب عائد إلى أبي ذرّ، والمعنى: إنّ أبا ذرّ لا يحتمل كلّ ذلك العلم، فلو علمه لقتله علمه به.
ويؤيّده الحديثان الآتيان، ألا ترى أنّ بعضهم جنّ وذهب عقله بسبب حديث واحد، وبعضهم شاب رأسه ولحيته لأجل ذلك، ولو لم ينس الحديث لمات وقتله علمه.
٧ ـ وروى الشيخ الجليل قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب (نوادر المعجزات) الذي جعله ملحقاً بكتاب (الخرائج والجرائح) ومضافاً إليه قال: أخبرني جماعة منهم: أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسن(٥٤) النيسابوري ومحمّد بن علي بن عبد الصمد، عن أبيه، قال: حدّثنا أبو محمّد أحمد بن محمّد المعمّري،(٥٥) عن محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن علي بن الحكم، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (أتى الحسين بن علي عليهما السلام اُناس من أصحابه(٥٦) فقالوا له: يا أبا عبد الله عليه السلام حدِّثنا بفضلكم الذي جعله الله لكم، فقال: إنّكم لا تطيقون، فقالوا: بلى،(٥٧) فقال: إن كنتم صادقين فليتنحّ إثنان وأُحدِّث واحداً فإن احتمل حدَّثتكم، فتنحّى إثنان وحدَّث واحداً، فقام طائر العقل فخرج على وجهه وذهب، وكلّمه صاحباه فلم يردّ عليهما وانصرفوا).(٥٨)
٨ ـ وبهذا الإسناد قال: (أتى رجل الحسين عليه السلام فقال: حدِّثني بفضلكم الذي جعله الله لكم، قال: إنّك لن تطيق حمله، قال: بلى حدِّثني يابن رسول الله فإنّي أحتمله، فحدّثه الحسين بحديث، فما فرغ الحسين عليه السلام من حديثه حتّى ابيضَّ رأس الرجل ولحيته واُنسي الحديث، فقال الحسين عليه السلام: أدركته رحمة الله حين اُنسي الحديث).(٥٩)
٩ ـ وروى الشيخ الأجلّ رئيس المحدِّثين أبو جعفر بن بابويه في كتاب (الأمالي) ـ في المجلس الأوّل ـ: عن علي بن الحسين بن شقير(٦٠) الهمداني، عن جعفربن أحمد بن يوسف الأزدي، عن علي بن بزرج الحنّاط، عن عمرو بن اليسع، عن شعيب الحدّاد(٦١) قال: سمعت أبا عبد الله الصادق عليه السلام يقول: (إنّ حديثنا صعب مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرّب، أو نبيّ مرسل، أو عبد امتحن الله قلبه للإيمان، أو مدينة حصينة) فسألته عنها؟ فقال: (هي القلب المجتمع).(٦٢)
أقول: والأحاديث في هذا المعنى أيضاً(٦٣) كثيرة جدّاً.
الثالثة: في عدم جواز التأويل بغير نصّ ودليل.(٦٤)
١٠ ـ روى الكليني ـ في باب صفة العلم وفضله ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن خالد،(٦٥) عن أبي البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنّ العلماء ورثة الأنبياء ـ إلى أن قال ـ: فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه، فإنّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين).(٦٦)
١١ ـ وروى العامّة والخاصّة بأسانيد متعدّدة أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعليّ عليه السلام: (إنّك تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله).(٦٧)
١٢ ـ وروى جماعة من علمائنا منهم الرضي في (نهج البلاغة) والطبرسي في (الإحتجاج) عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال في كلام له: (إنّا أصبحنا نقاتل إخواننا في الدين على ما دخل فيه من الزيغ، والشقاق،(٦٨) والشبهة، والتأويل).(٦٩)
أقول: والأحاديث في ذلك أيضاً كثيرة جدّاً منها ما ورد في تفسير قوله تعالى (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ الله وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)(٧٠) وردت أحاديث كثيرة أنّ المراد بهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام.(٧١)
الرابعة: في عدم جواز التعمّق والتدقيق المنافي للتسليم
١٣ ـ روى الكليني ـ في باب دعائم الكفر وشعبه ـ: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني،(٧٢) عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (بُني الكفر على أربع دعائم: على الفسق والغلوّ والشكّ والشبهة ـ إلى أن قال ـ: والغلوُّ على أربع شعب: على التعمّق بالرأي والتنازع فيه، والزيغ والشقاق، فمن تعمّق لم ينب إلى الحقّ، ولم يزدد إلا غرقاً في الغمرات، ولم تنحسر عنه فتنة إلا غشيته اُخرى، وانخرق دينه فهو يهوى في أمر مريج، ومن نازع بالرأي وخاصم شُهر بالفشل(٧٣) من طول اللجاج، ومن زاغ قبحت عنده الحسنة وحسنت عنده السيّئة، ومن شاق(٧٤) أوعرت عليه طرقه، واعترض عليه أمره، فضاق عليه مخرجه، إذ لم يتّبع سبيل المؤمنين)(٧٥) الحديث.
ورواه السيِّد الرضي في (نهج البلاغة).(٧٦)
١٤ ـ وفي باب (النسبة): عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد،(٧٧) قال: سُئل علي بن الحسين عليهما السلام عن التوحيد، فقال: (إنّ الله عزّ وجلّ علم أنّه يكون في آخر الزمان قوم متعمّقون(٧٨) فأنزل الله (قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ) والآيات من سورة الحديد إلى قوله (عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(٧٩) فمن رام وراء ذلك فقد هلك).(٨٠)
١٥ ـ وروى الحسن بن سليمان بن خالد القمّي عنهم عليهم السلام أنّهم قالوا: (نجا المسلّمون وهلك المتكلِّمون).(٨١) والأحاديث في هذا المعنى أيضاً كثيرة.
الخامسة: في وجوب الرجوع في جميع الأحكام إلى (٨٢) أهل العصمة عليهم السلام.
١٦ ـ روى الكليني ـ في باب الضلال ـ عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبدالرحمن بن الحجّاج، عن هاشم صاحب البريد، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (أما والله إنّه شرٌّ عليكم أن تقولوا بشيء ما لم تسمعوه منّا).(٨٣)
١٧ ـ وفي (باب من مات وليس له إمام): عن بعض أصحابنا، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن مالك بن عامر، عن المفضّل بن زائدة، عن المفضّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (من دان(٨٤) بغير سماع عن صادق ألزمه الله التيه(٨٥) إلى العناء، ومن ادّعى سماعاً من غير الباب الذي فتحه الله تعالى فهو مشرك، وذلك الباب المأمون على سرّ الله المكنون).(٨٦)
أقول: والأحاديث في ذلك أكثر من أن تحصى، وأوفر من أن تستقصى، قد تجاوزت حدّ التواتر بمراتب، والأدلّة العقليّة والنقليّة على ذلك كثيرة.
السادسة: في وجوب العمل بما لا يحتمل التقيّة من الأحاديث وترك ما عارضه إذا وافق التقيّة
١٨ ـ روى الكليني ـ في باب اختلاف الحديث ـ: عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة،(٨٧) عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل أنّه قال له: فإن كان الخبران مشهورين عنكم،(٨٨) قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: (ينظر، فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به، ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة).
قلت: أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنّة، ووجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامّة والآخر مخالفاً لهم؟ قال: (ما خالف(٨٩) العامّة ففيه الرشاد)(٩٠) الحديث.
١٩ ـ وروى الشيخ الجليل محمّد بن أبي جمهور الإحسائي في كتاب (غوالي اللئالي) قال: روى العلاّمة مرفوعاً عن زرارة، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام فقلت: يأتينا عنكم حديثان متعارضان ـ إلى أن قال ـ: (انظر ما وافق منهما العامّة فاتركه، وخذ بما خالفهم، فإنّ الحقّ فيما خالفهم)(٩١) الحديث.
أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة جدّاً، وقد روي ما يدلّ على جواز الأخذ بالحديث الذي ورد من باب التقيّة، ولكن ذلك غير صريح في وجود المعارض فيحمل على عدم وجود معارض له، أو على عدم العلم بكونه من باب التقيّة؛ لعدم(٩٢) الإطّلاع على اعتقاد العامّة فيه، فيعمل بالمرجّحات الباقية.
إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ أحاديث الرجعة لا توافق العامّة بوجه فيجب العمل بها، ولا يظهر لها معارض صريح أصلاً، وعلى تقدير وجوده يجب حمله على التقيّة قطعاً كما أشار إليه ابن بابويه.
السابعة: في وجوب الرجوع في جميع الأحكام إلى رواة الحديث فيما رووه عنهم عليهم السلام
٢٠ ـ روى رئيس المحدِّثين ابن بابويه في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) ورئيس الطائفة الشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة) وأمين الدين أبو منصور الطبرسي في كتاب (الاحتجاج) بأسانيدهم الصحيحة عن مولانا صاحب الزمان عليه السلام أنّه كتب في جواب مسائل إسحاق بن يعقوب: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها(٩٣) إلى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله).(٩٤)
أقول: والأحاديث الدالّة على وجوب الرجوع إلى رواة أحاديثهم: عموماً وخصوصاً كثيرة جدّاً لا تحصى، ويكفي الإشارة إليها. ومن جملتها:
٢١ ـ ما رواه الكليني ـ في باب اختلاف الحديث ـ: بالإسناد السابق عن عمربن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث، فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحلّ ذلك؟ فقال: (من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنّما يأخذ سحتاً، وإن كان حقّاً ثابتاً ـ إلى أن قال ـ: ينظران إلى من كان منكم ممّن(٩٥) قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكماً، فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا رادّ على الله، وهو على حدّ الشرك بالله).(٩٦)
٢٢ ـ وروى ابن بابويه في (الأمالي) ـ في المجلس الرابع والثلاثين ـ: عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، عن محمّد بن علي، عن عيسى بن عبد الله العلوي العمري، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اللّهم ارحم خلفائي ـ ثلاثاً ـ قيل: يا رسول الله ومَنْ خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون بعدي، يبلِّغون حديثي وسنّتي ثمّ يعلِّمونها(٩٧) اُمّتي).(٩٨)
ورواه أيضاً في آخر كتاب (من لا يحضره الفقيه) مرسلاً.(٩٩)
٢٣ ـ وقد روى الخاصّة والعامّة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (علماء اُمّتي كأنبياء بني إسرائيل).(١٠٠)
٢٤ ـ وروى الثقة الجليل محمّد بن الحسن الصفّار في (بصائر الدرجات) ـ في باب ما يلقى إلى الأئمّة عليهم السلام في ليلة القدر ـ: عن عبد الله بن محمّد ومحمّدبن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن عبد الله، عن يونس، عن عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أرأيت من لم يقرّ بما يأتكم(١٠١) في ليلة القدر كما ذكرت ولم يجحده؟ قال: (أمّا إذا قامت عليه الحجّة ممّن يثق به في علمنا فلم يثق به فهو كافر، وأمّا من لم يسمع ذلك فهو في عذر حتّى يسمع).
ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين).(١٠٢)
أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة جدّاً قد تجاوزت حدّ التواتر، وقد جمعت جملة منها في موضع آخر، وهي كما ترى ليس فيها تعرّض لاشتراط الملكة التي ذكرها بعض المتأخِّرين، ولا فيها رخصة للمذكورين في أن يعملوا بظنّهم، أو يقولوا شيئاً لم يثبت عندهم عن الأئمّة عليهم السلام.
إذا عرفت(١٠٣) ذلك ظهر لك صحّة الرجعة، فإنّها مذهب جميع رواة الحديث، وقد نقلوها عن الأئمّة عليهم السلام كما ستعرفه إن شاء الله تعالى.(١٠٤)
الثامنة: في وجوب عرض الحديث المشكوك فيه، والحديثين المختلفين على القرآن وقبول ما وافقه خاصّة
٢٥ ـ روى الكليني ـ في باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أيّوب بن الحرّ،(١٠٥) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة، وكلّ حديث لم يوافق كتاب الله فهو زخرف).(١٠٦)
٢٦ ـ وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه).(١٠٧)
أقول: والأحاديث في ذلك أيضاً كثيرة جدّاً، ويفهم من حديث آخر(١٠٨) أنّ المراد عرض الحديث على الواضحات من القرآن، أو على الآيات التي ورد تفسيرها عنهم عليهم السلام.
إذا عرفت ذلك فنقول: أحاديث الرجعة كلّها من هذا القبيل الذي يوافق القرآن، فيجب الأخذ بها لما(١٠٩) يأتي إن شاء الله تعالى.
التاسعة: في وجوب ترجيح الحديث الموافق لإجماع الشيعة بل الموافق للمشهور بينهم
٢٧ ـ روى الكليني ـ في باب اختلاف الحديث ـ: بالإسناد السابق عن عمربن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: (اُنظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك، فيؤخذ به من حكمنا، ويترك الشاذّ النادر الذي ليس بمشهور عند أصحابك، فإنّ المجمع عليه لا ريب فيه)(١١٠) الحديث.
أقول: والنصوص في ذلك كثيرة، إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ أحاديث الرجعة موافقة لإجماع الشيعة كما يأتي إن شاء الله تعالى، فتعيّن العمل بها.
العاشرة: في الإشارة إلى جملة من وجوه الترجيح المنصوص (١١١) في محال(١١٢) التعارض.
إعلم أنّ الأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدّاً وتؤيّدها أدلّة عقليّة متعدّدة، وأنا(١١٣) اُشير إلى الوجوه المذكورة اختصاراً وهي اثنا عشر:
الأوّل: عدم موافقة أحد الخبرين للعامّة، وموافقة الآخر لهم.
الثاني: مخالفة أشهر مذاهب العامّة، وموافقة المعارض له.
الثالث: كون راوي أحدهما عدلاً دون الآخر.
الرابع: كون(١١٤) أحد الراويين أعدل من الآخر.(١١٥)
الخامس: كون أحدهما أورع من الآخر.
السادس: موافقة أحدهما للإجماع دون معارضه.
السابع: موافقة أحدهما للمشهور بين الشيعة دون معارضه.
الثامن: كون أحد الراويين فقيهاً أو أفقه من الآخر.
التاسع: موافقة أحدهما للقرآن دون الآخر.
العاشر: موافقة أحدهما للسنّة الثابتة دون الآخر.
الحادي عشر: كثرة رواة أحدهما بالنسبة إلى الآخر.
الثاني عشر: موافقة الاحتياط.
فهذه وجوه الترجيح المشهورة في الأحاديث وأقواها الأوّل عند التحقيق، ولها أحكام مفصّلة في محلّ آخر، وأكثرها متلازمة كما يعرفه المتتبّع الماهر، وإذا تأمّلت علمت أنّ أكثرها أو كلّها موجودة في أحاديث الرجعة على تقدير وجود معارض صريح لها.
الحادية عشرة: في وجوب الرجوع إلى الكتب الأربعة وأمثالها من الكتب المعتمدة
٢٨ ـ روى الكليني ـ في باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة(١١٦) والتمسّك بالكتب(١١٧) ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة،(١١٨) قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (احتفظوا بكتبكم، فإنّكم سوف تحتاجون إليها).(١١٩)
٢٩ ـ وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن بعض أصحابه،(١٢٠) عن أبي سعيد الخيبري،(١٢١) عن المفضّل بن عمر: قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (اكتب وبثّ علمك في إخوانك، فإذا متّ فأورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون فيه إلا بكتبهم).(١٢٢)
٣٠ ـ وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن سنان، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يجيئني القوم فيسمعون منّي حديثكم فأضجر ولا أقوى، قال: (فاقرأ عليهم من أوّله حديثاً، ومن وسطه حديثاً، ومن آخره حديثاً).(١٢٣)
٣١ ـ وعنه، عن أحمد بن عمر الحلاّل، قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام:
الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول أروه عنّي، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال: (إذا علمت أنّ الكتاب له فاروه عنه).(١٢٤)
٣٢ ـ وعن(١٢٥) علي بن محمّد، عن أحمد بن محمّد،(١٢٦) عن أبي أيّوب المدني، عن ابن أبي عمير، عن حسين الأحمسي،(١٢٧) عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (القلب يتّكل على الكتابة).(١٢٨)
٣٣ ـ وعن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير،(١٢٩) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حتّى تكتبوا).(١٣٠)
٣٤ ـ وعن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن جميل بن درّاج، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (أعربوا حديثنا فإنّا قوم فصحاء).(١٣١)
٣٥ ـ وعن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن الحسن(١٣٢) بن أبي خالد شينولة،(١٣٣) قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام وكانت التقيّة شديدة، فكتموا كتبهم فلم ترو عنهم، فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا،(١٣٤) فقال: (حدّثوا بها فإنّها حقّ).(١٣٥)
أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة جدّاً قد تجاوزت حدّ التواتر، وقد نقل جماعة من عظماء العلماء الإجماع على ذلك، ويستفاد بالتتبّع والإستقراء أنّهم كانوا يكتبون ما يسمعونه من أهل العصمة عليهم السلام بأمرهم، ويعرضون كلّ ما يشكّون في صحّته من حديث أو كتاب عليهم، وأنّهم جمعوا أربعمائة كتاب سمّوها اُصولاً، وأجمعوا على صحّتها، فكانوا لا يعملون إلا بها، ولا يرجعون إلا إليها، وذلك بأمر الأئمّة عليهم السلام.
وإنّ الكتب الأربعة وأمثالها مأخوذة من تلك الاُصول، فكلّ حديث منها مجمع على ثبوته عن المعصوم، وكلّ كتاب منها متواتر عن مؤلّفه، وتحقيق هذه المقدّمات يظهر لمن طالع كتاب (الفوائد المدنيّة) وأمثاله.
وإذا عرفت ذلك ظهر لك أنّ أحاديث الرجعة ثابتة عن أهل العصمة عليهم السلام، لوجودها في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة، وكثرة القرائن القطعية الدالّة على صحّتها، وثبوت رواتها،(١٣٦) وتحقيق ذلك في محلّ آخر، على أنّها لا تحتاج إلى شيء من القرائن؛ لكونها قد بلغت حدّ التواتر، بل تجاوزت ذلك الحدّ، وكلّ حديث منها يفيد العلم مع القرائن المشار إليها، فكيف يبقى شكّ مع اجتماع الجميع؟!
الثانية عشرة: في ذكر الكتب المعتمدة التي قد نقلت منها أدلّة الرجعة وأحاديثها ومقدّماتها، ولم تحضرني جميع الكتب التي تشتمل على الأحاديث في هذا المعنى، وفيما حضر لي فيها(١٣٧) بل في بعضها، بل في كتاب واحد منها، بل في حديث واحد كفاية لأهل التحقيق والتسليم، ولم أستوف جميع ما حضرني من الكتب، ولا نقلت جميع ما فيها، وإنّما نظرت في مظانّ تلك الأحاديث، وكثيراً ما توجد أحاديث في غير مظانّها، ومن تتبّع أمكنه الزيادة على ما نقلت من تلك الكتب، وأنا أذكر أسمائها هنا(١٣٨) تيمّناً وتبرّكاً بها وهي:
كتاب الله القرآن الكريم.
الصحيفة الكاملة.
كتاب الكافي للكليني.
كتاب التهذيب للشيخ الطوسي.
كتاب من لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق ابن بابويه.
كتاب عيون الأخبار له.
كتاب معاني الأخبار له.
كتاب الخصال له.
كتاب كمال الدين وتمام النعمة له.
كتاب الإعتقادات(١٣٩) له.
كتاب ثواب الأعمال وعقاب الأعمال له.
كتاب علل الشرائع والأحكام له.
كتاب الأمالي له.
كتاب التوحيد له.
كتاب المصباح الكبير للشيخ الطوسي.
كتاب المصباح الصغير له.
كتاب الغيبة له.
كتاب الأمالي لولده.
كتاب المصباح للكفعمي.
كتاب الخلاصة للعلاّمة.
كتاب النجاشي في الرجال.
كتاب ابن داود في الرجال.
كتاب الفهرست للشيخ في الرجال.
كتاب ميرزا محمّد الاسترابادي في الرجال.
كتاب الكشّي في الرجال.
كتاب الاختيار من الكشّي للشيخ في الرجال.
كتاب تفسير علي بن إبراهيم بن هاشم.
كتاب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي.
كتاب المزار المسمّى بكامل الزيارة للشيخ أبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه.
كتاب الكفاية في النصوص على عدد الأئمّة عليهم السلام لمحمّد بن علي الخزّاز القمّي.
رسالة المحكم والمتشابه للسيّد المرتضى.
كتاب قصص الأنبياء للثقة الجليل سعيد بن هبة الله الراوندي.(١٤٠)
كتاب الإرشاد في حجج الله على العباد للشيخ المفيد.
كتاب كشف الغمّة في معرفة الأئمّة عليهم السلام للشيخ أبي الحسن علي بن عيسى الأربلي.
كتاب الخرائج والجرائح للشيخ قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي.
كتاب مجمع البيان لعلوم القرآن للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي.
كتاب بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار.
كتاب قرب الإسناد لعبد الله بن جعفر الحميري.
كتاب مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار أمير المؤمنين عليه السلام للحافظ رجب البرسي.
كتاب الإحتجاج على أهل اللجاج للشيخ أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي.
كتاب الصراط المستقيم إلى مستحقّي التقديم للشيخ زين الدين علي بن يونس العاملي.
كتاب جامع الأخبار للشيخ حسن ابن الشيخ أبي علي الطبرسي.
كتاب الملهوف(١٤١) على قتلى الطفوف للسيِّد رضي الدين علي بن طاووس.
كتاب مهج الدعوات له.
كتاب كشف المحجّة لثمرة المهجة له.
كتاب إرشاد القلوب إلى الصواب للشيخ أبي محمّد الحسن بن محمّد الديلمي.
كتاب مسكّن الفؤاد للشيخ زين الدين علي بن أحمد العاملي.
كتاب إعلام الورى للشيخ أبي علي الطبرسي.
كتاب نهج البلاغة للسيّد الرضي محمّد بن الحسين الموسوي.
كتاب سليم بن قيس الهلالي.
رسالة للشيخ الجليل الحسن بن سليمان بن خالد القمّي.
أقول: وهنا كتب اُخرى لم تحضرني وقت جمع هذه الأحاديث، لكن نقل منها أصحاب الكتب السابقة منها:
كتاب القائم للفضل بن شاذان.
كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر الحميري.
كتاب تفسير العياشي.(١٤٢)
كتاب العيون والمحاسن للشيخ المفيد.
كتاب دلائل النبوّة.
كتاب بصائر الدرجات لسعد بن عبد الله.
كتاب تفسير النعماني.
كتاب الواحدة للحسن بن محمّد بن جمهور.(١٤٣)
كتاب التنزيل للسيّاري.
كتاب الفصول للمفيد.(١٤٤)
كتاب مختصر البصائر.
كتاب كنز الفوائد للشيخ أبي الفتح الكراجكي.
كتاب المزار للشهيد.
كتاب المزار للمفيد.
كتبا المزار لابن طاووس.
رسالة لسعد بن عبد الله في أنواع آيات القرآن.
كتاب تأويل ما نزل من القرآن في محمّد وآله:، لمحمّد بن العبّاس بن مروان الثقة.
كتاب الغيبة للنعماني.
كتاب زوائد الفوائد.
كتاب الخطب.
كتاب المناقب.
كتاب المشيخة.(١٤٥)
وغير ذلك من الكتب التي تأتي إن شاء الله تعالى.

الباب الثاني: في الإستدلال على صحّة الرجعة وإمكانها ووقوعها

إعلم أنّ الرجعة هنا هي الحياة بعد الموت قبل القيامة، وهو الذي يتبادر من معناها، وصرّح به العلماء هنا كما يأتي، ويفهم من مواقع استعمالها، ووقع التصريح به في أحاديثها، كما تطّلع عليه فيما بعد، وقد صرّح بذلك أيضاً علماء اللغة، قال الجوهري في (الصحاح): وفلان يؤمن بالرجعة أي بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت.(١٤٦)
وقال أيضاً: الكرّ: الرجوع، يقال: كرّه وكرّ بنفسه يتعدّى ولا يتعدّى.(١٤٧) انتهى.
وقال صاحب (القاموس) أيضاً: ويؤمن(١٤٨) بالرجعة أي بالرجوع إلى الدنيا بعد الموت،(١٤٩) انتهى.
فعلم أنّ هذا معناها الحقيقي،(١٥٠) فلا يجوز العدول عنه في موضع لا قرينة فيه، والذي يدلّ على صحّتها وجوه اثنا عشر:
الأوّل: الدليل الذي استدلّوا به على صحّة المعاد بأنّه ممكن وقد أخبر الصادق به، فيكون حقّاً.
أمّا الاُولى فظاهرة، فإنّ ذلك قد وقع مراراً كثيرة، والوقوع دليل الإمكان.
وأمّا الثانية فمتواترة، ويأتي تحقيق الوقوع والإخبار المشار إليه(١٥١) إن شاء الله تعالى، وإنّه قد حصلت الحياة بعد الموت لجماعة من الرعية ومن الأنبياء(١٥٢) والأوصياء أيضاً، بل استقامة هذا الدليل في إثبات الرجعة أوضح من استقامته في إثبات المعاد؛ لأنّ أمر المعاد أعظم، وأحواله أعجب وأغرب، ولم يقع مثله قطّ، بخلاف الرجعة، وفي الكتاب والسنّة إشارات إلى هذا الدليل،(١٥٣) وردّ عظيم على من ينكر إحياء الموتى، واعلم أنّ هذا الدليل شامل للأدلّة الآتية أو أكثرها، فهو كالإجمال وما بعده كالتفصيل.
الثاني: الآيات الكثيرة القرآنية الدالّة على ذلك إمّا نصّاً صريحاً، أو بمعونة الأحاديث المعتمدة(١٥٤) الواردة في تفسيرها، ويأتي جملة منها إن شاء الله تعالى.
الثالث: الأحاديث الكثيرة المتواترة عن النبي والأئمّة عليهم السلام المرويّة في الكتب المعتمدة التي هي صريحة أكثرها لا مجال إلى تأويله بوجه، فلا معنى لتأويل الباقي، ولو جاز ذلك لجاز تأويل الأحاديث كلّها، حتّى النصوص على الأئمّة عليهم السلام، فإنّ أكثرها قابل للتأويل، لكن ذلك لا يجوز للنصّ والإجماع على وجوب الحمل على الحقيقة، وعدم جواز العدول عن الظاهر ما دام ممكناً.
وإذا تأمّلت أحاديث الرجعة وجدتها لا تقصر عن أحاديث النصّ على واحد من الأئمّة عليهم السلام كالرضا عليه السلام مثلاً، وإن شئت فقابل بين النصوص الموجودة في (عيون الأخبار)، وبين ما جمعناه من أحاديث الرجعة، وارجع إلى الإنصاف، مع أنّا لا ندّعي الإحاطة بها، ولعلّ ما لم نطّلع عليه في هذا الوقت من أحاديث الرجعة أكثر ممّا اطّلعنا عليه.
وقد رأيت أيضاً أحاديث كثيرة في الرجعة غير ما جمعته في هذه الرسالة ولم أنقلها، لأنّ مؤلّف ذلك الكتاب غير مشهور، ولا معلوم الحال، ورأيت رسائل في الرجعة لبعض المتأخِّرين تشتمل على أحاديث غير ما أوردته، ولم أنقلها أيضاً(١٥٥) لاشتمالها على اُمور مستبعدة ينكرها أكثر الناس في بادئ الأمر، مع أنّها لا تخرج عن قدرة الله تعالى، لكنّ الإقرار بها صعب على الناظر فيها، وتحتمل الحمل على المبالغة إذا ثبت ما يعارضها.
وفي الأحاديث التي أوردناها بل في بعضها كفاية إن شاء الله تعالى، وقد قسّمناها أقساماً كلّ قسم منها في باب، فإذا نظرت إلى مجموعها لا يبقى عندك شكّ ولا ريب وهي نصوص صريحة وأحاديث خاصّة، فهي مقدّمة على العمومات والظواهر على تقدير معارضتها، فإنّه يجب تخصيص العام والعمل بالخاصّ قطعاً، بل ليس هنا تعارض حقيقي كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
ولا ريب في بلوغ الأحاديث المذكورة حدّ التواتر المعنوي بدليل إيجابها لليقين، لكلّ من خلا قلبه من شبهة أو تقليد، وبدليل جزم العقل، وباستحالة(١٥٦) تواطؤ جميع رواتها على الكذب، وبدليل الإستقراء والتتبّع للأخبار التي يذكرون أنّها متواترة معنىً كأخبار كرم(١٥٧) حاتم مثلاً، فإنّا نجزم بأنّ أحاديث الرجعة أكثر منها بكثير، بل من(١٥٨) أخبار النصوص على كلّ واحد من الأئمّة عليهم السلام كما ذكرنا.
ومن المعلوم من حال السلف عند التتبّع أنّهم كانوا يعتمدون في النصّ على تعيين الإمام على خبر واحد محفوف بقرائن قطعيّة توجب العلم من حال ناقله، وغير ذلك أو على أخبار(١٥٩) يسيرة، فإنّ حصول اليقين غير منحصر في طريق التواتر.
وممّا يدلّ على ذلك قصّة زرارة وإرساله ولده ليأتيه بخبر النصّ على الكاظم عليه السلام، أو بخبر دعواه الإمامة وإظهاره للمعجز، وأيّ نسبة لذلك إلى أحاديث الرجعة.
الرابع: إجماع جميع (١٦٠) الشيعة الإمامية، وإطباق الطائفة الإثنى عشريّة على اعتقاد صحّة الرجعة، فلا يظهر منهم مخالف يعتدّ به من العلماء السابقين ولا اللاّحقين، وقد علم دخول المعصوم في هذا الإجماع بورود الأحاديث المتواترة عن النبي والأئمّة عليهم السلام، الدالّة على اعتقادهم بصحّة الرجعة، حتّى أنّه قد ورد ذلك عن صاحب الزمان محمّد(١٦١) بن الحسن المهدي عليه السلام في التوقيعات الواردة عنه وغيرها، مع قلّة ما ورد عنه في مثل ذلك بالنسبة إلى ما ورد عن آبائه عليهم السلام.
وممّن صرّح بثبوت الإجماع هنا ونقله الشيخ الجليل أمين الدين أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب (مجمع البيان لعلوم القرآن) في تفسير قوله تعالى (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً)(١٦٢) حيث قال(١٦٣): استدلّ بهذه الآية على صحّة الرجعة من ذهب إلى ذلك من الإماميّة بأن قال: دخول(١٦٤) (من) في الكلام يفيد التبعيض، فدلّ على أنّ المشار إليه في الآية يوم يُحشر فيه قوم دون قوم، وليس ذلك صفة القيامة الذي يقول الله فيه (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً).(١٦٥)
وقد تظاهرت الأخبار(١٦٦) عن أئمّة الهدى من آل محمّد عليهم السلام، أنّ الله سيعيد عند قيام المهدي عليه السلام قوماً ممّن تقدّم موتهم من أوليائه وشيعته؛ ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه؛ لينتقم منهم وينالوا ما يستحقّونه من العقاب في الدنيا، من القتل على أيدي شيعته، أو الذلّ والخزي بما يرون من علوّ كلمته،(١٦٧) ولا يشكّ عاقل أنّ هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه، وقد فعل الله ذلك في الاُمم الخالية، ونطق القرآن بذلك في عدّة مواضع، مثل قصّة عُزير وغيره على ما فسّرناه في موضعه.
وصحّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (سيكون في اُمّتي كلّ ما كان في الاُمم السابقة(١٦٨) حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة حتّى لو أنّ أحدهم دخل في جحر ضبّ لدخلتموه) على(١٦٩) أنّ جماعة من الإمامية تأوّلوا ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة والأمر والنهي، دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، وأوّلوا الأحاديث الواردة في ذلك، لما(١٧٠) ظنّوا أنّ الرجعة تنافي التكليف، وليس كذلك، لأنّه ليس فيها ما يلجئ إلى فعل الواجب والإمتناع من القبيح.
والتكليف يصحّ معها كما يصحّ مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة، كفلق البحر، وقلب العصا ثعباناً وما أشبه ذلك، ولأنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرّق إليها التأويل عليها، وإنّما المعوّل في ذلك على إجماع الشيعة الإمامية وإن كانت الأخبار تؤيِّده وتعضده(١٧١) انتهى.
ولا يخفى أنّ قوله في أوّل الكلام (من الإماميّة) ينبغي أن لا تكون (من) فيه(١٧٢) تبعيضيّة، بل هي بيانيّة، بدلالة التصريح في آخر الكلام بالإجماع من جميع الشيعة الإماميّة، وإلا لزم تناقض الكلام ولم يعتبر من تأوّل الأخبار، إمّا لكونهم معلومي النسب فلا يقدح خلافهم في الإجماع، أو كونهم شذّاذاً لا يعتبر قولهم أصلاً، أو للعلم بدخول المعصوم في أقوال الباقين.
أو لكونهم من أهل التأويل الذين أوّلوا أكثر الشريعة، أو علماً منه(١٧٣) بأنّهم أظهروا ذلك مراعاة للتقيّة، أو لأنّهم تأوّلوا بعض الأخبار، ولم يصرّحوا بالإنكار ونفي الرجعة؛ لأنّ أكثرها لا سبيل إلى تأويله بوجه، وقد أشار إلى ذلك بقوله: إنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار، فيتطرّق لها(١٧٤) التأويل.(١٧٥)
ثمّ إنّ العلم بدخول المعصوم بالأحاديث الصريحة يوجب حجّية الإجماع،(١٧٦) ونقل مثل الطبرسي حجّة في مثل هذا، وسيأتي نقله: أنّ العترة الطاهرة أجمعت عليه فكيف إذا انضمّ إليه غيره.
وقال أيضاً في (مجمع البيان): في تفسير قوله تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُـمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً).(١٧٧)
روى العيّاشي عن علي بن الحسين عليهما السلام أنّه قال: (هم والله أهل البيت يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منّا وهو مهدي هذه الاُمّة).(١٧٨) وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام.(١٧٩)
قال الطبرسي: فعلى هذا يكون المراد بـ (الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، وتضمّنت الآية البشارة لهم بالاستخلاف والتمكين في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم عند قيام المهدي، ويكون المراد قوله(١٨٠): (كَمَا استَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ) أن جعل الصالح للخلافة خليفة مثل آدم وداود وسليمان:، وممّا يدلّ(١٨١) على ذلك قوله تعالى (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)(١٨٢) و(يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ)(١٨٣) وغير ذلك.
قال الطبرسي: وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة، وإجماعهم حجّة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي) وأيضاً فإنّ التمكين في الأرض على الإطلاق لم يتّفق فيما مضى، فهو مرتقب؛(١٨٤) لأنّ الله عزّ اسمه لا يُخلف وعده(١٨٥) (انتهى).
وهذا أوضح تصريحاً في نقل(١٨٦) الإجماع على رجعة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، ويظهر ذلك من ملاحظة ضمائر الجمع في الآية وفي كلام(١٨٧) الطبرسي، ومن لفظ(١٨٨) الإستخلاف والتمكين وزوال الخوف والعبادة، وما هو معلوم من وجوب الحمل على الحقيقة،(١٨٩) ولو حملناه(١٩٠) على مجرّد خروج المهدي عليه السلام لزم حمل الجميع على المجاز والتأويل البعيد من غير ضرورة ولا قرينة، ولما صدقت المشابهة بين الإستخلافين، وكيف يشبّه ملك الميّت الذي ملك وأحد من أولاد أولاده بملك سليمان؟ على أنّه لو كان مراده(١٩١) تمكين أهل البيت مجازاً بمعنى خروج المهدي عجّل الله فرجه من غير رجعتهم، لما كان لتخصيص الإجماع بالعترة وجه؛ لأنّ ذلك إجماع من جميع الاُمّة وهو ظاهر، والأحاديث الصريحة الآتية لا يبقى معها شكّ.
وقد قال الشيخ الجليل رئيس المحدِّثين عمدة الإخباريين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (الاعتقادات) ـ باب الإعتقاد في الرجعة ـ قال الشيخ أبو جعفر: إعتقادنا ـ يعني معشر الإماميّة ـ في الرجعة أنّها حقّ، وقد قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(١٩٢) وهؤلاء كانوا سبعين ألف بيت، فماتوا جميعاً ـ وذكر قصّتهم إلى أن قال ـ: ثمّ أحياهم وبعثهم ورجعوا إلى الدنيا، ثمّ ماتوا بآجالهم، وقد قال الله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ)(١٩٣) فهذا مات مائة عام، ثمّ رجع إلى الدنيا وبقي فيها ثمّ مات بأجله وهو عُزير ـ وروي أنّه ارميا عليه السلام ـ.
وقال تعالى في قصّة السبعين المختارين من قوم موسى فماتوا: (ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(١٩٤) وقد قال الله تعالى لعيسى عليه السلام: (وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي)(١٩٥) فجميع الموتى الذين أحياهم الله لعيسى عليه السلام رجعوا إلى الدنيا وبقوا فيها، ثمّ ماتوا بآجالهم، وأصحاب الكهف لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً ثمّ بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا، وقصّتهم معروفة.
فإن قال قائل(١٩٦): (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ).(١٩٧)
قيل له: إنّهم كانوا موتى وقد قال الله تعالى: (مَنْ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)(١٩٨) وإن كانوا قالوا ذلك فإنّهم كانوا موتى، ومثل هذا كثير.
فقد صحّ أنّ الرجعة كانت في الاُمم السالفة، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يكون في هذه الاُمّة كلّ ما كان في الاُمم السالفة حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة) فيجب على هذا الأصل أن يكون في هذه الاُمّة رجعة.
وقد نقل مخالفونا أنّه إذا خرج المهدي عليه السلام نزل عيسى بن مريم فصلّى خلفه، ونزوله ورجوعه إلى الدنيا بعد موته؛ لأنّ الله تعالى قال: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)(١٩٩) وقال عزّ وجلّ: (وحَشَرْنَاهُم فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدَاً)(٢٠٠) وقال عزّ وجلّ(٢٠١): (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً)(٢٠٢) فاليوم الذي يحشر فيه الجميع غير اليوم الذي يحشر فيه الفوج.
وقال تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً)(٢٠٣) وذلك في الرجعة لأنّه عقّبه بقوله (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ)(٢٠٤) والتبيين(٢٠٥) إنّما يكون في الدنيا لا في القيامة.
وساُجرّد كتاباً في الرجعة أذكر فيه كيفيّتها، والأدلّة على صحّة كونها إن شاء الله تعالى.
والقول بالتناسخ باطل، ومن قال بالتناسخ فهو كافر؛ لأنّ التناسخ إبطال الجنّة والنار.(٢٠٦) انتهى كلام ابن بابويه.
وقد صرّح في أوّل الكتاب بأنّ ما فيه إعتقاد الإماميّة، وذكره في أوّل باب وأحال الباقي عليه، وهذا يدلّ على الإجماع من جميع الشيعة.
وممّا يدلّ على ثبوت الإجماع إتّفاقهم على رواية أحاديث الرجعة حتّى أنّه لا يكاد يخلو منها كتاب من كتب الشيعة، ولا تراهم يضعّفون حديثاً واحداً منها، ولا يتعرّضون لتأويل شيء منها، فعلم أنّهم يعتقدون مضمونها؛(٢٠٧) لأنّهم يضعّفون كلّ حديث يخالف اعتقادهم، أو يصرّحون بتأويله وصرفه عن ظاهره، وهذا معلوم بالتتبّع لكتبهم.
وقد استدلّ الشيخ في (التبيان)(٢٠٨) على ما نقل عنه على صحّة اعتقاد الرجعة.(٢٠٩)
وقد ألّف بعض المتأخِّرين ـ وهو الحسن بن سليمان بن خالد القمّي ـ رسالة في ذلك، وقال فيها ما هذا لفظه: الرجعة ممّا أجمع عليه علماؤنا بل جميع الإماميّة، وقد نقل الإجماع منهم على هذه المسألة الشيخ المفيد(٢١٠) والسيِّد المرتضى(٢١١) وغيرهما(٢١٢) (انتهى).
وقال صاحب كتاب (الصراط المستقيم) كلاماً طويلاً في الرجعة ظاهره نقل الإجماع أيضاً، ويأتي في محلّه إن شاء الله، وعادته أن يبالغ في ذكر الخلاف، ولم ينقل هنا خلافاً أصلاً.
ويأتي ما يؤيّد ثبوت الإجماع هنا أيضاً(٢١٣) إن شاء الله تعالى.
وممّا يدلّ على ذلك أيضاً كثرة النصوص الصريحة الموجودة في الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة المذكورة سابقاً، فإنّ ذلك يدلّ على وجود هذه الأحاديث، بل الأحاديث الكثيرة التي تزيد على هذا القدر في الاُصول الأربعمائة(٢١٤) التي أجمع الإماميّة على صحّتها، وعرضوها على أهل العصمة صلوات الله عليهم، فأمروا بالعمل بها، ووجود حديث واحد في تلك الاُصول يدلّ على أنّ هذا المعنى مجمع على صحّته وثبوت نقله، لدخوله في المجمع عليه.
وممّا يدلّ على الإجماع على صحّة النقل أيضاً هنا، أنّ أكثر(٢١٥) الجماعة الذين أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنهم، وأقرّوا لهم بالعلم والفقه، وهم ثمانية عشر بل أكثر، قد رووا أحاديث الرجعة فظهر الإجماع على الثبوت وصحّة الروايات.
وممّا يدلّ على الإجماع أيضاً ما أشار إليه الشيخ في (الاستبصار): من أنّ كلّ حديث لا معارض له فهو مجمع عليه وعلى صحّة نقله، ومعلوم أنّ أحاديث الرجعة لم ينقلوا لها معارضاً صريحاً على ما يظهر(٢١٦) والله أعلم.(٢١٧)
وممّا(٢١٨) يدلّ على ذلك كثرة المصنّفين الذين رووا أحاديث الرجعة في مصنّفات خاصّة بها أو شاملة لها، وقد عرفت من أسماء الكتب التي نقلنا منها ما يزيد على سبعين كتاباً قد صنّفها عظماء علماء الإماميّة، كثقة الإسلام الكليني، ورئيس المحدِّثين ابن بابويه، ورئيس الطائفة أبي جعفر الطوسي، والسيِّد المرتضى، والنجاشي، والكشّي، والعيّاشي.
وعلي بن إبراهيم، وسليم الهلالي، والشيخ المفيد، والكراجكي، والنعماني، والصفّار، وسعد بن عبد الله، وابن قولويه، وعلي(٢١٩) بن عبدالحميد، والسيِّد علي بن طاووس، وولده، ومحمّد بن علي بن إبراهيم، وسعيد بن هبة الله الراوندي، وفرات بن إبراهيم، والسيّاري، وأبي علي الطبرسي، وولده، وأبي منصور الطبرسي، وإبراهيم بن محمّد الثقفي، ومحمّد بن العبّاس بن مروان، والبرقي، وابن شهرآشوب، والحسن بن سليمان،(٢٢٠) والعلاّمة.
وعلي بن عبدالكريم، وأحمد بن داود، والحسن بن علي بن أبي حمزة، والشهيد الأوّل، والشهيد الثاني، والحسين بن حمدان، والحسن بن محمّد بن جمهور، والحسن بن محبوب، وجعفر بن محمّد بن مالك، وظهير بن عبد الله، وشاذان بن جبرئيل، وأبي علي الطوسي، وميرزا محمّد الاسترآبادي، ومحمّد بن علي الخزّاز القمّي.
وعلي بن عيسى الأربلي، وعبد الله بن جعفر الحميري، والحافظ رجب البرسي، وعلي بن يونس العاملي، والحسن بن محمّد الديلمي، والسيِّد الرضي، وغيرهم فقد صرّحوا بصحّة الرجعة ونقلوا أحاديثها كما ستعرفه إن شاء الله تعالى، وقد نقل جماعة منهم الإجماع على ذلك ولم يظهر له مخالف وتقدّم بعض عباراتهم.
وقد قال الشيخ المفيد في (أجوبة المسائل العكبرية) حين سُئل عن قوله تعالى (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ)(٢٢١) فأجاب بوجوه، فقال: وقد قالت الإماميّة: إنّ الله تعالى ينجز الوعد بالنصر للأولياء قبل الآخرة عند قيام القائم عليه السلام، والكرّة التي وعد بها المؤمنون(٢٢٢) في العاقبة.(٢٢٣)
وروى المفيد في كتاب (الفصول): عن الحارث بن عبد الله(٢٢٤) أنّه قال: كنت جالساً في مجلس المنصور ـ وهو بالجسر الأكبر ـ وسوار القاضي عنده، والسيِّد الحميري ينشده:

إنّ الإله الذي لا شيء يشبهه * * * آتاكم الملك للدنيا وللدين
آتاكم الله ملكاً لا زوال له * * * حتّى يقاد إليكم صاحب الصين
وصاحب الهند مأخوذ برمّته * * * وصاحب الترك محبوس على هون

حتّى أتى على القصيدة والمنصور مسرور، فقال سوار: والله إنّ هذا يعطيك بلسانه ما ليس في قلبه ـ إلى أن قال ـ: وإنّه ليقول بالرجعة، ويتناول الشيخين بالسبّ والوقيعة.
فقال السيِّد: أمّا قوله(٢٢٥): إنّي أقول بالرجعة، فإنّي أقول بذلك على ما قال الله تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يوزَعُونَ)(٢٢٦) وقال في موضع آخر: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(٢٢٧) فعلمنا أنّ هاهنا حشرين: أحدهما عامّ والآخر خاصّ، وقال سبحانه: (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا)(٢٢٨) وقال تعالى: (فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ)(٢٢٩) وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(٢٣٠) فهذا كتاب الله.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يحشر المتكبّرون(٢٣١) في صورة الذرّ يوم القيامة).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (لم يجر في بني إسرائيل شيء إلا ويكون في اُمّتي مثله، حتّى الخسف والمسخ والقذف)، وقال حذيفة: ما أبعد أن يمسخ الله كثيراً من هذه الاُمّة قردة وخنازير.
فالرجعة التي أذهب إليها هي(٢٣٢) ما نطق به القرآن وجاءت به السنّة، وإنّي لأعتقد أنّ الله يردّ هذا ـ يعني سواراً ـ إلى الدنيا كلباً أو قرداً أو خنزيراً أو ذرّة، فإنّه والله متكبِّر متجبِّر كافر، فضحك المنصور وأنشأ السيِّد يقول:

