الأقسام:
 مقال مختار:
 كتاب مختار:
 محاضرة مختارة:
الصوتيات الدعاوى المهدوية ودعاوى احمد بن الحسن (٤)
التاريخ ٢٠١١ | الحجم ٨.٥٢ MB
التفاصيل
 جديد المحاضرات:
الصوتيات سلسلة الكلمة الطيبة– الحلقة الرابعة- العلم والعلماء (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠٩/٠٩) الصوتيات سلسلة الكلمة الطيبة– الحلقة الثالثة- النسب المزيف (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠٩/٠٩) الصوتيات سلسلة الكلمة الطيبة- الحلقة الثانية- كي لانخدع (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠٩/٠٩) الصوتيات سلسلة الكلمة الطيبة - الحلقة الاولى الرد على المدعو احمد الحسن (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠٩/٠٨) الصوتيات بطلان أدلة إمامة احمد إسماعيل كاطع (تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/٢٧) الصوتيات هل الرؤى والأحلام حجة؟ (تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/٢٧) الصوتيات من هم المهديون الاثنا عشر (تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/٢٧) الصوتيات اليماني ليس احمد اسماعيل كاطع (تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/٢٧) الصوتيات تعريف باليماني المذكور في الروايات (تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/٢٧) الصوتيات هل الوصية لا يدعيها الا صاحبها (تاريخ الإضافة: ٢٠١٤/٠٨/٢٧)
 جديد المقالات:
المقالات (٣٣) التقليد فوق الشبهات (تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٨) المقالات (٣٢) رسالة في حصر الأئمة (عليهم السلام) بالاثني عشر ومفهوم العدد (تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٨) المقالات (٣١) الحلم والمنام ودفع الأوهام (تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٨) المقالات (٣٠) أخبار المهديين بين النفي والإثبات (تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٨) المقالات (٢٩) مشروعية التقليد في زمن الغيبة الكبرى (تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٨) المقالات (٢٨) تحصين الأنام من دعاوى الاتِّصال بالإمام (عجّل الله فرجه) (تاريخ الإضافة: ٢٠٢١/٠٥/١٨) المقالات الفتاوى السديدة للمرجعية الرشيدة (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) المقالات الفتاوى السديدة للمرجعية الرشيدة (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) المقالات الفتاوى السديدة للمرجعية الرشيدة (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) المقالات الفتاوى السديدة للمرجعية الرشيدة (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠)
 جديد الكتب:
الكتب الأربعون حديثاً فِي إِبْطَالِ إِمَامَةِ دَجَّالِ البَصْرَةِ (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) الكتب رايات الضلال (أحمد إسماعيل گاطع أُنموذجاً) (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) الكتب رواية (من ظهري) في الميزان (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) الكتب دعوى السفارة في الغيبة الكبرى (تاريخ الإضافة: ٢٠١٧/٠٧/٢٠) الكتب الشهب الأحمدية على مدَّعي المهدوية (دعوة أحمد الكاطع في الميزان) (تاريخ الإضافة: ٢٠١٦/٠٥/٣١) الكتب فعاليات صهيونية وهابية في العراق- حركة أحمد إسماعيل نموذجاً (تاريخ الإضافة: ٢٠١٦/٠٥/٣١) الكتب أهدى الرايات-دراسة في شخصية اليماني (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/١١/١٢) الكتب أحمد إسماعيل ليس من ذرّية الإمام المهدي عليه السلام (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠١/٢٨) الكتب حجّية الاستخارة في العقائد (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠١/٢٨) الكتب التمسّك بالمرجعية في زمن الغيبة الكبرى (تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/٠١/٢٨)
 البحث:
 الصفحة الرئيسية » دعوى اليماني » كتب الرد على دعوى اليماني » أهدى الرايات-دراسة في شخصية اليماني
 كتب الرد على دعوى اليماني

الكتب أهدى الرايات-دراسة في شخصية اليماني

القسم القسم: كتب الرد على دعوى اليماني الشخص المؤلف: الشيخ علي آل محسن تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠١٥/١١/١٢ المشاهدات المشاهدات: ٦٨٩٣٣ التعليقات التعليقات: ٠

أهدى الرايات
دراسة في شخصية اليماني

تأليف: علي آل محسن
تقديم: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام

فهرس المحتويات

مقدمة المركز
مقدمة
من هو اليماني؟
اليماني من ولد زيد الشهيد
اليماني من الموالين لأمير المؤمنين عليه السلام
بطلان دعاوى اﻟﮕﺎطع حول مشخِّصات اليماني
هل اليماني من اليمن أو من البصرة؟
الأول: دلالة النسبة على أن اليماني من خصوص اليمن
الثاني: دلالة الروايات على أن اليماني المعهود من أهل اليمن
الثالث: ارتكاز يمانية اليماني عند الناس في عصر النص
لا استبعاد في خروج اليماني من اليمن
خروج اليماني من العلامات الحتمية للظهور المقدّس
هل يقع البداء في العلامات المحتومة؟
العلامة الفارقة التي تميّز اليماني عن غيره
راية اليماني أهدى الرايات
محاولات فاشلة لحصر رايات الهدى في راية اليماني
سبب كون راية اليماني أهدى الرايات
هل اليماني هو الممهّد الرئيس للإمام المهدي عليه السلام؟
الممهِّدون للإمام المهدي عليه السلام:
١- رجل من ولد جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه
٢- الرايات السود من خراسان
هل اليماني هو الممهِّد الأساس لدولة الإمام المهدي عليه السلام؟
هل الرايات التي تأتي من المشرق رايات اليماني؟
مقامات اليماني!!
هل اليماني قائم آل محمد ومهدي آخر الزمان؟
هل اليماني منصوص العصمة؟
مقام اليماني قبل الخروج
هل تجب نصرة اليماني؟
سند الرواية الدالة على نصرة اليماني
دلالة الرواية
الحث على نصرة الخراساني
هل تجب بيعة اليماني؟
دور اليماني في دولة العدل الإلهي
هل يجب الاعتقاد باليماني؟
الأدلة الدالّة على أن اليماني ليس إماماً مفترض الطاعة
هل اليماني واحد أو متعدِّد؟
هل اليماني قائد الرايات السّود؟
١- أن أصحاب الرايات السود يخرجون من المشرق
٢- أنهم يخرجون من خصوص خراسان
٣- أن قائد الرايات السود هو الخراساني
٤- أن قائدهم شاب من بني هاشم وعلى مقدّمتهم شعيب بن صالح
٥- أنهم يبايعون الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، ويؤدّون إليه الطاعة
٦- ورود الأمر بنصرة هذه الرايات السود
٧- أنهم يهزمون أصحاب السفياني ويوطِّئون للمهدي سلطانه
دور اليماني في قتال السفياني
بطلان دعاوى مُدَّعي اليمانية
أولاً: أن اﻟﮕﺎطع ليس يمانيًّا
ثانياً: أن اليماني ينتسب إلى زيد الشهيد رضوان الله عليه
ثالثاً: أن اليماني يخرج من اليمن
رابعاً: أن اليماني يخرج في يوم واحد مع السفياني والخراساني
خامساً: أن اليماني يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام
سادساً: أن راية اﻟﮕﺎطع راية ضلال.
المصادر والمراجع

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدّمة المركز:
دأب مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام على مواجهة التيّارات المهدوية المنحرفة، ووقف في وجه أدعياء المهدوية. هذا مضافاً إلى تأصيل العقيدة المهدوية ونشرها بشكلها الصحيح بين أوساط الأُمَّة الإسلاميّة عموماً وأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام بشكل خاصّ، وذلك من خلال عدَّة آليات:
١ _ قسم الأسئلة والأجوبة، حيث يجيب المركز على عشرات الأسئلة والشبهات المهدوية المطروحة بشكل مباشر من خلال الانترنيت.
٢ _ المقالات والدراسات التي تجيب على شبهات مثارة قديمة وحديثة وذلك على صفحات جريدة (صدى المهدي) الصادرة من المركز.
٣ _ المحاضرات والندوات والدورات العلمية والتي تعالج الشبهات والإشكاليات المطروحة في العقيدة المهدوية، ومن ثَمَّ عرضها على برامج التواصل الاجتماعي وخصوصاً (قناة مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام) على اليوتيوب.
٤ _ طباعة ونشر البروشورات (الفولدر) تحت عنوان (أفكارنا) بعشرات الآلاف والاستفادة من التجمهر المليوني الحاشد في المناسبات الدينية وخصوصاً زيارة الأربعين والزيارة الشعبانية لإيصالها إلى القارئ الكريم.
٥ _ طباعة ونشر الكراسات العلمية التي تردّ على الشبهات في العقيدة المهدوية وخصوصاً شبهات (الگواطع)، وقد طبع المركز لحدّ الآن خمسة عناوين بواقع (٤٠٠) ألف كرّاس في هذا الخصوص.
٦ _ طباعة الكتب التي تتناول الإجابة على الشبهات المهدوية لاسيّما شبهات (أحمد إسماعيل گاطع) ومجموعته المنحرفة، وقد سبق وأن طبع المركز كتاب (الردّ القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم) لسماحة العلَّامة الشيخ علي آل محسن، فتلاقفته الأوساط الحوزوية والمحافل العلمية بكامل الترحيب والاهتمام.
وها هو الكتاب الثاني لسماحته الموسوم (أهدى الرايات دراسة في شخصية اليماني)، حيث عالج فيه جميع شبهات ابن گاطع وأتباعه في خصوص شخصية اليماني الأكثر جدلاً من بين شخصيات عصر الظهور المقدَّس.
والمركز أذ يُقدِّم شكره الوافر لسماحة المؤلِّف فإنَّه يدعو القارئ الكريم إلى أن يقف وقفة تأمّل في أسباب انتشار هذه الأوئبة الفكرية المنحرفة وكيفية علاجها، وأين هو موقعه في جبهة المنتظرين؟ وهل ساهم في ردّ الشبهات المرتبطة في العقيدة المهدوية كلّ حسب موقعه ومسؤوليَّته؟
نسأله تعالى أن يأخذ بأيدي المؤمنين إلى ما فيه الخير والصلاح، ويُعجِّل في فرج مولانا صاحب العصر والزمان، إنَّه سميع مجيب.

مدير المركز
السيّد محمّد القبانچي

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمد وآله الطيّبين الطاهرين المعصومين، وبعد:
فقد ظهر في العراق في هذه السنين رجل اسمه أحمد إسماعيل ﮔﺎطع(١)، صار أتباعه يسمّونه: الإمام أحمد الحسن، وقد ادّعى دعاوى باطلة كثيرة وعظيمة، ومن ضمنها ادّعاؤه أنّه هو اليماني المذكور في الروايات، رغم أنه من البصرة لا من أهل اليمن، وصار هو وجماعة من مؤيِّديه الذين أسموا أنفسهم بالأنصار يطبّقون عليه كثيراً من الروايات الواردة في الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وروايات اليماني وغيرها، وقد انطلى ذلك على بعض الجهّال والبسطاء، فظنّوا بالفعل أنه هو اليماني الممدوح في روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام.
وأعان على ذلك أن بعض كُتّاب الشيعة ممن هم على غير مسلك هذا الرجل ولا ينتمون إليه كتبوا في بعض مؤلّفاتهم أن اليماني ليس من أهل اليمن، وأنه ربما يكون عراقيًّا.
وهذه المسألة ليست مسألة مهمّة بحيث يُكتب فيها كتاب، أو يُعنى الباحث بالبحث فيها، ولكن لما طلب مني الأخ العزيز العلّامة السيّد محمد القباﻧﭽﻲ مدير مركز الدراسات التخصّصية في الإمام المهدي عليه السلام في النجف الأشرف أن أكتب كتاباً في موضوع اليماني الذي صار سبباً لتضليل بعض العوام السُّذَّج، فإني رأيت أن أكتب هذا البحث للتعريف باليماني بحسب دلالة الروايات المختلفة، ولرد الأوهام والتخيّلات التي يريد أتباع اﻟﮕﺎطع أن يوهموا العوام بأنها حقائق غير قابلة للنقض.
وأود أن ألفت النظر إلى أنه ليس من الصحيح أن يُتعامل مع روايات الفتن وعلامات الظهور كما يُتعامل مع روايات أصول الدين أو الأحكام الشرعية الفقهية، التي يُشترط فيها صحّة سندها من حيث عدالة الرواة أو وثاقتهم.
وعليه، فإن كل روايات الفتن وعلامات الظهور بما أنها لا ترتبط بالاعتقاد ولا بأي تكليف إلزامي فإني لم أدقّق في أسانيدها، إلا إذا كانت الرواية مشتملة على اعتقاد أو تكليف شرعي فإني تعاملت معها على طبق القواعد المعروفة في التعامل مع روايات العقائد والأحكام الشرعية، مثل الرواية التي استدل بها أحمد إسماعيل ﮔﺎطع على وجوب نصرة اليماني ولزوم اتّباعه، وأما غيرها من الروايات فبما أنها من روايات الملاحم والفتن فلا حاجة تدعو للنظر في أسانيدها.
وقد لاحظت من خلال مطالعاتي لبعض ما كُتب حول اليماني المعهود(٢) وعلامات الظهور أن بعض الكُتّاب والباحثين الذين كتبوا بنتائج مسبقة تشدّدوا في النظر في أسانيد بعض الروايات التي تدل على خلاف النتائج التي يريدون التوصّل إليها، فحاولوا تضعيفها مهما أمكن، بينما غضّوا النظر عن روايات أخرى توافق نتائجهم المسبقة رغم ضعف أسانيدها، مع أن الباحث المنصف ينبغي في بحثه ألا يكيل بمكيالين ليكون بحثه حياديًّا ونتائجه صحيحة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن من فوائد الحديث حول الروايات التي ذكرت اليماني كشف تضليلات أحمد إسماعيل ﮔﺎطع البصري وأنصاره المؤيّدين له في دعواهم أنه اليماني المعهود، وبيان كثرة تلاعبهم بمعاني الروايات التي صرفوها عما يراد بها إلى معانٍ فاسدة توافق دعوتهم الباطلة بأساليب شيطانية قد تخفى على كثير من عوام الشيعة الذين ربما ينخدعون بكلامهم المغلّف بغلاف علمي، فيظنّونه صحيحاً وهو أبعد ما يكون عن الصحّة.
وكل قارئ متنبِّه إذا اطّلع على كتاباتهم يجد أن هؤلاء القوم ليست لديهم قواعد علمية يسيرون عليها في جميع العلوم التي يُقحمون أنفسهم فيها، حتى اللغة العربية وقواعدها، فإنه من السهل عندهم أن يتلاعبوا بها كيفما شاؤوا، فينكرون المعاني الظاهرة من الكلمات التي يَفهم معناها كل من يعرف اللسان العربي، ويدّعون دلالتها على معاني أخر لا يساعد عليها السياق ولا يقتضيها الظهور اللفظي، ولا مانع عندهم من أن ينكروا القواعد التي اتفق عليها أرباب العلوم المختلفة، بذريعة أن هذه القواعد لم تؤخذ عن أهل البيت عليهم السلام، مع أن كثيراً من الأمور التي نعتادها في مجالات الحياة المتعدّدة كالطب والهندسة وغيرهما نجزم بصحّتها مع أننا لم نأخذها عن أهل البيت عليهم السلام؛ لأنا لا يمكن أن نلغي جميع العلوم الإنسانية الصحيحة التي توصّل إليها الإنسان بمهاراته وخبراته المتراكمة عبر العصور المتعاقبة، ونضرب بها عرض الحائط بحجّة أنها لم ترد لنا عن طريق أهل البيت عليهم السلام!!
لا شك أن أمثال هذه الدعاوى لا تصدر إلا عن جاهل مكابر، ولهذا نراهم ينكرون علم الرجال؛ لكي يحتجّوا في إثبات إمامة اﻟﮕﺎطع بأحاديث أسانيدها ضعيفة مظلمة كالرواية التي أسموها برواية الوصيّة، مع أن الأدلة التي يراد بها إثبات الإمامة لا بد أن تكون صحيحة بل قطعية، وسيلاحظ القارئ العزيز في بحوث هذا الكتاب نماذج من استدلالاتهم الغريبة العرجاء التي سنبيّن فسادها.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقني لقول الصدق وبيان الحق، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