جاثيت سواراً بأشماله * * * عند الإمام الحاكم العادل

إلى آخر الأبيات.(٢٣٣)
وقال المفيد أيضاً في الكتاب المذكور: سأل بعض المعتزلة شيخاً من ـ أصحابنا(٢٣٤) الإماميّة ـ وأنا حاضر في مجلس فيهم(٢٣٥) جماعة كثيرة من أهل النظر والمتفقّهة فقال: إذا كان من قولك إنّ الله يردّ الأموات إلى دار الدنيا قبل الآخرة عند قيام القائم(٢٣٦) عليه السلام ليشفي المؤمنين كما زعمتم من الكافرين، وينتقم لهم منهم كما فعل من بني إسرائيل، حيث تتعلّقون بقوله تعالى (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ)(٢٣٧) فما الذي يؤمنك أن يتوب يزيد وشمر وابن ملجم ويرجعوا عن كفرهم،(٢٣٨) فيجب عليك ولايتهم والقطع بالثواب لهم؟ وهذا خلاف مذهب الشيعة.
فقال الشيخ المسؤول:(٢٣٩) القول بالرجعة إنّما قلته من طريق التوقيف، وليس للنظر فيه مجال، وأنا لا اُجيب عن هذا السؤال؛ لأنّه لا نصّ عندي فيه، ولا يجوز لي أن أتكلّف(٢٤٠) ـ من غير جهة النصّ ـ الجواب، فشنّع السائل وجماعة المعتزلة عليه بالعجز والإنقطاع.
قال الشيخ أيّده الله: فأقول: أنا أردّ(٢٤١) عن هذا السؤال جوابين:
أحدهما: إنّ العقل لا يمنع من وقوع الإيمان ممّن ذكره السائل؛ لأنّه يكون آنذاك قادراً عليه ومتمكِّناً منه، لكنّ السمع الوارد عن أئمّة الهدى عليهم السلام بالقطع عليهم بالخلود في النار، والتديّن بلعنهم والبراءة منهم إلى آخر الزمان منع من الشكّ في حالهم، وأوجب القطع على سوء اختيارهم، فجروا في هذا الباب مجرى فرعون وهامان وقارون، ومجرى من قطع الله على خلوده في النار.
ودلّ القطع على أنّهم لا يختارون الإيمان ممّن قال الله: (وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْء قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله)(٢٤٢) يريد إلا أن يلجئهم الله، والذين قال الله تعالى فيهم: (وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)(٢٤٣) وقال الله تعالى لإبليس: (لاََمْلاََنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ)(٢٤٤) وقال: (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ)(٢٤٥) وقال: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ)(٢٤٦) وقال: (سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَب)(٢٤٧) فقطع عليه(٢٤٨) بالنار وأمن من انتقاله إلى ما يوجب له الثواب، وإذا كان الأمر على ما وصفناه بطل ما توهّموه.
والجواب الآخر: إنّ الله سبحانه إذا ردّ الكافرين في(٢٤٩) الرجعة لينتقم منهم لم يقبل لهم توبة، وجروا في ذلك مجرى فرعون لمّا أدركه الغرق (قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)(٢٥٠) قال سبحانه له: (آلاْنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)(٢٥١) فردّ الله عليه إيمانه ولم ينفعه في تلك الحال ندمه وإقلاعه، وكأهل الآخرة الذين لا يقبل الله لهم توبة ولا ينفعهم ندم، لأنّهم كالملجئين إلى ذلك الفعل، ولأنّ الحكمة تمنع من قبول التوبة أبداً، وتوجب اختصاصها ببعض الأوقات.
وهذا هو الجواب الصحيح على مذهب الإمامية، وقد جاءت به آثار متظافرة(٢٥٢) عن آل محمّد عليهم السلام فروي(٢٥٣) عنهم في قوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ)(٢٥٤) فقالوا: (إنّ هذه الآية هو(٢٥٥) القائم عليه السلام، فإذا ظهر لم تقبل توبة المخالف) وهذا يبطل ما اعتمده(٢٥٦) السائل.
فإن قيل: فيكون الله تعالى(٢٥٧) قد أغرى عباده بالعصيان، وأباحهم الهرج والمرج والطغيان، لأنّهم إذا كانوا يقدرون على الكفر وأنواع الضلال وقد يئسوا من قبول التوبة، لم يدعهم داع إلى الكفّ عمّا في طباعهم، ولا انزجروا عن فعل قبيح،(٢٥٨) ومن وصف الله بإغراء خلقه بالمعاصي فقد أعظم الفرية عليه.
قيل لهم: ليس الأمر على ما ظننتموه، وذلك أنّ الدواعي لهم إلى المعاصي تكون مرتفعة إذ ذاك،(٢٥٩) لأنّهم علموا بما سلف لهم من العذاب إلى وقت الرجعة، على خلاف أئمّتهم، ويعلمون في الحال أنّهم معذّبون على ما سبق لهم من العصيان، وأنّهم إن راموا فعل قبيح تزايد عليهم العقاب في الحال، وإن لزمنا هذا السؤال لزم جميع أهل الإسلام مثله في أهل الآخرة، وإبطال توبتهم، فما أجابوا به فهو جوابنا.
فإن قيل على الجواب الأوّل: كيف يتوهّم من القوم الإقامة على العناد، وقد عاينوا العقاب في القبور وحلّ بهم عند الرجعة العذاب، وكيف يصحّ أن تدعوهم الدواعي إلى ذلك؟
قيل: يصحّ ذلك لأنّ جميع ما عدّدتموه لا يمنع من دخول الشبهة عليهم في استحسان الخلاف؛ لأنّهم يظنّون أنّهم إنّما بعثوا بعد الموت تكرمة لهم وليّلوا الدنيا كما كانوا يظنّون، وإذا حلّ بهم العقاب توهّموا قبل مفارقة أرواحهم أجسادهم أنّ هذا ليس على سبيل الإستحقاق،(٢٦٠) وأنّه من الله تعالى كما حلّ بالأنبياء، ولأصحاب(٢٦١) هذا الجواب أن يقولوا: ليس ما ذكرناه بأعجب من كفر(٢٦٢) قوم موسى وعبادتهم العجل، وقد شاهدوا منه الآيات وعاينوا ما حلَّ بفرعون وملائه من العذاب على الخلاف.
ولا بأعجب من إقامة أهل الشرك على خلاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم يعلمون عجزهم عن مثل ما أتى به من القرآن، ويشهدون معجزاته وآياته، ويجدون وقوع ما يخبر به على حقائقه، من قوله (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)(٢٦٣) وقوله تعالى: (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ)(٢٦٤) وقوله (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ)(٢٦٥) وغير ذلك، وما حلّ بهم من العذاب(٢٦٦) بسيفه، وهلاك من توعّده بالهلاك هذا، وفيمن(٢٦٧) أظهر الإيمان به المنافقون ينضافون في خلافه إلى أهل الشرك.
على أنّ هذا السؤال لا يسوغ لأصحاب المعارف من المعتزلة؛ لأنّهم يزعمون أنّ أكثر المخالفين على الأنبياء كانوا من أهل العناد(٢٦٨)، وأنّ جمهور الذين يظهرون الجهل بالله تعالى يعرفونه على الحقيقة، ويعرفون أنبياءه وصدقهم، ولكنّهم على اللجاجة والعناد، فلا يمتنع أن يكون الحكم في الرجعة وأهلها على هذا الوصف.
وقد قال الله تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُم مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)(٢٦٩) فأخبر الله سبحانه أنّ أهل العقاب لو ردّهم(٢٧٠) إلى الدنيا لعادوا إلى(٢٧١) الكفر والعناد، مع ما شاهدوا(٢٧٢) في القبور وفي المحشر من الأهوال، وما ذاقوا من أليم العذاب.(٢٧٣)
وقال في (الإرشاد) عند علامات ظهور القائم عليه السلام: وأموات ينشرون من القبور إلى الدنيا، فيتعارفون فيها ويتزاورون.(٢٧٤)
وقال في جواب (المسائل السرويّة)(٢٧٥) لمّا سُئل عمّا يروى عن الصادق عليه السلام في الرجعة وما معنى قوله عليه السلام: (ليس منّا من لم يقل بمتعتنا ويؤمن برجعتنا) أهي حشر في الدنيا مخصوص للمؤمن؟ أو لغيره من الظَلَمة الجبّارين قبل يوم القيامة؟
فكتب الشيخ بعد الجواب عن المتعة.
وأمّا قوله: (من لم يقل برجعتنا فليس منّا) فإنّما أراد بذلك ما يختصّه من القول به، في أنّ الله تعالى يحشر قوماً من اُمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعد موتهم قبل يوم القيامة، وهذا مذهب يختصّ به آل محمّد عليهم السلام، والقرآن شاهد به، قال الله تعالى في ذكر الحشر الأكبر يوم القيامة (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(٢٧٦) وقال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا)(٢٧٧) فأخبر أنّ الحشر حشران: عامّ وخاصّ.
وقال سبحانه مخبراً عمّن يحشر من الظالمين أنّه يقول يوم الحشر الأكبر (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِن سَبِيل)(٢٧٨) وللعامّة في هذه الآية تأويل مردود، وهو أن قالوا: المعنى أنّه خلقهم أمواتاً ثمّ أماتهم بعد الحياة.
وهذا باطل لا يستمرّ(٢٧٩) على لسان العرب؛ لأنّ الفعل لا يدخل إلا على من كان بغير الصفة التي انطوى اللفظ على معناها، ومن خلقه(٢٨٠) الله أمواتاً لا يقال أماته، وإنّما يدخل(٢٨١) ذلك فيمن طرأ عليه الموت بعد الحياة، كذلك لا يقال أحيا الله ميتاً إلا أن يكون قبل إحيائه ميّتاً، وهذا بيّن لمن تأمّله.
وقد زعم بعضهم أنّ المراد الموتة التي تكون(٢٨٢) بعد سؤالهم في القبور فتكون الاُولى قبل الإقبار، والثانية بعده، وهذا أيضاً باطل من وجه آخر، وهو أنّ الحياة للمسألة ليس للتكليف،(٢٨٣) فيندم الإنسان على ما فاته في حاله، وندم القوم على ما فاتهم في حياتهم المرّتين يدلّ على أنّه لم يرد حياة المسألة، لكنّه أراد حياة الرجعة التي تكون لتكليفهم(٢٨٤) الندم على تفريطهم فلا يفعلون ذلك، فيندمون يوم العرض على ما فاتهم من ذلك.
والرجعة عندنا تختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر، دون من سوى هذين الفريقين، فإذا أراد الله تعالى على ما ذكرناه أوهم الشياطين أعداء الله عزّ وجلّ أنّهم إنّما ردّوا إلى الدنيا لطغيانهم على الله، فيزدادوا عتوّاً، فينتقم الله منهم بأوليائه، ويجعل لهم الكرّة عليهم، فلا يبقى منهم إلا من هو مغموم بالعذاب، وتصفو الأرض ويكون الدين لله.
وقد قال قوم: كيف يعود(٢٨٥) الكفّار بعد الموت إلى طغيانهم وقد عاينوا عذاب البرزخ؟ فقلت: ليس ذلك بأعجب من الكفّار الذين يشاهدون العذاب فيقولون (يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢٨٦) فقال الله تعالى (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ)(٢٨٧) فلم يبق للمخالف بعد هذا شبهة يتعلّق بها.(٢٨٨)
وقال(٢٨٩) الشيخ المفيد أيضاً في جواب مسائله عن الرجعة: وعمّن يرجع فيها محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، واُمّته الذين محض الإيمان والكفر، دون من سلف من الاُمم الخالية والقرون البالية.(٢٩٠)
وقال السيِّد المرتضى علم الهدى في جواب المسائل التي وردت عليه من الري حيث سألوا عن حقيقة الرجعة؛ لأنّ شذّاذ الإماميّة يذهبون إلى أنّ الرجعة رجوع دولتهم في أيّام القائم عليه السلام دون رجوع أجسامهم.(٢٩١)
الجواب: إنّ الذي تذهب إليه الشيعة الإماميّة أنّ الله يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي عليه السلام قوماً ممّن كان تقدّم موته من شيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ومشاهدة دولته. ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم، والدليل على صحّة ذلك أنّ ذلك لا شبهة على عاقل أنّه مقدور لله غير مستحيل، فإنّا نرى كثيراً من مخالفينا ينكرون الرجعة إنكار من يراها مستحيلة.
وإذا ثبت جواز الرجعة فالطريق إلى إثباتها إجماع الإماميّة، فإنّهم لا يختلفون في ذلك، وإجماعهم ـ قد بيّنّا في غير موضع من كتبنا أنّه ـ حجّة، وبيّنّا أنّ الرجعة لا تنافي التكليف، فلا يظنّ ظانّ أنّ التكليف معها باطل، فإنّ التكليف كما يصحّ مع ظهور المعجزات، فكذا يصحّ مع الرجعة، لأنّه ليس في ذلك ملجأ إلى فعل الواجب وترك القبيح.
فأمّا من تأوّل الرجعة بأنّ معناها رجوع الدولة دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، فإنّ قوماً من الشيعة لمّا عجزوا عن نصرة الرجعة عوّلوا على هذا التأويل، وهذا غير صحيح؛ لأنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة(٢٩٢) فتطرّق التأويلات عليها، وكيف يثبت ما هو مقطوع على صحّته بأخبار الآحاد التي لاتوجب العلم!
وإنّما المعوّل في إثبات الرجعة على إجماع الإماميّة على معناها، بأنّ الله يُحيي أمواتاً عند قيام القائم عليه السلام من أوليائه وأعدائه، فكيف يتطرّق التأويل على ما هو معلوم فالمعنى غير محتمل(٢٩٣) (انتهى).
وقال السيِّد رضيّ الدين بن طاووس في (الطرائف): روى مسلم في صحيحه ـ في أوائل الجزء الأوّل ـ بإسناده إلى الجرّاح بن مليح، قال: سمعت(٢٩٤) جابراً يقول: عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم تركوها كلّها.
ثمّ ذكر مسلم في (صحيحه): بإسناده إلى محمّد بن عمر الرازي، قال: سمعت جريراً(٢٩٥) يقول: لقيت جابر بن يزيد الجعفي(٢٩٦) فلم أكتب عنه؛ لأنّه كان يؤمن بالرجعة.
قال ابن طاووس: انظر كيف حرموا أنفسهم الإنتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيّهم برواية أبي جعفر عليه السلام الذي هو من أعيان أهل بيته، الذين(٢٩٧) أمرهم الله بالتمسّك بهم، وإنّ أكثر المسلمين أو كلّهم قد رووا إحياء الأموات في الدنيا، وحديث إحياء الله الأموات في القبور للمسألة، وقد تقدّمت روايتهم عن أهل الكهف، وهذا كتابهم يتضمّن (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(٢٩٨) والسبعون الذين أصابتهم الصاعقة مع موسى، وحديث العزير ومن أحياه عيسى بن مريم، وحديث جريح الذي أجمع على صحّته، وحديث الذين يحييهم الله في القبور للمسألة، فأيّ فرق بين هؤلاء وبين ما رواه أهل البيت وشيعتهم من الرجعة، وأيّ ذنب لجابر في ذلك حتّى يُسقَط حديثه(٢٩٩) (انتهى).
وتأتي جملة اُخرى من عبارات علمائنا في هذا المعنى إن شاء الله تعالى.(٣٠٠)
الخامس: الضرورة، فإنّ ثبوت الرجعة من ضروريّات مذهب الإماميّة عند جميع العلماء المعروفين والمصنّفين المشهورين، بل يعلم العامّة أنّ ذلك من مذهب الشيعة، فلا ترى أحداً يعرف اسمه ويعلم(٣٠١) له تصنيف من الإماميّة يصرّح بإنكار الرجعة ولا تأويلها، ومعلوم أنّ الضروري والنظري يختلف عند الناظرين، فقد يكون الحكم ضروريّاً عند قوم، نظرياً عند آخرين، والذي يعلم بالتتبّع أنّ صحّة الرجعة أمر محقّق معلوم مفروغ منه مقطوع به، ضروريّ عند أكثر علماء(٣٠٢) الإماميّة أو الجميع، حتّى لقد صنّفت الإماميّة كتباً كثيرة في إثبات الرجعة كما صنّفوا في إثبات المتعة وإثبات الإمامة وغير ذلك، ولا يحضرني أسماء جميع تلك(٣٠٣) الكتب وأنا أذكر ما حضرني من ذلك.
قال الشيخ الجليل رئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في (فهرست علماء الشيعة ومصنّفيهم): أحمد بن داود بن سعيد الفزاري يكنّى أبا يحيى الجرجاني، كان من أجلّة أصحاب الحديث من العامّة، ورزقه الله هذا الأمر واستبصر، وله مصنّفات كثيرة في فنون الاحتجاج على المخالفين ـ إلى أن قال ـ: فمن كتبه كتاب خلاف عمر ـ إلى أن قال ـ: كتاب المتعة، كتاب الرجعة.(٣٠٤)
وقال النجاشي في كتاب (الرجال): أبو يحيى الجرجاني، قال الكشّي: كان من أجلّة(٣٠٥) أصحاب الحديث، ورزقه الله هذا الأمر، وصنّف في الردّ على الحشوية(٣٠٦) تصنيفاً كثيراً، فمنها كتاب خلاف عمر ـ إلى أن قال ـ: كتاب المتعة والرجعة.(٣٠٧)
وقال النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن أبي حمزة: له كتب منها كتاب القائم، كتاب الدلائل، كتاب المتعة، كتاب الرجعة، كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام.(٣٠٨)
وقال النجاشي أيضاً: الفضل بن شاذان كان ثقة أجلّ أصحابنا الفقهاء والمتكلِّمين وله جلالة في هذه الطائفة، وهو في فضله أشهر من أن نصفه، ذكر الكنجي أنّه صنّف مائة وثمانين كتاباً وقع إلينا منها: كتاب النقض على الإسكافي ـ إلى أن قال ـ: كتاب إثبات الرجعة، كتاب الرجعة، كتاب حذو النعل بالنعل(٣٠٩)
(انتهى).(٣١٠)
وقال الشيخ الطوسي في (الفهرست): الفضل بن شاذان متكلِّم جليل القدر، له كتب منها: كتاب الفرائض ـ إلى أن قال ـ: كتاب في إثبات الرجعة(٣١١) (انتهى).
وروى الكشّي في مدحه وجلالته أحاديث بليغة تدلّ على صحّة اعتقاداته، والاعتماد على مؤلّفاته، فانظر إلى هذا الشيخ الجليل(٣١٢) الذي هو أجلّ علماء الشيعة ومصنّفيهم، قد صنّف كتابين في إثبات الرجعة بل ثلاثة فكيف إذا انضمّ إليه غيره.(٣١٣)
وقد ذكر النجاشي في ترجمة محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه بعدما ذكر له مدائح جليلة وأنّه ألّف كتباً كثيرة وعدّ منها كتاب المتعة، كتاب الرجعة ونحوه.(٣١٤)
ذكر الشيخ في (الفهرست) وذكر من كتبه ومصنّفاته كتاب (حذو النعل بالنعل).(٣١٥)
وقال العلاّمة في (الخلاصة): محمّد بن مسعود العيّاشي ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة وكبيرها، جليل القدر واسع الأخبار بصير بالرواية، مضطلع بها، له كتب كثيرة، تزيد على مائتي مصنّف ونحوه.(٣١٦)
وقال النجاشي والشيخ وذكرا من جملة كتبه ومصنّفاته كتاب الرجعة.(٣١٧)
وقد نقل جميع ما ذكرناه من علماء الرجال هنا مولانا ميرزا محمّد الاسترابادي في كتابه في الرجال.(٣١٨)
وممّا يدلّ على أنّ صحّة الرجعة أمر قد صار ضرورياً ما يأتي نقله عن كتاب (سليم بن قيس الهلالي)(٣١٩) الذي صنّفه في زمان أمير المؤمنين عليه السلام وقوله: حتّى صرت ما أنا بيوم القيامة أشدّ يقيناً منّي بالرجعة(٣٢٠) (انتهى).
وقد تجدّد بعده من الأحاديث التي يأتي ذكرها ما يزيد ذلك اليقين أضعافاً مضاعفة، وقد صنّف المتأخِّرون من علمائنا أيضاً رسائل وكتباً في إثبات الرجعة، وقد حضرني منها ثلاث رسائل، ولم تصل إلينا الكتب السابقة المذكورة في إثبات الرجعة لننقل بعض ما فيها من الأحاديث والأدلّة، وفيما وصل إلينا من الأحاديث المتفرّقة في الكتب المشهورة الآن(٣٢١) كفاية إن شاء الله تعالى.
وقال السيِّد الجليل رضيّ الدين علي بن طاووس في كتاب (كشف المحجّة لثمرة المهجة): جمعني وبعض أهل الخلاف مجلس منفرد، فقلت لهم: ما الذي تنكرون على الإماميّة؟ فقالوا: نأخذ عليهم تعرّضهم بالصحابة، ونأخذ عليهم القول بالرجعة وبالمتعة، ونأخذ عليهم حديث المهدي وأنّه حيّ مع تطاول زمان غيبته.
قال: فقلت لهم: أمّا تعرّض من أشرتم إليه بذمّ الصحابة ـ إلى أن قال ـ: وأمّا ما أخذتم عليهم من القول بالرجعة، فأنتم تروون أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنّه يجري في اُمّته ما جرى في الاُمم السابقة). وهذا القرآن يتضمّن (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(٣٢٢) فشهد أنّه قد أحياهم في الدنيا وهي رجعة، فينبغي أن يكون في هذه الاُمّة مثل ذلك فوافقوا(٣٢٣) على ذلك.(٣٢٤) ثمّ ذكر كلامه معهم في القول بالمتعة وفي غيبة(٣٢٥) المهدي عليه السلام.
وروى ابن بابويه في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) والشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة) والطبرسي في كتاب (الاحتجاج) بأسانيدهم في توقيعات صاحب الأمر عليه السلام(٣٢٦) على مسائل محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنّه سأله عن رجل ممّن يقول بالحقّ ويرى المتعة ويقول بالرجعة، إلا أنّ له أهلاً موافقة له قد عاهدها أن لا يتزوّج عليها ولا يتمتّع ولا يتسرّى.
الجواب: (يستحبّ له أن يطيع الله بالمتعة ليزول عنه الحلف في المعصية ولو مرّة واحدة).(٣٢٧)
أقول: فهذا يدلّ على أنّ القول بالرجعة من خواصّ الشيعة وعلامات التشيّع مثل إباحة المتعة ونحوها من الضروريّات، وتقرير المهدي عليه السلام له على ذلك يدلّ على صحّته.
وروى الطبرسي في (الاحتجاج) قال: قد كانت لأبي جعفر مؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة، فمن ذلك: ما روي أنّه قال يوماً لمؤمن الطاق: إنّكم تقولون بالرجعة؟ قال: نعم، قال أبو حنيفة: فأعطني الآن ألف درهم حتّى اُعطيك ألف دينار إذا رجعنا، قال الطاقي(٣٢٨) لأبي حنيفة: فأعطني كفيلاً أنّك ترجع إنساناً ولا ترجع خنزيراً.(٣٢٩)
أقول: هذا كما ترى أيضاً(٣٣٠) يدلّ على أنّ القول بالرجعة أمر معلوم من مذهب الإماميّة يعرفه المؤالف والمخالف، وهذا معنى ضروري(٣٣١) المذهب، وهذا أعلى مرتبة من الإجماع، وفيه دلالة واضحة على بطلان تأويل الرجعة برجوع الدولة وقت خروج المهدي عليه السلام، مضافاً إلى التصريحات الباقية الآتية.
وقد قال النجاشي أيضاً في (كتاب الرجال): محمّد بن علي بن النعمان مؤمن الطاق، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام فأمّا منزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر من أن يذكر ـ ثمّ ذكر جملة من كتبه إلى أن قال ـ: وكان له مع أبي حنيفة حكايات منها أنّه قال له: يا أبا جعفر أتقول بالرجعة؟ فقال: نعم، قال: أقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار، فإذا عدت أنا وأنت رددتها إليك، فقال له في الحال: أريد ضميناً يضمن لي أنّك تعود إنساناً، فإنّي(٣٣٢) أخاف أن تعود قرداً فلا أتمكَّن من استرجاع ما أخذت منّي(٣٣٣) (انتهى).
وممّا يدلّ على أنّ صحّة الرجعة قد صارت ضروريّة عند كلّ من تتبّع الأحاديث، إنّك لا تجد في الضروريّات كوجوب الصلاة وتحريم الزنا أكثر من الأحاديث الدالّة على صحّة الرجعة.
وممّا يدلّ على ذلك أنّ العامّة قد نقلوا في كتبهم عن الإماميّة أنّهم قائلون بالرجعة وأنكروا عليهم ذلك، فمنهم الرازي، والنيشابوري، والزمخشري، والشهرستاني، وابن أبي الحديد وغيرهم، فقد ذكروا أنّ الشيعة تعتقد صحّة الرجعة، وأنكروا عليهم ذلك،(٣٣٤) وهو دالّ على صحّتها وأنّها من خواصّ الشيعة وضروريّات مذهبهم.
قال محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتاب (الملل والنحل) في بحث الجعفريّة القائلين بإمامة جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ما هذا لفظه: وهو ذو علم غزير في الدين، وأدب كامل في الحكمة، وزهد بالغ في الدنيا، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد المنتمين(٣٣٥) إليه من الشيعة أسرار العلوم ـ إلى أن قال ـ: وقد تبرّا(٣٣٦) من خصائص مذاهب الرافضة وحماقاتهم من القول بالغيبة والرجعة والبداء، ثمّ قال: لكنّ الشيعة بعده افترقوا وانتحل كلّ واحد منهم مذهباً، وأراد أن يروّج على أصحابه فنسبه إليه وربطه به، والسيِّد بريء من ذلك(٣٣٧) (انتهى).
السادس: إنّ الرجعة قد وقعت في بني إسرائيل والاُمم السالفة في الرعية وفي الأنبياء والأوصياء، وكلّ ما وقع في(٣٣٨) الاُمم السالفة يقع مثله في هذه الاُمّة حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة، والرجعة تقع في هذه الاُمّة(٣٣٩) البتة، والمقدّمتان ثابتتان بالكتاب والسنّة والإجماع، فتكون النتيجة حقّاً وهو المطلوب.
ويأتي إثبات المقدّمتين إن شاء الله تعالى.
السابع: إنّ صحّة الرجعة وثبوتها ووقوعها من اعتقادات أهل العصمة عليهم السلام، وكلّ ما كان من اعتقاداتهم فهو حقّ بل قد أجمعوا على صحّتها، وإجماعهم حجّة، وقد صرّح الطبرسي(٣٤٠) فيما تقدّم بنقل إجماعهم، وروى الحديث الدالّ على حجّيته، ولها أدلّة اُخرى كثيرة، أمّا الصغرى فثابتة بالأحاديث المتواترة الآتية، وأمّا الكبرى فثابتة بالأدلّة العقليّة والنقليّة فتكون الرجعة حقّاً.
الثامن: إنّا مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتجديد الاعتراف بها في الأدعية والزيارات ويوم الجمعة، وكلّ وقت كما أنّا مأمورون بالإقرار في كثير من الأوقات بالتوحيد والنبوّة والإمامة والقيامة، وكلّ ما كان كذلك فهو حقّ، والصغرى ثابتة بالنقل المتواتر الآتي، والكبرى بديهيّة فالرجعة حقّ.
التاسع: إنّ الرجعة أمر لم يقل بصحّته أحد من العامّة على ما يظهر، وقد قالت بها الشيعة، وكلّ ما كان كذلك فهو حقّ، أمّا الصغرى فظاهرة، وأمّا الكبرى فالأدلّة عليها كثيرة تقدّم بعضها في المقدّمة السادسة، وقد روي عن الأئمّة عليهم السلام أنّهم قالوا في حقّ العامّة: (والله ما هم على شيء ممّا أنتم عليه، ولا أنتم على شيء ممّا هم عليه، فخالفوهم فما هم من الحنيفيّة على شيء).(٣٤١)
وروى الشيخ في كتاب القضاء من (التهذيب) وابن بابويه في (عيون الأخبار) حديثاً مضمونه أنّ الإنسان إذا كان في بلد ليس فيه أحد من علماء الشيعة يسأله عن مسألة خاصّة ينبغي أن يسأل عنها قاضي البلد، فما أفتاه بشيء فليأخذ بخلافه فإنّ الحقّ في خلافه.(٣٤٢)
والأحاديث في مثل هذا كثيرة جدّاً وإذا خرج بعض الأفراد بنصّ بقي الباقي.
وقد قال بعض المحقّقين من علمائنا المتأخِّرين: إنّ من جملة نعماء الله على هذه الطائفة المحقّة(٣٤٣) أنّه خلّى بين العامّة وبين الشيطان فأضلّهم في جميع المسائل النظرية حتّى يكون الأخذ بخلافهم ضابطة لنا، ونظيره ما ورد في حقّ النساء: شاوروهنّ وخالفوهنّ(٣٤٤) (انتهى).
العاشر: إنّ الإمام يجب أن يكون مستجاب الدعوة، فإذا دعا الله بإحياء الموتى وقع ذلك بإذن الله، والمقدّمة الاُولى ثابتة بالنصوص الكثيرة المذكورة في محلّها، والثانية بديهيّة، فهذا دليل على الإمكان واضح قريب، إذ لا دليل على استحالة دعاء الإمام بذلك، وعدم قيام دليل الاستحالة كاف.
الحادي عشر: إنّ الله ما أعطى أحداً من الأنبياء فضيلة (٣٤٥) ولا علماً إلا وقد أعطى نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم مثله بل أعظم منه، ومعلوم أنّ كثيراً من الأنبياء السابقين أحيا الله لهم الموتى، ولا ريب أنّ الإمام يرث علم الرسول وفضله، والمقدّمات كلّها ثابتة بالأحاديث الآتية وغيرها، بل وقد وقع إحياء الله الموتى لغير المعصومين(٣٤٦) من أهل العلم والعبادة، كما يأتي إن شاء الله تعالى، فيثبت مثله(٣٤٧) هنا بطريق الأولويّة.
الثاني عشر: إنّ الإمام عليه السلام عالم بالاسم الأعظم الذي إذا دُعي الله به لإحياء الموتى أحياهم، والتقريب ما تقدّم، فهذا ممّا يدلّ على الإمكان بل الوقوع، وهذه الأدلّة وإن كان فيها بعض التداخل، وأنّ بعضها يدلّ على الإمكان وبعضها على الوقوع ويمكن الزيادة فيها، لكن اقتصرنا عليها لأجل العدد الشريف، وأمّا ما يتخيّل فيها من المفاسد فلا وجه له.
ويأتي الكلام في ذلك في آخر هذه الرسالة إن شاء الله.

الباب الثالث: في جملة من الآيات القرآنية الدالّة على صحّة الرجعة ولو بانضمام الأحاديث في تفسيرها

إعلم أنّ مذهب قدمائنا وجميع الإخباريّين أنّه لا يجوز العمل والاعتماد في تفسير القرآن وغيره من الاُمور الشرعيّة إلا على كلام أهل العصمة عليهم السلام، وفعلهم وتقريرهم، والأحاديث في ذلك متواترة، والآيات المذكورة قد وردت الأحاديث في تفسيرها، وأنّ المراد بها الرجعة، فيجب الاعتماد عليها واعتقاد مضمونها، ثمّ إنّه إذا ورد حديثان في تفسير آية بمعنيين مختلفين أحدهما في الرجعة مثلاً، والآخر في غيرها، فلا يجوز إنكار أحد الحديثين فإنّه قد ورد: (إنّ للقرآن ظاهراً وباطناً)(٣٤٨)، وإنّه قد يراد بآية واحدة معنيان فصاعداً.
والأحاديث الواردة في تفسير الآيات تأتي في بابها إن شاء الله تعالى.
إذا تقرّر هذا فالذي يدلّ على الرجعة ووقوعها والإخبار بها آيات كثيرة، وأنا أذكر ما تيسّر ذكره، وما وصل إليّ في تفسيره(٣٤٩) حديث أو أحاديث، وذلك آيات:
الاُولى: قوله تعالى (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ)
.(٣٥٠)
قد وردت الأحاديث الكثيرة في تفسيرها بالرجعة، على أنّها نصّ واضح الدلالة ظاهر بل(٣٥١) صريح في الرجعة؛ لأنّه ليس في القيامة قطعاً، وليس بعد القيامة رجعة إجماعاً، فتعيّن كون هذه الرجعة قبلها،(٣٥٢) وإنّما آية القيامة (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(٣٥٣) وإذا ثبت أنّه يحشر من كلّ اُمّة فوجاً ممّن يكذّب بآيات الله، ثبت باقي أقسام الرجعة وإلا لزم إحداث قول ثالث، مع أنّه لا قائل بالفرق، فإنّ الإماميّة تقرّ بالجميع، والعامّة تنكر الجميع، فالفارق خارق للإجماع.
الثانية: قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُـمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ).(٣٥٤)
قد وردت الأحاديث الكثيرة بتفسيرها في الرجعة، على أنّها نصّ في ذلك لا تحتمل سواه إلا أن تصرف عن ظاهرها، وتخرج عن حقيقتها، ولا ريب في وجوب الحمل على الحقيقة عند عدم القرينة، وليس هنا قرينة كما ترى.
وقد تقدّم نقل الطبرسي إجماع العترة الطاهرة على تفسير هذه الآية بالرجعة، ومعلوم أنّ الأفعال المستقبلة الكثيرة وضمائر الجمع المتعدّدة ولفظ الاستخلاف والتمكين والخوف والأمن والعبادة وغير ذلك من التصريحات والتلويحات، لاتستقيم إلا في الرجعة، وأيّ خوف وأمن واستخلاف وتمكين وعبادة يمكن نسبتها إلى الميّت بسبب تملّك شخص من أولاد أولاده بعد أحد عشر بطناً، والتصريحات في الأحاديث الآتية تزيل كلّ شكّ وشبهة.
الثالثة: قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ).(٣٥٥)
وهذه أوضح ممّا قبلها؛ لأنّها تدلّ على أنّ المنّ على الجماعة المذكورين وجعلهم أئمّة وارثين، والتمكين لهم في الأرض وحذر أعدائهم منهم، كلّه بعد ما استضعفوا في الأرض، وهل يتصوّر لذلك مصداق إلا الرجعة، وهل يجوز التصدّي لتأويلها وصرفها عن ظاهرها ودليلها بغير قرينة، وضمائر الجمع وألفاظه في المواضع الثمانية يتعيّن حملها على الحقيقة، ولا يجوز صرفها إلى تأويل بعيد ولا قريب، إلا أن يخرج الناظر فيها عن الإنصاف، ويكذّب الأحاديث الكثيرة المتواترة التي يأتي بعضها في تفسير الآية(٣٥٦) والإخبار بالرجعة.
الرابعة: قوله تعالى (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ).(٣٥٧)
فإنّ ظاهرها أنّ تلك الدابّة تخرج من الأرض؛ لأنّ الأصل عدم التقدير والإضمار، وأنّها تكلِّم الناس وأنّها حجّة عليهم، وإلا لكان كلامها لهم عبثاً لا يجب قبوله، خصوصاً مع ملاحظة قوله تعالى (وَإذَا وَقَعَ القَوَلُ عَلَيْهِم) ويؤيّد هذا الظاهر الأحاديث الآتية الدالّة على أنّ المراد بها أمير المؤمنين عليه السلام.
الخامسة: قوله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فيه).(٣٥٨)
روى الكليني والصدوق وعلي بن إبراهيم(٣٥٩) وغيرهم(٣٦٠) أنّها نزلت في الرجعة، ولا يخفى أنّها لا تستقيم في إنكار البعث؛ لأنّهم ما كانوا يقسمون بالله بل كانوا يقسمون باللاّت والعزّى، ولأنّ(٣٦١) التبيّن(٣٦٢) إنّما يكون في الدنيا كما تقدّم.
ويأتي التصريح بما قلناه في الأحاديث إن شاء الله.
السادسة: قوله تعالى (إِنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ).(٣٦٣)
وهي تدلّ على إمكان الرجعة، وقد تكرّرت هذه الآية في القرآن في مواضع كثيرة في مقام الردّ على من ينكر إحياء الموتى وغير ذلك،(٣٦٤) وفيها مبالغات كثيرة تستفاد من لفظ قدير، والتأكيد بـ (إنّ) والجملة الإسميّة والتنوين في (شيء) و(قدير) والتصريح بالعموم وغير ذلك.
وقد ورد في بعض الأحاديث أنّهم: سئلوا عن الرجعة، فقالوا: (تلك القدرة ولا ينكرها إلا كافر).
السابعة: قوله تعالى (أَلَيْسَ ذلِكَ بِقَادِر عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى).(٣٦٥)
وهي دالّة على إمكان الرجعة، فإنّها من قسم إحياء الموتى لا تزيد على ذلك، ولا شكّ في تساوي نسبة قدرة الله إلى جميع الممكنات.
الثامنة: قوله تعالى (أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِر عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ).(٣٦٦)
وهي دالّة كما ترى على إمكان الرجعة ولو مع ما دلّ على وقوعها في الاُمم السابقة من الآيات والروايات.
التاسعة: قوله تعالى (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ).(٣٦٧)
وهي دالّة على إمكان الرجعة دلالة واضحة ظاهرة.
العاشرة: قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ).(٣٦٨)
دلّت(٣٦٩) على وقوع الرجعة وهو يستلزم إمكانها وعدم جواز إنكارها، وفيها دلالة على وقوعها أيضاً، بضميمة الأحاديث الدالّة على أنّ ما وقع في الاُمم السابقة يقع مثله في هذه الاُمّة.
وقد روي في الأحاديث الآتية وغيرها أنّ المذكورين في هذه الآية كانوا سبعين ألفاً، فأماتهم الله مدّة طويلة ثمّ أحياهم، فرجعوا إلى الدنيا وعاشوا أيضاً مدّة طويلة.
الحادية عشرة: قوله تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْم قَالَ بَل لَبِثْتَ مِاْئَةَ عَام فَانْظُرْ إِلَى طَعَامَكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ).(٣٧٠)
فهذه الآية الشريفة صريحة في أنّ المذكور فيها مات مائة سنة ثمّ أحياه الله وبعثه إلى الدنيا وأحيا حماره، وظاهر القرآن يدلّ على أنّه من الأنبياء لما تضمّنه من الوحي والخطاب له.
وقد وقع التصريح في الأحاديث الآتية بأنّه كان نبيّاً، ففي بعض الروايات أنّه ارميا النبي، وفي بعضها أنّه عزير النبي عليهما السلام، وقد روى ذلك العامّة والخاصّة،(٣٧١) وبملاحظة الأحاديث المشار إليها سابقاً يجب أن يثبت مثله في هذه الاُمّة.
الثانية عشرة: قوله تعالى (إِذْ قَالَ الله يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ ـ إلى قوله ـ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونَ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ بِإِذْنِي) (٣٧٢) الآية.
وهي دالّة على إمكان الرجعة ووقوعها في الاُمم السابقة، وبملاحظة الأحاديث المشار إليها المذكورة في الباب الآتي يجب أن يثبت في هذه الاُمّة.
الثالثة عشر: قوله تعالى (إِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ـ إلى قوله ـ وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَة مِن رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله).(٣٧٣)
وهذه الآية دالّة على المقصود كما تقدّم.
الرابعة عشر: قوله تعالى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ـ إلى قوله ـ وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ).(٣٧٤) ووجه الإستدلال بها ما تقدّم وهي أوضح من السابقة.
وقد ورد في الأحاديث الآتية أنّ المذكورين كانوا سبعين رجلاً وأنّ الله أحياهم وبعثهم أنبياء، فهذه رجعة عظيمة ينبغي أن لا ينكر الإخبار بوقوع مثلها في هذه الاُمّة، لما يأتي من الإخبار برجعة جماعة من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام.
الخامسة عشر: قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً).(٣٧٥)
وهذه تدلّ على إحياء الموتى في الاُمم السابقة، وذلك يدلّ على الإمكان والوقوع لما أشرنا إليه سابقاً.(٣٧٦)
السادسة عشر: قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ـ إلى قوله ـ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).(٣٧٧)
وجه الاستدلال بها ما تقدّم سابقاً.
السابعة عشر: قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ الله الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِيْ وَيُمِيتُ).(٣٧٨)
وفيها دلالة على إمكان الرجعة، بل على وقوعها لما يأتي من الحديث في أنّ الله أحيا بدعائه الموتى، وأنّ ما كان في تلك الاُمم يقع مثله في هذه الاُمّة.
الثامنة عشر: قوله تعالى (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِائَة سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً ـ إلى قوله ـ وَكَذَلِك بَعَثْنَاهُمْ ليِتَسَاءَلُوا بَيْنَهُم).(٣٧٩)
روى ابن بابويه في (اعتقاداته)(٣٨٠) وغيره أنّهم ماتوا ثمّ أحياهم الله، وقد تقدّمت عبارته فارجع إليها.
التاسعة عشر: قوله تعالى (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ).(٣٨١)
وردت الأحاديث المتعدّدة(٣٨٢) الآتية في أنّ المراد بها الرجعة، ويؤيّد تلك التصريحات ظاهر الآية، فإنّ كثيراً من الرسل والأئمّة والذين آمنوا لم ينصروا، والفعل(٣٨٣) مستقبل والله لا يخلف الميعاد، والحمل على إرادة خروج المهدي عليه السلام فيه:
أوّلاً: إنّه خروج عن الحقيقة إلى المجاز بغير قرينة وهو باطل إجماعاً.
وثانياً: إنّه خلاف التصريحات المشار إليها.
العشرون: قوله تعالى (وَاسئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُسُلِنَا).(٣٨٤)
وردت الأحاديث الكثيرة إنّ الله جمع له الأنبياء ليلة المعراج، وإنّهم اقتدوا به وصلّوا خلفه.(٣٨٥) ورجوع الأنبياء السابقين مراراً متعدّدة لا شكّ في وقوعه وثبوته، فيقع مثله في هذه الاُمّة لما يأتي إن شاء الله تعالى.
الحادية والعشرون: قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِن كِتَاب وَحِكْمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ).(٣٨٦)
ومعلوم أنّ ذلك لم يقع بعد، فلابدّ من وقوعه فإنّ الله لا يخلف الميعاد، فظاهر الآية نصّ في الرجعة، ويدلّ على ذلك أيضاً أحاديث صريحة، يأتي بعضها إن شاء الله تعالى فيها تفسير الآية بذلك.
الثانية والعشرون: قوله تعالى (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ).(٣٨٧)
وردت الأحاديث بأنّ المراد بإحدى الحياتين والموتين: الرجعة،(٣٨٨) ومعلوم أنّ ذلك لا يمتنع(٣٨٩) إرادته من الآية، وإنّها ليست(٣٩٠) بطريق الحصر، ولا يدلّ على نفي الزيادة وأنّ الحياة في القبر ليست(٣٩١) حياة تامّة، كما يفهم من بعض الأحاديث.
الثالثة والعشرون: قوله تعالى (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِالله وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).(٣٩٢)
وجه الاستدلال أنّه أثبت الإحياء مرّتين، ثمّ قال بعدهما: (ثُمَّ إلَيهِ تُرْجَعُونَ) والمراد به القيامة قطعاً، والعطف خصوصاً بـ (ثمّ) ظاهر في المغايرة، فالإحياء الثاني إمّا الرجعة أو نظير لها، وبالجملة ففيها دلالة على وقوع الإحياء قبل القيامة بعد الموت في الجملة.
الرابعة والعشرون: قوله تعالى في حقّ عيسى عليه السلام: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ).(٣٩٣)
نقل الطبرسي عن ابن عبّاس: إنّ المراد (إنّي مُتَوَفِّيكَ) وفاة موت.(٣٩٤)
وقد تقدّم(٣٩٥) مثله عن رئيس المحدِّثين محمّد بن علي بن بابويه.(٣٩٦)
والآية ظاهرة واضحة في ذلك، وهي تدلّ على أنّ نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان إلى الأرض من قسم الرجعة، وقد أجمع على نقل ذلك جميع المسلمين، ونقل(٣٩٧) إجماعهم عليه جماعة من العلماء.
ونقل الطبرسي عن بعض العامّة: أنّ عيسى عليه السلام لم يمت، وأنّه رفع إلى السماء من غير وفاة، وتعرّضوا لتأويل الآية تارةً بالحمل على وفاة النوم، وتارةً بما هو أبعد من ذلك.(٣٩٨) وظاهر أنّ ذلك كلّه باطل وغلوّ عظيم في إنكار الرجعة، والإماميّة لا يقبلون ذلك التأويل ولا يلزمهم العمل به.
الخامسة والعشرون: قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ).(٣٩٩)
وهي ظاهرة واضحة في وفاة عيسى عليه السلام لأنّه يقول ذلك يوم القيامة بل لفظ: (تَوَفَّيَتِني) والعطف بالفاء الدالّة على التعقيب من غير تراخ، ولفظ (مَا دُمْتُ فِيهِمْ) وغير ذلك صريح في أنّ نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان من قسم الرجعة.
السادسة والعشرون: قوله تعالى (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِن قَبْلُ وَإِيَّايَ) (٤٠٠) الآية.
وروى(٤٠١) ابن بابويه والطبرسي وعلي بن إبراهيم وغيرهم: أنّ الله أحياهم بعد موتهم، بل بعثهم أنبياء.(٤٠٢)
كما مضى ويأتي إن شاء الله.
السابعة والعشرون: قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ قُرآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى).(٤٠٣)
ذكر جماعة من المفسِّرين والنحويّين أنّ جواب (لو)(٤٠٤) محذوف أي لكان هذا القرآن.
وروى الكليني في حديث أنّهم قالوا عليهم السلام: (عندنا هذا القرآن الذي تسير به الجبال وتقطّع به الأرض ويكلّم به الموتى)(٤٠٥) ويأتي إن شاء الله تعالى.
وقال الطبرسي: (أو كلّم به الموتى) أي أحيا به الموتى(٤٠٦) حتّى يعيشوا ويتكلّموا(٤٠٧) (انتهى).
وفيه دلالة واضحة(٤٠٨) على إمكان الرجعة بل على وقوعها عند التأمّل.
الثامنة والعشرون: قوله تعالى (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوال وَبَنِينَ).(٤٠٩)
روى الكليني وعلي بن إبراهيم وغيرهما: أنّها في الرجعة.(٤١٠)
ويأتي توجيه ذلك إن شاء الله تعالى.
التاسعة والعشرون: قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُم مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْء سَبَباً) (٤١١) الآية.
روى علي بن إبراهيم وغيره: أنّ قومه ضربوه على قرنه فمات خمسمائة سنة، ثمّ أحياه الله وبعثه إليهم، فضربوه على قرنه الآخر فأماته الله خمسمائة عام، ثمّ أحياه وبعثه إليهم فملّكه الأرض.(٤١٢)
وقد روي(٤١٣) عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه نقل حديث ذي القرنين ثمّ قال: (وفيكم مثله) يعني نفسه، ويأتي ذلك إن شاء الله.
وقال الطبرسي: قيل(٤١٤): إنّ ذا القرنين نبيّ مبعوث فتح الله على يديه الأرض.(٤١٥)
ثمّ قال: في قوله تعالى (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ)(٤١٦) استدلّ من ذهب إلى أنّ ذا القرنين كان نبيّاً بهذا؛ لأنّ قول الله لا يكون إلا بالوحي، والوحي لا يجوز إلا على الأنبياء،(٤١٧) وقيل: إنّ الله ألهمه ولم يوح إليه(٤١٨) (انتهى).
أقول: ومع ضميمة الأحاديث الدالّة على أنّ ما كان في الاُمم السابقة يكون مثله في هذه الاُمّة، يتمّ الاستدلال على صحّة الرجعة بقصّة ذي القرنين وأمثالها.
الثلاثون: قوله تعالى (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ) (٤١٩) الآية.
روى الطبرسي وعلي بن إبراهيم وغيرهما: أنّ الله أحيا له من أهله من مات وقت البلاء (وَمِثْلَهُم مَّعَهُم)(٤٢٠) ممّن مات من قبل.(٤٢١)
كما يأتي إن شاء الله تعالى، فينبغي أن يقع مثله في هذه الاُمّة بدلالة الأحاديث المشار إليها.
الحادية والثلاثون: قوله تعالى (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ).(٤٢٢)
روى الطبرسي وعلي بن إبراهيم وغيرهما: أنّها في الرجعة، وأنّ كلّ قرية هلكت بعذاب لا يرجع أهلها في الرجعة، وأمّا في القيامة فيرجعون.(٤٢٣)
الثانية والثلاثون: قوله تعالى (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد).(٤٢٤)
روي في عدّة أحاديث تأتي إن شاء الله تعالى: أنّ المراد بها الرجعة، ومعلوم أنّها خطاب للرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
الثالثة والثلاثون: قوله تعالى (وَإِن مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ).(٤٢٥)
روى علي بن إبراهيم وغيره في تفسيرها: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رجع آمن به الناس كلّهم.(٤٢٦)
الرابعة والثلاثون: قوله تعالى (إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً).(٤٢٧)
روى علي بن إبراهيم في (تفسيره): عن أبي جعفر عليه السلام أنّه تلا هذه الآية ثمّ قال: (سيريك في آخر الزمان آيات، منها: دابّة الأرض، والدجّال، ونزول عيسى بن مريم، وطلوع الشمس من مغربها).(٤٢٨)
الخامسة والثلاثون: قوله تعالى (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ).(٤٢٩)
روى علي بن إبراهيم وغيره: أنّ من جملته الرجعة،(٤٣٠) ويأتي إن شاء الله تعالى.
السادسة والثلاثون: قوله تعالى (أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ).(٤٣١)
روى علي بن إبراهيم: أنّ معناه صدّقتم به في الرجعة، فيقال: الآن تؤمنون به يعني أمير المؤمنين عليه السلام.(٤٣٢)
السابعة والثلاثون: قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْس ظَلَمَتْ مَا فِي الأرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ).(٤٣٣)
روى علي بن إبراهيم: أنّها نزلت في الرجعة.(٤٣٤)
الثامنة والثلاثون: قوله تعالى (فَإِن كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ).(٤٣٥)
روى علي بن إبراهيم وغيره: أنّ الله جمع الأنبياء لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فأحياهم ورجعوا وصلّوا خلفه.(٤٣٦) وأنّ هذا معنى الآية، وهذه الآية دالّة على الرجعة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما تقدّم.
التاسعة والثلاثون: قوله تعالى (فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ قُلُوبُهُم مُنكِرَةٌ وَهُم مُسْتَكْبِرُونَ).(٤٣٧)
روى علي بن إبراهيم: أنّ معنى قوله (لا يؤمنون بالآخرة) لا يؤمنون بالرجعة (قلوبهم منكرة) كافرة.(٤٣٨)
الأربعون: قوله تعالى (فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ).(٤٣٩)
روى علي بن إبراهيم: أنّ المراد العذاب في الرجعة.(٤٤٠)
الحادية والأربعون: قوله تعالى (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ).(٤٤١)
روى علي بن إبراهيم أيضاً ما ظاهره: أنّها في الرجعة.(٤٤٢)
ويأتي إن شاء الله.
الثانية والأربعون: قوله تعالى (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى).(٤٤٣)
روى علي بن إبراهم وغيره: أنّها في النصّاب وأنّ تلك المعيشة في الرجعة وأنّهم يأكلون العذرة.(٤٤٤)
الثالثة والأربعون: قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً).(٤٤٥)
روى علي بن إبراهيم في تفسير ذلك الفضل: إنّ من جملته: أنّ الله أنزل(٤٤٦) عليه الزبور فيه توحيد الله وتمجيد ودعاء، وأخبار رسول الله وأمير المؤمنين والقائم وأخبار الرجعة.(٤٤٧)
الرابعة والأربعون: قوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ).(٤٤٨)
روى علي بن إبراهيم وغيره: أنّ المراد بها أخبار الرجعة.(٤٤٩)
الخامسة والأربعون: قوله تعالى (أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).(٤٥٠)
روى علي بن إبراهيم: أنّ الآيتين في الرجعة.(٤٥١)
السادسة والأربعون: قوله تعالى (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ).(٤٥٢)
قال: أولم ينظروا في القرآن والأخبار برجعة الاُمم الهالكة، رواه علي بن إبراهيم في تفسيرها.(٤٥٣)
السابعة والأربعون: قوله تعالى (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ).(٤٥٤)
روى علي بن إبراهيم: أنّ المراد أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام وأنّها في الرجعة.(٤٥٥)
الثامنة والأربعون: قوله تعالى (وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِن سَبِيل).(٤٥٦)
روى علي بن إبراهيم: أنّ المراد بالعذاب هنا علي بن أبي طالب عليه السلام وخروجه في الرجعة.(٤٥٧)
التاسعة والأربعون: قوله تعالى (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).(٤٥٨)
روى علي بن إبراهيم: أنّها في الأئمّة عليهم السلام وأنّهم يرجعون إلى الدنيا.(٤٥٩)
الخمسون: قوله تعالى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخَان مُبِين).(٤٦٠)
روى علي بن إبراهيم: أنّ ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر.(٤٦١)
الحادية والخمسون: قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً).(٤٦٢)
روى علي بن إبراهيم وغيره: أنّها في الحسين عليه السلام، وأنّ الله أخبر رسوله وبشّره به قبل حمله، وأخبره بما يصيبه من القتل، وأنّه يردّه إلى الدنيا، وينصره حتّى يقتل أعداءه، ويملّكه الأرض، فـ (حملته كرهاً) أي اغتمّت وكرهت لمّا اُخبرت بقتله.(٤٦٣)
الثانية والخمسون: قوله تعالى: (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ).(٤٦٤)
روى علي بن إبراهيم: أنّ المراد بها الرجعة.(٤٦٥)
الثالثة والخمسون: قوله تعالى (يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً).(٤٦٦)
روى علي بن إبراهيم: أنّ المراد بها الرجعة.(٤٦٧)
الرابعة والخمسون: قوله تعالى (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ).(٤٦٨)
روى علي بن إبراهيم: أنّ المراد بها أخبار الرجعة والقيامة (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ)(٤٦٩) يعني ما وعدتكم.(٤٧٠)
الخامسة والخمسون: قوله تعالى (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذلِكَ).(٤٧١)
روى علي بن إبراهيم: أنّ المراد عذاب الرجعة بالسيف.(٤٧٢)
السادسة والخمسون: قوله تعالى (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هذَا يَوْمٌ عَسِرٌ).(٤٧٣)
روى علي بن إبراهيم: أنّ المراد بذلك الرجعة.(٤٧٤)
السابعة والخمسون: قوله تعالى (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ).(٤٧٥)
روى علي بن إبراهيم: أنّها في الرجعة، إذا رجع أمير المؤمنين عليه السلام ورجع أعداؤه فيسمهم بميسم معه.(٤٧٦)
الثامنة والخمسون: قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ).(٤٧٧)
روى علي بن إبراهيم: أنّ(٤٧٨) المراد بها القائم وأمير المؤمنين عليهما السلام في الرجعة.(٤٧٩)
التاسعة والخمسون: قوله تعالى: (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً).(٤٨٠)
روى علي بن إبراهيم: أنّ المراد بها الرجعة.(٤٨١)
الستّون: قوله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُول).(٤٨٢)
روى علي بن إبراهيم في تفسيرها: إنّ الله أخبر رسوله بما يكون من بعده من أخبار القائم عليه السلام والرجعة والقيامة.(٤٨٣)
الحادية والستّون: قوله تعالى (قُتِلَ الأنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ـ إلى قوله ـ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ).(٤٨٤)
روى علي بن إبراهيم: أنّها نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام وأنّه الإنسان المذكور (ما أكفره) أي ما فعل وأذنب حتّى قتلتموه (ثمّ إذا شاء أنشره) قال: ينشره في الرجعة (كلاّ لمّا يقض ما أمره) فقال: لم يقض أمير المؤمنين عليه السلام ما أمره، وسيرجع حتّى يقضي ما أمره.(٤٨٥)
الثانية والستّون: قوله تعالى: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ).(٤٨٦)
روى علي بن إبراهيم: أنّ المراد يردّه إلى الدنيا وإلى القيامة.(٤٨٧)
الثالثة والستّون: قوله تعالى (وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ الله).(٤٨٨)
روى ابن بابويه وغيره: أنّها ثلاثة: يوم يقوم القائم، ويوم الكرّة، ويوم القيامة.(٤٨٩)
الرابعة والستّون: قوله تعالى: (وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الأخِرَةِ أَعْمَى).(٤٩٠)
روى سعد بن عبد الله في (مختصر البصائر): أنّ المراد بها الرجعة.(٤٩١)
أقول: وربّما تأتي بعض(٤٩٢) الآيات الواردة في الرجعة في تضاعيف الأحاديث الآتية(٤٩٣) إن شاء الله تعالى، وقد ألّف بعض المتأخِّرين كتباً متعدّدة في تفسير القرآن وتأويله، والآيات النازلة في شأن أهل البيت عليهم السلام والرجعة، ولم تحضرني وقت جمع هذه الرسالة وفيما ذكر(٤٩٤) كفاية إن شاء الله تعالى.

الباب الرابع: في إثبات أنّ ما وقع في الاُمم السابقة يقع مثله في هذه الاُمّة

إعلم أنّ هذا المعنى ثابت عنهم عليهم السلام قد رواه العامّة والخاصّة ويمكن أن يستدلّ عليه من القرآن بقوله تعالى (سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً)(٤٩٥) ومن السنّة بالأحاديث الدالّة على التصريح بثبوته، واستدلال أهل العصمة عليهم السلام بها(٤٩٦) على المعاندين وأعداء الدين، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
وبإجماع المسلمين في الجملة، فإنّ الأحاديث بذلك كثيرة من طرق(٤٩٧) العامّة والخاصّة، وقد صنّف علماؤنا كتباً في إثباته مذكورة في كتب الرجال، وتقدّم ذكر بعضها، وأنا أذكر الذي يحضرني من الأحاديث في هذا المعنى، وقد رأيتها في عدّة كتب معتمدة مرويّة من عدّة طرق مسندة ومرسلة فأقول:
الحديث الأوّل: ممّا يدلّ على ذلك ما رواه الشيخ الجليل رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (من لا يحضره الفقيه) الذي صرّح بأنّه لا يورد فيه إلا ما يفتي به ويحكم بصحّته، ويعتقد أنّه حجّة بينه وبين ربّه، وشهد بأنّ كلّ ما فيه مأخوذ من كتب مشهورة، عليها المعوّل وإليها المرجع.(٤٩٨)
قال في باب فرض الصلاة: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يكون في هذه الاُمّة كلّ ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة).(٤٩٩)
الثاني: ما رواه ابن بابويه أيضاً في أواخر كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) قال: قد صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (كلّ ما كان في الاُمم السالفة يكون مثله في هذه الاُمّة، حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة).(٥٠٠)
الثالث: ما رواه الشيخ الجليل ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني ـ في باب أنّ الأئمّة ورثوا علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجميع الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير ـ يعني ليث المرادي ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنّ الله لم يعط الأنبياء شيئاً إلا وقد أعطاه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم)(٥٠١) الحديث.
الرابع: ما رواه الكليني أيضاً في الباب المذكور: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره،(٥٠٢) عن محمّد بن حمّاد، عن أخيه أحمد بن حمّاد، عن أبيه، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورث النبيّين كلّهم؟ قال: (نعم) قلت: إنّ عيسى بن مريم كان يُحيي الموتى بإذن الله؟ قال: (صدقت، وسليمان كان يفهم منطق الطير، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقدر على هذه المنازل)(٥٠٣) الحديث. وفيه: أنّ الأئمّة عليهم السلام ورثوا ذلك.
الخامس: ما رواه الكليني أيضاً ـ في باب ما أعطى الله الأئمّة عليهم السلام من الاسم الأعظم ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد، عن زكريا بن عمران القمّي، عن هارون بن الجهم،(٥٠٤) عن رجل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنّ عيسى بن مريم عليهما السلام اُعطي حرفين كان يعمل بهما، واُعطي موسى أربعة أحرف، واُعطي إبراهيم ثمانية أحرف، واُعطي نوح خمسة عشر حرفاً، واُعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً، وإنّ الله جمع ذلك كلّه لمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وإنّ الاسم الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً اُعطي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم اثنين وسبعين حرفاً وحُجب عنه حرف واحد).(٥٠٥)
السادس: ما رواه الكليني أيضاً ـ في باب مولد أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن مثنّى الحنّاط،(٥٠٦) عن أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له: أنتم ورثة رسول الله؟ قال: (نعم) قلت: ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وارث الأنبياء كلّهم، علم كلّ ما علموا؟(٥٠٧) قال: (نعم) قلت: فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص؟ قال: (نعم بإذن الله)(٥٠٨) الحديث.
ورواه الراوندي في (الخرائج والجرائح) في الباب السادس.(٥٠٩)
ورواه علي بن عيسى في (كشف الغمّة) نقلاً من كتاب (الدلائل) لعبد الله بن جعفر الحميري.(٥١٠)
ورواه الكشّي في كتاب (الرجال): عن محمّد بن مسعود العيّاشي، عن علي بن محمّد القمّي، عن محمّد بن أحمد، عن أحمد بن الحسن، عن علي بن الحكم مثله.(٥١١)
أقول: والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدّاً ودلالته على مضمون الباب ظاهرة لا تخفى.
السابع: ما رواه الكليني أيضاً في (الروضة) قريباً من النصف: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، وعن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعاً، عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال له: إنّ العامّة يقولون: إنّ بيعة أبي بكر حيث اجتمع الناس عليها كانت لله رضىً، وما كان الله ليفتن اُمّة محمّد من بعده ـ إلى أن قال ـ: فقال أبو جعفر عليه السلام: (أليس قد أخبر الله عن الذين من قبلهم من الاُمم أنّهم اختلفوا من بعدما جاءتهم البيّنات؟ حيث قال: (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهَ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُم مَن آمَنَ وَمِنْهُم مَن كَفَرَ)(٥١٢)).(٥١٣)
وفي هذا ما يستدلّ به على أنّ أصحاب محمّد اختلفوا من بعده، فمنهم من آمن ومنهم من كفر.
أقول: هذا دالّ على مضمون الباب، وإلا لما صحّ الاستدلال.
الثامن: ما رواه أبو جعفر بن بابويه في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) ـ في باب ما أخبر به الصادق عليه السلام من وقوع الغيبة ـ: بإسناده(٥١٤) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنّ سنن الأنبياء وما وقع فيهم من الغيبة، جارية في القائم منّا أهل البيت، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة).(٥١٥)
التاسع: ما رواه الطبرسي في آخر كتاب (إعلام الورى) حيث قال: قد صحّ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (كلّ ما كان في الاُمم السالفة فإنّه يكون في هذه الاُمّة مثله، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة).(٥١٦)
ورواه علي بن عيسى في (كشف الغمّة) نقلاً عنه.(٥١٧)
العاشر: ما رواه ابن بابويه في (اعتقاداته) ـ في باب الإعتقاد في الرجعة ـ حيث قال: وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يكون في هذه الاُمّة ما كان في الاُمم السالفة، حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذّة).(٥١٨)
الحادي عشر: ما رواه الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو الكشّي في (كتاب الرجال) ـ في ترجمة حيّان السرّاج ـ: عن حمدويه قال: حدّثنا الحسن بن موسى، قال: حدّثني محمّد بن أصبغ، عن مروان بن مسلم، عن بريد العجلي، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: (لو سبقت قليلاً لأدركت حيّان السرّاج،(٥١٩) وكان هنا جالساً) فذكر له محمّد بن الحنفيّة وذكر حياته فقلت له: أليس نزعم وتزعمون ونروي وتروون: أنّه لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا وفي هذه الاُمّة مثله؟ قال: (بلى) قلت: فهل رأيتم ورأينا، وسمعتم وسمعنا، بعالم مات على أعين الناس فنكح نساءه وقسّمت أمواله وهو حيّ لا يموت؟ فقام ولم يرد عليّ شيئاً.(٥٢٠)
ورواه ميرزا محمّد بن علي الاسترآبادي في (كتاب الرجال) نقلاً عن الكشّي.(٥٢١)
ورواه الشيخ في كتاب (الاختيار من الكشّي)(٥٢٢) مثله.(٥٢٣)
الثاني عشر: ما رواه الكشّي أيضاً ـ في ترجمة سلمان الفارسي ـ: عن محمّد بن مسعود العيّاشي، عن الحسين بن اشكيب، عن الحسين بن خرزاذ(٥٢٤) القمّي، عن محمّد بن حمّاد الساسي،(٥٢٥) عن صالح بن نوح، عن زيد بن المعدّل، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (خطب سلمان فقال: الحمد لله الذي هداني لدينه ـ إلى أن قال ـ: لتركبنّ طبقاً عن طبق، سنّة بني إسرائيل القذّة بالقذّة ـ ثمّ قال بعد كلام من جملة الخطبة ـ: والسبعين الذين اتّهموا موسى على قتل هارون فأخذتهم الرجفة فماتوا، ثمّ بعثهم الله أنبياء مرسلين وغير مرسلين، وأمر هذه الاُمّة كأمر بني إسرائيل فأين يذهب بكم؟)(٥٢٦) ثمّ ذكر تمام الخطبة.
ورواه الشيخ في (الاختيار).(٥٢٧)
الثالث عشر: ما رواه ابن بابويه في كتاب (كمال الدين) ـ في باب ما أخبر به الصادق عليه السلام من وقوع الغيبة ـ ورواه الطبرسي في (إعلام الورى) وعلي بن عيسى في (كشف الغمّة): عن سدير الصيرفي، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل قال: (وأمّا العبد الصالح ـ يعني الخضر عليه السلام ـ فإنّه ما طوّل عمره لنبوّة قدّرها له، ولا كتاب نزل(٥٢٨) عليه، ولا بشريعة(٥٢٩) ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له.
بل إنّ الله لمّا كان في سابق علمه أن يقدّر من عمر القائم من أيّام غيبته ما يقدّر، وعلم ما يكون من إنكار عباده لمقدار ذلك العمر في الطول، عمّر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك، إلا لعلّة الإستدلال به على عمر القائم، وليقطع به حجّة المعاندين، لئلاّ يكون للناس على الله حجّة)(٥٣٠) الحديث.
الرابع عشر: ما رواه الشيخ أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتاب (الاحتجاج على أهل اللجاج) ـ في احتجاج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ: عن أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام أنّه قيل لأمير المؤمنين عليه السلام: هل كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل آية موسى في رفعه(٥٣١) الجبل؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: (والّذي بعثه بالحقّ نبيّاً ما من آية كانت لأحد من الأنبياء من لدن آدم إلى أن انتهى إلى محمّد إلا وقد كان لمحمّد مثلها أو أفضل منها)(٥٣٢) الحديث.
الخامس عشر: ما رواه الطبرسي أيضاً في (الاحتجاج): عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (خطب سلمان بعد دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أيّام فقال: أيّها الناس اسمعوا(٥٣٣) حديثي ـ إلى أن قال ـ: إنّكم أخذتم سنّة بني إسرائيل أما والله لتركبنّ طبقاً عن طبق، سنّة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة).(٥٣٤)
السادس عشر: ما رواه الشيخ الجليل قطب الدين الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح) ـ في باب أعلام النبي والأئمّة عليهم السلام ـ: عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لعلي بن الحسين عليهما السلام: الأئمّة منكم يحيون الموتى ويبرئون الأكمه والأبرص ويمشون على الماء؟ فقال عليه السلام: (ما أعطى الله نبيّاً شيئاً إلا وقد أعطى الله محمّداً مثله، وأعطاه ما لم يعطهم ولم يكن عندهم، وكلّ ما كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقد أعطاه أمير المؤمنين ثمّ الحسن ثمّ الحسين:، ثمّ إماماً بعد إمام إلى يوم القيامة، مع الزيادة التي تحدث في كلّ سنة، وكلّ شهر، وكلّ يوم)(٥٣٥) الحديث.
السابع عشر: ما رواه الشيخ الجليل أمين الدين أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب (مجمع البيان) عند تفسير قوله تعالى (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً)(٥٣٦) قال: وصحّ عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (سيكون في اُمّتي كلّ ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة، حتّى لو أنّ أحدهم دخل في جحر ضبّ لدخلتموه).(٥٣٧)
الثامن عشر: ما رواه رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (عيون أخبار الرضا عليه السلام ) ـ في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في وجه دلائل الأئمّة عليهم السلام والردّ على الغلاة والمفوّضة ـ قال: حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا أحمد بن علي الأنصاري، عن الحسن بن الجهم، عن الرضا عليه السلام في حديث طويل أنّ المأمون سأله فقال: يا أبا الحسن ما تقول في الرجعة؟ فقال الرضا عليه السلام: (إنّها لحقّ قد كانت في الاُمم السالفة، ونطق بها القرآن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يكون في هذه الاُمّة كلّ ما كان في الاُمم السالفة، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة)(٥٣٨) الحديث.
التاسع عشر: ما رواه الشيخ قطب الدين الراوندي في كتاب (الموازاة بين المعجزات) الذي ألحقه وأضافه إلى كتاب (الخرائج والجرائح)، قال: قال الصادق عليه السلام: (إنّ الله ردّ على أيّوب أهله وماله الذين هلكوا) ثمّ ذكر قصّة عزير وأنّ الله أماته وأحياه، وقصّة (الَّذِيْنَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ المَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحْيَاهُمْ)(٥٣٩) وغير ذلك، ثمّ قال: (فمن أقرّ بجميع ذلك كيف ينكر الرجعة في الدنيا؟
وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما جرى في اُمم الأنبياء قبلي شيء إلا ويجري في اُمّتي مثله).(٥٤٠)
العشرون: ما رواه الشيخ الجليل الحسن بن سليمان بن خالد القمّي في (رسالته) نقلاً من كتاب (مختصر البصائر) لسعد بن عبد الله: عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن أبي خالد القمّاط، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت له(٥٤١): هل كان في بني إسرائيل شيء لا يكون مثله هاهنا؟ قال: (لا)(٥٤٢) الحديث.
الحادي والعشرون: ما رواه الحسن بن سليمان أيضاً نقلاً من كتاب (مختصر البصائر) لسعد بن عبد الله: عن محمّد بن عبد الجبّار، عن أحمد بن الحسن بن علي ابن فضّال، عن أبيه، عن حميد(٥٤٣) بن المثنّى، عن شعيب الحدّاد،(٥٤٤) عن أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أشياء وجعلت أكره أن اُسمّيها، فقال: (لعلّك تسأل عن الكرّات؟) قلت: نعم، قال: (تلك القدرة ولا ينكرها إلا القدرية.
إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اُتي بقاع(٥٤٥) من الجنّة عليه عذق، يقال له: سنّة، فتناولها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنّة من كان قبلكم).(٥٤٦)
الثاني والعشرون: ما رواه العامّة والخاصّة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (علماء اُمّتي كأنبياء بني إسرائيل)(٥٤٧) والاستدلال به لا يخفى على المتأمِّل.
الثالث والعشرون: ما رواه علي بن إبراهيم في (تفسيره): عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا وفي اُمّتي مثله).(٥٤٨)
الرابع والعشرون: ما رواه الشيخ الجليل علي بن محمّد الخزّاز القمّي في كتاب (الكفاية في النصوص على الأئمّة عليهم السلام) ـ في باب ابن عبّاس ـ قال: حدّثنا أبو المفضّل محمّد بن عبد الله بن المطلب الشيباني، عن أحمد بن مطرف،(٥٤٩) عن أبي حاتم المهلبي(٥٥٠) المغيرة بن محمّد، عن عبد الغفّار بن كثير الكوفي، عن إبراهيم بن حميد، عن أبي هاشم، عن مجاهد، عن ابن عبّاس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث طويل قال: (كائن في اُمّتي ما كان في بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة).(٥٥١)
الخامس والعشرون: ما رواه ابن طاووس في كتاب (كشف المحجّة لثمرة المهجة) من طريق العامّة والخاصّة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه يجري في اُمّته ما جرى في الاُمم السالفة.(٥٥٢)
السادس والعشرون(٥٥٣): ما رواه الشيخ الثقة الجليل سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب (قصص الأنبياء): بإسناده عن ابن بابويه، عن أبيه، عن سعدبن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سيف بن عميرة، عن أخيه علي، عن أبيه،(٥٥٤) عن محمّد بن مارد، عن عبدالأعلى بن أعين، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: حديث يرويه الناس أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (حدّث عن بني إسرائيل ولا حرج) قال: (نعم) قلت: فنحدّث عن بني إسرائيل ولا حرج علينا؟ قال: (أما سمعت ما قال، كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكلّ ما سمع) قلت: كيف هذا؟ قال: (ما كان في الكتاب أنّه كان في بني إسرائيل، فحدّث أنّه كائن في هذه الاُمُّة ولا حرج).(٥٥٥)
أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة متواترة بين الشيعة والعامّة، ولم اُوردها كلّها لضيق المجال وقلّة وجود الكتب، وفيما أوردته منها بل في بعضه كفاية إن شاء الله، وهي دالّة بعمومها وخصوصها على صحّة الرجعة، وعلى تقدير أن يثبت تخصيص العموم في بعض الأفراد بدليل شرعي صحيح صريح فإنّه يقبل.
وأمّا في الرجعة فلا سبيل إلى تخصيص هذا العموم؛ لأنّ هذه الأحاديث كما رأيت تدلّ على صحّة الرجعة عموماً وخصوصاً، والنصّ على الخصوص صريح في دخول هذا الفرد في العموم، وعدم إمكان إخراجه لكثرة التصريحات وقوّة الدلالة وتظافر الأدلّة والمساواة المستفادة من قولهم: (حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة).
يمكن حملها على الغالب أو على المبالغة أو على المساواة من بعض الوجوه، إن ثبت التغاير في بعض الخصوصيّات والتفاصيل، ومعلوم أنّ المساواة لا تفيد العموم وإلا لزم الاتّحاد وهي بمنزلة المشابهة.
ومعلوم أنّ التشبيه صادق مع الاتّفاق في وصف من الأوصاف دون الجميع، وإنّما يلزم الحكم بالعموم في أوّل الحديث للتصريح فيه بلفظ العموم وتأكيد الحكم بوجوه لا تخفى، وإذا ثبت مضمون هذا الباب ظهر أنّ كلّ حديث في البابين الآتيين حجّة ودليل على صحّة الرجعة، وأنّها لابدّ أن تقع في هذه الاُمّة لجماعة كثيرة من الرعيّة وأهل(٥٥٦) العصمة عليهم السلام، مضافة(٥٥٧) إلى الأبواب الآتية المشتملة على الأحاديث الصريحة والله الهادي.

الباب الخامس: في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت في الاُمم السابقة

إعلم أنّ هذا المعنى لا خلاف ولا شكّ فيه(٥٥٨) عند أحد من المسلمين، وقد نطق به القرآن كما تقدّم، وأنا أذكر هنا جملة من الأحاديث الواردة في ذلك ولا أدّعي الاستقصاء فإنّها أكثر من أن تحصى، وقد تضمّنت كتب العامّة والخاصّة شيئاً كثيراً من ذلك، وقد نقلوا هذا المعنى في كتب التواريخ وكتب الحديث والتفاسير وغيرها، ولم أنقل إلا بعض ما ورد من طريق علماء الخاصّة واقتصرت على أحاديث:
الأوّل: ما رواه الشيخ الجليل رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (عيون الأخبار) ـ في باب الأخبار المنثورة ـ قال: حدّثنا أبي رضي الله عنه قال: حدّثنا علي بن موسى بن جعفر الكميداني،(٥٥٩) ومحمّد بن يحيى العطّار جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: (إنّ رجلاً من بني إسرائيل قتل قرابة له، فطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل، ثمّ جاء يطلب بدمه.
فقال لموسى: إنّ سبط آل فلان قتلوا فلاناً فأخبرنا من قتله، فقال: إئتوني ببقرة (قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)(٥٦٠) ولو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم ـ إلى أن قال ـ: فاشتروها وجاءوا بها فأمر بذبحها، ثمّ أمر أن يضرب الميّت بذَنَبها، فلمّا فعلوا ذلك حيى المقتول، فقال: يا رسول الله إنّ ابن عمّي قتلني دون من يدّعي عليه قتلي)(٥٦١) الحديث.
الثاني: ما رواه ابن بابويه أيضاً في كتاب (عيون الأخبار) ـ في باب مجلس الرضا عليه السلام مع أهل الأديان وأهل المقالات في التوحيد عند المأمون ـ قال: حدّثنا أبو محمّد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمّي، قال: أخبرنا أبو محمّد الحسن بن محمّد بن حسن بن علي بن صدقة القمّي، قال: حدّثني أبو عمرو محمّد بن عبد العزيز الأنصاري، قال: حدّثني من سمع الحسن بن محمّد النوفلي ثمّ الهاشمي يقول: ثمّ ذكر احتجاج الرضا عليه السلام على أهل المقالات ـ إلى أن قال الرضا عليه السلام لبعض علماء النصارى ـ: (ما أنكرت أنّ عيسى عليه السلام كان يُحيي الموتى بإذن الله؟) قال الجاثليق: أنكرت ذلك من قبل، أنّ من أحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص فهو ربّ مستحقّ لأن يُعبد.
فقال الرضا عليه السلام: (فإنّ اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى عليه السلام، مشى على الماء وأحيا الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص، فلم تتّخذه اُمّته ربّاً، ولم يعبده أحد من دون الله، ولقد صنع حزقيل النبي عليه السلام مثل ما صنع عيسى بن مريم عليهما السلام، فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل بعد موتهم بستّين سنة).
ثمّ التفت إلى رأس الجالوت فقال له: (أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل في التوراة، اختارهم بخت نصّر من سبي(٥٦٢) بني إسرائيل حين غزا بيت المقدس، ثمّ انصرف بهم إلى بابل فأرسله الله إليهم فأحياهم، هذا في التوراة لا يدفعه إلا كافر منكم؟) قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه قال: (صدقت) ثمّ أقبل على النصراني فقال: (يا نصراني فهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم؟) قال: بل كانوا قبله.
فقال الرضا عليه السلام: (لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه أن يُحيي لهم موتاهم، فوجّه معهم علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا علي إذهب إلى الجبّانة فنادِ بأسماء هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك: يا فلان ويافلان ويافلان، يقول لكم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم: قوموا بإذن الله، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن أحوالهم ثمّ أخبروهم أنّ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم قد بُعث نبيّاً، فقالوا: وددنا أنّا أدركناه فنؤمن به ـ إلى أن قال ـ: إنّ قوماً من بني اسرائيل خرجوا من ديارهم من الطاعون وهم اُلوف حذر الموت، فأماتهم الله في ساعة واحدة، فعمد أهل القرية فحظروا عليهم حظيرة،(٥٦٣) فلم يزالوا فيها حتّى نخرت عظامهم وصارت رميماً، فمرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل فتعجّب من كثرة العظام البالية، فأوحى الله إليه: أتحبّ أن اُحييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا رب، فأوحى الله إليه: نادهم فقال: أيّتها العظام البالية قومي بإذن الله تعالى، فقاموا أحياء أجمعون، ينفضون التراب عن رؤوسهم.(٥٦٤)
ثمّ إبراهيم خليل الرحمن حين أخذ الطير فقطّعهن قطعاً، ثمّ وضع على كلّ جبل منهنّ جزءاً، ثمّ ناداهن فأقبلن سعياً إليه.
ثمّ موسى بن عمران وأصحابه الذين كانوا سبعين اختارهم فصاروا معه إلى الجبل، فقالوا: إنّك قد رأيت الله سبحانه فأرناه كما رأيته، فقال: إنّي لم أره، فقالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة(٥٦٥) فاحترقوا عن آخرهم، فبقي موسى وحيداً، فقال: يا ربّ إنّي اخترت منهم سبعين رجلاً فجئت بهم وأرجع وحدي فكيف يصدّقني قومي بما اُخبرهم به، فأحياهم الله تعالى من بعد موتهم.
وكلّ شيء ذكرته لك لا تقدر على دفعه، لأنّ التوراة والإنجيل والزبور والفرقان قد نطقت به)(٥٦٦) الحديث.
ورواه ابن بابويه أيضاً في كتاب (التوحيد) في الباب المذكور بالإسناد السابق.(٥٦٧)
ورواه الشيخ الطبرسي في كتاب (الاحتجاج) مرسلاً.(٥٦٨)
أقول: قوله: (ما أنكرت)... إلى آخره. معناه أيّ شيء أنكرت من إحياء عيسى للموتى بإذن الله، حتّى زعمت أنّه ينافي البشرية ويستلزم الربوبيّة، فإنّ النصارى لم ينكروا إحياء الموتى وإنّما أنكروا البشرية وهو ظاهر.
واعلم أنّ هذا الحديث الشريف يدلّ على أنّ الرجعة لا تستلزم التكليف ولا تنافيه، بل يمكن كون أهل الرجعة كلّهم(٥٦٩) مكلّفين، وأن يكونوا غير مكلّفين، وأن يكون بعضهم مكلّفاً وبعضهم غير مكلّف، لأنّ الجماعة من قريش(٥٧٠) لمّا أحياهم الله لم يكونوا مكلّفين وإلا لما قالوا: (وددنا أنّا أدركناه فنؤمن به) وأنّ الجماعة من بني إسرائيل لمّا أحياهم الله بعد موتهم كانوا مكلّفين. ويأتي تحقيق ذلك إن شاءالله تعالى.
الثالث: ما رواه ابن بابويه أيضاً في (عيون الأخبار) ـ في باب ذكر مجلس آخر للرضا عليه السلام عند المأمون في عصمة الأنبياء عليهم السلام ـ قال: حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، عن أبيه، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن علي بن محمّد بن الجهم ـ في حديث طويل ـ إنّ المأمون قال للرضا عليه السلام: فأخبرني عن قول إبراهيم عليه السلام: (رَبَّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(٥٧١)؟ فقال الرضا عليه السلام: (إنّ الله أوحى إلى إبراهيم عليه السلام: إنّي متّخذ خليلاً إن سألني إحياء الموتى أحييتها له، فوقع في قلب إبراهيم أنّه ذلك الخليل فقال: (رَبَّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ـ على الخلّة ـ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً).(٥٧٢)
فأخذ إبراهيم عليه السلام نسراً وبطّاً وطاووساً وديكاً فقطّعهنّ وخلطهنّ، ثمّ جعل على كلّ جبل ـ من الجبال التي كانت حوله وكانت(٥٧٣) عشرة ـ منهنّ جزءاً وجعل مناقيرهنّ بين أصابعه، ثمّ دعاهنّ بأسمائهنّ ووضع عنده حبّاً وماءً، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلى بعض حتّى استوت الأبدان، وجاء كلّ بدن حتّى انضمّ إلى رقبته ورأسه، فخلّى إبراهيم عن مناقيرهنّ فطرن، ثمّ وقعن فشربن من ذلك الماء، والتقطن من ذلك الحبّ وقلن: يا نبي الله أحييتنا أحياك الله، فقال إبراهيم: بل الله يحيي ويميت وهو على كلّ شيء قدير) فقال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن،(٥٧٤) الحديث.
ورواه في كتاب (التوحيد) أيضاً بهذا السند في باب القدرة.(٥٧٥)
ورواه الطبرسي في (الاحتجاج) مثله.(٥٧٦)
الرابع: ما رواه ابن بابويه في (عيون الأخبار) ـ في الباب المذكور ـ بالإسناد السابق أنّ المأمون سأل الرضا عليه السلام فقال: أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي)(٥٧٧) فقال: (إنّ موسى لمّا كلّمه ربّه رجع إلى قومه فأخبرهم، فقالوا: لن نؤمن لك حتّى نسمع كلامه، وكان القوم سبعمائة ألف، فاختار منهم سبعين ألفاً، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف، ثمّ اختار منهم سبعمائة، ثمّ اختار منهم سبعين رجلاً.
فخرج بهم إلى طور سيناء، فلمّا سمعوا كلام الله، قالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة، فبعث الله عليهم صاعقة(٥٧٨) فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسى: يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم؟ فقالوا: إنّك ذهبت بهم فقتلتهم؛ لأنّك لم تكن صادقاً؟ فأحياهم الله وبعثهم معه)(٥٧٩) الحديث.
ورواه الطبرسي في (الاحتجاج) مثله.(٥٨٠)
الخامس: ما رواه ابن بابويه أيضاً في كتاب (الخصال) ـ في باب الأربعة ـ قال: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن علي الكوفي، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)(٥٨١) قال: (أخذ الهدهد والصرد والطاووس والغراب فذبحهنّ وعزل رؤوسهنّ، ثمّ دقّ أبدانهنّ حتّى اختلطت، ثمّ جزّأهنّ عشرة أجزاء على عشرة أجبل، ثمّ وضع عنده حبّاً وماءً، ثمّ جعل مناقيرهنّ بين أصابعه، ثمّ قال: إئتين سعياً بإذن الله عزّ وجلّ، فتطاير بعضها إلى بعض ـ اللحم والريش والعظام ـ حتّى استوت الأبدان كما كانت، وجاء كلّ بدن حتّى التزق برقبته التي فيها رأسه والمنقار، فخلّى إبراهيم عن مناقيرهنّ فوقفن وشربن من ذلك الماء، والتقطن من ذلك الحبّ، ثمّ قلن: أحييتنا يا نبيّ الله أحياك الله، فقال إبراهيم: بل الله يُحيي ويميت).(٥٨٢)
السادس: ما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني ـ في باب النوادر من كتاب الجنائز ـ: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب،(٥٨٣) عن أبي أيّوب،(٥٨٤) عن يزيد(٥٨٥) الكناسي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إنّ فتية من أولاد ملوك بني إسرائيل كانوا متعبّدين، خرجوا يسيرون فمرّوا بقبر على ظهر الطريق قد سفى(٥٨٦) عليه السافي، ليس منه إلا رسمه، فقالوا: لو دعونا الله الساعة فينشر لنا صاحب هذا القبر فساءلناه كيف وجد طعم الموت، فدعوا الله عزّ وجلّ وكان دعاؤهم الذي دعوا الله به: أنت إلهنا يا ربّنا ليس لنا إله غيرك ـ إلى أن قالوا(٥٨٧): انشر لنا هذا الميّت بقدرتك.
قال: فخرج من ذلك القبر رجل أبيض الرأس واللحية، ينفض رأسه من التراب فزعاً شاخصاً بصره إلى السماء، فقال لهم: ما يوقفكم على قبري؟ فقالوا: دعوناك لتخبرنا كيف وجدت طعم الموت؟ فقال لهم: قد سكنت في قبري تسعاً وتسعين سنة ما ذهب عنّي ألم الموت وكربه، ولا خرج مرارة طعم الموت من حلقي، فقالوا له: متّ وأنت على ما نرى أبيض الرأس واللحية؟ فقال: لا ولكن لمّا سمعت الصيحة اُخرج اجتمعت تربة عظامي إلى روحي فبقيت فيه، فخرجت فزعاً شاخصاً بصري، مهطعاً إلى صوت الداعي، فابيضّ لذلك رأسي ولحيتي).(٥٨٨)
أقول: وإذا جاز أن يحيي الله الموتى بدعاء أولاد الملوك المتعبّدين، فكيف يجوز أن ينكر إحياء الموتى بدعاء أولاد الأنبياء المعصومين والأئمّة الطاهرين، مع ما تقدّم في الباب السابق وغيره.
السابع: ما رواه الكليني أيضاً ـ في كتاب العقل والجهل ـ: عن الحسين بن محمّد، عن أحمد بن محمّد السياري، عن أبي يعقوب البغدادي، عن أبي الحسن عليه السلام(٥٨٩) في حديث أنّه قال: (إنّ الله بعث عيسى عليه السلام في زمان قد ظهرت فيه الزمانات، واحتاج الناس إلى الطبّ، فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيا لهم الموتى وأبرأ لهم الأكمه والأبرص بإذن الله)(٥٩٠) الحديث.
ورواه ابن بابويه في كتاب (العلل): عن جعفر بن محمّد بن مسرور، عن الحسين بن محمّد مثله.(٥٩١)
ورواه في كتاب (عيون الأخبار) أيضاً قريباً من نصف الكتاب.(٥٩٢)
ورواه البرقي في كتاب العلل من (المحاسن).(٥٩٣)
الثامن: ما رواه الكليني في ـ باب أنّ الأئمّة عليهم السلام ورثوا علم النبي وجميع الأنبياء والأوصياء عليهم السلام ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره، عن محمّد بن حمّاد، عن أخيه أحمد بن حمّاد،(٥٩٤) عن أبيه، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: قلت له: إنّ عيسى عليه السلام كان يُحيي الموتى بإذن الله، قال: (صدقت، وسليمان كان يفهم منطق الطير، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقدر على هذه المنازل)(٥٩٥) الحديث.
ورواه الصفّار في (بصائر الدرجات): عن محمّد بن حمّاد، عن أخيه أحمد بن حمّاد، عن إبراهيم،(٥٩٦) عن أبيه، عن أبي الحسن عليه السلام(٥٩٧) مثله.(٥٩٨)
ورواه في باب آخر عن محمّد بن حمّاد، عن إبراهيم بن عبدالحميد، عن أبيه،(٥٩٩) عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام.(٦٠٠)
التاسع: ما رواه الكليني في (الروضة) ـ بعد حديث قوم صالح ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عمر بن يزيد وغيره، عن بعضهم، عن أبي عبد الله عليه السلام وبعضهم عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(٦٠١) فقال: (إنّ هؤلاء أهل مدينة من مدائن الشام وكانوا سبعين ألف بيت، كان الطاعون يقع فيهم في كلّ أوان، وكانوا إذا أحسّوا به خرج الأغنياء لقوّتهم، وبقي الفقراء لضعفهم، فيقلّ الطاعون في الذين خرجوا ويكثر في الذين أقاموا.
قال: فاجتمع(٦٠٢) رأيهم جميعاً أنّهم إذا أحسّوا بالطاعون خرجوا من المدينة كلّهم، فلمّا أحسّوا بالطاعون خرجوا جميعاً وتنحّوا عن الطاعون حذر الموت، فساروا في البلاد ما شاء الله ثمّ إنّهم مرّوا بمدينة خربة قد جلا أهلها وأفناهم الطاعون، فنزلوا بها فلمّا حطّوا رحالهم، قال لهم الله: موتوا جميعاً، فماتوا من ساعتهم وصاروا رميماً وكانوا على طريق المارّة، فجمعوهم في موضع فمرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له: حزقيل، فلمّا رأى تلك العظام بكى واستعبر وقال: ربِّ لو شئت لأحييتهم الساعة كما أمتّهم فعمّروا بلادك وولدوا عبادك وعبدوك مع من يعبدك من خلقك، فأوحى الله إليه أفتحبّ ذلك؟ قال: نعم يا رب، فأوحى الله إليه أن قل كذا وكذا فقال الذي أمره الله أن يقول.
قال أبو عبد الله عليه السلام: وهو الاسم الأعظم، قال: فلمّا قال حزقيل ذلك الكلام ونظر إلى العظام يطير بعضها إلى بعض فعادوا أحياءً ينظر بعضهم إلى بعض، يسبِّحون الله ويكبِّرونه ويهلِّلونه، فقال حزقيل عند ذلك: أشهد أنّ الله على كلّ شيء قدير) قال عمر بن يزيد: قال أبو عبد الله عليه السلام: (فيهم نزلت هذه الآية).(٦٠٣)
العاشر: ما رواه الكليني أيضاً في (الروضة) قريباً من النصف: (عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد والحسين بن سعيد جميعاً، عن النضر بن سويد)(٦٠٤) عن يحيى بن عمران الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ)(٦٠٥) قلت: ولده كيف أُوتي مثلهم؟ قال: (أحيا له من ولده الذين كانوا ماتوا قبل ذلك بآجالهم، والذين هلكوا يومئذ).(٦٠٦)
الحادي عشر: ما رواه الكليني أيضاً في (الروضة) ـ في حديث عنوانه حديث الميّت الذي أحياه عيسى عليه السلام ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي جميلة،(٦٠٧) عن أبان بن تغلب وغيره، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه سُئل هل كان عيسى عليه السلام أحيا أحداً بعد موته حتّى كان له أكل ورزق ومدّة وولد؟ قال: (نعم إنّه كان له صديق مواخ له(٦٠٨) في الله، وكان عيسى عليه السلام يمرّ به وينزل عليه، وإنّ عيسى عليه السلام غاب عنه حيناً ثمّ مرّ به ليسلّم عليه، فخرجت إليه اُمّه فسألها عنه، فقالت: مات يا رسول الله، قال: أفتحبّين أن تريه؟ قالت: نعم، فقال لها: إذا كان غداً فآتيك حتّى اُحييه لك بإذن الله.
فلمّا كان من الغد أتاها فقال لها: انطلقي معي إلى قبره فوقف عليه عيسى عليه السلام، ثمّ دعا الله عزّ وجلّ فانفرج القبر وخرج ابنها حيّاً، فلمّا رأته اُمّه ورآها بكيا فرحمهما عيسى عليه السلام، فقال عيسى عليه السلام: أتحبّ أن تبقى مع اُمّك في الدنيا؟ فقال: يا نبيّ الله بأكل ورزق ومدّة أم بغير أكل ولا رزق ولا مدّة؟ فقال عيسى عليه السلام: بل بأكل ورزق ومدّة تعمّر عشرين سنة، وتزوّج ويولد لك، قال: نعم إذاً، فدفعه عيسى عليه السلام إلى اُمّه فعاش عشرين سنة وتزوّج وولد له).(٦٠٩)
الثاني عشر: ما رواه رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (علل الشرائع والأحكام) ـ في باب العلّة التي من أجلها اتّخذ الله إبراهيم خليلاً ـ قال: سمعت محمّد بن عبد الله بن طيفور يقول: إنّ إبراهيم سأل ربّه أن يُحيي له الموتى، فأمره أن يميت له الحيّ سواءً بسواء لما أمره بذبح ابنه إسماعيل، وإنّ الله أمر إبراهيم أن يذبح أربعة من الطير طاووساً ونسراً وديكاً وبطّاً. ثمّ ذكر القصّة السابقة وأنّ الله أحياها له. وذكر ما في ذلك من الإشارة.(٦١٠)
الثالث عشر: ما رواه ابن بابويه أيضاً في (العلل) ـ في باب النوادر بعد أبواب الحجّ ـ: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن عمرو،(٦١١) عن(٦١٢) صالح بن سعيد، عن أخيه سهل الحلواني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (بينا عيسى بن مريم في سياحته إذ مرّ بقرية فوجد أهلها موتى في الطريق والدور، فقال: إنّ هؤلاء ماتوا بسخطة ولو ماتوا بغيرها تدافنوا، قيل له: يا روح الله نادهم، فقال: يا أهل القرية فأجابه مجيب: لبّيك يا روح الله).(٦١٣) ثمّ ذكر ما جرى بينهما من الكلام والخطاب والسؤال والجواب.
ورواه الكليني أيضاً في (اُصول الكافي).(٦١٤)
ورواه ابن بابويه أيضاً في كتاب (ثواب الأعمال وعقاب الأعمال) في عقاب حبّ الدنيا وعبادة الطاغوت.(٦١٥)
الرابع عشر: ما رواه ابن بابويه في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) ـ في باب غيبة إدريس النبي عليه السلام ـ: عن أبيه ومحمّد بن الحسن ومحمّد بن موسى بن المتوكّل كلّهم، عن سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمّد بن يحيى جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن عيسى وإبراهيم بن هاشم جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل: (إنّ إدريس عليه السلام اضطرّه الجوع إلى أن وقف إلى باب عجوز، فقال لها: أطعميني فإنّي مجهود من الجوع، فقالت: إنّهما قرصتان واحدة لي وواحدة لإبني، فقال لها: إنّ ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيى به،(٦١٦) ويجزيني النصف الآخر فأحيى به، فأكلت المرأة قرصتها وكسرت النصف الآخر بين إدريس وبين ابنها، فلمّا رأى ابنها إدريس عليه السلام يأكل من قرصته اضطرب حتّى مات.
فقالت اُمّه: يا عبد الله قتلت عليَّ ابني جزعاً على قوته؟ قال إدريس: فأنا اُحييه بإذن الله تعالى فلا تجزعي، ثمّ أخذ إدريس بعضدي(٦١٧) الصبي فقال: أيّتها الروح الخارجة من بدن هذا الغلام بإذن الله ارجعي إلى بدنه، بإذن الله وأنا إدريس النبي، فرجعت روح الغلام إليه بإذن الله، فلمّا سمعت المرأة ذلك ونظرت إلى ابنها قد عاش، قالت: أشهد أنّك إدريس النبي وخرجت تنادي)(٦١٨) الحديث.
الخامس عشر: ما رواه ابن بابويه أيضاً في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) ـ في حديث الخضر عليه السلام ـ: بإسناده عن عبد الله بن سليمان قال: قرأت في بعض كتب الله عزّ وجلّ: إنّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً ـ إلى أن قال ـ: فوصفت له عين الحياة، وقيل له: من شرب منها شربة لم يمت حتّى يسمع الصيحة، وأنّه خرج في طلبها حتّى انتهى إلى موضع فيه ثلاثمائة وستّون عيناً، وكان الخضر على مقدّمته فأعطاه حوتاً مالحاً وأعطى كلّ واحد من أصحابه حوتاً مالحة، وقال لهم: ليغسل كلّ رجل منهم(٦١٩) حوته عند عين فانطلقوا.
وانطلق الخضر إلى عين من تلك العيون، فلمّا غمس الحوت في الماء حيي وانساب، فلمّا رأى ذلك الخضر علم أنّه ظفر بماء الحياة، فرمى بثيابه وسقط في الماء، فجعل يرتمس فيه ويشرب منه، فرجع كلّ منهم إلى ذي القرنين وحوته معه، ورجع الخضر وليس معه حوت فسأله عن قصّته فأخبره، فقال له: شربت من ذلك الماء؟ فقال: نعم، فقال له: أنت صاحبها، فابشر بالبقاء في هذه الدنيا مع الغيبة عن الأبصار، إلى النفخ في الصور(٦٢٠) الحديث.
السادس عشر: ما رواه علي بن إبراهيم في (تفسيره): مرسلاً وأورد قصّة الخضر عليه السلام وحياة الحوت المذكور بنحو الرواية السابقة مع مخالفة في كثير من الألفاظ واكتفيت بالإشارة إليها للاختصار.(٦٢١)
السابع عشر: ما رواه الشيخ الجليل أمين الدين أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب (مجمع البيان لعلوم القرآن) نقلاً من كتاب (تفسير القرآن) للشيخ الجليل محمّد بن مسعود العيّاشي: مرفوعاً عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى (فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ يُحْيِي الله الْمَوْتَى)(٦٢٢) قال: (كان المقتول شيخاً مثرياً(٦٢٣) قتله بنو أخيه، وألقوه على باب بعض الأسباط ـ إلى أن قال ـ: فأوحى الله إلى موسى أن يأمرهم بذبح بقرة ويضربوا(٦٢٤) القتيل ببعضهاو فيحيي الله القتيل)(٦٢٥) الحديث.
قال الطبرسي: وإنّما أمرهم بضرب القتيل ببعضها وجعل التخيير في وقت الإحياء إليهم، ليعلموا أنّ الله قادر على إحياء الموتى في كلّ وقت من الأوقات.(٦٢٦)
الثامن عشر: ما رواه الطبرسي في (مجمع البيان) أيضاً في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(٦٢٧) قال: أجمع أهل التفسير على أنّ المراد بألوف هنا كثرة العدد إلا ابن زيد فإنّه قال: خرجوا مؤتلفي القلوب فجعله جمع ألف مثل قاعد وقعود، واختلف من قال بالعدد.
فروي: أنّهم كانوا ثلاثة آلاف، وقيل: ثمانية آلاف، وقيل عشرة آلاف، وقيل: بضعة وثلاثين ألفاً،(٦٢٨) وقيل: أربعين ألفاً، وقيل: سبعين ألفاً، فقال لهم الله: موتوا، معناه فأماتهم الله ثمّ أحياهم، قيل: أحياهم بدعاء نبيّهم حزقيل، وقيل: إنّه شمعون نبي من أنبياء بني إسرائيل.(٦٢٩) انتهى.
وهذا الكلام يشتمل على عدّة روايات مرسلة.
التاسع عشر: ما رواه الطبرسي أيضاً في هذه الآية قال: روي أنّ الله أماتهم جميعاً وأمات دوابّهم، وأتى عليهم ثمانية أيّام حتّى انتفخوا، فخرج إليهم الناس فعجزوا عن دفنهم، فحظروا عليهم حظيرة دون السباع، ومضت عليهم مدّة حتّى بليت أجسادهم وعريت عظامهم، فمرّ عليهم حزقيل فجعل يتفكّر فيهم متعجّباً، فأوحى الله إليه: تريد أن اُريك آية(٦٣٠) كيف اُحيي الموتى؟ قال: نعم، فأحياهم الله تعالى.(٦٣١)
العشرون: ما رواه الطبرسي أيضاً في هذه الآية قال: وروي أنّهم كانوا قوم حزقيل فأحياهم الله تعالى بعد ثمانية أيّام، وذلك أنّه لمّا أصابهم ذلك خرج حزقيل فوجدهم موتى فبكى، فأوحى الله إليه: قد جعلت حياتهم إليك، فقال لهم حزقيل: احيوا بإذن الله فعاشوا.(٦٣٢)
الحادي والعشرون: ما رواه الطبرسي في هذه الآية قال: سأل حمران بن أعين أبا جعفر عليه السلام عن هؤلاء القوم الذين قال الله لهم (مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(٦٣٣) أحياهم الله حتّى نظر الناس إليهم ثمّ أماتهم أم ردّهم إلى الدنيا حتّى سكنوا الدور وأكلوا الطعام؟ قال: (لا، بل ردّهم الله حتّى سكنوا الدور، وأكلوا الطعام، ونكحوا النساء، ومكثوا بذلك ما شاء الله، ثمّ ماتوا بآجالهم).(٦٣٤)
الثاني والعشرون: ما رواه الطبرسي في (مجمع البيان) في قوله تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة)(٦٣٥) الآية قال: قيل: (هو عزير) وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام، وقيل: (هو ارميا) وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام، وقيل: هو الخضر أحبّ الله أن يريه إحياء الموتى مشاهدة (وانْظُرْ إلَى العِظَامِ) قيل: المراد عظام حماره، وقيل: عظامه(٦٣٦) وإنّ الله أوّل ما أحيا منه عينيه، فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفرِّقة تجتمع إليه، وإلى اللحم الذي أكلته السباع يأتلف إلى العظام من هنا ومن هنا، ويلتزق بها حتّى قام وقام حماره.(٦٣٧)
أقول: ويأتي ما يدلّ على ذلك، وعلى أنّ عزيراً وارميا من الأنبيا عليهم السلام.
الثالث والعشرون: ما رواه الطبرسي في تفسير قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ ِ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى)(٦٣٨) قال: روي عن ابن عبّاس وسعيد بن جبير والسدّي: إنّ الملك بشَّر إبراهيم بأنّ الله اتّخذك خليلاً وأنّه يجيب دعوتك ويُحيي الموتى بدعائك، فسأل الله أن يفعل ذلك ليطمئنّ قلبه، فأجاب الله دعوته وأحيا له الموتى.(٦٣٩)
الرابع والعشرون: ما رواه الطبرسي أيضاً في هذه الآية، قال: روي عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله (اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَل مِنْهُنَّ جُزْءاً)(٦٤٠) (إنّ معناه فرّقهن على كلّ جبل، وكانت عشرة، ثمّ خذ بمناقيرهنّ وادعهنّ بإسمي(٦٤١) الأكبر يأتينك سعياً، قال: ففعل إبراهيم ذلك ثمّ دعاهنّ فقال: احيين بإذن الله، وكانت تجتمع وتأتلف وطارت إلى إبراهيم عليه السلام).(٦٤٢)
الخامس والعشرون: ما رواه الطبرسي في قوله تعالى (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ) قال: قيل: (إنّها الطاووس والديك والحمام والغراب، أمر أن يقطّعها ويخلط ريشها بدمها) وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام.(٦٤٣)
السادس والعشرون: ما رواه الطبرسي في تفسير قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام (وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله)(٦٤٤) قال: قيل: إنّ عيسى عليه السلام أحيا أربعة أنفس: عازر، وكان صديقاً له، وكان قد مات منذ ثلاثة أيّام، فقال لاُخته: انطلقي إلى قبره، ثمّ قال: اللهمّ ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع، إنّك أرسلتني إلى بني إسرائيل أدعوهم إلى دينك، واُخبرهم أنّي اُحيي الموتى فأحيي عازراً، قال: فقام عازر وخرج من قبره، وبقي وولد له.
وابن العجوز تركته على سريره ميّتاً فدعا الله عيسى عليه السلام فجلس على سريره، ونزل عن أعناق الرجال، ولبس ثيابه ورجع إلى أهله وبقي وولد له.
وابنة العاشر، قيل له: أتحييها وقد ماتت أمس؟ فدعا الله فعاشت وبقيت وولدت.
وسام بن نوح دعاه باسم الله الأعظم فخرج من قبره وقد شاب نصف رأسه، وقال: قد قامت القيامة؟ قال: لا، ولكنّي دعوتك باسم الله الأعظم، قال: ولم يكونوا يشيبون في ذلك الزمان، وإنّ سام بن نوح قد عاش خمسمائة عام وهو شاب، فقال له: مت فقال: بشرط أن يعتقني الله من سكرات الموت(٦٤٥) فدعا الله ففعل.(٦٤٦)
السابع والعشرون: ما رواه الطبرسي في تفسير هذه الآية قال: قيل: إنّ عيسى عليه السلام كان يُحيي الموتى بـ (يا حيّ يا قيّوم) وقيل: إنّ الله كان يُحيي الموتى عند دعائه.(٦٤٧)
الثامن والعشرون: ما رواه الطبرسي في تفسير قوله تعالى (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا)(٦٤٨) قال: روي (أنّ موسى اختار سبعين رجلاً حين خرج إلى الميقات ليكلِّمه الله بحضرتهم، فلمّا حضروا وسمعوا كلامه سألوا الله الرؤية فأصابتهم الصاعقة، ثمّ أحياهم الله).(٦٤٩)
قال: ورواه علي بن إبراهيم وهو الصحيح.(٦٥٠)
التاسع والعشرون: ما رواه الطبرسي في تفسير قوله تعالى (وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ)(٦٥١) عن ابن عبّاس وابن مسعود: إنّ الله ردّ على أيّوب أهله الذين هلكوا بأعيانهم، وأعطاه مثلهم معهم وكذلك ردّ الله عليه أمواله ومواشيه بأجمعها، وأعطاه مثلها معها. وبه قال الحسن وقتادة.
قال الطبرسي: وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام وقيل: كان له سبع بنات وثلاث بنين، وقيل: سبع بنين وسبع بنات.(٦٥٢)
الثلاثون: ما رواه الشيخ الثقة الجليل أبو الحسن علي بن إبراهيم بن هاشم القمّي في (تفسير القرآن) قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام (إنّ رجلاً ـ من خيار بني إسرائيل وعلمائهم ـ خطب امرأة فأنعمت له، وخطبها ابن عمّه وكان فاسقاً رديّاً فلم ينعموا له، فحسد ابن عمّه فقعد له فقتله غيلة، ثمّ حمله إلى موسى، فقال: يا نبي الله إنّ ابن عمّي قد قُتل، فقال موسى: مَنْ قتله؟ قال: لا أدري.
وكان القتل عظيماً في بني إسرائيل، فاجتمعوا وبكوا وضجّوا، فقال لهم موسى: إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ـ إلى أن قال ـ: فأوحى الله إلى موسى قل لهم: اضربوه ببعضها، وقولوا له: من قتلك؟ فأخذوا الذَنَب فضربوه به، وقالوا: مَن قتلك يا فلان؟ قال: قتلني فلان بن فلان وهو قوله (اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذلِكَ يُحْيِي الله الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(٦٥٣)).(٦٥٤)
الحادي والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم في (تفسيره) مرفوعاً: (أنّه كان وقع طاعون بالشام، فخرج منهم خلق كثير هرباً من الطاعون، فصاروا إلى مغارة(٦٥٥) فماتوا في ليلة واحدة كلّهم، فبقوا حتّى كانت عظامهم يمرّ بها المارّ فينحّيها برجله عن الطريق، ثمّ أحياهم الله فردّهم إلى منازلهم فبقوا دهراً طويلاً، ثمّ ماتوا وتدافنوا.(٦٥٦)
الثاني والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في (تفسيره) قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنّ إبراهيم نظر إلى جيفة على ساحل البحر تأكلها سباع الطير وسباع البحر، ثمّ تثب السباع بعضها على بعض، فيأكل بعضها بعضاً، فتعجّب إبراهيم فقال: (ربِّ أرني كيف تُحيي الموتى) قال الله (أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلكِن لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ)(٦٥٧) الآية.
فأخذ إبراهيم الطاووس والديك والحمام والغراب فقطّعهنّ وأخذ لحماتهنّ ففرّقه على عشرة أجبال، وأخذ مناقيرهنّ ثمّ دعاهنّ، فقال: إحيي بإذن الله، فكانت تتألّف وتجتمع لحم كلّ واحد وعظمه إلى رأسه، وطارت إلى إبراهيم، فعند ذلك قال إبراهيم (أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٦٥٨)).(٦٥٩)
الثالث والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم في (تفسيره) أيضاً مرسلاً: (إنّ الله لمّا أنزل على موسى التوراة وكلّمه قال في نفسه: ما خلق الله خلقاً أعلم منّي، فأوحى الله إلى جبرئيل عليه السلام أن أدرك موسى وأعلمه أنّ عند ملتقى البحرين رجلاً هو أعلم منك فاتّبعه وتعلّم منه، فقال لوصيّه يوشع: إنّ الله أمرني أن أتّبع عند ملتقى البحرين رجلاً وأتعلّم منه، فتزوّد يوشع حوتاً مملوحاً، وخرجا وبلغ ذلك المكان، فأخرج وصيّ موسى الحوت وغسله بالماء، ووضعه على الصخرة، وكان ذلك الماء ماء الحَيَوان فحيي الحوت ودخل في الماء)(٦٦٠) الحديث.
الرابع والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في (تفسيره) قال: حدّثنا جعفر بن أحمد، عن عبد الله بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ)(٦٦١) فقال: (إنّ ذا القرنين بعثه الله إلى قومه فضُرب على قرنه الأيمن فأماته الله خمسمائة عام، ثمّ بعثه الله فضُرب على قرنه الأيسر فأماته الله خمسمائة عام، ثمّ بعثه الله إليهم بعد ذلك، فملّكه مشارق الأرض ومغاربها من حيث تطلع الشمس إلى حيث تغرب).(٦٦٢)
أقول: ويأتي مثله في معناه وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: (وفيكم مثله) يعني نفسه.
الخامس والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في (تفسيره) قال: حدّثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن تفسير هذه الآية (وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِث).(٦٦٣)
قال: (بعث الله رجلين إلى أهل مدينة أنطاكية، فجاؤوهم بما لا يعرفون، فغلظوا عليهما فأخذوهما وحبسوهما في بيت الأصنام، فبعث الله الثالث ـ وذكر القصّة بطولها ـ وفيها: إنّ الثالث أظهر دين الملك أوّلاً ثمّ أمر بإحضارهما للمناظرة فطلب منهما أن يدعوا لأعمى ومقعد بالشفاء، ففعلا مرّة بعد اُخرى فأجاب الله دعاءهما، فقال: أيّها الملك قد أتيا بحجّتين ولكن بقي شيء واحد فإن فعلاه دخلت معهما في دينهما.
ثمّ قال: أيّها الملك بلغني أنّه كان للملك ولد واحد ومات فإن أحياه إلهـهما دخلت معهما في دينهما، فقال الملك: وأنا أيضاً معك، ثمّ قال لهما: قد بقيت هذه الخصلة الواحدة، قد مات ابن للملك فادعوا إلهكما فيحييه، قال: فخرّا ساجدَين فأطالا السجود ثمّ رفعا رأسهما وقالا: ابعث إلى قبر ابنك تجده قد قام من قبره إن شاء الله.
قال: فخرج الناس فوجدوه قد خرج من قبره ينفض رأسه من التراب، فأتى به الملك فعرف أنّه إبنه، فقال له: ما حالك(٦٦٤) يا بني؟ قال: كنت ميّتاً فرأيت رجلين بين يدي ربّي الساعة(٦٦٥) ساجدَين يسألانه أن يحييني فأحياني، فقال: يا بني تعرفهما إذا رأيتهما؟ قال: نعم، فأخرج الناس جملة إلى الصحراء، فكان ينظر إلى رجل رجل حتّى مرّ بالأوّل بعد(٦٦٦) جمع كثير، فقال: هذا أحدهما، ثمّ مرّ أيضاً بقوم كثيرين حتّى رأى الآخر، فقال: وهذا الآخر، فآمن الملك وأهل مملكته).(٦٦٧)
السادس والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في (تفسيره) قال: حدّثني أبي، عن ابن فضّال، عن عبد الله بن بحر،(٦٦٨) عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن بلية أيّوب ـ وذكر الحديث ـ إلى أن قال أبو عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لاَُولِي الألْبَابِ)(٦٦٩) قال: (فردّ الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء، وردّ عليه أهله الذين ماتوا بعدما أصابهم البلاء كلّهم، أحياهم الله تعالى فعاشوا معه).(٦٧٠)
السابع والثلاثون: ما رواه الشهيد الثاني الشيخ زين الدين قدس سره في كتاب (مسكّن الفؤاد عند فقد الأحبّة والأولاد) نقلاً من كتاب (العيون والمحاسن)(٦٧١) للشيخ المفيد: عن معاوية بن مرّة، قال: كان أبو طلحة يحبّ ابنه حبّاً شديداً، فتوفّي الولد ثمّ ذكر أنّ امرأته صبرت صبراً عظيماً، وأنّ أباه أيضاً صبر وأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا علم بذلك قال: (الحمد لله الذي جعل في اُمّتي مثل صابرة بني إسرائيل) فقيل: يا رسول الله ما كان من صبرها؟(٦٧٢) فقال: (كان في بني إسرائيل امرأة لها زوج ولها منه غلامان، فأمرها بطعام ليدعو الناس عليه،(٦٧٣) ففعل واجتمع الناس في دارها، فانطلق الغلامان يلعبان فوقعا في بئر كان في الدار فماتا، فكرهت أن تنغّص على زوجها الضيافة، فأدخلتهما البيت وسجّتهما بثوب.
فلمّا فرغوا دخل زوجها،(٦٧٤) فقال: أين ابناي؟ فقالت: هما في البيت، وأنّها كانت تمسّحت بشيء من الطيب، وتعرّضت للرجل حتّى وقع عليها، ثمّ قال: أين ابناي؟ قالت: هما في البيت فناداهما فخرجا يسعيان، فقالت المرأة: سبحان الله قد والله كانا ميّتين ولكنّ الله تعالى أحياهما ثواباً لصبري).(٦٧٥)
الثامن والثلاثون: ما رواه رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في (اعتقاداته) ـ في باب الإعتقاد في الرجعة ـ مرسلاً في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلوفٌ)(٦٧٦) قال: (هؤلاء كانوا سبعين ألف بيت وكان فيهم الطاعون كلّ سنة ـ إلى أن قال ـ: فأجمعوا على أن يخرجوا جميعاً من ديارهم إذا كان وقت الطاعون، فخرجوا بأجمعهم فنزلوا على شطّ بحر.
فلمّا وضعوا رحالهم ناداهم الله موتوا فماتوا جميعاً، فكنستهم المارّة عن الطريق، فبقوا بذلك ما شاء الله، فمرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له: ارميا، فقال: لو شئت يا ربّ لأحييتهم فيعمّروا بلادك ويلدوا عبادك، ويعبدونك مع من يعبدك، فأوحى الله إليه أتحبّ أن اُحييهم لك؟ قال: نعم، فأحياهم الله وبعثهم معه فهؤلاء ماتوا ورجعوا(٦٧٧) إلى الدنيا ثمّ ماتوا(٦٧٨) بآجالهم).(٦٧٩)
التاسع والثلاثون: ما رواه ابن بابويه أيضاً في (اعتقاداته) مرسلاً في قوله تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ)(٦٨٠) قال: فهذا مات مائة عام، ثمّ رجع إلى الدنيا ثمّ مات(٦٨١) بأجله، وهو عزير عليه السلام.(٦٨٢) وروي أنّه: ارميا عليه السلام.(٦٨٣)
الأربعون: ما رواه ابن بابويه أيضاً في (اعتقاداته) مرسلاً في قصّة المختارين من قوم موسى لميقات ربّه وقوله تعالى (ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ)(٦٨٤) قال: إنّهم لمّا سمعوا كلام الله قالوا: لا نصدّق به حتّى نرى الله جهرةً فأخذتهم الصاعقة فماتوا، فقال موسى: يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم؟ فأحياهم الله عزّ وجلّ ثمّ رجعوا إلى الدنيا فأكلوا وشربوا ونكحوا النساء، وولدت لهم الأولاد، وبقوا فيها ثمّ ماتوا بآجالهم.(٦٨٥)
الحادي والأربعون: ما رواه ابن بابويه أيضاً في (اعتقاداته) مرسلاً: أنّ عيسى عليه السلام كان يحيي(٦٨٦) الموتى بإذن الله، وأنّ جميع الموتى الذين أحياهم عيسى عليه السلام بإذن الله رجعوا إلى الدنيا، وبقوا فيها ثمّ ماتوا بآجالهم.(٦٨٧)
الثاني والأربعون: ما رواه ابن بابويه أيضاً في (اعتقاداته) مرسلاً: أنّ أصحاب الكهف لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، ثمّ بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ليتساءلوا بينهم وقصّتهم معروفة.
قال ابن بابويه: فإن قال قائل: قد قال الله (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)(٦٨٨) قيل له: إنّهم كانوا موتى، وقد قال الله عزّ وجلّ (مَنْ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)(٦٨٩) وإن قالوا ذلك فإنّهم كانوا موتى ومثل هذا كثير(٦٩٠) (انتهى).
الثالث والأربعون: ما رواه الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي العاملي الكفعمي في (مصباحه) ـ في الفصل الثلاثين في أدعية الأنبياء عليهم السلام دعاء آصف عليه السلام ـ: روي أنّه أتى بعرش بلقيس بهذا الدعاء وإنّ به كان عيسى عليه السلام يحيي الموتى، وهو: (اللهمّ إنّي أسألك بأنّك لا إله إلا أنت)(٦٩١) وذكر دعاءً قصيراً.
الرابع والأربعون: ما رواه الشيخ الجليل أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتاب (الاحتجاج على أهل اللجاج) ـ في احتجاج الصادق عليه السلام على الزنديق الذي سأله عن مسائل كثيرة ـ في حديث طويل يقول فيه الزنديق: فلو أنّ الله ردّ إلينا من الأموات في كلّ مائة عام لنسأله عمّن مضى منّا إلى ما صاروا وكيف حالهم؟
فقال أبو عبد الله عليه السلام: (هذه مقالة من أنكر الرسل وكذّبهم، إنّ الله أخبر في كتابه على لسان الأنبياء حال من مات منّا، أفيكون أحد أصدق من الله ورسله؟ وقد رجع إلى الدنيا ممّن مات خلق كثير، منهم أصحاب الكهف أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة، ثمّ بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث ليقطع حجّتهم، وأمات الله ارميا النبي عليه السلام الذي نظر إلى خراب بيت المقدس فقال: (أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام)(٦٩٢) ثمّ أحياه وبعثه)(٦٩٣) الحديث.
الخامس والأربعون: ما رواه الطبرسي أيضاً في (الاحتجاج) ـ في احتجاج الصادق عليه السلام على بعض أعداء الدين ـ في حديث طويل(٦٩٤) قال: (إنّ الله أمات قوماً خرجوا عن أوطانهم، هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم فأماتهم الله دهراً طويلاً حتّى بليت عظامهم، وتقطّعت أوصالهم وصاروا تراباً، فبعث الله ـ في وقت أحبّ أن يُري عباده قدرته ـ نبيّاً يقال له: حزقيل، فدعاهم فاجتمعت أبدانهم ورجعت فيها أرواحهم وقاموا كهيئة يوم ماتوا لا يفتقدون من أعدادهم رجلاً، فعاشوا بذلك دهراً طويلاً).(٦٩٥)
السادس والأربعون: ما رواه الطبرسي أيضاً في احتجاج الصادق عليه السلام في حديث طويل قال: (وإنّ الله تعالى أمات قوماً خرجوا مع موسى حين توجّه إلى الله فقالوا: (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)(٦٩٦) فأماتهم الله ثمّ أحياهم)(٦٩٧) الحديث.
السابع والأربعون: ما رواه الشيخ الجليل قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح) ـ في أعلام فاطمة عليها السلام ـ: عن المفضّل بن عمر، عن الصادق عليه السلام(٦٩٨) قال: (لمّا تزوّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خديجة هجرتها نساء قريش وقلن: تزوّجت يتيم آل أبي طالب فقيراً لا مال له، فلمّا حضرت ولادة فاطمة عليها السلام بعثت إليهنّ وطلبتهنّ فلم تأت منهنّ واحدة.
فاغتمّت خديجة، فبينا هي كذلك إذ دخلت عليها أربع نسوة طوال كأنّهنّ من نساء بني هاشم، ففزعت منهنّ، فقالت إحداهنّ: لا تحزني يا خديجة فإنّا رسل ربّك إليك(٦٩٩) ونحن أخواتك، أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنّة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه اُمّ البشر اُمّنا حوّاء، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدة عن يمينها، واُخرى عن شمالها، والثالثة بين يديها، والرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة عليها السلام)(٧٠٠) الحديث.
الثامن والأربعون: ما رواه رئيس المحدّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (الأمالي) ـ في المجلس السابع والثمانين ـ: عن أبي عبد الله أحمد بن محمّد الخليلي، عن محمّد بن أبي بكر الفقيه، عن أحمد بن محمّد النوفلي، عن إسحاق بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن زرعة بن محمّد الحضرمي، عن المفضّل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف كانت ولادة فاطمة عليها السلام؟ فذكر الحديث بطوله، وفيه دخول النساء الأربع من الاُمم السالفة على خديجة عليها السلام كما رواه الراوندي، إلا أنّه لم يذكر حوّاء اُمّ البشر وإنّما ذكر مكانها كلثم اُخت موسى بن عمران عليه السلام.(٧٠١)
التاسع والأربعون: ما رواه الراوندي في كتاب (الموازاة بين المعجزات) ـ الذي ألحقه وأضافه إلى كتاب (الخرائج والجرائح) ـ قال: قال الصادق عليه السلام: (إنّ الله تعالى ردّ على أيّوب أهله وولده الذين هلكوا بأعيانهم، وأعطاه مثلهم معه، وكذلك ردّ الله عليه ماله ومواشيه بأعيانها وأعطاه مثلها).(٧٠٢)
الخمسون: ما رواه الراوندي في كتاب (الموازاة) أيضاً عن الصادق عليه السلام قال: (إنّ عزيراً أماته الله مائة عام، ثمّ بعثه وأحياه وكان معه اللبن لم يتغيّر، قال: ولمّا مرّ عزير على قرية وهي خاوية على عروشها خراب أهلها كلّهم موتى، فعلم أنّهم ماتوا بسخط الله، فدعا ربّه فقال تعالى: رشّ عليهم الماء ففعل فأحياهم الله وهم اُلوف، وبعثه إليهم رسولاً وعاش سنين).(٧٠٣)
الحادي والخمسون: ما رواه الراوندي أيضاً في كتاب (الموازاة) رفعه قال: (إنّ عيسى عليه السلام بعث رجلاً إلى الروم لا يداوي رجلاً إلا أبرأه، ثمّ بعث آخر وعلّمه الذي يُحيي به الموتى، فدعا الروم فاُدخل على الملك، فقال: أنا اُحيي الموتى، وكان للملك ولد قد مات، فركب الملك والناس معه إلى قبر ابنه، فدعا رسول عيسى عليه السلام وأمّن طبيب الملك الذي هو رسول المسيح أوّلاً.
فانشقّ القبر وخرج ابن الملك ثمّ جاء يمشي حتّى جلس في حجر أبيه، فقال: يا بنيّ مَنْ أحياك؟ فنظر إلى الرسولين(٧٠٤) فقال: هذا وهذا، فقاما وقالا: أيّها الملك إنّا رسولا المسيح، فآمن الملك وأهل بيته في الحال).(٧٠٥)
الثاني والخمسون: ما رواه رئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في أوائل كتاب (الغيبة) مرسلاً قال: (وإنّ أصحاب الكهف قد أخبر الله عنهم أنّهم بقوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعاً، ثمّ أحياهم الله تعالى فعادوا إلى الدنيا ورجعوا إلى قومهم.
وقد كان من أمر صاحب الحمار(٧٠٦) الذي نزل بقصّته القرآن، وأهل الكتاب يرون(٧٠٧) أنّه كان نبيّاً فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه).(٧٠٨)
الثالث والخمسون: ما رواه الحسن بن سليمان بن خالد القمّي في (رسالته) نقلاً من كتاب (مختصر البصائر) لسعد بن عبد الله: عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن الحسين بن علوان، عن محمّد بن داود العبدي، عن الأصبغ بن نباتة، أنّ عبد الله بن الكوّا قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام: فقال: إنّ أبا المعمّر يزعم أنّك حدّثته أنّك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنّا قد رأينا وسمعنا برجل أكبر سنّاً من أبيه.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: (إنّ عزيراً خرج من أهله وامرأته في شهرها وله يومئذ خمسون سنة، فابتلاه الله وأماته مائة عام، ثمّ بعثه ورجع إلى أهله واستقبله ابنه وهو ابن خمسين ومائة(٧٠٩) سنة، وردّ الله عزيراً إلى الذي كان به، وإنّ الله ابتلى قوماً بذنوبهم فأماتهم قبل آجالهم، ثمّ ردّهم إلى الدنيا ليستوفوا أرزاقهم، ثمّ أماتهم بعد ذلك.
إنّ الله قال في كتابه: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا)(٧١٠) فانطلق بهم فقالوا: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهُ جَهْرَةً)(٧١١) قال الله عزّ وجلّ: (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ ـ يعني الموت ـ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى)(٧١٢) فهذا بعد الموت إذ بعثهم، وأيضاً مثلهم الملأ الذين خرجوا من ديارهم وهم اُلوف حذر الموت، فقال لهم الله موتوا ثمّ أحياهم، ومثلهم عزيراً أماته الله مائة عام ثمّ بعثه، يا ابن الكوّا فلا تشكّنّ في قدرة الله عزّ وجلّ).(٧١٣)
الرابع والخمسون: ما رواه أيضاً نقلاً من (مختصر البصائر) لسعد بن عبد الله: عن محمّد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن أبي خالد القمّاط، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: هل كان في بني إسرائيل شيء لا يكون هاهنا مثله؟ فقال: (لا) فقلت: قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(٧١٤) هل أحياهم الله تعالى حتّى نظر الناس إليهم ثمّ أماتهم من يومهم أو ردّهم إلى الدنيا؟ قال: (بل ردّهم إلى الدنيا حتّى سكنوا الدور، وأكلوا الطعام ونكحوا النساء، ولبثوا بذلك ما شاء الله ثمّ ماتوا بالآجال).(٧١٥)
الخامس والخمسون: ما رواه ابن بابويه في كتاب (الأمالي) ـ في المجلس السابع والثلاثين ـ: عن علي بن الحسين بن شاذويه، عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: لمّا مضى لعيسى عليه السلام ثلاثون سنة، بعثه الله عزّ وجلّ إلى بني إسرائيل، فلقيه إبليس على عقبة بيت المقدس ـ وهي عقبة أفيق(٧١٦) ثمّ ذكر ما جرى بينهما من المكالمات إلى أن قال ـ: فقال إبليس: أنت الذي بلغ من عظم ربوبيتك أنّك تخلق من الطين كهيئة الطير، فتنفخ فيه فيصير طيراً؟
فقال عيسى عليه السلام: (بل العظمة للذي خلقني وخلق ما سخّر لي) قال إبليس: فأنت الذي بلغ من عظم ربوبيّتك أنّك تحيي الموتى؟ قال عيسى: (بل العظمة للذي(٧١٧) بإذنه اُحييهم ولابدّ من أن يميت ما أحييت ويميتني)(٧١٨) الحديث.
السادس والخمسون: ما رواه علي بن إبراهيم بن هاشم في (تفسيره) عند قوله تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة)(٧١٩) الآية قال: حدّثني أبي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لمّا عملت بنو إسرائيل بالمعاصي ـ وذكر الحديث بطوله ـ وأنّ الله سلّط عليهم بخت نصّر فقتلهم ـ إلى أن قال ـ: فخرج ارميا فنظر إلى سباع البرّ وسباع الطير تأكل من تلك الجيف، ففكّر في نفسه وقال: أنّى يُحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه أي أحياه، لمّا رحم الله بني إسرائيل وأهلك بخت نصّر، ردّ بني إسرائيل إلى الدنيا)(٧٢٠) الحديث.(٧٢١)
أقول: هذا الحديث مع قوّة سنده جدّاً يدلّ على أنّ الله أحيا بني إسرائيل بعد القتل وأحيا نبيّهم بعد الموت وردّه إليهم، فرجع ورجعوا إلى الدنيا وبقوا مدّة طويلة.
السابع والخمسون: ما رواه الراوندي في الباب السابع من كتاب (الخرائج والجرائح): عن يونس بن ظبيان، قال: قلت للصادق ٧: قوله عزّ وجلّ لابراهيم (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ)(٧٢٢) الآية، قال: (نعم قد كان ذلك، فتحبّون أن اُريكم مثله)(٧٢٣) الحديث.
الثامن والخمسون: ما رواه الحسن بن سليمان بن خالد القمّي في (رسالته) نقلاً من كتاب (مختصر البصائر) لسعد بن عبد الله: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن وهيب بن حفص،(٧٢٤) عن أبي بصير، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت: إنّا نتحدّث أنّ عمر بن ذر(٧٢٥) (لا يموت حتّى يقاتل قائم آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عليه السلام: (إنّ مثل عمر بن ذر مثل)(٧٢٦) رجل كان(٧٢٧) في بني إسرائيل يقال له: عبد ربّه، وكان يدعو أصحابه إلى ضلالة فمات، فكانوا يلوذون بقبره ويتحدّثون عنده، إذ خرج عليهم من قبره ينفض التراب عن رأسه ويقول لهم: كيت وكيت).(٧٢٨)
التاسع والخمسون(٧٢٩): ما رواه الثقة الجليل سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب (قصص الأنبياء): بإسناده عن ابن بابويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد البرقي، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي بكر، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام: (إنّ داود كان يدعو الله أن يعلّمه القضاء بما هو الحقّ عنده، فأوحى الله إليه: إنّ الناس لا يحتملون ذلك وإنّي سأفعل).
وأتاه رجلان استعدى أحدهما على الآخر فأمر المستعدى عليه أن يقوم إلى المستعدي فيضرب عنقه ـ إلى أن قال ـ: فأوحى الله إليه: إنّ هذا المستعدي قتل أبا هذا المستعدى عليه، فأمرت فضربت عنقه قوداً بأبيه، وهو مدفون في حائط كذا وكذا تحت صخرة كذا،(٧٣٠) فأته فناده باسمه فإنّه سيجيبك فسأله(٧٣١)، فخرج إليه داود فناداه يا فلان فقام، فقال: لبّيك يا نبيّ الله، فقال: مَنْ قتلك؟ فقال: فلان، فقالت بنو إسرائيل: سمعناه يقول)(٧٣٢) الحديث.
الستّون: ما رواه أيضاً فيه: عن ابن بابويه، عن محمّد بن إبراهيم الطالقاني، عن أحمد بن محمّد بن سعيد الهمداني، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن محمّد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنّ عيسى بن مريم عليه السلام بعث رسولا إلى(٧٣٣) الروم وعلّمه ما به يُحيي الموتى فأخبروا الملك، وكان ابنه مات، فركب الملك والناس إلى قبر ابن الملك، فدعا رسول المسيح وأمّن طبيب الملك ـ الذي هو رسوله أيضاً ـ فانشقّ القبر فخرج ابن الملك، ثمّ جاء يمشي حتّى جلس في حجر أبيه، فقال: يا بُني من أحياك؟ فنظر فقال: هذا وهذا)(٧٣٤) الحديث.
أقول: وقد تقدّم ما يدلّ على مضمون هذا الباب، ويأتي ما يدلّ عليه في الباب الذي بعده وغيره.
ولا يخفى أنّ مضمون البابين واحد لكنّي جعلت الأحاديث قسمين؛ لأنّ منكر الرجعة قد رجع إلى الإقرار برجعة الشيعة وغيرهم من الرعية، وتوقّف في الإقرار برجعة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام، فأردت(٧٣٥) أن يكون القسم الثاني مجموعاً في باب مفرد، وإلا فالقسمان دالاّن على مضمون واحد، وقد تجاوزا حدّ التواتر المعنوي، مع أنّي لم أنقل جميع ما ورد في ذلك، ومع ضميمة أحاديث الباب الرابع يتمّ الاستدلال على الرجعة، مع قطع النظر عن أحاديث الإخبار بالرجعة الصريحة بالكلّية، فكيف إذا انضمّ الجميع بعضه إلى بعض والله الموفّق.