٢٨/٨/١٤٣٥هـ علي آل محسن

من هو اليماني؟
كل من يحاول البحث والتنقيب في أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام التي ورد فيها ذكر اليماني يجد أن تلكم الروايات قليلة جدًّا، وهي بمجملها لا تكاد تعطي صورة واضحة عن هذا الرجل رغم أن بعض الروايات تؤكّد على أن راية اليماني هي راية هدى، بل هي أهدى الرايات، كما أن الإخبار بأن اليماني أحد علامات الظهور المقدّس للإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف يفيد أن له دوراً مهمًّا في أحداث تلك الفترة.
ولكن الذي يستفاد من بعض تلك الروايات أنه قائد عسكري فذ ومخلص، يقوم في آخر الزمان بهدف نصرة الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وأما بعد قيام الدولة المهدوية فلم نجد في الروايات ما يشعر بأن لليماني دوراً في إدارة هذه الدولة المباركة.
والمطّلع على مجمل الروايات لا يجد فيها أي ذكر لاسمه، ولا أي بيان لصفاته الجسديّة، ولا أي شيء آخر من مشخِّصاته التي قد تفيد في تمييزه عن غيره من سائر الناس.
نعم، روى النعماني في كتاب (الغيبة) بسنده عن عبيد بن زرارة، قال: ذُكر عند أبي عبد الله عليه السلام السفياني، فقال: أنَّى يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء(٣).
فإذا قلنا: إن الضمير في قوله: (كاسر عينيه) يعود على اليماني، وأن المراد بكسر عينيه هو خفضهما، فيكون ذلك إشارة إلى صفة من صفاته الجسدية.
وأما لو كان الضمير في (كاسر عينيه) يعود على السفياني كما ربما يتبادر إلى أذهان كثيرين، فإن المراد بكاسر عينيه هو مُذلّه والمتغلِّب عليه، فلا يكون في هذا الوصف أي إشارة إلى شيء من مشخِّصات اليماني، إلا أن هذا التعبير يدل على قوّته وشدّة بأسه، وأنه يقف بقوّة في مواجهة السفياني.
وكيف كان فإن مثل هذا التعبير مع كل ذلك لا يدل على صفة واضحة تكون علامة فارقة ومميِّزة له عن غيره.
ولعل السبب في إخفاء مشخِّصات اليماني هو أن الحكمة تقتضي عدم تسليط الأضواء عليه حفاظاً عليه؛ لكي لا يُستهدف من قبل خصوم الإمام المهدي عليه السلام الذين يريدون إجهاض حركته في مهدها، وتصفية القُوّاد من أنصاره والممهِّدين له كالخراساني وغيره.
اليماني من ولد زيد الشهيد:
روى السيد ابن طاووس قدس سره في (فلاح السائل) بسنده عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال عقيب صلاة الظهر في الدعاء للإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف: أسألك بحقّك على خِيَرَتِك من خلقك، وبحقّهم الذي أوجبتَ لهم على نفسك، أن تصلّي على محمد وأهل بيته، وأن تمنَّ عليَّ الساعة بفكاك رقبتي من النار، وأنجز لوليّك وابن نبيّك، الداعي إليك بإذنك، وأمينك في خلقك، وعينك في عبادك، وحُجّتك على خلقك، عليه صلواتك وبركاتك وَعْدَه، اللهم أيّده بنصرك، وانصر عبدك، وقَوِّ أصحابه، وصبِّرْهم، وافتح لهم من لدنك سلطاناً نصيراً، وعجِّل فَرَجه، وأمكنه من أعدائك وأعداء رسولك يا أرحم الراحمين. قلت: أليس قد دعوتَ لنفسك جُعلت فداك؟ قال: دعوتُ لنور آل محمد وسائقهم والمنتقم بأمر الله من أعدائهم. قلت: متى يكون خروجه جعلني الله فداك؟ قال: إذا شاء من له الخلق والأمر. قلت: فله علامة قبل ذلك؟ قال: نعم، علامات شتَّى. قلت: مثل ماذا؟ قال: خروج راية من المشرق، وراية من المغرب، وفتنة تظل أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمّي زيد باليمن، وانتهاب ستارة البيت(٤).
ومن المعلوم أن من علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام التي تكرّر ذكرها في الروايات: خروج اليماني من اليمن، وهذه الرواية أوضحت أن الذي هو من علامات الظهور ويخرج من اليمن ينتسب إلى زيد الشهيد رضوان الله عليه، وهذا يدل على أن المراد بهذا الرجل هو الذي سُمّي في الروايات الأخرى باليماني، ولا يراد به رجل آخر غيره.
وبملاحظة الواقع الذي نعيشه في هذا العصر وعصور سابقة نجد أن كثيراً من السادة اليمانية كما قيل ينتسبون إلى زيد الشهيد رضوان الله عليه، ومن غير المستبعد أن يكون اليماني المعهود واحداً منهم.
اليماني من الموالين لأمير المؤمنين عليه السلام:
فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره في أماليه بسنده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، لما خرج طالب الحق(٥) قيل لأبي عبد الله عليه السلام: نرجو أن يكون هذا اليماني؟ فقال: لا، اليماني يوالي عليًّا، وهذا يبرأ(٦).
وفي هذا الحديث إشارة إلى أن اليماني من أهل الحق، الموالين لأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة الأحد عشر من ولده عليهم السلام؛ لأن الموالي لأمير المؤمنين عليه السلام المنكر لموالاة جملة من أبنائه المعصومين عليهم السلام كالزيدية والإسماعيلية لا يصفه الإمام عليه السلام بأنه يوالي عليًّا عليه السلام؛ لأن من أنكر واحداً منهم كمن أنكرهم جميعاً كما رواه الكليني قدس سره في الكافي بسنده عن ابن مسكان، قال: سألت الشيخ(٧) عن الأئمة عليهم السلام، قال: من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات(٨).
قال الشيخ الصدوق قدس سره في كتاب الاعتقادات: واعتقادنا فيمن أقرَّ بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقرَّ بجميع الأنبياء وأنكر نبوّة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقال الصادق عليه السلام: المنكر لآخرنا كالمنكر لأوّلنا(٩).
بطلان دعاوى اﻟﮕﺎطع حول مشخِّصات اليماني:
إذا علمنا أن الروايات لم تبيّن شيئاً من مشخِّصات اليماني، لا بالتصريح ولا بالإشارة والتلميح، يتّضح لنا فساد ما زعمه أحمد إسماعيل ﮔﺎطع في كتابه (المتشابهات)، حيث قال:
وبهذا يكون اليماني: اسمه أحمد، ومن البصرة، وفي خدّه الأيمن أثر، وفي بداية ظهوره يكون شابًا، وفي رأسه حزاز(١٠)، وأعلم الناس بالقرآن وبالتوراة والإنجيل بعد الأئمة، ومقطوع النسب، ويلقّب بالمهدي، وهو إمام مفترض الطاعة من الله...(١١).
ويكفي في بطلان جميع هذه المزاعم أنه لا توجد رواية واحدة صحيحة أو ضعيفة تثبت أن اليماني من البصرة أو أن اسمه أحمد، أو غير ذلك مما ذكره اﻟﮕﺎطع في كلامه، ولو كان اليماني إماماً مفترض الطاعة كما يزعم اﻟﮕﺎطع لورد التصريح بذلك في الروايات، والتأكيد عليه من قبل الأئمة الأطهار عليهم السلام؛ لأنه يجب على الأئمة عليهم السلام أن يبيّنوا للناس إمامة كل واحد من أئمة الهدى الذين يجب الإيمان بهم؛ لئلا يقع الشيعة في الضلال بإنكار إمامة واحد من أئمة العدل من حيث لا يشعرون.
والذي ينظر في كلام هذا اﻟﮕﺎطع يجد أنه يزعم أن ما توصّل إليه في اليماني استفاده من الجمع بين جملة من الروايات التي أوصلتْه إلى هذه النتيجة.
والروايات التي زعم اﻟﮕﺎطع أنه جمع بينها هي: روايات تذكر بعض الصفات الجسدية للإمام المهدي المنتظر عليه السلام، ورواية أخرى ذكرت أن أحد أصحاب الإمام المهدي عليه السلام من البصرة واسمه أحمد بن مليح، والروايات التي ذكرت أن راية اليماني أهدى الرايات، فضمَّ بعض تلك الروايات إلى بعضها الآخر، وزعم أنه جمع بينها، مع أن ما صنعه اﻟﮕﺎطع ليس جمعاً بين الروايات، وإنما هو جمع بين المتنافيات كالجمع بين الضب والنون؛ لأن كل طائفة من تلك الروايات لا تمتّ إلى الطائفة الأخرى بصلة، فكيف يكون هذا الفعل جمعاً؟! بل هو تلاعب بالروايات وعبث بعقول البسطاء.
ولا يخفى أن هذا التخبّط الذي وقع فيه اﻟﮕﺎطع ناشئ عن عدم معرفته بالروايات التي يصح الجمع بينها، وجهله بطريقة الجمع العرفي بين الروايات المختلفة؛ لأنه لم يدرس علم أصول الفقه لكي يتمكّن من الجمع بين النصوص المتعدّدة بصورة صحيحة، أو يفهم أن ما ذكره ليس جمعاً عرفيًّا.
مضافاً إلى أن كل مَنْ عنده أدنى شيء من العلم يدرك أن ما قاله هذا اﻟﮕﺎطع تخبيص وهذيان واضحان، ولذلك فأنا أجزم أن اﻟﮕﺎطع نفسه ملتفت في دخيلة نفسه إلى بطلان كلامه، ولكن أمره لا يستقيم إلا بالكذب على أهل البيت عليهم السلام، ودعوته الباطلة لا تتم إلا بإيهام البسطاء من الناس أنه قد تنبَّه إلى ما لم يتنبَّه إليه العلماء منذ غيبة الإمام المهدي عليه السلام إلى يومنا هذا، مع أن كل موالٍ لأهل البيت عليهم السلام يدرك أنهم عليهم السلام بيَّنوا لشيعتهم كل ما يحتاجون إليه من أصول الدين وفروعه، ومن ضمن ذلك أنهم بيَّنوا لهم أسماء أئمة الهدى عليهم السلام إلى قيام الساعة، ولم يتركوا شيئاً من ذلك غامضاً من غير بيان؛ لأن عدم بيانهم هذا الأمر المهم يفضي إلى اتّهام الأئمة المعصومين عليهم السلام بالتقصير في أداء وظيفتهم الشرعية، وهذا لا يقوله من يعتقد بإمامتهم عليهم السلام وعصمتهم.
ولو كان اليماني هو نفس أحمد إسماعيل ﮔﺎطع البصري كما يزعم هذا اﻟﮕﺎطع لبيَّن الأئمة الأطهار عليهم السلام ذلك لشيعتهم بوضوح تام بحيث لا يشك في ذلك أحد بعد ذلك منذ زمان الأئمة عليهم السلام إلى يومنا هذا، كما بيَّنوا لشيعتهم أسماء باقي أئمة الهدى عليهم السلام واحداً بعد واحد، ولو أنهم عليهم السلام تركوا البيان الواضح واكتفوا بالإشارة إليه في بعض الروايات بالرموز الموهمة والإشارات البعيدة التي لم يفهمها أحد من علماء الطائفة منذ عصر الغيبة إلى يومنا هذا، إلى أن جاء هذا اﻟﮕﺎطع فكشف هذا الأمر الذي كان خافياً على الشيعة كما يزعم أتباعه(١٢)، لما كان في تلك الإشارات أي فائدة، بل لا يصح أن تسمّى إشارات؛ لأنها ألغاز لا يمكن حلّها، وأحاجي لا جواب لها، ولا يصح حينئذ أن نقول: (إن اليماني علامة تدل على قرب ظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السلام)؛ لأن العلامة لا بد أن تكون واضحة غير غامضة.
وإمامة هذا اﻟﮕﺎطع لو سلّمنا بها ليست من الخطورة بحيث يتعمّد جميع أئمة الهدى عليهم السلام إخفاءها وذكرها بالإشارة التي لا يفهمها إلا اﻟﮕﺎطع نفسه!! وخطورة بيان إمامة الإمام المهدي عليه السلام أشد، وهي أولى بالإخفاء من هذه الإمامة المزعومة لهذا اﻟﮕﺎطع!! ورغم ذلك فإن الروايات بيّنت كثيراً من الأمور المتعلّقة بالإمام المهدي عليه السلام، حتى اسمه وصفاته الجسدية وغيرها.
مع أن التقية لا يصحّ العمل بها إذا ترتّب عليها مفسدة عظيمة في الدين، وأيّ مفسدة أعظم من إخفاء أسماء اثني عشر مهديًّا من أئمة الهدى طيلة أربعة عشر قرناً عن عموم الشيعة الذين يجب عليهم أن يعتقدوا بإمامتهم؟!
ولو سلّمنا أن التقيّة حالت دون بيان بعض أئمة الهدى عليهم السلام لهذا الأمر حتى لخواصّهم وثقاتهم من أصحابهم، فإنه لا يُتعقّل استمرار هذه التقية الشديدة طيلة ثلاثة قرون عاشها الأئمة المعصومون عليهم السلام، وبقاء هذه الإمامة المزعومة طي الكتمان، مع ما سيترتّب عليها بعد ذلك من موت ملايين الشيعة عبر العصور المتعاقبة من دون الاعتقاد بإمامة هذا اﻟﮕﺎطع والأئمة الأحد عشر من ولده الذين أسماهم بالمهديين الأحد عشر!!
هل اليماني من اليمن أو من البصرة؟
كان الشيعة منذ عصور الأئمة الأطهار عليهم السلام إلى عصرنا هذا لا يشكّون في أن اليماني المذكور في الروايات رجل من اليمن، ولكن مما يؤسف له أن بعض الباحثين المعاصرين شكّكوا في ذلك، حتى خرج أحمد إسماعيل ﮔﺎطع البصري بمذهبه الجديد، فتبنّى هذا الرأي، وزعم أنه هو اليماني المعهود رغم أنه من البصرة، وادّعى أن اليماني لا يخرج من اليمن، وتمسّك بما نظَّر أولئك الباحثون، ومن ضمن ما تمسّك به بعض الروايات التي لا تدل على دعاواه الباطلة، إلا أنه استخرج لها معاني فاسدة من عنده يؤيّد بها باطله، ولهذا فإن من الضروري بمكان أن ندحض فريته ونبيِّن كذبه في هذا الموضوع.
ويمكن الاستدلال على أن اليماني من خصوص اليمن بعدّة أدلّة، هي:
الأول: دلالة النسبة على أن اليماني من خصوص اليمن:
فإن النسبة إلى اليمن: (يماني)، وهذا هو المتبادر من إطلاق هذه الكلمة، والتبادر علامة الحقيقة، بل لا يتبادر عند إطلاق هذه الكلمة أي معنى آخر غير النسبة إلى اليمن، وهذا لا ينكره إلا مكابر، والعراقي لا يوصف بأنه يماني في لغة العرب، إلا بنحو المجاز إن وُجدت إحدى علاقات المجاز المعروفة في علم البلاغة، كما لو توطّن رجل يماني في العراق مدّة طويلة إلى أن صار عراقيًّا، فإنه قد يقال: (إنه يماني) بعلاقة ما كان، لكن لا بدّ من نصب قرينة عند إرادة المعنى المجازي، وأما إطلاق اليماني على العراقي من دون علاقة مجاز، ولا قرينة تدل على إرادة المجاز فإنه خطأ في اللغة لا يصدر عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، خصوصاً أن الروايات لم تذكر من مشخِّصات اليماني إلا أنه يماني ومن ولد زيد الشهيد رضوان الله عليه، وأمور قليلة ذكرناها فيما تقدّم، فإن كان المراد باليماني غير النسبة إلى اليمن، ولا قرينة تدل على أن هذا الإطلاق إطلاق مجازي، فإن إطلاق اليماني على عراقي أو غيره تعمية وتضليل واضحان، ولا يبقى بعد ذلك أي دلالة تدل على هذا اليماني المعهود.
وذهب بعض الباحثين إلى أن وصف اليماني بذلك من أجل نسبته إلى اليُمْن، وهي البركة، لا إلى البلاد المعروفة باليَمَن، حيث قال:
يُحمل اللفظ [يعني لفظ اليماني] على كل من له صفة اليُمْن والبركة في عمله وسلوكه ووجوده، وبالنتيجة يُحمل اللّقب على صفة أعمال الرجل، لا على انتمائه الجغرافي، ولذلك فإن لقبه الأساس قد يكون بعيداً عن هذا اللفظ، ولكن لكثرة اليُمْن والموفقيّة في عمله يشار إليه باليماني في الروايات(١٣).
وهذا حمل غير صحيح؛ لأن النسبة إلى اليُمْن على حسب ما يقتضيه القياس: يُمْني لا يماني، وكل ما يخالف القياس في باب النسبة فهو سماعي، لا بدّ من تنصيص علماء اللغة عليه، ولم أجد في كتب اللغة المشهورة أن لليُمْن نسبة سماعية هي يماني.
واحتمل هذا الباحث أيضاً أن لفظ (اليماني) لعله يراد به النسبة لليمين مقابل الشمال، أو يُطلق على أصحاب الأيادي البيضاء الكريمة في تعاملهم مع الناس، أو لأي سبب من أسباب الدنيا يحصل في حينه من دون أن يكون له أي صلة باليَمَن.
ونفس هذه الاحتمالات ذكرها عبد الرزاق الديراوي وهو من المروّجين ﻟﻠﮕﺎطع، فلا أدري من الذي أخذها من الآخر!!
قال الديراوي:
إن النسبة من لفظ اليماني يمكن أن تعود إلى اليَمَن، ويمكن أن تعود إلى اليُمْن (بمعنى البركة)، ويمكن كذلك أن تعود إلى اليمين، كأن يكون شخص في يده اليمنى ما يميّزها، أو يكون يمين الإمام المهدي عليه السلام كما كان علي يمين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويمكن كذلك أن تعود إلى معنى إنه صاحب يد بيضاء أو كريمة، فالكريم يسمّى صاحب الأيادي البيضاء، والعطاء باليمين، بل إن البعض ربما يتشائم [كذا] ممن يعطي بشماله، ويمكن أيضاً أن يكون وجه التسمية خافياً علينا، فالاحتمالات كثيرة، ولا يوجد ما يرجّح أحدها على سواه(١٤).
والجواب: أن لفظ اليماني لا يراد به إلا النسبة إلى اليَمَن وهو البلاد المعروفة، والنسبة إلى اليُمْن وهو البركة: يُمْنِي كما قلنا، والنسبة إلى اليمين: يميني، وصاحب الأيادي لا يقال للدلالة على كرمه: إنه يماني، وإطلاق اليماني على رجل لسبب من أسباب الدنيا من دون أن يكون له أي صلة باليَمَن غير وارد خصوصاً في المقام؛ لاحتمال دخوله في التنابز بالألقاب الذي لا يمكن صدوره عن الأئمة الأطهار عليهم السلام.
وعليه، فجميع هذه الاحتمالات غير صحيحة، واللفظ لا بدّ من حمله على ما هو الظاهر منه، إلا إذا كانت هناك قرينة تدل على خلاف ذلك، والظاهر من لفظ (اليماني) هو النسبة إلى اليَمَن كما قلنا، ولا قرينة تصرفه عن معناه الحقيقي إلى معنى آخر مجازي.
ولو أردنا أن نتبّع مثل هذا المنهج في تفسير كل حوادث الظهور، وأماكن الأحداث، وألقاب الأشخاص الفاعلين فيها، لضاعت كل العلامات الدالّة على قرب ظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، فإن الكلمات الواردة في أحاديث عصر الظهور، مثل: (الخراساني)، و(السفياني)، و(الشام)، و(العراق)، و(الكوفة) و(مكة) و(الجزيرة) و(الفرات) و(الجيش) و(الرايات) و(الترك) و(الروم) وغيرها يمكن حملها على معانٍ بعيدة عن الظاهر المراد بها، وهذا خلاف المنهج العلمي الصحيح الذي يقتضي حمل الألفاظ على معانيها الظاهرة، خصوصاً أن أحاديث عصر الظهور صدرت عنهم عليهم السلام للتحذير من فتن آخر الزمان ولسوق البشارة بقرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وهذا يقتضي ألا يكون فيها أي تعمية تجعل النصوص عديمة الفائدة.
وردًّا على إشكال مفاده: أنه إذا لم يكن المراد باليماني النسبة إلى اليمن فإن خروج اليماني لن يكون كاشفاً عن أن هذا هو الخروج المذكور في الروايات، وهذا يلغي كونه علامة من علامات الظهور، أجاب الباحث المذكور بقوله:
إن التدليل على هذا الحدث لا يقتصر على هذا اللقب، فمعركة كمعركة قرقيسيا مع ما سيصاحبها من إشارات كثيرة، كانحسار الفرات وجفافه في فترة معينة، واضطراب الشام قبلها، ومعركة الرايات الثلاث من بعد هذا الاضطراب، وإقبال جيش السفياني إلى العراق، وإقبال جيش الخراساني إليه، ونزول الترك أو أبناء عمّهم في الجزيرة (وهي المنطقة الجنوبية الغربية للموصل) قبل ذلك، فضلاً عن علامات وشرائط كثيرة وُصفت بأنها كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، كلها ستكون حاضرة لتدل على اليماني، بالشكل الذي لا يجعل عدم التلقيب بهذا اللقب مانعاً من هذه الدلالة(١٥).
ومن الواضح أن ما يُعرف به اليماني هو انتماؤه إلى اليمن، وتجريده عن هذا الانتماء يفضي إلى عدم معرفته حين خروجه، ولا سيما إذا خرج في نفس الوقت من بقاع شتى كالعراق والشام وإيران وغيرها رجال متعدّدون يدْعون إلى الإمام المهدي عليه السلام، وهذا يجعلنا نفقد إحدى العلامات الحتمية المهمة، خصوصاً عند من يقول: إن نصرة اليماني واجبة، فإن المؤمن لن يتمكّن حينئذ من نصرة اليماني؛ لعدم وجود أي صفة تمكّنه من معرفة الرجل المشار إليه في الروايات.
وأما العلامات التي أشار إليها الباحث فأكثرها غير حتمي، ولعلها لا تقع.
ثم إنا إذا قلنا: إن اليماني ليس منسوباً إلى اليمن، والخراساني ليس من خراسان، والسفياني ليس أمويًّا من نسل أبي سفيان، وقرقيسيا هي مدينة أخرى تقرب منها، والجزيرة هي جزيرة العرب، والمراد بالفرات هو النهر العذب، وهو نهر غير النهر المعروف، والترك رجال صفاتهم كصفات الأتراك وهم الأمريكان، وأبناء عمّهم هم الإنجليز، وأمثال هذه المحامل، فإن كل علامات الظهور تفقد معانيها الحقيقية، ولا يكون فيها أي فائدة، ومعالجة الروايات بهذا النحو تبعد القارئ عن الواقع بنحو كبير، وتجعله لا يميّز بين الأحداث بسبب كثرة ما يُطرح من الاحتمالات البعيدة عن الواقع.
وزَعَمَ أحمد إسماعيل ﮔﺎطع في بيان منسوب إليه أنه لا مانع من أن يكون اليماني منسوباً إلى اليمن، ويكون هو ذلك اليماني المعهود رغم أنه عراقي بصري، حيث قال:
يجب أولاً معرفة إن [كذا] مكة من تهامة، وتهامة من اليمن، فمحمد وآل محمد (ص) كلهم يمانية، فمحمد (ص) يماني، وعلي (ع) يماني، والإمام المهدي (ع) يماني، والمهديين الإثني [كذا] عشر يمانية، والمهدي الأول يماني، وهذا ما كان يعرفه العلماء العاملين [كذا] الأوائل رحمهم الله (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) [مريم: ٥٩]، وقد سمّى العلامة المجلسي رحمه الله في البحار كلام أهل البيت (ع) (بالحكمة اليمانية)، راجع مقدمة البحار ج١ ص١، بل ورد هذا عن رسول الله (ص)، كما وسمّى عبد المطلب (ع) البيت الحرام بالكعبة اليمانية. بحار الأنوار ج٢٢، ٥١، ٧٥(١٦).
وهذا كلام باطل فيه مجازفات متعدّدة تحتاج إلى إثبات:
أما زعمه أن تهامة من اليمن فغير صحيح، فإن تهامة جزء من جزيرة العرب، غير داخل في اليمن.
قال العيني في عمدة القاري:
قال المدائني: جزيرة العرب خمسة أقسام: تهامة ونجد وحجاز وعروض ويمن. أما تهامة فهي الناحية الجنوبية من الحجاز، وأما نجد فهي الناحية التي بين الحجاز والعراق، وأما الحجاز فهو جبل سد من اليمن حتى يتّصل بالشام وفيه المدينة وعمان، وأما العروض فهي اليمامة إلى البحرين. وقال الواقدي: الحجاز من المدينة إلى تبوك، ومن المدينة إلى طريق الكوفة، ومن وراء ذلك إلى أن يشارف أرض البصرة فهو نجد، وما بين العراق وبين وجرة وعمرة الطائف: نجد، وما كان وراء وجرة إلى البحر فهو تهامة، وما كان بين تهامة ونجد فهو حجاز، سُمّي حجازاً لأنه يحجز بينهما(١٧).
وفي كلامه دلالة واضحة على أن تهامة واليمن منطقتان مختلفتان من جزيرة العرب، وأن تهامة ليست من اليمن بحال.
وسبب قول بعضهم: (إن تهامة من اليمن) هو ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (الإيمان يماني، والحكمة يمانية)، وحيث إن مبدأ الإيمان هو مكة، فإن بعضهم وقع في حيرة شديدة؛ لأنه على هذا ينبغي أن يكون الإيمان مكيًّا لا يمانيًّا، ولهذا أراد من لم يفهم المراد بالحديث أن يُدخل مكة في مدن اليمن حتى يصحّ الحديث بنظره، فقال: (إن مكة من تهامة، وتهامة من اليمن).
وهذا خطأ كبير ناشئ عن قصور في فهم المراد بالحديث.
وقد ذكر النووي في شرح المراد بهذه العبارة كلاماً جيّداً حيث قال:
قد اختُلف في مواضع من هذا الحديث، وقد جمعها القاضي عيّاض رحمه الله ونقّحها مختصرة بعده الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله، وأنا أحكي ما ذكره. قال: أما ما ذكر من نسبة الإيمان إلى أهل اليمن فقد صرفوه عن ظاهره من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة، ثم من المدينة حرسهما الله تعالى، فحكى أبو عبيد إمام الغرب ثم من بعده في ذلك أقوالاً، أحدها: أنه أراد بذلك مكة، فإنه يقال: إن مكة من تهامة، وتهامة من أرض اليمن. والثاني: أن المراد مكة والمدينة، فإنه يروى في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام وهو بتبوك، ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة، فقال: (الإيمان يمانٍ) ونسبهما إلى اليمن؛ لكونهما حينئذ من ناحية اليمن، كما قالوا: الركن اليماني وهو بمكة؛ لكونه إلى ناحية اليمن. والثالث: ما ذهب إليه كثير من الناس - وهو أحسنها عند أبي عبيد - أن المراد بذلك الأنصار؛ لأنهم يمانون في الأصل، فنُسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره. قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله: ولو جمع أبو عبيد ومن سلك سبيله طرق الحديث بألفاظه كما جمعها مسلم وغيره وتأمّلوها لصاروا إلى غير ما ذكروه، ولما تركوا الظاهر، ولقضوا بأن المراد اليمن وأهل اليمن على ما هو المفهوم من إطلاق ذلك؛ إذ من ألفاظه: (أتاكم أهل اليمن)، والأنصار من جملة المخاطبين بذلك، فهم إذن غيرهم، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (جاء أهل اليمن)، وإنما جاء حينئذ غير الأنصار، ثم إنه صلى الله عليه وسلم وصفهم بما يقضي بكمال إيمانهم، ورتَّب عليه [أن] الإيمان يمان، فكان ذلك إشارة للإيمان إلى من أتاه من أهل اليمن، لا إلى مكة والمدينة، ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره، وحمله على أهل اليمن حقيقة؛ لأن من اتّصف بشيء، وقوي قيامه به، وتأكّد اطلاعه منه، يُنسب ذلك الشيء إليه إشعاراً بتميّزه به وكمال حاله فيه، وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان، وحال الوافدين منه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أعقاب موته كأويس القرني وأبي مسلم الخولاني رضي الله عنهما وشبههما ممن سلم قلبه وقوي إيمانه، فكانت نسبة الإيمان إليهم لذلك إشعاراً بكمال إيمانهم، من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم، فلا منافاة بينه وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان في أهل الحجاز)، ثم المراد بذلك الموجودون منهم حينئذ، لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه. هذا هو الحق في ذلك، ونشكر الله تعالى على هدايتنا له، والله أعلم(١٨).
وقد روى الكليني قدس سره بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في حديث جاء فيه أن عيينة بن حصن قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا أعلم بالرجال منك؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ظهر الدم في وجهه، فقال له: فأي الرجال أفضل؟ فقال عيينة بن حصن: رجال يكونون بنجد، يضعون سيوفهم على عواتقهم ورماحهم على كواثب خيلهم، ثم يضربون بها قدماً قدماً. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كذبت، بل رجال أهل اليمن أفضل، الإيمان يماني والحكمة يمانية، ولولا الهجرة لكنت امرأً من أهل اليمن...(١٩).
وهو محمول على أن أهل اليمن في ذلك الوقت هم أكمل الناس في الإيمان وأكثر الناس حكمة، ولذلك نُسب الإيمان والحكمة إليهم، وقوله: (ولولا الهجرة لكنتُ امرأً من أهل اليمن) يدل على أن المراد باليمن هي البلاد المعروفة؛ لأنه إذا كانت تهامة من اليمن، ومكة من تهامة، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيكون يمانيًّا لا محالة، سواء هاجر أم لم يهاجر.
وأما قول أحمد إسماعيل ﮔﺎطع: (كما وسمّى عبد المطلب (ع) البيت الحرام بالكعبة اليمانية) فلم أطلع عليه، والذي وجدته هو أن أبا طالب عليه السلام قال ذلك في رواية طويلة ذكرها المجلسي قدس سره في البحار، جاء فيها:
فلما دنا أبو طالب من الكعبة قال: اللهم ربَّ هذه الكعبة اليمانيّة، والأرض المدحيّة، والجبال المرسيّة، إن كان قد سبق في حكمك وغامض علمك أن تزيدنا شرفاً فوق شرفنا، وعزًّا فوق عزّنا بالنبي المشفَّع الذي بشَّر به سطيح فأظهِر اللهم يا ربّ تبيانه، وعجِّل برهانه، واصرف عنا كيد المعاندين يا أرحم الراحمين(٢٠).
إلا أن هذه الرواية لم تُروَ من طرق أهل البيت عليهم السلام، وإنما نقلها الشيخ المجلسي قدس سره عن كتاب الأنوار لأبي الحسن البكري عن أبي عمرو الشيباني وجماعة من أهل الحديث.
والذي ذكره بعض اللغويين وغيرهم أن الكعبة اليمانية هي بيت آخر غير الكعبة المشرّفة التي في مكة المكرّمة، وهي بيت فيه صنم يعبده أهل اليمن، اسمه ذو الخَلَصة.
قال الفيروزآبادي:
وذو الخَلَصة، محرّكة وبضمّتين: بيت كان يُدعى الكعبة اليمانية لخثعم، كان فيه صنم اسمه الخلصة، أو لأنه كان منبت الخلصة(٢١).
وقال محمد مرتضى الزبيدي:
(وذو الخلصة... بيت كان يُدعى الكعبة اليمانية)، ويقال له: الكعبة الشامية أيضاً، لجعلهم بابه مقابل الشام(٢٢).
وأخرج البخاري ومسلم بسندهما عن جرير بن عبد الله، قال: كان في الجاهلية بيت يقال له ذو الخلصة، وكان يقال له: الكعبة اليمانية أو الكعبة الشأمية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل أنت مريحي من ذي الخلصة)؟ قال: فنفرتُ إليه في خمسين ومائة فارس من أحمس، قال: فكسرنا، وقتلنا من وجدنا عنده، فأتيناه فأخبرناه، فدعا لنا ولأحمس(٢٣).
قال النووي في شرح الحديث:
(ذو الخلصة)... وهو بيت في اليمن كان فيه أصنام يعبدونها. قوله: (وكان يقال له: الكعبة اليمانية والكعبة الشامية) وفي بعض النسخ: الكعبة اليمانية الكعبة الشامية بغير واو، هذا اللفظ فيه إيهام، والمراد أن ذا الخلصة كانوا يسمّونها الكعبة اليمانية، وكانت الكعبة الكريمة التي بمكة تسمّى الكعبة الشامية، ففرّقوا بينهما للتمييز(٢٤).
وجاء في موقع (ويكيبيديا) ما يلي:
كان لعرب الجاهليّة بيوتات عبادة مشهورة باسم (الكعبات) نظراً لشكلها المكعّب، يذهب بعض الباحثين إلى أنّ عددها ٢١ كعبة، من بينها (كعبة اللّات) بالطّائف، و(كعبة غطفان)، و(كعبة نجران)، و(كعبة شدّاد الأياديّ)، و(كعبة رئام)…، ولعلّ أشهرها إطلاقاً (الكعبة الشّاميّة) المعروفة باسم (كعبة مكّة)(٢٥). وكانت العرب تهدي الذّبائح لتلك البيوت، وتزورها لتطوف بها، وتستقسم عندها بالأزلام في محاولة استكناه ما يخبّئه الغيب(٢٦).
رغم أن شهرة (كعبة مكّة) قد غطّت على بقيّة البيوتات، فإنّ الأخبار لم تهمل الإشارة إلى (كعبة ذي الخلصة) المعروفة أيضاً باسم (الكعبة اليمانيّة) تمييزاً لها عن (كعبة مكّة) الشّاميّة. و(الكعبة اليمانيّة) بيت مربّع على سفوح جبال الحجاز بين مكّة واليمن، كان في الجاهليّة قِبْلةً ومحجّة لقبائل خثعم وبجيلة ودوس وما جاورها من سكّان منطقة (تبالة) اليمنيّة(٢٧)، وقد كان مخصّصاً لعبادة الإله (ذي الخَلَصة) ممثّلاً بمروة (صخرة من الرّخام) بيضاء منقوش عليها كهيئة التّاج(٢٨).
إذن الكعبة اليمانية التي وردت في رواية البكري لعله لا يراد بها الكعبة المشرّفة، وإنما يراد بها كعبة القبائل اليمانية التي فيها الصنم ذو الخلصة، ولا سيما أن الرواية ليست مرويّة من طرق أهل البيت عليهم السلام.
ولو سلّمنا بصحّة هذه الرواية وبصحّة وصف الكعبة المشرّفة بأنها يمانية فإن سبب الوصف بذلك هو أن الكعبة أقرب إلى جهة اليمن منها إلى جهة الشام، كما سُمّي: الركن اليماني بهذا الاسم؛ لأنه إلى جهة اليمن، في مقابل الركنين الشامي والعراقي اللذين هما إلى جهة الشام والعراق.
أي أن هذه القبلة ليست كبيت المقدس الذي هو في الشام، وإنما هي قبلة أخرى أبعد عن الشام وأقرب إلى اليمن.
قال القاسم بن سلام:
يروى في الحديث أن النبي عليه السلام قال هذا الكلام وهو يومئذ بتبوك ناحية الشام، ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة والمدينة، فقال: (الإيمان يمان)، أي هو من هذه الناحية، فهما وإن لم يكونا من اليمن فقد يجوز أن يُنسبا إليها إذا كانتا من ناحيتها، وهذا كثير في كلامهم فاشٍ، ألا تراهم قالوا: (الركن اليماني) فنُسب إلى اليمن وهو بمكة؛ لأنه مما يليها. وأنشدني الأصمعي للنابغة يذم يزيد بن الصعق وهو رجل من قيس، فقال: [الوافر]

وكنتَ أمينَه لو لم تخنْه * * * ولكنْ لا أمانةَ لليماني

وذلك أنه كان مما يلي اليمن، وقال ابن مقبل وهو رجل من بني العجلان من بني عامر بن صعصعة: [البسيط]

طافَ الخيالُ بنا رَكْباً يمانينا * * *.................