الباب السادس: في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت في الأنبياء والأوصياء السابقين:

والأحاديث في ذلك أيضاً كثيرة وأنا أقتصر منها على أخبار:
الأوّل: ما رواه ثقة الإسلام أبو جعفر الكليني ـ في باب النوادر من كتاب الجنائز ـ: عن علي بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن علي بن الحكم، عن ربيع بن محمّد، عن عبد الله بن سليم العامري، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنّ عيسى عليه السلام جاء إلى قبر يحيى بن زكريا عليهما السلام ـ وكان سأل ربّه أن يحييه له ـ فدعاه فأجابه وخرج إليه من القبر، فقال له: ما تريد منّي؟ قال: أريد أن تؤنسني كما كنت في الدنيا، فقال له: يا عيسى ما سكنت عنّي حرارة الموت وأنت تريد أن تعيدني إلى الدنيا وتعود عليَّ حرارة الموت، فتركه فعاد إلى قبره).(٧٣٦)
الثاني: ما رواه الكليني في (أوائل الروضة): عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة الثمالي وأبي منصور، عن الربيع، عن أبي جعفر عليه السلام أنّ نافعا(٧٣٧) قال له: إنّي قرأت التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وقد جئت أسألك عن مسألة لا يجيب فيها إلا نبيّ أو وصيّ نبيّ، قال: سلْ عمّا بدا لك، قال: أخبرني كم بين عيسى ومحمّد صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: (اُخبرك بقولي أو بقولك؟) قال: أخبرني بالقولين جميعاً.
قال: (أمّا في قولي: فخمسمائة سنة، وأمّا في قولك: فستّمائة سنة) قال: فأخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُسُلِنَا)(٧٣٨) من الذي سأل(٧٣٩) محمّد صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: (فتلا أبو جعفر عليه السلام(٧٤٠) هذه الآية (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا)(٧٤١) فكان من الآيات التي رآها حين اُسري به إلى بيت المقدس أن حشر الله عزّ ذكره الأوّلين والآخرين من النبيّين والمرسلين.
ثمّ نزل جبرئيل فأذّن شفعاً وأقام شفعاً، وقال في أذانه: حيّ على خير العمل، ثمّ تقدّم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فصلّى بالقوم، ثمّ قال(٧٤٢) عزّ وجلّ: يا محمّد واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا) ثمّ ذكر ما وقع بينه وبينهم من السؤال والجواب، فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر.(٧٤٣)
الثالث: ما رواه الكليني أيضاً في (الروضة) ـ في حديث عنوانه حديث نصراني الشام مع الباقر عليه السلام ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن إسماعيل بن أبان، عن عمرو بن عبد الله الثقفي ـ وذكر حديث إخراج هشام بن عبد الملك أبا جعفر الباقر عليه السلام من المدينة إلى الشام، وما وقع بينه وبين عالم النصارى من السؤال والامتحان ـ إلى أن قال النصراني: يا معشر النصارى والله لأسألنّه عن مسألة يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل، فقال له: (سَلْ).
فقال: أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت باثنين، حملت بهما جميعاً في ساعة واحدة، وولدتهما في ساعة واحدة، وماتا في ساعة واحدة، ودفنا في ساعة واحدة، وعاش أحدهما خمسين ومائة سنة، وعاش الآخر خمسين سنة.
فقال أبو جعفر عليه السلام: (هما عزير وعزرة، حملت اُمّهما بهما على ما وصفت، ووضعتهما على ما وصفت، وعاش عزير وعزرة كذا وكذا سنة، ثمّ أمات الله عزيراً مائة سنة، ثمّ بعثه فعاش مع أخيه عزرة هذه الخمسين سنة وماتا كلاهما في ساعة واحدة) فقال النصراني: ما رأيت بعيني قطّ أعلم من هذا الرجل. الحديث.(٧٤٤)
ورواه الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح) بلفظ آخر، وصرّح هناك بأنّ الله أكرم عزيراً بالنبوّة عشرين سنة، ثمّ أماته مائة سنة ثمّ أحياه فعاش ثلاثين سنة.(٧٤٥)
الرابع: ما رواه الكليني أيضاً في (الروضة): عن علي بن إبراهيم، عن أبيه وأحمد بن محمّد الكوفي، عن علي بن عمرو(٧٤٦) بن أيمن جميعاً، عن محسن بن أحمد بن معاذ، عن أبان بن عثمان، عن بشير النبّال، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً إذ جاءته امرأة فرحّب بها وأخذ بيدها وأقعدها، وقال: ابنة نبيّ ضيّعه قومه ـ خالد بن سنان(٧٤٧) ـ دعاهم فأبوا أن يؤمنوا ـ إلى أن قال ـ: ثمّ قال لهم: تؤمنون بي؟ قالوا: لا.
قال: فإنّي ميّت يوم كذا وكذا، فإذا أنا متّ فادفنوني فإنّه ستجيء عانة(٧٤٨) من حُمُر يقدمها عير أبتر، حتّى يقف على قبري، فانبشوني وسلوني عمّا شئتم، فلمّا مات دفنوه وكان ذلك اليوم، إذ جاءت العانة فاجتمعوا وجاءُوا يريدون نبشه، فقالوا: ما آمنتم به في حياته فكيف تؤمنون به بعد موته؟ فاتركوه فتركوه).(٧٤٩)
ورواه الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح) وفي (قصص الأنبياء)(٧٥٠) نحوه.(٧٥١)
أقول: لا ريب أنّهم لو نبشوه لعاش ورجع حيّاً كما أخبرهم عليه السلام، بل لعلّه عاش في ذلك الوقت ولو نبشوه لوجدوه حيّاً.
الخامس: ما رواه الكليني في ـ كتاب العشرة، في باب حدّ الجوار ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن اسباط، عن عمّه يعقوب بن سالم، عن إسحاق بن عمّار، عن الكاهلي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنّ يعقوب لمّا ذهب منه يوسف وبنيامين نادى: يا ربّ أما ترحمني أذهبت ابني؟ فقال الله عزّ وجلّ: لو أمتّهما لأحييتهما لك)(٧٥٢) الحديث.
السادس: ما رواه رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (من لا يحضره الفقيه) ـ في باب فرض الصلاة ـ قال: قال الصادق عليه السلام: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا اُسري به إلى السماء أمره ربّه بخمسين صلاة، فمرّ على النبيّين نبيّ نبيّ لا يسألونه عن شيء حتّى مرّ على موسى بن عمران عليه السلام، فقال: بأيّ شيء أمرك ربّك؟ قال: بخمسين صلاة، قال: سَلْ ربّك التخفيف، فإنّ اُمّتك لا تطيق ذلك)(٧٥٣) الحديث، وفيه كلام طويل بين موسى ومحمّد عليهما السلام.
أقول: قد ظهر من هذا ومن الحديث الثاني أنّ جميع الأنبياء السابقين رجعوا وأحياهم الله تعالى ليلة الإسراء. ويأتي مثل ذلك إن شاء الله تعالى.
السابع: ما رواه ابن بابويه أيضاً في الكتاب(٧٥٤) المذكور: بإسناده عن زيد بن علي بن الحسين: قال: سألت أبي سيِّد العابدين عليه السلام عن جدّنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ لمّا عرج به إلى السماء وأمره ربّه بخمسين صلاة ـ كيف لم يسأله التخفيف عن اُمّته حتّى سأله موسى بن عمران عليهما السلام؟ فقال: (إنّه كان لا يقترح على ربّه ولا يراجعه، فلمّا سأله موسى وصار شفيعاً لاُمّته لم يجز له ردّ شفاعة أخيه موسى عليه السلام)(٧٥٥) الحديث.
ورواه في (العلل) في باب مفرد.(٧٥٦)
ورواه في (الأمالي) ـ في المجلس السبعين ـ: عن محمّد بن محمّد بن عصام، عن محمّد بن يعقوب، عن علي بن محمّد، عن محمّد بن سليمان،(٧٥٧) عن إسماعيل، عن جعفر بن محمّد التميمي،(٧٥٨) عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي عليهما السلام، مثله.(٧٥٩)
الثامن: ما رواه ابن بابويه في (عيون الأخبار) ـ في باب ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع أهل الأديان وأهل المقالات ـ قال: حدّثنا جعفر بن علي بن أحمد الفقيه،(٧٦٠) عن الحسن بن محمّد بن الحسن بن صدقة، عن محمّد بن عمر بن عبد العزيز، قال: حدّثني من سمع الحسن بن محمّد النوفلي يقول: ـ وذكر الحديث ـ يقول فيه الرضا عليه السلام: (ثمّ موسى بن عمران وأصحابه الذين كانوا سبعين اختارهم وصاروا معه إلى الجبل، فقالوا: أرنا الله كما رأيته، فقال: إنّي لم أره، فقالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن آخرهم، وبقي موسى وحيداً، فقال: يا ربّ إنّي اخترت منهم سبعين رجلاً، فجئت بهم وأرجع وحدي فكيف يصدّقني قومي بما أخبرهم به؟ فأحياهم الله تعالى من بعد موتهم)(٧٦١) الحديث.
ورواه الطبرسي في (الاحتجاج).(٧٦٢)
أقول: سيأتي ما يدلّ على أنّ الله تعالى أحياهم وبعثهم أنبياء مرسلين وغير مرسلين، ومعلوم أنّ مقتضى قواعد الإماميّة: إنّ الأنبياء معصومون قبل النبوّة وبعدها، فهذه رجعة لسبعين من المعصومين:، فيجب أن يثبت مثله في هذه الاُمّة لما تقدّم، ويجب حينئذ أن يقال: إنّهم لم يطلبوا الرؤية لأنفسهم، بل طلبوها لقومهم، فهو كقول موسى: (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)(٧٦٣) ولابدّ من توجيهه بذلك ونحوه ممّا لا ينافي العصمة.
التاسع: ما رواه ابن بابويه في (عيون الأخبار) ـ في باب مجلس آخر للرضا عليه السلام عند المأمون ـ: عن تميم بن عبد الله بن تميم، عن أبيه، عن حمدان بن سليمان، عن علي بن محمّد بن الجهم، عن الرضا عليه السلام ـ في حديث طويل ـ قال: (إنّ موسى لمّا كلّمه الله رجع إلى قومه فأخبرهم، فقالوا: لن نؤمن لك حتّى نسمع كلام الله وكانوا سبعمائة ألف رجل،(٧٦٤) فاختار منهم سبعين ألفاً، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف،(٧٦٥) ثمّ اختار منهم سبعمائة، ثمّ اختار منهم سبعين(٧٦٦) رجلاً لميقات ربّه، فخرج بهم إلى طور سيناء، فلمّا سمعوا كلام الله، قالوا: لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة، فبعث الله عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسى: يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم؟ فقالوا: إنّك ذهبت بهم فقتلتهم، لأنّك لم تكن صادقاً، فأحياهم الله وبعثهم معه).(٧٦٧)
ورواه الطبرسي أيضاً في (الاحتجاج) مرسلاً.(٧٦٨)
ويأتي ما يدلّ على نبوّتهم إن شاء الله تعالى.
العاشر: ما رواه ابن بابويه في كتاب (الخصال) ـ في باب الأربعة ـ: عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عمّن ذكره، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنّ الله تبارك وتعالى لم يبعث أنبياء ملوكاً في الأرض إلا أربعة بعد نوح: ذو القرنين واسمه عيّاش، وداود، وسليمان، ويوسف عليهم السلام)(٧٦٩) الحديث.
أقول: ويأتي ما يدلّ على أنّ ذا القرنين قد رجع وأحياه الله بعد موته مرّتين، وفي بعض الأخبار: أنّه لم يكن نبيّاً ولا ملكاً ـ بفتح اللام ـ أي من ملائكة السماء، لكن تلك الرواية مرجوحة ـ كما يأتي ـ في سندها، وعلى تقدير ترجيح تلك الرواية فكونه ملكاً ـ بكسر اللام ـ أي من ملوك الأرض كاف في هذا المقام، إذ لاقائل برجوع أحد من هذه الاُمّة يملك المشرق والمغرب بعد موته، ويكون من غير الأنبياء والأئمّة عليهم السلام.
الحادي عشر: ما رواه ابن بابويه في كتاب (العلل) ـ في العلّة التي من أجلها سمّي ذو القرنين ذا القرنين(٧٧٠): ـ عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن اُورمة، عن القاسم بن عروة، عن بريد العجلي، عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّ ابن الكوّا قال له: أخبرني عن ذي القرنين؟ فقال: (لم يكن نبيّاً ولا ملكاً، ولم يكن قرناه من ذهب ولا فضّة، ولكن كان عبداً أحبّ الله فأحبّه الله، وإنّما سمّي ذا القرنين؛ لأنّه دعا قومه إلى الله فضربوه على قرنه، فغاب عنهم حيناً، ثمّ عاد إليهم فضربوه على قرنه الآخر. وفيكم مثله).(٧٧١)
ورواه الطبرسي في (الاحتجاج) مرسلاً.(٧٧٢)
أقول: سيأتي التصريح بأنّهم لمّا ضربوه مات، ثمّ أحياه الله، فرجع مرّتين ثمّ ملك ما بين المشرق والمغرب.
وذكر رئيس المحدّثين في (الخصال) وفي كتاب (كمال الدين) وذكر علي بن إبراهيم وغيرهما(٧٧٣) أنّ المراد بقوله: (وفيكم مثله) يعني نفسه أي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أخبر عن نفسه بأنّ حاله كحال ذي القرنين، فعلم من ذلك أنّ ذا القرنين لمّا ضرب على قرنه مات كما مات أمير المؤمنين عليه السلام، وانّه يعود كما عاد، ويملك كما ملك، ويفهم من كتاب (كمال الدين وتمام النعمة): أنّ الله أوحى إلى ذي القرنين وخاطبه بكلام طويل، وكلّفه بدعاء الناس إلى دينه، والحكم بينهم، وذلك يدلّ على أنّه كان من الدعاة إلى الله ومن حجج الله على خلقه، والمطلب حاصل على كلّ حال.
وقد تقدّم وجهه ويأتي ما يؤيّده إن شاء الله.
الثاني عشر: ما رواه علي بن إبراهيم في (تفسيره) مرسلاً: (إنّ ذا القرنين لمّا ضُرب على قرنه مات خمسمائة سنة، ثمّ عاش ورجع إليهم فضربوه على قرنه الآخر فمات خمسمائة سنة، ثمّ عاش ورجع إليهم فدعاهم إلى الله).(٧٧٤)
أقول: لعلّ هذا وجه تسميته عيّاشاً كما تقدّم نقله، والله أعلم.
الثالث عشر: ما رواه الطبرسي في (مجمع البيان) في تفسير قوله تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ)(٧٧٥) قال: (الذي مرّ على القرية قيل: هو عزير) وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام، وقيل: (هو ارميا) وهو المرويّ عن أبي جعفر عليه السلام، وقيل: هو الخضر أحبّ أن يريه الله إحياء الموتى مشاهدة (فَاَنْظُرْ إلى العِظَامِ) قيل: المراد عظام حماره، وقيل: عظامه، وأنّ الله أوّل ما أحيا منه عينيه، فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفرِّقة تجتمع إليه وإلى اللحم الذي أكلته السباع، يأتلف إلى العظام(٧٧٦) من هنا ومن هنا، ويلتزق بها حتّى قام وقام حماره.(٧٧٧)
الرابع عشر: ما رواه الطبرسي أيضاً في (مجمع البيان) قال: روي عن عليّ عليه السلام: (إنّ عزيراً خرج وامرأته حامل وله خمسون سنة، فأماته الله مائة سنة ثمّ بعثه، فرجع إلى أهله ابن خمسين سنة، وله ابن له مائة سنة، فكان ابنه أكبر منه، فكان ذلك آية من آيات الله، وقيل: إنّه رجع وقد أحرق بخت نصّر التوراة فأملاها من قلبه.
وقال رجل منهم: حدّثني أبي، عن جدّي أنّه دفن التوراة في كرم، فإن أريتموني كرم جدّي أخرجتها لكم فأروه فأخرجها، فعارضوه فما خالف حرف حرفاً، فقالوا: ما جعل الله التوراة في قلبه إلا وهو ابنه، فقالوا: عزير ابن الله).(٧٧٨)
وروى الكشّي في (كتاب الرجال) ـ في ترجمة أبي الخطّاب ـ: عن محمّد بن مسعود، عن عبد الله بن محمّد بن خالد، عن علي بن حسّان، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: (لو أنّ عزيراً جال في قلبه ما قالت فيه اليهود لمحا الله اسمه من ديوان النبوّة)(٧٧٩) الحديث.
أقول: وفي نسخة اُخرى: (إنّ عزيراً جال في قلبه ما قالت فيه اليهود فمحا الله اسمه من ديوان النبوّة) وعلى هذه النسخة لا يلزم زوال نبوّته بل ذلك محال، ومحو اسمه أعمّ من ذلك، ولعلّه محي من ديوان المرسلين فبقي نبيّاً غير مرسل.
الخامس عشر: ما رواه الطبرسي أيضاً في تفسير قوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام (وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ)(٧٨٠): (إنّ عيسى عليه السلام أحيا أربعة أنفس عازر وكان صديقاً له ـ إلى أن قال ـ: وسام بن نوح دعاه باسم الله الأعظم فخرج من قبره، وقد شاب نصف رأسه، فقال: قد قامت القيامة؟ قال: لا، ولكنّي دعوتك باسم الله الأعظم)(٧٨١) الحديث.
أقول: من المعلوم أنّ ساماً وصيّ نوح عليه السلام.
السادس عشر: ما رواه الطبرسي في تفسير قوله تعالى (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً)(٧٨٢) قال: (إنّ موسى اختار سبعين رجلاً حين خرج إلى الميقات ليكلِّمه الله بحضرتهم، فلمّا حضروا وسمعوا كلامه سألوا الله(٧٨٣) الرؤية فأصابتهم الصاعقة ثمّ أحياهم الله).(٧٨٤)
السابع عشر: ما رواه الطبرسي في هذه الآية أيضاً: عن عليّ بن أبي طالب عليهما السلام قال: (إنّما أخذتهم الرجفة ـ يعني السبعين الذين اختارهم موسى ـ من أجل دعواهم ـ يعني بني إسرائيل ـ على موسى قتل هارون، وذلك أنّ موسى وهارون وشبّر وشبّير ابني هارون، خرجوا إلى سفح جبل، فنام هارون في سرير فتوفّاه الله، فلمّا مات دفنه موسى، فلمّا رجع إلى بني إسرائيل، قالوا له: أين هارون؟ قال: توفّاه الله، فقالوا: لا، بل أنت قتلته حسداً على خُلُقه ولينه، قال: فاختاروا من شئتم، فاختاروا منهم سبعين رجلاً، فلمّا انتهوا إلى القبر، قال موسى: ياهارون أقُتلت أم مُتّ؟ فقام هارون فقال: ما قتلني أحد ولكن توفّاني الله، فقالوا: لن نعصي بعد هذا اليوم، فأخذتهم الرجفة وصُعقوا وماتوا، ثمّ أحياهم الله وجعلهم أنبياء).(٧٨٥)
أقول: قد علم من مذهب الإمامية أنّ الأنبياء معصومون قبل النبوّة وبعدها، فهذه رجعة لهارون الذي هو نبي وإمام، ورجعة لسبعين من المعصومين:، أفما ينبغي أن يثبت مثله في هذه الاُمّة بمقتضى الأحاديث السابقة؟!.
الثامن عشر: ما رواه الطبرسي أيضاً عن علي بن أبي طالب عليهما السلام أنّه قال: (كان ذو القرنين عبداً صالحاً أحبّ الله فأحبّه الله، وناصح لله فنصحه الله، أمر قومه بتقوى الله فضربوه على قرنه فغاب عنهم زماناً، ثمّ رجع إليهم فدعاهم إلى الله فضربوه على قرنه الآخر بالسيف، وفيكم مثله)(٧٨٦) يعني نفسه عليه السلام.
أقول: قد عرفت بعض حقيقة الحال وما يفهم من التشبيه في المقامين، ويأتي له مزيد تحقيق إن شاء الله.
التاسع عشر: ما رواه الطبرسي أيضاً في ذي القرنين، قال: وقيل: إنّه نبي مبعوث فتح الله على يديه الأرض، ثمّ قال في قوله تعالى: (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ)(٧٨٧) الآية: استدلّ من ذهب إلى أنّ ذا القرنين كان نبيّاً بهذا؛ لأنّ قول(٧٨٨) الله لا يعلم إلا بالوحي، والوحي لا يجوز إلا على الأنبياء. وقيل: إنّ الله ألهمه ولم يوح إليه.(٧٨٩)
أقول: يفهم من الآية ومن أحاديث قصّة ذي القرنين أنّه كان حجّة لله على خلقه، ومأموراً بالحكم والأمر والنهي والدعاء إلى الله، وذلك كاف في الدلالة على المراد هنا مع ما مضى ويأتي إن شاء الله.
العشرون: ما رواه علي بن إبراهيم بن هاشم في (تفسيره) مرسلاً: إنّ السبعين الذين اختارهم موسى عليه السلام ليسمعوا كلام الله، فلمّا سمعوا الكلام قالوا: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً)(٧٩٠) فبعث الله عليهم الصاعقة فاحترقوا، ثمّ أحياهم الله بعد ذلك وبعثهم أنبياء.
قال علي بن إبراهيم: فذلك دليل على الرجعة في اُمّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّه قال: (لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا وفي اُمّتي مثله).(٧٩١)
الحادي والعشرون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في (تفسيره) قال: حدّثني أبي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي(٧٩٢)، عن هارون بن خارجة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لمّا عملت بنو إسرائيل بالمعاصي ـ وذكر الحديث بطوله ـ وأنّ الله سلّط عليهم بخت نصّر بعدما أوحى الله إلى ارميا ما أوحى في حقّه، وأنّه قتل من بني إسرائيل خلقاً كثيراً ـ إلى أن قال ـ: فخرج ارميا فنظر إلى سباع البرّ وسباع الطير،(٧٩٣) تأكل من تلك الجيف، ففكّر في نفسه وقال: (أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ)(٧٩٤) أي أحياه لما رحم الله بني إسرائيل، وأهلك بخت نصّر ردّ بني إسرائيل إلى الدنيا، وبقي ارميا ميّتاً مائة سنة، ثمّ أحياه الله فأوّل ما أحيا منه عينيه، مثل غرقئ البيض،(٧٩٥) فنظر فأوحى الله إليه (كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً ـ ثمّ نظر إلى الشمس فقال ـ أَوْ بَعْضَ يَوْم ـ فقال الله تعالى ـ بَل لَبِثْتَ مِاْئَةَ عَام فَانْظُرْ إِلَى طَعَامَكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ـ أي لم يتغيّر ـ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً)(٧٩٦) فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفرّقة تجتمع إليه، وإلى اللحم الذي قد أكلته السباع، يتألّف إلى العظام، حتّى قام قائماً وقام حماره (قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)(٧٩٧)).(٧٩٨)
أقول: هذا كما ترى مع قوّة سنده جدّاً دالّ على أنّ الله ردّ بني إسرائيل إلى الدنيا، وأحياهم بعد القتل، وردّ إليهم نبيّهم ارميا، وأحياهم جميعاً، ورجعوا إلى الدنيا وبقوا فيها ما شاء الله.
الثاني والعشرون: ما رواه علي بن إبراهيم بن هاشم أيضاً في (تفسيره) قال: حدّثني أبي، عن عمرو بن سعيد الراشدي، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لمّا اُسري برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء أوحى إليه في عليّ صلوات الله عليه ما أوحى، وردّه إلى البيت المعمور وجمع له النبيّين فصلّوا خلفه، فأوحى الله إليه (فَإِن كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ)(٧٩٩) يعني الأنبياء، فقال الصادق عليه السلام: فوالله ما شكّ وما سأل).(٨٠٠)
الثالث والعشرون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر حديث الاسراء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى أن قال ـ: (فانتهينا إلى بيت المقدس، فدخلت المسجد ومعي جبرئيل، فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من أنبياء الله، قد جمعوا لي واُقيمت الصلاة، ولا أشكّ أنّ جبرئيل يتقدّمنا فلمّا استووا أخذ جبرئيل بيدي فقدّمني فأممتهم ولا فخر ـ ثمّ ذكر صعوده إلى السماوات ـ إلى أن قال: فرأيت رجلاً آدم جسيماً، فقلت: من هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا أبوك آدم، فإذا هو تعرض عليه ذرّيته فيقول: روح طيّب، وريح طيّبة من جسد طيّب، فسلّمت على أبي آدم وسلّم عليّ، واستغفرت له واستغفر لي، وقال: مرحباً بالابن الصالح والنبيّ الناصح.(٨٠١)
ثمّ قال: وصعدنا إلى السماء الثانية فإذا فيها رجلان متشابهان، فقلت: مَنْ هذان يا جبرئيل؟ قال: ابنا الخالة عيسى ويحيى، فسلّمت عليهما وسلّما عليّ، واستغفرت لهما واستغفرا لي، وقالا: مرحباً بالأخ الصالح والنبي الناصح.
ثمّ صعدنا إلى السماء الثالثة فإذا فيها رجل فَضْلُ حسنه على سائر الخلق كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم، فقلت: مَنْ هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا أخوك يوسف، فسلّمت عليه وسلّم علي واستغفرت له واستغفر لي، وقال: مرحباً بالأخ الصالح والنبي (الصالح والمبعوث في الزمن الصالح).(٨٠٢)
ثمّ صعدنا إلى السماء الرابعة فإذا فيها رجل فقلت: يا جبرئيل من هذا؟ فقال: هذا إدريس رفعه الله مكاناً علياً فسلّمت عليه وسلّم عَليّ، واستغفرت له واستغفر لي.
قال: ثمّ صعدنا إلى السماء الخامسة فإذا فيها رجل كهل عظيم العين لم أرَ كهلاً أعظم منه، حوله ثلاثة من اُمّته، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا هارون بن عمران، فسلّمت عليه وسلّم عليّ واستغفرت له واستغفر لي.
ثمّ صعدنا إلى السماء السادسة فإذا فيها رجل آدم طويل، فقلت: من هذا يا جبرئيل؟ قال: هذا أخوك موسى بن عمران، فسلّمت عليه وسلَّم عليّ، واستغفرت له واستغفر لي.
ثمّ صعدنا إلى السماء السابعة وفيها شيخ أشمط(٨٠٣) الرأس واللحية، جالس على كرسيّه فقلت: يا جبرئيل من هذا؟ قال: أبوك إبراهيم، فسلّمت عليه وسلَّم عليّ)(٨٠٤) الحديث.
الرابع والعشرون: ما رواه علي بن إبراهيم بن هاشم أيضاً في (تفسيره) قال: سُئل أمير المؤمنين عليه السلام عن ذي القرنين أنبيّاً كان أم ملكاً؟ قال: (لا نبيّاً ولا ملكاً، بل عبد أحبَّ الله فأحبّه الله، ونصح لله فبعثه إلى قومه فضربوه على قرنه الأيمن، فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثمّ بعثه الثانية فضربوه على قرنه الأيسر، فغاب عنهم ما شاء الله أن يغيب، ثمّ بعثه الثالثة فمكَّن له في الأرض. وفيكم مثله) يعني نفسه عليه السلام.(٨٠٥)
الخامس والعشرون: ما رواه ابن بابويه في (اعتقاداته) مرسلاً في قوله تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَة وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام ثُمَّ بَعَثَهُ)(٨٠٦) قال: فهذا مات مائة عام، ثمّ رجع إلى الدنيا وبقي فيها ثمّ مات بأجله وهو عزير.(٨٠٧)
وروي: أنّه ارميا عليه السلام، وصرّح قبل ذلك بأنّ ارميا نبي من أنبياء بني إسرائيل.
السادس والعشرون: ما رواه ابن بابويه في (اعتقاداته) أيضاً مرسلا في قصّة المختارين من قوم موسى، أنّهم لمّا سمعوا كلام الله قالوا: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى الله جَهْرَةً)(٨٠٨) فأخذتهم الصاعقة، فماتوا ثمّ أحياهم الله، ثمّ رجعوا إلى الدنيا فأكلوا، وشربوا، ونكحوا النساء، وولدت لهم الأولاد، وبقوا فيها ثمّ ماتوا بآجالهم.(٨٠٩)
السابع والعشرون: ما رواه محمّد بن الحسن الصفّار في كتاب (بصائر الدرجات): عن محمّد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى، عمّن أخبره، عن عباية الأسدي، قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وعنده رجل رثّ الهيئة وأمير المؤمنين عليه السلام مقبل عليه يكلّمه، فلمّا قام الرجل قلت: يا أمير المؤمنين مَنْ هذا الذي شغلك عنّا؟ قال: (وصيّ موسى بن عمران عليه السلام).(٨١٠)
ورواه حسن بن سليمان بن خالد في (رسالته) نقلاً عن (بصائر الدرجات) مثله.(٨١١)
ورواه الحافظ البرسي في أواخر كتابه.(٨١٢)
الثامن والعشرون: ما رواه أبو عمرو الكشّي في (كتاب الرجال) ـ في ترجمة سلمان الفارسي ـ: عن محمّد بن مسعود، عن الحسين بن اشكيب، عن الحسين بن خرزاذ القمّي، عن محمّد بن حمّاد الساسي،(٨١٣) عن صالح بن نوح، عن زيد بن المعدّل، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (خطب سلمان، فقال: الحمد لله الذي هداني لدينه ـ إلى أن قال ـ: والسبعين الذين اتّهموا موسى على قتل هارون فأخذتهم الرجفة، ثمّ بعثهم الله أنبياء مرسلين وغير مرسلين، وأمر هذه الاُمّة كأمر بني إسرائيل فأين يذهب بكم؟)(٨١٤) وذكر الخطبة.
التاسع والعشرون: ما رواه الكشّي أيضاً في (كتاب الرجال): عن خلف بن حامد، عن سهل بن زياد، عن ابن أبي عمير، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيّوب بن الحرّ، عن بشر،(٨١٥) عن أبي عبد الله عليه السلام.
وعن محمّد بن مسعود، عن الحسن بن علي بن فضّال،(٨١٦) عن العبّاس بن عامر، عن أبان بن عثمان، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث عبد الله بن عجلان وما قاله في مرضه، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (هيهات هيهات إنّ موسى اختار سبعين رجلاً، فلمّا أخذتهم الرجفة كان موسى أوّل من قام منها، فقال: يا ربّ أصحابي، قال: إنّي اُبدّلك بهم خيراً منهم، قال: يا ربّ إنّي وجدت ريحهم وعرفت أسماءَهم ـ قال ذلك ثلاثاً ـ فبعثهم الله أنبياء).(٨١٧)
ورواه ميرزا محمّد في (كتاب الرجال) وكذا الذي قبله.(٨١٨)
الثلاثون: ما رواه الطبرسي في (الاحتجاج) ـ في احتجاج الصادق عليه السلام على بعض الزنادقة ـ حيث قالوا:(٨١٩) لو أنّ الله ردّ إلينا من الأموات في كلّ عام لنسأله عمّن مضى منّا إلى ما صاروا؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: (قد رجع إلى الدنيا ممّن مات خلق كثير، منهم أصحاب الكهف ـ إلى أن قال ـ: وأمات الله ارميا النبي عليه السلام الذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصّر، فقال: أنّى يُحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثمّ أحياه، ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم وكيف يُلبّس اللحم إلى مفاصله، وعروقه كيف توصل، فلمّا استوى قاعداً (قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)(٨٢٠)).(٨٢١)
الحادي والثلاثون: ما رواه الشيخ قطب الدين الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح) ـ في الباب الأوّل في معجزات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: ومنها: أنّ أبا جعفر عليه السلام قال: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: لمّا اُسري بي نزل عليَّ جبرئيل بالبراق ـ إلى أن قال ـ: فركب وتوجّه نحو بيت المقدس، فاستقبل شيخاً فقال له جبرئيل: هذا أبوك إبراهيم، فثنى رجله وهمَّ بالنزول، فقال له: كما أنت، فجمع ما شاء الله من الأنبياء في بيت المقدس، فأذّن جبرئيل فتقدّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلّى بهم)(٨٢٢) الحديث.
الثاني والثلاثون: ما راه الراوندي ـ في الباب المذكور ـ: عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى (فَإِن كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ)(٨٢٣) قال: (هؤلاء الأنبياء الذين جمعوا له ليلة الاسراء) (فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ)(٨٢٤) قال: (فلم يشكّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يسأل).(٨٢٥)
الثالث والثلاثون: ما رواه الراوندي أيضاً في (الخرائج والجرائح) ـ في الباب الثامن في معجزات الباقر عليه السلام ـ: عن الصادق عليه السلام. وذكر حديث قدوم الباقر والصادق عليهما السلام على هشام بن عبد الملك بالشام وسؤال عالم النصارى وما امتحن به الباقر عليه السلام ـ إلى أن قال ـ: أخبرني عن اللّذين وُلدا في ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة، عاش أحدهما مائة وخمسين سنة وعاش الآخر خمسين سنة مَنْ كانا وكيف قصّتهما؟ فقال الباقر عليه السلام: (هما عزير وعزرة، أكرم الله عزيراً بالنبوّة عشرين سنة، وأماته مائة سنة، ثمّ أحياه فعاش بعدها ثلاثين سنة وماتا في ساعة واحدة، فخرّ الشيخ مغشيّاً عليه)(٨٢٦) الحديث.
الرابع والثلاثون: ما رواه الراوندي أيضاً في (الخرائج والجرائح) ـ في أعلام النبي والأئمّة عليهم السلام ـ: عن علي بن حسّان، عن عبد الرحمن بن كثير الهاشمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (خرج أمير المؤمنين عليه السلام يريد صفّين، فلمّا عبر الفرات وقرب من الجبل حضر وقت صلاة العصر فتوضّأ وأذّن، فلمّا فرغ من الأذان انفلق الجبل عن هامة بيضاء ولحية بيضاء ووجه أبيض، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، مرحباً بوصيّ خاتم النبيّين، فقال: وعليك السلام يا أخي شمعون بن حيّون(٨٢٧) الصفا(٨٢٨) وصيّ روح القدس عيسى بن مريم كيف حالك؟ قال: بخير يرحمك الله ـ ثمّ ذكر ما تكلّم به شمعون عليه السلام من الشهادة بأنّهم على الحقّ والترغيب في الجهاد ونصرة عليّ عليه السلام ـ ثمّ التأم الجبل عليه.
وخرج أمير المؤمنين عليه السلام إلى القتال فسأله عمّار بن ياسر ومالك الأشتر وهاشم بن أبي الوقّاص وأبو أيّوب الأنصاري(٨٢٩) وعمروبن الحمق وعبادة بن الصامت عن الرجل؟ فأخبرهم إنّه شمعون بن حيّون(٨٣٠) الصفا وصيّ عيسى عليه السلام، وكانوا يسمعون كلامه فازدادوا بصيرة في الجهاد معه)(٨٣١) الحديث.
الخامس والثلاثون: ما رواه الراوندي أيضاً نقلاً من كتاب (بصائر الدرجات) لمحمد بن الحسن الصفّار: عن علي بن الحسن بن فضّال، عن أبيه، عن العلاء(٨٣٢) بن يحيى المكفوف، عن محمّد بن أبي زياد(٨٣٣)، عن عطية الأبزاري أنّه قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالكعبة فإذا آدم بحذاء الركن اليماني فسلّم عليه، ثمّ انتهى إلى الحجر فإذا نوح ـ وهو رجل طويل ـ فسلّم عليه.(٨٣٤)
السادس والثلاثون: ما رواه الراوندي أيضاً نقلاً عن الصفّار، عن الحسن بن علي بن عبد الله، عن علي بن حسّان، عن عبدالرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إنّ علياً عليه السلام لمّا عبر الفرات يريد صفّين(٨٣٥) انفلق الجبل عن هامة بيضاء وهو يوشع بن نون).(٨٣٦)
السابع والثلاثون: ما رواه الراوندي في كتاب (الموازاة بين المعجزات) ـ الذي ألحقه وأضافه إلى كتاب (الخرائج والجرائح) ـ قال: قال الصادق عليه السلام: (إنّ الله ردّ على أيّوب أهله وولده الذين هلكوا ـ إلى أن قال ـ: وكذلك عزير لمّا أماته الله مائة عام وكان معه اللبن لم يتغيّر وكان معه حماره لم يتغيّر، وكذلك لمّا مرّ عزير على قرية خاوية على عروشها ـ إلى أن قال ـ: فأحياهم الله وهم اُلوف وبعثه إليهم رسولاً وعاش سنين)(٨٣٧) الحديث.
الثامن والثلاثون: ما رواه الراوندي في كتاب (الموازاة) أيضاً مرسلاً قال: (إنّ عيسى كان له معجزات كثيرة لم تكن اليهود ينظرون فيها فيؤمنوا بها، فسألوه أن يُحيي لهم سام بن نوح فأتى قبره وقال: قم يا سام بإذن الله فانشقّ القبر، فأعاد الكلام فتحرّك، وأعاد الكلام فخرج، فقال له المسيح: أيّما أحبّ إليك تبقى أو تعود؟ فقال: يا روح الله بل أعود، (إنّي)(٨٣٨) لأجد لذعة الموت في جوفي إلى هذا اليوم).(٨٣٩)
التاسع والثلاثون: ما رواه رئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في أوائل كتاب (الغيبة) مرسلاً قال: (وقد كان(٨٤٠) من أمر صاحب الحمار الذي نزل بقصّته القرآن، وأهل الكتاب يرون(٨٤١) أنّه كان نبيّاً فأماته الله مائة عام ثمّ بعثه).(٨٤٢)
الأربعون: ما رواه الشيخ أيضاً في أواخر كتاب (الغيبة) معلّقاً: عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن يعقوب بن يزيد، عن علي بن الحكم، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (مثل أمرنا في كتاب الله مثل صاحب الحمار، أماته الله مائة عام ثمّ بعثه).(٨٤٣)
الحادي والأربعون: ما رواه الشيخ أيضاً في آخر كتاب (الغيبة) معلّقاً:(٨٤٤) عن محمّد بن عبد الله الحميري، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن إسحاق بن محمّد، عن القاسم بن ربيع، عن علي بن الخطّاب، عن مؤذِّن مسجد الأحمر، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل في كتاب الله مثل القائم؟ قال: (نعم، آية صاحب الحمار، أماته الله مائة عام ثمّ بعثه).(٨٤٥)
أقول: المراد بالقائم هنا معناه اللغوي يعني من قام بالأمر ويكون مخصوصاً بمن عدا المهدي عليه السلام، ويحتمل الحمل على المشابهة من بعض الوجوه، فإنّ كلاًّ منهما غاب مدّة ثمّ ظهر وإن كان أحدهما مات والآخر لم يمت، أو المراد بالموت أعمّ من المجازي والحقيقي، فإنّ أحدهما مات، والآخر مات ذكره لطول غيبته.
الثاني والأربعون: ما رواه الحسن بن سليمان بن خالد القمّي نقلاً من كتاب (مختصر البصائر) لسعد بن عبد الله: عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن الحسين بن علوان، عن محمّد بن داود العبدي، عن الأصبغ بن نباتة: أنّ ابن الكوّا قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إنّ أبا المعمّر يزعم أنّك حدّثته أنّك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: قد رأينا وسمعنا برجل أكبر سنّاً من أبيه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: (إنّ عزيراً خرج من أهله وامرأته في شهرها وله يومئذ خمسون سنة، وأماته الله مائة عام ثمّ بعثه، ورجع إلى أهله واستقبله ابنه وهو ابن مائة سنة، وردّ الله عزيراً إلى(٨٤٦) الذي كان به)(٨٤٧) الحديث.
الثالث والأربعون: ما رواه رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (التوحيد) ـ في باب الردّ على الثنوية والزنادقة ـ قال: حدّثنا أحمد بن الحسن القطان، عن أحمد بن يحيى، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، عن أحمد بن يعقوب بن مطر، عن محمّد بن الحسن بن عبدالعزيز الأحدب،(٨٤٨) عن أبيه، عن طلحة بن زيد، عن عبد الله بن عبيد، عن أبي معمّر السعداني، عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل: (إنّ الله قال لموسى: إن أردت أن تراني في الدنيا فانظر إلى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني، فأبدا الله سبحانه بعض آياته للجبل وتجلّى ربّنا للجبل، فتقطّع الجبل فصار رميماً وخرّ موسى صعقاً، ثمّ أحياه الله وبعثه، فقال: (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ)(٨٤٩))(٨٥٠) الحديث.
الرابع والأربعون: ما رواه رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (الأمالي) ـ في المجلس التاسع والستّين ـ: عن الحسين بن محمّد بن سعيد الهاشمي، عن فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، عن محمّد بن أحمد بن علي الهمداني،(٨٥١) عن الحسين(٨٥٢) بن علي الشامي، عن أبيه، عن أبي جرير،(٨٥٣) عن عطاء الخراساني، عن عبد الرحمن بن غنم، عن محمّد بن علي الباقر عليه السلام قال: (أتى جبرئيل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدابّة ـ فوق الحمار ودون البغل ـ فركب ثمّ مضى حتّى انتهى إلى بيت المقدس، فدخله ثمّ أمَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيت المقدس سبعين نبيّاً.
ثمّ صعد إلى السماء فمرّ على شيخ(٨٥٤) فقال: من هذا يا جبرئيل؟ قال: أبوك إبراهيم، ثمّ مضى فمرّ على شيخ(٨٥٥) فقال: من هذا يا جبرئيل(٨٥٦)؟ قال: أبوك آدم، ثمّ مضى فمرّ بموسى بن عمران ـ ثمّ ذكر ما جرى بينهما من الكلام في فرض الصلاة وغيره ـ ثمّ مضى فمرّ على إبراهيم. وذكر ما جرى بينهما من الكلام)(٨٥٧) الحديث.
الخامس والأربعون: ما رواه الشيخ الجليل علي بن محمّد الخزّاز القمّي في كتاب (الكفاية) ـ في باب ما جاء عن جعفر بن محمّد عليه السلام ـ قال: حدّثنا الحسين بن علي أبو عبد الله، قال: حدّثنا هارون بن موسى، عن محمّد بن الحسن، عن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام ـ في حديث طويل ـ قال: (ألم تسمعوا إلى قوله تعالى (لاَ تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ)(٨٥٨) وقوله تعالى (لَنْ تَرَانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً ـ أي ميّتاً ـ فَلَمّا أَفَاقَ ـ وردّ الله عليه روحه ـ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ)(٨٥٩))(٨٦٠) الحديث.
السادس والأربعون: ما رواه الحافظ البرسي في آخر (كتابه): أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن والحسين عليهما السلام: (إذا وضعتماني في لحدي فصلّيا ركعتين ثمّ انظرا ما يكون) فلمّا وضعاه فعلا ما أمرهما، ونظرا فإذا آدم ونوح ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحدّثون مع أمير المؤمنين عليه السلام، ووجد(٨٦١) الزهراء وحوّاء ومريم وآسية ينحن على أمير المؤمنين ويندبنه.(٨٦٢)
أقول: والأحاديث أيضاً(٨٦٣) في هذا المعنى كثيرة، وفي هذا القدر بل في بعضه كفاية إن شاء الله تعالى، وقد عرفت أنّ أحاديث هذا الباب والذي قبله دالّة على مضمون واحد، وذكرت السبب الباعث على قسمتها إلى بابين، فإذا ضممت هذه الأحاديث بعضها إلى بعض مع أحاديث الباب الرابع، حصل اليقين عندك وعند كلّ منصف بصحّة الرجعة فكيف إذا انضمّ إلى ذلك ما يأتي إن شاء الله تعالى.
وليت شعري أيّ عاقل يشكّ في تواتر هذه الأحاديث، ويجوّز الكذب على جميع رواتها، وأيّ مطلب من مطالب الاُصول والفروع يوجد فيه أكثر من هذه النصوص الكثيرة الصريحة المتعاضدة المتظافرة، وقد ظهر من هذه الأحاديث أنّ الرجعة قد وقعت في الاُمم السالفة في أوقات كثيرة جدّاً، وفي الأنبياء والأوصياء والملوك السابقين، بل يظهر منها أنّ جميع الأنبياء السابقين قد رجعوا إلى الدنيا بعد موتهم، وجميع بني إسرائيل أيضاً رجعوا بعد قتل بخت نصّر إيّاهم.
وإنّ كثيراً من الأنبياء رجعوا إلى الدنيا وبقوا مدّة طويلة، يدعون الناس إلى دين الله، كعزير وارميا وموسى وغيرهم، وأنّ ذا القرنين رجع إلى الدنيا مرّتين، وملك مشارق الأرض ومغاربها، وبقي مدّة طويلة وسنين كثيرة يدعو الناس إلى الله سبحانه.
وأنّه قد رجع مرّة واحدة سبعون ألف رجل بعد موتهم وعاشوا مدّة طويلة، ورجع مرّة اُخرى خمسة وثلاثون ألفاً بعد موتهم، ورجع مرّة اُخرى سبعون ألف بيت، ويحتمل أن يكونوا سبعمائة ألف إنسان أو أكثر، فأحياهم الله بعد موتهم وعاشوا مدّة طويلة، وكلّ ذلك ثابت بروايات العامّة والخاصّة موافق للقرآن في آيات كثيرة جدّاً كما عرفت، فلابدّ من وجود مثل ذلك في هذه الاُمّة بمقتضى الأحاديث السالفة(٨٦٤) وغيرها والله الموفّق.

الباب السابع: في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت في هذه الاُمّة في الجملة

ليزول بها استبعاد الرجعة الموعود بها في آخر الزمان

ويدلّ على ذلك أحاديث:
الأوّل: ما رواه رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (عيون الأخبار) ـ في باب ذكر مجلس الرضا عليه السلام مع أهل الأديان ـ بالسند السابق، في الحديث الثاني من الباب الخامس: عن الرضا عليه السلام أنّه قال: (لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه أن يُحيي لهم موتاهم، فوجّه معهم علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له: يا علي، إذهب إلى الجبّانة فناد هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك: يا فلان ويا فلان يقول لكم محمّد: قوموا بإذن الله. فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فأقبلت قريش تسألهم عن اُمورهم)(٨٦٥) الحديث.
ورواه الطبرسي مرسلاً في (الاحتجاج).(٨٦٦)
الثاني: ما رواه ابن بابويه أيضاً في (عيون الأخبار) ـ في باب استسقاء المأمون بالرضا عليه السلام ـ: عن محمّد بن القاسم المفسّر، عن يوسف بن محمّد بن زياد وعلي بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي العسكري، عن آبائه، عن الرضا: أنّه استسقى للناس وظهر للناس من إعجازه وإجابة دعائه وإخباره بما يكون وغير ذلك ممّا حمل بعض أعدائه على أن أخذ رخصته من المأمون لمجادلته، فكلّمه كلاماً طويلاً في مجلس عام من جملته أن قال: يابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزت قدرك أن بعث الله مطراً قدّره لوقته كأنّك قد جئت بمثل آية الخليل لمّا أخذ رؤوس الطير بيده ودعا أعضاءها التي كان فرّقها على الجبال فأتينه سعياً، وتركّبن على الرؤوس، وخفقن وطرن بإذن الله، فإن كنت صادقاً فيما توهم فأحيي هذين وسلّطهما عليّ ـ وأشار إلى أسدين مصوّرين على مسند المأمون ـ.
فغضب علي بن موسى الرضا عليه السلام وقال: (دونكما الفاجر فافترساه ولا تبقيا له عيناً ولا أثراً، فوثبت الصورتان وصارتا أسدين فتناولا الرجل ورضّضاه وهشّماه وأكلاه ولحسا دمه، والقوم ينظرون إليه متحيِّرين، فلمّا فرغا منه أقبلا على الرضا عليه السلام وقالا: يا وليّ الله في أرضه فما تأمرنا أن نفعل(٨٦٧) بهذا، أنفعل به ما فعلنا بهذا؟ ـ يشيران إلى المأمون ـ فغشي على المأمون ممّا سمع منهما ـ إلى أن قال ـ: فقال: عودا إلى مقرّكما، فعادا إلى المسند، وصارتا صورتين كما كانتا)(٨٦٨) الحديث.
الثالث: ما رواه الكليني ـ في باب المسألة في القبر ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنّ الميّت إذا خرج من بيته شيّعته الملائكة إلى القبر، ويدخل عليه في قبره منكر ونكير، فيلقيان فيه الروح إلى حقويه(٨٦٩) فيقعدانه فيسألانه)(٨٧٠) ثمّ ذكر المسألة والسؤال والجواب. وذكر في الكافر نحو ذلك.
أقول: وفي معناه أحاديث كثيرة وهذه رجعة في الجملة وحياة بعد الموت قبل القيامة أو نظير للرجعة، يزول بها الاستبعاد، وفي باب أنّ الميّت يزور أهله، أحاديث قريبة من هذا المعنى.
الرابع: ما رواه الكليني أيضاً ـ في باب مولد أمير المؤمنين عليه السلام ـ: عن محمّد بن يحيى، عن سلمة بن الخطّاب، عن عبد الله بن محمّد، عن عبد الله بن القاسم، عن عيسى شلقان، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان له خؤولة(٨٧١) في بني مخزوم وأنّ شابّاً منهم أتاه، فقال: يا خالي إنّ أخي مات وقد حزنت عليه حزناً شديداً، قال: فقال له: تشتهي أن تراه؟ قال: بلى، قال: فأرني قبره، قال: فخرج ومعه بردة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متّزراً بها، فلمّا انتهى إلى القبر تلملمت شفتاه ثمّ ركضه برجله، فخرج من قبره وهو يقول بلسان الفرس)(٨٧٢) الحديث.
الخامس: ما رواه الكليني أيضاً ـ في باب مولد أبي الحسن موسى عليه السلام ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن المغيرة، قال: مرّ العبد الصالح عليه السلام بامرأة بمنى ـ وهي تبكي ـ وحولها صبيان لها يبكون، وقد ماتت لها بقرة فدنا منها وقال: (ما يبكيك يا أمَة الله؟) قالت: إنّ لنا صبياناً يتامى، وقد كانت لنا بقرة، معيشتي ومعيشة صبياني كانت منها وقد ماتت، قال: (أتحبّين أن اُحييها لك؟) فاُلهمت أن قالت: نعم، فتنحّى وصلّى ركعتين، ثمّ رفع(٨٧٣) يده هنيئة وحرّك شفتيه، ثمّ قام فصوّت(٨٧٤) بالبقرة فنخسها نخسة وضربها برجله، فاستوت على الأرض، فلمّا نظرت المرأة إلى البقرة صاحت وقالت: عيسى بن مريم وربّ الكعبة، فخالط الناس وصار بينهم ومضى عليه السلام.(٨٧٥)
ورواه الصفّار في (بصائر الدرجات) ـ في باب أنّ الأئمّة عليهم السلام أحيوا الموتى ـ: عن أحمد بن محمّد مثله.(٨٧٦)
ورواه الراوندي في (الخرائج والجرائح).(٨٧٧)
ورواه علي بن عيسى في (كشف الغمّة) نقلاً عن الراوندي نحوه.(٨٧٨)
السادس: ما رواه الكليني في (أوائل الروضة): عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب، عن علي بن الحسين عليهما السلام في حديث طويل قال: (يابن آدم إنّ أجلك أسرع شيء إليك، وكان قد أوفيت أجلك وقبض الملك روحك وصرت إلى قبرك وحيداً، فردّ إليك فيه روحك واقتحم عليك ملكان)(٨٧٩) ثمّ ذكر ما يقع بينه وبينهما من السؤال والجواب.
ورواه ابن بابويه في (الأمالي) ـ في المجلس السادس والسبعين ـ: عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمّد، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن غالب الأسدي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيّب، عن علي بن الحسين عليه السلام(٨٨٠) مثله.(٨٨١)
السابع: ما رواه أبو علي الحسن ابن الشيخ أبي جعفر الطوسي في (الأمالي): بإسناده(٨٨٢) عن جعفر بن محمّد عليه السلام قال: (مرّ أمير المؤمنين عليه السلام بالمقابر فسلّم عليهم ثمّ قال: السلام عليكم يا أهل التربة، إنّ المنازل قد سكنت، وإنّ الأموال قد قسّمت ـ إلى أن قال ـ: فأجابه هاتف يسمع صوته ولا يرى شخصه: عليك السلام يا أمير المؤمنين)(٨٨٣) وذكر الكلام الذي جرى بينهما وأنّ جميع الحاضرين سمعوه.
الثامن: ما رواه الشيخ أيضاً في (الأمالي): بإسناده قال: كان رجل من أهل الشام يختلف إلى أبي جعفر عليه السلام وكان يبغضه، فلم يلبث أن مرض ـ إلى أن قال ـ: فجاء وليّه(٨٨٤) إلى أبي جعفر عليه السلام فقال: إنّ فلاناً الشامي قد هلك وهو يسألك أن تصلّي عليه، فقال: (كلاّ لا تعجلنّ على صاحبكم حتّى آتيكم) ثمّ قام من مجلسه فصلّى ركعتين ثمّ مدّ يده ما شاء الله، ثمّ سجد حتّى طلعت الشمس، ثمّ نهض وأتى منزل الشامي ودعاه(٨٨٥) فأجابه، ثمّ أجلسه فسنّده،(٨٨٦) ثمّ ما انصرف حتّى قوي الشامي فأتى أبا جعفر عليه السلام فقال: أشهد أنّك حجّة الله على خلقه، قال: (وما بدا لك؟) قال: أشهد أنّي عمدت بروحي، وعاينت بعيني فلم يفاجئني(٨٨٧) إلا ومناد أسمعه وما أنا بالنائم: ردّوا عليه روحه، فقد سألنا ذلك محمّد بن علي. وصار بعد ذلك من أصحاب أبي جعفر عليه السلام.(٨٨٨)
التاسع: ما رواه الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح) وعلي بن عيسى في كتاب (كشف الغمّة) نقلاً عنه ـ في معجزات موسى بن جعفر عليه السلام ـ: عن أبي حمزة قال: أخذ بيدي موسى بن جعفر يوماً فخرجنا من المدينة إلى الصحراء، فإذا نحن برجل يبكي على الطريق وبين يديه حمار ميّت ورحله مطروح، فقال له موسى عليه السلام: (ما شأنك؟) فقال: كنت مع رفقائي نريد الحجّ فمات حماري هاهنا ومضى أصحابي، وقد بقيت متحيِّراً، فقال: (لعلّه لم يمت) فقال: أما ترحمني حتّى تلهو بي؟ قال: (إنّ عندي رقية جيّدة) فقال الرجل: ما يكفيني ما أنا فيه حتّى تستهزئ بي؟ فدنا موسى عليه السلام من الحمار ودعا بشيء لم أسمعه، وأخذ قضيباً كان مطروحاً فنخسه به وصاح عليه فوثب قائماً صحيحاً سالماً، فقال: (يا مغربي ترى هاهنا شيئاً من الإستهزاء، إلحق بأصحابك) ومضينا وتركناه.(٨٨٩)
العاشر: ما رواه الراوندي وعلي بن عيسى أيضاً ـ في معجزات عليّ الهادي عليه السلام ـ عن زرافة حاجب(٨٩٠) المتوكّل قال: وقع مشعبذ هندي يلعب بالحقّة، وكان المتوكّل لعّاباً فأراد أن يخجل علياً عليه السلام، فقال للمشعبذ: إن أخجلته فلك ألف دينار، قال: فأمر أن يخبز رقاق خفاف تجعل على المائدة وأنا إلى جنبه ففعل، وحضر عليّ عليه السلام الطعام، وجعل مسورة عليها صورة أسد وجلس اللاعب إلى جنب المسورة، فمدّ عليّ عليه السلام يده إلى رقاقة فطيّرها اللاعب ثلاث مرّات، فتضاحكوا فضرب عليّ عليه السلام يده إلى تلك الصورة وقال: (خذه) فوثبت من المسورة وابتلعت الرجل وعادت إلى المسورة، فتحيّروا ونهض عليّ عليه السلام، فقال له المتوكّل: سألتك(٨٩١) إلا جلست ورددته؟ فقال: (لا والله لا يُرى بعد هذا أبداً، أتسلّط أعداء الله على أوليائه؟) وخرج من عنده ولم يُرَ الرجل بعدها.(٨٩٢)
أقول: هذا وما قبله أعجب من الرجعة وأغرب(٨٩٣) فيزول به الاستبعاد لها.
الحادي عشر: ما رواه علي بن إبراهيم في آخر تفسير سورة الحجر قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن سيف بن عميرة وعبد الله بن سنان وأبي حمزة الثمالي، قالوا: سمعنا أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام يقول: (لمّا حجّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجّة الوداع نزل بالأبطح،(٨٩٤) ووضعت له وسادة فجلس عليها، ثمّ رفع يده إلى السماء وبكى بكاءً شديداً، ثمّ قال: (يا ربّ إنّك وعدتني في أبي واُمّي وعمّي أن لا تعذّبهم.
قال: فأوحى الله إليه: إنّي آليت على نفسي أن لا يدخل جنّتي إلا من شهد أن لا إله إلا الله وأنّك عبدي ورسولي، ولكن إئت الشعب فنادهم فإن أجابوك فقد وجبت لهم رحمتي، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الشِعب، فقال: يا أبتاه ويا اُمّاه(٨٩٥) ويا عمّاه،(٨٩٦) فخرجوا ينفضون التراب عن رؤوسهم، فقال لهم: ألا ترون إلى هذه الكرامة التي أكرمني الله بها؟ فقالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأنّك رسول الله حقّاً حقّاً، وأنّ جميع ما جئت به فهو الحقّ، فقال: ارجعوا إلى مضاجعكم. ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكّة وقدم عليّ عليه السلام من اليمن، فقال: ألا اُبشِّرك(٨٩٧) يا علي؟ ثمّ أخبره الخبر، فقال علي عليه السلام(٨٩٨): الحمد لله).(٨٩٩)
الثاني عشر: ما رواه الشهيد الثاني في كتاب (مسكّن الفؤاد) نقلاً من كتاب (دلائل النبوّة): عن أنس بن مالك، قال: دخلنا على رجل من الأنصار وهو مريض ولم يزل حتّى قضى، فبسطنا عليه ثوباً، وله اُمّ عجوز كبيرة عند رأسه، فقلنا: يا هذه احتسبي مصيبتك عند الله عزّ وجلّ، قالت: ومات ابني؟ قلنا: نعم، قال: فمدّت يدها ثمّ قالت: اللهمّ إنّك تعلم أنّي أسلمت لك وهاجرت إلى رسولك رجاء أن تعينني عند كلّ شدّة ورخاء،(٩٠٠) فلا تحمل عليَّ هذه المصيبة اليوم، فكشفت(٩٠١) الثوب عن وجهه ثمّ ما برح حتّى طعمنا معه.(٩٠٢)
الثالث عشر: ما رواه الشيخ الجليل قطب الدين الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح) ـ في معجزات أمير المؤمنين عليه السلام ـ قال: أخبرنا أبو منصور شهريار بن شيرويه(٩٠٣) الديلمي، عن أبيه، عن علي بن محمّد بن عمرو، عن الحسن بن محمّد الرقا(٩٠٤) أنّه سمع راهباً يقول: كنت قاعداً في صومعة لي فأشرفت منها فإذا طائر كالنسر قد سقط على شاطئ البحر، فتقيّأ ربع إنسان، ثمّ طار، فتفقدته فعاد فتقيّأ ربع إنسان، ثمّ طار، ثمّ جاء فتقيّأ ربع إنسان، ثمّ طار، ثمّ عاد فتقيّأ ربع إنسان، ثمّ دنت الأرباع بعضها إلى بعض فقام رجلا، فهو قائم وأنا أتعجّب منه.
ثمّ انحدر الطائر عليه فضربه فأخذ ربعه ثمّ طار، ثمّ عاد فأخذ ربعه ثمّ طار، ثمّ عاد فأخذ ربعه ثمّ طار، فبقيت أتفكّر في ذلك حتّى رأيته قد عاد فتقيّأ ربع إنسان ثمّ ربعاً حتّى تقيّأ أربعة ثمّ طار، فإذا الرجل قد قام، فدنوت منه فسألته من أنت؟ فسكت، فقلت له: بحقّ من خلقك من أنت؟ قال: أنا عبدالرحمن بن ملجم، قلت له: وأيّ شيء عملت من الذنوب؟ قال: قتلت علي بن أبي طالب فوكّل بي هذا الطائر يقتلني كلّ يوم قتلة، فبينا هو يحدّثني إذ انقضّ عليه الطائر فضربه فأخذ ربعه ثمّ طار، ثمّ عاد إلى أن أخذه كلّه، فسألت عن علي بن أبي طالب فقالوا: ابن عمّ رسول الله ووصيّه.(٩٠٥)
الرابع عشر: ما رواه الراوندي أيضاً ـ في معجزات الحسين عليه السلام ـ: عن أبي خالد الكابلي، عن يحيى بن اُمّ الطويل قال: كنّا عند الحسين عليه السلام إذ دخل عليه شابّ يبكي، فقال: إنّ والدتي توفّيت في هذه الساعة ولم توص، ولها مال قد كانت أمرتني أن لا اُحدث في أمرها شيئاً حتّى اُعلمك، فقال الحسين عليه السلام: (قوموا) فقمنا معه حتّى انتهينا إلى البيت الذي فيه المرأة مسجّاة، فأشرف على البيت ودعا الله ليحييها حتّى توصي بما تحبّ من وصيّتها، فأحياها الله فإذا المرأة قد جلست وهي تتشهّد، فنظرت إلى الحسين عليه السلام ـ ثمّ ذكر ما جرى بينه وبينها من الكلام والخطاب ـ إلى أن قال: ثمّ صارت المرأة ميّتة كما كانت.(٩٠٦)
الخامس عشر: ما رواه الراوندي أيضاً ـ في معجزات الصادق عليه السلام ـ: عن يونس بن ظبيان، قال: كنت مع الصادق عليه السلام في جماعة، فقلت: قول الله لإبراهيم (فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ)(٩٠٧) فقال: (أتحبّون أن اُريكم مثله؟) قلنا: بلى، قال: (يا طاووس) فإذا طاووس طار إلى حضرته، فقال: (يا غراب) فإذا غراب بين يديه، ثمّ قال: (يا بازي) فإذا بازي بين يديه، ثمّ قال: (يا حمامة) فإذا حمامة بين يديه، ثمّ أمر بذبحها كلّها وتقطيعها ونتف ريشها وأن يخلط ذلك كلّه بعضه ببعض، ثمّ أخذ برأس الطاووس، فقال: (يا طاووس) فرأيت لحمه وريشه يتميّز حتّى التصق ذلك كلّه برأسه، وقام الطاووس بين يديه حيّاً ثمّ صاح بالغراب كذلك، وبالبازي وبالحمامة كذلك، فقامت كلّها أحياء بين يديه.(٩٠٨)
السادس عشر: ما رواه أيضاً ـ في الباب المذكور ـ، عن أبي الصلت الهروي، عن الرضا، عن أبيه عليهما السلام: (إنّ ملك الهند أرسل إلى الصادق عليه السلام هدايا وجارية جميلة مع رجل فلم يقبلها، وقال(٩٠٩) له: إنّك خائن، فحلف أنّه ما خان، فقال له: إن شهد عليك بعض ثيابك بما خنت تشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً رسول الله، ثمّ دعا بدعاء وطلب من الله أن يأذن لفروة الهندي أن تتكلّم بلسان عربي مبين، يسمعه من في المجلس، ليكون آية من آيات أهل بيت النبوّة، ثمّ قال: أيّتها الفروة تكلّمي بما فعله الهندي، قال موسى: فانتفضت الفروة وصارت كالكبش وقالت: يابن رسول الله إئتمنه الملك على هذه الجارية ـ ثمّ ذكرت قصّة طويلة تتضمّن كيفية خيانته بالجارية ـ إلى أن قال: ثمّ عاد الكبش فروة كما كانت.(٩١٠)
السابع عشر: ما رواه أيضاً في كتاب (الخرائج والجرائح) ـ في أعلام النبي والأئمّة عليهم السلام ـ: عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين عليه السلام: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قاعداً فذكر اللحم، فقام رجل من الأنصار فذبح له عنزاً وشواها وحملها إليه ووضعها بين يديه، وقال لجميع أهل بيته ومن أحبّ من أصحابه(٩١١): كلوا ولا تكسروا لها عظماً، وأكل معه الأنصار، وإذا العناق قد عاشت وقامت تلعب على بابه).(٩١٢)
الثامن عشر: ما رواه أيضاً ـ في الباب المذكور ـ: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه دعا عنزاً فلم تجبه،(٩١٣) فأمر بذبحه ففعلوا، وشووه وأكلوا لحمه ولم يكسروا له عظماً، ثمّ أمر أن يوضع جلده ويطرح عظامه وسط الجلد فقام الجدي(٩١٤) حيّاً يرعى.(٩١٥)
التاسع عشر: ما رواه قطب الدين الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح) نقلاً من كتاب (بصائر الدرجات) لمحمّد بن الحسن الصفّار: عن الحسن بن علي، عن العبّاس بن عامر، عن أبان، عن بشير النبّال،(٩١٦) عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (كنت خلف أبي وهو على بغلة، فنفرت فإذا رجل في عنقه سلسلة ورجل يتبعه، فقال لأبي علي بن الحسين: اسقني، فقال الرجل الذي خلفه وكأنّه موكّل به: لا تسقه لا سقاه الله، فإذا هو معاوية).(٩١٧)
العشرون: ما رواه أيضاً نقلاً عن (بصائر الدرجات): عن الحجّال، عن الحسن بن الحسين، عن ابن سنان، عن عبد الملك القمّي، عن أخيه إدريس،(٩١٨) قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (بينا أنا وأبي متوجّهين إلى مكّة في موضع يقال له: ضجنان، إذ جاءه رجل في عنقه سلسلة، فقال: اسقني، فسمعه أبي فصاح بي: لا تسقه لا سقاه الله، فإذا رجل يتبعه حتّى جذب السلسلة وطرحه على وجهه، فغاب في أسفل درك من النار، قال أبي: هذا الشامي لعنه الله).(٩١٩)
الحادي والعشرون: ما رواه أيضاً عن كتاب (بصائر الدرجات): عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد،(٩٢٠) عن علي بن المغيرة، قال: نزل أبو جعفر عليه السلام ضجنان فسمعناه ثلاث مرّات يقول: (لا غفر الله لك) فقال له أبي: لمن تقول؟ قال: (مرّ بي الشامي لعنه الله، يجرّ سلسلته التي في عنقه، وقد دلع لسانه يسألني أن أستغفر له، فقلت: لا غفر الله لك).(٩٢١)
الثاني والعشرون: ما رواه الراوندي أيضاً في أواخر كتاب (الخرائج والجرائح): قال: كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجل هلكت له ابنة في الجاهلية، وكان قد رماها في واد، فلمّا أسلم ندم على ما فعل، فقال: يا نبي الله إنّي فعلت كذا وكذا بابنة لي صغيرة، فجاء عليه السلام إلى شفير الوادي، فدعا بابنته، فقالت: لبّيك يا رسول الله، فقال: (إن أردت أن ترجعي إلى أبويك فهما الآن قد أسلما)، فقالت: يا رسول الله أنا عند ربّي ولا أختار أبي واُمّي على ربّي.(٩٢٢)
الثالث والعشرون: ما رواه رئيس المحدِّثين محمّد بن علي بن بابويه في (الأمالي) ـ في المجلس التاسع والعشرين ـ: عن محمّد بن الحسن بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار وسعد بن عبد الله جميعاً، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن أبيه علي بن يقطين، قال: استدعى الرشيد رجلاً يبطل به أمر أبي الحسن موسى عليه السلام، ويقطعه ويخجله في المجلس، فانتدب إليه رجل معزم،(٩٢٣) فلمّا حضرت المائدة عمل ناموساً(٩٢٤) على الخبز، فكان كلّما رام خادم أبي الحسن عليه السلام أن يتناول رغيفاً من الخبز طار من بين يديه، فاستفزّ هارون الفرح والضحك لذلك، فلم يلبث أبو الحسن عليه السلام أن رفع رأسه إلى أسد مصوّر على بعض الستور، فقال له: (يا أسد الله خذ عدوّ الله) قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون من السباع فافترست ذلك المعزم،(٩٢٥) فخرّ هارون وندماؤه على وجوههم مغشيّاً عليهم، وطارت عقولهم خوفاً من هول ما رأوه.
فلمّا أفاقوا قال هارون: يا أبا الحسن أسألك بحقّي عليك لما سألت هذه الصورة أن تردّ الرجل، قال: (إن كانت عصا موسى ردّت ما ابتلعته من حبال القوم وعصيّهم فإنّ هذه الصورة تردّ ما ابتلعته من هذا الرجل) فكان ذلك أعمل الأشياء في افاتة نفسه.(٩٢٦)
الرابع والعشرون: ما رواه ابن بابويه أيضاً في (الأمالي) ـ في المجلس التاسع والأربعين(٩٢٧) ـ: عن أحمد بن الحسن القطّان، عن الحسن بن علي السكري،(٩٢٨) عن محمّد بن زكريا الجوهري، عن محمّد بن عمارة،(٩٢٩) عن أبيه، قال: قال الصادق عليه السلام: (من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا: المعراج والمسألة في القبر والشفاعة).(٩٣٠)
الخامس والعشرون: ما رواه علي بن إبراهيم في (تفسيره) عند قوله تعالى (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ)(٩٣١) رفعه قال: (أولم ينظروا في الأخبار والقرآن رجعة الاُمم الهالكة (فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ)(٩٣٢)).(٩٣٣)
السادس والعشرون: ما رواه الصفّار في (بصائر الدرجات) ـ في باب أنّ الأئمّة عليهم السلام أحيوا الموتى ـ: أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن درّاج، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخلت عليه امرأة فذكرت أنّها تركت ابنها ـ وقد قالت بالملحفة(٩٣٤) على وجهه ـ ميّتاً، فقال لها: (فلعلّه لم يمت، فقومي فاذهبي إلى بيتك واغتسلي وصلّي ركعتين وادعي(٩٣٥) وقولي: يا من وهبه لي ولم يكن شيئاً جدِّد هبته لي، ثمّ حرّكيه ولا تخبري أحداً) قال: ففعلت وجاءت وحرّكته فإذا هو قد بكى.(٩٣٦)
السابع والعشرون: ما رواه الصفّار ـ في الباب المذكور ـ: عن عبد الله(٩٣٧) بن محمّد، عن محمّد بن إبراهيم، عن أبي محمّد بن بريد،(٩٣٨) عن داود بن كثير الرقّي، قال: حجّ رجل من أصحابنا فدخل على أبي عبد الله عليه السلام فقال: فداك أبي واُمّي إنّ أهلي توفّيت وبقيت وحيداً، فقال أبو عبد الله عليه السلام: (أكنت تحبّها؟) قال: نعم، قال: (إرجع إلى منزلك فإنّك تراها وهي تأكل).(٩٣٩)
الثامن والعشرون: ما رواه الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب (قرب الاسناد) ـ في الحديث الثالث والثمانين بعد المائة ـ: عن السندي بن محمّد، عن صفوان بن مهران الجمّال، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لجبرئيل: يا جبرئيل أرني كيف يبعث الله العباد يوم القيامة؟ قال: نعم، فخرج إلى مقبرة بني ساعدة فأتى قبراً، فقال له: اُخرج بإذن الله، فخرج رجل ينفض التراب عن رأسه وهو يقول: والهفاه ـ واللهف هو الثبور ـ ثمّ قال: ادخل فدخل ثمّ قصد به إلى قبر آخر، فقال: اخرج بإذن الله، فخرج شابّ ينفض رأسه من التراب وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله. ثمّ قال: هكذا تبعثون يوم القيامة).(٩٤٠)
التاسع والعشرون: ما رواه الحافظ البرسي في كتابه قريباً من آخره: عن زاذان(٩٤١) قال: لمّا جاء أمير المؤمنين عليه السلام ليغسّل سلمان وجده قد مات، فرفع الشملة عن وجهه فتبسّم وتحرّك وهمّ أن يقعد، فقال له عليّ عليه السلام: (عد إلى موتك) فعاد.(٩٤٢)
أقول: ويأتي ما يدلّ على ذلك، فإنّ أحاديث هذا الباب والذي بعده مضمون واحد، وقد عرفت سابقاً سبب قسمتها بابين(٩٤٣) والله وليّ التوفيق.

الباب الثامن: في إثبات أنّ الرجعة قد وقعت للأنبياء والأئمّة عليهم السلام في هذه الاُمّة بالجملة

ليزول بها استبعاد رجعتهم الموعود بها في آخر الزمان. ومن أحاديث هذا الباب يزول أيضاً الإشكال الذي تخيّله منكر الرجعة، من استلزامها تقديم المفضول على الفاضل، أو عزل المفضول عن الإمامة، وكذلك ما مرّ من الأحاديث الكثيرة الدالّة على رجعة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام في الاُمم السابقة، ولاشكّ أنّ كلّ واحد منهم له وصيّ أو أوصياء، وهو أفضل منهم قطعاً،(٩٤٤) فبأيّ توجيه وجّه هذه الأحاديث الكثيرة يمكن أن توجّه أحاديث الرجعة، ويأتي تمام الكلام إن شاء الله، ونقتصر ممّا يدلّ على مضمون هذا الباب على أحاديث:
الأوّل: ما رواه الشيخ الجليل ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني ـ في باب ما نصّ الله ورسوله على الأئمّة عليهم السلام ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن فضيل بن سكرة، عن أبي عبد الله عليه السلام.
ورواه ـ في باب حدّ الماء الذي يغسّل به الميّت ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن فضيل بن سكرة، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هل للماء الذي يغسّل به الميّت حدّ محدود؟ قال: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام: إذا أنا متّ فاستق لي سبع قرب من ماء بئر غرس، فاغسلني وكفنّي وحنّطني، فإذا فرغت من غسلي وكفني وتحنيطي فخذ بمجامع كفني وأجلسني ثمّ سلني عمّا شئت، فوالله لا تسألني عن شيء إلا أجبتك فيه).(٩٤٥)
ورواه قطب الدين الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح) نقلاً من كتاب (بصائر الدرجات) لسعد بن عبد الله: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر مثله.(٩٤٦)
الثاني: ما رواه الكليني أيضاً ـ في باب ما نصّ الله ورسوله على الأئمّة عليهم السلام ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمّد، عن علي بن أبي حمزة، عن ابن أبي سعيد، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لمّا حضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الموت دخل عليه عليّ عليه السلام فأدخل رأسه، ثمّ قال: يا علي إذا أنا متّ فغسّلني وكفنّي ثمّ أقعدني وسل واكتب).(٩٤٧)
الثالث: ما رواه الشيخ الجليل قطب الدين الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح) ـ في باب نوادر المعجزات ـ نقلاً من كتاب (بصائر الدرجات) لسعدبن عبد الله: عن إبراهيم بن محمّد الثقفي، عن عبّاد بن يعقوب، عن الحسين بن زيد بن علي،(٩٤٨) عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن أبيه، قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا توفّي أن أستقي له سبع قرب من بئر غرس(٩٤٩) فأغسله بها، فإذا غسّلته وفرغت من غسله أخرجت من في البيت، قال: فإذا أخرجتهم فضع فاك على فيّ ثمّ سلني عمّا هو كائن إلى يوم القيامة من أمر الفتن، قال عليّ عليه السلام: ففعلت ذلك فأنبأني بما يكون إلى أن تقوم الساعة).(٩٥٠)
الرابع: ما رواه سعد بن عبد الله أيضاً بالسند السابق: عن عليّ عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أنا متّ فغسّلني بسبع قرب من بئر غرس، غسّلني بثلاث قرب غسلاً، وشنّ عليَّ أربعاً شنّاً، ثمّ ضع يدك على فؤادي ثمّ سلني اُخبرك بما هو كائن إلى يوم القيامة، قال: ففعلت، وكان عليّ عليه السلام إذا أخبرنا(٩٥١) بشيء يكون، يقول: هذا ممّا أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته).(٩٥٢)
الخامس: ما رواه أيضاً نقلاً من كتاب (بصائر الدرجات) لسعد بن عبد الله: عن جعفر بن إسماعيل الهاشمي، عن أيّوب بن نوح، عن زيد النوفلي، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: (أوصاني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: إذا أنا متّ فغسّلني بسبع قرب من بئر غرس، فإذا فرغت من غسلي فأدخلني في أكفاني، ثمّ ضع اُذنك على فمي، ففعلت فأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة).(٩٥٣)
قال: وروي هذا الحديث بعينه عن الباقر والصادق عليهما السلام.(٩٥٤)
السادس: ما رواه الكليني ـ في باب أنّ الأئمّة عليهم السلام يعلمون متى يموتون ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الوشّا، عن مسافر، عن الرضا عليه السلام قال: (إنّي رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البارحة وهو يقول: يا علي ما عندنا خير لك).(٩٥٥)
السابع: ما رواه الكليني أيضاً بالإسناد المذكور: عن الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة،(٩٥٦) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كنت عند أبي في اليوم الذي قبض فيه، فأوصاني بأشياء في غسله وكفنه، فقلت: يا أبة ما رأيتك منذ اشتكيت أحسن حالاً منك اليوم، فقال: يا بني أما سمعت علي بن الحسين عليه السلام ينادي من وراء الجدار: يا محمّد بن علي تعال، عجّل؟).(٩٥٧)
الثامن: ما رواه الكليني أيضاً ـ في باب الإشارة والنصّ على الرضا عليه السلام ـ: عن أحمد بن مهران، عن محمّد بن علي، عن أبي الحكم الأرمني، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري وعبد الله بن محمّد بن عمارة الجرمي(٩٥٨) جميعاً، عن يزيد بن سليط ـ في حديث طويل ـ أنّ أبا إبراهيم عليه السلام قال له: (إنّي خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان ولقد جاءني بخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ أرانيه وأراني من يكون معه، وكذلك لا يوصي بأحد منّا حتّى يأتي بخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجدّي عليّ عليه السلام، ورأيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتماً وسيفاً وعصا وكتاباً ـ وذكر ما جرى منهما من الخطاب والجواب ـ ثمّ قال أبو إبراهيم عليه السلام: ورأيت وُلدي جميعاً الأحياء منهم والأموات، فقال لي أمير المؤمنين عليه السلام: هذا سيِّدهم)(٩٥٩) ثمّ ذكر ما جرى بينهم من الكلام الطويل والمحاورات الكثيرة.
التاسع: ما رواه الكليني أيضاً ـ في باب النهي عن الإشراف على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن جعفر بن المثنّى الخطيب، عن مهران بن أبي نصر وإسماعيل بن عمّار أنّهما سألا أبا عبد الله عليه السلام عن الصعود لنشرف على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمّا سقط سقف المسجد، فقال: (ما اُحبّ لأحد أن يعلو فوقه، ولا آمنه أن يرى شيئاً يذهب بصره، أو يراه قائماً يصلّي، أو يراه مع بعض أزواجه).(٩٦٠)
العاشر: ما رواه الكليني ـ في باب ما جاء في الاثني عشر: والنصّ عليهم ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن أبي عبد الله الكوفي ومحمّد بن الحسن، عن سهل بن زياد جميعاً، عن الحسن بن العبّاس بن الحريش،(٩٦١) عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام(٩٦٢) لأبي بكر: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)(٩٦٣) وأشهد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مات شهيداً، والله ليأتينّك فأيقن فإنّ الشيطان غير متخيّل به.
فأخذ عليّ عليه السلام بيد أبي بكر فأراه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا أبا بكر آمن بعليّ وبالأحد عشر من ولدي، إنّهم مثلي إلا النبوّة، وتب إلى الله ممّا في يدك فإنّه لا حقّ لك فيه، قال: ثمّ ذهب فلم ير).(٩٦٤)
أقول: وتأتي أحاديث متعدّدة في هذا المعنى.
الحادي عشر: ما رواه الشيخ المفيد في كتاب (الإرشاد): إنّ ابن زياد أمر برأس الحسين عليه السلام فدير به في سكك الكوفة، قال: فروي عن زيد بن أرقم أنّه قال: مرّ بي وهو على رمح، وأنا في غرفة لي فلمّا حاذاني سمعته يقرأ: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً)(٩٦٥) فناديت: والله يابن رسول الله أمرك(٩٦٦) أعجب وأعجب.(٩٦٧)
أقول: هذا أعجب من الرجعة وأغرب؛ لأنّ عود الروح إلى مجموع البدن قد كثر وقوعه كما عرفت، وأمّا عودها إلى الرأس وحده فهو غريب غير معهود، فيزول به استبعاد الرجعة الموعود بها.
الثاني عشر: ما رواه علي بن إبراهيم في (تفسيره) قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وذكر حديث الإسراء إلى أن قال ـ: حتّى انتهينا إلى بيت المقدس، فدخلت المسجد فوجدنا إبراهيم وموسى وعيسى فيمن شاء الله من أنبياء الله قد جمعوا إليّ(٩٦٨) وأقمت(٩٦٩) الصلاة، وأخذ جبرئيل بيدي فقدّمني فأممتهم ولا فخر)(٩٧٠) الحديث.
وقد تقدّم أحاديث كثيرة في هذا المعنى.
الثالث عشر: ما رواه الراوندي في كتاب (الخرائج والجرائح) ـ في أعلام النبي والأئمّة عليهم السلام ـ: عن المنهال بن عمر، قال: رأيت رأس الحسين عليه السلام بدمشق وبين يديه رجل يقرأ:(٩٧١) (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً)(٩٧٢) فأنطق الله(٩٧٣) الرأس بلسان فصيح،(٩٧٤) فقال: (أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي).(٩٧٥)
الرابع عشر: ما رواه الراوندي أيضاً نقلاً من كتاب (بصائر الدرجات) لمحمّد بن الحسن الصفّار: عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي،(٩٧٦) عن ابن سنان، عن أبي حمزة الثمالي، عن ابن أبي شعبة الحلبي، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لقى أبا بكر فقال له: تعلم أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرك أن تسلّم عليَّ بإمرة المؤمنين، وأن تتّبعني؟ فجعل يشكّك عليه، فقال: إجعل بيني وبينك حكماً، فقال عليّ عليه السلام: أترضى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فقال: ومن لي به! فأخذ بيده حتّى أدخله مسجد قبا، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد في المحراب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألم آمرك أن تسلّم لعليّ وتتبّعه؟ قال: بلى، قال: فاعتزل وسلِّم إليه واتّبعه، قال: نعم، فلمّا رجع لقى صاحبه عمر فعرّفه الخبر، فقال له: أنسيت سحر بني هاشم(٩٧٧)؟ وذكّره بأشياء، فأمسك وقام على أمره إلى أن مات).(٩٧٨)
الخامس عشر: ما رواه أيضاً نقلاً عن (بصائر الدرجات) لمحمّد بن الحسن الصفّار: عن عمّار بن سليمان،(٩٧٩) عن أبيه، عن عيثم بن أسلم، عن معاوية بن عمّار، قال: دخل أبو بكر على أمير المؤمنين عليه السلام ـ وذكر كلاماً(٩٨٠) جرى بينهما ـ قال: فقال له عليّ عليه السلام: (إن أريتك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى يخبرك بأنّي أولى بالأمر منك، ويأمرك أن تعزل نفسك عنه تفعل؟) فقال: إن رأيته حتّى يخبرني ببعض هذا اكتفيت به، فقال له عليّ عليه السلام: (فنلتقي إذا صلّيت المغرب حتّى اُريكاه).
قال: فرجع إليه بعد المغرب، فأخذ بيده فأخرجه إلى مسجد قبا، فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس في القبلة، فقال له: (يا فلان وَثَبْتَ على مولاك وجلست مجلسه، وهو مجلس النبوّة لا يستحقّه غيري؛ لأنّه وصيّي، ونبذت أمري وخالفت ما قلته لك، وتعرّضت لسخط الله وسخطي، فانزع هذا السربال الذي تسربلته بغير حقّ ولا أنت من أهله، وإلا فموعدك النار)(٩٨١) الحديث. وفيه أنّ عمر منعه من ذلك.
قال: وروى الثقات عن أبي عبد الله عليه السلام مثل ذلك.(٩٨٢)
السادس عشر: ما رواه الصفّار أيضاً في (بصائر الدرجات) نقله عنه الراوندي: عن معاوية بن حكيم، عن الحسن بن علي الوشّا، عن الرضا عليه السلام، قال: قال لي بخراسان: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هاهنا فالتزمته).(٩٨٣)
السابع عشر: ما رواه الراوندي بعد رواية حديث(٩٨٤) (بصائر الدرجات) قال: وروى جماعة من أصحابنا ثلاث روايات عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام قالوا: (لمّا حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوفاة دخل عليّ عليه السلام فقال له: يا علي، إذا أنا متّ فغسّلني وكفّنّي وأقعدني وسائلني واحفظ عنّي).(٩٨٥)
قال: وقد قدّمنا ذلك بروايات سعد بن عبد الله.
الثامن عشر: ما رواه الراوندي في أواخر (الخرائج والجرائح) نقلاً من كتاب (بصائر الدرجات) لسعد بن عبد الله: عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن محمّد، عن علي بن معمّر، عن أبيه، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (جاء اُناس إلى الحسن(٩٨٦) بن علي عليهما السلام فقالوا: أرنا بعض عجائب أبيك التي كان يريناها، فقال: أتؤمنون بذلك؟ قالوا: نعم، قال: أليس تعرفون أمير المؤمنين عليه السلام؟ قالوا: بلى كلّنا نعرفه، فرفع لهم جانب الستر، فقال لهم: انظروا، فقالوا بأجمعهم: هذا والله أمير المؤمنين، ونشهد أنّك ابنه، وإنّه كان يرينا مثل ذلك كثيراً).(٩٨٧)
التاسع عشر: ما رواه الراوندي نقلاً عن (البصائر) لسعد بن عبد الله: عن عمران بن أحمد، عن يحيى بن اُمّ الطويل، عن رشيد الهجري، قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السلام بعد مضيّ أبيه، فتذاكرنا شوقنا إليه، فقال الحسن عليه السلام: (تريدون أن ترونه(٩٨٨)؟) قلنا: نعم وأنّى لنا بذلك؟ فضرب بيده إلى ستر كان معلّقاً على باب في صدر المجلس، فرفعه وقال: (انظروا إلى هذا البيت) فإذا أمير المؤمنين جالس كأحسن ما رأيناه في حياته، فقال: (هو هو) ثمّ أطلق الستر من يده، فقال بعضنا لبعض: هذا الذي رأيناه من الحسن عليه السلام مثل الذي شاهدناه من أمير المؤمنين عليه السلام ومعجزاته.(٩٨٩)
العشرون: ما رواه أيضاً نقلاً عن سعد بن عبد الله أنّه روي عن الباقر عليه السلام: (إنّ الناس جاءُوا بعد الحسن عليه السلام إلى الحسين عليه السلام فقالوا: يابن رسول الله ما عندك من عجائب أبيك التي كان يريناها؟ فقال: هل تعرفون أبي؟ فقالوا: كلّنا نعرفه، فرفع ستراً كان على باب البيت، ثمّ قال: انظروا في البيت، فنظرنا فإذا أمير المؤمنين عليه السلام، فقلنا: نشهد أنّه خليفة الله حقّاً وأنّك ولده).(٩٩٠)
الحادي والعشرون: ما رواه أيضاً نقلاً من (بصائر الدرجات) للصفّار: عن أحمد بن محمّد بن عيسى،(٩٩١) عن الحسين بن سعيد،(٩٩٢) عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن سماعة، قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا اُحدّث نفسي، فقال: (ما لك تحدِّث نفسك تريد أن ترى أبا جعفر عليه السلام؟) قلت: نعم، قال: (قم فادخل هذا البيت فانظر) فدخلت(٩٩٣) فإذا أبو جعفر عليه السلام معه قوم من الشيعة من الذين ماتوا قبله وبعده.(٩٩٤)
الثاني والعشرون: ما رواه أيضاً عن الصفّار، عن الحسن بن علي بإسناده قال: سئل الحسين عليه السلام(٩٩٥) بعد موت أمير المؤمنين عليه السلام أن(٩٩٦) يريهم شيئاً من العجائب فقال: (أتعرفون أمير المؤمنين عليه السلام إذا رأيتموه؟) قالوا: نعم، قال: (فارفعوا هذا الستر) فرفعوه فإذا هو لا ينكرونه فكلّمهم وكلَّموه).(٩٩٧)
الثالث والعشرون: ما رواه أيضاً عن الصفّار، عن محمّد بن عيسى، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن عبيد بن عبدالرحمن الخثعمي،(٩٩٨) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (خرجت مع أبي عليه السلام إلى بعض أمواله، فلمّا صرنا في الصحراء استقبله شيخ، فنزل إليه أبي وسلّم عليه، فسمعناه يقول له: جعلت فداك ـ ثمّ تحادثا طويلاً ـ ثمّ ودّعه أبي، فقام الشيخ وانصرف، وإنّا لننظر إليه حتّى غاب شخصه عنّا، فقلت لأبي: من هذا؟ قال: هذا جدّك الحسين عليه السلام).(٩٩٩)
الرابع والعشرون: ما رواه ابن بابويه في (عيون الأخبار) ـ في باب ثواب زيارة الرضا عليه السلام ـ: عن أحمد بن محمّد بن إبراهيم، عن داود البكري، عن علي بن دعبل بن علي الخزاعي، قال: لمّا حضرت أبي الوفاة تغيّر لونه واسودّ وجهه، فرأيته بعد ذلك فيما يرى النائم، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: إنّ الذي رأيته من سواد وجهي لم يزل حتّى لقيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.(١٠٠٠) الحديث.
أقول: ظاهره أنّه رآه وقت الإحتضار كغيره، وفيه مكالمات جرت بينهما.
الخامس والعشرون: ما رواه الكليني ـ في باب أنّ المؤمن لا يُكره على أخذ روحه ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن سدير الصيرفي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: هل يُكره المؤمن على أخذ روحه؟ قال: (لا والله، إذا جاءه ملك الموت لقبض روحه جزع عند ذلك، فيقول له ملك الموت:(١٠٠١) يا وليّ الله لا تجزع ـ إلى أن قال ـ ويمثل له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ذريّتهم عليهم السلام).(١٠٠٢) الحديث.
السادس والعشرون: ما رواه الكليني أيضاً ـ في باب ما يعاين المؤمن والكافر ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن فضّال، عن علي بن عقبة، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أنّه قال له بعدما سأله عن حال المحتضر بعد ما سأله سبع عشرة مرّة، فقال: (يراهما والله) فقال: مَنْ هما؟ قال: (رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام)(١٠٠٣) ثمّ ذكر ما يجري(١٠٠٤) بينهم من السؤال والجواب.
السابع والعشرون: ما رواه الكليني ـ أيضاً في الباب المذكور ـ: عن علي بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن خالد بن عمّار، عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا حيل بينه وبين الكلام أتاه رسول الله ومن شاء الله) ـ ثمّ ذكر ما يجري(١٠٠٥) بينهم من الخطاب ـ إلى أن قال: (فإذا وضع في قبره ردّ إليه الروح إلى وركيه).(١٠٠٦) الحديث.
الثامن والعشرون: ما رواه أيضاً فيه: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال، عن يونس بن يعقوب، عن سعيد بن يسار أنّه حضر أحد ابني سابور عند موته فبسط يده ثمّ قال: ابيضّت يدي يا علي، فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فسألني عن ذلك فأخبرته، فقال: (رآه والله).(١٠٠٧)
التاسع والعشرون: ما رواه فيه: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عمّن سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول في حديث المحتضر: (إذا كان ذلك واحتضر، حضره(١٠٠٨) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام) ثمّ ذكر ما يكون بينهم من المحاورات والبشارة للمؤمن وغير ذلك.(١٠٠٩) الحديث.
وفيه: إنّ الكافر أيضاً يرى الرسول وأمير المؤمنين عليهما السلام عند موته.(١٠١٠)
ورواه الحسن بن سليمان نقلاً من كتاب (القائم) للفضل بن شاذان: عن محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن سنان،(١٠١١) عن عمّار بن مروان، عن زيد الشحّام، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله.(١٠١٢)
الثلاثون: ما رواه الكليني أيضاً في الباب المذكور: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن ابن مسكان، عن عبد الرحيم، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: حدّثني صالح بن ميثم، عن عباية الأسدي أنّه سمع عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: (والله لا يبغضني عبد أبداً فيموت على بغضي إلا رآني عند موته حيث يكره، ولا يحبّني عبد أبداً فيموت على حبّي إلا رآني عند موته حيث يحبّ) فقال أبو جعفر عليه السلام: (نعم ورسول الله باليمين).(١٠١٣)
الحادي والثلاثون: ما رواه أيضاً فيه: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن محمّد، عن معاوية بن وهب، عن يحيى بن سابور، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في المؤمن: (تدمع عيناه عند الموت، فقال: ذلك(١٠١٤) عند معاينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم)(١٠١٥) الحديث.
الثاني والثلاثون: ما رواه أيضاً فيه: عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمّد الكندي، عن أبان بن عثمان، عن عقبة، عن أبي عبد الله عليه السلام: (إنّ الرجل إذا وقعت نفسه هاهنا ـ أي في صدره ـ يرى)(١٠١٦) قلت: وما يرى؟ قال: (يرى رسول الله وأمير المؤمنين عليهما السلام).(١٠١٧) الحديث.
الثالث والثلاثون: ما رواه أيضاً فيه: عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبدالعزيز العبدي، عن عبد الله بن أبي يعفور، أنّه حضر بعض النواصب(١٠١٨) عند موته فسمعه يقول: ما لي ولك يا علي؟ فاُخبر بذلك أبا عبد الله عليه السلام فقال: (رآه والله).(١٠١٩)
ثمّ قال: (إذا بلغت نفس أحدكم هذه يقال له: رسول الله وعليّ(١٠٢٠) أمامك).(١٠٢١)
الرابع والثلاثون: ما رواه فيه: عن أبي علي الأشعري، عن محمّد بن عبدالجبّار، عن صفوان بن يحيى، عن أبي المستهل،(١٠٢٢) عن محمّد بن حنظلة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: إنّ المحتضر يرى رسول الله وأمير المؤمنين وجبرئيل عليهم السلام. وذكر ما يقول لهم وما يقولون له.(١٠٢٣)
أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة جدّاً، وقد روى البرقي في (المحاسن) كثيراً من الأحاديث في هذا المعنى.
وقد تأوّلها الشيخ المفيد بالحمل على معرفة المحتضر بثمرة ولايتهما عليهما السلام، وهذا كما ترى بعيد جدّاً بل لا وجه له أصلاً، وقد احتجّ لذلك باستحالة حلول الجسم الواحد في مكانين في وقت واحد، وما ذكره هنا مدفوع:
أمّا أوّلاً: فلعدم معارض لهذه الأحاديث من كلامهم:.
وأمّا ثانياً: فلإمكان حضوره عليه السلام في مكان معيّن، يراه كلّ محتضر تلك الساعة.
كما روى ابن بابويه وغيره: (إنّ ملك الموت سُئل كيف تقبض الأرواح من المشرق والمغرب؟ فقال: إنّ الدنيا بين يدي كالقصعة بين يدي أحدكم يتناول منها ما يشاء).(١٠٢٤)
وأمّا ثالثاً: فلأنّه يمكن أن يكون مخصوصاً بالمؤمن الكامل، والكافر الكامل، ومثل هذا لا يتّفق في كلّ شهر مرّة.
وأمّا رابعاً: فلأنّ الأحاديث دالّة على الرؤية الحقيقيّة، لما فيها من ذكر الخطاب والعتاب والسؤال والجواب والإشراف والإقتراب، والمجيء والذهاب.
وأمّا خامساً: فلما مرّ من عدم جواز التأويل بغير نصّ ودليل.
وأمّا سادساً: فلأنّ الله قد أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام من القدرة والفضل ما لم يعطه أحداً، وما لا يمكن وصفه، وما هو أعظم ممّا ذكر، كما يدلّ عليه (اُصول الكافي) و(بصائر الدرجات) وغيرهما.
وأمّا سابعاً: فلأنّ أحوال تلك النشأة ـ أي ما بعد الموت ـ لا يلزم مساواتها(١٠٢٥) لأحوال هذه النشأة، بل لا شكّ في اختلافها(١٠٢٦) في أكثر الأحكام.
وأمّا ثامناً: فلأنّ الله قد أعطى ملك الموت ومنكراً ونكيراً مثل هذه القدرة، فلا ينكر أن يعطي النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة مثلها بل ما هو أعظم منها.
وأمّا تاسعاً: فلما روي من الأحاديث عنه عليه السلام: (من رآني فقد رآني حقّاً)(١٠٢٧) وفي بعض الأحاديث: (من رآني في منامه فقد رآني)(١٠٢٨) والأخبار به كثيرة.
وبالجملة فالحمل على الظاهر هنا ممكن بل واجب متعيّن، لعدم الصارف ووجود المانع من الصرف عن الظاهر والله أعلم.
الخامس والثلاثون(١٠٢٩): ما رواه الكليني ـ في باب أنّ الأئمّة عليهم السلام يزدادون في ليلية الجمعة ـ: عن أحمد بن إدريس، عن الحسن بن علي الكوفي، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن أيّوب، عن أبي يحيى الصنعاني، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قال لي: (يا أبا يحيى، إنّ لنا في ليالي الجمعة لشأناً من الشأن) قلت: وما ذاك؟ قال: (يُؤذن لأرواح الأنبياء الموتى، وأرواح الأوصياء الموتى، وروح الوصي الذي بين أظهركم يُعرج بها إلى السماء حتى توافي عرش ربّها فتطوف به اُسبوعاً، ثمّ تصلّي عند كلّ قائمة ركعتين، ثمّ تُردّ إلى الأبدان التي كانت فيها)(١٠٣٠) الحديث.
السادس والثلاثون: ما رواه الثقة الجليل سعيد بن هبة الله الراوندي في كتاب (قصص الأنبياء) بإسناده عن ابن بابويه، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام: (إنّ الله أوحى إلى نبيّ من أنبياء بني إسرائيل يقال له: ارميا: إنّ بني إسرائيل عملوا بالمعاصيّ، فلاُسلّطنّ عليهم من يسفك دماءهم ويأخذ أموالهم، ولاُخرّبنَّ مدينتهم ـ يعني بيت المقدس ـ مائة عام، ثمّ لاُعمّرنّها ـ إلى أن قال ـ: فخرج أرميا فلمّا كان مدّ البصر التفت إلى البلدة فقال: (أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِاْئَةَ عَام)(١٠٣١) ثمّ بعثه حيّاً سويّاً).(١٠٣٢)
السابع والثلاثون: ما رواه أيضاً في (قصص الأنبياء): بإسناده عن وهب بن منبّه في حديث أرميا(إنّ الله أوحى إليه: أن ألحق بإيليا، فانطلق إليه حتى إذا رفع له بيت المقدس، فرأى خراباً عظيماً قال: (أَنَّى يُحْيِيْ هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا)(١٠٣٣) فنزل في ناحية واتّخذ مضجعاً، ثمّ نزع الله روحه وأخفى مكانه على جميع الخلائق مائة عام ـ إلى أن قال ـ: ثمّ أمر الله عظام أرميا أن تُحيى، فقام حيّاً كما ذكر الله تعالى في كتابه).(١٠٣٤)
الثامن والثلاثون: ما رواه أيضاً فيه: بإسناده عن ابن بابويه، عن جعفربن محمّد بن شاذان، عن أبيه، عن الفضل بن شاذان، عن محمّد بن زياد أبي أحمد الأزدي ـ يعني ابن أبي عمير ـ عن أبان بن عثمان، عن أبان بن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: بعث الله جرجيس عليه السلام إلى ملك بالشام يعبد صنماً، فدعاه إلى الله فعذّبه عذاباً شديداً، فأوحى الله إليه: يا جرجيس اصبر وأبشر ولا تخف، إنّ الله معك يخلّصك وإنّهم يقتلونك أربع مرّات، في كلّ مرّة أدفع عنك الألم والأذى.
فأمر الملك بجرجيس إلى السجن وعذّبه بألوان العذاب، ثمّ قطّعه قطعاً وألقاها في جبّ، فأمر الله ميكائيل فقام على رأس الجبّ، ثمّ قال: قم يا جرجيس حيّاً سويّاً، وأخرجه من الجبّ، فانطلق جرجيس حتّى قام بين يدي الملك، وقال: بعثني الله إليكم ليحتجّ بي عليكم، فقام صاحب الشرطة وقال: آمنت بإلهك الذي بعثك بعد موتك، واتّبعه أربعة آلاف وآمنوا وصدّقوا جرجيس فقتلهم الملك جميعاً.
ثمّ أمر بلوح من نحاس أوقد عليه النار، فبسط عليه جرجيس وأوقد عليه النار(١٠٣٥) حتّى مات وأمر برماده فذرّ في الرياح، فأمر الله ميكائيل فنادى جرجيس صلوات الله عليه إلى الملك.
فأمر به الملك فمدّ بين خشبتين، ووضع المنشار على رأسه حتّى سقط المنشار من تحت رجليه، ثمّ أمر بقدر فألقى فيها زفت وكبريت ورصاص، وألقى فيها جسد جرجيس عليه السلام، فطبخ حتّى اختلط ذلك كلّه جميعاً، فبعث الله إسرافيل فصاح صيحة خرّ منها الناس لوجوههم، ثمّ قال: قم يا جرجيس، فقام حيّاً سويّاً بقدرة الله.
وانطلق جرجيس إلى الملك فجاءته امرأة، فقالت: كان لنا ثور نعيش به فمات، فقال لها جرجيس: خذي عصاي هذه فضعيها على ثورك، وقولي: إنّ جرجيس يقول: قم بإذن الله. ففعلت فقام حيّاً، فآمنت بالله، فأمر به الملك أن يقتل بالسيف، فضربوا عنقه فمات ثمّ أسرعوا إلى القرية فهلكوا كلّهم.(١٠٣٦)
التاسع والثلاثون: ما رواه أيضاً فيه: عن ابن بابويه، عن محمّد بن شاذان بن أحمد البرواذي،(١٠٣٧) عن محمّد بن محمّد بن الحارث، عن صالح بن سعيد الترمذي، عن منعم بن إدريس، عن وهب بن منبّه، عن ابن عبّاس ـ في حديث طويل يقول فيه ـ: إنّ إلياس عليه السلام نزل فاستخفى عند اُمّ يونس عليه السلام ستّة أشهر، ثمّ عاد إلى مكانه، فلم يلبث إلا يسيراً حتّى مات ابنها حين فطمته، فعظمت مصيبتها، فخرجت في طلب إلياس ورقت الجبال حتّى وجدت إلياس.
فقالت: إنّي فجعت بإبني وقد ألهمني الله أن أستشفع بك ليحيي لي ابني، فقال لها: ومتى مات؟ قالت: اليوم سبعة أيّام، فانطلق إلياس، وسار سبعة أيّام اُخرى حتّى انتهى إلى منزلها، فرفع يديه بالدعاء واجتهد حتّى أحيا الله تعالى بقدرته يونس عليه السلام، فلمّا عاش انصرف إلياس، ولمّا صار ابن أربعين سنة أرسله الله تعالى إلى قومه كما قال: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ)(١٠٣٨).(١٠٣٩)
الأربعون: ما رواه أيضاً فيه: عن ابن بابويه، عن محمّد بن يوسف المذكر، عن الحسن بن علي بن نصر الطوسي،(١٠٤٠) عن أبي الحسن بن قرعة القاضي،(١٠٤١) عن زياد بن عبد الله،(١٠٤٢) عن محمّد بن إسحاق، عن إسحاق بن يسار، عن عكرمة، عن ابن عبّاس في حديث أهل الكهف: إنّهم لمّا أووا إلى الكهف أوحى الله إلى ملك الموت أن يقبض أرواحهم، ووكّل بكلّ رجل منهم ملكين يقلّبانه ذات اليمين وذات الشمال، فمكثوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين، فلمّا أراد الله أن يحييهم أمر إسرافيل الملك أن ينفخ فيهم الروح، فنفخ فقاموا من رقدتهم، فقال بعضهم لبعض: قد غفلنا في هذه الليلة(١٠٤٣) الحديث.
الحادي والأربعون: ما رواه أيضاً فيه: بإسناده عن ابن بابويه، عن محمّد بن إبراهيم الطالقاني، عن ابن عقدة،(١٠٤٤) عن أحمد بن عيسى، عن البزنطي، عن أبان بن عثمان، عن محمّد الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث عيسى عليه السلام: (إنّهم سألوه أن يُحيي لهم سام بن نوح فأتى إلى قبره، فقال: قم يا سام بإذن الله، فانشقّ القبر، ثمّ أعاد الكلام فتحرّك، ثمّ أعاد الكلام فخرج سام، فقال: أيّما أحبّ إليك تبقى أو تعود؟ قال: بل أعود يا روح الله، إنّي لأجد لذعة الموت في جوفي إلى يومي هذا).(١٠٤٥)
أقول: والأحاديث في هذا المعنى وغيره من المعاني السابقة كثيرة، وقد ظهر من هذا الباب والذي قبله أنّ الرجعة قد وقعت في هذه الاُمّة للرعية وأهل العصمة في الجملة،(١٠٤٦) فيزول(١٠٤٧) استبعاد الرجعة الموعود بها.
فإن قيل: لعلّ هذه هي الرجعة الموعود بها، والتي يحصل بها مساواة أحوال هذه الاُمّة لأحوال الاُمم السابقة، كما تضمّنه الباب الرابع.
قلت: هذا خيال باطل من وجوه:
أحدها: إنّ هذه رجعة ضعيفة لا يكاد يعتدّ بها، بل بعضها ليس برجعة حقيقيّة، ولهذا قلنا في سائر المواضع: إنّها رجعة في الجملة، فهي غير الرجعة الموعود بها فيما مضى ويأتي.
وثانيها: إنّك لا تجد في شيء من أحاديث البابين أنّ أحداً منهم رجع إلى الدنيا وعاش فيها زماناً طويلاً إلا نادراً، والنادر لا حكم له، فكيف تصدق المشابهة وحذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة؟.
وثالثها: إنّ هذه الوقائع أفراد معدودة في مدد(١٠٤٨) متطاولة، فكيف تساوى أو تقارب تلك الرجعات العظيمة الهائلة،(١٠٤٩) التي رجع في بعضها خمسة وثلاثون ألفاً، وفي بعضها سبعون ألفاً، وفي بعضها جميع بني إسرائيل، وفي بعضها سبعون ألف بيت. إلى غير ذلك ممّا مضى، فلابدّ من الحكم بالمغايرة.
ورابعها: الإجماع فإنّ كلّ من قال: بأنّ الرجعة حقّ قال بالمغايرة، وقد ثبت أنّ الرجعة حقّ فتثبت(١٠٥٠) المغايرة، وكلّ من قال ببطلان الرجعة من العامّة، قال بصحّة هذه الصور ووجودها(١٠٥١) ونقلها، فلهذا أوردناها حجّة عليهم في الاستبعاد فضلاً عن الإنكار.
وخامسها: إنّ الأحاديث الواردة في الأخبار بالرجعة، والوعد بوقوعها قد وردت قبل وقوع هذه الوقائع وبعدها، حتّى في زمان المهدي عليه السلام كما يأتي إن شاء الله تعالى.
وسادسها: إنّ أحاديث الباب الرابع تدلّ على أنّ كلّ ما وقع في الاُمم السابقة(١٠٥٢) يقع في هذه الاُمّة مثله، أو ما هو أعظم منه وأفضل وأزيد،(١٠٥٣) ووجهه واضح، فإنّ نبيّنا صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الأنبياء، واُمّته أشرف الاُمم، ألا ترى إلى الغيبة وأمثالها ممّا وقع منه في هذه الاُمّة أضعاف ما وقع في الاُمم السابقة؟!.
وسابعها: إنّ التصريحات بما يدفع هذا الخيال ويبطله ويردّه أكثر من أن يحصى، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى والله الهادي.

الباب التاسع: في جملة من الأحاديث المعتمدة الواردة في الإخبار بوقوع الرجعة لجماعة من الشيعة وغيرهم من الرعية، وما يدلّ على إمكانها وعدم جواز إنكارها