فنسب نفسه إلى اليمن؛ لأن الخيال طرقه وهو يسير ناحيتها، ولهذا قال: (سهيل اليماني)؛ لأنه يُرى من ناحية اليمن. قال أبو عبيد: وأخبرني هشام بن الكلبي أن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف تزوّج الثرياء بنت فلان من بني أميّة من العبلات، وهي أميّة الصغرى، فقال عمر بن أبي ربيعة أنشدنيه عنه الأصمعي: [الخفيف]

أيها المنكحُ الثريّا سُهَيلاً * * * عَمْرُكَ اللهُ كيفَ يلتقيانِ
هي شاميةٌ إذا ما استقلّتْ * * * وسُهيلٌ إذا استقلَّ يمانِ

قال أبو عبيد: فجعل لهما النجوم مثالاً لاتفاق أسمائهما للنجوم، قال: ثم قال: (هي شاميّة) فعنى الثريا التي في السماء، (وسهيل يمان)، وذلك أن الثريا إذا ارتفعت اعترضت ناحية الشام مع الجوزاء حتى تغيب تلك الناحية، قال: (وسهيل إذا استقل يماني)؛ لأنه يعلو من ناحية اليمن، فسمّى تلك شاميّة، وهذا يمانيًّا، وليس منهما شام ولا يمان، وإنما هما نجوم السماء، ولكن نسب كل واحد منهما إلى ناحيته، فعلى هذا تأويل قول النبي عليه السلام: الإيمان يمان(٢٩).
وعلى هذا فإنه لو صحّت نسبة مكة والمدينة وغيرهما إلى اليمن فهي نسبة مجازية قامت القرينة على مجازيّتها؛ لعلمنا بأن مكة والمدينة ليستا من اليمن حقيقة كما أوضحنا ذلك فيما تقدّم.
ثم إنا لو سلّمنا أن مكة من اليمن حقيقة، وكل من كان مكيًّا فهو يماني، فإن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع ليس بمكي حتى يكون يمانيًّا، وإنما هو عراقي بصري، فكيف صار يمانيًّا؟!
وإنما يُنسب الرجل إلى بلاد إذا كان هو أو أبوه أو جدّه الأول وُلدوا في تلك البلاد ونشؤوا فيها، أو لصقت النسبة بأحد أجداده حتى صارت لقباً له، بغض النظر عن أصله البعيد من أي بلاد هو، فإن الرجل المولود في البصرة والناشئ فيها هو وأجداده لا تصح نسبته إلى مكة أو إلى اليمن، حتى لو كان أجداده البُعداء وُلدوا في مكة أو في اليمن قبل أكثر من ألف وأربعمائة سنة ما لم تلصق بهم النسبة فتصير لقباً لهم!!
 ولو سلّمنا أن مثل هذا الرجل يُنسب إلى مكة أو إلى اليمن فإن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع لا صلة له بمكة بأي نحو، وأصله ليس من الحجاز؛ لأنه ليس ابناً للإمام المهدي عليه السلام، ولم يثبت ذلك بأي دليل، بل ثبت الدليل على خلافه، فهو عراقي بصري، وعشيرته آلبو سويلم من العشائر المعروفة في البصرة، وهؤلاء لا يمتّون بأي صلة نسبية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا من قريب ولا من بعيد.
ومعلوم أن مراد أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أنه وإن كان عراقيًّا من البصرة إلا أنه يصح أن يُنسب إلى اليمن؛ لأنه ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المكي التهامي، باعتبار أن تهامة من اليمن، وهذا يصحِّح نسبة أحمد إسماعيل ﮔﺎطع إلى اليمن.
وهذا كما هو واضح أكل من القفا، ولو كان الأمر كذلك لكانت نسبة هذا الرجل - وهو اليماني - إلى مكة أشرف من نسبته إلى اليمن، بل لا قياس بينهما، ولا مزيّة حينئذ لنسبته إلى خصوص اليمن.
ولا يخفى على القارئ العزيز أن حمل النصوص على هذه المحامل ليٌّ للنصوص وحمل لها على غير معانيها من دون دليل صحيح.
مضافاً إلى أني لم أجد بعد التتبّع رواية واحدة صحيحة وُصف فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه يماني، أو نُسب فيها إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام إلى اليمن، ولو صحَّت نسبة أي إمام من الأئمة الأطهار عليهم السلام إلى اليمن لورد ذلك ولو في رواية واحدة على الأقل.
نعم ورد في كتاب جعفر بن محمد بن شريح الحضرمي (ضمن الأصول الستة عشر) رواية رواها عن أبي عيينة بن حصن، جاء فيها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ خير الرجال أهل اليمن، والإيمان يمانٍ، وأنا يماني، وأكثرُ قبائل دخول الجنّة يوم القيامة مذحج...(٣٠).
ولنا على هذه العبارة وهي قوله: (وأنا يماني) عدّة ملاحظات:
١- أن هذه الرواية هي نفس رواية الكافي التي سبق ذكرها، ورواية الكافي لم يُذكر فيها قوله: (وأنا يماني)، فهذه الزيادة مشكوك في ثبوتها من الأساس، ولا سيما أن الشيخ الكليني قدس سره كان شديد العناية بضبط متون الروايات وأسانيدها، بل كان أوثق الناس في الحديث وأثبتهم كما قال النجاشي قدس سره(٣١)، وكانت الأصول الأربعمائة متوفّرة في زمانه، ولو كانت هذه العبارة موجودة في نسخة الأصل التي اعتمدها ونقل عنها لأثبتها في كتابه.
٢- أن هذه الزيادة لا يؤخذ بها إلا إذا كانت مروية عن ثقة، وكل من معلى الطحان، وبريد بن يزيد بن جابر، وأبي عيينة بن حصن الراوين للحديث مهملون في كتب الرجال، لم يرد لهم ذكر فيها ولا توثيق.
٣- أن نسخ هذا الكتاب مختلفة، فإن الوارد في بعضها قوله: (وأنا يماني)، وفي بعضها الآخر قوله: (وإنما يماني) كما ذكره محقّق الكتاب في الهامش(٣٢).
ولا يخفى أنه إذا جاز وصف أحمد إسماعيل ﮔﺎطع بأنه يماني، فإن وصف الأئمة الأطهار عليهم السلام بذلك أولى؛ لأنهم أقرب من هذا اﻟﮕﺎطع إلى النبي المكّي صلى الله عليه وآله وسلم نسباً، وأقرب منه إلى مكة ولادة ونشأة؛ فإن أكثر أئمة أهل البيت عليهم السلام وُلدوا في الحجاز ونشؤوا فيها، ومع ذلك فإنا لم نجد في شيء من الروايات - كما قلنا - نسبة إمام واحد من الأئمة الأطهار عليهم السلام إلى اليمن.
ثم إن عبد الرزاق الديراوي حاول أن يردّ نسبة اليماني إلى اليمن بنحو آخر، فقال:
ولكن على فرض القول بعائدية النسبة إلى بلاد اليمن، فليس معنى ذلك إنه من قاطني هذه البلاد بالضرورة، فمن المعروف الذي لا ينكره أحد أن كثيراً من الناس ينتسبون إلى منطقة، ومحل سكناهم منطقة أخرى، فصهيب رومي، وبلال حبشي، وكلاهما عاشا وماتا في بلاد العرب، ومثلهما السيد الخوئي الذي ينتسب إلى مدينة (خوء)، وهو عاش ومات في العراق، وغيره الكثير(٣٣).
والجواب: أن محل النزاع هو أن اليماني هل هو من أهل اليمن أو من غيره؟ وأن خروجه هل سيكون من نفس اليمن، أو من بلاد أخرى؟
وأما محل سكناه فهذا أمر آخر، فإننا لا نتنازع في أن اليماني يمكن أن يسكن في العراق أو غيرها، وكذا الرومي والحبشي وغيرهما يمكن أن يسكنوا في بلاد غير بلادهم، ولا وجه للمقايسة بين صهيب الرومي وبلال الحبشي والسيد الخوئي قدس سره من جهة، وأحمد إسماعيل ﮔﺎطع من جهة أخرى؛ لأن انتساب هؤلاء إلى بلادهم معروف لا يشك فيه أحد، سواء سكنوا في بلادهم أم سكنوا في بلاد أخرى، وأما أحمد إسماعيل ﮔﺎطع فإنه لا يمتُّ إلى اليمن بصلة؛ إذ لم يولد هو أو أحد أجداده في اليمن، ولم ينشؤوا فيه، فكيف صار هذا اﻟﮕﺎطع يمانيًّا؟!
الثاني: دلالة الروايات على أن اليماني المعهود من أهل اليمن:
ونحن وإن كنا لا نحتاج إلى الاستدلال بأي رواية لإثبات يمانية اليماني؛ لأن النسبة إلى اليمن - كما قلنا - كافية، إلا أنّا نذكر هذه الروايات فقط معضّدة للنسبة المذكورة.
ومن تلك الروايات:
١- ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره في كمال الدين وتمام النعمة: عن محمد بن مسلم الثقفي الطحان، قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد صلى الله عليه وعليهم، فقال لي مبتدئاً: يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم شبهاً من خمسة من الرسل: يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمد، صلوات الله عليهم.
إلى أن قال: وإن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني [من اليمن]، وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومنادٍ ينادي من السماء باسمه واسم أبيه(٣٤).
بتقريب: أن خروج اليماني من اليمن قرينة قويّة دالّة على أنه من أهل اليمن؛ إذ لو كان عراقيًّا أو من بلاد أخرى لخرج من بلاده التي يمكنه فيها أن يهيّئ لنفسه أعواناً يتمكّن بهم من تشكيل جيش قوي، ولو كان من غير أهل اليمن لما أمكنه أن يهيّئ جيشاً في اليمن، مع أنه لو كان عراقيًّا مثلاً لخرج في العراق التي ستكون ساحة الأحداث المهمّة في عصر الظهور، وموضع الصراع بين الرايات الثلاث القوية في ذلك الوقت، وهي راية السفياني والخراساني واليماني، وترك ساحة الصراع - وهي العراق - والذهاب إلى اليمن للانطلاق منها لا وجه له.
وقد طعن ناظم العقيلي - وهو من أنصار أحمد إسماعيل ﮔﺎطع والمنظّرين لدعوته - في الاستدلال بهذه الرواية بقوله:
فمن الواضح أن كلمة (من اليمن) في الرواية الأولى جاءت موضوعة بين قوسين، وهذا يعني أنها لا توجد في بعض النسخ، بل أنها لا توجد في النسخة الأم أو الأكثر اعتمادًا؛ لأن الناسخ أو المحقّق يعتمد في متن ما يحقّق له؛ النسخة الأم أو الأكثر اعتمادًا... وأما إذا وُجدت زيادة أو نقصان في بعض النسخ الأخرى، فإما أن يضعه بين قوسين أو يشير إليه في الهامش(٣٥).
قلت: إن النسخة المطبوعة جُعلت فيها كلمة (من اليمن) بين قوسين معقوفين، وهذا لا يدل على شيء؛ لأنا لا نعلم لم وضعها محقّق الكتاب بين هذين القوسين؛ فإنه لم يصرّح في الهامش بشيء، ولا سيما أن وضع الكلمات بين الأقواس ليست له قواعد مضبوطة عند كثير ممن يتولّون طباعة الكتب أو إخراجها، وحتى لو كانت هناك قواعد مضبوطة لوضع الأقواس فإن من حقّق الكتاب لعلّه لا يعرفها، أو لا يلتزم بها.
ومما يؤكّد ما قلته أن محقّق كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) وهو علي أكبر الغفاري جعل كلمة (من اليمن) بين قوسين معقوفين، مع أن المتعارف عند مشاهير محقّقي الكتب العربية أنهم يشيرون بما يضعونه من كلمات بين قوسين معقوفين إلى أن هذه الكلمات ليست في نسخة الأصل، وإنما أضافها محقّق الكتاب من عنده؛ لأن النص لا يستقيم إلا بها.
فقد جاء في المعجم الوسيط:
والقوسان المعقوفان في اصطلاح الطباعة: قوسان تحصران ما زاد على النص الأصلي [ ]. (محدثة)(٣٦).
ولا شك في أن علي أكبر الغفاري لا يريد من وضعه كلمة (من اليمن) بين قوسين معقوفين أنها إضافة من عنده، ولعلّه يريد بذلك أن هذه الكلمة موجودة في أكثر النسخ، أو في النسخ الثلاث المعتمدة عنده، أو غير ذلك.
ولو سلّمنا أن كلمة (من اليمن) ساقطة في بعض النسخ، فإن النسخ التي ذُكرت فيها هذه الكلمة تدل على ثبوتها في النسخ الثلاث المعتمدة عند الغفاري، وسقوط هذه الكلمة في بعض النسخ لا يضر ما دامت ثابتة في تلك النسخ المعتمدة.
وكان اللازم على العقيلي بدلاً من كل هذا الكلام الذي لا طائل تحته أن يبيّن لقُرّائه النُّسَخ المعتمدة عنده لكتاب (كمال الدين وتمام النعمة)، لنرى هل يصح الاعتماد على تلك النسخ أم لا؟ وإذا كانت بالفعل نُسَخاً يصح الاعتماد عليها فهل هذه الكلمة ثابتة فيها أم لا؟ فإن هذا أولى من أن يزعم من غير دليل أن هذه الكلمة ساقطة في نسخة الأصل التي اعتمدها الغفاري.
ثم إن القول بأن كلمة (من اليمن) سقطت من النسخة سهواً من الناسخ، أو أنه غفل عن كتابة هذه الكلمة في النسخة التي اعتُمدت في الطبع، أولى من اتّهامه بالعبث في النسخة، وزيادة كلمات من عنده، فإن ذلك يفضي إلى التشكيك في جميع الروايات المروية في النسخة المطبوعة، وهذا لا يمكن المصير إليه؛ لأنه يستلزم التشكيك في جميع تراث أهل البيت عليهم السلام.
مضافاً إلى ذلك فإنا لو أخذنا بقاعدة ناظم العقيلي هذه فإنه لا يصح له ولمن يرى رأيه أن يحتجّوا على إمامة أحمد إسماعيل ﮔﺎطع بالرواية التي أسموها برواية الوصية؛ لأنه جاء فيها: فذلك اثنا عشر إماماً، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديًّا، (فإذا حضرته الوفاة) فليسلّمها إلى ابنه أول المقرّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أول المؤمنين(٣٧).
ويكون معنى الرواية: فليسلمها الإمام الحادي عشر لابنه الإمام الثاني عشر، ثم لا دلالة في الرواية على أن الإمام الثاني عشر عليه السلام يسلمها إلى ابنه إذا حضرته الوفاة؛ لأن قوله: (فإذا حضرته الوفاة) بين قوسين في النسخة المطبوعة، وهذا يدل على أنها ليست موجودة في كل النسخ، ومن ضمنها نسخة الشيخ المجلسي قدس سره التي اعتمدها في بحار الأنوار، وبحسب قاعدة ناظم العقيلي لا بدّ أن نحكم بأن هذه العبارة غير موجودة في النسخة الأم التي اعتمد عليها محقّق الكتاب، وبدون هذه العبارة لا تدل الرواية على أن ابن الإمام الثاني عشر يتسلّم الوصيّة من أبيه عند وفاته، بل تدل على أنه بعد الإمام الثاني عشر، أي بعد ظهوره أو بعد أن يستتبّ الأمر له يجعل اثني عشر مهديًّا من الشيعة نواباً له يدْعون إلى موالاة أهل البيت عليهم السلام ومعرفة حقّهم كما دلّت عليه رواية أخرى(٣٨)، ولا يكون هؤلاء المهديّون أئمّة من بعد الإمام المهدي عليه السلام واحداً بعد واحد كما يقول اﻟﮕﺎطع وأتباعه.
وقد بذل بعض الباحثين جهده لإثبات أن هذه الكلمة غير ثابتة في نسخة الأصل، فقال:
ومن الواضح أن هناك تلاعباً جرى من قبل الناسخين، إذ إن وجود القوسين أو المعقوفتين يشير إلى أن الناسخ أو المحقّق وجد في إحدى النسخ عبارة (من اليمن) موضوعة على الحاشية، فرأى إضافتها إلى داخل المتن، من دون أن يدقّق إذا ما كانت الكلمة من نفس الرواية أو من المؤلِّف أو من الناسخ، مما أدّى بالنتيجة إلى أن تدخل مع الأيام إلى داخل المتن، فتُحسب على ملاك الرواية.
إلى أن قال:
ولهذا فإن ما يمكن لنا تأكيده في هذا المجال وبناء على هذه المعطيات أن جملة (من اليمن) ليست من أصل الرواية، وإنما أُقحمت من قبل بعض الشرّاح أو الناسخين أو المحقّقين المتأخّرين، وبالتالي فإن هذه الرواية على أي حال قاصرة عن الدلالة على مكان خروج راية اليماني الموعود من اليمن(٣٩).
والجواب: أن وجود القوسين حول كلمة (من اليمن) لا يدل على ما ذهب إليه هذا الباحث؛ فإن وجود كلمة في بعض النسخ دون البعض الآخر كما يحتمل زيادة هذه الكلمة والعبث بالنسخة، كذلك يحتمل سقوط تلك الكلمة من بعض النسخ سهواً أو عمداً، ولا يمكن القطع بزيادة تلك الكلمة، ولا دليل على زيادتها لا عمداً ولا سهواً، وإذا أردنا أن نرجّح بين احتمال زيادة الكلمة أو سقوطها سهواً فإن القول بأن هذه الكلمة سقطت من النسخة سهواً من الناسخ، أو أنه غفل عن كتابتها في نسخته التي كانت من ضمن النُّسَخ المعتمدة في الطبع، أولى من اتّهامه بالعبث في النسخة، وزيادة كلمات من عنده، فإن ذلك كما قلنا آنفاً يفضي إلى التشكيك في جميع الروايات المرويّة في النسخة المطبوعة وغيرها، وهذا لا يمكن المصير إليه؛ لأنه يستلزم التشكيك في جميع تراث أهل البيت عليهم السلام، فما قاله الباحث المذكور من أن هذه الكلمة أقحمت في الرواية غير صحيح.
ثم إن الباحث المذكور أكّد ما ذهب إليه بقوله:
وما يؤكّد ذلك أن جميع من نقل هذه الرواية عن الشيخ الصدوق من السابقين لم يذكر هذه العبارة مطلقاً، فلقد نقلها الشيخ الإربلي في (كشف الغمة)، وكذا الشيخ الطبرسي في (إعلام الورى بأعلام الهدى)، وكذا السيد النيلي النجفي في (منتخب الأنوار المضيئة)، والشيخ المجلسي في (بحار الأنوار)، والشيخ الحر العاملي في (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات)، وانضم إليهم من المتأخّرين الشيخ علي اليزدي الحائري في كتاب (إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب)، والميرزا محمد تقي الأصفهاني في (مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم عليه السلام)(٤٠).
وقد أخذ ناظم العقيلي كلام هذا الباحث، وصاغه بصياغة أخرى، فقال:
وعلى أي حال فكلمة (من اليمن) غير ثابتة في هذه الرواية، ولا يمكن التعويل عليها بحال، ويؤيّد ذلك أن بعض العلماء عندما نقلوها عن كمال الدين لم ينقلوا (من اليمن) فيها أصلاً...
وبعد أن نقل أسماء بعض العلماء الذين ذكر الباحث المذكور أنهم نقلوا الرواية من دون كلمة (من اليمن) قال:
فهؤلاء وجدتهم على عجالة، وكلهم نقلوا هذه الرواية عن كمال الدين ولم ينقلوا فيها كلمة (من اليمن)، وهذا يدل على وجود نُسَخ معتمدة عندهم لا توجد فيها تلك الكلمة، أو إنها لم تثبت عندهم أصلاً في جميع النسخ فلم ينقلوها لعدم وثوقهم بوجودها(٤١).
والجواب: أما الإربلي قدس سره فإنه روى هذا الحديث في كتابه (كشف الغمة) عن محمد بن مسلم من دون سند، ومن دون بيان أنه نقله عن كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) أو غيره(٤٢)، وكذلك الشيخ الطبرسي قدس سره في كتابه (إعلام الورى)(٤٣)، فما زعمه الباحث وتبعه عليه العقيلي من أن الطبرسي نقل الحديث عن كتاب (كمال الدين) لا دليل عليه.
وأما السيد بهاء الدين النجفي قدس سره فإنه روى الحديث في (منتخب الأنوار المضيئة) مما أجيز له روايته عن الشيخ الصدوق قدس سره، ولم يذكر أنه نقله عن كتاب (كمال الدين وتمام النعمة) أو غيره، مع أن النسخة التي حقّقها السيد عبد اللطيف الكوهكمري ورد فيها كلمة (من اليمن) بين قوسين كما هو حال رواية النسخة المطبوعة من كتاب (كمال الدين وتمام النعمة)(٤٤).
وأما الشيخ علي اليزدي الحائري في (إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب) مضافاً إلى أنه متأخِّر حيث توفي في سنة ١٣٣٣هـ، فإنه نقل الحديث عن كتاب (الأربعين) لا عن (كتاب كمال الدين وتمام النعمة)(٤٥).
وأما صاحب (مكيال المكارم) وهو ميرزا محمد تقي الأصفهاني فهو متأخّر، توفي سنة ١٣٤٨هـ.
ولم يبق ممن ذكرهم الباحث والعقيلي إلا المجلسي قدس سره في (بحار الأنوار)، والحر العاملي قدس سره في (إثبات الهداة)(٤٦)، ونحن لا نعلم أن النسخة التي اعتمدها هذان العَلَمان كانت نسخة مضبوطة أم لا، فلعلها نسخة مغلوطة، حُذفت منها كلمة (من اليمن)، ولا سيما أن النسخة المطبوعة بتحقيق علي أكبر الغفاري اعتمد في تحقيقها على سبع نسخ خطيّة، وصف الغفاري بعضها بأنها عتيقة ثمينة جدًّا، وبعضها مؤرَّخ في سنة ١٠٥٤هـ، أي قبل وفاة الشيخ المجلسي قدس سره سنة ١١١١هـ بأكثر من خمسين عاماً، ولعل إدراج الغفاري كلمة (من اليمن) في ضمن الرواية يدل على أن هذه الكلمة ثابتة في أغلب النسخ، ولو كانت ثابتة في بعضها لما أدرجها في متن الرواية، أو لأشار إلى ذلك في الهامش.
ويؤيّد ما ذكرته أن النُّسخ الخطيّة التي وقعت تحت يدي لكمال الدين وتمام النعمة، مثل النسخة الخطيّة لمكتبة كاشف الغطاء وغيرها مشتملة على كلمة (من اليمن).
ولا أستبعد أن يكون السبب في وضع الغفاري هذه الكلمة بين معقوفين هو عدم وجود هذه الكلمة في نسخة (بحار الأنوار)، فإنه راجع البحار كثيراً كما ذكر ذلك في مقدّمته للكتاب، حيث قال:
أما عملي في التصحيح والتحقيق: فاعلم أني راجعت نصوصه، أولاً النسخة الأولى والرابعة والخامسة، ثم قابلته بالنسخة المطبوعة المذكورة أخيراً التي قوبلت بعد الطبع بسعي بعض الأفاضل بنسخة مخطوطة، ثم راجعت موارد الاختلاف بقيّة النسخ، وكثيراً ما راجعت البحار الطبعة الحروفية الحديثة، واجتهدت في إخراجه كاملاً على ما في هذه الأصول(٤٧).
ثم إن ناظماً العقيلي ناقش بعد ذلك في سند الرواية وخلص إلى القول بأن هذه الرواية ضعيفة السند، حيث قال: وبما تقدّم تكون هذه الرواية ضعيفة السند بأكثر من راوٍ، فهي لا تصلح للاستدلال، على منهج القوم(٤٨).
ويندفع هذا الكلام بأمرين:
الأول: أن هذه الرواية ليست من روايات العقائد والأحكام الشرعيّة حتى يجب النظر في سندها، وإنما هي من روايات حوادث آخر الزمان، وحالها حال أكثر روايات الملاحم والفتن التي لا حاجة للنظر في أسانيدها.
والثاني: أن هذه الرواية صحيحة على منهج أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه، فهي حجّة عليهم حتى لو كانت ضعيفة السند عند غيرهم.
وقد شكّك أيضاً بعض الباحثين في سند هذه الرواية والرواية الآتية، فقال:
في سند الرواية أكثر من مجهول، ولا أقل من جهة إسماعيل بن علي القزويني، فالرجل لم يأتِ ذكره مطلقاً، أما علي بن إسماعيل فإن كان الميثمي فحاله في الوثاقة معروف، وإلا فهو مجهول أيضاً، والطريق إلى عاصم بن حميد بهذه الشاكلة غير معروف أيضاً، ولهذا لا يمكن التعويل على سند الخبر بهذه الهيئة وفق آليات علم الرجال(٤٩).
ويندفع هذا الكلام بما ذكرناه آنفاً من أن هذه الرواية ليست من روايات العقائد أو الأحكام الشرعية التي يجب التدقيق في أسانيدها، واعتماد الصحيح منها دون الضعيف.
مضافاً إلى أن اتّباع منهج التدقيق السندي في روايات علامات الظهور مغاير للمنهج الذي اختطّه هذا الباحث لنفسه في كتابه، واتّباع هذا المنهج يؤدّي إلى إسقاط أكثر تلك الروايات؛ فإن أسانيدها لا تصمد أمام التدقيق السندي المعمول به في روايات الأحكام الشرعيّة.
ومع ذلك فإن كل رواة هذا الخبر ثقات لا مطعن فيهم.
أما محمد بن محمد بن عصام فهو من مشايخ الصدوق قدس سره، وقد ترضّى عنه في كتبه، والترضّي دليل على الوثاقة على الأقل عند مشهور علماء الطائفة، وهو الصحيح؛ فإن الترضّي وإن جاز على الثقات وغيرهم إلا أنه صار مخصوصاً بالأجلّاء دون غيرهم في عرف العلماء والمتشرّعة، كما هو حال قولنا: (عليه السلام) أو (صلّى الله عليه)، فإنه يجوز قوله لآحاد الناس حتى لو لم يكونوا عدولاً، إلا أنه صار في عرف العلماء مخصوصاً بالأنبياء وأئمة الهدى عليهم السلام وأصحاب المقامات العالية، فإذا قاله رجل كالشيخ الصدوق قدس سره في حق واحد من الرواة فلا شك في أنه يدل على جلالة ذلك الراوي عنده قدس سره فضلاً عن عدالته. نه أ
وأما الشيخ محمد بن يعقوب الكليني قدس سره فوثاقته وجلالته أشهر من أن تُنكر.
وأما القاسم بن العلاء فإنه كان من وكلاء الإمام العسكري عليه السلام(٥٠)، ووكلاء الإمام المهدي المنتظر عليه السلام في أذربيجان.
قال المحقّق السيّد الخوئي قدس سره: القاسم بن العلاء:
من أهل آذربايجان، من وكلاء الناحية، وممن رأى الحجّة سلام الله عليه، ووقف على معجزته، ذكره الصدوق في كمال الدين الجزء ٢، الباب ٤٧(٥١)، في ذكر من شاهد القائم عليه السلام الحديث ١٧(٥٢).
والذي يظهر من بعض الأخبار أن القاسم بن العلاء كان من نوّاب الإمام الحجة عليه السلام في منطقته، ونيابته وإن لم تكن عامَّة كالسفراء الأربعة، لكنه لم يكن مجرّد وكيل، ويشير إلى ذلك أنه قد خرج على يده التوقيع الصادر من الناحية المقدسة في لعن أحمد بن هلال العبرتائي(٥٣) والبراءة منه(٥٤).
إلى أن قال قدس سره:
وروي عن محمد بن محمد بن النعمان [المفيد]، والحسين بن عبيد الله، عن محمد بن أحمد الصفواني رحمه الله، قال: رأيت القاسم بن العلاء، وقد عُمِّر مائة سنة وسبع عشرة سنة، منها ثمانون سنة صحيح العينين، لقي مولانا أبا الحسن وأبا محمد العسكريين عليهما السلام... (الحديث). والرواية صحيحة، وهي مشتملة على ما يدل على جلالة القاسم واختصاصه بالإمام عليه السلام، وكونه مورد عنايته(٥٥).
وأما إسماعيل بن علي القزويني، فإنه لم يُذكر في كتب الرجال لا بمدح ولا بقدح، ولكن يكفي في الحكم بوثاقته واعتماد روايته أن الراوي عنه هو القاسم بن العلاء، ومن المستبعد جدًّا أن يروي وكيل من وكلاء الناحية المقدّسة مثل هذه الرواية المتعلّقة بصاحب العصر والزمان عليه السلام عن رجل لم تثبت وثاقته عنده.
وأما علي بن إسماعيل فإنه إذا أطلق في هذه الطبقة انصرف إلى علي بن إسماعيل بن شعيب الميثمي الثقة.
قال المحقّق الخوئي قدس سره في ترجمة علي بن السندي:
وقد تقدَّم في ترجمة علي بن إسماعيل بن عيسى أن علي بن إسماعيل في هذه الطبقة ينصرف إلى علي بن إسماعيل بن شعيب(٥٦).
قلت: ذكره الشيخ الطوسي قدس سره في جملة أصحاب الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام(٥٧)، وهو ثقة جليل من أكابر متكلّمي الشيعة.
قال الشيخ النجاشي قدس سره:
علي بن إسماعيل بن شعيب بن ميثم بن يحيى التمار أبو الحسن، مولى بني أسد، كوفي سكن البصرة، وكان من وجوه المتكلّمين من أصحابنا، كلّم أبا الهذيل والنظام، له مجالس وكتب، منها: كتاب الإمامة، كتاب الطلاق، كتاب النكاح، كتاب مجالس هشام بن الحكم، كتاب المتعة(٥٨).
وأما عاصم بن حميد الحنّاط فهو ثقة جليل.
قال النجاشي قدس سره: عاصم بن حميد الحنّاط الحنفي أبو الفضل، مولى كوفي، ثقة، عين، صدوق، روى عن أبي عبد الله عليه السلام(٥٩).
ووثاقة محمد بن مسلم الثقفي أظهر من أن تخفى على أحد من شيعة أهل البيت عليهم السلام.
والنتيجة: أن هذه الرواية صحيحة السند، وكذا الرواية الآتية التي سنذكرها قريباً، فإنها بنفس السند.
وعليه، فإن ما قاله الباحث المذكور من الطعن في سند الرواية غير صحيح، بل هو دفع للروايات بالظنون والاحتمالات غير الصحيحة.
٢- ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره أيضاً في (كمال الدين وتمام النعمة) بنفس سنده السابق عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقول: القائم منا منصور بالرعب، مؤيَّد بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويُظهر الله عزّ وجلّ به دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا قد عُمّر، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام فيصلّي خلفه. قال: قلت: يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم؟ قال: إذا تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقُبلت شهادات الزور، ورُدَّت شهادات العدول، واستخفّ الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا، واتُّقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين الركن والمقام، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكيّة... إلخ(٦٠).
وهذه الرواية واضحة الدلالة على أن اليماني يخرج من اليمن لا من غيرها من البلدان.
وقد شكّك بعض الباحثين في ثبوت كلمة (من اليمن) في هذه الرواية تبعاً للشك في ثبوتها في الرواية السابقة، فقال:
وبالرغم من عدم وجود هذين القوسين أو المعقوفتين في الموضع الثاني من الرواية، إلا أن الشك الناشئ في الموضع الأول ينجرّ لمثيله في الموضع الثاني(٦١).
وهذا كلام غريب جدًّا، وهو مردود بأن الشك في وجود هذه الكلمة في الرواية الأولى لا ينجر إلى الرواية الثانية؛ لأنهما روايتان مختلفتان كما سنبيِّن قريباً، والشك في إحداهما لا يسري إلى الأخرى جزماً؛ لعدم الارتباط بينهما بأي نحو، بل لقائل أن يقول: إذا كانت الروايتان رواية واحدة، فلماذا لا يكون وجود كلمة (في اليمن) في الرواية الثانية قرينة على وجودها في الرواية الأولى؟
ولا يخفى أن معالجة الروايات بهذا النحو من مساوئ الكتابة بنتائج مسبقة، التي عادة ما تفضي إلى ردّ الروايات التي تتنافى مع تلك النتائج.
ولو كان الباحث المذكور منصفاً في بحثه، لسار على نفس منهجه في الرواية السابقة، فإنه أيَّد ما ذهب إليه من زيادة كلمة (من اليمن) في تلك الرواية بأن جملة من علماء الطائفة رووها هكذا من دون زيادة، إلا أنه خالف هذا المنهج الذي اعتمده هناك، ولعلّ السبب هو أنه يعلم أن بعض الأعلام رووا هذه الرواية وفيها: (واليماني من اليمن)، منهم: الإربلي في (كشف الغمة)(٦٢)، والفيض الكاشاني في الوافي(٦٣)، والمحجّة البيضاء(٦٤)، والحر العاملي في إثبات الهداة(٦٥)، والشيخ المجلسي في البحار(٦٦)، وحبيب الله الخوئي في منهاج البراعة(٦٧)، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة(٦٨).
ومع وضوح دلالة هذه الرواية على أن اليماني من اليمن إلا أن ناظماً العقيلي كابر في إنكار هذه الدلالة، فقال:
حتى لو قلنا بأن كلمة (من اليمن) موجودة وثابتة في الرواية فهي لا تعني بالضرورة أن يخرج اليماني من بلد اليمن عند ظهوره أو قيامه المسلَّح، فقد يكون أصله يماني [كذا]، ولكنه يظهر أو يقوم من بلد آخر(٦٩).
وهذا كلام رجلٍ مكابر؛ فإن قوله: (وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن) يدل بوضوح على أن اليماني الذي هو من أهل اليمن يخرج من نفس اليمن لا من بلد آخر، وإنكار ذلك مكابرة واضحة.
ثم قال ناظم العقيلي:
فقد يكون - وهذا ما نعتقده - بأن اليماني له أصل ونسب في اليمن، وليس معناه بداية ظهوره وقيامه من بلد اليمن بالذات، ويؤيّد ذلك الأخبار الواردة في نفي أن يكون اليماني أو المهدي من بلد اليمن المعروف:
عن كعب، قال: ما المهدي إلا من قريش، وما الخلافة إلا فيهم غير أن له أصلاً ونسباً في اليمن(٧٠).
وهذا كلام واضح الفساد؛ لأن الرواية نصّت على أنه يماني كما هو ظاهر النسبة إلى اليمن، لا أن له أصلاً في اليمن، كما أنها صرَّحت بأنه يخرج من نفس اليمن.
وأما الأثر الذي نقله عن كعب فلا قيمة له، ولا يصح الاحتجاج به على شيء، كما لا يصح أن يُجعل مؤيّداً لعقيدة أنصار اﻟﮕﺎطع بأن اليماني ليس من اليمن المعروف، فضلاً عن تقديمه على أحاديث الأئمة الأطهار عليهم السلام؛ لوضوح أن هذا الأثر لم يتعرّض لذكر اليماني، وإنما كان يتحدّث حول الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
ومع الإغماض عن كل ذلك فإن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع ليس له أصل في اليمن كما هو المعروف من نسبه، فإنه ورد في موقع (النسَّابون العرب) في الإنترنت أن نسب عشيرة البوسويلم الشيبانية، هم ذرية: سليم بن عطا الله بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن علي بن حسن بن سلطان بن إسماعيل بن حسين بن محمد بن سليمان بن داود بن إبراهيم بن علي بن حسين بن عبد الله بن علي بن طاهر بن محمد بن مزيد بن زائدة الشيباني بن زائدة بن عبد الله بن مطر بن شريك بن عمرو الصلت بن قيس بن شراحيل بن مرة بن همام بن مرة بن ذهل بن شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن عدنان(٧١).
وهؤلاء ليس لهم أصول في اليمن، مع أن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع ادّعى له نسباً جديداً، ونفى انتسابه لهذا النسب المعروف لعشيرة آلبو سويلم!!
ولهذا قال اﻟﮕﺎطع: إنه مقطوع النسب(٧٢)، ولذلك زعم أن ينتسب للإمام المهدي عليه السلام، فإن سلّمنا بانتسابه للإمام المهدي عليه السلام فليس له أصل في اليمن؛ لأن آباء الإمام عليه السلام وأجداده الطاهرين عليهم السلام ليس فيهم يماني واحد، وإن سلّمنا بأن له أصلاً في اليمن فلا بد أن ننفي انتسابه للإمام المهدي عليه السلام الذي ليس له أصل في اليمن!!
ثم إن ناظماً العقيلي احتمل أن الروايتين السابقتين رواية واحدة، فقال:
يحتمل جدًّا بأن أصل الروايتين رواية واحدة، وقد نقل الراوي أحدهما نصًّا أو كاملة، ونقل الأخرى بالمعنى وبصورة غير كاملة، أو إن كلًّا من الروايتين منها ما هو نصًّا [كذا]، ومنها ما هو معنى كلام المعصوم، وخصوصاً إذا لاحظنا أنهما متّحدتان في السند تماماً(٧٣).
ثم قال بعد ذلك:
وإذا كانت الروايتان أصلهما واحد، فلا يمكن الاستدلال بالرواية التي فيها (من اليمن) بدون قوسين؛ لأنه يحتمل أنها من إضافة النسّاخ، لظنّهم أنها ساقطة، أو أنها الأوفق بسياق الكلام؛ لأن قبلها (السفياني من الشام)، فتبقى كلمة (من اليمن) غير ثابتة ولا يمكن الاعتماد عليها(٧٤).
والجواب: أن هاتين الروايتين ليستا رواية واحدة، بل هما روايتان مختلفتان؛ لأن مضمونهما مختلف بالكلية، ولكي يتّضح للقارئ العزيز مدى التفاوت بين الروايتين، فإني سأدرجهما كاملتين في جدول واحد لكي تسهل المقارنة بينهما، فيتبيّن صحّة ما قلناه.
الرواية الأولى
عن محمد بن مسلم الثقفي الطحان، قال: دخلت على أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام وأنا أريد أن أسأله عن القائم من آل محمد صلى الله عليه وعليهم، فقال لي مبتدئاً: يا محمد بن مسلم إن في القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم شبهاً من خمسة من الرسل: يونس بن متى، ويوسف بن يعقوب، وموسى، وعيسى، ومحمد، صلوات الله عليهم، فأما شبهه من يونس بن متى: فرجوعه من غيبته وهو شاب بعد كبر السن، وأما شبهه من يوسف بن يعقوب عليهما السلام: فالغيبة من خاصّته وعامّته، واختفاؤه من إخوته، وإشكال أمره على أبيه يعقوب عليهما السلام مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وأهله وشيعته. وأما شبهه من موسى عليه السلام فدوام خوفه، وطول غيبته، وخفاء ولادته، وتعب شيعته من بعده مما لقوا من الأذى والهوان إلى أن أذن الله عزّ وجل في ظهوره ونصره وأيَّده على عدوه. وأما شبهه من عيسى عليه السلام: فاختلاف من اختلف فيه، حتى قالت طائفة منهم: ما وُلد، وقالت طائفة: مات، وقالت طائفة: قُتل وصُلب. وأما شبهه من جدِّه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فخروجه بالسيف، وقتله أعداء الله وأعداء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، والجبارين والطواغيت، وأنه يُنصر بالسيف والرعب، وأنه لا تُرَدّ له راية. وإن من علامات خروجه: خروج السفياني من الشام، وخروج اليماني (من اليمن)، وصيحة من السماء في شهر رمضان، ومنادٍ ينادي من السماء باسمه واسم أبيه.
الرواية الثانية
عن محمد بن مسلم الثقفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام يقول: القائم منا منصور بالرعب، مؤيَّد بالنصر، تُطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، يبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويُظهر الله عزّ وجل به دينه على الدين كله ولو كره المشركون، فلا يبقى في الأرض خراب إلا قد عُمّر، وينزل روح الله عيسى بن مريم عليه السلام، فيصلي خلفه، قال: قلت: يا ابن رسول الله متى يخرج قائمكم؟ قال: إذا تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، واكتفى الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وركب ذوات الفروج السروج، وقُبلت شهادات الزور، وردت شهادات العدول، واستخف الناس بالدماء وارتكاب الزنا وأكل الربا، واتُّقي الأشرار مخافة ألسنتهم، وخروج السفياني من الشام، واليماني من اليمن، وخسف بالبيداء، وقتل غلام من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بين الركن والمقام، اسمه محمد بن الحسن النفس الزكية، وجاءت صيحة من السماء بأن الحق فيه وفي شيعته، فعند ذلك خروج قائمنا، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً. وأول ما ينطق به هذه الآية: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)، ثم يقول: أنا بقيّة الله في أرضه، وخليفته وحجته عليكم. فلا يسلِّم عليه مُسَلِّمٌ إلا قال: (السلام عليك يا بقية الله في أرضه)، فإذا اجتمع إليه العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج، فلا يبقى في الأرض معبود دون الله عزّ وجل من صنم (ووثن) وغيره إلا وقعت فيه نار فاحترق، وذلك بعد غيبة طويلة؛ ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به.
فإن من الواضح لكل ذي عينين أن الرواية الأولى مسوقة لبيان أوجه التشابه بين الإمام المهدي عليه السلام وبين خمسة من أنبياء الله تعالى، وهم: يونس، ويوسف، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم، وما ذُكر في آخرها من علامات خروجه عليه السلام اقتصر فيه على ثلاث فقط، وهي: خروج السفياني، وخروج اليماني، والصيحة، ولم تذكر باقي العلامات.
وأما الرواية الأخرى فقد سيقت لبيان ما يحدث من الفتن والعلامات التي تقع قبل خروج الإمام المهدي المنتظر عليه السلام وبعده، ووَرَد فيها ذِكْر علامات كثيرة وبيان كيفية خروجه وبيعة الناس له واجتماع أنصاره، وغير ذلك.
إذن فهما روايتان مختلفتان جزماً، ولا وجه لاحتمال كونهما رواية واحدة.
واتحاد سند الروايتين لا يستلزم كونهما رواية واحدة، فإن كتب الأحاديث المعتمدة عند الشيعة مشتملة على روايات كثيرة متعدّدة متحدّة في أسانيدها كما هو واضح لكل من اطلع على أسانيد الأخبار، ومن ينكر ذلك فهو إما جاهل أو مكابر.
والغريب أن ناظماً العقيلي احتمل كون الروايتين رواية واحدة، نُقلت مرة باللفظ، ومرة أخرى بالمعنى، ثم أسقط عن الاعتبار الرواية التي فيها (من اليمن) بدون قوسين؛ لاحتمال أن النُّسَّاخ أضافوا كلمة (من اليمن) بدون قوسين في الرواية الثانية، مع أنا لو سلّمنا بأنهما رواية واحدة، فإنا نحتمل أن الرواية الثانية ربما تكون هي الرواية التي نُقلت باللفظ، وأن كلمة (من اليمن) سقطت من الرواية الأولى لَمَّا نقلها الرواة بالمعنى، وعليه فكان ينبغي له أن يعتمد الرواية التي فيها كلمة (من اليمن)؛ لأن الرواية الثانية تبيّن المراد من الرواية الأولى ما دامت الروايتان رواهما الثقات وهما في الحقيقة رواية واحدة، وأن إحداهما منقولة بالمعنى.
ومن الغريب حقًّا ما زعمه العقيلي من أن الأوفق بسياق الكلام في الرواية الأولى عدم ثبوت كلمة (من اليمن) ؛ لأن قبلها (السفياني من الشام)؛ والحال أنه من الوضوح بمكان أن الأوفق بالسياق عكس ما قاله العقيلي؛ لأن ذكر موضع خروج السفياني وهو الشام يناسبه ذكر موضع خروج اليماني وهو اليمن كما في الرواية الثانية.
ولا يخفى أن معالجة الروايات بهذا النحو عبث مكشوف، ورد لروايات أئمة أهل البيت عليهم السلام بالأهواء المضلّة، والاحتمالات الواهية، والظنون الباطلة، وكل من تتبّع كتب أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه يرى أن هذا هو دأبهم في رد الروايات التي تتنافى مع عقائدهم الباطلة وآرائهم الفاسدة.
٣- ما رواه النعماني في (الغيبة) بسنده عن عبيد بن زرارة، قال: ذُكر عند أبي عبد الله عليه السلام السفياني، فقال: أنَّى يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء(٧٥).
بتقريب: أن الرواية تدل على أنه جرى ذكر السفياني عند إمامنا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وأن بعضهم توهّم أنه قد خرج في ذلك العصر، إلا أن الإمام عليه السلام ردَّ هذا التوهّم بقوله: (أنّى يخرج...) يعني كيف نقول بخروجه ولم يخرج في نفس الوقت كاسر عينيه بصنعاء؟!
وبغض النظر عن معنى كلمة (كاسر عينيه)، فإنّا ذكرنا لهذه الكلمة فيما سبق معنيين محتملين، إلا أن الإمام عليه السلام في هذا الحديث يشير إلى رجل يخرج من اليمن، ويكون خروجه متزامناً مع خروج السفياني، والذي دلّت الروايات على أن خروجه متزامن مع خروج السفياني هو الخراساني الذي يخرج من خراسان، واليماني الذي يخرج من اليمن، وبما أن الإمام عليه السلام نصَّ على أن هذا الرجل سيخرج من صنعاء، فهو يشير بذلك إلى أن هذا الخارج هو اليماني لا غيره؛ لأن الروايات لم تدل على أن رجلاً آخر سيخرج من صنعاء، يكون خروجه متزامناً مع خروج السفياني.
ومما قلناه يتّضح بطلان ما قاله بعض الباحثين من أن جملة (كاسر عينيه بصنعاء) تَرِد باحتمالات متعدّدة لا علاقة لها باليماني، فمن أين تأتَّى الجزم بأن المقصود بـ (كاسر عينيه) هو اليماني المعهود نفسه؟ وكيف تمّ إحالة الضمير إليه؟(٧٦).
ولا يخفى أنّا لم نقل: إن كلمة (كاسر عينيه بصنعاء) بنفسها تدل على اليماني بخصوصه، وإنما فهمنا أن اليماني هو المراد بهذا الوصف من ضمّ هذا الحديث إلى حديث آخر بيَّنَ أن خروج السفياني واليماني والخراساني يكون في يوم واحد من شهر واحد من سنة واحدة، وسيأتي ذكره في العلامة المميّزة لليماني إن شاء الله تعالى.
وقد حاول عبد الرزاق الديراوي أن يشكّك في دلالة هذا الحديث على أن المراد بـ (كاسر عينيه) هو اليماني حيث قال:
هذه الرواية كما يتّضح لكل متأمّل، لا شيء فيها يدل على أن هذا الذي يخرج من صنعاء هو اليماني الموعود، فلا نصّ ولا ظهور، ولا عين ولا أثر! غاية ما في الأمر إن من يرى هذا الرجل على أنه اليماني يبني على أساس افتراض مسبق بأن اليماني يخرج من اليمن(٧٧).
والجواب: أن هذه الرواية تدل على أنّ من وصفه الإمام عليه السلام بكاسر عينيه يكون خروجه متزامناً مع خروج السفياني، ولذلك أنكر الإمام عليه السلام على من توهّم خروج السفياني في ذلك الوقت، فقال: (أنّى يخرج) أي كيف يخرج السفياني (ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء)، أي وإلى الآن لم يخرج اليماني، فإن خروجهما في يوم واحد كما دلّت عليه روايات أخرى، وإذا لم يخرج اليماني المحتوم، فإن هذا الخارج لا بدّ أن يكون رجلاً آخر غير السفياني؛ لأن الذي يخرج متزامناً مع خروج السفياني رجلان: اليماني والخراساني، والخراساني لن يخرج من صنعاء، وإنما سيخرج من خراسان، فيتعيّن أن يكون مراد الإمام عليه السلام بكاسر عينيه هو اليماني دون غيره.
وزَعَمَ الديراوي أنه (على هذا الافتراض لا يصح القطع بأن المكنّى بـ (كاسر عينيه) هو اليماني الموعود، إذ لعلّ - بل هذا هو المتحقّق - أكثر من شخص يخرج من بلاد اليمن)(٧٨).
وهذا زعم مردود بأن المعنى الذي ذكرناه للحديث هو الظاهر منه بقرينة الحديث الآخر الذي أشرنا إليه، والظهور كافٍ في المقام؛ لأنه حجة، وحجّيّة الحديث لا تتوقّف على القطع بمعناه، ولو سلّمنا بأن الذين يخرجون من اليمن أكثر من شخص فإن الذي يكون خروجه متزامناً مع خروج السفياني رجل واحد وهو اليماني المعهود دون غيره، فيكون هو المتعيّن دون من زعم الديراوي خروجهم من اليمن.
ثم إن بعض الباحثين ضعَّف سند هذه الرواية بعد أن طعن في دلالتها على خروج اليماني من اليمن، بأن في سندها محمد بن حسان الرازي، الذي (يُشَمُّ) من كلام النجاشي تضعيفه، ومحمد بن علي الكوفي أبو سمينة، وهو ضعيف جدًّا، فاسد الاعتقاد، لا يُعتمد في شيء كما قال النجاشي(٧٩).
وحيث إن هذه الرواية من الروايات التي تتحدّث عن علامات الظهور المقدّس فإن التدقيق في أسانيد أمثال هذه الروايات التي لا تبيِّن تكليفاً شرعيًّا لا حاجة له، مع أنه خلاف المنهج الذي جرى عليه هذا الباحث في كتابه كما بيّنا ذلك فيما تقدّم.
وأما بيان حال محمد بن حسّان الرازي، فقد قال فيه النجاشي: محمد بن حسان الرازي أبو عبد الله الزينبي، يُعرَف ويُنكَر، بين بين، يروي عن الضعفاء كثيراً(٨٠).
ومعنى قوله: (يُعرَف ويُنكَر) مختلف فيه.
قال الشيخ عبد الله المامقاني قدس سره في (تنقيح المقال):
والذي تحصّل لي بسبر كلماتهم في التراجم، واستقصائها أن المراد ورود حديث الرجل تارة مقبولاً للعقول موافقاً لظاهر الكتاب والسنة، وأخرى غير مقبول للعقول وغير موافق لظاهر الكتاب والسنة، ككون الصلاة تتكلّم، وكون الفحشاء والمنكر أسماء رجال، وكون ذكر الله الأكبر هم الأئمة عليهم السلام، وقد تتبّعت كثيراً من موارد قولهم في رجل: (يُعرف ويُنكر)، فوجدتها على هذه الصفة، ووجدت ما يُنكر منها عندهم قد ثبتت صحّته بالبراهين الواضحة، وصار من ضروريات مذهب الإمامية اليوم، فتتبّع(٨١).