والأحاديث في ذلك كثيرة جدّاً، وقد وقفت في هذه الأيّام على شيء كثير ولم اُورد الجميع لما مرّ، بل اقتصرت من ذلك على أحاديث:
الأوّل: ما رواه الشيخ الجليل(١٠٥٤) رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (من لا يحضره الفقيه) وفي (عيون الأخبار) والشيخ الجليل رئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في كتاب (التهذيب) بأسانيدهما الصحيحة: عن محمّد بن إسماعيل البرمكي، عن موسى بن عبد الله النخعي،(١٠٥٥) قال: قلت لعلي بن محمّد بن علي بن موسى عليهم السلام: علّمني قولاً أقوله بليغاً كاملاً(١٠٥٦) إذا زرت واحداً منكم.
فقال: (إذا صرت إلى الباب فقف واشهد الشهادتين ـ وذكر الزيارة الجامعة ـ إلى أن قال: (فثبّتني الله أبداً ما بقيت على موالاتكم، وجعلني ممّن يقتصّ(١٠٥٧) آثاركم، ويسلك سبيلكم، ويهتدي بهداكم، ويحشر في زمرتكم، ويكرّ في رجعتكم، ويملّك في دولتكم، ويشرّف في عافيتكم، ويمكّن في أيّامكم، وتقرّ عينه غداً برؤيتكم).(١٠٥٨)
الثاني: ما رواه ابن بابويه والشيخ بالإسناد السابق: عن الإمام علي بن محمّد عليهما السلام في زيارة الوداع: (إذا أردت الإنصراف فقل: السلام عليكم سلام مودِّع ـ إلى أن قال ـ السلام عليكم حشرني الله في زمرتكم، وأوردني حوضكم، وجعلني من حزبكم، ومكّنني في دولتكم، وأحياني في رجعتكم، وملّكني في أيّامكم).(١٠٥٩)
أقول: في هذين الحديثين وأمثالهما ممّا يأتي وهو كثير، دلالة على أنّ رجعة الشيعة ليست بعامّة، بل إنّما يرجع بعضهم، وإلا لكان الدعاء بغير فائدة، كما لايجوز أن يقال: اللهمّ ابعثني يوم القيامة، واحشرني في الآخرة.
ويأتي ما هو صريح فيما قلناه إن شاء الله.
الثالث: ما رواه ابن بابويه أيضاً في كتاب (معاني الأخبار) ـ قبل آخر الكتاب باثنتي عشرة ورقة في النسخة المنقول منها في باب معنى أيّام الله عزّ وجلّ ـ قال: حدّثنا أبي؛، قال: حدّثنا عبد الله بن جعفر الحميري، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن محمّد بن أبي عمير، عن مثنّى الحنّاط، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام، قال: (أيّام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم، ويوم الكرّة، ويوم القيامة).(١٠٦٠)
ورواه في كتاب (الخصال) ـ في باب الثلاثة ـ: عن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن الحسن الميثمي،(١٠٦١) عن مثنّى الحنّاط،(١٠٦٢) عن أبي جعفر عليه السلام مثله.(١٠٦٣)
ورواه الشيخ علي بن يونس في كتاب (الصراط المستقيم) نقلاً من كتاب الحضرمي.(١٠٦٤)
أقول: في هذا تصريح ببطلان تأويل الرجعة بخروج المهدي عليه السلام ورجوع الدولة، ويأتي ما هو أقوى تصريحاً إن شاء الله تعالى، مع ما تقدّم من تصريح علماء اللغة بمعناها.
وليس في سند الرواية من يحصل فيه شكّ أو يوجد فيه طعن، فإنّ إبراهيم بن هاشم والمثنّى ممدوحان مدحاً جليلاً مع صحّة مذهبهما، بل لا يبعد الجزم بتوثيقهما عند التحقيق، والباقي في غاية الجلالة والثقة، وصحّة المذهب والحديث.
الرابع: ما رواه الشيخ الطوسي في (المصباح الكبير) ـ في فضل الزيارات(١٠٦٥) في عمل رجب ـ حيث قال: زيارة رواها ابن عيّاش قال: حدّثني حسين بن عبد الله، عن مولاه ـ يعني أبا القاسم الحسين بن روح أحد السفراء ـ قال: زر أيّ المشاهد كنت بحضرتها في رجب، تقول: (الحمد لله الذي أشهدنا مشهد أوليائه في رجب ـ إلى أن قال ـ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حتّى العود إلى حضرتكم، والفوز في كرّتكم، والحشر في زمرتكم.(١٠٦٦)
الخامس: ما رواه الشيخ أيضاً في (المصباح) ـ في أعمال شهر ذي الحجّة زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ـ: قال أبو جعفر الباقر عليه السلام: (مضى أبي علي بن الحسين عليه السلام إلى قبر أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ بكى وقال: (السلام عليك يا أمين الله في أرضه) وذكر الزيارة ثمّ قال: قال الباقر عليه السلام: (ما قاله أحد من شيعتنا عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام أو أحد(١٠٦٧) من الأئمّة عليهم السلام إلا وضع(١٠٦٨) في درج من نور(١٠٦٩) حتّى يسلّم إلى القائم عليه السلام، فيلقى صاحبه بالبشرى والتحية والكرامة إن شاء الله تعالى).(١٠٧٠)
ورواه الكفعمي في (مصباحه)(١٠٧١) وكذا ما قبله.
أقول: الظاهر أنّه يسلّم إلى القائم عليه السلام بعد ظهوره بقرينة الطبع وغيره، وإنّ ضمير (يلقى) عائد إليه عليه السلام، بل لا يحتمل غير ذلك، فهو وعد بالرجعة وإخبار بها لمن زار بالزيارة المذكورة على تقدير موته قبل خروجه عليه السلام، مضافاً إلى التصريحات الكثيرة.
السادس: ما رواه الشيخ في (المصباح) والكفعمي أيضاً في (مصباحه) ـ في أدعية يوم الجمعة ـ في دعاء السمات المروي عن العمري رضي الله عنه: (اللهمّ إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم الأعزّ(١٠٧٢) الأجلّ الأكرم الذي إذا دُعيت به على مغالق أبواب السماء للفتح بالرحمة انفتحت، وإذا دعيت به على مضايق أبواب الأرض للفرج انفرجت، وإذا دعيت به على العسر(١٠٧٣) لليسر تيسّرت، وإذا دعيت به على الأموات للنشور انتشرت)(١٠٧٤) الدعاء.
أقول: لا شكّ أنّهم: يعلمون ذلك الإسم، فإذا دعا المهدي عليه السلام به نشر الله له الأموات، فهو دالّ على إمكان الرجعة قطعاً، وعلى وقوعها أيضاً، باعتبار أنّ (إذا) موضوعة لما هو محقّق الوقوع كما تقرّر، فهو مؤيّد للتصريحات الكثيرة.
السابع: ما رواه الشيخ أيضاً في (المصباح) والكفعمي أيضاً ـ في أعمال ذي القعدة في يوم الخامس والعشرين منه ـ أنّه يستحبّ أن يُدعى فيه بهذا الدعاء: (اللهمّ داحي الكعبة ـ إلى أن قال ـ وأشهدني أولياءك عند خروج نفسي، وحلول رمسي، وانقطاع عملي،(١٠٧٥) وانقضاء أجلي ـ إلى أن قال ـ اللهمّ عجِّل فرج أوليائك واردد عليهم مظالمهم، وأظهر بالحقّ قائمهم.
ثمّ قال: اللهمّ صلِّ عليه وعلى جميع آبائه، واجعلنا من صحبه، وابعثنا في كرّته، حتّى نكون في زمانه من أعوانه).(١٠٧٦)
الثامن: ما رواه الشيخ أيضاً في (المصباح) ـ في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ـ إلى أن قال: فقلبي لك(١٠٧٧) مسلّم ونصرتي لك(١٠٧٨) معدّة.
ثمّ قال: (اللهمّ كما مننت عليَّ بزيارة أمير المؤمنين وولايته، فاجعلني ممّن ينصره وينتصر به، وتمنّ عليه بنصرك لدينك في الدنيا والآخرة).(١٠٧٩)
ورواه الشيخ أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه في (المزار) بالإسناد الآتي عن أبي الحسن عليه السلام.(١٠٨٠)
ورواه الكفعمي في (مصباحه) في الفصل الحادي والأربعين.(١٠٨١)
التاسع: ما رواه الشيخ أيضاً في (المصباح) ـ في زيارة الأربعين للحسين عليه السلام بالإسناد الآتي في محلّه ـ: عن الصادق عليه السلام في جملة زيارة (أشهد أنّي بكم مؤمن وبإيابكم(١٠٨٢) موقن ـ إلى أن قال ـ ونصرتي لكم معدّة حتّى يأذن الله لكم، فمعكم معكم لا مع عدوّكم).(١٠٨٣)
العاشر: ما رواه الكليني ـ في باب زيارة الحسين عليه السلام ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن نعيم بن الوليد، عن يوسف الكناسي،(١٠٨٤) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام فقل ـ وذكر الزيارة إلى أن قال ـ: اللهمّ العن قتلة الحسين، اللهمّ اجعلنا ممّن ينصره وينتصر به، وتمنّ عليه بنصرك لدينك في الدنيا والآخرة).(١٠٨٥)
الحادي عشر: ما رواه الكليني ـ في باب أنّ الأئمّة عليهم السلام ورثوا علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجميع الأنبياء والأوصياء: ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن أبي زاهر أو غيره، عن محمّد بن حمّاد، عن أخيه أحمد بن حمّاد، عن أبيه، عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورث النبيّين كلّهم؟ قال: (نعم) قلت: إنّ عيسى بن مريم كان يُحيي الموتى؟ قال: (صدقت، وداود(١٠٨٦) كان يعلم منطق الطير، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقدر على هذه المنازل ـ إلى أن قال ـ: وإنّ الله يقول في كتابه: (وَلَوْ أَنَّ قُرآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى)(١٠٨٧) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي تسيّر به الجبال، وتقطّع به الأرض، وتُحيى به الموتى)(١٠٨٨) الحديث.
أقول: في هذا دلالة واضحة على إمكان الرجعة وعدم جواز إنكارها.
الثاني عشر: ما رواه الكليني أيضاً ـ في باب ما أعطى الله الأئمّة عليهم السلام من الإسم الأعظم ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد، عن زكريا بن عمران القمّي، عن هارون بن الجهم، عن رجل، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنّ عيسى بن مريم عليه السلام اُعطي حرفين كان يعمل بهما ـ ثمّ ذكر ما اُعطي(١٠٨٩) الأنبياء(١٠٩٠) ـ وإنّ الله جمع ذلك كلّه لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم)(١٠٩١) الحديث.
أقول: وهذا يدلّ على إمكان الرجعة أيضاً، بل وقوعها عند التحقيق.
الثالث عشر: ما رواه الكليني ـ في باب مولد أبي جعفر محمّد بن علي الباقر عليه السلام ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن علي بن الحكم، عن مثنّى الحنّاط، عن أبي بصير، قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام، فقلت له: أنتم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: (نعم) قلت: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورث الأنبياء كلّهم، عَلِمَ كلّ ما علموا؟ قال: (نعم) قلت: فأنتم تقدرون أن تحيوا الموتى وتبرئوا الأكمه والأبرص؟ قال: (نعم بإذن الله).
ثمّ قال لي: (إدن منّي يا أبا محمّد) فدنوت منه، فمسح على وجهي وعلى عيني فأبصرت الشمس والسماء، والبيوت وكلّ شيء في البلد، ثمّ قال لي: (أتحبّ أن تكون هكذا ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنّة خالصاً؟) فقلت: أعود كما كنت، فمسح على عيني، فعدت كما كنت.(١٠٩٢)
ورواه الراوندي في (الخرائج والجرائح).(١٠٩٣)
ورواه علي بن عيسى في (كشف الغمّة) نقلاً من كتاب (الدلائل) لعبد الله بن جعفر الحميري.(١٠٩٤)
ورواه الكشّي في (كتاب الرجال): عن محمّد بن مسعود العيّاشي، عن علي بن محمّد القمّي،(١٠٩٥) عن محمّد بن أحمد، عن علي بن الحسن،(١٠٩٦) عن علي بن الحكم مثله.(١٠٩٧)
وهذا أيضاً دالّ على إمكان الرجعة وعدم جواز إنكارها.
الرابع عشر: ما رواه الكليني أيضاً ـ في باب الدعاء في حفظ القرآن ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عمّن ذكره، عن عبد الله بن سنان، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام ـ وذكر الدعاء يقول فيه ـ: (وأسألك باسمك الذي تحيي به الموتى).(١٠٩٨)
أقول: ومثل هذا كثير جدّاً.
الخامس عشر: ما رواه رئيس المحدّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (علل الشرائع والأحكام) ـ في باب العلّة التي من أجلها سمّي عليّ أمير المؤمنين عليه السلام، والعلّة التي من أجلها سمّي القائم قائماً ـ قال: حدّثنا علي بن أحمد بن محمّد الدقّاق ومحمّد بن محمّد بن عصام، قالا: حدّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدّثنا القاسم بن العلاء، قال: حدّثنا إسماعيل الفزاري، قال: حدّثنا محمّد بن جمهور العمّي،(١٠٩٩) عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عمّن ذكره، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام وذكر حديثاً يقول فيه: (لمّا قتل جدّي الحسين عليه السلام ضجّت الملائكة إلى الله بالبكاء، فأوحى الله إليهم: قرّوا ملائكتي، وعزّتي وجلالي لأنتقمنّ منهم ولو بعد حين، ثمّ كشف الله عزّ وجلّ عن الأئمّة من ولد الحسين: فإذا أحدهم قائم يصلّي، فقال الله عزّ وجلّ: بذلك القائم أنتقم منهم).(١١٠٠)
أقول: الحصر الذي يفهم من التقديم هنا يتعيّن كونه إضافياً بالنسبة إلى الوقت الذي ضجّت فيه الملائكة، وأرادوا تعجيل الإنتقام منهم فيه لما يأتي إثباته إن شاء الله، على أنّ الحصر الذي يفهم من التقديم ضعيف الدلالة، بل لا يتعيّن هنا كون التقديم هنا للحصر والتخصيص، بل لا يبعد كونه لمجرّد الاهتمام، خصوصاً مع كثرة المعارضات، وهذا يدلّ على رجوع قتلة الحسين عليه السلام في زمان القائم عليه السلام، كما يأتي التصريح به إن شاء الله.
السادس عشر: ما رواه ابن بابويه أيضاً في (العلل) ـ في باب نوادر العلل ـ قال: حدّثنا محمّد بن علي ماجيلويه، عن محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمّد بن سليمان،(١١٠١) عن داود بن النعمان، عن عبد الرحمن القصير،(١١٠٢) قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (أما لو قد قام قائمنا لقد ردّت إليه الحميراء حتّى يجلدها، وحتّى ينتقم لاُمّه فاطمة منها) قلت: جعلت فداك ولِمَ يجلدها الحدّ؟ قال: (لفريتها على اُمّ إبراهيم) قلت: فكيف أخّر الله ذلك إلى القائم؟ قال: (إنّ الله بعث محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم رحمةً ويبعث القائم عليه السلام نقمة).(١١٠٣)
السابع عشر: ما رواه الشيخ أبو علي الحسن ابن الشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي في (الأمالي): بإسناده عن أبي ذرّ الغفاري أنّه أخذ بحلقة باب الكعبة واستند إليها ثمّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من قاتلني في الاُولى وقاتل أهل بيتي في الثانية، حشره الله في الثالثة مع الدجّال، وإنّما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة(١١٠٤) نوح من ركبها نجا ومن تخلّف(١١٠٥) عنها غرق).(١١٠٦)
أقول:(١١٠٧) إمّا أن يراد بالثانية والثالثة الرجعة كما روي في قتلة الحسين عليه السلام أنّهم يرجعون مراراً، أو يراد بالثالثة وحدها الرجعة، وعلى كلّ حال فالمقصود ثابت.
الثامن عشر: ما رواه أيضاً في (الأمالي): بإسناده عن سفيان بن إبراهيم الغامدي،(١١٠٨) عن جعفر بن محمّد عليه السلام قال: (بنا يبدأ البلاء ثمّ بكم، وبنا يبدأ الرخاء ثمّ بكم، والذي يُحلف به لينتصرنّ الله بكم كما انتصر بالحجارة).(١١٠٩)
أقول: ضمير جمع المخاطبين وغيره من الألفاظ يجب حمله على الحقيقة حتّى يتحقّق قرينة مانعة قطعاً، وذلك يستلزم رجوع المخاطبين في آخر الزمان أو جماعة منهم وهو المطلوب.
التاسع عشر: ما رواه أيضاً في (الأمالي): بإسناده عن محمّد بن حمران، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (لمّا كان من أمر الحسين عليه السلام ما كان ضجّت الملائكة إلى الله تعالى (وقالت: يا ربّ يفعل هذا بالحسين صفيّك وابن نبيّك؟!)(١١١٠) قال: فأقام الله لهم ظلّ القائم عليه السلام وقال: بهذا أنتقم له من ظالميه).(١١١١)
العشرون: ما رواه أيضاً فيه: بإسناده عن أبي ذرّ أنّه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من قاتلني في الاُولى، وقاتل أهل بيتي في الثانية، فهو فيها من شيعة الدجّال).(١١١٢)
الحادي والعشرون: ما رواه الشيخ الجليل الثقة أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه في كتاب (المزار) ـ في الباب التاسع عشر في علم الأنبياء بقتل الحسين عليه السلام ـ قال: حدّثني محمّد بن جعفر الرزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب وأحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن مروان بن مسلم، عن بريد(١١١٣) بن معاوية العجلي، عن أبي عبد الله عليه السلام ـ في حديث طويل ـ: (إنّ الله وعد الحسين عليه السلام أن يكرّه إلى الدنيا حتّى ينتقم بنفسه ممّن فعل ذلك به). الحديث.(١١١٤)
ويأتي إن شاء الله تعالى.
الثاني والعشرون: ما رواه الشيخ الثقة الجليل علي بن إبراهيم بن هاشم في (تفسيره) ـ في أوائله بعد تسع ورقات من أوّله في النسخة المنقول منها في بحث الردّ على من أنكر الرجعة ـ قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد ـ يعني ابن عثمان ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (ما يقول الناس في هذه الآية: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً)(١١١٥)) قلت: يقولون: إنّها في القيامة، قال: (ليس كما يقولون، إنّها في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كلّ اُمّة فوجاً ويدع الباقين؟ إنّما آية القيامة: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(١١١٦)).(١١١٧)
الثالث والعشرون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً ـ بعد الحديث السابق بغير فصل، والظاهر أنّه بذلك الإسناد(١١١٨) أيضاً ـ في قوله تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)(١١١٩) قال: قال الصادق عليه السلام: (كلّ قرية أهلكها الله بالعذاب لا يرجعون في الرجعة، وأمّا في القيامة فيرجعون، وأمّا من محض الإيمان محضاً وغيرهم ممّن لم يهلكوا بالعذاب، أو محض الكفر محضاً(١١٢٠) فإنّهم يرجعون).(١١٢١)
ورواه في موضع آخر من (تفسيره) مرسلاً مثله.(١١٢٢)
الرابع والعشرون: ما رواه ثقة الإسلام محمّد بن يعقوب الكليني في أوائل (الروضة من الكافي): عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان المصري، عن أبيه، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قوله تعالى (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)(١١٢٣) قال: (يا أبا بصير ما يقولون في هذه الآية؟) قلت: إنّ المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ الله لا يبعث الموتى، قال: فقال: (تبّاً لمن قال هذا، سَلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللاّت والعزّى؟).
قال: قلت: فأوجدنيه، فقال: (يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله قوماً من شيعتنا قباع،(١١٢٤) سيوفهم على عواتقهم، فيبلغ ذلك قوماً من شيعتنا لم يموتوا فيقولون: بُعث فلان وفلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم؟! فيبلغ ذلك قوماً من عدوّنا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم، هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب، لا والله ما عاش هؤلاء ولا يبعثون(١١٢٥) إلى يوم القيامة قال: فحكى الله قولهم فقال: (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ)(١١٢٦)).(١١٢٧)
ورواه العيّاشي في (تفسيره) على ما نقل عنه.(١١٢٨)
الخامس والعشرون: ما رواه الشيخ الجليل المفيد أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان في كتاب (الإرشاد في حجج الله على العباد) ـ في باب ذكر علامات القائم عليه السلام(١١٢٩) ـ حيث قال: وردت الآثار بذكر علامات قيام(١١٣٠) القائم(١١٣١) المهدي عليه السلام،(١١٣٢) وحوادث تكون أمام قيامه، وآيات ودلالات، فمنها: خروج السفياني ـ إلى أن قال ـ: وأموات ينشرون من القبور حتّى يرجعوا إلى الدنيا، فيتعارفون فيها ويتزاورون ـ إلى أن قال ـ: فيعرفون عند ذلك خروج المهدي عليه السلام بمكّة، فيتوجّهون لنصرته(١١٣٣).(١١٣٤)
السادس والعشرون: ما رواه الشيخ المفيد أيضاً في فصل آخر حيث قال: وقد وردت الأخبار بمدّة ملك القائم روى عبد الكريم الخثعمي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كم يملك القائم عليه السلام؟ قال: (سبع سنين، تطول له الأيّام والليالي حتّى تكون السنة من سنينه مقدار عشر سنين من سنينكم هذه، وإذا آن قيامه مُطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيّام من رجب مطراً لم يرَ الخلائق مثله، فيُنبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم من قبورهم، فكأنّي أنظر إليهم مقبلين من قبل جُهينة(١١٣٥) ينفضون شعورهم من التراب).(١١٣٦)
ورواه الطبرسي في كتاب (إعلام الورى).(١١٣٧)
ورواه علي بن عيسى في (كشف الغمّة) نقلاً عنهما،(١١٣٨) وكذا الذي قبله.
السابع والعشرون: ما رواه الشيخ المفيد أيضاً في آخر (الإرشاد) قال: روى المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: (يخرِجُ القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة(١١٣٩) وعشرين رجلاً، خمسة عشر من قوم موسى، الذين كانوا يهدون بالحقّ وبه يعدلون، وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبا دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك الأشتر، فيكونون بين يديه أنصاراً وحكّاماً).(١١٤٠)
ورواه العيّاشي في (تفسيره) على ما نقل عنه.(١١٤١)
ورواه علي بن عيسى في (كشف الغمّة) نقلاً من إرشاد المفيد.(١١٤٢)
ورواه الشيخ زين الدين علي بن يونس العاملي في كتاب (الصراط المستقيم) مثله.(١١٤٣)
الثامن والعشرون: ما رواه الشيخ الجليل أمين الدين أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في كتاب (مجمع البيان لعلوم القرآن): عند قوله تعالى (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً)(١١٤٤) حيث قال: قد تظاهرت(١١٤٥) الأخبار عن أئمّة الهدى من آل محمّد عليهم السلام في (أنّ الله تعالى سيعيد عند قيام المهدي عليه السلام قوماً ممّن تقدّم موتهم من أوليائه وشيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم، وينالوا بعض ما يستحقّونه من العذاب والقتل على أيدي شيعته، والذلّ والخزي بما يشاهدون من علوّ كلمته).(١١٤٦)
التاسع والعشرون: ما رواه الشيخ الجليل أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (ثواب الأعمال وعقاب الأعمال) ـ في عقاب قاتل الحسين عليه السلام ـ: عن محمّد بن علي ماجيلويه، عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا كان يوم القيامة نصب(١١٤٧) الله لفاطمة عليها السلام قبّة من نور، فيقبل الحسين عليه السلام ورأسه على يده، فتصرخ صرخة(١١٤٨) ـ إلى أن قال ـ: فيمثله الله لها في أحسن صورة وهو يخاصم قتلته، فيجمع الله قتلته والمجهزين عليه ومن شرك في دمه، فيقتلهم حتّى أتى على آخرهم.
ثمّ يحشرون فيقتلهم الحسن عليه السلام، ثمّ ينشرون فيقتلهم الحسين عليه السلام، ثمّ ينشرون فلا يبقى أحد من ذرّيتنا إلا قتلهم قتلة، فعند ذلك يكشف الله الغيظ، ويُنسي الحزن).(١١٤٩)
ورواه السيِّد رضي الدين علي بن طاووس في كتاب (الملهوف على قتلى الطفوف).(١١٥٠)
أقول: الظاهر أنّ المراد من القيامة هنا الرجعة؛ لأنّها مأخوذة من القيام الخاصّ أي الحياة بعد الموت، وقد اُطلق على الرجعة في كلام بعض المتقدّمين اسم القيامة الصغرى، والقرينة على إرادة ذلك هنا ما يأتي التصريح به من وقوع هذا بعينه في الرجعة، وما هو معلوم من عدم ورود الأخبار بوقوع القتل والحياة بعد الموت مراراً كثيرة جدّاً في القيامة الكبرى أصلاً، وغير ذلك من القرائن، على أنّ هذا إن(١١٥١) لم يكن من قسم الرجعة، فلا شكّ أنّه أعجب منها وأغرب، فهو يزيل الاستبعاد لها ويمنع من إنكارها والله أعلم.
الثلاثون: ما رواه الثقة الجليل علي بن إبراهيم(١١٥٢) في (تفسيره): مرسلاً في قوله تعالى: (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ ـ يا محمّد ـ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ـ قال: من الرجعة وقيام القائم ـ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ـ قبل ذلك ـ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ)(١١٥٣)).(١١٥٤)
الحادي والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في قوله تعالى (أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ)(١١٥٥) رفعه قال: (أي صدّقتم في الرجعة، فيقال لهم: الآن تؤمنون به يعني أمير المؤمنين عليه السلام).(١١٥٦)
الثاني والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً مرسلاً في قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْس ظَلَمَتْ ـ آل محمّد حقّهم ـ مَا فِي الأرْضِ ـ جميعاً ـ لاَفْتَدَتْ بِهِ)(١١٥٧) يعني في الرجعة).(١١٥٨)
الثالث والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في تفسير قوله تعالى: (فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ)(١١٥٩) قال: حدّثني جعفر بن أحمد، عن عبد الكريم بن عبد الرحيم، عن محمّد بن علي، عن محمّد بن الفضيل،(١١٦٠) عن أبي حمزة الثمالي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (في قوله تعالى: (فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ ـ يعني أنّهم لا يؤمنون بالرجعة أنّها تكون ـ قُلُوبُهُم مُنكِرَةٌ ـ يعني كافرة ـ وَهُم مُسْتَكْبِرُونَ) يعني أنّهم من ولاية عليّ مستكبرون).(١١٦١)
الرابع والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في (تفسيره) قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيّوب، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِنَ الْقَوَاعِدِ ـ إلى أن قال ـ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ)(١١٦٢) (يعني من العذاب في الرجعة).(١١٦٣)
الخامس والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً: عن أبيه، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً)(١١٦٤) قال: (ما يقول الناس فيها؟) قلت: يقولون: نزلت في الكفّار، قال: (إنّ الكفّار لا يحلفون بالله، وإنّما نزلت في قوم من اُمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم قيل لهم: ترجعون بعد الموت قبل القيامة، فيحلفون أنّهم لا يرجعون، فردّ الله عليهم فقال: (لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَروُا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ)(١١٦٥) يعني في الرجعة، سيردّهم فيقتلهم ويشفي صدور المؤمنين منهم).(١١٦٦)
السادس والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في (تفسيره) قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل(١١٦٧) بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى(١١٦٨) (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ)(١١٦٩) قال: (يجيء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قرنه،(١١٧٠) ويجيء عليّ عليه السلام في قرنه، والحسين عليه السلام في قرنه، وكلّ من مات بين ظهراني قوم جاؤوا معه).(١١٧١)
ورواه البرقي في (المحاسن): عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن ابن مسكان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله.(١١٧٢)
أقول: في بعض النسخ: (في قرية) بالياء آخر الحروف، وفي بعضها بالنون، فعلى الأوّل هو نصّ في الرجعة، والقرية صادقة على المدينة العظيمة، وعلى الثاني يحتمل الرجعة وهو الأقوى، لما يأتي إن شاء الله من رواية سعد بن عبد الله له في (مختصر البصائر) في أحاديث الرجعة ويحتمل القيامة.
السابع والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في (تفسيره) قال: أخبرنا أحمد بن إدريس، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن إبراهيم بن المستنير، عن معاوية بن عمّار، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قول الله عزّ وجلّ: (فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً)(١١٧٣) قال: (هي والله للنصّاب) قلت: جعلت فداك قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتّى ماتوا، قال: (ذلك والله في الرجعة يأكلون العذرة).(١١٧٤)
ورواه الحسن بن سليمان بن خالد القمّي في (رسالته) نقلاً من كتاب (مختصر البصائر) لسعد بن عبد الله مثله.(١١٧٥)
الثامن والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في (تفسيره): عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن سنان.
وعن أبي بصير،(١١٧٦) عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبد الله، وأبي جعفر عليهما السلام في قوله تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)(١١٧٧) قالا: (كلّ قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة).
فهذه الآية(١١٧٨) من أعظم الدلالة في الرجعة، لأنّ أحداً من أهل الإسلام لا ينكر أنّ الناس كلّهم يرجعون في القيامة؛ من هلك ومن لم يهلك، وقوله: (لاَ يَرْجِعُونَ) نصّاً في الرجعة، فأمّا إلى القيامة فيرجعون حتّى يدخلوا النار.(١١٧٩)
التاسع والثلاثون: ما رواه علي بن إبراهيم في (تفسيره) أيضاً مرسلاً قال: (بشّر الله نبيّه وأهل بيته أن يتفضّل عليهم بعد ذلك، ويجعلهم خلفاء في الأرض وأئمّة على أُمّته، ويردّهم إلى الدنيا مع أعدائهم حتّى ينتصفوا منهم).(١١٨٠)
الأربعون: ما رواه أيضاً فيه مرسلاً في قوله تعالى: (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا ـ وهم الذين غصبوا آل محمّد حقّهم ـ مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ)(١١٨١) من القتل والعذاب حتّى يردّهم ويردّ أعداءهم إلى الدنيا حتّى يقتلوهم.(١١٨٢)
الحادي والأربعون: ما رواه أيضاً فيه مرسلاً قال: وجعلت الجبال يسبّحن مع داود، وأنزل الله عليه الزبور فيه: توحيد وتمجيد ودعاء، وأخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام، وأخبار القائم، وأخبار الرجعة، وهو قوله: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(١١٨٣).(١١٨٤)
الثاني والأربعون: ما رواه أيضاً فيه: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في جملة حديث: (أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعليّ عليه السلام: يا علي، إذا كان في آخر الزمان أخرجك الله في أحسن صورة ومعك ميسم،(١١٨٥) تسم به أعداءك).(١١٨٦)
الثالث والأربعون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً)(١١٨٧) قال: قال رجل لأبي عبد الله عليه السلام: إنّ العامّة تزعم أنّها في القيامة، فقال: (أيحشر الله في القيامة من كلّ اُمّة فوجاً ويدع الباقين، لا ولكنّه في الرجعة، وأمّا آية القيامة فهو قوله تعالى: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(١١٨٨)).(١١٨٩)
الرابع والأربعون: ما رواه أيضاً فيه: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن المفضّل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزّ وجلّ: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً)(١١٩٠) قال: (ليس أحد من المؤمنين قُتل إلا يرجع حتّى يموت، ولا يرجع إلا من محض(١١٩١) الإيمان محضاً، أو محض الكفر محضاً).(١١٩٢)
الخامس والأربعون: ما رواه أيضاً فيه:(١١٩٣) في قوله تعالى: (أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الأرْضِ الْجُرُزِ)(١١٩٤) قال: (هو مثل ضربه الله في الرجعة والقائم عليه السلام، فلمّا أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخبر الرجعة قالوا (مَتَى هذَا الْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)(١١٩٥)).(١١٩٦)
السادس والأربعون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في(١١٩٧) قوله تعالى: (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِن سَبِيل)(١١٩٨) قال عليه السلام: (ذلك في الرجعة).(١١٩٩)
السابع والأربعون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى: (وَتَرَى الظَّالِمِينَ ـ آل محمّد حقّهم ـ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ـ وعليّ هو العذاب في الرجعة ـ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِن سَبِيل)(١٢٠٠) فنوالي عليّاً؟.(١٢٠١)
الثامن والأربعون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخَان مُبِين)(١٢٠٢) قال: (ذلك إذا خرجوا من القبر في الرجعة (يَغْشَى النَّاسَ ـ كلّهم الظلمة فيقولوا ـ هذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ)(١٢٠٣)).(١٢٠٤)
التاسع والأربعون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى: (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً)(١٢٠٥) قال: (إنّ الله بشّر نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم بالحسين عليه السلام، ثمّ أعلمه أنّه يقتل ثمّ يردّه إلى الدنيا حتّى يقتل أعداءه).(١٢٠٦) الحديث.
أقول: ومثل هذا كثير يأتي في الباب الذي يلي هذا إن شاء الله.
الخمسون: ما رواه أيضاً فيه: عند قوله تعالى: (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)(١٢٠٧) قال: (هي الرجعة).(١٢٠٨)
الحادي والخمسون: ما رواه أيضاً فيه قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، قال: حدّثنا محمّد بن أحمد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)(١٢٠٩) قال: (هي الرجعة).(١٢١٠)
الثاني والخمسون: ما رواه أيضاً فيه: عند قوله تعالى: (يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً)(١٢١١) قال: في الرجعة.(١٢١٢)
الثالث والخمسون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى: (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)(١٢١٣) قال: (المطر ينزل من السماء (وَمَا تُوعَدُونَ) من أخبار الرجعة والقيامة والأخبار التي في السماء (فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ)(١٢١٤) يعني ما وعدتكم).(١٢١٥)
الرابع والخمسون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى: (وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً)(١٢١٦) قال: (الذين(١٢١٧) ظلموا آل محمّد (عَذَاباً) قال: عذاب الرجعة بالسيف).(١٢١٨)
الخامس والخمسون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى: (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى)(١٢١٩) عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرني عن جبرئيل أنّه طوى له الأرض، فرأى البصرة أقرب الأرض من الماء، وأبعدها من السماء، إئتفكت(١٢٢٠) بأهلها مرّتين وعلى الله تمام الثالثة، وتمام الثالثة في الرجعة).(١٢٢١)
السادس والخمسون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) قال: إذا رجع، فيقول: ارجعوا فـ (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هذَا يَوْمٌ عَسِرٌ)(١٢٢٢).(١٢٢٣)
السابع والخمسون: ما رواه أيضاً فيه: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد الرحيم القصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن (ن وَالْقَلَمِ ـ إلى قوله ـ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا)(١٢٢٤) قال: (كنّى عن الثاني (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)(١٢٢٥) قال: في الرجعة)(١٢٢٦) الحديث.
ويأتي إن شاء الله تعالى، وفيه: إنّ أعداء أمير المؤمنين عليه السلام يرجعون.
الثامن والخمسون: ما رواه أيضاً فيه(١٢٢٧) في حديث قال: (لمّا أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما يكون من الرجعة قالوا: متى يكون ذلك؟ قال الله تعالى: (قُلْ ـ يا محمّد ـ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً)(١٢٢٨)).(١٢٢٩)
التاسع والخمسون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُول)(١٢٣٠) قال: (أخبر الله رسوله الذي يرتضيه بما كان عنده من الأخبار، وما يكون بعده من أخبار القائم عليه السلام والرجعة والقيامة).(١٢٣١)
الستّون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ)(١٢٣٢) قال: (كما خلقه من نطفة، يقدر أن يردّه إلى الدنيا وإلى القيامة).(١٢٣٣)
الحادي والستّون: ما رواه علي بن إبراهيم في أواخر (تفسيره) قال: حدّثنا جعفر بن أحمد، عن عبيدالله بن موسى،(١٢٣٤) عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: (فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً)(١٢٣٥) قال: (لو بعث القائم عليه السلام فيبعثهم له(١٢٣٦) من الجبّارين والطواغيت من قريش وبني اُميّة وسائر الناس).(١٢٣٧)
الثاني والستّون: ما رواه الشيخ الثقة الجليل أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي في كتاب (الفهرست) ـ في ترجمة أبان بن تغلب ـ بعدما ذكر أنّه عظيم المنزلة في أصحابنا: لقى علي بن الحسين وأبا جعفر وأبا عبد الله: وروى عنهم، وكانت له عندهم منزلة وقدم، وقال له أبو جعفر عليه السلام: (إجلس في مسجد المدينة(١٢٣٨) وافت الناس، فإنّي اُحبّ أن يُرى في شيعتي مثلك).
وقال أبو عبد الله عليه السلام لمّا بلغه نعيه: (أما والله لقد أوجع قلبي موت أبان) ـ إلى أن قال ـ: قال أبو علي أحمد بن رياح الزهري: حدّثنا محمّد بن عبد الله بن غالب، قال: حدّثني محمّد بن الوليد، عن يونس بن يعقوب، عن عبد الله بن خفقة، قال: قال أبان بن تغلب: مررت بقوم يعيبون عليَّ روايتي عن أبي جعفر عليه السلام،(١٢٣٩) قال: فقلت: كيف تلوموني(١٢٤٠) في الرواية عن رجل ما سألته عن شيء إلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: فمرّ صبيان(١٢٤١) ينشدون:

العجب كلّ العجب * * * بين جمادى ورجب

فسألته عنه، فقال: (لقاء الأحياء بالأموات).(١٢٤٢)
ورواه ميرزا محمّد الاسترابادي في (كتاب الرجال) نقلاً عن النجاشي.(١٢٤٣)
الثالث والستّون: ما رواه الشيخ الجليل تقي الدين إبراهيم بن علي الكفعمي العاملي في كتاب (المصباح) ـ في الفصل الحادي والأربعين في الزيارات ـ: وقد أورد في أكثرها ما يدلّ على الرجعة ـ إلى أن قال ـ: وأمّا زيارة المهدي عليه السلام ـ ثمّ أوردها ـ فمن جملتها: (يا مولاي إن أدركت أيّامك الزاهرة، فأنا عبدك متصرّف بين أمرك ونهيك، وإن أدركني الموت قبل ظهورك فإنّي أتوسّل بك وبآبائك الطاهرين، وأسأله أن يصلّي على محمّد وآل محمّد،(١٢٤٤) وأن يجعل لي كرّة في ظهورك، ورجعة في أيّامك، لأبلغ من طاعتك مرادي، وأشفي من أعدائك فؤادي).(١٢٤٥)
الرابع والستّون: ما رواه الشيخ الجليل العلاّمة جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي في كتاب (الخلاصة): قال داود بن كثير الرقي: قال الشيخ: إنّه ثقة، وروى الكشّي بسند فيه يونس عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه من أصحاب القائم عليه السلام.
قال الكشّي: وتذكر الغلاة أنّه من أركانهم، ولم أرَ أحداً من مشايخ العصابة طعن فيه، وعاش إلى زمان الرضا عليه السلام.(١٢٤٦)
ونقله ميرزا محمّد في (الرجال) عنه.(١٢٤٧)
الخامس والستّون: ما رواه الشيخ أبو عمرو الكشّي في (كتاب الرجال): عن علي بن محمّد، عن أحمد بن محمّد، عن أبي عبد الله البرقي رفعه قال: نظر أبو عبد الله عليه السلام إلى داود الرقي وقد ولّى، فقال: (من سرّه أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم عليه السلام فلينظر إلى هذا).(١٢٤٨)
ونقله ميرزا محمّد عنه.(١٢٤٩)
السادس والستّون: ما رواه الكشّي أيضاً: عن طاهر بن عيسى، عن الشجاعي، عن الحسين بن بشار، عن داود الرقي، قال: قلت له ـ يعني لأبي عبد الله عليه السلام ـ: إنّي قد كبرت سنّي، ودقّ عظمي، اُحبّ أن يختم عمري(١٢٥٠) بقتل في محبّتكم، فقال: (وما من هذا بدّ، إن لم يكن في العاجلة يكون في الآجلة).(١٢٥١)
وروي بسند آخر، أنّ داود الرقي مات بعد المائتين بقليل بعد وفاة الرضا عليه السلام.(١٢٥٢)
ونقل ذلك كلّه ميرزا محمّد عنه.(١٢٥٣)
السابع والستّون: ما رواه الكشي أيضاً: عن حمدويه بن نصير،(١٢٥٤) عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي عمير.
ومحمّد بن مسعود،(١٢٥٥) عن أحمد بن منصور، عن أحمد بن الفضل، عن ابن أبي عمير، قال: حدّثنا حمّاد بن عيسى، عن عبد الحميد بن أبي الديلم، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فأتاه كتاب عبد السلام بن عبد الرحمن بن نعيم، وكتاب الفيض بن المختار، وسليمان(١٢٥٦) بن خالد، يخبرونه أنّ الكوفة شاغرة برجلها،(١٢٥٧) وأنّه لو أمرهم بأخذها أخذوها، فلمّا قرأ الكتاب رمى به، ثمّ قال: (ما أنا لهؤلاء بإمام، أما علموا أنّ صاحبهم السفياني).(١٢٥٨)
ونقله ميرزا محمّد.(١٢٥٩)
أقول: هذا دالّ نصّاً على رجعتهم معه.
الثامن والستّون: ما رواه الكشي أيضاً: عن خلف بن حمّاد، عن سهل بن زياد، عن علي بن الحكم، عن علي بن المغيرة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (كأنّي بعبد الله بن شريك العامري(١٢٦٠) عليه عمامة سوداء ذؤابتاها بين كتفيه، مصعد في لِحف الجبل،(١٢٦١) بين يدي قائمنا أهل البيت، في أربعة آلاف يكرّون ويكرّرون(١٢٦٢)).(١٢٦٣)
وقال الشيخ والعلاّمة وغيرهما أنّه كان من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام وروى عنهما.(١٢٦٤)
ونقل ذلك كلّه ميرزا محمّد.(١٢٦٥)
التاسع والستّون: ما رواه الكشّي أيضاً في (كتاب الرجال): عن عبد الله بن محمّد، عن الحسن بن علي الوشّاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة الجمّال، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إنّي سألت الله في إسماعيل أن يبقيه بعدي فأبى، ولكنّه قد أعطاني فيه منزلة اُخرى، أنّه أوّل منشور في عشرة من أصحابه، ومنهم: عبد الله بن شريك العامري وهو صاحب لوائه).(١٢٦٦)
ورواه ميرزا محمّد الاسترابادي نقلاً عنه.(١٢٦٧)
ورواه الحسن بن سليمان بن خالد القمّي في (رسالته) نقلاً من كتاب (البصائر) لسعد بن عبد الله: عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن علي الوشّاء، ببقيّة السند مثله.(١٢٦٨)
السبعون: ما رواه الكشي أيضاً: عن خلف بن حامد،(١٢٦٩) عن سهل بن زياد، عن ابن أبي عمير، عن يحيى الحلبي، عن أيّوب بن الحرّ، عن بشير،(١٢٧٠) عن أبي عبد الله عليه السلام.
وعن محمّد بن مسعود، عن علي بن الحسن بن فضّال، عن العبّاس بن عامر، عن أبان بن عثمان، عن الحارث بن المغيرة، عن أبي عبد الله عليه السلام قالا: قلنا له: إنّ عبد الله بن عجلان مرض مرضه الذي مات فيه فكان يقول: إنّي لا أموت في مرضي هذا.
فقال أبو عبد الله عليه السلام: (هيهات هيهات أنّى ذهب ابن عجلان، لاُعرّفه الله قبيحاً من عمله، أما علم أنّ موسى بن عمران اختار سبعين رجلاً، فلمّا أخذتهم الرجفة كان موسى أوّل من قام منها، فقال: يا ربّ أصحابي، فقال: يا موسى اُبدلك بهم خيراً منهم، قال: ربِّ إنّي وجدت ريحهم، وعرفت أسماءهم ـ قال ذلك ثلاثاًـ فبعثهم(١٢٧١) الله أنبياء).(١٢٧٢)
ورواه ميرزا محمّد نقلاً عنه.(١٢٧٣)
أقول: الظاهر أنّه عليه السلام أخبر عبد الله بن عجلان أنّه(١٢٧٤) يجاهد مع القائم عليه السلام، فظنّ أنّ ذلك قبل الموت ولم يفهم المراد، فهذا وجه إخبار ابن عجلان بأنّه لا يموت في ذلك المرض، فعلم أنّه يرجع بعد الموت إلى الدنيا في الرجعة، ويفهم من هذا كما ترى أنّ موسى عليه السلام مات في الرجعة، ثمّ رجع وأحياه الله كما أحيا السبعين بعد موتهم، وبعثهم أنبياء. وقد تقدّم مثله كثيراً.
الحادي والسبعون: ما رواه النجاشي في (كتاب الرجال) ـ في ترجمة محمّد بن علي بن النعمان مؤمن الطاق ـ بعدما مدحه مدحاً جليلاً وذكر أنّه روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام. قال: فأمّا منزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر من أن يذكر ـ إلى أن قال ـ: وكان له مع أبي حنيفة حكايات.
منها: أنّه قال له يوماً: يا أبا جعفر(١٢٧٥) تقول بالرجعة؟ فقال: نعم، فقال: أقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار، فإذا عدت أنا وأنت رددتها إليك، فقال له في الحال: اُريد ضميناً يضمن لي أنّك تعود إنساناً، فإنّي أخاف أن تعود قرداً، فلا أتمكَّن من استرجاع ما أخذت منّي.(١٢٧٦)
ورواه ميرزا محمّد نقلاً عنه.(١٢٧٧)
الثاني والسبعون: ما رواه العلاّمة في (الخلاصة) ـ في ترجمة ميسّر بن عبد العزيز ـ بعدما ذكر أنّه كان ثقة، قال: روى الكشّي روايات كثيرة تدلّ على مدحه، وروى العقيقي ـ يعني السيِّد علي بن أحمد ـ قال: أثنى عليه ـ يعني على ميسّر ـ آل محمّد عليهم السلام وهو ممّن يجاهد(١٢٧٨) في الرجعة.(١٢٧٩)
وقال الشيخ: إنّه مات في حياة أبي عبد الله عليه السلام.(١٢٨٠)
ورواه ابن داود مثله.(١٢٨١)
الثالث والسبعون: ما رواه العلاّمة أيضاً في (الخلاصة) وابن داود في (كتاب الرجال) ـ في ترجمة نجم بن أعين ـ: عن السيِّد علي بن أحمد العقيقي، عن أبيه، عن عمران بن أبان، عن عبد الله بن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام: (إنّه ـ يعني نجم بن أعين ـ ممّن يجاهد(١٢٨٢) في الرجعة).(١٢٨٣)
الرابع والسبعون: ما رواه ابن بابويه في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) والطبرسي في كتاب (إعلام الورى): عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن أبي الحسن علي بن محمّد عليهما السلام ـ في حديث طويل في أحوال القائم عليه السلام(١٢٨٤) ـ قال: (فإذا دخل المدينة أخرج اللاّت والعزّى فأحرقهما).(١٢٨٥)
أقول: يأتي التصريح بأنّهما يُخرجان حيّين.(١٢٨٦)
الخامس والسبعون: ما رواه ابن بابويه في كتاب (كمال الدين) والشيخ الطوسي في كتاب (الغيبة) والطبرسي في كتاب (الاحتجاج): بأسانيدهم الصحيحة في توقيعات صاحب الأمر عليه السلام على مسائل محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، أنّه سأله عن رجل ممّن يقول بالحقّ ويرى المتعة، ويقول بالرجعة، إلا أنّ له أهلاً موافقة له قد عاهدها أن لا يتزوّج عليها ولا يتمتّع ولا يتسرّى(١٢٨٧)؟
الجواب: (يستحبّ له أن يطيع الله بالمتعة؛ ليزول عنه الحلف في المعصية ولو مرّة واحدة).(١٢٨٨)
أقول: هذا يدلّ على أنّ القول بالرجعة من علامات التشيّع، ومن خصائص الشيعة، وتقرير المهدي عليه السلام دالّ على صحّة ذلك.
السادس والسبعون: ما رواه الشيخ في كتاب (الغيبة) ـ في فصل مفرد في الأخبار المتضمّنة لمن رأى صاحب الزمان ولم يعرفه ثمّ عرفه بعد ـ قال: أخبرنا جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري، عن أحمد بن علي الرازي، عن محمّد بن علي، عن محمّد بن أحمد بن خلف ـ وذكر حديثاً طويلاً ـ جرى له مع المهدي عليه السلام ومع بعض خواصّه، من جملته أن قال له: (ما فعل فلان؟) ـ قال: وسمّى بعض إخواني المستبصرين(١٢٨٩) ـ قلت: ببرقة(١٢٩٠) قال: (صدقت، ففلان؟) ـ وسمّى رفيقاً لي مجتهداً في العبادة، مستبصراً في الديانة ـ فقلت: في الاسكندرية، حتّى سمّى لي عدّة من إخواني.
ثمّ ذكر اسماً غريباً فقال: (ما فعل نقفور؟) قلت: لا أعرفه، قال: (وكيف تعرفه(١٢٩١) وهو رومي يهديه الله فيخرج ناصراً من قسطنطنية)(١٢٩٢) ثمّ سألني عن رجل آخر فقلت: لا أعرفه، فقال: (هذا رجل من أهل هيت(١٢٩٣) من أنصار مولاي عليه السلام، إمض إلى أصحابك فقل لهم: نرجو أن يكون قد أذن الله في الانتصار للمستضعفين، وفي الانتقام من الظالمين).(١٢٩٤)
أقول: من المستبعد جدّاً بل من المحال عادة بقاء المذكورين إلى الآن، بل قد ماتوا قطعاً، وإلا لظهر لهم خبر وأثر، وكانوا من جملة المعمّرين، وصاروا أشهر من نار على علم، وقد حكم بأنّهم من أنصار القائم عليه السلام، فلابدّ من القول برجعتهم.
السابع والسبعون: ما رواه الشيخ في أواخر كتاب (الغيبة): عن الفضل بن شاذان، عن محمّد بن علي، عن جعفر بن بشير،(١٢٩٥) عن خالد أبي عمارة،(١٢٩٦) عن المفضّل بن عمر، قال: ذكرنا القائم عليه السلام ومن مات من أصحابنا ينتظره، فقال لنا أبو عبد الله عليه السلام: (إذا قام أتى المؤمن في قبره فيقال له: يا هذا إنّه قد ظهر صاحبك، فإن شئت أن تلحق به فالحق، وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربّك فأقم).(١٢٩٧)
الثامن والسبعون: ما رواه الحسن بن سليمان بن خالد القمّي(١٢٩٨) في (رسالته) ـ في باب الكرّات وما جاء فيها ـ نقلاً من كتاب (مختصر البصائر) لسعد بن عبد الله: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن المنخّل بن جميل، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (ليس من المؤمنين أحد إلا وله قتلة وموتة،(١٢٩٩) إنّه من قُتل نُشر حتّى يموت، ومن مات نُشر حتّى يُقتل، وما من هذه الاُمّة برّ ولا فاجر إلا سينشر، وأمّا المؤمنون فينشرون إلى قرّة أعينهم، وأمّا الفجّار فينشرون إلى خزي الله إيّاهم، إنّ الله يقول: (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ)(١٣٠٠)).(١٣٠١)
أقول: هذا العموم مخصوص بمن محض الايمان محضاً، أو محض الكفر محضاً، لما مضى ويأتي إن شاء الله، لأنّ الخاصّ مقدّم على العامّ، ودلالته صريحة في منافاة العام في باقي الأفراد، ولابدّ من العمل بهما وهو ما قلناه.
التاسع والسبعون: ما رواه أيضاً نقلاً عن (مختصر البصائر) لسعد بن عبد الله: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن صفوان بن يحيى، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام(١٣٠٢) قال: سمعته يقول في الرجعة: (من مات من المؤمنين قُتل، ومن قُتل منهم مات).(١٣٠٣)
الثمانون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن محمّد بن الحسين وعبد الله بن محمّد بن عيسى جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة، قال: كرهت أن أسأل أبا جعفر عليه السلام فاحتلت مسألة لطيفة لأبلغ بها حاجتي، فقلت: أخبرني عمّن مات أقُتل(١٣٠٤)؟ قال: (لا، الموت موت والقتل قتل، (فقلت له: ما أحد يقتل إلا مات! قال: فقال: (يا زرارة قول الله أصدق من قولك،)(١٣٠٥) قد فرّق بين الموت والقتل في القرآن فقال: (أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ)(١٣٠٦) وقال: (وَلَئِن مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لاَِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ)(١٣٠٧) ليس كما قلت يا زرارة، الموت موت والقتل قتل، وقد قال الله تعالى: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً)(١٣٠٨) وقال: (كُلُّ نَفْس ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)(١٣٠٩) قال: ليس من قتل بالسيف كمن مات على فراشه، إنّ من قتل لابدّ أن يرجع إلى الدنيا حتّى يذوق الموت).(١٣١٠)
ورواه العيّاشي في (تفسيره) على ما نقل عنه: عن زرارة مثله.(١٣١١)
الحادي والثمانون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن(١٣١٢) محمّد بن عيسى بن عبيد، عن علي بن الحكم، عن مثنّى بن الوليد الحنّاط، عن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام قال: في قوله تعالى (وَمَن كَانَ فِي هذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الأخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً)(١٣١٣) قال: (هي الرجعة).(١٣١٤)
ورواه العياشي: عن الحلبي، عن أبي بصير مثله.(١٣١٥)
الثاني والثمانون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن أحمد بن محمّد ومحمّد بن إسماعيل، عن علي بن الحكم، عن رفاعة بن موسى، عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر عليه السلام أنّ علي بن الحسين عليه السلام قال له: (يا بني إنّ هؤلاء العراقيين سألوني عن أمر كان مضى من آبائك وسلفك يؤمنون به ويقرّون، فغلبني الضحك سروراً أنّ في الخلق من يؤمن به ويقرّ،(١٣١٦) قال: فقلت: ما هو؟ قال: سألوني عن الأموات متى يُبعثون فيقاتلون الأحياء على الدين).(١٣١٧)
وعن السندي بن محمّد، عن صفوان، عن رفاعة مثله.(١٣١٨)
الثالث والثمانون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن علي بن الحكم، عن حنّان بن سدير، عن أبيه، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الرجعة، فقال: (القدرية تنكرها ـ ثلاثاً ـ).(١٣١٩)
أقول: قد روي أحاديث متعدّدة في لعن القدرية وذمّهم وكفرهم، وهم منسوبون إلى القدر، فإمّا أن يراد بهم من أثبت القدر على وجه الإفراط وهم أهل الجبر، أو من نفاه على وجه التفريط وهم أهل التفويض، وقد فسّره العلماء بالوجهين، وقد يقرأ بضمّ القاف وسكون الدال نسبة إلى القدرة، ويوجّه على الوجهين، والقسم الأوّل: الأشاعرة، والثاني: المعتزلة، والقسمان منكرون للرجعة، ولم يقل بها إلا الإمامية.
الرابع والثمانون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم)(١٣٢٠) الآية، فقال: (ذلك في الرجعة، ما من مؤمن إلا وله ميتة وقتلة، من مات بُعث حتّى يُقتل، ومن قتل بُعث حتّى يموت).(١٣٢١)
الخامس والثمانون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن أحمد بن محمّد بن عيسى(١٣٢٢) ومحمّد بن عبد الجبّار جميعاً، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن منصور بن يونس، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (لا يُسأل في القبر إلا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً، ولا يُسأل في الرجعة إلا من محض الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً) قلت: فسائر الناس؟ قال: (يلهى عنه).(١٣٢٣)
السادس والثمانون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن محمّد بن عبد الجبّار وأحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن أبيه، عن حميد بن المثنّى،(١٣٢٤) عن شعيب الحدّاد، عن أبي الصباح الكناني، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أشياء وجعلت أكره أن اُسمّيها، فقال: (لعلّك تسأل عن الكرّات؟) قلت: نعم، قال: (تلك القدرة ولا ينكرها إلا القدرية)(١٣٢٥) الحديث.
أقول: إثبات القدر بطريق الجبر يستلزم نفي القدرة عن العبد، بل وعن الله أيضاً عند التحقيق، ولعلّ هذا الحديث إشارة إلى ذلك، وفيه ترجيح لإرادة الأشاعرة(١٣٢٦) وهم أكثر العامّة، وأشهر أصحاب المذاهب المخالفة للإمامية، فلا يحتمل شيء من أحاديث الرجعة للتقيّة.
السابع والثمانون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن صفوان بن يحيى، عن أبي خالد القمّاط، عن عبد الرحيم القصير، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قرأ هذه الآية: ((إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ)(١٣٢٧) أتدري من يعني؟) قلت: المؤمنون فيَقتلون ويُقتلون، قال: (لا ولكن من قُتل رُدّ حتّى يموت، ومن مات رُدّ حتّى يُقتل، وتلك القدرة فلا تنكرها).(١٣٢٨)
أقول: هذا مخصوص بما تقدّم أعني من محض الإيمان محضاً.
الثامن والثمانون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّادبن عثمان، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت عمران بن أعين وأبا الخطّاب جميعاً يحدّثان ـ قبل أن يُحدث أبو الخطّاب ما أحدث ـ أنّهما سمعا أبا عبد الله عليه السلام يقول في حديث: (وإنّ الرجعة ليست بعامّة، وهي خاصّة لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً، أو محض الشرك محضاً).(١٣٢٩)
التاسع والثمانون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه بالإسناد السابق: عن حمّاد بن عثمان، عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الاُمور العظام من الرجعة وأشباهها، فقال: (إنّ الذي تسألون عنه لم يجيء أوانه بعد، وقد قال الله تعالى: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)(١٣٣٠)).(١٣٣١)
التسعون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن يعقوب بن يزيد ومحمّد بن الحسين ومحمّد بن عيسى بن عبيد وإبراهيم بن محمّد، عن ابن أبي عمير،(١٣٣٢) عن عمر بن اُذينة، عن محمّد بن الطيّار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في قوله تعالى (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً)(١٣٣٣) قال: (ليس أحد من المؤمنين قُتل إلا سيرجع حتّى يموت، ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتّى يُقتل).(١٣٣٤)
الحادي والتسعون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (أينكر أهل العراق الرجعة؟) قلت: نعم، قال: (سبحان الله أما يقرؤون القرآن: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً)(١٣٣٥)).(١٣٣٦)
الثاني والتسعون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن محمّد بن الحسين، عن عبد الله بن المغيرة، عمّن حدّثه، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى (وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ)(١٣٣٧) قال: (القتل في سبيل عليّ وذرّيته:، وليس أحد يؤمن بهذا إلا وله قتلة وميتة، إنّه من قُتل يُنشر حتّى يموت، ومن مات يُنشر حتّى يُقتل).(١٣٣٨)
ورواه العياشي كما نقل عنه.(١٣٣٩)
الثالث والتسعون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن محمّد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن محمّد بن عبد الله بن الحسين، قال: قال أبي لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في الكرّة؟ قال: (أقول فيها ما قال الله عزّ وجلّ، وذلك أنّ تفسيرها: جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل هذا في قوله تعالى: (تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ)(١٣٤٠) إذا رجعوا إلى الدنيا ولم يقضوا ذحولهم) قال له أبي: (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُم بِالسَّاهِرَةِ)(١٣٤١) قال: (إذا انتقم منهم وماتت الأبدان، بقيت الأرواح ساهرة لا تنام ولا تموت).(١٣٤٢)
الرابع والتسعون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سفيان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (إنّ لعليّ عليه السلام إلى الأرض كرّة مع الحسين عليه السلام، يقبل برايته حتّى ينتقم من بني اُميّة ومعاوية وآل معاوية، ثمّ يبعث الله بأنصاره يومئذ إليهم من الكوفة ثلاثين ألفاً، ومن سائر الناس سبعين ألفاً، فيقاتلهم بصفّين مثل المرّة الاُولى حتّى يقتلهم، فلا يبقى منهم مخبر)(١٣٤٣) الحديث.
الخامس والتسعون: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن موسى بن عمر بن يزيد، عن عثمان بن عيسى، عن خالد بن يحيى، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: (اتّقوا دعوة سعد) قلت: وكيف ذاك؟ قال: (إنّ سعداً يكرّ حتّى يقاتل أمير المؤمنين عليه السلام).(١٣٤٤)
السادس والتسعون: ما رواه الحسن بن سليمان بن خالد القمّي أيضاً في (رسالته) نقلاً من كتاب (الواحدة): عن محمّد بن الحسن بن عبد الله، عن جعفر بن محمّد البجلي، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن عبدالرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث في الرجعة يقول فيه: (فيا عجباً من أموات يبعثهم الله أحياءً مرّة بعد مرّة، قد شهروا سيوفهم يضربون بها هام الجبابرة وأتباعهم، حتّى ينجز الله ماوعدهم)(١٣٤٥) الحديث.
السابع والتسعون: ما رواه الحسن بن سليمان أيضاً نقلاً من كتاب (سليم بن قيس الهلالي) ـ الذي رواه عنه أبان بن أبي عياش وقرأه جميعه على عليّ بن الحسين عليه السلام بحضور جماعة من أعيان الصحابة، منهم: أبو الطفيل فأقرّه عليه مولانا زين العابدين عليه السلام وقال: (هذه أحاديثنا صحيحة) ـ:
قال أبان: لقيت أبا الطفيل في منزله فحدّثني في الرجعة عن اُناس من أهل بدر، وعن سلمان والمقداد وأبي ذرّ(١٣٤٦) واُبي بن كعب، فعرضت الذي سمعته على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: (هذا علم خاص من علمنا، يسع(١٣٤٧) الاُمّة جهله، وردّ علمه إلى الله) ثمّ صدّقني بكلّ ما حدّثوني فيها، وتلا عليَّ بذلك قراءة كثيرة، وفسّره تفسيراً شافياً، حتّى صرت ما أنا بيوم القيامة أشدّ يقيناً منّي بالرجعة.(١٣٤٨) الحديث.
أقول: قد رأيت كتاب سليم بن قيس المذكور وبقي عندي سنين كثيرة، ولكن لم يحضرني وقت جمع هذه الأحاديث، فلذلك نقلت هذا الحديث من رسالة الحسن بن سليمان.
الثامن والتسعون: ما رواه الحسن بن سليمان أيضاً في (رسالته) ـ في باب الكرّات وحالاتها ـ: عن السيِّد الجليل بهاء الدين علي بن عبد الحميد الحسيني بطريقه عن أحمد بن محمّد الأيادي رفعه إلى أحمد بن عقبة، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه سئل عن الرجعة أحقّ هي؟ قال: (نعم ـ وذكر الحديث ـ إلى أن قال: (فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً)(١٣٤٩) قوم بعد قوم).(١٣٥٠)
التاسع والتسعون: ما رواه أيضاً نقلاً من كتاب (التنزيل): عن أحمد بن محمّد السيّاري، عن محمّد بن خالد، عن عمر بن عبد العزيز، عن عبد الله بن نجيح اليماني، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ)(١٣٥١) قال: (مرّة في الكرّة، واُخرى في القيامة).(١٣٥٢)
المائة: ما رواه أيضاً نقلاً عن (مختصر البصائر) لسعد بن عبد الله: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب ويعقوب بن يزيد(١٣٥٣) عن أحمد بن الحسن الميثمي، عن محمّد بن الحسن،(١٣٥٤) عن أبان بن عثمان، عن موسى الحنّاط، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (أيّام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم، ويوم الكرّة، ويوم القيامة).(١٣٥٥)
الأوّل بعد المائة: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي داود، عن بريدة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا سألت اُمّتي عن المهدي(١٣٥٦) يأتيها مثل قرن الشمس، يستبشر به أهل السماء والأرض) فقلت: يا رسول الله بعد الموت؟ فقال: (والله إنّ بعد الموت هدى وإيماناً ونوراً) فقلت: أيّ العمرين أطول؟ قال: (الآخر بالضعف).(١٣٥٧)
أقول: يحتمل أن يكون المراد بالموت موت الناس، يعني أيخرج المهدي بعدما مات أكثر الناس؟ فقال: (إنّ بعد الموت) إلى آخره، وله احتمال آخر يأتي إن شاء الله تعالى.
الثاني بعد المائة: ما رواه أيضاً(١٣٥٨) نقلاً عنه: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَكَان قَرِيب * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ)(١٣٥٩) قال: (هي الرجعة).(١٣٦٠)
الثالث بعد المائة: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن أحمد بن محمّد وعبد الله بن عامر، عن محمّد بن خالد البرقي، عن الحسين بن غنم، عن محمّد بن الفضيل،(١٣٦١) عن أبي حمزة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من أراد أن يقاتل شيعة الدجّال فليقاتل الباكي على دم عثمان، وعلى دم أهل النهروان، وإن لقى الله مؤمناً بأنّ عثمان قُتل مظلوماً لقى الله ساخطاً عليه، ولا يدرك الدجّال إلا آمن به، قيل: فإن مات قبل ذلك؟ قال: فيُبعث من قبره حتّى يؤمن به وإن رغم أنفه).(١٣٦٢)
الرابع بعد المائة: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن السندي بن محمّد، عن صفوان بن يحيى، عن رفاعة بن موسى، عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر عليه السلام أنّ علي بن الحسين عليه السلام قال: (إنّ هؤلاء العراقيين سألوني عن أمر ما كنت أرى أنّ أحداً علمه من أهل الدنيا غيري، فقلت: عمّ سألوك؟ فقال: سألوني عن الأموات متى يُبعثون فيقاتلون الأحياء على الدين).(١٣٦٣)
الخامس بعد المائة: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن الحسين بن يزيد، عن عمّار بن أبان، عن عبد الله بن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (كأنّي بحمران بن أعين وميسر بن عبد العزيز يخبطان(١٣٦٤) الناس بأسيافهما بين الصفا والمروة).(١٣٦٥)
أقول: هذا لم يقع قطعاً وإنّما هو إخبار برجعتهما، وقد تقدّم التصريح برجعة ميسر سابقاً.
السادس بعد المائة: ما رواه أيضاً نقلاً عنه: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان،(١٣٦٦) عن المنخّل، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قيل لأمير المؤمنين عليه السلام ـ بعدما أخبرهم بالرجعة ـ: يا أمير المؤمنين أحياة قبل القيامة وموت؟ فقال: (نعم والله لكفرة من الكفرات بعد الرجعة أشدّ من الكفرات قبلها).(١٣٦٧)
السابع بعد المائة: ما رواه أيضاً، نقلاً عنه: عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: (لترجعنّ نفوس ذهبت، وليقيضنّ قوم لقوم، ومن عذّب عذّب بعذابه، ومن اغتيظ أغاظ بغيظه، ومن قتل اقتصّ بقتله، ويردّ لهم أعداؤهم معهم حتّى يأخذوا بثأرهم، ثمّ يعمّرون بعدهم ثلاثين شهراً، ثمّ يموتون في ليلة واحدة، قد أدركوا ثأرهم وشفوا أنفسهم، ويصير عدوّهم إلى أشدّ النار عذاباً، ثمّ يوقفون بين يدي الجبّار عزّ وجلّ فيؤخذ لهم بحقوقهم).(١٣٦٨)
الثامن بعد المائة: ما رواه أيضاً نقلاً من كتاب تصنيف السيِّد الجليل الموفّق بهاء الدين علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد الحسيني بطريقه: عن علي بن إبراهيم بن مهزيار أنّه رأى في منامه قائلاً يقول له: حجّ في هذه السنة فإنّك تلقى صاحب الزمان ـ وذكر الحديث بطوله ـ إلى أن قال: (إذا سار العبّاسي، وبويع السفياني، يؤذن لوليّ الله، فأخرج بين الصفا والمروة، وأحجّ بالناس، وأجيء إلى يثرب فأهدم الحجرة، فاُخرج من بها وهما طريّان فآمر بهما تجاه البقيع، وآمر بخشبتين يصلبان عليهما) ـ إلى أن قال ـ: قلت: يا سيّدي ما يكون بعد ذلك؟ قال: (الكرّة الكرّة، الرجعة الرجعة، ثمّ تلا هذه الآية: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوال وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(١٣٦٩)).(١٣٧٠)
التاسع بعد المائة: ما رواه أيضاً قال: حدّثني الأخ الصالح الرشيد محمّد بن إبراهيم بن محسن المطارآبادي، قال: وجدت بخط أبي، عن الحسين بن حمدان،(١٣٧١) عن محمّد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيين، عن أبي شعيب محمّد بن نصير،(١٣٧٢) عن عمر بن الفرات،(١٣٧٣) عن محمّد بن المفضل، عن المفضل بن عمر، عن الصادق عليه السلام في حديث طويل ـ في أحوال المهدي عليه السلام وخروجه ومن يخرج معه ـ يقول فيه المفضل: يا سيّدي فالاثنان وسبعون رجلاً الذين قتلوا مع الحسين عليه السلام يظهرون(١٣٧٤) معه؟ قال: (نعم يظهرون معه، وفيهم الحسين عليه السلام في اثني عشر ألفاً من المؤمنين(١٣٧٥) من شيعة عليّ عليه السلام ـ إلى أن قال ـ: ثمّ تظهر الدابّة بين الركن والمقام فتكتب(١٣٧٦) في وجه المؤمن: مؤمن، وفي وجه الكافر: كافر).
وذكر في إخراج ضجيعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصلبهما وإنزالهما إليه، قال: (فيحييهما بإذن الله تعالى، ويأمر الخلائق بالإجتماع، ثمّ يقصّ عليهم قصص فعالهما، يعدّده عليهما ويلزمهما إيّاه فيعترفان به، ثمّ يأمر بهما فيقتصّ منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر، ثمّ يصلبهما على الشجرة).(١٣٧٧)
قال المفضّل: فقلت: يا سيّدي هذا آخر عذابهما؟ قال: (هيهات يا مفضل، والله ليردنّ وليحضرنّ السيّد الأكبر محمّد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والصدّيق الأعظم أمير المؤمنين عليه السلام، وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام، وكلّ من محض الايمان محضاً، ومحض الكفر محضاً، وليقتصنّ منهما بجميع المظالم، ثمّ يأمر بهما فيقتلان في كلّ يوم وليلة ألف قتلة).
ثمّ(١٣٧٨) ذكر رجعتهم: وانتقامهم من أعدائهم، إلى أن قال المفضّل: يا مولاي فإنّ من شيعتكم من لا يقول برجعتكم؟ فقال الصادق عليه السلام: (أما سمعوا قول جدّنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن سائر الأئمّة نقول: (وَلَنُذِيقَنَّهُم مِنَ الْعَذَابِ الأدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ)(١٣٧٩)).
ثمّ قال الصادق عليه السلام: (يا مفضّل من أين قلت برجعتنا؟ ومقصّرة شيعتنا تقول: معنى الرجعة: أن يردّ الله إلينا ملك الدنيا، ويجعله للمهدي! ويحهم متى سُلبنا الملك حتّى يردّه علينا؟) قال المفضّل: لا والله ما سلبتموه لأنّه ملك النبوّة والرسالة والوصية والإمامة.
فقال الصادق عليه السلام: (لو تدبّر شيعتنا القرآن لما شكّوا في فضلنا، أما سمعوا قول الله عزّ وجلّ (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ)(١٣٨٠) والله يا مفضّل إنّ تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل وتأويلها فينا، وإنّ فرعون وهامان: تيم وعدي).
ثمّ ذكر قيام الأئمّة عليهم السلام واحداً واحداً(١٣٨١) إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وشكوى كلّ واحد منهم ممّا فعل به من قتله وظلمه، قال المفضّل: فقوله (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)؟ قال عليه السلام: (إنّما يظهره على الدين كلّه في هذا اليوم وهذه الرجعة).(١٣٨٢)
العاشر بعد المائة: ما رواه أيضاً: عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه خطب الناس فقال: (إنّ(١٣٨٣) أمرنا صعب مستصعب ـ إلى أن قال ـ: يا عجباً كلّ العجب بين جمادى ورجب) فقيل: ما هذا العجب؟ فقال: (ما لي لا أعجب وقد سبق القضاء فيكم، وأيّ عجب أعجب من أموات يضربون هام الأحياء! والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لكأنّي أنظر إليهم وقد تخلّلوا سكك الكوفة، قد شهروا سيوفهم على عواتقهم، يضربون كلّ عدوّ لله ولرسوله وللمؤمنين، وذلك قول الله عزّ وجلّ: (لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسوا مِنَ الاْخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ)(١٣٨٤) ـ إلى أن قال ـ فيومئذ تأويل هذه الآية (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ)(١٣٨٥)).(١٣٨٦)
الحادي عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً: عن أمير المؤمنين عليه السلام ـ في حديث طويل ـ أنّه قال في ذكر خروج المهدي عليه السلام ووقائع آخر الزمان: (وينادي مناد من ناحية المشرق: يا أهل الهدى اجتمعوا، وينادي مناد من ناحية المغرب: يا أهل الضلال(١٣٨٧) اجتمعوا، ويفرّق بين الحقّ والباطل، تخرج الدابّة وتقبل الروم إلى قرية بساحل البحر عند كهف الفتية، ويبعث الله الفتية من كهفهم وإليهم رجل يقال له: مليخا،(١٣٨٨) فيبعث أحد ابنيه إلى الروم فيرجع بغير حاجة، ثمّ يبعث الآخر فيرجع بالفتح.
ثمّ يبعث الله من كلّ اُمّة فوجاً ليريهم ما كانوا يوعدون، فيومئذ تأويل هذه الآية (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً)(١٣٨٩) ويسير الصدِّيق الأكبر براية الهدى، والسيف ذي الفقار حتّى ينزل دار الهجرة مرّتين(١٣٩٠) وهي الكوفة ـ إلى أن قال ـ وعدّة أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر، منهم: تسعة من بني إسرائيل، وسبعون من الجنّ، وسبعون الذين عصموا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ هجمت عليه مشركوا قريش، وعشرون من أهل اليمن فيهم المقداد بن الأسود، ومائتان وأربعة عشر كانوا بساحل البحر فبعث(١٣٩١) إليهم نبي الله برسالة فأتوا مسلمين)(١٣٩٢) الحديث.
الثاني عشر بعد المائة: ما رواه الكليني ـ في كتاب الجنائز في باب ما يعاين المؤمن والكافر ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عمّن سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: ـ وذكر حال المؤمن بعد الموت إلى أن قال ـ: (فإذا وضع في قبره فتح له باب من أبواب الجنّة قال: ثمّ يزور آل محمّد عليهم السلام في جنان(١٣٩٣) رضوى يأكل من طعامهم ويشرب من شرابهم ويتحدّث معهم في مجالسهم، حتّى يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا بعثهم الله فأقبلوا معه يلبّون زمراً، فعند ذلك يرتاب المبطلون، ويضمحلّ المحلّون، ونجا المقرّبون)(١٣٩٤) الحديث.
قال(١٣٩٥) في (القاموس): رجل محلّ منتهك للحرام، ولا يرى للشهر الحرام حرمة(١٣٩٦) (انتهى).
والمقرّبون: بفتح الراء الذين يستعجلون هم المقرّبون، أو بكسر الراء الذين يقولون: الفرج قريب.
الثالث عشر بعد المائة: ما رواه سعد بن عبد الله في (مختصر البصائر) على مانقل عنه: عن أحمد بن محمّد، عن أحمد بن عبد الله بن قبيصة، عن أبيه، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ)(١٣٩٧) قال: (يكسّرون(١٣٩٨) في الكرّة كما يكسّر(١٣٩٩) الذهب حتّى يرجع كلّ شيء إلى شبهه ـ يعني إلى حقيقته ـ).(١٤٠٠)
أقول: لعلّه إشارة إلى مزج الطينتين ثمّ تمييزهما في الرجعة، أو المراد امتحانهم حتّى تظهر حقائقهم.
الرابع عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن وهيب(١٤٠١) بن حفص، عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنّا نتحدّث أنّ عمر بن ذرّ(١٤٠٢) لا يموت حتّى يقاتل قائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: (إنّ مثل ابن ذر مثل رجل كان في بني إسرائيل يقال له: عبد ربّه، وكان يدعو أصحابه إلى ضلالة فمات، فكانوا يلوذون بقبره ويتحدّثون عنده، إذ خرج عليهم من قبره ينفض التراب من رأسه ويقول لهم: كيت وكيت).(١٤٠٣)
أقول: المراد أنّ ابن ذرّ يحيى بعد موته ويقاتل القائم في الرجعة، فقوله: (لا يموت حتّى يقاتل) يعني في الرجعة.
الخامس عشر بعد المائة: ما رواه العيّاشي في (تفسيره) على ما نقل عنه بعض ثقات الأصحاب، عن زرارة، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ((كُلُّ نَفْس ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)(١٤٠٤) لم يذق الموت من قُتل، وقال: لابدّ من أن يرجع حتّى يذوق الموت).(١٤٠٥)
السادس عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن سيرين، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ قال: (ما يقول الناس في هذه الآية (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ)(١٤٠٦)؟) قلت: يقولون: لا قيامة ولا بعث ولا نشور، فقال: (كذبوا والله، إنّما ذلك إذا قام القائم وكرّ المكرّون، فقال أهل خلافكم: قد ظهرت دولتكم يا معشر الشيعة وهذا من كذبكم، تقولون: رجع فلان وفلان، لا والله لا يبعث الله من يموت، ألا ترى أنّهم قالوا: (وَأَقْسَمُوا بِالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ) كانت المشركون أشدّ تعظيماً باللاّت(١٤٠٧) والعزّى من أن يقسموا بغيرها، فقال الله تعالى: (بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً)).(١٤٠٨)
السابع عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: (إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)(١٤٠٩) إلى آخر الآية، فقال: (ذلك في الميثاق، ثمّ قرأت (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ)(١٤١٠) فقال: لا تقرأ ذلك ولكن إقرا (التائبين العابدين)(١٤١١) إلى آخر الآية، ثمّ قال: إذا رأيت هؤلاء فهم الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم، يعني في الرجعة).(١٤١٢)
ثمّ قال أبو جعفر عليه السلام: (ما من مؤمن إلا وله ميتة وقتلة، من مات يُبعث حتّى يُقتل، ومن قُتل يُبعث حتّى يموت).(١٤١٣)
الثامن عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن رفاعة بن موسى، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: (إنّ أوّل من يكرّ إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السلام وأصحابه، ويزيد بن معاوية وأصحابه، فيقتلهم حذو(١٤١٤) القذّة بالقذّة، ثمّ قرأ أبو عبد الله عليه السلام: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوال وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً)(١٤١٥)).(١٤١٦)
التاسع عشر بعد المائة: ما رواه الشيخ أبو الفتح الكراجكي في كتاب (كنز الفوائد) على ما نقل عنه قال: روى الحسن بن أبي الحسن الديلمي بإسناده إلى محمّد بن علي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: (أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاَقِيهِ)(١٤١٧) قال: (الموعود علي بن أبي طالب عليه السلام، وعده الله أن ينتقم له من أعدائه في الدنيا، ووعده الجنّة له ولأوليائه في الآخرة).(١٤١٨)
العشرون بعد المائة: ما رواه الكشّي في (كتاب الرجال): عن محمّد بن الحسن بن بندار القمّي من كتابه بخطّه، عن الحسن بن أحمد المالكي، عن جعفربن فضيل، عن محمّد بن فرات، عن الأصبغ أنّه سمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول على المنبر: (أنا سيِّد الشيب وفيّ سنّة من أيّوب، والله ليجمعنّ الله لي شملي كما جمعه لأيّوب).(١٤١٩)
أقول: قد تقدّم أنّ الله أحيا لأيّوب مَن مات مِن أهله.
ورواه العيّاشي في (تفسيره) على ما نقل عنه: عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق عليه السلام.(١٤٢٠)
الحادي والعشرون بعد المائة: ما رواه الكليني في (الروضة): عن الحسين بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن سالم بن أبي سلمة، عن الحسن بن شاذان الواسطي، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أشكو إليه جفاء أهل واسط وحملهم عليّ، وكانت عصابة من العثمانية تؤذيني فوقّع بخطّه:
(إنّ الله جلّ ذكره أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل، فاصبر لحكم ربّك، فلو قد قام سيِّد الخلق لقالوا: (يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ)(١٤٢١)).(١٤٢٢)
الثاني والعشرون بعد المائة: ما رواه أصحابنا في (المزار)(١٤٢٣) كالشهيد والمفيد وابن طاووس وغيرهم في زيارة القائم عليه السلام في السرداب: (ووفّقني يا ربّ للقيام بطاعته، والمثوى في خدمته، فإن توفّيتني قبل ذلك فاجعلني ممّن يكرّ في رجعته، ويملّك في دولته، ويمكّن في أيّامه).(١٤٢٤)
الثالث والعشرون بعد المائة: ما رووه(١٤٢٥) أيضاً في زيارة اُخرى له عليه السلام: (وإن أدركني الموت قبل ظهورك، فأتوسّل بك إلى الله أن يصلّي على محمّد وآله،(١٤٢٦) وأن يجعل لي كرّة في ظهورك، ورجعة في أيّامك، لأبلغ من طاعتك مرادي، وأشفي من أعدائك فؤادي).(١٤٢٧)
الرابع والعشرون بعد المائة: ما رووه أيضاً في زيارة اُخرى له عليه السلام: (اللهمّ أرنا وجه وليّك الميمون في حياتنا وبعد المنون، اللهمّ إنّي أدين لك بالرجعة بين يدي صاحب هذه البقعة).(١٤٢٨)
الخامس والعشرون بعد المائة: ما رووه أيضاً في الزيارات عن الصادق عليه السلام أنّه قال: (من دعا الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله من قبره وأعطاه بكلّ كلمة ألف حسنة)(١٤٢٩) ثمّ ذكر الدعاء.
السادس والعشرون بعد المائة: ما رواه الشيخ أبو الفتح الكراجكي في (كنز الفوائد): عن محمّد بن العبّاس بن مروان ـ وهو ثقة(١٤٣٠) ـ عن علي بن عبد الله بن أسد، عن إبراهيم بن محمّد، عن أحمد بن معمّر، عن محمّد بن الفضيل، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس في قوله تعالى (إِن نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)(١٤٣١) قال: (هذه نزلت فينا وفي بني اُميّة، يكون لنا عليهم دولة، فتذلّ أعناقهم لنا بعد صعوبة وهواناً بعد عزّ).(١٤٣٢)
السابع والعشرون بعد المائة: ما رواه الحسن بن سليمان نقلاً من كتاب (المشيخة) للحسن بن محبوب: عن محمّد بن سلام، عن أبي جعفر عليه السلام قال: في قوله تعالى (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ)(١٤٣٣) قال: (هو خاصّ لأقوام في الرجعة بعد الموت، ويجري في القيامة).(١٤٣٤)
الثامن والعشرون بعد المائة: ما رواه سعد بن عبد الله في رسالته في (أنواع آيات القرآن) برواية ابن قولويه على ما نقل عنه قال: قال أبو جعفر عليه السلام: (نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية هكذا: (فإنّ للظالمين آل محمّد حقّهم عذاباً دون ذلك)(١٤٣٥) يعني عذاباً(١٤٣٦) في الرجعة).(١٤٣٧)
التاسع والعشرون بعد المائة: ما رواه العيّاشي في (تفسيره) على ما نقل عنه: عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى (فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ قُلُوبُهُم مُنكِرَةٌ)(١٤٣٨) يعني: (لا يؤمنون بالرجعة أنّها حقّ).(١٤٣٩)
وعن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام مثله.(١٤٤٠)
الثلاثون بعد المائة: ما رواه الكراجكي في (كنز الفوائد): عن محمّد بن العبّاس، عن علي بن محمّد، عن أبي جميلة، عن الحلبي.
وعن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن الفضل بن عبّاس، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا) قال: (في الرجعة) (وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا)(١٤٤١) قال: (لا يخاف من مثلها إذا رجع).(١٤٤٢)
أقول: الظاهر أنّ المراد بـ (ربّهم): صاحبهم(١٤٤٣) وهو أمير المؤمنين عليه السلام، ليعود إليه ضمير يخاف، ويناسب التفسير لما في تفسير قوله تعالى (وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيراً)(١٤٤٤) أنّ المراد بالربّ: الصاحب وأنّه عليّ عليه السلام.(١٤٤٥)
الحادي والثلاثون بعد المائة: ما رواه الصدوق في (معاني الأخبار): عن أبيه، عن سعد، عن البرقي، عن محمّد بن علي، عن سفيان، عن فراس، عن الشعبي، قال: قال ابن الكوّا لعلي عليه السلام: يا أمير المؤمنين أرأيت قولك: العجب كلّ العجب بين جمادى ورجب؟ قال عليه السلام: (ويحك يا أعور هو جمع أشتات، ونشر أموات، وحصد نبات، وهنات بعد هنات، مهلكات مبيرات، لست أنا ولا أنت هناك).(١٤٤٦)
أقول: حمل الصدوق آخر الحديث على التقية. فقال: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام اتّقى ابن الكوّا في هذا الحديث؛ لأنّه كان غير محتمل(١٤٤٧) لأسرار آل محمّد عليهم السلام.(١٤٤٨) (انتهى).
ويمكن أن يكون إشارة إلى رجعة بعض الشيعة وأعدائهم في زمن المهدي عليه السلام، وإنّ ذلك يكون بين جمادى ورجب، وأمّا رجعة أمير المؤمنين عليه السلام فهي متأخِّرة عن هذه الرجعة كما يأتي، ولعلّها لا تكون بين جمادى ورجب، فلا حاجة إلى التأويل بالحمل على التقية.(١٤٤٩)
وقد تقدّم ما يدلّ على مضمون الباب.(١٤٥٠) ويأتي ما يدلّ عليه، فإنّ أحاديث هذه الأبواب كلّها متعاضدة في الدلالة على صحة الرجعة،(١٤٥١) وقد عرفت(١٤٥٢) وجه إفراد هذا الباب عمّا بعده والله الموفّق.

الباب العاشر: في ذكر جملة من الأخبار المعتمدة الواردة في الإخبار بالرجعة لجماعة من الأنبياء والأئمّة عليهم السلام

الحديث الأوّل: ممّا يدلّ على ذلك ما رواه الشيخ الجليل رئيس المحدِّثين أبو جعفر محمّد بن علي بن بابويه في كتاب (من لا يحضره الفقيه) ـ في باب المتعة ـ بطريق القطع والجزم من غير حوالة على سند حيث قال: قال الصادق عليه السلام: (ليس منّا من لم يؤمن بكرّتنا، ويستحلّ متعتنا).(١٤٥٣)
أقول: هذا الضمير الموضوع للمتكلِّم ومعه غيره دالّ بطريق الحقيقة على دخول الصادق عليه السلام في الرجعة، ومعه جماعة من أهل العصمة عليهم السلام أو الجميع، ولا خلاف في وجوب الحمل على الحقيقة مع عدم القرينة.
الثاني: ما رواه الشيخ الجليل رئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في (المصباح الكبير) ـ في أعمال يوم الجمعة(١٤٥٤) ـ: عن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام أنّه قال: (من أراد أن يزور قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وقبور الحجج عليهم السلام وهو في بلده فليغتسل يوم الجمعة ـ إلى أن قال ـ: وليقل: السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته،(١٤٥٥) السلام عليك أيّها النبي المرسل، والوصي المرتضى، والسيّدة الكبرى، والسيّدة الزهراء، والسبطان المنتجبان، والأولاد والأعلام، والاُمناء المستخزنون، جئت انقطاعاً(١٤٥٦) إليكم وإلى آبائكم وولدكم الخلف على بركة الحقّ، فقلبي لكم سلم، ونصرتي لكم معدّة حتّى يحكم الله بدينه، فمعكم معكم لا مع عدوّكم، إنّي من القائلين بفضلكم، مقرّ برجعتكم، لا اُنكر لله قدرة، ولا أزعم إلا ما شاء الله)(١٤٥٧) الحديث.
الثالث: ما رواه الشيخ أيضاً في (المصباح) ـ في أعمال رجب ـ قال(١٤٥٨): زيارة رواها ابن عيّاش قال: حدّثني خير(١٤٥٩) بن عبد الله، عن مولاه ـ يعني أبو القاسم الحسين بن روح ـ قال: زرْ أيّ المشاهد كنت بحضرتها في رجب تقول:
(الحمد لله الذي أشهدنا مشهد(١٤٦٠) أوليائه في رجب، وأوجب علينا من حقّهم ما قد وجب، وصلّى الله على محمّد المنتجب، وعلى أوصيائه الحجب ـ إلى أن قال ـ: والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتّى العود إلى حضرتكم، والفوز في كرّتكم، والحشر في زمرتكم).(١٤٦١)
الرابع: ما رواه رئيس المحدّثين أبو جعفر ابن بابويه في (الفقيه وعيون الأخبار) ورئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في (التهذيب) بأسانيدهما الصحيحة: عن محمّد بن إسماعيل البرمكي، عن موسى بن عبد الله النخعي،(١٤٦٢) عن الإمام علي بن محمّد عليهما السلام في الزيارة الجامعة يقول فيها: (اُشهد الله واُشهدكم أنّي مؤمن بكم وبما آمنتم به، كافر بعدوّكم وبما كفرتم به ـ إلى أن قال ـ: معترف بكم، مؤمن بإيابكم، مصدِّقٌ برجعتكم، منتظرٌ لأمركم، مرتقبٌ لدولتكم).
ثمّ قال: (ونصرتي لكم معدّة، حتّى يُحيي الله دينه بكم، ويردّكم في أيّامه، ويظهركم لعدله، ويمكِّنكم في أرضه).
ثمّ قال: (فثبّتني الله أبداً ما بقيت على موالاتكم، وجعلني ممّن يقتصّ آثاركم، ويسلك سبيلكم، ويهتدي بهديكم، ويحشر في زمرتكم، ويكرّ في رجعتكم، ويملّك في دولتكم، ويشرّف في عافيتكم، ويمكَّن في أيّامكم، وتقرّ عينه غداً برؤيتكم).(١٤٦٣)
أقول: قد عرفت أنّ الحمل على الحقيقة واجب متعيّن في أمثال هذه الألفاظ إجماعاً مع عدم القرينة كما هنا.
الخامس: ما رواه الشيخ وابن بابويه أيضاً بالسند السابق بعد الزيارة الجامعة في زيارة الوداع قال: (إذا أردت الإنصراف فقل: السلام عليكم(١٤٦٤) سلام مودِّع ـ إلى أن قال ـ: السلام عليكم حشرني الله في زمرتكم، وأوردني حوضكم، وجعلني من حزبكم، وأرضاكم عنّي، ومكّنني في دولتكم، وأحياني في رجعتكم، وملّكني في أيّامكم).(١٤٦٥)
السادس: ما رواه ابن بابويه أيضاً في كتاب (عيون الأخبار) ـ في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام في وجه دلائل الأئمّة عليهم السلام والردّ على الغلاة والمفوّضة ـ قال: حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني أحمد بن علي الأنصاري، عن الحسن بن الجهم ـ في حديث طويل ـ أنّ المأمون قال لأبي الحسن الرضا عليه السلام: ما تقول في الرجعة؟ فقال الرضا عليه السلام: (إنّها لحقّ، قد كانت في الاُمم السالفة وقد نطق بها القرآن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يكون في هذه الاُمّة كلّ ما كان في الاُمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة. وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم عليه السلام فصلّى خلفه.
وقال عليه السلام: إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، قيل: يا رسول الله ثمّ يكون ماذا؟ قال: ثمّ يرجع الحقّ إلى أهله) فقال المأمون: فما تقول في القائلين بالتناسخ؟ فقال: (من قال بالتناسخ فهو كافر مكذِّب بالجنّة)(١٤٦٦) الحديث.
أقول: رجعة عيسى عليه السلام قد صرّح بها في هذا الحديث وغيره، بل تواترت، وفي القرآن ما يدلّ على وفاته كقوله: (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ)(١٤٦٧) وقوله تعالى (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)(١٤٦٨) وغير ذلك والأحاديث فيه كثيرة، وإن كان بعض العامّة ينكر وفاته فليس بمعتبر، وما ذاك إلا لإفراطهم في إنكار الرجعة.
وقوله: (ثمّ يرجع الحقّ إلى أهله) يدلّ على رجعة الأئمّة عليهم السلام، مضافاً إلى التصريحات الكثيرة، ولو كان المراد خروج المهدي عليه السلام وحده لما كان من قسم الرجعة لما عرفت من معناها، وصرّح به صاحب (الصحاح والقاموس) وغيرهما.(١٤٦٩)
وقد عرفت أيضاً أنّ الطبرسي ذكر أنّ ذلك تأويل صدر من بعضهم ثمّ حكم بأنّه مخالف لإجماع الإمامية،(١٤٧٠) والتصريحات(١٤٧١) المنافية لهذا التأويل البعيد أكثر من أن تحصى، ثمّ إنّ الحكم بعدها ببطلان التناسخ يدلّ على عود الروح في الرجعة إلى بدنها الحقيقي لا إلى بدن آخر، وإلا لكان تناسخاً قطعاً.
السابع: ما رواه ابن بابويه في (عيون الأخبار) ـ في باب ما حدّث به هرثمة بن أعين من وفاة الرضا عليه السلام ـ: عن تميم بن عبد الله القرشي، عن أبيه، عن محمّد بن مثنّى،(١٤٧٢) عن محمّد بن خلف الطاطري،(١٤٧٣) عن هرثمة بن أعين، عن الرضا عليه السلام ـ في حديث طويل ـ قال: (إنّ المأمون سيقول لك وأنت تغسلني: أليس زعمتم أنّ الإمام لا يغسّله إلا إمام؟ فأجبه وقل له: إنّ الإمام لا يجب أن يغسّله إلا إمام، فإن تعدّى متعدّ فغسّل الإمام لم تبطل إمامته، ولا إمامة الذي بعده، ولو ترك الرضا بالمدينة لم يغسّله إلا ابنه ظاهراً مكشوفاً، ولا يغسّله الآن إلا هو من حيث يخفى)(١٤٧٤).(١٤٧٥)
أقول: هذا المعنى قد ورد في الأحاديث كثيراً، وهو يؤيّد الأحاديث الكثيرة الواردة في الأخبار برجعة الحسين ليغسّل المهدي عليهما السلام.
الثامن: ما رواه الكليني ـ في باب زيارة الحسين عليه السلام ـ: عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيّوب، عن نعيم بن الوليد، عن يوسف الكناسي،(١٤٧٦) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام ـ ثمّ ذكر الزيارة بطولها ـ تقول فيها: اُشهدكم أنّي بكم مؤمن، وبإيابكم موقن ـ إلى أن قال ـ: والعن قتلة الحسين عليه السلام، اللهمّ اجعلنا ممّن ينصره وتنتصر(١٤٧٧) به، وتمنَّ عليه بنصرك لدينك في الدنيا والآخرة).(١٤٧٨)
ورواه أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه في (المزار) بالسند الذي يأتي ذكره، عقيب هذا الحديث إن شاء الله.(١٤٧٩)
التاسع: ما رواه الكليني أيضاً في الباب المذكور بالسند السابق يقول فيه أبو عبد الله عليه السلام: (إذا أردت أن تودّعه فقل: السلام عليك ورحمة الله وبركاته أستودعك الله(١٤٨٠) ـ إلى أن قال ـ: اللهمّ لا تجعله آخر العهد منّا ومنه، اللهمّ ابعثه مقاماً محموداً تنصر به دينك، وتقتل به عدوّك، وتبير(١٤٨١) به من نصب حرباً لآل محمّد، فإنّك وعدت ذلك وأنت لا تخلف الميعاد، والسلام عليك(١٤٨٢) ورحمة الله وبركاته، أشهد أنّكم نجباء شهداء، جاهدتم في الله وقُتلتم على منهاج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم).(١٤٨٣)
ورواه الشيخ الثقة الجليل أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه في كتاب المزار المسمّى بـ (كامل الزيارة): عن أبيه ومحمّد بن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد مثله.(١٤٨٤)
وأورد هذا الحديث في الباب الثامن والثمانين في وداع قبر الحسين عليه السلام، وأورد الحديث الذي قبله في الباب الذي قبله بهذا السند.
العاشر: ما رواه الكليني أيضاً ـ في باب أنّ الأئمّة عليهم السلام لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلاّ بأمر من الله ـ: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأصمّ، عن أبي عبد الله البزّاز،(١٤٨٥) عن حريز، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: (إنّ لكلّ واحد منّا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدّته، فإذا انقضى ما فيها ممّا أمر به عرف أنّ أجله قد حضر، فأتاه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ينعى إليه نفسه، وأخبره بما له عند الله.
وإنّ الحسين عليه السلام قرأ صحيفته التي اُعطيها وفسّر له ما يأتي، وبقى أشياء لم تقض فخرج للقتال، وكانت تلك الأشياء التي بقيت، أنّ الملائكة سألت الله في نصرته فأذن لها، فمكثت تستعدّ للقتال وتتأهّب لذلك حتّى قتل، فنزلت وقد انقطعت مدّته وقُتل عليه السلام، فقالت الملائكة: يا ربّنا أذنت لنا في الإنحدار، وأذنت لنا في نصره وقد قبضته؟
فأوحى الله إليهم: أن الزموا قبره حتّى تروه، وقد خرج فانصروه، وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من نصرته، فإنّكم قد خصّصتم بنصرته وبالبكاء عليه، فبكت الملائكة حزناً على ما فاتهم من نصرته، فإذا خرج يكونون أنصاره).(١٤٨٦)
ورواه الثقة الجليل أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه ـ في الباب السابع والعشرين من كتاب (المزار) ـ قال: حدّثني محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن محمّد بن سالم، عن محمّد بن خالد، عن عبد الله بن حمّاد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن، قال: حدّثنا أبو عبيدة البزّاز،(١٤٨٧) عن حريز، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام وذكر مثله.(١٤٨٨)
الحادي عشر: ما رواه الكليني أيضاً في أواسط (الروضة): عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن الحسن بن شمّون، عن عبد الله بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن القاسم البطل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ)(١٤٨٩) قال: (قتل علي بن أبي طالب عليه السلام وطعن الحسن عليه السلام) (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً) قال: (قتل الحسين عليه السلام) (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا) فإذا جاء نصر الحسين عليه السلام (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْس شَدِيد فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ) يبعثهم الله قبل خروج القائم عليه السلام فلا يَدَعون وتراً لآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلا قتلوه (وَكَانَ وَعْداً مَّفْعُولاً)(١٤٩٠) خروج القائم عليه السلام (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ)(١٤٩١) خروج الحسين عليه السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض الذهب، لكلّ بيضة وجهان.
المؤدّون إلى الناس: إنّ هذا الحسين عليه السلام قد خرج حتّى لا يشكّ فيه المؤمنون، وإنّه ليس بدجّال ولا شيطان، والحجّة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرّت المعرفة في قلوب المؤمنين أنّه الحسين عليه السلام جاء الحجّة الموت، فيكون الذي يغسّله ويكفّنه ويحنّطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي عليه السلام، ولا يلي الوصي إلاّ وصي).(١٤٩٢)
ورواه ابن قولويه في (المزار) ـ في الباب الثامن عشر فيما نزل(١٤٩٣) من القرآن في قتل الحسين عليه السلام، وانتقام الله له ولو بعد حين ـ قال: حدّثني محمّد بن جعفر الرزّاز،(١٤٩٤) عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن موسى بن سعدان الحنّاط، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن صالح بن سعد، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله إلى قوله: (وكان وَعْدَاً الله مفعولاً).(١٤٩٥)
أقول: وإنّما ترك آخر الحديث؛ لأنّه لا يدلّ على مضمون الباب، وهذه عادته كما قرّر في أوّل كتابه وفيما أورده كفاية هنا.
واعلم أنّ بعض الأصحاب المعاصرين استشكل هذا الحديث جدّاً والذي ظهر لي في حلّ إشكاله وجوه:
أحدها: إنّه قد تقرّر أنّ للقرآن ظاهراً وباطناً، وأنّه لا يعلم جميع معانيه إلاّ الأئمّة عليهم السلام، فلعلّ ما ذكر معناه الباطني، وظاهره غير مراد.
وثانيها: إنّه قد تقرّر أيضاً بالأحاديث الكثيرة، أنّ بعض الآيات أو أكثرها قد اُريد به معنيان فصاعداً، بل سبعون معنىً، فلعلّ هذه الآية المراد منها ظاهرها، والمعنى المروي أيضاً وغيرهما.
وثالثها: أن يكون لفظ بني إسرائيل في الآية كناية عن هذه الاُمّة، لمشابهتهم لهم في أكثر الأحوال أو كلّها كما مرّ، ويكون استعارة، فلا يكون المراد بها ظاهرها أصلاً.
ورابعها: أن يكون المراد بها ظاهرها، وتكون في حكم بني إسرائيل، ويكون الحديث الوارد في تفسيرها المذكور هنا إشارة إلى الأحاديث السابقة: (إنّ كلّ ما كان في بني إسرائيل يكون في هذه الاُمّة مثله، حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة) فكأنّه قال: ظاهر الآية واضح، ومعناها الذي يفهم منها مراد، ونظير هذا الأمر في هذه الاُمّة(١٤٩٦) ما ذكرنا، ثمّ أورد الوقائع المشابهة للوقائع السابقة في بني إسرائيل والله أعلم.(١٤٩٧)
وخامسها:(١٤٩٨) وهو أقرب ممّا سبق، أن تكون الآية خطاباً لهذه الاُمّة في قوله (لتفسدنّ) و(لتعلنّ) و(بعثنا عليكم) و(رددنا لكم) وغيرها. ويكون المراد إنّا قضينا إلى(١٤٩٩) بني إسرائيل في كتابهم أنّكم لابدّ أن تفعلوا هذه الأفعال يعني أخبرناكم(١٥٠٠) بأحوالكم وما تفعلون، وما يكون عاقبة اُموركم والله أعلم.
الثاني عشر: ما رواه رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (الخصال) ـ في باب العشرة ـ: عن محمّد بن أحمد بن إبراهيم، عن أبي عبد الله الورّاق، عن محمّد بن عبد الله بن الفرج،(١٥٠١) عن علي بن بنان المقري، عن محمّد بن سابق، عن زائدة، عن الأعمش، عن فرات القزّاز، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إنّكم لا ترون الساعة حتّى تروا قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدجّال، ودابّة الأرض، وخروج عيسى بن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج)(١٥٠٢) الحديث.
أقول: يأتي إن شاء الله ما يدلّ صريحاً على أنّ دابة الأرض أمير المؤمنين عليه السلام، وتقدّم ما يدلّ على ذلك أيضاً.
الثالث عشر: ما رواه رئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في (المصباح الكبير) ـ في ذكر قنوت الوتر ـ قال: ويستحبّ أن يزاد هذا الدعاء (الحمد لله شكراً لنعمائه) ـ وذكر شكاية طويلة من أحوال الغيبة والدعاء لصاحب الزمان بتعجيل الفرج والخروج ـ إلى أن قال: (اللهمّ وشرّف(١٥٠٣) بما استقلّ به من القيام(١٥٠٤) بأمرك لدى مواقف المسار مقامه، وسرّ نبيك محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم برؤيته ومن تبعه على دعوته) ثمّ قال: (وردّ عنه من سهام المكاره ما يوجّهه أهل الشنآن إليه وإلى شركائه في أمره، ومعاونيه على طاعة ربّه)(١٥٠٥) الدعاء.
الرابع عشر: ما رواه الشيخ أيضاً في (المصباح) ـ في أدعية الصباح والمساء ـ في الدعاء الكامل المعروف بدعاء الحريق يقول في آخره: (اللهمّ صلِّ على محمّد وأهل بيته الطاهرين وعجِّل اللهمّ فرجهم وفرجي، وفرج كلّ(١٥٠٦) مهموم(١٥٠٧) من المؤمنين، اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد وارزقني نصرهم وأشهدني أيّامهم واجمع بيني وبينهم في الدنيا والآخرة، واجعل عليهم منك واقية حتى لا يخلص إليهم إلا بسبيل خير وعلى من معهم وعلى شيعتهم ومحبّيهم وأوليائهم)(١٥٠٨) الدعاء.
ورواه الكفعمي في (مصباحه) في الفصل الرابع عشر.(١٥٠٩)
الخامس عشر: ما رواه أيضاً في (المصباح) ـ في الصلوات(١٥١٠) المرغّب في فعلها يوم الجمعة في صلاة اُخرى لفاطمة عليها السلام ـ قال: روى إبراهيم بن عمر الصنعاني، عن أبي عبد الله عليه السلام ـ ثمّ ذكر كيفيّة الصلاة والدعاء بعدها ـ إلى أن قال: (وأسألك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تفرِّج عن محمّد وآل محمّد وتجعل فَرَجي مقروناً بفرَجِهم)(١٥١١) الدعاء.
أقول: ومثل هذا كثير جدّاً في الأدعية، والحمل على الحقيقة الذي هو واجب قطعاً مع عدم قرينة المجاز، يدلّ على الرجعة، ويؤيّد التصريحات الكثيرة جدّاً.
السادس عشر: ما رواه أيضاً في (المصباح) ـ في دعاء كلّ يوم من شهر رمضان بعد ما ذكر الصلاة على النبي(١٥١٢) والأئمّة عليهم السلام واحداً واحداً(١٥١٣) ـ قال: (اللهمّ صلِّ على ذريّة نبيّك، اللهمّ اخلف محمّداً في أهل بيته، اللهمّ مكِّن لهم في الأرض، اللهمّ اجعلنا من عددهم ومددهم، وأنصارهم على الحقّ في السرّ والعلانية، اللهمّ اطلب بذحلهم(١٥١٤) ووترهم ودمائهم، وكفّ عنّا وعنهم وعن كلّ مؤمن ومؤمنة بأس كلّ طاغ وباغ)(١٥١٥) الدعاء.
أقول: معلوم أنّ ضمير (مكِّن لهم) عائد إلى الجميع فهو كآية الوعد باستخلافهم وتمكينهم، والحمل على الحقيقة كما عرفت دالّ على الرجعة مع عدّة من القرائن، كسؤال كفّ البأس عنهم وغير ذلك، مع التصريحات الكثيرة التي لا تحصى.
السابع عشر: ما رواه الشيخ أيضاً في (المصباح) ـ في أعمال ذي القعدة في دعاء يوم الخامس والعشرين منه ـ: (اللهمّ داحي الكعبة وفالق الحبّة ـ إلى أن قال ـ: وأشهدني أولياءَك عند خروج نفسي وحلول رمسي، اللهمّ عجِّل فرج أوليائك واردد عليهم مظالمهم وأظهر بالحقّ قائمهم).
ثمّ قال: (اللهمّ صلِّ عليه وعلى آبائه واجعلنا من صحبه وابعثنا في كرّته حتّى نكون في زمانه من أعوانه).(١٥١٦)
ورواه الكفعمي في (مصباحه)(١٥١٧) وكذا أكثر الأدعية المذكورة هنا.(١٥١٨) ودلالتها على المراد بملاحظة ضمائر الجمع والحمل على الحقيقة والقرائن والتلويحات فهي مؤيِّدة للتصريحات.
الثامن عشر: ما رواه أيضاً في (المصباح) ـ في زيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة ـ: (أشهد أنّك الإمام البرّ التقي وأنّ الأئمّة من ولدك كلمة التقوى وأعلام الهدى اُشهد الله وملائكته وأنبياءَه ورسله أنّي بكم مؤمن وبإيابكم موقن)(١٥١٩) الزيارة.
أقول: هذا أوضح دلالة في رجعتهم: فإنّ الإياب: الرجوع، وليس المراد القيامة قطعاً؛ لعدم إفادته، وعدم اختصاص الإقرار بالزائر أصلاً.(١٥٢٠)
التاسع عشر: ما رواه الشيخ أيضاً في (المصباح) ـ في زيارة العبّاس بن علي عليه السلام ـ يقول فيها: (أشهد أنّك قُتلت مظلوماً، وأنّ الله منجز لكم ما وعدكم، جئتك يابن أمير المؤمنين وقلبي لكم مسلّم، ورأيي لكم تبع، ونصرتي لكم معدّة، حتّى يحكم الله وهو خير الحاكمين، فمعكم معكم لا مع عدوّكم، إنّي بكم وبإيابكم من المؤمنين، وبمن خالفكم وقتلكم من الكافرين ـ إلى أن قال ـ: جمع الله بيننا وبينك وبين رسوله وأوليائه).(١٥٢١)
ورواه الشيخ أيضاً في (التهذيب).(١٥٢٢)
ورواه الثقة الجليل أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه في (المزار) ـ في باب زيارة العبّاس عليه السلام ـ قال: حدّثني أبو عبدالرحمن محمّد بن أحمد بن الحسين العسكري،(١٥٢٣) عن الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمّد بن مروان، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال الصادق عليه السلام، ثمّ أورد الزيارة.(١٥٢٤)
أقول: الإياب: الرجعة، وهو إشارة إلى رجوع الحسين عليه السلام والسبعين الذين قتلوا معه ومن جملتهم العبّاس عليه السلام.
العشرون: ما رواه أيضاً في (المصباح) ـ في زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ـ يقول فيها: (أتيتك انقطاعاً إليك وإلى وليّك الخلف من بعدك على الحقّ فقلبي لك(١٥٢٥) مسلّم وأمري لك(١٥٢٦) متّبع ونصرتي لك(١٥٢٧) معدّة ـ إلى أن قال ـ: اللهمّ لا تخيّب توجّهي إليك برسولك وآل رسولك، أنت مننت عليَّ بزيارة أمير المؤمنين وولايته ومعرفته فاجعلني ممّن ينصره وينتصر به ومُنَّ عليَّ بنصره لدينك في الدنيا والآخرة).(١٥٢٨)
ورواه الشيخ الجليل أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه في كتاب (المزار) ـ في باب زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ـ قال: حدّثني محمّد بن الحسن بن الوليد فيما ذكره في كتابه الذي سمّاه: (الجامع) قال: روي عن أبي الحسن عليه السلام أنّه كان يقول عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام.(١٥٢٩) ثمّ ذكر الزيارة بطولها.
ورواه الكفعمي في (المصباح) في الفصل الحادي والأربعين.(١٥٣٠)
الحادي والعشرون: ما رواه الشيخ أيضاً في (التهذيب) وفي (المصباح) ـ في زيارة الأربعين من أعمال صفر ـ قال: أخبرنا جماعة، عن هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدّثنا محمّد بن علي بن معمّر، عن علي بن محمّد بن مسعدة والحسن بن علي بن فضّال جميعاً، عن سعدان بن مسلم، عن صفوان بن مهران، قال: قال لي مولاي الصادق عليه السلام في زيارة الأربعين تقول: (السلام على الحسين الشهيد المظلوم ـ إلى أن قال ـ: أشهد أنّك الإمام البرّ التقي وأنّ الأئمّة من ولدك كلمة التقوى، أشهد أنّي بكم مؤمن وبإيابكم موقن بشرايع ديني وخواتيم عملي وأمري لأمركم متّبع ونصرتي لكم معدّة حتّى يأذن الله لكم فمعكم معكم لا مع عدوّكم).(١٥٣١)
الثاني والعشرون: ما رواه الشيخ أيضاً في (المصباح) ـ في عمل شعبان ـ قال: اليوم الثالث منه فيه ولد الحسين بن علي عليه السلام: خرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني ـ وكيل أبي محمّد عليه السلام ـ (إنّ مولانا الحسين بن علي عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث مضين من شعبان فصم وادع فيه بهذا الدعاء: اللهمّ إنّي أسألك بحقّ المولود في هذا اليوم الموعود بشهادته قبل استهلاله وولادته، بكته السماء ومن فيها والأرض ومن عليها، ولمّا يطأ لابتيها، قتيل العبرة وسيّد الاُسرة، الممدود بالنصرة يوم الكرّة، المعوّض من قتله أنّ الأئمّة من نسله، والشفاء في تربته، والفوز معه في أوبته، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته، حتّى يدركوا الأوتار ويثأروا الثار ويرضوا الجبّار ويكونوا خير أنصار، وصلّى الله عليهم مع اختلاف الليل والنهار.
اللهمّ فصلِّ على محمّد وعترته واحشرنا في زمرته، وبوّئنا معه دار الكرامة ومحلّ الإقامة.
اللهمّ وكما أكرمتنا بمعرفته فأكرمنا بزلفته، وارزقنا مرافقته وسابقته، واجعلنا ممّن يسلّم لأمره، ويكثر الصلاة عليه عند ذكره، وعلى جميع أوصيائه الاثني عشر النجوم الزهر.
اللهمّ وهب لنا في هذا اليوم خير موهبة كما وهبت الحسين لمحمّد جدّه، وعاذ فطرس بمهده، فنحن عائذون بقبره من بعده، نشهد تربته وننتظر أوبته آمين ربّ العالمين).(١٥٣٢)
الثالث والعشرون: ما رواه الكليني ـ في باب ما يعاين المؤمن والكافر من كتاب الجنائز ـ: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عمّن سمع أبا عبد الله عليه السلام ـ وذكر حال المؤمن بعد الموت ـ إلى أن قال: (فإذا وُضع في قبره فتح له باب من أبواب الجنّة، قال: ثمّ يزور آل محمّد في جنان(١٥٣٣) رضوى يأكل من طعامهم، ويشرب من شرابهم، ويتحدّث معهم في مجالسهم، حتّى يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا بعثهم الله، فأقبلوا معه يلبّون زمراً، فعند ذلك يرتاب المبطلون، ويضمحلّ المحلّون، ونجا المقرّبون)(١٥٣٤) الحديث.
الرابع والعشرون: ما رواه الكليني ـ في باب الإشارة والنصّ على الصادق عليه السلام ـ: عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان بن عثمان، عن أبي الصباح الكناني، قال: نظر أبو جعفر إلى أبي عبد الله عليهما السلام وهو يمشي فقال: (ترى هذا؟ هذا من الذين قال الله عزّ وجلّ: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ)(١٥٣٥)).(١٥٣٦)
الخامس والعشرون: ما رواه الكليني أيضاً ـ في باب نكت ونتف من التنزيل في الولاية ـ: عن علي بن محمّد، عن بعض أصحابنا، عن ابن محبوب، عن محمّد بن الفضيل،(١٥٣٧) عن أبي الحسن الماضي عليه السلام في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ) قال: (الولاية هي دين الحقّ) قلت: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(١٥٣٨) قال: (يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم)(١٥٣٩) الحديث.
أقول: الحمل على الحقيقة الذي هو واجب عند عدم القرينة يستلزم الحكم بالرجعة، مضافاً إلى التصريحات الكثيرة.
السادس والعشرون: ما رواه الكليني في أوائل (الروضة): عن عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن سليمان، عن عيثم بن أسلم،(١٥٤٠) عن معاوية بن عمّار، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: (إنّ جبرئيل عليه السلام قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ومنكم القائم يصلّي عيسى بن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض).(١٥٤١)
السابع والعشرون: ما رواه ابن بابويه في كتاب (العلل) ـ في باب العلّة التي من أجلها سمّي ذو القرنين ـ: عن أبيه، عن محمّد بن يحيى، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمّد بن أورمة، عن القاسم بن عروة،(١٥٤٢) عن بريد العجلي، عن الأصبغ بن نباتة، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام ـ وقد سئل عن ذي القرنين فقال ـ: (لم يكن نبيّاً ولا ملكاً، ولم يكن قرناه من ذهب ولا فضّة، ولكنّه كان عبداً أحبّ الله فأحبّه الله، وإنّما سمّي ذا القرنين؛ لأنّه دعا قومه إلى الله عزّ وجلّ، فضربوه على قرنه فغاب عنهم حيناً، ثمّ عاد إليهم فضربوه على قرنه الآخر، وفيكم مثله).(١٥٤٣)
أقول: قد عرفت سابقاً أنّ المراد بـ (مثله) أمير المؤمنين عليه السلام، وقد صرّح به ابن بابويه وعلي بن إبراهيم وغيرهما وهو المفهوم من قوله: (وفيكم) وقد تقدّم أنّ ذا القرنين لمّا ضربوه مات خمسمائة عام ثمّ رجع حيّاً، ثمّ ضربوه فمات كذلك ثمّ رجع.
الثامن والعشرون: ما رواه الشيخ أبو علي الحسن ابن الشيخ أبي جعفر الطوسي في (مجالسه): بإسناده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (كأنّي(١٥٤٤) بقوم قد تأوّلوا القرآن وأخذوا بالشبهات ـ إلى أن قال ـ: هم أهل فتنة يعمهون فيها، إلى أن يدركهم العدل، فقلت: يا رسول الله العدل منّا أم من غيرنا؟ قال: بل منّا، بنا فتح الله وبنا يختم، وبنا ألّف(١٥٤٥) القلوب بعد الشرك،(١٥٤٦) وبنا يؤلِّف القلوب بعد الفتنة).(١٥٤٧)
أقول: قد عرفت أنّ الحمل على الحقيقة يوجب الحكم بالرجعة، مضافاً إلى التصريحات الكثيرة.
التاسع والعشرون: ما رواه أيضاً فيه: بإسناده عن سفيان بن إبراهيم العائذي،(١٥٤٨) عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السلام قال: (بنا يبدأ البلاء ثمّ بكم، وبنا يبدأ الرخاء ثمّ بكم، والذي يحلف به لينتصرنّ الله بكم كما انتصر بالحجارة).(١٥٤٩)
أقول: ومثل هذا والذي قبله كثير جدّاً.
الثلاثون: ما رواه أيضاً فيه: بإسناده عن حذيفة بن أسيد، عن أبي ذرّ أنّه سمع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من قاتلني في الاُولى وقاتل أهل بيتي في الثانية فهو فيها من شيعة الدجّال).(١٥٥٠)
أقول: هذا دالّ كما ترى على رجعة (قتلة)(١٥٥١) أهل البيت عليهم السلام في وقت خروج الدجّال، وعلى رجعة جماعة من الذين قاتلوه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً.
الحادي والثلاثون: ما رواه رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) في أوائله: عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق، عن عبدالعزيز بن يحيى، عن الحسين بن معاذ، عن قيس بن حفص، عن يونس بن أرقم، عن أبي سيّار الشيباني، عن الضحّاك بن مزاحم، عن النزّال بن سبرة، عن أمير المؤمنين عليه السلام ـ في حديث يذكر فيه أمر الدجّال وخروجه إلى أن قال ـ: (يقتله الله بالشام على يد من يصلّي خلفه المسيح عيسى بن مريم، ألا إنّ بعد ذلك الطامّة الكبرى).
قلنا: وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: (خروج دابّة الأرض من عند الصفا، معها خاتم سليمان، وعصا موسى، يضع الخاتم على وجه كلّ مؤمن فيطبع فيه: هذا مؤمن حقّاً، ويضعه على وجه كلّ كافر فيطبع فيه: هذا كافر حقّاً، ثمّ ترفع الدابة رأسها فيراها مَن بين الخافقين بإذن الله بعد طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلك ترفع التوبة)(١٥٥٢) الحديث.
ورواه الراوندي في أواخر كتاب (الخرائج والجرائح) ـ في العلامات الدالّة على صاحب الزمان عليه السلام ـ: عن الأصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام مثله.(١٥٥٣)
أقول: يأتي إن شاء الله تعالى ما هو صريح في أنّ دابة الأرض أمير المؤمنين عليه السلام، وإنّه يخرج في الرجعة.
الثاني والثلاثون: ما رواه ابن بابويه أيضاً في كتاب (كمال الدين): بإسناده عن عبد الله بن سليمان وكان قارئاً للكتب أنّه قرأ في الإنجيل ـ وذكر كلاماً طويلاً ـ في إخبار الله عيسى عليه السلام بأحوال محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأحوال اُمّته يقول فيه: (أرفعك إليّ ثمّ اُهبطك في آخر الزمان، لترى من اُمّة ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم العجائب، ولتعينهم على قتل اللعين الدجّال، اُهبطك في وقت الصلاة لتصلّي معهم إنّهم اُمّة مرحومة).(١٥٥٤)
الثالث والثلاثون: ما رواه أيضاً ـ في باب اتّصال الوصية من لدن آدم عليه السلام ـ: عن أبيه ومحمّد بن الحسن،(١٥٥٥) عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن محمّد بن إسماعيل، عمّن حدّثه عن إسماعيل بن أبي رافع، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث: (إنّ اليهود ادّعت أنّها دفنت عيسى حيّاً، وادّعى بعضهم أنّهم قتلوه وصلبوه، ولم يكن الله ليجعل لهم عليه سبيلاً، وإنّما شبّه لهم، يقول الله: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا)(١٥٥٦) فلم يقدروا على قتله (بَل رَفَعَهُ الله إِلَيْهِ)(١٥٥٧) بعد أن توفّاه)(١٥٥٨) الحديث.
أقول: وفي معناه أحاديث كثيرة في وفاة عيسى، رواه الطبرسي(١٥٥٩) عن ابن عبّاس وغيره، وتلك الروايات موافقة للقرآن في عدّة آيات، وقد تواترت الأحاديث من طريق الخاصّة والعامّة برجعة عيسى عليه السلام في آخر الزمان، وهنا كلام آخر يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى.
الرابع والثلاثون: ما رواه أيضاً فيه ـ في باب ما نصّ الله عزّ وجلّ على القائم عليه السلام ـ: عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن آدم الشيباني، عن أبيه آدم، عن ابن أبي إياس،(١٥٦٠) عن المبارك بن فضالة، عن وهب بن منبه رفعه إلى ابن عبّاس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حديث قدسي طويل في النصّ على الأئمّة عليهم السلام ـ يقول فيه: (وآخر رجل منهم يصلّي خلفه عيسى بن مريم عليهما السلام).(١٥٦١)
الخامس والثلاثون: ما رواه أيضاً ـ في الباب المذكور ـ: عن أحمد بن محمّد بن سعيد، عن محمّد بن حمّاد، عن غياث بن إبراهيم، عن الحسين بن زيد بن علي، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أبشروا ثمّ أبشروا ـ إلى أن قال ـ: فكيف تهلك اُمّة أنا أوّلها، واثنا عشر من بعدي من السعداء اُولي الألباب، والمسيح بن مريم آخرها).(١٥٦٢)
السادس والثلاثون: ما رواه أيضاً فيه: بإسناده عن ابن عبّاس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أنّه قال: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج المهدي، فينزل عيسى بن مريم فيصلّي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربّها).(١٥٦٣)
السابع والثلاثون: ما رواه أيضاً فيه: بإسناده عن ابن عبّاس، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ في النصّ على الأئمّة عليهم السلام إلى أن قال ـ: (والحسن بن علي ومن يصلّي خلفه عيسى بن مريم عليه السلام ـ القائم عليه السلام ـ).(١٥٦٤)
الثامن والثلاثون: ما رواه أيضاً ـ في باب ما روي عن الحسن بن علي عليه السلام ـ عن المظفّر بن جعفر العلوي، عن جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن جبرئيل بن أحمد، عن موسى، عن الحسن بن محمّد الصيرفي، عن حنّان بن سدير، عن أبيه، عن أبي سعيد عقيصا، عن الحسن بن علي عليهما السلام في حديث قال: (أما علمت أنّه ما منّا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه، إلا القائم الذي يصلّي خلفه عيسى بن مريم عليهما السلام).(١٥٦٥)
التاسع والثلاثون: ما رواه أيضاً ـ في باب ما أخبر به الصادق عليه السلام ـ: بإسناده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أنّه قال له: فمن القائم منكم؟ قال: (الخامس من ولد ابني موسى ـ إلى أن قال ـ: ثمّ يظهر فيفتح الله على يديه مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه).(١٥٦٦)
الأربعون: ما رواه الكليني ـ في آخر كتاب الحج والزيارات في باب النوادر ـ قال: وروي إذا أخذته ـ يعني تراب قبر الحسين عليه السلام ـ فقل: (اللّهم بحقّ هذه التربة الطاهرة، وبحقّ البقعة الطيّبة، وبحقّ الوصي الذي وارثه، وبحقّ جدّه وأبيه وأخيه، والملائكة الذين يحتفّون به، والملائكة العكوف على قبر وليّك ينتظرون نصره، صلِّ على محمّد وآله، واجعل لي فيه شفاء من كلّ داء)(١٥٦٧) الدعاء.
ورواه الثقة الجليل جعفر بن محمّد بن قولويه في كتاب (المزار) قال: حدّثنا محمّد بن يعقوب وأورد الحديث.(١٥٦٨)
الحادي والأربعون: ما رواه الشيخ الجليل الثقة أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه في كتاب المزار المسمّى بـ (كامل الزيارة وفضلها)، الذي صرّح في أوّله أنّه ألّفه لأجل تحصيل الثواب والتقرّب إلى الله والنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام، وأنّه خرّجه وجمعه ممّا وقع إليه من أحاديث الثقات من أصحابنا، وأنّه لم يخرّج فيه حديثاً واحداً روي عن الشذّاذ من الرجال، يؤثر ذلك عن المذكورين غير(١٥٦٩) المشهورين بالحديث والعلم.
فروى فيه في الباب الثامن عشر فيما نزل من القرآن في قتل الحسين عليه السلام، وانتقام الله له ولو بعد حين، قال: حدّثني أبي؛، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن العبّاس بن معروف، عن صفوان بن يحيى، عن حكم الحنّاط، عن ضريس، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)(١٥٧٠) قال: (عليّ والحسن والحسين عليهم السلام).(١٥٧١)
أقول: يفهم منه الوعد برجعتهم ونصرهم حملاً على الحقيقة كما هو الواجب، وقد فهم منه المصنّف ذلك كما(١٥٧٢) ذكره في العنوان،(١٥٧٣) فهو مؤيّد للتصريحات الكثيرة.
الثاني والأربعون: ما رواه جعفر بن محمّد بن قولويه أيضاً في (المزار) ـ في الباب التاسع عشر في علم الأنبياء بقتل الحسين عليه السلام ـ قال: حدّثني محمّد بن جعفر الرزّاز، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب وأحمد بن الحسن بن علي بن فضّال، عن الحسن بن علي بن فضّال، عن مروان بن مسلم، عن بريد(١٥٧٤) بن معاوية العجلي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في قوله (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً)(١٥٧٥) كان إسماعيل بن إبراهيم؟ فقال: (إنّ إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإبراهيم كان حجّة الله قائماً صاحب شريعة، فإلى من اُرسل إسماعيل؟) قلت: فمن كان؟ قال: (كان إسماعيل بن حزقيل النبي بعثه الله إلى قومه فكذّبوه وقتلوه وسلخوا وجهه، فغضب الله عليهم فوجّه إليهم سطاطائيل ملك العذاب، فقال له: يا إسماعيل وجّهني ربّ العزّة إليك لاُعذّب قومك بأنواع العذاب إن شئت، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي إلى ذلك.
فأوحى الله إليه: يا اسماعيل فما حاجتك؟ فقال: يا ربّ إنّك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية، ولمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوّة، وأوصيائه بالولاية، وأخبرت خلقك بما تفعل اُمّته بالحسين بن علي من بعد نبيّها، وإنّك وعدت الحسين عليه السلام أن(١٥٧٦) تُكِرَّه إلى الدنيا حتّى ينتقم بنفسه ممّن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا ربّ أن تُكِرَّني إلى الدنيا حتّى أنتقم ممّن فعل ذلك بي كما فعل، كما تكرّ الحسين عليه السلام، فوعد الله إسماعيل بن حزقيل عليه السلام ذلك فهو يكرّ مع الحسين بن علي عليه السلام).(١٥٧٧)
الثالث والأربعون: ما رواه ابن قولويه أيضاً في (المزار) ـ في الباب التاسع والسبعين في زيارة(١٥٧٨) الحسين بن علي عليه السلام ـ قال: حدّثني الحسين بن محمّد بن عامر، عن أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا سعدان بن مسلم ـ قائد أبي بصير ـ قال: حدّثني بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر زيارة للحسين عليه السلام يقول فيها بعد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام: (وحبِّب إليَّ مشاهدهم حتّى تلحقني بهم، وتجعلهم لي(١٥٧٩) فرطاً، وتجعلني لهم تبعاً في الدنيا والآخرة).
قال: (ثمّ تقول: لبّيك داعي الله، إن كان لم يجبك بدني فقد أجابك قلبي وشعري وبشري وهواي على التسليم لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب، فقلبي لكم مسلّم، وأمري لكم(١٥٨٠) متّبع، ونصرتي لكم(١٥٨١) معدّة حتّى يحييكم الله لدينه ويبعثكم، فمعكم لا مع عدوّكم، إنّي من المؤمنين برجعتكم، لا اُنكر لله قدرة، ولا اُكذِّب له مشيئة، ولا أزعم أنّ ما شاء الله لا يكون)(١٥٨٢) وذكر الزيارة.
الرابع والأربعون: ما رواه أيضاً ـ في الباب المذكور ـ قال: حدّثني محمّد بن أحمد بن الحسين(١٥٨٣) العسكري ومحمّد بن الحسن بن الوليد جميعاً، عن الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه، عن علي بن مهزيار، عن محمّد بن أبي عمير، عن محمّد بن مروان، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قال الصادق عليه السلام: (إذا أردت المسير إلى الحسين عليه السلام ـ ثمّ ذكر آداب الزيارة وأورد زيارة طويلة يقول فيها ـ: (وقد أتيتك زائراً قبر ابن بنت نبيّك صلى الله عليه وآله وسلم فاجعل تحفتي فكاك رقبتي من النار ـ إلى أن قال ـ: (واجعلني من أنصاره يا أرحم الراحمين).
ثمّ قال فيها: (أتيتك انقطاعاً إليك وإلى جدّك وأبيك(١٥٨٤) وولدك الخلف من بعدك، فقلبي لك مسلّم ورأيي لك متّبع ونصرتي لك معدّة حتّى يحييكم الله لدينه ويبعثكم، وأشهد أنّكم الحجّة وبكم ترجى الرحمة، فمعكم لا مع عدوّكم إنّي بإيابكم من المؤمنين لا اُنكر لله قدرة ولا اُكذّب منه مشيئة).
ثمّ قال فيها: وتصلّي على الأئمّة كلّهم كما صلّيت على الحسن والحسين عليهم السلام.
ثمّ تقول: (اللهمّ تمّم بهم كلماتك، وأنجز بهم وعدك، وأهلك بهم عدوّك وعدوّهم من الجنّ والإنس أجمعين.
اللهمّ اجعلنا لهم شيعة وأعواناً وأنصاراً على طاعتك وطاعة رسولك، وأحينا محياهم وأمتنا مماتهم، وأشهدنا مشاهدهم في الدنيا والآخرة)(١٥٨٥) إلى أن قال:
(اللهمّ أدخلني في أوليائك وحبِّب إليّ مشاهدهم وشهادتهم في الدنيا والآخرة إنّك على كلّ شيء قدير).
ثمّ قال: (اللهمّ اجعلني ممّن ينصره وينتصر به لدينك في الدنيا والآخرة)(١٥٨٦) إلى أن قال:
(اللهمّ اجعلني ممّن له مع الحسين بن علي عليه السلام قدم ثابت، وأثبتني فيمن يستشهد معه).(١٥٨٧)
الخامس والأربعون: ما رواه الشيخ الثقة الجليل علي بن إبراهيم بن هاشم في (تفسيره) ـ في أوائله بعد تسع ورقات من أوّل النسخة المنقول منها في بحث الردّ على(١٥٨٨) من أنكر الرجعة ـ قال علي بن إبراهيم: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِن كِتَاب وَحِكْمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ).(١٥٨٩)
قال: (ما بعث الله نبيّاً من لدن آدم وهلمّ جرّا إلا ويرجع إلى الدنيا فينصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين، قوله: (لتؤمننّ به ـ يعني رسول الله(١٥٩٠) ولتنصرنّه) أمير المؤمنين).(١٥٩١)
ورواه الحسن بن سليمان بن خالد القمّي في (رسالته) نقلاً من (مختصر البصائر) لسعد بن عبد الله بسند آخر.(١٥٩٢)
السادس والأربعون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في أوائل (تفسيره) مرسلاً: في قوله تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ ـ يا معشر الأئمّة ـ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُـمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)(١٥٩٣) قال: هذا ممّا يكون في الرجعة.(١٥٩٤)
السابع والأربعون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً فيه مرسلاً: في قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ)(١٥٩٥) قال: هذا ممّا يكون في الرجعة.(١٥٩٦)
الثامن والأربعون: ما رواه أيضاً فيه قال: حدّثني أبي، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن شمر، قال: ذكر عند أبي جعفر عليه السلام جابر، فقال: (رحم الله جابراً لقد بلغ من علمه أنّه كان يعرف تأويل هذه الآية (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد)(١٥٩٧) يعني الرجعة).(١٥٩٨)
التاسع والأربعون: ما رواه الشيخ المفيد في (الإرشاد) ـ في إخبار أمير المؤمنين عليه السلام ـ في فصل منفرد قال: ومن كلامه عليه السلام ما رواه الخاصّة والعامّة أنّه عليه السلام قال في خطبة له: (نحن أهل بيت من علم الله عُلّمنا، وبحكم الله حكمنا، فإن تتّبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا، وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا، ألا وبنا تُدرك تِرة(١٥٩٩) كلّ مؤمن، وبنا تُخلع ربقة الذلّ من أعناقكم، وبنا فُتِح لا بكم، وبنا يُختَم لا بكم).(١٦٠٠)
الخمسون: ما رواه علي بن عيسى في كتاب (كشف الغمّة) نقلاً من كتاب (الدلائل) لعبد الله بن جعفر الحميري ـ في دلائل الباقر عليه السلام ـ في حديث: (إنّ أباه أوصى إليه أن يغسّله وقال: إنّ الإمام لا يغسّله إلا إمام).(١٦٠١)
أقول: هذا يؤيّد(١٦٠٢) ما روي: (أنّ الحسين عليه السلام يرجع ليغسّل المهدي عليه السلام).(١٦٠٣)
الحادي والخمسون: ما رواه أيضاً فيه من طرق متعدّدة من كتب العامّة والخاصّة: (إنّ عيسى عليه السلام يرجع ويهبط إلى الأرض ويصلّي خلف المهدي عليه السلام).(١٦٠٤)
الثاني والخمسون: ما رواه الشيخ الجليل أمين الإسلام أبو علي الطبرسي في كتاب (مجمع البيان) في تفسير قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَات)(١٦٠٥):
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (بادروا بالأعمال ستّاً: طلوع الشمس من مغربها، والدجّال، والدخان، ودابّة الأرض، وخويصة(١٦٠٦) أحدكم الموت، وأمر العامّة يعني القيامة).(١٦٠٧)
أقول: قد وردت الأحاديث الصريحة في أنّ دابّة الأرض هي أمير المؤمنين عليه السلام، وقد تقدّم ذلك، ويأتي مثله إن شاء الله.
الثالث والخمسون: ما رواه الطبرسي أيضاً فيه: عند قوله تعالى (يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ)(١٦٠٨) قال(١٦٠٩): وقد صحّ عنه عليه السلام أنّه قال: (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم(١٦١٠) وإمامكم منكم).(١٦١١)
ورواه البخاري ومسلم في (الصحيح).(١٦١٢)
الرابع والخمسون: ما رواه الطبرسي أيضاً: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (إنّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً، أحبّ الله فأحبّه،(١٦١٣) ونصح لله فنصحه الله، أمر قومه بتقوى الله فضربوه بالسيف على قرنه فمات زماناً، ثمّ رجع إليهم فدعاهم إلى الله فضربوه على قرنه الآخر بالسيف، فذلك قرناه، وفيكم مثله). يعني نفسه عليه السلام.(١٦١٤)
الخامس والخمسون: ما رواه أيضاً فيه(١٦١٥): عند قوله تعالى (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ)(١٦١٦):
عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (دابّة الأرض لا يدركها طالب، ولا يفوتها هارب، تسم المؤمن بين عينيه، وتكتب بين عينيه: مؤمن، وتسم الكافر بين عينيه وتكتب بين عينيه: كافر).(١٦١٧)
السادس والخمسون: ما رواه أيضاً فيه: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: (يكون للدابّة ثلاث خرجات من الدهر: خروجاً بأقصى المدينة فيفشو ذكرها بالبادية، ولا يدخل ذكرها القرية ـ يعني مكّة ـ).(١٦١٨)
ثمّ ذكر تفصيل المرّات(١٦١٩) الثلاث، وأنّها تسم المؤمن في وجهه، والكافر في وجهه، ويكتب على وجه كلّ أحد: مؤمن أو كافر.
السابع والخمسون: ما رواه الطبرسي أيضاً: عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: (أنا صاحب العصا والميسم).(١٦٢٠)
الثامن والخمسون: ما رواه الكليني في زيارة طويلة لأمير المؤمنين عليه السلام قال: (أشهد أنّك صاحب العصا والميسم).(١٦٢١)
التاسع والخمسون: ما رواه علي بن إبراهيم في (تفسيره) ونقله عنه الطبرسي: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال رجل لعمّار بن ياسر: آية في كتاب الله أفسدت قلبي، قال عمّار: أيّة آية هي؟ قال: هذه الآية (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ)(١٦٢٢) فقال عمّار: والله لا أجلس ولا آكل ولا أشرب حتّى اُريكها، فجاء عمّار مع الرجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ـ وهو يأكل تمراً وزبداً ـ فقال: يا أبا اليقظان هلمّ، فجلس عمّار يأكل معه، فتعجّب الرجل، فلمّا قام عمّار، قال الرجل: سبحان الله حلفت أنّك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس حتّى ترينها؟ قال عمّار: قد أريتكها إن كنت تعقل).(١٦٢٣)
الستّون: ما رواه الطبرسي أيضاً نقلاً عن (تفسير العيّاشي) أنّه روى مثل هذه القصّة بعينها عن أبي ذرّ أيضاً.(١٦٢٤)
الحادي والستّون: ما رواه الشيخ أبو جعفر الطوسي في آخر كتاب (الغيبة): عن الفضل بن شاذان، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (والله ليملكنّ منّا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعاً) قلت: متى يكون ذلك؟ قال: (بعد القائم) قلت: وكم يقوم القائم في عالمه؟ قال: (تسع عشرة سنة، ثمّ يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين عليه السلام ودماء أصحابه، فيقتل ويسير(١٦٢٥) حتّى يخرج السفّاح).(١٦٢٦)
أقول: الظاهر أنّ قوله: (ثلاثمائة سنة) ظرف للموت، بمعنى أنّه يملك بعد ما مضى من(١٦٢٧) موته ثلاثمائة سنة، وليس بصريح في أنّه يملك(١٦٢٨) بعدها بغير فصل، بل إذا خرج بعد ذلك بألف سنة صدقت البعديّة المذكورة، والحكمة في عدم ذكر الفاصلة لا تخفى.
وقوله: (يزداد تسعاً) يحتمل أن يراد بها الزيادة في مدّة موته، وأن يراد بها مدّة ملكه؛ لأنّها زيادة(١٦٢٩) على عمره الأوّل، ويحتمل أن يكون مجموع الثلاثمائة والتسعة مدّة ملكه كما لا يخفى.
وقوله: (بعد القائم) يمكن أن يراد به بعد غيبته أو خروجه، ويمكن أن يقرا (بعد) بضمّ العين فعلاً ماضياً، والقائم الثاني يحتمل المهدي؛ المذكور أولاً على بعض الوجوه.
وقوله: (ثمّ يخرج المنتصر) لا يلزم كونه بعد القائم، بل يحتمل الحمل على أنّه عطف على قوله (ليملكنّ) ولا يبعد أن يكون المراد بـ (المنتصر): الحسين عليه السلام وبـ (السفّاح): أمير المؤمنين عليه السلام.
وقد وقع التصريح بالثاني في رسالة الحسن بن سليمان بن خالد القمّي في رواية هذا الحديث.
ويأتي إن شاء الله مزيد تحقيق للحال والله أعلم.
الثاني والستّون: ما رواه الشيخ الجليل أبو محمّد الحسن بن محمّد الديلمي في كتاب (إرشاد القلوب إلى الصواب) في الباب الخامس(١٦٣٠) عشر في أشراط الساعة ـ قال: خطب الناس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: (أفضل(١٦٣١) الحديث كتاب الله، وأفضل الهدى هدى الله؛ وشرّ الاُمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة ـ إلى أن قال ـ: لا تقوم الساعة حتّى يقبض العلم، ويكثر الزلزال، وتطلع الشمس من مغربها، وتخرج الدابة، ويظهر الدجّال، وينزل عيسى بن مريم عليه السلام)(١٦٣٢) الحديث.
الثالث والستّون: ما رواه علي بن إبراهيم بن هاشم في (تفسيره) في قوله تعالى: (وَإِن مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)(١٦٣٣) قال: روي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رجع آمن الناس كلّهم.(١٦٣٤)
الرابع والستّون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً فيه عند هذه الآية قال: حدّثني أبي، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقري، عن أبي حمزة، عن شهر بن حوشب، قال: قال لي الحجّاج: آية في كتاب الله قد أعيتني، قلت: أيّها الأمير أيّة آية؟ قال: قوله تعالى (وَإِن مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)(١٦٣٥) والله إنّي لآمر باليهودي والنصراني فتضرب عنقه، ثمّ أرمقه(١٦٣٦) فما أراه يحرِّك شفتيه حتّى يخمد، فقلت: ليس على ما تأوّلت، إنّ عيسى ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا، فلا يبقى أهل ملّة يهوديّ ولا غيره إلا آمن به قبل موته، ويصلّي خلف المهدي، قال: أنّى لك هذا؟
قلت: حدّثني به محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال: جئت بها من عين صافية.(١٦٣٧)
الخامس والستّون: ما رواه أيضاً فيه: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى (إِنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلَ آيَةً)(١٦٣٨) قال: (سيريك في آخر الزمان آيات منها: دابّة الأرض، والدجّال، ونزول عيسى بن مريم عليه السلام، وطلوع الشمس من مغربها).(١٦٣٩)
السادس والستّون: ما رواه أيضاً فيه: عند قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ ـ يعني برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ)(١٦٤٠) يعني أمير المؤمنين عليه السلام قال: أخذ الله ميثاق الرسول على الأنبياء أن يخبروا اُممهم به وينصروه، فقد نصروه بالقول وأمروا اُممهم بذلك، وسيرجع رسول الله ويرجعون وينصرونه في الدنيا.(١٦٤١)