وأما الرواية عن الضعفاء فإنها لا تنافي العدالة والوثاقة.
قال أستاذنا المحقّق الشيخ محمد رضا المامقاني دامت إفاضاته في تعليقته على كتاب (مقباس الهداية):
لعدم وجود منافاة بين الوثاقة والرواية عن الضعفاء، وقد رمى القمّيون كثيراً وطردوا البعض لذلك، مثل: أحمد بن محمد البرقي، والحسن بن محمد بن جمهور القمي، وحاتم بن أبي حاتم القزويني، ومحمد بن عبد الله، وعلي بن أبي سهل وغيرهم، مع أن أكثرهم ثقات بلا شبهة وريب(٨٢).
وأما محمد بن علي الكوفي أبو سمينة، فهو وإن ضعّفه النجاشي وقال فيه:
وكان يلقّب محمد بن علي أبا سمينة، ضعيف جدًّا، فاسد الاعتقاد، لا يُعتمد في شيء، وكان ورد قم، وقد اشتهر بالكذب بالكوفة، ونزل على أحمد بن محمد بن عيسى مدّة، ثم تشهّر بالغلو، فجُفي، وأخرجه أحمد بن محمد بن عيسى عن قم، وله قصّة(٨٣).
وهذا الرجل لا شك في ضعفه بحسب قواعد علم الرجال، إلا أن المتتبّع لكلماتهم يجد أن علماء الطائفة لم يتركوا حديثه كليّةً، بل عملوا بجملة وافرة من رواياته التي ليس فيها كذب أو تدليس أو غلو أو ما شاكل ذلك.
وللعلامة المامقاني قدس سره كلام جميل في المقام، حيث قال:
وحكى المولى الوحيد رحمه الله عن جدّه استظهار أن مساهلتهم في النقل عن أمثاله لكونهم من مشايخ الإجازة، والأمر فيه سهل؛ لأن الكتاب إذا كان مشتهراً متواتراً يكفي في النقل عنه، وكان ذكر السند لمجرد التيمّن والتبرّك، مع أن الغلو الذي ينسبونه إليهم لا نعرفه أنه كان للأخبار غالباً وفيقاً، أو كان موافقاً للواقع؛ لأنا نراهم أنهم يذكرون أن أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن أكثر الأصحاب رووا أحاديثهم، وما رأينا من أخبار أمثاله خبراً دالاً على الغلو، والله يعلم. انتهى.
وأقول: ظاهر المجلسي والوحيد الميل إلى العمل بأخبار الرجل، وما ذكراه في عدم بقاء الوثوق برمي القدماء شخصاً بالغلو وإن كان هو الحق المتين كما نبّهنا على ذلك مراراً، إلا أن رد شهادة الفضل [بن شاذان] بكونه من الكذّابين مشكل، وعمل المفيد رحمه الله وأمثاله بخبره ليس عملاً بالخبر في الحقيقة؛ لتقييدهم العمل بأن لا يكون ما تضمّنه الخبر تخليطاً أو غلوًّا أو تدليساً، أو ينفرد به، أو لا يُعرف من غير طريقه، فإن ما جُمع من أخباره لهذه القيود لا يكون العمل به عملاً بخبره في الحقيقة، بل عملاً بخبر من شاركه في الرواية كما لا يخفى(٨٤).
والنتيجة: أنه لا مانع من العمل برواية في سندها محمد بن علي الكوفي أبو سمينة إذا كانت لا تشتمل على غلو، أو لم يتفرّد بها، خصوصاً إذا كانت واردة في بيان بعض علامات الظهور، ولا تتنافى مع الروايات المشهورة الصحيحة كهذه الرواية.
٤- ما رواه السيد ابن طاووس قدس سره في (فلاح السائل) بسنده عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال عقيب صلاة الظهر في الدعاء للإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف: أسألك بحقّك على خِيَرَتِكَ من خلقك، وبحقّهم الذي أوجبتَ لهم على نفسك، أن تصلّي على محمد وأهل بيته، وأن تمنَّ عليَّ الساعة بفكاك رقبتي من النار، وأنجز لوليّك وابن نبيّك الداعي إليك بإذنك، وأمينك في خلقك، وعينك في عبادك، وحجّتك على خلقك، عليه صلواتك وبركاتك وَعْدَه، اللهم أيّده بنصرك، وانصر عبدك، وقوِّ أصحابه، وصبِّرْهم، وافتح لهم من لدنك سلطاناً نصيراً، وعجِّل فَرَجه، وأمكنه من أعدائك وأعداء رسولك يا أرحم الراحمين. قلت: أليس قد دعوتَ لنفسك جُعلت فداك؟ قال: دعوتُ لنور آل محمد وسائقهم والمنتقم بأمر الله من أعدائهم. قلت: متى يكون خروجه جعلني الله فداك؟ قال: إذا شاء من له الخلق والأمر. قلت: فله علامة قبل ذلك؟ قال: نعم، علامات شتّى. قلت: مثل ماذا؟ قال: خروج راية من المشرق، وراية من المغرب، وفتنة تظل أهل الزوراء، وخروج رجل من ولد عمّي زيد باليمن، وانتهاب ستارة البيت(٨٥).
بتقريب: أن المراد بذلك الرجل الذي يخرج من اليمن هو اليماني المعهود؛ لأنه من غير المحتمل أن يذكر الإمام عليه السلام من علامات ظهور الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف خروج رجل آخر من اليمن، ويتغافل عن خروج اليماني المعهود الذي هو من العلامات الحتمية للظهور المقدّس، خصوصاً أنه عليه السلام قرن خروجه بخروج راية من المشرق وهي راية الخراساني من خراسان، وراية من المغرب، ولعل المراد بها راية السفياني.
وكما هي عادة اﻟﮕﺎطع وأتباعه في ردّ الأحاديث التي تبطل عقيدتهم الفاسدة فإن عبد الرزاق الديراوي أنكر دلالة الحديث على اليماني المعهود، فقال:
وهذا الرجل الزيدي لا شيء يدل على أنه هو اليماني الموعود، بل لا شيء في الرواية يدل على أنه ممدوح أصلاً، فضلاً على أن يكون هو اليماني(٨٦).
والجواب: أن ما يدلّ على أن هذا الرجل هو اليماني المحتوم أن الإمام عليه السلام كان في صدد بيان علامات ظهور الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ولذلك ذكر عليه السلام بعض العلامات الحتمية كخروج الخراساني من المشرق، ومن المستبعد جدًّا أن يذكر الإمام عليه السلام من ضمن العلامات رجلاً من اليمن لم تدل رواية على أنه من علامات الظهور، ويتغافل عن علامة حتمية مهمّة كخروج اليماني المعهود!!
 وأما قول الديراوي أنه لا شيء في الرواية يدل على أن هذا الرجل ممدوح، فهذا لا يضرّ، ولا يلزم منه ألا يكون المراد به اليماني؛ لأن جملة وافرة من الروايات التي تحدّثت عن علامات الظهور لم تمدح اليماني بشيء، مثل روايتي الشيخ الصدوق اللتين ذكرناهما برقم ١، ٢ وغيرهما.
٥- ما رواه النعماني في كتاب (الغيبة) بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل اليمن، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: جاءكم أهل اليمن يبسون بسيساً(٨٧). فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: قوم رقيقة قلوبهم، راسخ إيمانهم، منهم المنصور، يخرج في سبعين ألفاً، ينصر خلفي وخلف وصيّي، حمائل سيوفهم المسك(٨٨).
والمنصور اليماني الذي سيتولّى نصرة خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخلف وصيّه أمير المؤمنين عليه السلام وهو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام لا بد أن يكون أحد علامات الظهور، ولذلك بشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الحديث وبشَّر به الأئمة الأطهار عليهم السلام في أحاديث أخرى متعدّدة دون غيره من أهل اليمن، ولو كان المنصور اليماني رجلاً آخر غير اليماني المعهود لما كان هناك أي وجه لتخصيصه بالذكر ومدح أهل اليمن لأجله دون اليماني المعهود الذي هو أجلّ شأناً منه، ومن العلامات الحتمية للظهور المبارك.
إلا أن بعض الباحثين طعن في سند الرواية، وذهب إلى أن دلالة الحديث على أن المقصود هو اليماني ضعيفة، فقال:
بالرغم من الطعن الواضح في السند، فإن الخبر لا يشير إلى أن المقصود هو اليماني، ودلالته على ذلك تبقى ضعيفة، وبالتالي فلا يعوّل عليه، ولا سيما أنه يشير إلى النصرة لخلف رسول الله وخلف وصيِّه، فإن كان المقصود بخلف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فعندئذ ما علاقة خلف الوصي بالإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه؟ اللهم إلا أن نقول بأن الرجل قد مُدَّ في عمره بحيث يستوعب كل هذا الزمن؟!! أو أن المقصود بخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الإمام المنتظر (روحي فداه) نفسه، عندئذ من المقصود بخليفته؟!
أيًّا ما يكن، فإن هذا الخبر لا يمكن الركون إليه أبداً، بقطع النظر عن إسناده، فما بالك والسند بهذه الصورة من الضعف؟!(٨٩).
والجواب: أن التدقيق في سند روايات الفتن والملاحم وحوادث آخر الزمان تكلّمنا فيه سابقاً، فلا حاجة لإعادته، وهذا الحديث مشتمل على جملة من فضائل أمير المؤمنين عليه السلام المرويّة في كتب الخاصّة، التي لا تتعارض مع مضامين روايات أهل البيت عليهم السلام حتى نجزم بكذبه ونقطع بردّه.
وأما ما يتعلّق بمعنى الحديث فإن فيه إشارة واضحة - كما قلنا آنفاً - إلى المنصور اليماني الذي سيقوم بنصرة رجل من ذريّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه خَلَفُه وخَلَفُ وصيِّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وبالرجوع إلى الروايات الأخرى المتضافرة المرويّة من طرق الشيعة وأهل السنة التي دلّت على أن الإمام المهدي عليه السلام سينصره رجل من اليمن، وهو اليماني الذي نتحدّث عنه، الذي هو من العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي عليه السلام، نستخلص أن المنصور اليماني المذكور في الحديث هو اليماني المعهود لا غيره؛ للذي قلناه سابقاً من أنه من المستبعد جدًّا أن يترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم مدح أهل اليمن باليماني الذي رايته من أهدى الرايات في عصر الظهور، ويمدحهم برجل آخر ليس له مثل هذا الشأن والأثر في أحداث آخر الزمان!!
ثم إن ناظماً العقيلي حاول التشكيك في كون المنصور اليماني في الرواية هو اليماني المعهود حيث زعم أنه رجل آخر؛ لمنافاة هذه الرواية مع ما يروِّج له العقيلي من أن اليماني هو أحمد إسماعيل ﮔﺎطع البصري، حيث قال:
ويتبيّن من هذه الرواية أن هذا (المنصور) يكون في آخر الزمان، أي في زمن القيام المبارك؛ لأنه لم توجد هكذا شخصية مع الأئمة السابقين عليهم السلام، فيبقى انتظار وجودها مع القائم من آل محمد عليه السلام.
والمنصور اليماني هذا ليس هو اليماني الموعود، بدليل أنه يقاتل السفياني قبل خروج السفياني نحو العراق، كما يتّضح من الروايتين الآتيتين...(٩٠).
ثم نقل روايتين عن كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد، وَرَدَ فيهما أن الأخوص(٩١) السفياني يظهر على المنصور اليماني، ثم قال:
فالمنصور اليماني الصنعاني يكون خروجه قبل توجّه السفياني إلى العراق، ويهزمه السفياني ثم يتوجّه نحو العراق، بينما خروج اليماني الموعود يكون في نفس يوم خروج السفياني نحو العراق، فيتسابقان نحو الكوفة.
قلت: أولاً: رواية كتاب نعيم بن حماد رواية عاميّة لا يمكن التعويل عليها في قبال روايات الخاصّة التي لا دلالة فيها على أن السفياني يظهر على اليماني، ولكن كما قلت سابقاً: إن اﻟﮕﺎطع وأتباعه يحتجّون بأي رواية لتأييد باطلهم حتى لو كانت عاميّة، وضعيفة السند.
ثانياً: لو أخذنا بروايتي نعيم بن حماد فإنه لا منافاة بين هاتين الروايتين وبين ما دلّ على أن اليماني يتسابق مع السفياني نحو الكوفة؛ لأنه لا مانع من أن يلتقي جيشا السفياني واليماني، فيظهر السفياني على اليماني في الجولة الأولى، ثم يتسابقان بعد ذلك نحو الكوفة لتكون بينهما ملحمة أخرى في الجولة الثانية.
ثالثاً: أني لم أجد بحسب تتبّعي في شيء من الروايات أن السفياني واليماني يتسابقان نحو الكوفة، أو أن خروجهما إلى الكوفة سيكون في يوم واحد، والذي وجدته هو أن اللذين سيتسابقان نحو الكوفة كفرسي رهان هما السفياني والخراساني.
فقد روى النعماني في كتاب (الغيبة) بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام في رواية طويلة قال: لا بدّ لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرّق ملكهم، وتشتّت أمرهم، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا، وهذا من هنا، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أما إنهم لا يُبقون منهم أحداً(٩٢).
نعم روى النعماني أيضاً في كتاب (الغيبة) والشيخ الطوسي في أماليه بسندهما عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: اليماني والسفياني كفرسي رهان(٩٣).
وقوله: (كفرسي رهان) مَثَلٌ يُضرب للمتساويين أو المتقاربين في شيء.
قال الميداني: هُما كَفَرَسَي رِهَانٍ: يُضرب للاثنين إلى غاية يَسْتَبِقَان فيستويان، وهذا التشبيه يقع في الابتداء، لا في الانتهاء؛ لأَن النهاية تُجَلَّى عن سَبْق أحدهما لا محالة(٩٤).
والحديث الذي نتكلّم فيه لم يبيّن أن اليماني والسفياني يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، ولعلّهما كفرسي رهان في محاولة بسط نفوذهما على المناطق المهمّة، أو كفرسي رهان في قوّة جيشيهما، فهذا يغلب ذاك مرة، وذاك يغلب هذا مرة.
والملاحظ أن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع والمنظِّرين له كناظم العقيلي وأضرابه إذا عجزوا عن فهم الروايات أو وجدوها معارضة لدعاواهم الباطلة حاولوا إيجاد شخصيات ثانوية لها نفس هذه الأسماء يطبّقون عليها تلك الروايات المعارضة لمزاعمهم، فيزعمون أن القائم أكثر من شخص، والسفياني اثنان، واليماني متعدّد، وهكذا، وهذا دليل عجزهم عن فهم الروايات وعدم تمكّنهم من الجمع العرفي بينها.
ولهذا لجأ ناظم العقيلي إلى القول بأن المنصور اليماني شخص آخر غير اليماني المعهود، وأن الذي ورد في الروايات أنه يخرج من اليمن هو شخص آخر اسمه المنصور اليماني، لا اليماني الذي هو موضوع حديثنا، فقال:
فحتى لو سلّمنا أن رواية الشيخ الصدوق فيها: (واليماني من اليمن)، فيمكن القول بأن ذلك اليماني هو الصنعاني المنصور الذي يقضي عليه السفياني قبل توجّهه نحو العراق، وهو المطلوب(٩٥).
وهذا كلام لا يقوله إلا شخص لم يتتبّع الروايات، ولو سلّمنا أن المنصور اليماني شخص آخر غير اليماني المعهود، فإن الذي بيَّنتْه رواية الشيخ الصدوق قدس سره هو أن الذي يخرج من اليمن هو اليماني المعهود نفسه الذي هو من العلامات الحتمية للظهور المقدّس، سواء أكان هو المنصور اليماني أم غيره.
٦- هناك روايات متعدِّدة رُويت مرسلة أو شبيهة بالمرسلة تدلّ على أن اليماني المعهود من اليمن، ونحن نذكر بعضاً منها لكونها مؤيّدة للروايات السابقة.
منها: ما رواه علي بن محمد الليثي الواسطي مرسلاً عنه عليه السلام، قال: خمسة من علامات القائم عليه السلام: اليماني من اليمن، والسفياني، والمنادي ينادي بالسماء، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية(٩٦).
قال بعض الباحثين معلِّقاً على هذا الخبر:
والليثي نقل الرواية عن الشيخ الصدوق رضوان الله عليه على ما يبدو، وتحديداً من كتابيه (الخصال)، و(كمال الدين)(٩٧)، ولكن ما رواه الشيخ الصدوق وأبوه قدس سره من قبله(٩٨)، ومن نقلوا عنهما لم يذكروا عبارة (من اليمن) إطلاقاً، مما يجعل ما في كتاب (عيون الحكم والمواعظ) شرحاً لا دخل له بنص رواية أهل البيت عليهم السلام، وقد يكون الشرح من المؤلّف أو الناسخ(٩٩).
والجواب: أن الباحث المذكور استظهر أن الليثي نقل الحديث عن كتابي الشيخ الصدوق أو كتاب والده (الإمامة والتبصرة من الحيرة)، ولم يُقم على استظهاره أي دليل صحيح، فلا يكون له أي قيمة في مجال البحث العلمي، ولعلّ الليثي الذي هو من أعلام القرن السادس نقله عن كتاب آخر كان متوفّراً في عصره، ثم فُقد بعد ذلك، ولا سيما أن كثيراً من كتب الشيعة الإمامية فُقدت في تلك الفترة، ومن جملتها الأصول التي نقل عنها الشيخ الصدوق قدس سره ما أودعه في كتبه المختلفة من أحاديث.
ومنها: ما رواه نعيم بن حماد بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا ظهر الأبقع مع قوم ذوي أجسام، فتكون بينهم ملحمة عظيمة، ثم يظهر الأخوص السفياني الملعون، فيقاتلها جميعاً، فيظهر عليهما جميعاً، ثم يسير إليهم منصور اليماني من صنعاء بجنوده، وله فورة شديدة، يستقتل الناس قتل الجاهلية، فيلتقي هو والأخوص وراياتهم صفر وثيابهم ملونة، فيكون بينهما قتال شديد، ثم يظهر الأخوص السفياني عليه، ثم يظهر الروم، وتخرج إلى الشام، ثم يظهر الأخوص، ثم يظهر الكندي في شارة حسنة، فإذا بلغ تل سما فأقبل، ثم يسير إلى العراق، وترفع قبل ذلك ثنتا عشرة راية بالكوفة معروفة منسوبة، ويُقتل بالكوفة رجل من ولد الحسن أو الحسين يدعو إلى أبيه، ويظهر رجل من الموالي، فإذا استبان أمره وأسرف في القتل قتله السفياني(١٠٠).
ومنها: ما رواه نعيم عن كعب، قال: الملاحم على يدي رجل من أهل هرقل الرابع، والخامس يقال له: طيارة. قال كعب: وأمير الناس يومئذ رجل من بني هاشم [وهو الإمام المهدي عليه السلام]، يأتيه مَدَدُ اليمن سبعون ألفاً، حمائل سيوفهم المسد(١٠١).
وهذه الرواية مشابهة للرواية المتقدّمة التي ورد فيها مجيء وفد أهل اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيهم: منهم المنصور، يخرج في سبعين ألفاً، ينصر خلفي وخلف وصيّي، حمائل سيوفهم المسك(١٠٢).
وفيها إشارة واضحة إلى أن اليماني من اليمن، وأن تعداد جيشه الذي ينصر به الإمام المهدي المنتظر عليه السلام سبعون ألفاً.
وبعض هذه الروايات وإن كانت مأخوذة من كتب العامة إلا أنا ذكرناها مؤيِّدة لا من أجل الاستدلال بها على أن اليماني من اليمن، مع أن رواية معنى خاص متطابقاً في كتب الفريقين يورّث الاطمئنان بصدوره عادة.
والنتيجة: أن هذه الأحاديث بمجموعها تفيد الوثوق والاطمئنان بأن اليماني رجل من أهل اليمن، وأنه سيخرج نفس اليمن، لا من بلاد أخرى.
والغريب أن بعض الباحثين استعرض أكثر الروايات الدالّة على أن اليماني من اليمن، وضعَّف أسانيدها، وخلص إلى القول بأنه لا دليل على أن اليماني من اليمن، إلا أنه بعد ذلك لمّا أراد أن يعتمد خبراً فيه إرسال، قال:
يبقى أن نشير إلى أننا لا نتلمس أي موضع لاتّهام متن الخبر، فدواعي الكذب فيه منتفية، ولا يوجد فيه من يستفيد من اختلاق هذا الخبر أو وضعه، لذا ما من مجال للتشكيك فيه، لا سيما وأن مثل هذه الأخبار ليست أخباراً تتعلّق بالتشريع، حتى نتعامل معها وفق منهج التشدّد في الأسانيد(١٠٣).
ولا يخفى على القارئ المنصف أن كل باحث ينبغي أن يتعامل مع الروايات على طبق منهج واحد، لا أن يكيلها بمكيالين، فإما أن يتعامل معها كما يتعامل مع روايات الأحكام الشرعية بأن يدقّق في أسانيدها، ويعتمد روايات الثقات دون غيرهم، أو يحتجّ بالروايات الموثوق بها دون غيرها على اختلاف المباني في هذه المسألة، وإما أن يأخذ بما دلّت عليه الروايات المتعدّدة التي لا نجد ما يدل على كذبها، كالروايات الدالّة على أن اليماني من اليمن، فإنها متعدّدة من جهة، ومؤيِّدة للنسبة إلى اليمن من جهة أخرى، من دون أن نجد في الروايات ما يعارضها، مع أنها لا ترتبط بمسألة عَقَدِيّة أو حكم شرعي إلزامي، فلا مناص لنا من اعتمادها والتعويل عليها.
ومن غرائب استدلالات بعض أتباع اﻟﮕﺎطع على أن اليماني ليس من اليمن ما ذكره عبد الرزاق الديراوي في كتاب (جامع الأدلة) الذي يعتبره أتباع اﻟﮕﺎطع من أهم كتبهم، حيث قال:
نقل السيد ابن طاووس في ملاحمه: (أمير جيش الغضب ليس من ذي ولا ذو، لكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان: بايعوا فلاناً باسمه، ليس من ذي ولا ذو، ولكنه خليفة يماني).
وفي كتاب الفتن - نعيم بن حماد المروزي: حدثنا الوليد بن مسلم، عن جراح، عن أرطاة، قال: أمير العضب [كذا] ليس من ذي ولا ذو، ولكنهم يسمعون صوتاً ما قاله إنس ولا جان: بايعوا فلاناً باسمه، و ليس من ذي ولا ذو، ولكنه خليفة يماني). هذه الرواية تنصّ على أن أمير جيش الغضب الخليفة اليماني ليس من ذي ولا ذو، أي ليس نسبه نسب أذواء اليمن، ومنها يتحصّل أن اليماني ليس من اليمن.
ورد في لسان العرب - ابن منظور: (وفي صفة المهدي: قرشي تمان ليس من ذي ولا ذو أي ليس نسبه نسب أذواء اليمن، وهم ملوك حمير، منهم ذو يزن وذو رعين، وقوله: قرشي يمانٍ أي قرشي النسب يماني المنشأ)(١٠٤).
ولكن عندما نرجع إلى كتاب (الفتن) لنعيم بن حماد الذي نقل عنه ابن طاووس قدس سره هذه الرواية في كتابه (الملاحم والفتن) نجد أن الوارد فيه: (أمير العُصَب)(١٠٥) جمع عُصْبَة، وهي الجماعة، وكذلك في (الملاحم والفتن) كما في الطبعة المعتمدة في برنامج مكتبة أهل البيت عليهم السلام، وهي طبعة مؤسّسة صاحب الأمر عجّل الله فرجه في أصفهان بإيران سنة ١٤١٦هـ(١٠٦)، وفي طبعة مؤسسة الوفاء في بيروت سنة ١٤٠٣هـ: (أمير الغضب)(١٠٧)، ولم أجد أي طبعة ورد فيها ما ذكره الديراوي، وهو (أمير جيش الغضب)، فلا أدري هل الديراوي نقل ذلك عن طبعة أخرى، أم حرَّف الرواية تحريفاً متعمّداً؟!
وكيف كان فإن الديراوي نقل كلا الروايتين ولكنهما في الحقيقة رواية واحدة؛ لأن ابن طاووس قدس سره كما قلنا نقلها عن كتاب نعيم بن حماد، ومع أن هذه الرواية تذكر أمير العُصَب، وتصرّح بأنه يماني إلا أن الديراوي جعلها دليلاً على عدم يمانيته، فقال: (ومنها يتحصّل أن اليماني ليس من اليمن)، فلا أدري كيف تحصل ذلك عند الديراوي بمجرد عدم انتساب هذا اليماني إلى قبائل ملوك اليمن كذي يزن وذي رعين وغيرهما كما ذكر ابن منظور.
والمثير للاستغراب في استدلال الديراوي أنه دعم كلامه بما نقله عن كتاب (لسان العرب)، مع أن كلام ابن منظور صريح في أن هذا الخليفة يماني المنشأ، قرشي النسب، وهذا لا ينسجم مع ما يحاول الديراوي إثباته، وهو أن هذا الخليفة اليماني هو أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، البصري الولادة والمنشأ، فإنه قال:
فأمير جيش الغضب إذن هو خليفة يماني، وهو الذي ينادي باسمه جبرائيل عليه السلام، وصوت جبرائيل هو المقصود من الصوت الذي ما قاله إنس ولا جانّ، والخليفة اليماني هو القائم بالسيف (أحمد) كما أشرنا فيما سبق، وسنثبت بالأدلة في مباحث لاحقة(١٠٨).
ومن المعلوم أن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع لم ينشأ في اليمن، وهذا لا يختلف فيه أحد، وهو لم يدَّع ذلك، وأما انتسابه إلى قريش فلم يثبت، بل ثبت عدمه، إذ لا دليل على هذا الانتساب المزعوم إلا ادّعاء نفس اﻟﮕﺎطع، وهو ادّعاء قامت الأدلّة الصحيحة على بطلانه، فكيف يكون اﻟﮕﺎطع هو الخليفة المشار إليه في هذا الحديث؟!
ثم إن هذا الحديث لم يُروَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو عن إمام من أئمة أهل البيت عليهم السلام، وإنما هو مروي عن أرطاة بن المنذر الذي له روايات كثيرة في كتاب (الفتن) عن كعب الأحبار بواسطة واحدة، ولعلّ هذه الرواية من ضمن روايات كعب، ولا سيّما أنه قال في ذيل الرواية: قال الوليد: قال كعب: إنه يماني قرشي، وهو أمير العُصَب، والعُصَب أهل اليمن ومن تبعهم من سائر الذين خرجوا من بيت المقدس.
أضف إلى ذلك أن هذا الحديث يراد به المنصور اليماني الذي يبايعه أهل اليمن كما دلّ على ذلك حديث آخر رواه نعيم بن حماد، عن الزهري، قال: يموت المهدي موتاً، ثم يصير الناس بعده في فتنة، ويقبل إليهم رجل من بني مخزوم فيبايع له، فيمكث زماناً، ثم يمنع الرزق فلا يجد من يغير عليه...
إلى أن يقول: فيأمر بإخراج أهل اليمن: قضاعة، ومذحج، وهمدان، وحمير، والأزد، وغسان، وجميع من يقال له من اليمن، فيُخرجهم حتى ينزلوا شعاب فلسطين، فيرجع إليهم جديس، ولخم، وجذام، والناس عصباً من تلك الجبال بالطعام والشراب؛ ليكون لهم مغوثة كما كان يوسف مغوثة لإخوته، إذ نادى مناد من السماء، ليس بإنس ولا جان: (بايعوا فلاناً، ولا ترجعوا على أعقابكم بعد الهجرة)، فينظرون فلا يعرفون الرجل، ثم ينادي ثلاثاً، ثم يبايع المنصور...(١٠٩).
والمنصور اليماني رجل آخر غير اليماني المحتوم بحسب ما يراه أتباع اﻟﮕﺎطع.
قال ناظم العقيلي:
وقد صرَّحت بعض الأخبار بأن هناك يمانيًا يخرج من بلد اليمن، وبعض الروايات تصفه بـ (المنصور) أو (المنصور اليماني).
ثم قال: والمنصور اليماني هذا ليس هو اليماني الموعود، بدليل أنه يقاتل السفياني قبل خروج السفياني نحو العراق...(١١٠).
ولا ينقضي العجب من اﻟﮕﺎطع وأتباعه الذين يتركون أحاديث أئمة أهل البيت عليهم السلام الدالّة على أن اليماني يخرج من اليمن، ويتشبّثون بروايات يرويها غيرهم عليهم السلام؛ ليوهموا الناس أنها دالّة على دعاواهم، بينما هي بدرجة من الوضوح في الدلالة على خلاف تلك الدعاوى الكاذبة.
الثالث: ارتكاز يمانية اليماني عند الناس في عصر النص:
فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره في أماليه بسنده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام، لما خرج طالب الحق قيل لأبي عبد الله عليه السلام: نرجو أن يكون هذا اليماني؟ فقال: لا، اليماني يوالي عليًّا، وهذا يبرأ(١١١).
فإن المسمّى بطالب الحق كان حضرميًّا من الخوارج، خرج من اليمن في زمن الإمام جعفر الصادق عليه السلام، فظنّ بعض الشيعة أنه هو اليماني المذكور في الروايات؛ لكونه ثائراً من اليمن، إلا أن الإمام عليه السلام نفى أن يكون هذا الرجل هو اليماني المعهود؛ لأن مذهبه مذهب الخوارج، واليماني المعهود موالٍ لأمير المؤمنين عليه السلام، ولو كان خروج اليماني المعهود من العراق أو من أي مكان آخر غير اليمن لبيَّن لهم الإمام عليه السلام أن اليماني لن يخرج من اليمن، وإنما سيخرج من موضع آخر؛ لتصحيح ما هو مرتكز في أذهانهم من أن اليماني من أهل اليمن.
قال بعض الباحثين في ردّ كون يمانية اليماني مرتكزة في أذهان أصحاب الأئمة عليهم السلام:
هل أن فهم من سأل الإمام عليه السلام حجّة علينا؟ وهل أن الإمام بأبي وأمي ملزم بأن يصحّح للسائل فهمه في أي مسألة يُسأل بها؟ لا سيما في مسألة لا تهم زمان السائل، وفي قضية لا تتعلّق من الناحية العملية به إطلاقاً، ولا تنطوي على أي بُعد تشريعي للسائل؟ بل قد يكون الإمام متعمّداً لكي يبقي السائل ومن يسمعه في توهّم مكان الرجل، إذ إن هذا الوهم لا يضيرهم، لكن رفعه قد يضر بوجود وحركة اليماني لاحقاً، وبقاءه يخدم وبشكل جاد مسألة إبقاء شخصية اليماني مخفية عن مناوئيه(١١٢).
والجواب: أنه لا شك في أن فهم السائل ليس حجّة علينا ولا سيما أنا لا نعلم من الذي سأل الإمام عليه السلام هذا السؤال، إلا أن عدم إنكار الإمام عليه هذا الفهم، ومجاراته في أن اليماني من اليمن، وتفهيمه أن المانع من كون اليماني هو المسمّى بطالب الحق هو أنه يبرأ من أمير المؤمنين عليه السلام، دليل على أن ما كان مرتكزاً في ذهن السائل وغيره من أن اليماني لا بد أن يكون من اليمن كان صحيحاً، ولا سيما أن الإمام عليه السلام كان بإمكانه لو كان اليماني من بلاد أخرى غير اليمن أن يبيِّن للسائل هذه المسألة من دون حاجة للتصريح بمسألة شديدة الحساسية كالتوّلي والتبرّي.
وأما قوله: إن مسألة اليماني (لا تهم زمان السائل، وفي قضية لا تتعلّق من الناحية العملية به إطلاقاً) فغير صحيح؛ لأن السائل ظنّ أن المسمّى بطالب الحق هو اليماني المعهود، وهذا ربما يدعو بعض الشيعة إلى الخروج معه لنصرته، فهي قضية تختص بزمان السائل، ومن المهم جدًّا بيان حال هذا الرجل كي لا ينخدع به بعض الشيعة.
وأما تساؤله بقوله: (وهل أن الإمام بأبي وأمي ملزم بأن يصحّح للسائل فهمه في أي مسألة يُسأل بها؟) فجوابه أن الإمام عليه السلام ليس ملزماً بأن يصحّح فهم السائل في أي مسألة يُسأل، لكن من وظائف الإمام عليه السلام إزالة اللبس الذي ربما يقع فيه بعض الشيعة، خصوصاً في بعض الموارد التي ربما تتوافر فيها أسباب تدعو للتغرير ببعض الشيعة، مثل مسألة اليماني الذي ذكرت الروايات أنه من العلامات المحتومة لقيام الإمام المهدي عليه السلام، وأن رايته أهدى الرايات، ووقوع اللبس في مثل هذه العلامة ربما يغري الدجّالين وأصحاب المطامع بادّعاء هذه الشخصية وتضليل الناس من خلال هذا الادّعاء، كما انخدع بعض الشيعة بمحمد بن عبد الله بن الحسن المثنى الذي ظنّوا أنه النفس الزكية الممدوح في الروايات، فبيَّن لهم الإمام الصادق عليه السلام خطأهم في ذلك.
قال أبو الفرج الأصفهاني في ترجمة محمدٍ المذكور:
وكان أهل بيته يسمّونه المهدي، ويقدّرون أنه الذي جاءت فيه الرواية، وكان علماء آل أبي طالب يرون فيه أنه النفس الزكية، وأنه المقتول بأحجار الزيت، وكان من أفضل أهل بيته، وأكبر أهل زمانه في زمانه في علمه بكتاب الله، وحفظه له، وفقهه في الدين، وشجاعته، وجوده، وبأسه، وكل أمر يجمل بمثله، حتى لم يشك أحد أنه المهدي، وشاع ذلك له في العامة، وبايعه رجال من بني هاشم جميعاً من آل أبي طالب وآل العباس وساير بني هاشم، ثم ظهر من جعفر بن محمد قول في أنه لا يملك، وأن الملك يكون في بني العباس، فانتبهوا من ذلك لأمر لم يكونوا يطمعون فيه(١١٣).
وقوله: (بل قد يكون الإمام متعمّداً لكي يُبقي السائل ومن يسمعه في توهّم مكان الرجل، إذ إن هذا الوهم لا يضيرهم، لكن رفعه قد يضر بوجود وحركة اليماني لاحقاً، وبقاءه يخدم وبشكل جاد مسألة إبقاء شخصية اليماني مخفيّة عن مناوئيه) غير صحيح؛ لأن هذا يتنافى مع جعل اليماني علامة من علامات الظهور؛ فإنه إذا عُمِّي بشكل كامل عن أعدائه ومناوئيه، فإن التعمية ستطال أيضاً أولياءه ومناصريه، فلا يكون عندهم أي علامة يتعرّفون بها عليه، بل إن وصفه باليماني حينئذ مع انتسابه إلى بلاد أخرى كافٍ في إحداث التعمية الكاملة التي لا يمكن بعدها معرفة شخصيته بأي حال من الأحوال، مضافاً إلى أن مثل هذا الإخفاء ربما يغري كل طامع من جميع البلدان بادّعاء اليمانية، وهذا أشد خطراً من قصر المدّعين على خصوص اليمن فقط.
مع أن عدم ذكر الروايات لاسمه ونسبه ومكان ولادته وإقامته وسائر مشخّصاته كافٍ في حفظه من أعدائه ومناوئيه، ولا حاجة مع ذلك إلى إخفاء بلد خروجه؛ لأن مثل ذلك يجعل معرفته حين خروجه متعذِّرة بالكامل.
ثم إن الباحث المذكور قال:
وبالتالي فإن أي إلزام على الإمام صلوات الله عليه لا وجود له ليقال بأن الأولى بالإمام أن يشير إلى مكانه، نعم أوضح الإمام صلوات الله عليه الجهة الملزم بتبيانها، وهي ما يتعلق بالجانب الاعتقادي، دون أن يلتفت إلى أي موضوع آخر، وهو أمر عقلائي بديهي(١١٤).
قلت: إنما ترك الإمام عليه السلام ذكر مكان خروج اليماني لأن هذا الأمر كان معلوماً لا يحتاج إلى بيان، مع أن الإمام عليه السلام في غنى أيضاً عن بيان أن اليماني من الموالين لأمير المؤمنين عليه السلام؛ لأنه إذا كان يدعو إلى الحق، ورايته أهدى الرايات، ويدعو إلى صاحب الأمر عليه السلام، فلا بد أن يكون موالياً لأمير المؤمنين عليه السلام، إلا أن السائل لم يكن يعلم أن طالب الحق خارجي يبرأ من أمير المؤمنين عليه السلام، باعتبار أن اليمن كان فيها كثير من الشيعة في ذلك الوقت، ولذلك أشار ابن عباس رضي الله عنه على الإمام الحسين عليه السلام بالتوجّه إلى اليمن لما أراد الخروج إلى العراق، فقال له: يا ابن عم! إني أتصبَّر ولا أصبر، إني أتخوّف عليك في هذا الوجه الهلاك، إن أهل العراق قوم غدر، فلا تغترّنَّ بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوّهم، ثم أقدم عليهم، وإلا فَسِرْ إلى اليمن، فإن به حصوناً وشعاباً، ولأبيك به شيعة، وكن عن الناس في معزل، واكتب إليهم، وبثَّ دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب(١١٥).
ولأجل ذلك بيَّن الإمام الصادق عليه السلام ما كان مجهولاً عند السائل، وهو معتقَد طالب الحق، وأنه لا يمكن أن يكون اليماني المعهود.
ثم قال الباحث المذكور بعد ذلك:
أما الحديث عن التبادر فإن التبادر المذكور يكون صحيحاً لو أن الإمام صلوات الله عليه كان يتحدّث عن أمر يتعلّق بزمان المتحدَّث معه، ولكن عندما يكون زمان النصّ بعيداً عن زمان المنصوص له بعدّة قرون فلا وجه لهذا التبادر، ولا مسوّغ للالتزام بالقول به، فالإمام عليه السلام هنا يتحدّث مع شخص لا تعنيه من الناحية العملية قضية اليماني مطلقاً، بل هي تعني أناساً سيأتون من بعد قرون عدّة(١١٦).
وهذا كلام واضح الفساد؛ لأن التبادر إنما يستفاد من حاقّ اللفظ، سواء كان الحديث يتعلّق بزمان المتحدَّث معه أم يرتبط بقضية مستقبلية، ولا يشترط في حصول التبادر أن يكون الحديث عن قضية تخصّ زمان النصّ، وإلا فلا بدّ من القول: إنه لا فائدة في جميع أحاديث الملاحم وما يقع في آخر الزمان بل عامّة الأحاديث؛ لعدم حجّية ما يتبادر لنا منها، وهو كلام واضح البطلان.
هذا مع أن الإمام عليه السلام كان يتحدّث مع شخص تعنيه قضية اليماني من الناحية العملية؛ لأن السائل كان يظن أن (طالب الحق) الذي خرج في حضرموت في ذلك الوقت هو ذلك اليماني المعهود، ومن الضروري بمكان أن يبيّن له الإمام عليه السلام فساد ظنّه بالأمور الواضحة الظاهرة مثل كونه من غير اليمن لو كان غير يماني، بدلاً من اللجوء إلى أمر باطني ككونه يبرأ من أمير المؤمنين عليه السلام الذي ربما كان السائل لا يعلم به كما قلنا.
ومن الروايات التي تدل على أن يمانية اليماني كانت مرتكزة اليماني في الأذهان ما رواه نعيم بن حماد عن عبد الله بن عمرو أنه قال: يا معشر اليمن تقولون: (إن المنصور منكم)، فلا والذي نفسي بيده إنه لقرشي أبوه، ولو أشاء أن أنسبه إلى أقصى جدّ هو له فعلت(١١٧).
بتقريب: أن أهل اليمن كانوا يفتخرون بأن اليماني منهم، وعبد الله بن عمرو لم ينكر ذلك عليهم، ولكن أنكر عليهم أن يكون أصله من قبائل اليمن، وزعم أن أصله من قريش، وأنه يعرف نسبه إلى أقصى جدّ، ونحن أوضحنا فيما تقدّم أن بعض الروايات بيَّنت أنه من ولد زيد بن علي الشهيد رضوان الله عليه، ونسبته إلى اليمن باعتبار أن اليمن وطنه ومسكنه وإن كان نسبه يرجع إلى قريش، فلا منافاة بين الأمرين.
فإذا اتّضح كل ما قدّمناه نخلص إلى القول بأن اليماني من أهل اليمن، وأنه سيخرج من صنعاء اليمن، وكل ما يقال غير ذلك فهو مخالف للروايات المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، وحسبه موهناً!!
والشيعة وإن كانوا يقولون بالبداء في بعض تفاصيل هذه المسألة، إذ يمكن حصول البداء في مكان خروج اليماني مثلاً، فيخرج من غير اليمن، إلا أنا لا نقول بمثل هذا البداء إلا إذا قام الدليل الصحيح على وقوعه، وبهذا يتّضح فساد قول ناظم العقيلي:
حتى لو جاءت عدّة روايات تنصّ بوضوح على أن اليماني يأتي من اليمن مثلاً، وجاء اليماني من العراق، لا يجوز التكذيب أبدًا؛ لأن هذا عائد إلى مشيئة الله تعالى، قال تعالى: (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ)(١١٨).
والجواب: أن العقيلي يلزمه أن يثبت أن البداء يمكن أن يقع في مثل هذا المورد الذي تخرج فيه العلامة الحتميّة عن أن تكون علامة، ليصح بعد ذلك أن يخرج رجل عراقي بدلاً عن اليماني المعهود، سواء تسمّى هذا العراقي باليماني أو سُمّي بذلك أم لا؛ فإن القول بالبداء لا يشمل الموارد التي يلزم من القول بوقوع البداء فيها محاذير شرعية، كتكذيب المعصوم عليه السلام، أو خفاء علامة مهمّة من علامات الظهور وما شاكل ذلك.
ولو سلّمنا بحصول البداء في أمثال هذه الأمور، وقام الدليل الصحيح على أن هذا العراقي هو اليماني المعهود، فلا مناص حينئذ من الأخذ بمقتضى هذا الدليل، وأما إذا جاء رجل عراقي يدّعي أنه هو اليماني المعهود، ودلّت الأدلة القطعية على أنه كاذب مفتر، فحينئذ لا بدّ من تكذيبه، والتمسّك بظاهر الروايات الدالة على أنه من أهل اليمن حتى يثبت خلافه بالدليل الصحيح.
وكلام العقيلي هنا يبيِّن جانباً من منهج أتباع اﻟﮕﺎطع في التعامل مع الروايات، فإن كل رواية تتعارض مع أهوائهم ودعوتهم الباطلة إما أن يؤوِّلوها بما لا يتعارض مع باطلهم، أو يردّوا مضمونها بزعم حصول البداء فيه، أو يضعِّفون سندها حتى لو كانت مروية بأصح الأسانيد، واتّفق الشيعة على قبولها والعمل بها، مثل توقيع السمري الدال على انقطاع السفارة قبل الصيحة والسفياني، وبهذا المنهج الباطل ردّوا كثيراً من روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام، ولكن بطرق شيطانية ماكرة.
ثم إن ناظماً العقيلي حاول أن يحتال على النصوص بادّعاء إمكان وجود يماني آخر من اليمن تابع لليماني الأصل الذي هو من العراق، فقال:
إذا سلّمنا بوجود وثبوت كلمة (من اليمن) في متن الرواية، فقد يكون المقصود من يماني اليمن هو يماني تابع وناصر وممهِّد لليماني الموعود الأصل؛ لأن كل من يتبع اليماني الموعود يسمّى يماني [كذا] نسبة إلى قائده، كما أن من يتبع السفياني يسمّى سفياني [كذا] لنفس المناسبة، ويبقى اشتهار هذه التسمية كلٌّ بحسبه، وأكيد ستكون هذه الصفة أشهر بالنسبة للقادة والثوار الذين يتبعون اليماني الموعود، فقد يكون هناك يماني من اليمن، ويماني من العراق، ويماني من إيران، ويماني من الشام...، وكل هؤلاء تابعون لليماني الموعود الأصل(١١٩).
 وهذا الكلام مردود بأن الكلام إنما هو في اليماني المعهود الذي هو قائد من القوّاد، وعلامة حتميّة من علامات الظهور المقدّس، والذي أشارت إليه الروايات، وذكرت أنه من المناصرين للإمام المهدي عليه السلام، وهو الرجل الذي ينصرف إليه الذهن عند إطلاق كلمة (اليماني)، ولا يراد به أي رجل يماني حتى لو كان من أنصار الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف؛ لأن غير اليماني المعهود ليس من علامات الظهور المبارك فضلاً عن أن يكون من المحتوم منها.
وزعم العقيلي أن كل من كان من أنصار اليماني المعهود فهو يماني وإن كان عراقيًّا أو إيرانيًّا غير صحيح، ولم يدل على ذلك شيء من الروايات المعروفة، وهو تلاعب مفضوح بالروايات ليتسنّى له ولمن يسير على نهجه الباطل أن يطبّقوا الروايات على من شاؤوا من أئمّة الضلال.
ولو سلّمنا بأنه يصحّ إطلاق اليماني على كل القادة والثوار من أتباع اليماني المعهود فإن هذا لا ينفع ناظماً العقيلي في شيء؛ لأن إمامه أحمد إسماعيل ﮔﺎطع الذي ثبتتْ عدم يمانيّته يدّعي كذباً وزوراً أنه هو اليماني المعهود، لا أنه تابع له وواحد من أنصاره يجوز تسميته باليماني بهذا اللحاظ.
والروايات إنما بيَّنت أن اليماني المعهود علامة حتمية من علامات ظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وأما الأتباع والأنصار فلم تتعرّض لهم، سواء صحَّت تسميتهم باليمانية أم لم تصحّ، وصحّة هذه التسمية لا تفيد في شيء إلا من ناحية لغوية فقط.
لا استبعاد في خروج اليماني من اليمن:
استبعد بعض الباحثين أن يخرج اليماني من اليمن، باعتبار أن راية اليماني التي وُصفت في الروايات بأنها أهدى الرايات لا بد أن تكون على مذهب الشيعة الجعفرية الاثني عشرية، واليمن منذ عهد بعيد ولحد الآن حاضنة للزيدية دون الشيعة الإمامية، وحيث إن بعض الروايات دلّت على أن أنصار اليماني يُعدّون بسبعين ألف مقاتل، فمن البعيد جدًّا حصول هذا العدد من الشيعة الإمامية في اليمن، وهذا يرجّح خروج اليماني من بلاد أخرى شيعية كالعراق مثلاً.
قال الباحث المذكور:
إن اليمن كانت منذ عهد بعيد وما زالت حاضنة للعقيدة الزيديّة، وهذه العقيدة اتّجهت مع مرور الزمن لتقترب أكثر مع العقيدة السلفيّة، أو لتبتعد بشكل عام وبصورة أكثر عن العقيدة الإمامية، ولا مجال للشكّ بأن ما يجري في اليمن حاليًّا دليل على ذلك، واحتمال أن تكون في مستقبل بعيد منظور حاملة لهذه العقيدة، وحاضنة لقاعدة ثورية تتبنّاها بشكل قوي على مستوى أن تكون حاضنة لجيش اليماني، لا وجود له بالمرّة(١٢٠).
والجواب: أن هذا استبعاد محض لا أكثر، ورَدٌّ لصريح الروايات التي دلّت على أن اليماني يخرج من اليمن باستبعادات واحتمالات لا تغني من الحق شيئاً، ولو فتحنا مثل هذا الباب في علامات الظهور لحقَّ لنا بالأولوية أن نشكِّك في خروج الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف من مكة المكرّمة؛ لأنها كانت منذ عهد موغل في القدم ولحدّ الآن حاضنة لأعداء الإمام المهدي المنتظر عليه السلام وشيعته، وجمع ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً يكونون هم القاعدة الأساس لأنصار الإمام المهدي عليه السلام غير كافٍ بحسب الموازين الطبيعية للسيطرة على الحرم المكّي الشريف، والاستيلاء على مكّة، وإخضاع أهلها لحكم الإمام المهدي عليه السلام، مع ما تدل عليه الروايات من أن أهل مكّة في عصر الظهور سيكونون مناوئين للإمام المهدي عليه السلام.
فقد روى النعماني في (الغيبة) بسنده عن يعقوب السراج، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ثلاث عشرة مدينة وطائفة يحارب القائمُ أهلَها ويحاربونه: أهل مكة، وأهل المدينة، وأهل الشام، وبنو أميّة، وأهل البصرة...(١٢١).
كما دلّت بعض الروايات على أن أهل مكة يقتلون النفس الزكيّة وأخاه بين الركن والمقام، لا لشيء إلا لأنه سفير الإمام المهدي عليه السلام فقط.
فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن يعقوب السراج، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: متى فرج شيعتكم؟ قال: فقال: إذا اختلف ولد العباس، ووهى سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم، وخلعت العرب أعنتها، ورفع كل ذي صيصية صيصيته(١٢٢)، وظهر الشامي، وأقبل اليماني، وتحرّك الحسني، وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقلت: ما تراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: سيف رسول الله ودرعه وعمامته وبُرده وقضيبه ورايته ولامته وسرجه، حتى ينزل مكة، فيُخرج السيف من غمده، ويلبس الدرع، وينشر الراية والبُردة والعمامة، ويتناول القضيب بيده، ويستأذن الله في ظهوره، فيطَّلع على ذلك بعض مواليه، فيأتي الحسني فيخبره الخبر، فيبتدر الحسني إلى الخروج، فيثب عليه أهل مكة فيقتلونه، ويبعثون برأسه إلى الشامي، فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر، فيبايعه الناس ويتبعونه...(١٢٣).
مضافاً إلى ذلك فإن بعض الروايات دلّت على أن أحوال الناس ستكون مختلفة في ذلك العصر عما كانت عليه من قبل، فيدخل في هذا الأمر بعض من كان خارجاً منه، ويخرج منه بعض من كان داخلاً فيه، فقد روى النعماني بسنده عن إبراهيم بن عبد الحميد، قال: أخبرني من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا خرج القائم عليه السلام خرج من هذا الأمر من كان يُرى أنه من أهله، ودخل فيه شبه عبدة الشمس والقمر(١٢٤).
وروى الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن أبي بصير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لينصرنَّ اللهُ هذا الأمر بمن لا خلاق له، ولو قد جاء أمرنا لقد خرج منه من هو اليوم مقيم على عبادة الأوثان(١٢٥).
قال الشيخ المجلسي قدس سره:
لعلّ المراد أن أكثر أعوان الحق وأنصار التشيّع في هذا اليوم جماعة لا نصيب لهم في الدين، ولو ظهر الأمر وخرج القائم يخرج من هذا الدين من يعلم الناس أنه كان مقيماً على عبادة الأوثان حقيقة أو مجازاً، وكان الناس يحسبونه مؤمناً، أو أنه عند ظهور القائم يشتغل بعبادة الأوثان(١٢٦).