السابع والستّون: ما رواه أيضاً فيه: عند قوله تعالى (أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ)(١٦٤٢) قال: أي صدّقتم به في الرجعة، فيقال لهم: الآن تؤمنون به ـ يعني أمير المؤمنين عليه السلام(١٦٤٣) ـ.
الثامن والستّون: ما رواه أيضاً فيه: عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن حمّاد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله، عن الفضيل بن يسّار، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاس بِإِمَامِهِمْ)(١٦٤٤) قال: (يجيء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قرية(١٦٤٥) ويجيء عليّ عليه السلام في قرية، والحسن في قرية،(١٦٤٦) والحسين عليه السلام في قرية، وكلّ من مات بين ظهراني قوم جاءُوا معه).(١٦٤٧)
أقول: في بعض النسخ كما نقلنا(قرية) بالياء المثناة التحتانية، والمراد حينئذ الرجعة قطعاً إذ لا قرية في القيامة، والقرية تطلق على المدينة العظيمة، وفي بعض النسخ (قرنه) بالنون، وحينئذ يحتمل إرادة الرجعة ويحتمل إرادة القيامة.
التاسع والستّون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في (تفسيره) مرسلاً: في قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ)(١٦٤٨) قال: (خاطب الله الأئمّة عليهم السلام ووعدهم أن يستخلفهم في الأرض من بعد ظلمهم وغصبهم، وهذا ممّا تأويله بعد تنزيله).(١٦٤٩)
السبعون: ما رواه أيضاً: فيه رفعه قال: (وبشّر الله نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته، أن يتفضّل عليهم بعد ذلك، ويجعلهم خلفاء في الأرض وأئمّة على اُمّته، ويردّهم إلى الدنيا مع أعدائهم حتّى ينتصفوا منهم).(١٦٥٠)
الحادي والسبعون: ما رواه أيضاً فيه: مرسلاً في قوله تعالى (وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا)(١٦٥١) قال: (هم الذين غصبوا آل محمّد حقّهم (مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) قال: من القتل والعذاب، حين يردّهم ويردّ أعداءهم إلى الدنيا حتّى يقتلوهم).(١٦٥٢)
الثاني والسبعون: ما رواه أيضاً فيه قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد، فحرّكه من رجليه(١٦٥٣) وقال: قم يا دابّة الأرض،(١٦٥٤) فقال رجل: يا رسول الله أيسمّي بعضنا بعضاً بهذا الاسم؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصّة، وهو الدابة التي ذكرها الله في كتابه، فقال: (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ).(١٦٥٥)
ثمّ قال: يا علي، إذا كان في آخر الزمان، أخرجك الله في أحسن صورة، ومعك ميسم تسم به أعداءك)(١٦٥٦) الحديث.
الثالث والسبعون: ما رواه علي بن إبراهيم أيضاً في (تفسيره): عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن المفضّل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً)(١٦٥٧) قال: (ليس أحد من المؤمنين قُتل إلا يرجع حتّى يموت، ولايرجع إلا من محض(١٦٥٨) الإيمان محضاً أو محض الكفر محضاً).(١٦٥٩)
أقول: ومثل هذا كثير جدّاً تقدّم بعضه، ولا يخفى أنّ هذا دالّ على رجعتهم: بطريق الأولوية، مضافاً إلى التصريحات الكثيرة.
الرابع والسبعون: ما رواه أيضاً فيه: عن أبيه، عن حمّاد، عن حريز، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سئل عن جابر، فقال: (رحم الله جابراً، لقد بلغ من فقهه أنّه كان يعرف تأويل هذه الآية (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد)(١٦٦٠) يعني الرجعة).(١٦٦١)
الخامس والسبعون: ما رواه أيضاً فيه قال: حدّثني أبي، عن النضر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن عبد الحميد الطائي، عن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين عليه السلام في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد)(١٦٦٢) قال: (يرجع إليكم نبيّكم صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام).(١٦٦٣)
السادس والسبعون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(١٦٦٤) قال: (هو الرجعة إذا رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة عليهم السلام).(١٦٦٥)
السابع والسبعون: ما رواه أيضاً فيه: عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: قلت له: قول الله عزّ وجلّ (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)(١٦٦٦) قال: (ذلك والله في الرجعة، أما علمت أنّ الأنبياء لم يُنصروا في الدنيا وقُتلوا، والأئمّة من بعدهم لم يُنصروا وقُتلوا، وذلك في الرجعة).(١٦٦٧)
ورواه سعد بن عبد الله في (مختصر البصائر) كما نقله عنه الحسن بن سليمان بن خالد(١٦٦٨) في (رسالته).(١٦٦٩)
الثامن والسبعون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ)(١٦٧٠) قال: (يعني أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام في الرجعة، فإذا رأوهم (قَالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا)(١٦٧١)).(١٦٧٢)
التاسع والسبعون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى (وَتَرَى الظَّالِمِينَ ـ آل محمّد حقّهم ـ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ ـ وعليّ هو العذاب في الرجعة ـ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِن سَبِيل)(١٦٧٣) فنوالي عليّاً؟!(١٦٧٤)
الثمانون: ما رواه أيضاً فيه: مرسلاً قال: ذكر الله الأئمّة فقال: (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(١٦٧٥) أي: فإنّهم يرجعون إلى الدنيا.(١٦٧٦)
الحادي والثمانون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا الأنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً)(١٦٧٧) يعني الحسين عليه السلام، وذلك أنّ الله أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبشّره بالحسين عليه السلام قبل حمله، وأنّ الإمامة تكون في ذرّيته إلى يوم القيامة، ثمّ أخبره بما يصيبه من القتل والمصيبة في نفسه وولده، ثمّ عوّضه بأن جعل الإمامة في عقبه، وأعلمه أنّه يقتل، ثمّ يردّه إلى الدنيا فينصره حتّى يقتل أعداءه، ويملّكه الأرض، وهو قوله: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ)(١٦٧٨).(١٦٧٩)
الثاني والثمانون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)(١٦٨٠) قال: (بشّر الله نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّ أهل بيته يملكون الأرض، ويرجعون إليها، ويقتلون أعداءهم، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة عليها السلام بخبر الحسين عليه السلام وقتله فحملته كرهاً).
ثمّ قال أبو عبد الله عليه السلام: (فهل رأيتم أحداً يبشَّر بولد ذكر فتحمله كرهاً؟ أي أنّها اغتمّت وكرهت لمّا اُخبرت بقتله).(١٦٨١)
الثالث والثمانون: ما رواه أيضاً فيه قال: حدّثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبدالرحيم القصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن (ن وَالْقَلَمِ) وذكر الحديث ـ إلى أن قال ـ: ((إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا ـ قال: كنّى عن الثاني ـ قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ ـ أي أكاذيب الأوّلين ـ سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)(١٦٨٢) قال: في الرجعة إذا رجع أمير المؤمنين عليه السلام ورجع أعداؤه، فيسمهم بميسم معه، كما توسم البهائم على الخراطيم: الأنف والشفتان).(١٦٨٣)
الرابع والثمانون: ما رواه أيضاً فيه: عن أبيه، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام في قوله تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)(١٦٨٤) قال: (المساجد: الأئمّة عليهم السلام ـ إلى أن قال ـ (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ ـ قال: القائم وأمير المؤمنين عليهما السلام في الرجعة ـ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً)(١٦٨٥)).(١٦٨٦)
الخامس والثمانون: ما رواه أيضاً فيه: في قوله تعالى (قُتِلَ الأنسَانُ ـ أي أمير المؤمنين عليه السلام ـ مَا أَكْفَرَهُ ـ أي ما فعل وأذنب حتّى قتلتموه ـ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ـ قال: يسّر له طريق الخير ـ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ ـ قال: في الرجعة ـ كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ)(١٦٨٧) أي لم يقض أمير المؤمنين عليه السلام ما قد أمره، وسيرجع حتّى يقضي ما أمره.(١٦٨٨)
السادس والثمانون: ما رواه أيضاً فيه قال: أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمّد، عن ابن أبي نصر، عن جميل بن درّاج، عن أبي أسامة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قوله تعالى (قُتِلَ الأنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ) قال: (نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام (مَا أَكْفَرَهُ) يعني بقتلكم إيّاه (مِنْ أَيِّ شَيء خَلَقَهُ) يقول: من طينة الأنبياء (خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ـ للخير ـ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) يعني سبيل الهدى (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ) قال: في الرجعة (كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ)(١٦٨٩) قال: يمكث بعد قتله في الرجعة فيقضي ما أمره).(١٦٩٠)
السابع والثمانون: ما رواه أيضاً فيه: عن جعفر بن أحمد، عن عبد الله(١٦٩١) بن موسى، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ) قال: (السماء هنا أمير المؤمنين عليه السلام ـ إلى أن قال ـ قلت: (النَّجْمُ الثَّاقِبُ)(١٦٩٢) قال: ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثمّ قال: (إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ)(١٦٩٣) كما خلقه من نطفة يقدر أن يردّه إلى الدنيا وإلى القيامة).(١٦٩٤)
الثامن والثمانون: ما رواه الشيخ الجليل تقي الدين إبراهيم بن علي العاملي الكفعمي في (المصباح) ـ في الفصل السادس والأربعين في جملة الدعاء الذي يدعى به بعد صلاة العيد(١٦٩٥) ـ: (اللهمّ صلِّ على محمّد وعلى أئمّة الهدى، الأئمّة المهديّين، والحجج على خلقك ـ إلى أن قال ـ: اللهمّ اشعب بهم الصدع، وارتق بهم الفتق، وأمت بهم الجور، وأظهر بهم العدل، وزيّن بطول بقائهم الأرض، وأيّدهم بنصرك، وانصرهم بالرعب، وقوّناصريهم، واخذل خاذليهم،(١٦٩٦) ودمدم على من نصب لهم، وأعزّ بهم المؤمنين، وأذلّ(١٦٩٧) بهم المنافقين)(١٦٩٨) الدعاء.
التاسع والثمانون: ما رواه الشيخ الثقة الجليل أبو عمرو الكشّي في (كتاب الرجال) ـ في ترجمة جابر بن عبد الله الأنصاري ـ: عن أحمد بن علي القمي السلولي، عن إدريس بن أيّوب القمي، عن الحسين بن سعيد، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (جابر يعلم) وأثنى عليه خيراً، قال: فقلت له: وكان من أصحاب عليّ عليه السلام؟، قال: (كان جابر(١٦٩٩) يعلم قول الله عزّ وجلّ (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد)(١٧٠٠)).(١٧٠١)
التسعون: ما رواه الكشّي أيضاً في (كتاب الرجال): عن أحمد بن علي، عن إدريس،(١٧٠٢) عن الحسين بن بشير، عن هشام بن سالم، عن محمّد بن مسلم وزرارة قالا: سألنا أبا جعفر عليه السلام عن أحاديث فرواها لنا عن جابر، فقلنا: ما لنا ولجابر؟ فقال: (بلغ من إيمانه أنّه يقرأ هذه الآية (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد)(١٧٠٣)).(١٧٠٤)
الحادي والتسعون: ما رواه أيضاً فيه: عن أحمد بن علي القمّي شقران السلولي،(١٧٠٥) عن إدريس، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن إسماعيل، عن ابن اُذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قلت: ما لنا ولجابر تروي عنه؟ فقال: (يا زرارة إنّ جابراً كان يعلم تأويل هذه الآية (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد)(١٧٠٦)).(١٧٠٧)
الثاني والتسعون: ما تضمّنته الصحيفة الشريفة الكاملة المتواترة وسندها معلوم، وذلك في دعائه عليه السلام يوم الأضحى والجمعة: (اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد إنّك حميدٌ مجيد، كصلواتك وبركاتك على أصفيائك إبراهيم وآل إبراهيم، وعجّل الفرج والروح والنصرة والتمكين والتأييد لهم، اللهمّ واجعلني من أهل التوحيد والإيمان بك والتصديق برسولك، والأئمّة الذين حتمت طاعتهم ممّن يجري ذلك به وعلى يديه آمين ربّ العالمين).(١٧٠٨)
الثالث والتسعون: ما رواه الشيخ أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في كتاب (الاحتجاج) ـ في احتجاج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ: عن معمّر بن راشد، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ومن ذرّيتي المهدي، إذا خرج نزل عيسى بن مريم عليهما السلام لنصرته، فقدّمه وصلّى خلفه).(١٧٠٩)
الرابع والتسعون: ما رواه الطبرسي أيضاً في (الاحتجاج) في أواخره: عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنّه قال: خرج من الناحية المقدّسة بعد المسائل: (بسم الله الرحمن الرحيم ـ إلى أن قال ـ: إذا أردتم التوجّه بنا إلى الله، فقولوا كما قال الله: (سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ)(١٧١٠) السلام عليك يا داعي الله ـ إلى أن قال ـ: اُشهدك يا مولاي أنّي أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، لا حبيب إلا هو وأهله.
وأشهد أنّ أمير المؤمنين حجّته، والحسن حجّته، والحسين حجّته، وعلي بن الحسين حجّته، ومحمّد بن علي حجّته، وجعفر بن محمّد حجّته، وموسى بن جعفر حجّته، وعلي بن موسى حجّته، ومحمّد بن علي حجّته، وعلي بن محمّد حجّته، والحسن بن علي حجّته.
وأشهد أنّك(١٧١١) حجّة الله، أنتم الأوّل والآخر، وأنّ رجعتكم حقّ لا ريب فيها يوم (لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً)(١٧١٢) وأنّ الموت حقّ، وأنّ ناكراً ونكيراً حقّ، وأنّ النشر حقّ، والبعث حقّ)(١٧١٣) الحديث.
الخامس والتسعون: ما رواه الشيخ الثقة الجليل قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي في نوادر المعجزات من كتاب (الخرائج والجرائح) ـ في فصل الرجعة ـ: عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن ابن فضيل، عن سعد الجلاّب، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (قال الحسين عليه السلام لأصحابه ـ قبل أن يُقتل ـ: إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي: يا بني إنّك ستُساق إلى العراق، وإنّك تستشهد ويستشهد معك جماعة من أصحابك، لا يجدون ألم مسّ الحديد، وتلا: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ)(١٧١٤) تكون الحرب عليك وعليهم برداً وسلاماً، فابشروا فوالله لئن قتلونا فإنّا نرد إلى نبيّنا.
قال: ثمّ أمكث ما شاء الله فأكون أوّل من تنشقّ عنه الأرض، فأخرج خرجة توافق خرجة أمير المؤمنين عليه السلام وقيام قائمنا.
ثمّ لينزلنّ عيسى ووفد من السماء من عند الله لم ينزلوا إلى الأرض قط، ولينزلنّ إليَّ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وجنود من الملائكة، وليركبنّ(١٧١٥) محمّد وعليّ وأنا وأخي وجميع من منَّ الله عليه في حمولات من حمولات الربّ، جمال من نور لم يركبها مخلوق.
ثمّ ليهزنّ محمّداً لواءه، وليدفعنّه إلى قائمنا مع سيفه.
ثمّ إنّا نمكث ما شاء الله.
ثمّ إنّ الله يُخرج من مسجد الكوفة عيناً من ذهب، وعيناً من ماء، وعيناً من لبن.
ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السلام يدفع إليّ سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيبعثني إلى المشرق والمغرب، فلا آتي على(١٧١٦) عدوّ إلا أهرقت دمه، ولا أدع صنماً إلا أحرقته، حتّى آتي على الهند فأفتحها.
وإنّ دانيال ويونس يخرجان إلى أمير المؤمنين عليه السلام يقولان: صدق الله ورسوله، وليبعثنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معهما إلى البصرة سبعين رجلاً، فيقتلون مقاتليهم، ويبعث بعثاً(١٧١٧) إلى الروم فيفتح الله له.
ثمّ لأقتلنّ كلّ دابّة حرام أكلها، حتّى لا يكون على وجه الأرض إلا الطيّب، وتعرض عليّ اليهود والنصارى وسائر أهل الملل كلّها لاُخيّرهم بين الإسلام والسيف، فمن أسلم مننت عليه، ومن أبى الإسلام أهرق الله دمه، ولا يبقى أحد من شيعتنا إلا بعث الله إليه ملكاً يمسح عن وجهه التراب، ويعرّفه أزواجه ومنزلته في الجنّة، ولا يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد ولا مبتلى إلا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل البيت.
ولتنزلنّ البركات من السماء إلى الأرض حتّى أنّ الشجرة لتضعف بما يزيد الله فيها من الثمرة، ولتؤكل ثمرة الصيف في الشتاء، وثمرة الشتاء في الصيف، وذلك قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَات مِنَ السَّماءِ وَالأرْضِ وَلكِن كَذَّبُوا)(١٧١٨) ثمّ إنّ الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شيء في الأرض وما كان فيها).(١٧١٩)
ورواه الحسن بن سليمان بن خالد القمّي في (رسالته) قال: رواه لي ورويته عنه المولى السعيد بهاء الدين علي ابن السعيد(١٧٢٠) عبد الكريم بن عبد الحميد الحسيني: بإسناده عن أبي سعيد سهل رفعه إلى أبي جعفر عليه السلام مثله.(١٧٢١)
السادس والتسعون: ما رواه رئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في كتاب (الغيبة) قريباً من نصف الكتاب معلّقاً: عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن الحسن بن علي الخزّاز قال: دخل علي بن أبي حمزة على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال له: أنت إمام؟ فقال: (نعم) فقال: إنّي سمعت جدّك جعفر بن محمّد عليه السلام يقول: لا يكون الإمام إلا وله عقب، فقال: (أنسيت يا شيخ أم تناسيت؟ ليس هكذا قال جعفر عليه السلام، إنّما قال جعفر عليه السلام: لا يكون الإمام إلا وله عقب، إلا الذي يخرج عليه الحسين بن علي عليه السلام فإنّه لا عقب له) فقال له: صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدّك يقول.(١٧٢٢)
السابع والتسعون: ما رواه الشيخ الطوسي أيضاً في كتاب (الغيبة) ـ في فصل الأخبار المتضمّنة لمن رأى صاحب الزمان عليه السلام ولم يعرفه ثمّ عرفه بعد ـ: عن أحمد بن عبدون، عن محمّد بن علي(١٧٢٣) الشجاعي، عن محمّد بن إبراهيم النعماني، عن يوسف بن أحمد الجعفري ـ وذكر حديثاً طويلاً جرى له مع صاحب الزمان عليه السلام وبراهين رآها منه ـ إلى أن قال يوسف: فقلت له: متى يكون هذا الأمر؟ قال: (إذا حيل بينكم وبين سبيل الكعبة، واجتمع الشمس والقمر، واستدار بها الكواكب والنجوم) فقلت: متى يابن رسول الله؟ فقال: (في سنة كذا وكذا، تخرج دابّة الأرض بين الصفا والمروة، معه عصا موسى، وخاتم سليمان، ويسوق الناس إلى المحشر)(١٧٢٤) الحديث.
الثامن والتسعون: ما رواه أيضاً في أواخر كتاب (الغيبة): عن محمّد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن يعقوب بن يزيد، عن علي بن الحكم، عن حمّاد بن عثمان، عن أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (مثل أمرنا في كتاب الله مثل صاحب الحمار أماته الله مائة عام ثمّ بعثه).(١٧٢٥)
أقول: المراد أمرهم في الرجعة كما هو ظاهر.
التاسع والتسعون: ما رواه أيضاً فيه: عن محمّد بن عبد الله الحميري، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد الكوفي، عن إسحاق بن محمّد، عن القاسم بن ربيع، عن علي بن خطّاب، عن مؤذِّن مسجد الأحمر، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام هل في كتاب الله مثل القائم؟ فقال: (نعم، آية صاحب الحمار، أماته الله ثمّ بعثه).(١٧٢٦)
أقول: المراد بالقائم هنا معناه اللغوي أعني: من يقوم منهم في الرجعة، بقرينة آخر الحديث، والتصريح بالموت والبعث.
المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن ابن فضّال، عن حمّاد، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير،(١٧٢٧) عن عامر بن واثلة، عن أمير المؤمنين عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (عشر قبل الساعة لابدّ منها: السفياني، والدجّال، والدخان، وخروج القائم، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم)(١٧٢٨) الحديث.
الأوّل بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن علي الزيتوني وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن أحمد بن هلال، عن الحسن بن محبوب، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ـ في حديث يذكر فيه أحوال الغيبة وآخر الزمان يقول فيه ـ: (ويرون بدناً بارزاً نحو عين الشمس، ومنادياً:(١٧٢٩) هذا أمير المؤمنين قد كرّ في هلاك الظالمين).(١٧٣٠)
الثاني بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن الفضل بن شاذان، عن نصر بن مزاحم، عن أبي لهيعة،(١٧٣١) عن أبي زرعة، عن عبد الله بن رزين، عن عمّار بن ياسر أنّه قال: دعوة أهل بيت نبيّكم في آخر الزمان، فالزموا الأرض وكفّوا حتّى ترد أوقاتها.(١٧٣٢) ثمّ ذكر جملة من علاماتها.(١٧٣٣)
الثالث بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن الفضل،(١٧٣٤) عن علي بن الحكم، عن سفيان الجريري، عن أبي صادق، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (دولتنا آخر الدول، ولن يبقى أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا، لئلاّ يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله تعالى (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(١٧٣٥)).(١٧٣٦)
الرابع بعد المائة: ما رواه الثقة الجليل سعد بن عبد الله في (مختصر البصائر)(١٧٣٧) على ما نقله عنه الحسن بن سليمان بن خالد القمّي في (رسالته) ـ في باب الكرّات وما جاء فيها ـ: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمّد بن سنان، عن عمّار بن مروان، عن المنخل بن جميل، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (ليس أحد من المؤمنين إلا وله قتلة وميتة، إنّه من قُتل نُشر حتّى يموت، ومن مات نُشر حتّى يُقتل ـ إلى أن قال ـ: في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ)(١٧٣٨) قال: يعني محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم وقيامه في الرجعة.
وقوله: (إِنَّهَا لإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيراً لِلْبَشَرِ)(١٧٣٩) يعني محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم في الرجعة.
وقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ)(١٧٤٠) قال: في الرجعة.
وقوله (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)(١٧٤١) قال: في الرجعة.
وفي قوله: (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً ذَا عَذَاب شَدِيد)(١٧٤٢) قال: هو أمير المؤمنين عليه السلام في الرجعة).
قال: وقال أبو عبد الله(١٧٤٣) عليه السلام: في قوله تعالى (رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مِسْلِمِينَ)(١٧٤٤) قال: (في الرجعة).(١٧٤٥)
الخامس بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه بهذا الإسناد: عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إنّ المدّثر(١٧٤٦) هو كائن في الرجعة، فقال له رجل: أحياة قبل القيامة وموت؟ قال: فقال: نعم والله، لكفرة(١٧٤٧) من الكفرات بعد الرجعة أشدّ من كفرات قبلها).(١٧٤٨)
السادس بعد المائة: ما رواه أيضاً في (مختصر البصائر) على ما نقل عنه: عن عمر بن عبد العزيز، عن جمبل بن درّاج، عن المعلّى بن خنيس وزيد الشحّام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعناه يقول: (أوّل من يكرّ في رجعته الحسين بن علي عليه السلام،(١٧٤٩) يمكث في الأرض حتّى يسقط حاجباه على عينيه).(١٧٥٠)
السابع بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن أحمد وعبد الله ابني محمّد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن أبي جميلة، عن أبان بن تغلب،(١٧٥١) عن أبي عبد الله عليه السلام: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: كيف أنتم معاشر قريش وقد كفرتم بعدي، ثمّ رأيتموني في كتيبة أضرب وجوهكم بالسيف ورقابكم، فقال جبرئيل: يا محمّد إن شاء الله أنت أو علي بن أبي طالب، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أو علي بن أبي طالب؟ فقال جبرئيل: واحدة لك واثنتان لعليّ عليه السلام).(١٧٥٢)
أقول: المراد (واحدة لك في الرجعة، واثنتان لعليّ عليه السلام): إحداهما بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بخمس وعشرين سنة، وذلك بعد قتل عثمان، والاُخرى في الرجعة وقد صرّح بذلك في قوله:(١٧٥٣) (وقد كفرتم بعدي ثمّ رأيتموني في كتيبة أضرب وجوهكم) إلى آخره.
الثامن بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن ابن فضّال، عن أبي المعزا، عن داود بن راشد، عن حمران بن أعين، قال: قال أبو جعفر عليه السلام لنا: (إنّ أوّل من يرجع لجاركم(١٧٥٤) الحسين بن علي عليه السلام، فيملك(١٧٥٥) حتّى تقع حاجباه على عينيه من الكبر).(١٧٥٦)
ورواه بإسناد آخر.(١٧٥٧)
التاسع بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن حمّادبن عثمان، عن محمّد بن مسلم، قال: سمعت حمران بن أعين وأبا الخطّاب يحدّثان ـ قبل أن يُحدث أبو الخطّاب ما أحدث ـ أنّهما سمعا أبا عبد الله عليه السلام يقول: (أوّل من تنشقّ عنه الأرض ويرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السلام، وأنّ الرجعة ليست بعامّة وهي خاصّة، لا يرجع إلا من محض الإيمان محضاً، أو محض الشرك محضاً).(١٧٥٨)
العاشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن قيصر(١٧٥٩) بن أبي شيبة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في هذه الآية (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِن كِتَاب وَحِكْمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ)(١٧٦٠) قال: (ليؤمننّ برسول الله، ولينصرنّ أمير المؤمنين عليّاً عليه السلام قال: نعم والله، من لدن آدم وهلمّ جرّاً، فلم يبعث الله نبيّاً ولا رسولاً إلا ردّ جميعهم إلى الدنيا، حتّى يُقتلوا(١٧٦١) بين يدي علي بن أبي طالب عليه السلام).(١٧٦٢)
ورواه العيّاشي في (تفسيره) على ما نقل عنه: عن فيض بن أبي شيبة مثله.(١٧٦٣)
الحادي عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن أحمد بن محمّد، عن علي بن النعمان، عن عامر بن معقل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (لا ترفعوا علياً فوق ما رفعه الله ولا تضعوا علياً دون ما وضعه الله، كفى بعليّ أن يقاتل أهل الكرّة، ويزوّج أهل الجنّة).(١٧٦٤)
ورواه ابن بابويه في كتاب (الأمالي) ـ في المجلس الثامن والثلاثين ـ: عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن الحكم ببقيّة السند مثله.(١٧٦٥)
الثاني عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم، عن عبد الكريم بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (ما من إمام إلا ويكرّ في قرنه، ويكرّ معه البرّ والفاجر في دهره، حتّى يميز(١٧٦٦) المؤمن من الكافر).(١٧٦٧)
أقول: هذا مخصوص بمن محض الإيمان محضاً أو الكفر محضاً لما مرّ.
الثالث عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه بالإسناد السابق، عن أبي عبد الله عليه السلام(١٧٦٨) قال: (إنّ إبليس قال (أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(١٧٦٩) فأبى الله ذلك وقال: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)(١٧٧٠) فإذا كان ذلك اليوم ظهر إبليس في جميع أشياعه إلى يوم الوقت المعلوم، وهي آخر كرّة يكرّها أمير المؤمنين عليه السلام، قلت: وإنّها الكرّات؟ قال: نعم إنّها الكرّات، وما من إمام في قرن إلا ويكرّ في قرنه، يكرّ معه البرّ والفاجر حتّى يميز المؤمن من الكافر.
فإذا كان يوم الوقت المعلوم كرّ أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه، وإبليس وأصحابه، فيقتلون قتلاً لم يقتل مثله قط ـ إلى أن قال ـ: فيهبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيطعن إبليس طعنة يكون هلاكه وهلاك جميع أتباعه، ويملك أمير المؤمنين عليه السلام أربعاً وأربعين ألف سنة، حتّى يولد للرجل من شيعة عليّ عليه السلام(١٧٧١) ألف ولد من صلبه)(١٧٧٢) الحديث.
الرابع عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن أيّوب بن نوح والحسن(١٧٧٣) بن علي بن عبد الله بن المغيرة، عن العبّاس بن عامر، عن سعيد بن جبير، وعن داود بن راشد، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام(١٧٧٤) قال: (أوّل من يرجع الحسين بن علي عليه السلام، فيمكث(١٧٧٥) حتّى تقع حاجباه على عينيه من الكبر).(١٧٧٦)
الخامس عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن جماعة من أصحابنا، عن الحسن بن علي وإبراهيم بن إسحاق، عن محمّد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُلُوكاً)(١٧٧٧) فقال: (الأنبياء عليهم السلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإبراهيم وإسماعيل، والملوك: الأئمّة عليهم السلام) قلت: وأيّ ملك اُعطيتم؟ قال: (ملك الجنّة وملك الكرّة).(١٧٧٨)
السادس عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد ومحمّد بن خالد البرقي، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن المعلّى بن عثمان،(١٧٧٩) عن المعلّى بن خنيس، قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: (أوّل من يرجع إلى الدنيا الحسين بن علي عليه السلام، فيملك حتّى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر).(١٧٨٠)
السابع عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: بهذا الإسناد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في قوله تعالى (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد)(١٧٨١) قال: (نبيّكم صلى الله عليه وآله وسلم راجع إليكم).(١٧٨٢)
الثامن عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سفيان، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: (إنّ لعليّ عليه السلام إلى الأرض كرّة مع الحسين عليه السلام، يقبل برايته حتّى ينتقم من بني اُميّة ومعاوية وآل معاوية، ثمّ يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذ من الكوفة ثلاثين ألفاً، ومن سائر الناس سبعين ألفاً، فيقاتلهم بصفّين مثل المرّة الاُولى، حتّى يقتلهم فلايبقى منهم(١٧٨٣) مخبر.
ثمّ كرّة اُخرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتّى يكون خليفته في الأرض، يعطي الله نبيّه ملك جميع أهل الدنيا حتّى ينجز له موعوده في كتابه، كما قال: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(١٧٨٤)).(١٧٨٥)
التاسع عشر بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن موسى بن عمر، عن عثمان بن عيسى، عن خالد بن يحيى، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: (اتّقوا دعوة سعد، قلت: وكيف ذلك؟ قال: إنّ سعداً يكرّ حتّى يقاتل أمير المؤمنين عليه السلام).(١٧٨٦)
العشرون بعد المائة: ما رواه الحسن بن سليمان بن خالد القمّي أيضاً في (رسالته) نقلاً من كتاب (الواحدة): عن محمّد بن الحسن بن عبد الله، عن جعفر بن محمّد البجلي، عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: (قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ الله واحد أحد ـ إلى أن قال ـ: وأخذ الله ميثاق الأنبياء بالإيمان والنصرة لنا، وذلك قول الله عزّ وجلّ:(١٧٨٧) (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِن كِتَاب وَحِكْمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ)(١٧٨٨) يعني لتؤمننّ بمحمّد ولتنصرنّ وصيّه،(١٧٨٩) وسينصرونه جميعاً.
وإنّ الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمّد صلى الله عليه وآله وسلم بالنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرت محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم وجاهدت بين يديه، وقتلت عدوّه ووفيت لله بما أخذ عليّ من العهد والنصرة لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولم ينصرني أحد من أولياء الله ورسله، وذلك لمّا قبضهم الله إليه، وسوف ينصرونني ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها،(١٧٩٠) وسيبعثهم الله أحياءً من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يضربون بالسيف هام الأموات والأحياء جميعاً.
فيا عجباً من أموات يبعثهم الله أحياءً زمرة بعد زمرة، قد شهروا سيوفهم يضربون بها هام الجبابرة وأتباعهم حتّى ينجز لهم ما وعدهم في قوله: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ)(١٧٩١) الآية.
وإنّ(١٧٩٢) لي الكرّة بعد الكرّة، والرجعة بعد الرجعة،(١٧٩٣) وأنا صاحب الكرّات والرجعات، وصاحب الصولات والنقمات، والدولات(١٧٩٤) العجيبات، وأنا دابّة الأرض، وأنا صاحب العصا والميسم)(١٧٩٥) الحديث.
الحادي والعشرون بعد المائة: ما رواه أيضاً نقلاً من (كتاب سليم بن قيس الهلالي) الذي رواه عنه أبان بن أبي عيّاش وقرأه جميعه على علي بن الحسين عليهما السلام بحضور جماعة من أعيان الصحابة منهم أبو الطفيل عامر بن واثلة فأقرّه عليه مولانا زين العابدين عليه السلام وقال: (هذه أحاديثنا صحيحة).
قال أبان: لقيت أبا الطفيل فحدّثني في الرجعة عن اُناس من أهل بدر: عن سلمان والمقداد واُبي بن كعب، فعرضت الذي سمعته منهم على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: (هذا علم خاصّ يسع(١٧٩٦) الاُمّة جهله، وردّ علمه إلى الله)(١٧٩٧) ثمّ صدّقني بكلّ ما حدّثوني فيها، وتلا عليّ بذلك قراءة كثيرة حتّى صرت ما أنا بيوم القيامة أشدّ يقيناً منّي بالرجعة.
قال(١٧٩٨): فقلت له: يا أمير المؤمنين(١٧٩٩) (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأرْضِ تُكَلِّمُهُمْ)(١٨٠٠) ما الدابّة؟ قال: (يا أبا الطفيل اُلهُ عن هذا) قلت: أخبرني به، قال: (هي دابّة تأكل الطعام، وتمشي في الأسواق، وتنكح النساء) قلت: مَن هو؟ قال: (ربّ الأرض) قلت: مَن هو؟ قال: (صدِّيق الاُمّة وفاروقها وذو قرنيها) قلت: مَن هو؟ قال: ((الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ)(١٨٠١) (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وصدّق به)(١٨٠٢) أنا، والناس كلّهم كافرون، غيري وغير محمد صلى الله عليه وآله وسلم) قلت: سمّه لي، قال: (قد سمّيته لك، ثمّ قال: إنّ حديثنا صعب مستصعب)(١٨٠٣) الحديث.
الثاني والعشرون بعد المائة: ما رواه الحسن بن سليمان أيضاً نقلاً من كتاب محمّد بن الحسن الصفّار: عن علي بن حسّان، وأبي عبد الله الرياحي، عن أبي الصامت الحلواني،(١٨٠٤) عن أبي جعفر عليه السلام قال: (قال أمير المؤمنين: أنا قاسم النار ـ إلى أن قال ـ: وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول، وإنّي لصاحب العصا والميسم، والدابّة التي تُكلِّم الناس).(١٨٠٥)
الثالث والعشرون بعد المائة: ما رواه الحسن بن سليمان أيضاً ـ في باب الكرّات وحالاتها ـ: عن السيِّد الجليل بهاء الدين علي بن عبد الحميد الحسيني بطريقه عن أحمد بن محمّد الايادي يرفعه إلى أحمد بن عقبة، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه سئل عن الرجعة أحقّ هي؟ قال: (نعم) قلت: من أوّل من يخرج؟ قال: (الحسين بن علي عليه السلام يخرج على أثر القائم عليه السلام) قلت: ومعه الناس كلّهم؟ قال: (لا، بل كما ذكر الله في كتابه (فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً)(١٨٠٦) قوماً بعد قوم).(١٨٠٧)
الرابع والعشرون بعد المائة: ما رواه أيضاً عنه عليه السلام قال: (يقبل الحسين عليه السلام في أصحابه الذين قُتلوا معه، ومعه سبعون نبيّاً كما بعثوا مع موسى بن عمران، فيدفع إليه القائم الخاتم فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله وكفنه وحنوطه وإبلاغه(١٨٠٨) حفرته).(١٨٠٩)
الخامس والعشرون بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه: عن بهاء الدين المذكور بسنده إلى أسد بن إسماعيل، عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه سئل عن اليوم الذي ذكره الله في كتابه فقال: (فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَة)(١٨١٠) فقال: (هي كرّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكون ملكه في كرّته خمسين ألف سنة، ويملك أمير المؤمنين عليه السلام في كرّته أربعاً وأربعين ألف سنة).(١٨١١)
أقول: قد استبعد منكر الرجعة أمثال هذا جدّاً مع أنّه يحتمل الحمل(١٨١٢) على المبالغة وغيرها، وقد ذكر جمع من المفسِّرين في قوله تعالى (كَانَ مِقْدارَهُ خَمْسِينَ أَلْفِ سَنَة) وفي طول القيامة أنّه يقضي(١٨١٣) فيه من الاُمور ما يقضي(١٨١٤) في مثل هذه المدّة، وأنّه لشدّته يرى طوله كهذه المدّة، وهذان الوجهان ممكنان هنا غير بعيدين.(١٨١٥) على تقدير وجود معارض له صريح.(١٨١٦)
السادس والعشرون بعد المائة: ما رواه أيضاً نقلاً عن ابن بابويه: عن محمّد بن أحمد بن إبراهيم، عن محمّد بن عبد الله بن الفرج، عن علي بن سنان المقرئ،(١٨١٧) عن محمّد بن سابق، عن زائدة، عن الأعمش، عن فرات القزاز،(١٨١٨) عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا ترون الساعة حتّى تروا قبلها عشر آيات: طلوع الشمس من مغربها، والدجّال، ودابّة الأرض، وخروج عيسى بن مريم عليهما السلام)(١٨١٩) الحديث.
السابع والعشرون بعد المائة: ما رواه الحسن بن سليمان أيضاً نقلاً من كتاب السيِّد رضيّ الدين علي بن طاووس قال: وجدت في كتاب جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي بإسناده إلى حمران بن أعين، قال: عمر الدنيا مائة ألف سنة، لسائر الناس عشرون ألف سنة، وثمانون ألف سنة لآل محمّد عليهم السلام.(١٨٢٠)
أقول: هذا أيضاً(١٨٢١) لا يبعد أن يراد به المبالغة، وقد يراد به أنّ نسبة دولة أهل الدول إلى دولة آل محمّد عليهم السلام كهذه النسبة يعني الخمس والله أعلم، هذا على تقدير وجود معارض ثابت له، وإلا فالاستبعاد ليس بشيء وهو بالنسبة إلى قدرة الله وقابلية أهله قليل كما لا يخفى.
الثامن والعشرون بعد المائة: ما رواه رئيس المحدِّثين أبو جعفر ابن بابويه في (الأمالي) ـ في المجلس الثامن ـ: عن محمّد بن علي ماجيلويه، عن عمّه(١٨٢٢) محمّد بن أبي القاسم، عن محمّد بن علي الكوفي، عن محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر، عن ثابت بن أبي صفية، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عبّاس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إنّ الله أمرني أن اُقيم لكم عليّاً علماً وإماماً وخليفة ووصيّاً ـ إلى أن قال ـ: إنّ علياً صدِّيق هذه الاُمّة، وفاروقها، ومحدّثها، إنّه هارونها، ويوشعها، وآصفها، وشمعونها، إنّه باب حِطّتها، وسفينة نجاتها، إنّه طالوتها، وذو قرنيها)(١٨٢٣) الحديث.
أقول: الحكم بمساواته عليه السلام للمذكورين يدلّ على رجعته عليه السلام؛ لأنّ أكثرهم أو كلّهم قد رجعوا كما مرّ، وأوضح ما فيه ذكر ذي القرنين، فإنّه قد رجع ـ كما تقدّم ـ وملك الأرض كلّها، وقد مرّ حديث خاصّ بالحكم بمماثلته لعليّ عليه السلام، فعلم أنّه لابدّ من رجعته وتملّكه الدنيا كلّها، مضافاً إلى التصريحات الكثيرة.
التاسع والعشرون بعد المائة: ما رواه ابن بابويه أيضاً فيه ـ في المجلس التاسع والثلاثين ـ: عن محمّد بن علي ماجيلويه، عن عمّه محمّد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن هلال، عن الفضل بن دكين، عن معمّر بن راشد، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أنّه قال: (ومن ذرّيتي المهدي، إذا خرج نزل عيسى بن مريم فقدّمه وصلّى خلفه).(١٨٢٤)
الثلاثون بعد المائة: ما رواه ابن بابويه أيضاً ـ في المجلس الرابع والسبعين ـ: عن محمّد بن موسى بن المتوكّل، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمّد بن أبي عمير، قال: حدّثني من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول:

لكلّ اُناس دولة يرقبونها * * * ودولتنا في آخر الدهر تظهر(١٨٢٥)

أقول: الحمل على الحقيقة في ضمير المتكلّم ومعه غيره يدلّ على الرجعة كما مرّ مراراً.
الحادي والثلاثون بعد المائة: ما رواه أيضاً ـ في المجلس الثالث والثمانين ـ: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد،(١٨٢٦) عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال في حديث طويل: (يا عليّ إنّ لك بيتاً(١٨٢٧) في الجنّة، وأنت ذو قرنيها).(١٨٢٨)
قال صاحب (النهاية) فيه: (وأنت ذو قرنيها) أي طرفي الجنّة. وقال أبو عبيد:(١٨٢٩) أراد ذو قرني الاُمّة(١٨٣٠) (انتهى).
أقول: قد تقدّم الكلام في مثله.
الثاني والثلاثون بعد المائة: ما رواه الثقة الجليل محمّد بن الحسن الصفّار في كتاب (بصائر الدرجات) ـ في باب أنّ الأئمّة عليهم السلام جرى لهم ما جرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ: عن علي بن حسّان، عن أبي عبد الله الرياحي، عن أبي الصامت الحلواني،(١٨٣١) عن أبي جعفر عليه السلام ـ في حديث ـ أنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال: (أنا قسيم الجنّة والنار ـ إلى أن قال ـ: وإنّي لصاحب الكرّات ودولة الدول، وإنّي لصاحب العصا والميسم، والدابّة التي تكلِّم الناس).(١٨٣٢)
الثالث والثلاثون بعد المائة: ما رواه أيضاً ـ في الباب المذكور ـ: عن أحمد بن محمّد وعبد الله بن عامر، عن محمّد بن سنان، عن مفضّل الجعفي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في حديث: (إنّ علياً عليه السلام كثيراً ما كان يقول: أنا قسيم الجنّة والنار، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا صاحب العصا والميسم)(١٨٣٣) الحديث.
الرابع والثلاثون بعد المائة: ما رواه أيضاً في أوّل الجزء الثالث(١٨٣٤) من (بصائر الدرجات): عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن محمّد بن حمران، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام(١٨٣٥) قال: (حدّث عن بني إسرائيل يا زرارة ولا حرج) قلت: إنّ في أحاديث الشيعة ما هو أعجب من أحاديثهم! فقال: (وأيّ شيء هو يا زرارة؟) فاختلس في قلبي، فكنت(١٨٣٦) ساعة لا أذكر ما أريد، فقال: (لعلّك تريد الرجعة(١٨٣٧)؟) قلت: نعم، قال: (حدّث بها فإنّها حقّ).(١٨٣٨)
أقول: رجعة الشيعة ليست بأعجب من أحاديث بني إسرائيل، وإنّما ذاك رجعة الأئمّة عليهم السلام.(١٨٣٩)
الخامس والثلاثون بعد المائة: ما رواه الشيخ الجليل علي بن محمّد الخزّاز القمّي في كتاب (الكفاية) ـ في باب الحسن عليه السلام ـ قال: حدّثنا محمّد بن علي ـ يعني ابن بابويه ـ عن المظفّر بن جعفر العلوي، عن جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه، عن جبرئيل بن أحمد، عن موسى بن جعفر البغدادي، عن الحسن بن محمّد الصيرفي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن أبي سعيد عقيصا، عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ـ في حديث طويل ـ قال: (أما علمتم أنّه ما منّا أحد إلا وتقع في عنقه بيعة الطاغية في زمانه(١٨٤٠) إلا القائم الذي يصلّي خلفه روح الله عيسى بن مريم)(١٨٤١) الحديث.
السادس والثلاثون بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه ـ في باب ما جاء عن أبي هريرة ـ قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله الشيباني، عن هشام(١٨٤٢) بن مالك أبي دلف الخزاعي، عن العبّاس بن الفرج الرياشي، عن شرجيل(١٨٤٣) بن أبي عون، عن يزيد بن عبد الملك، عن سعيد المقري،(١٨٤٤) عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قال: (إنّ الأئمّة بعدي إثنا عشر من أهل بيتي، عليٌّ أوّلهم، وأوسطهم محمّد، وآخرهم محمّد وهو مهدي هذه الاُمّة، الذي يصلّي خلفه عيسى بن مريم).(١٨٤٥)
السابع والثلاثون بعد المائة: ما رواه أيضاً ـ في باب ما جاء عن الحسين عليه السلام(١٨٤٦) ـ: عن المعافا بن زكريا، عن أحمد بن محمّد بن سعيد،(١٨٤٧) عن أحمد بن الحسن(١٨٤٨) بن سعيد، عن أبيه، عن جعفر بن الزبير المخزومي،(١٨٤٩) عن عمران بن يعقوب الجعدي، عن أبيه، عن يحيى بن جعدة بن هبيرة(١٨٥٠) عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث قال: (كيف تهلك اُمّة أنا أوّلها واثنا عشر من بعدي من السعداء اُولي الألباب، والمسيح بن مريم آخرها).(١٨٥١)
الثامن والثلاثون بعد المائة: ما رواه رجب الحافظ البرسي في كتاب (مشارق أنوار اليقين في حقائق أسرار أمير المؤمنين عليه السلام) ـ في أواخر الكتاب في فصل مفرد ـ: عن سلمان وأبي ذرّ، عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام طويل يقول فيه: (يا سلمان ويا جندب، وكان محمّد الناطق وأنا الصامت، ولابدّ في كلّ زمان من ناطق وصامت، فمحمّد صاحب الجمع، وأنا صاحب الحشر، ومحمّد صاحب الجنّة، وأنا صاحب الرجعة).(١٨٥٢)
التاسع والثلاثون بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه ـ في فصل آخر ـ: عن الأصبغ ابن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال: (ومن أنكر أنّ لي في الأرض كرّة بعد كرّة، ودعوة بعد دعوة،(١٨٥٣) وعودة بعد رجعة، حديثاً كما كنت قديماً فقد ردّ علينا، ومن ردّ علينا فقد ردّ على الله).(١٨٥٤)
الأربعون بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه ـ في فصل آخر ـ: عن أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له يقول فيها: (هيهات هيهات إذا كشف المستور، وحصل ما في الصدور، لقد كررتم كرّات، وكم بين كرّة وكرّة من آية وآيات ـ إلى أن قال ـ: وباعث محمّد وإبراهيم، لأقتلنّ أهل الشام بكم قتلات وأيّ قتلات، ولأقتلنّ أهل صفّين بكلّ قتلة سبعين قتلة، ولأردّنّ إلى كلّ مسلم حياة جديدة، ولاُسلّمنّ إليه صاحبه وقاتله، ولأقتلنّ بعمّار بن ياسر وباُويس القرني ألف قتيل ـ إلى أن يقال ـ: لا وكيف وأيّان ومتى وأنّى وحتّى.
ثمّ قال: لا تستعظموا هذا،(١٨٥٥) فإنّا اُعطينا علم المنايا والبلايا، كأنّي بهذا ـ وأشار إلى الحسين عليه السلام ـ قد نار نوره بين عينيه، وثار معه المؤمنون من كلّ مكان، وأيم الله لو شئت سمّيتهم رجلاً رجلاً بأسمائهم وأسماء آبائهم، فهم يتناسلون من أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم الوقت المعلوم ـ إلى أن قال ـ: حتّى يخرج إلى ما اُعدّ لي من الخيل والرجل،(١٨٥٦) فأتّخذ ما أحببت، وأترك ما أردت، ثمّ اُسلّم إلى عمّار بن ياسر اثني عشر ألف أدهم،(١٨٥٧) على كلّ أدهم منها محبٌّ لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم، مع كلّ واحد اثنتي عشرة ألف كتيبة،(١٨٥٨) لا يعلم عددها إلاّ الله).(١٨٥٩)
الحادي والأربعون بعد المائة: ما رواه أيضاً فيه ـ في فصل آخر ـ: عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل قال: (أنا صاحب النشر الأوّل والآخر، أنا صاحب المناقب والمفاخر ـ إلى أن قال ـ: أنا الذي اُقتل مرّتين واُحيى مرّتين، أنا المذكور في سالف الأزمان،(١٨٦٠) والخارج في آخر الزمان).(١٨٦١)
الثاني والأربعون بعد المائة: ما رواه السيِّد المرتضى في رسالة (المحكم والمتشابه) قال: قال أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم بن حفص النعماني في كتابه (في تفسير القرآن)(١٨٦٢): أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدّثنا أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن إسماعيل بن جابر، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام يقول: (إنّ الله بعث محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم فختم به الأنبياء، وأنزل عليه كتاباً فختم به الكتب ـ إلى أن قال ـ: ولقد سأل أمير المؤمنين عليه السلام شيعته عن هذا؟ فقال: إنّ الله أنزل القرآن على سبعة أحرف، ثمّ قال: وإنّ في القرآن ناسخاً ومنسوخاً، ومحكماً ومتشابهاً ـ إلى أن قال ـ: ومنه ردّ على من أنكر الرجعة.
ثمّ قال: فكانت الشيعة إذا تفرّغت من تكاليفها فسأله عن قسم قسم منها فيخبرها ـ إلى أن قال ـ: وأمّا الردّ على من أنكر الرجعة فقول الله عزّ وجلّ: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يوزَعُونَ)(١٨٦٣) أي إلى الدنيا، فأمّا حشر الآخرة فقوله تعالى (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً)(١٨٦٤) وقوله عزّ وجلّ (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَة أَهْلَكْنَاها أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ)(١٨٦٥) في الرجعة، فأمّا في القيامة فإنّهم يرجعون.
ومثل قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِن كِتَاب وَحِكْمَة ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ)(١٨٦٦) وهذا لا يكون إلا في الرجعة.
ومثله ما خاطب الله به الأئمّة عليهم السلام ووعدهم بالنصر والانتقام من أعدائهم، فقال سبحانه: (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً)(١٨٦٧) وهذا يكون إذا رجعوا إلى الدنيا.
ومثل قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأرْضِ)(١٨٦٨) وقوله سبحانه (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَاد)(١٨٦٩) أي رجعة الدنيا.
ومثله(١٨٧٠) قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ الله مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ)(١٨٧١) ثمَّ ماتوا وقوله تعالى (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيْقاتِنا)(١٨٧٢) فردّهم الله بعد الموت إلى الدنيا فأكلوا وشربوا ونكحوا ومثله خبر العزير).(١٨٧٣)
الثالث(١٨٧٤) والأربعون بعد المائة: ما رواه سعد بن عبد الله في (مختصر البصائر) على ما نقل عنه الحسن بن سليمان بن خالد: عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد ابن الحسين، عن البزنطي، عن حمّاد بن عثمان، عن بكير بن أعين، قال: قال لي من لا أشكّ فيه ـ يعني أبا جعفر عليه السلام ـ: (أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام سيرجعان).(١٨٧٥)
الرابع والأربعون بعد المائة: ما رواه أيض