ولعلّ الله تعالى ينصر هذا الدين عند قيام صاحب الأمر عليه السلام بأقوام لم يكونوا منتمين إلى مذهب الشيعة الإمامية من اليمن أو من غيره، ويكون بعضهم من أتباع اليماني المعهود، والله العالم.
هذا مع أن حركة التشيّع في اليمن في هذا العصر نشطة جدًّا بحسب ما علمت من بعض أهل اليمن، والشواهد والحوادث تدل على ذلك، حيث صار وجود الشيعة الإمامية في اليمن ظاهراً ومؤثّراً بشكل ملحوظ، خلافاً لما كان عليه قبل ذلك.
ولو سلّمنا أن اليمن لن يكون حاضنة للشيعة الإمامية في عصر الظهور فإن ذلك لا يمنع أن يكون خروج اليماني من اليمن في عدّة آلاف من اليمنيّين الشيعة الإمامية، والباقي من الزيدية، إذ لا محذور في أن يكون كثير من أنصار اليماني المعهود من الزيدية، أو ينضم إليه بعد ذلك باقي أنصاره من الشيعة الإمامية الساكنين في بلاد مختلفة، كالحجاز، والعراق، والشام وغيرها من البلاد التي يتكاثر فيها الشيعة في عصر الظهور، فإن الروايات لا تشعر بأن جميع أنصار اليماني سيكونون من بلاد واحدة.
وربما يستفاد هذا المعنى من الرواية التي سبق ذكرها لما جاء وفد أهل اليمن إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفيها أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال فيهم: منهم المنصور، يخرج في سبعين ألفاً، ينصر خلفي وخلف وصيّي، حمائل سيوفهم المسك(١٢٧).
فإن قوله: (يخرج في سبعين ألفاً)، ربما يشعر بأن أنصار اليماني من بلاد أخرى غير اليمن؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك في سياق مدح أهل اليمن بأن منهم المنصور اليماني، ولو كان جميع أنصاره من اليمن لكانت المناسبة تقتضي مدح أولئك الأنصار أيضاً، فيقول: منهم المنصور اليماني وأنصاره الذين ينصرون خلفي وخلف وصيّي.
على أن اليماني إذا لم يخرج من اليمن فلا يمكن الجزم بأنه سيخرج من خصوص العراق؛ لأنه ربما يخرج من بلاد أخرى، كالحجاز، أو الخليج، أو بعض نواحي إيران، أو غيرها.
ثم إن الباحث المذكور تساءل قائلاً:
فعندئذ سنتساءل: من أي حدود سيرد [اليماني] إلى العراق؟! وكيف يؤمِّن خطوط الوصل المطلوبة للدعم اللوجستي، التي تعني - حكماً- وجود قواعد إمداد وإدامة؟! وذلك لأن الحدود السعودية مع العراق لن تكون صالحة، بدليل وجود دولة مناهضة له حكماً، والحدود مع الأردن وسوريا ستكون تحت وصاية السفياني، ومن الواضح أن هذا الاحتمال لا وجود لإمكانية تصوّره.
وأؤكِّد هنا على ما أشرنا إليه سابقاً، بأن حديثنا هنا لا ينظر إلى الأمور بمنظار اليوم، وإنما بمنظار ما أشارت إليه روايات الظهور وما قبله لمعطيات الواقع السياسي الموضوعي(١٢٨).
وقال في موضع آخر مؤكّداً ما قاله هنا:
أما اليمن فإن عدم وجود حدود مشتركة تقضي على أي احتمال في هذا الصدد، ولا سيما أن الروايات تشير إلى وجود دولة مركزية يومذاك في الحجاز تعمل ضد الإمام روحي فداه وشيعته، وهي بالنتيجة ستكون حاجزاً جغرافيًّا أساسيًّا ضد أي تحرّك من هذا القبيل لو كان له وجود(١٢٩).
والجواب: أن الروايات دلّت على أن الوضع في الجزيرة العربية في تلك الفترة سيكون مرتبكاً ومضطرباً جدًّا، ولن تكون هناك دولة قوية تضبط الأمور، ولهذا فإن الإمام المهدي المنتظر عليه السلام سيعلن دولته في مكة، وسيبايعه الناس في المسجد الحرام من دون أن يكون هناك أي قتال أو مقاومة رغم عداوة أهل مكة له عليه السلام، وهذا يدل على أن الوضع في جزيرة العرب سيكون مهيّئاً لليماني للانطلاق من اليمن إلى العراق بجيشه من دون أن يجد أي عوائق تحول بينه وبين الوصول إلى الكوفة في أسرع وقت، فما قاله الباحث المذكور من أنه لا يتحدّث بمنظار اليوم، وإنما (بمنظار ما أشارت إليه روايات الظهور وما قبله) غير صحيح.
وقد اعترف الباحث في موضع آخر بأن الوضع في الحجاز سيكون ضعيفاً متفكِّكاً في ذلك الوقت، فقال:
وما بين هذا وذاك، فإن الأحداث السياسية العامّة المرتبطة بحركة اليماني في هذا الزمن ستكون ملامحها متلخّصة في:
أ- تفكك كبير في سلطة حكّام الحجاز، حتى يكون فيهم ضعفاً كبيراً [كذا] يُلجئهم إلى طلب النصرة من السفياني للوقوف بوجه الإمام (روحي فداه) سعياً للقضاء عليه...
هذا وقد يعبَّر في الروايات عن الأوضاع السياسية في الحجاز بأنه ملك اليوم والليلة، إشارة إلى قصر مدّة الحكم، وسرعة نهاية ولاية الحكّام فيها، وزيادة الاضطراب والتفكّك الأمني(١٣٠).
ولو سلّمنا أن الوضع في الجزيرة العربية في ذلك الوقت لا يمكِّن اليماني من الانطلاق برًّا بجيشه من اليمن إلى الكوفة، فإن انتقال جيش كامل في هذا الزمان بنحو متفرّق إلى المناطق الأخرى ليس بعسير ولا مستغرب، بل إن اجتماع المقاتلين الذين ذهبوا من بلاد عربية مختلفة إلى أفغانستان للقتال ضد الاتحاد السوفياتي كان بهذا النحو.
وأحداث الساعة في هذه الأيام في سوريا والعراق تؤكّد صحّة ما قلناه، فمن المعلوم أنه اجتمع في سوريا والعراق عشرات الألوف من جميع بقاع الدنيا على هدف واحد، وهو إسقاط النظام في سوريا، وإعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام في الجزء الأوسط من العراق.
فإذا كان الحال هكذا في هذه الأيام مع وجود دول قويّة قادرة على بسط نفوذها وضبط حدودها، فما بالك في ذلك الوقت الذي ستكثر فيه الفتن والنزاعات، وستسقط فيه الحكومات في الجزيرة العربية والشام والعراق وغيرها، أو ستكون ضعيفة غير قادرة على ضبط الأمور؟
ومن الاستبعادات التي ذكرها الباحث المذكور أنه قال:
والمعطيات هنا بأجمعها تؤكّد ذلك(١٣١)؛ إذ لا يعقل كل هذا الدور المصيري الذي سيلعبه العراق في حركة الإمام المنتظر روحي فداه كما تشير الروايات، ولا يكون في شيعة العراق من يمهّد للإمام بأبي وأمي في خضم هذه المعركة المصيرية، أو من يتصدّى لأعداء الإمام صلوات الله عليه، كالسفياني اللعين، بحيث إن الشعب العراقي - مع كل حيويّته وعشقه للإمام روحي فداه وحماسه لذلك - يبقى يتَّكل على جيوش خارجية لتغيثه!! مع العلم بأن كثيراً من أصحاب الإمام روحي فداه هم من شيعة العراق إن لم تكن الغالبية منهم(١٣٢).
وهذا الاستبعاد لا قيمة له؛ لأنا نتكلّم ضمن دائرة دلالة الروايات، لا بحسب الرغبات والتمنّيات، والروايات دلّت على أن السفياني يأتي إلى الكوفة، ويقتل من أهلها مقتلة عظيمة من دون أن يجد أي مقاومة تُذكر.
فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) بسنده عن عمار بن ياسر، أنه قال: إن دولة أهل بيت نبيّكم في آخر الزمان، ولها أمارات، فإذا رأيتم فالزموا الأرض، وكفّوا حتى تجيء أماراتها.
إلى أن قال: ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة السفياني، فيسبق اليمانيَّ [فيَقتل](١٣٣)، ويحوز السفياني ما جمعوا، ثم يسير إلى الكوفة، فيقتل أعوان آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ويقتل رجلاً من مسمّيهم، ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح...(١٣٤).
وروى النعماني في كتابه (الغيبة) بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: يا جابر، الزم الأرض، ولا تحرّك يداً ولا رِجْلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أوّلها اختلاف بني العباس، وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدِّثْ به من بعدي عني، ومنادٍ ينادي من السماء...
إلى أن قال: ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة، وعدَّتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قبل خراسان، وتطوي المنازل طيًّا حثيثاً، ومعهم نفر من أصحاب القائم، ثم يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء، فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة...(١٣٥).
وهاتان الروايتان وغيرهما تدل على أن الشيعة في العراق وبالأخصّ الكوفة سيكونون في حالة من الضعف بحيث لا يتمكّنون من الدفاع عن أنفسهم من هجمات السفياني.
والبحث العلمي لا يخضع لقول: (لا يعقل)، ولا سيما في الأمور الغيبيّة التي لا طريق إليها إلا من خلال الروايات التي لم تبيّن أن هناك قوة فاعلة في العراق تستطيع أن تقف أمام جيش السفياني الذي بيَّنت الروايات أنه سيتغلّب على راية الأصهب والأبقع وغيرهما، وستكون له قوة فائقة تغريه بالتوجّه للعراق لقتل الشيعة هناك.
والذي يظهر من جوّ الروايات أن العراق في ذلك الوقت لا توجد به حكومة مركزيّة قويّة، والجيش العراقي - إن كان موجوداً في ذلك الوقت - سيكون ضعيفاً مفكَّكاً غير قادر على مواجهة جيش السفياني.
ولا يخفى أن هذه الروايات وغيرها ليس فيها أي دلالة على أن ما يصنعه السفياني بأهل الكوفة من المحتوم، وغير المحتوم قابل للتغيير، أو لعلّه لا يقع أصلاً إذا وُجد ما يمنع وقوعه، كالدعاء ونحوه، أو إذا أحسن المؤمنون العراقيون الاستعداد للدفاع عن أنفسهم، وأعدّوا لعدّوهم ما استطاعوا من قوّة، أو إذا صلح حال المؤمنين، وكانوا أكثر قرباً من الله تعالى، فتعاونوا على البر والتقوى، ونبذوا عنهم النزاعات الهامشية، وعطف كبيرهم على صغيرهم، وغنيّهم على فقيرهم، فإن الله تعالى ربما يدفع عنهم بلاء السفياني ويرد كيده في نحره.
وأما بقاء الشعب العراقي مع كل حيويّته وعشقه للإمام المهدي عليه السلام وحماسه له معتمداً على جيوش خارجية لتغيثه فهو أمر غير مستغرب؛ فإنه ربما يكون التسليح في العراق في ذلك الوقت خاصًّا بجيش الحكومة العراقية الضعيفة، وأما الشعب العراقي فإنه غير مسلح بدرجة تؤهّله لمواجهة جيش السفياني الذي قوامه سبعون ألف مقاتل، ولهذا فإن الخراساني سيتوجّه بجيشه إلى العراق لمواجهة جيش السفياني، وإنقاذ العراقيين من بطش السفياني وسفكه وتنكيله.
وخير مثال على ذلك ما نعيشه في هذه الأيام التي سيطر فيها تنظيم داعش على ثلث العراق، ولحدّ كتابة هذه السطور فإن الجيش العراقي لم يستطع أن يلحق الهزيمة بتنظيم داعش ويسترد الموصل منه، رغم أن الحكومة العراقية الحالية قد استعانت بالدول المختلفة لمساعدة الجيش العراقي في محاربة هذا التنظيم الإرهابي.
وأما قول الباحث: (إن كثيراً من أصحاب الإمام المهدي عليه السلام هم من شيعة العراق إن لم تكن الغالبية منهم) فهذا شيء لا نعلمه، والمستفاد من الرواية التي ذكرها الشيخ اليزدي الحائري في إلزام الناصب(١٣٦)، المروية عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، أن عدد أنصار الإمام المهدي عليه السلام من جميع المدن العراقية لا يتجاوز ٣٥ رجلاً بحسب الظاهر(١٣٧) من مجموع أنصار الإمام القائم الثلاثمائة والثلاثة عشر.
وهو عدد قريب من نصف عدد أنصار الإمام عليه السلام من مجموع المدن الإيرانية بحسب ما يستفاد من هذه الرواية، حيث بلغوا ٦٧ رجلاً.
فكيف صارت غالبية أنصار الإمام المهدي عليه السلام من العراق؟
نعم، إذا كان المراد بأنصاره عليه السلام الذين يقاتلون معه وينصرونه من غير الثلاثمائة والثلاثة عشر المذكورين في الروايات فربما يكون أهل العراق أسعد الناس بنصرته عليه السلام، وربما يكون غيرهم أسعد منهم، فإن هذا من الغيب الذي لم نطّلع عليه.
نعم روى القاضي النعمان المغربي ما يدل على أن بعض المدن العراقية التي يُتوقّع أن يكون كثير من أهلها من أنصار الإمام المهدي عليه السلام، لكنّ الذي سيقع سيكون خلاف ذلك.
قال: عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال لقوم من أهل الكوفة: أنصارنا غيركم، ما يقوم مع قائمنا من أهل الكوفة إلا خمسون رجلاً، وما من بلدة إلا ومعه منهم طائفة إلا أهل البصرة، فإنه لا يخرج معه منهم إنسان(١٣٨).
وظاهر هذه الرواية أن أنصار الإمام المهدي عليه السلام من الكوفة أقل من غيرهم، ولهذا قال لهم: (أنصارنا غيركم) مع أن أهل الكوفة كانوا منذ مئات السنين ولا يزالون من شيعة أهل البيت عليهم السلام أو محبّيهم.
وهنا لا بدّ من تنبيه القارئ العزيز إلى أن الحيوية وعشق الإمام المهدي عليه السلام وشدّة الحماس له عليه السلام غير كافية للفوز بالانضمام إلى جملة أنصاره عليه السلام؛ لأن جميع أنصار الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرَجه الشريف سيكونون من أهل الاستقامة والصلاح، والالتزام بأحكام الله تعالى، والورع عن محارمه سبحانه، ولن يكون من السهل على كل واحد من الشيعة - سواء من العراق أم من غيرها من البلاد التي يتواجد فيها الشيعة - أن يكون من أنصاره عليه السلام إذا لم يكن متّصفاً بالمواصفات العالية التي تؤهّله للفوز بذلك.
خروج اليماني من العلامات الحتمية للظهور المقدّس
دلّت بعض الروايات على أن خروج اليماني من علامات ظهور الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف.
منها: ما رواه الكليني في (الكافي) بسنده عن عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: خمس علامات قبل قيام القائم: الصيحة، والسفياني، والخسف، وقتل النفس الزكيّة، واليماني(١٣٩).
ومنها: ما رواه الكليني أيضاً عن يعقوب السراج، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: متى فرج شيعتكم؟ قال: فقال: إذا اختلف ولد العباس، ووهى سلطانهم، وطمع فيهم من لم يكن يطمع فيهم، وخلعت العرب أعنَّتها، ورفع كل ذي صيصية صيصيته، وظهر الشامي، وأقبل اليماني، وتحرَّك الحسني، وخرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكة بتراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(١٤٠).
والمراد بالشامي هو السفياني، ويظهر أن الحسني هو الخراساني الذي يخرج بالرايات السود من خراسان، أو النفس الزكية الذي يُقتَل بين الركن والمقام في مكة.
بل إن بعض الروايات أشارت إلى أن خروج اليماني من المحتوم الذي لا بدّ من وقوعه، ولا يمكن أن يعرض فيه البداء.
 فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء(١٤١).
وروى النعماني في (الغيبة) بسنده عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: النداء من المحتوم، والسفياني من المحتوم، واليماني من المحتوم، وقتل النفس الزكيّة من المحتوم، وكفٌّ يطلع من السماء من المحتوم. قال: وفزعة في شهر رمضان توقظ النائم، وتُفزع اليقظان، وتُخرج الفتاة من خدرها(١٤٢).
ولا ينافي ذلك عدم ذكر اليماني في علامات الظهور في بعض الروايات الأخرى، مثل ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أبا جعفر عليه السلام كان يقول: خروج السفياني من المحتوم، والنداء من المحتوم، وطلوع الشمس من المغرب من المحتوم، وأشياء كان يقولها من المحتوم. فقال أبو عبد الله عليه السلام: واختلاف بني فلان من المحتوم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، وخروج القائم من المحتوم...(١٤٣).
فإن هذه الرواية ذكرت من المحتوم أموراً متعدّدة، ولم تحصر المحتوم في هذه الأمور حتى يمكن لقائل يقول: إن الرواية لم تذكر أن اليماني من المحتوم، ولا سيما أنه قال: (وأشياء كان يقولها من المحتوم)، ولعلّ منها اليماني.
والمتتبِّع للروايات يجد أن علامات خروج الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف كثيرة، إلا أن ذكر هذه العلامات بالخصوص إما لأن هذه العلامات من المحتوم بخلاف غيرها، أو لأن هذه العلامات مقارنة للظهور المقدّس بفاصلة زمنية قليلة جدًّا، أو لأنها علامات واضحة لا يمكن وقوع الاشتباه والالتباس فيها.
ومن مجموع الروايات السابقة وغيرها نستفيد أن ظهور اليماني علامة على قرب ظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وأن المدّة بين ظهور اليماني وقيام الإمام المهدي عليه السلام عدّة أشهر لا تصل إلى سنة واحدة، فإن الإمام عليه السلام ذكر في رواية يعقوب السراج أنه يُتوقّع خروج صاحب الأمر عليه السلام بعد هذه العلامات مباشرة من دون أن تكون هناك فاصلة زمنية طويلة.
ومما قلناه يتبيَّن أن دعاوى أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أنه اليماني تكذّبها الروايات، فإنه لو كان اليماني المعهود كما يزعم، وهو قد أعلن دعوته في سنة ٢٠٠٢ ميلادية، أي قبل اثنتي عشرة سنة، لظهر الإمام المهدي المنتظر عليه السلام بعد هذا الوقت، فإن مرور هذه الفاصلة الزمنية يكذّب هذا الرجل ويبطل مزاعمه؛ لأن الروايات بيَّنت أن خروج اليماني يسبق خروج الإمام المهدي عليه السلام بحوالي ستة أشهر، وبالتالي فإن تصديق هذا المدّعي في دعواه يستلزم تكذيب الروايات التي دلّت على أن خروج اليماني من علامات ظهور الإمام عليه السلام.
مضافاً إلى أن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع ادَّعى أنه هو اليماني ولم يقم على دعواه أي دليل غير الادّعاء المجرّد، ولو كان اﻟﮕﺎطع هو اليماني حقيقة لما صحَّ حينئذ أن يكون علامة على قيام الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف؛ لأن العلامة لا بدّ أن تكون واضحة لا لبس فيها ولا خفاء، ولو كان هذا المدّعي صادقاً في ادّعائه للزم من ذلك خفاء علامة من أهم العلامات التي ينبغي أن تكون واضحة للجميع، بحيث لا يقع فيها لبس ولا خفاء، وهو لازم باطل يدل على كذب هذا الادّعاء من أساسه.
ثم إن بعض الباحثين ذكر أن المراد بخروج اليماني هو الخروج بالسيف، فقال: فقد تحدّثت الروايات عن تزامن خروجه مع خروج السفياني والخراساني، وهذا الخروج هو خروج السلاح والحرب(١٤٤).
وما قاله هذا الباحث مع الأسف الشديد هو نفس ما يقوله جماعة اﻟﮕﺎطع، فلا أدري هل اقتبس منهم هذا الرأي أو كان ذلك مجرّد توافق في الآراء؟!
قال ناظم العقيلي:
وقوله عليه السلام: (فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح) جملة شرطية، أي إن تحريم السلاح مشروط بخروج اليماني، والخروج هنا الظاهر أنه الخروج للحرب، وهذا يعني أن قبل ذلك لا يحرم بيع السلاح على كل المسلمين، فقد تكون هناك بعض الموارد المحلّلة لبيع السلاح على جهة معينة، ولكن عندما يرفع اليماني السلاح حينئذ يحرم بيع السلاح على كل الناس وكل المسلمين(١٤٥).
ولا شك أن المراد بالخروج هو أن اليماني بعد أن يُعِدّ العُدّة، ويجمع السلاح والأنصار في محيطه، يعلن عن نفسه في يوم مخصوص من شهر رجب(١٤٦) من سنة معيّنة، ويعلن عن أهدافه، وهي الدعوة إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام ونصرته، وهذا سيُكسبه شهرة واسعة بعد ذلك، فيكون له صيت في اليمن والحجاز والشام والعراق، وهذا هو المراد بخروجه، من دون حاجة لإعلان الحرب أو الجهاد، إذ لا يعقل أن يكون إعلان اليماني عن نفسه في يوم الحرب مع خصومه، فإن الحرب عادة ما تكون لها مقدّمات، ولا تقع فجأة، وإنما تحدث بعد نزاع وأخذ ورَدٍّ مع أطراف أخرى.
والمطَّلع على الروايات يجد أنها لم تبيِّن معنىً للخروج الذي وُصف فيها بأنه حتمي الوقوع، فضلاً عن أن تبيِّن له معنى مغايراً للمعنى الذي كان معلوماً عند المخاطبين ممن يفهمون اللسان العربي، واللازم على اﻟﮕﺎطع وأتباعه أن يثبتوا دلالة الروايات على أن المراد بالخروج ما يزعمونه، وإلا فكلامهم مجرّد تخرّص لا قيمة له.
ويدل على ما قلناه في معنى الخروج أن الروايات وصفت خروج الإمام المهدي عليه السلام بإعلانه عن نفسه في مكة، وقبوله البيعة في المسجد الحرام، مع أنه لم يكن في هذا الخروج أي عمل مسلّح، ولا إعلان عن حرب أو دعوة إلى جهاد، وهذا المعنى للخروج هو نفس ما يراد بخروج اليماني من دون أي فرق.
مضافاً إلى أن بعض الروايات التي ذكرناها قريباً دلّت على أن خروج اليماني والخراساني والسفياني سيكون في يوم واحد من شهر واحد من سنة واحدة، وهذا يفيدنا أن خروج هؤلاء الثلاثة إنما هو بإعلانهم عن أنفسهم، وببيان أهدافهم، وأما الحرب فيما بينهم فإنها ستقع بعد ذلك، ولا سيما أن الداعي الأساس لخروج الخراساني وقدومه إلى العراق هو محاربة السفياني، وإنقاذ شيعة العراق من تنكيل السفياني وبطشه بهم.
وأحمد إسماعيل ﮔﺎطع قد أعلن عن نفسه وعن دعوته وأهدافه، وجَمَع الأنصار والأتباع، وهذا محقّق لخروجه بلا شبهة، بل إنه خرج في العراق بالسلاح في يوم عاشوراء سنة ١٤٢٩هـ، أي في ١٨/١/٢٠٠٨م.
قال العلامة الشيخ علي الكوراني في كتابه (دجّال البصرة):
استطاع أحمد إسماعيل أن يجنّد نحو خمس مئة من أتباعه، ويقيم مركزين في محافظة البصرة والناصرية، ومراكز أصغر في بعض محافظات العراق، وبعد أن أكمل استعداده حسب خياله، وأتمّ تربية أتباعه وتدريبهم وتسليحهم، أعلن ساعة الصفر في يوم عاشوراء، حيث كانت مواكب العزاء تملأ الشوارع، فثار بأصحابه (جنود رسول المهدي) ليحرِّروا البصرة والناصرية من (الطاغوت)، ويقيموا فيهما دولة المهدي الموعود عليه السلام، ثم تنطلق منهما إلى العالم وتملؤه عدلاً!
خرجوا دفعة واحدة وسط مواكب عاشوراء وهم يصيحون: (ظهر المهدي، ظهر المهدي)! فكان بعض الناس يسألهم: أين هو؟ أين المهدي؟! فيجيبونهم بالهتاف: (ظهر المهدي، ظهر المهدي)، وبدؤوا بإطلاق الرصاص على شرطة البصرة فاشتبكت معهم، وامتدّت معركتهم إلى الناصرية، واستمر تعقّبهم نحو أسبوع، وقُتل منهم نحو مائة واعتُقل مئات، وهرب (رسول المهدي) واختفى(١٤٧).
فإذا لم يكن هذا العمل خروجاً فكيف يكون الخروج؟!
وفي الشبكة العنكبوتية تسجيلات تؤكّد قيامهم بالتحرّك العسكري.
http://www.youtube.com/watch?v=AbVsoUwIT٨U

هل يقع البداء في العلامات المحتومة؟
روى النعماني بسنده عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام، فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر: هل يبدو لله في المحتوم؟ قال: نعم. قلنا له: فنخاف أن يبدو لله في القائم! فقال: إن القائم من الميعاد، والله لا يخلف الميعاد(١٤٨).
وهذه الرواية تدل بوضوح على أن العلامات المحتومة كاليماني والسفياني وغيرهما يمكن أن يعرض فيها البداء، فلا تقع، وهذا ربما يتنافى مع وصف الإمام عليه السلام لها بأنها من المحتوم، وإلا لو احتمل عدم وقوع المحتوم فحينئذ لا فرق بين المحتوم وغيره، ولا وجه لتسميته بالمحتوم.
وحيث إن هذه الرواية ترتبط ببعض تفاصيل البداء الذي هو من الاعتقادات، فلا مناص لنا من مناقشة الرواية سنداً ومتناً.
أما سند الرواية فهو ضعيف؛ لأن محمد بن أحمد بن عبد الله الخالنجي لم يذكره علماء الرجال في كتبهم، فهو مهمل بحسب الاصطلاح، فلا يصحّ التعويل على هذه الرواية في إثبات بعض تفاصيل البداء، خصوصاً أنه لم يرو عنه في كتب الحديث إلا هذه الرواية، ولم يُذكر معنى هذه الرواية في رواية أخرى رواها الثقات من الرواة.
وأما متن الرواية فهو معارِض للروايات الكثيرة التي تدل على أن المحتوم لا بد من وقوعه.
منها: ما رواه النعماني في (الغيبة) بسنده عن عبد الملك بن أعين، قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام، فجرى ذكر القائم عليه السلام، فقلت له: أرجو أن يكون عاجلاً ولا يكون سفياني، فقال: لا والله إنه لمن المحتوم الذي لا بد منه(١٤٩).
وبسنده عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ)، فقال: إنهما أجلان: أجل محتوم، وأجل موقوف. فقال له حمران: ما المحتوم؟ قال عليه السلام: الذي لا يكون غيره. قال: وما الموقوف؟ قال عليه السلام: الذي لله فيه المشيئة. قال حمران: إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف. فقال أبو جعفر عليه السلام: لا والله، إنه لمن المحتوم(١٥٠).
وبسنده عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إن من الأمور أموراً موقوفة، وأموراً محتومة، وإن السفياني من المحتوم الذي لا بد منه(١٥١).
وبسنده عن خلاد الصائغ، عن أبي عبد الله عليه السلام، أنه قال: السفياني لا بد منه، ولا يخرج إلا في رجب. فقال له رجل: يا أبا عبد الله، إذا خرج فما حالنا؟ قال: إن كان ذلك فإلينا(١٥٢).
وبسنده عن حمران بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: من المحتوم الذي لا بد أن يكون من قبل قيام القائم: خروج السفياني، وخسف بالبيداء، وقتل النفس الزكية، والمنادي من السماء(١٥٣).
وغير ذلك من الروايات التي تدل على أن المحتوم كخروج السفياني واليماني وغيرهما لا بدّ من وقوعه.
ومع ذلك يمكن توجيه حديث أبي هاشم الجعفري بعدّة وجوه:
١- أنه يمكن حمل معنى المحتوم في الرواية التي أفادت أن اليماني من المحتوم على معنى مجازي، فنقول: إن المراد بالمحتوم هو الأمر المؤكَّد الذي إذا لم تتوفّر الدواعي القويّة على تبدّله فإنه لا يتبدّل، وعليه فإن قوله: (اليماني من المحتوم) لا يتنافى مع عروض البداء فيه.
أو حمل وقوع البداء في المحتوم في رواية أبي هاشم على البداء في بعض خصوصياته وتفاصيله، لا في أصل وقوعه، كأن يخرج اليماني في مائة ألف أو خمسين ألفاً بدلاً من خروجه في سبعين ألفاً كما جاء في الرواية، وهكذا.
قال الشيخ المجلسي قدس سره في بحار الأنوار:
لعل للمحتوم معانٍ، يمكن البداء في بعضها، وقوله: (من الميعاد) إشارة إلى أنه لا يمكن البداء فيه؛ لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) [آل عمران: ٩].
والحاصل أن هذا شيء وعد الله رسوله وأهل بيته؛ لصبرهم على المكاره التي وصلت إليهم من المخالفين، والله لا يخلف وعده. ثم إنه يحتمل أن يكون المراد بالبداء في المحتوم البداء في خصوصياته لا في أصل وقوعه، كخروج السفياني قبل ذهاب بني العباس ونحو ذلك(١٥٤).
٢- أن المراد بالمحتوم الذي يقع فيه البداء هو الذي يتراءى إلى السامع أنه محتوم بسبب عدم بيان الإمام عليه السلام أنه غير محتوم، كأن يقول الإمام عليه السلام: (إن حائط مسجد الكوفة سينهدم قرب قيام القائم عليه السلام)، فيظن السامع أنه محتوم، وهو ليس كذلك، فهذا يعرض فيه البداء.
وأما الذي لا يعرض فيه البداء فهو المحتوم الذي نصَّ الإمام عليه السلام على أنه محتوم، كخروج السفياني واليماني والخراساني وغير ذلك؛ لأن عدم تحقّق هذه الأمور يستلزم كذب الإمام عليه السلام، وهو محال.
قال ميرزا محمد تقي الأصفهاني قدس سره في كتابه (مكيال المكارم):
إن المراد بالمحتوم في هذا الخبر هو ما كان محتوماً بحسب ظاهر الأخبار؛ لعدم بيان كونه موقوفاً على شيء، فتغييره مما لا ضير فيه، والمراد بالمحتوم الذي لا يقع فيه البداء هو ما صُرِّح بحتميّته، وأنه لا يتغيّر ولا يتبدّل، فتبديله تكذيب لنفسه ولأنبيائه وملائكته(١٥٥).
٣- ما نُسب إلى بعض المحدِّثين، حيث قال:
الآيات والعلامات التي تكون قبل ظهوره ومع ظهوره وهي جميعها قابلة للتغيير والتبديل والتقديم والتأخير والتأويل بشيء آخر، حتى تلك التي عُدَّت في الحتميات، فإن المقصود من المحتوم في تلك الأخبار على الظاهر ليس أنها غير قابلة للتغيير أبداً، بل الظاهر منه... أنه مرتبة من التأكيد بما لا ينافي التغيّر في مرحلة من مراحل وجودها(١٥٦).
لكن صاحب (مكيال المكارم) لم يرتضِ هذا التوجيه، فاعترض عليه بستة اعتراضات، فقال:
إن هذا الكلام قابل للمناقشة من وجوه:
الأول: أن الجزم بكون جميع العلامات قابلة للتغيير ينافي الروايات الكثيرة بل المتواترة المصرِّحة بكون بعضها من المحتوم الذي لا يتغيّر ولا يتبدّل.
وبعد أن ذكر جملة من تلك الروايات التي ذكرنا بعضها قال:
إلى غير ذلك من الأخبار المصرِّحة بكون السفياني وبعض آخر من العلامات من المحتومات التي لا تتغيّر ولا تتبدّل، فالحكم بكون جميع العلامات المروية قابلة للتغيير، وتأويل تلك الروايات بما سمعت في كلامه اجتهاد في قبال النص.
الثاني: أن تغيير جميع العلائم يستلزم نقض الغرض، وهو محال على الله عزّ اسمه؛ لأن الغرض من جعل العلائم ونصب الدلائل أن يعرف الناس بذلك إمامهم الغائب صلوات الله عليه وعجّل الله فرجه، ولا يتبعوا كل من يدّعي ذلك كذباً، فإذا تبدّلت جميع العلامات، ولم يظهر لهم شيء منها لزم نقض الغرض، وهو محال.
ثم ذكر بعض الروايات التي تدل على أن الغاية من نصب العلامات هي معرفة الإمام المهدي عليه السلام، ثم قال:
الثالث: أن تغيير العلامات المصرّحة بحتميتها يوجب إضلال الناس وإغراءهم بالجهل كما لا يخفى؛ لأنها كما عرفت إنما جُعلت علامة لمعرفة القائم.
الرابع: أن تغيير العلامات التي صُرّح بكونها محتومة، أو نفيها، يستلزم أن يُكذِّب الله عزّ وجلّ نفسه وملائكته وأنبياءه وأولياءه كما مضى في الحديث، ولا ريب عند أحد في قبح ذلك.
الخامس: أن ما ذكرنا من لزوم نقض الغرض في تغيير العلامات المحتومة وتبديلها، يلزم في تأويلها أيضاً(١٥٧)؛ إذ لا ريب في أن المقصود - وهو معرفة العباد بالإمام - إنما يحصل بنصب علامات ظاهرة يطّلع عليها كل أحد، وظهور تلك العلامات على طبق ما أخبروا به؛ ليهلك من هلك عن بيِّنة، ويحيى من حيَّ عن بيِّنة، فبيان العلامة بنحو يفهم منه أهل اللسان شيئاً، ثم إرادة غير ما هو الظاهر ليس إلا إغراء بالجهل وإضلالاً للناس، بل هو مما يحكم بقبحه العقل كما لا خفاء فيه. نعم يمكن أن يريد المتكلّم غير ما هو ظاهر اللفظ، بشرط أن يبيِّن للمخاطبين مراده، أو ينصب لهم قرينة واضحة لا يتأمّلون في فهم مراده من تلك القرينة والدلالة الواضحة، لكن بين هذا وبين حمل تمام تلك العلامات المروية حتى ما صُرِّح بحتميّتها مع عدم دلالة واضحة وقرينة ظاهرة على قابليتها للتأويل، كما بين السماء والأرض!! بل لو انفتح هذا الباب لكان لأهل الضلال والإضلال أقوى إسناد وأوسع مجال، فيؤوِّلون ما ورد عن الأئمة عليهم السلام في ذكر العلامات على ما تشتهيه أنفسهم من التأويلات، عصمنا الله تعالى وجميع المؤمنين عن جميع الزلات والخطيئات والتسويلات.
السادس: أن حمل المحتوم على ما فيه نوع تأكيد وصرفه عن معناه الحقيقي السديد كما وقع في كلام هذا العالم الرشيد مما لا شاهد له ولا تأييد، والله على ما نقول شهيد. كيف ولو وَجَد له شاهداً لذكره في هذا المقام، فإنه من مزالّ الأقدام، والله تعالى هو العاصم وهو ولي الإنعام، وإنما ذكرت هذه الجملة لئلا يقع من يطلع على كتابنا في تلك الشبهة(١٥٨).
قلت: ذكرنا كلامه بطوله لما فيه من الفوائد الكثيرة، ولأنه وافٍ بالمراد لا يحتاج إلى إضافة أو تعقيب، ومن تأمّل كلامه قدس سره في الوجه الخامس يجد أنه ينطبق تمام الانطباق على ما يصنعه اﻟﮕﺎطع وأتباعه من تأويل العلامات بمعانٍ بعيدة عما يفهمه العرف ومخالفة لما تدل عليه اللغة، وكأن الأصفهاني قدس سره كتب هذا الكلام للتحذير من اﻟﮕﺎطع وأتباعه.
والنتيجة: أن الفرق بين العلامات الحتميّة وغيرها، أن الحتميّة لا بدّ أن تقع، فلا يعرض فيها البداء، وأما غير الحتميّة فيمكن عروض البداء فيها أو في تفاصيلها، فربما تقع كما ورد في الأحاديث أو تقع باختلاف، وربما لا تقع البتة.
العلامة الفارقة التي تميّز اليماني عن غيره
بما أن اليماني علامة حتميّة من علامات الظهور، فلا بد أن تكون هذه العلامة واضحة لا غموض فيها، وإلا لما صحَّ وصفها بأنها علامة.
ومن نافلة القول أن نبيّن أن هذه العلامة لا بدّ أن تكون أيضاً فارقة، بحيث لا يحصل بعدها لبس في أن اليماني المعهود هو هذا الرجل بخصوصه، ولا يبقى أي مجال للاحتمالات والظنون التي لا تقف عند حد.
والعلامة الفارقة المميِّزة لليماني المعهود عن غيره ما بيَّنته عدّة روايات من أن كلًّا من اليماني والخراساني والسفياني يخرجون في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وهذه علامة واضحة تشخّص كل واحد من هؤلاء الثلاثة عن غيره، وهي غير قابلة للخطأ والالتباس.
من تلك الروايات ما رواه الشيخ المفيد قدس سره في كتاب (الإرشاد)، والشيخ الطوسي قدس سره في (الغيبة) عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: خروج الثلاثة: السفياني والخراساني واليماني، في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، وليس فيها راية أهدى من راية اليماني؛ لأنه يدعو إلى الحق(١٥٩).
وروى النعماني بسنده عن أبي بصير عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام في حديث طويل قال: خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم...(١٦٠).
ولوضوح هذه العلامة فإن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام استدل بها لما ظنَّ بعض الشيعة أن السفياني قد خرج، فأنكر عليهم الإمام عليه السلام ذلك، وبيَّن لهم أن السفياني لا يمكن أن يخرج من دون أن يخرج اليماني في نفس الوقت.
فقد روى النعماني في (الغيبة) بسنده عن عبيد بن زرارة، قال: ذُكر عند أبي عبد الله عليه السلام السفياني، فقال: أنّى يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء(١٦١).
ولكن كما هي عادة أنصار أحمد إسماعيل ﮔﺎطع في التلاعب بالنصوص وتفصيلها على حسب مقاسهم، فقد حاول ناظم العقيلي تحريف هذه العلامة بزعم أن المراد بالخروج في يوم واحد هو الخروج إلى العراق، لا مطلق الخروج، فقال:
إذن يتبيّن أن خروج الثلاثة في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، متأخّر عن بداية خروج السفياني في الشام، فالخروج هنا هو الخروج إلى العراق، وهو متأخّر عن بداية خروج السفياني بستة أشهر(١٦٢).
وهذا كلام باطل؛ لأن الرواية مطلقة، لم تقيّد الخروج بأنه إلى العراق، ولا يخفى أن السبب في ادّعاء ناظم العقيلي ذلك هو ما افتضحوا به من أنهم زعموا أن إمامهم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع الذي يسمّونه الإمام أحمد الحسن قد خرج فعلاً، ولكن لم يخرج أي من الخراساني والسفياني في نفس اليوم، وهذا دليل واضح على كذبهم في ادّعائهم أن إمامهم اﻟﮕﺎطع هو اليماني.
ولكي يبطلوا هذه العلامة الواضحة زعم ناظم العقيلي - وهو أهم منظِّر لهذه الدّعوة الباطلة - أن المراد بالخروج هو الخروج إلى العراق، فلا إشكال حينئذ في خروج اليماني قبل خروج الخراساني والسفياني؛ لأن هؤلاء الثلاثة إنما يتّفقون في خروجهم إلى العراق فقط.
ويبطل هذا الزعم مضافاً إلى أن الرواية مطلقة وغير مقيّدة بأن الخروج إلى العراق، أن الإمام الصادق عليه السلام قيّد خروج اليماني بصنعاء، حيث قال: (أنّى يخرج ذلك ولما يخرج كاسر عينيه بصنعاء)، ولو كان المراد بالخروج هو الخروج إلى العراق، لقال: أنى يخرج السفياني ولما يخرج كاسر عينيه إلى العراق!!
ولو كان اليماني الذي تجب نصرته بزعم ناظم العقيلي يمكن أن يخرج قبل خروج السفياني، لما أمر الأئمة الأطهار عليهم السلام شيعتهم بالسكون وأن يكونوا أحلاس بيوتهم إلى أن يبلغهم خروج السفياني، فيجب عليهم حينئذ السعي للالتحاق بالإمام المهدي عليه السلام.
ومن تلك الروايات ما رواه الكليني في الكافي بسنده عن سدير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا سدير، الزم بيتك، وكن حِلْساً(١٦٣) من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك(١٦٤).
فإن الإمام عليه السلام في هذه الرواية وغيرهما مما سيأتي حثَّ الشيعة على السكون، وأن يكونوا أحلاس بيوتهم، فلا يشهروا سيفاً، ولا ينصروا أحداً، لا اليماني ولا غيره، إلى أن يخرج السفياني، فإذا خرج وجب الرحيل إلى نصرة الإمام المهدي عليه السلام دون غيره.
ولو سلّمنا أن اليماني سيخرج قبل خروج السفياني بسنين، فإن هذا الحديث يدل على أن نصرة اليماني قبل خروج السفياني غير واجبة، بل غير جائزة؛ لأنها تتنافى مع أمر الشيعة بالسكون، ونهيهم عن الخروج مع أي راية.
ومن الروايات التي يستفاد منها أن المراد هو مطلق الخروج، لا خصوص الخروج إلى العراق، ما رواه النعماني في (الغيبة) بسنده عن محمد بن مسلم، أن أبا جعفر الباقر عليه السلام قال في حديث: أبشروا بالذي تريدونه، ألستم ترون أعداءكم يقتتلون في معاصي الله، ويقتل بعضهم بعضاً على الدنيا دونكم، وأنتم في بيوتكم آمنون في عزلة عنهم؟ وكفى بالسفياني نقمة لكم من عدوّكم، وهو من العلامات لكم، مع أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس حتى يقتل خلقاً كثيراً دونكم. فقال له بعض أصحابه: فكيف نصنع بالعيال إذا كان ذلك؟ قال: يتغيّب الرجل منكم عنه، فإن حنقه وشرهه فإنما هي على شيعتنا، وأما النساء فليس عليهن بأس إن شاء الله تعالى. قيل: فإلى أين يخرج الرجال ويهربون منه؟ فقال: من أراد منهم أن يخرج، يخرج إلى المدينة أو إلى مكة أو إلى بعض البلدان، ثم قال: ما تصنعون بالمدينة، وإنما يقصد جيش الفاسق إليها، ولكن عليكم بمكة فإنها مجمعكم، وإنما فتنته حمل امرأة: تسعة أشهر، ولا يجوزها إن شاء الله(١٦٥).
فإن قوله عليه السلام: (مع أن الفاسق لو قد خرج لمكثتم شهراً أو شهرين بعد خروجه لم يكن عليكم بأس، حتى يقتل خلقاً كثيراً دونكم) يدل على أن السفياني سيقتل بعد خروجه من غير الشيعة خلقاً كثيراً، ثم بعد شهر أو شهرين أو لعله أكثر من ذلك سيتوجّه إلى العراق لقتل الشيعة، وفيه دلالة واضحة على أن خروجه سابق على ذهابه إلى العراق بأشهر، فما قاله العقيلي من أن المراد بالخروج (هو الخروج إلى العراق وهو متأخّر عن بداية خروج السفياني بستة أشهر) غير صحيح.
ثم إن ناظماً العقيلي ذكر بعد ذلك أن المراد بالخروج هو الخروج على دولة بني العباس، فقال:
وقد اضطربت الأقلام في بيان ومعرفة معنى خروج اليماني والسفياني... في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة.. حيث توهّموا أن هذا الخروج هو بداية خروج السفياني واليماني، وقبل ذلك لا أثر لهما على الساحة.. وهذا وهم واشتباه كبير؛ لأن الروايات لا علاقة لها ببدء وجود اليماني والسفياني والخراساني.. بل تعرّضت إلى خروجهم على دولة بني العباس في العراق على أنه في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة - هذا الخروج بالتحديد -، أما قبل ذلك فالروايات لم تحدّد خروجهم أو ظهورهم في زمن واحد أبداً(١٦٦).
 ويكفي في رد هذا الكلام أن الرواية كما قلنا مطلقة، لم يقيَّد فيها خروج أولئك الثلاثة بشيء، لا بخروجهم على دولة بني العباس ولا بغيره، ومن المعلوم أن المراد بالخروج هو القيام، والقيام لا يكون فجأة، وإنما تسبقه فترة الإعداد وجمع السلاح والأنصار، إلا أنه متى ما حصل الإعلان عن القيام فقد بدأ الخروج وإن لم تبدأ الحركة المسلحة بعد.
ثم احتجّ ناظم العقيلي على دعواه برواية رواها النعماني في كتاب (الغيبة) عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ورد فيها قوله: ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبّون حتى يختلف بنو فلان فيما بينهم، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم، واختلفت الكلمة، وخرج السفياني. وقال: لا بدّ لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرّق ملكهم، وتشتّت أمرهم، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا، وهذا من هنا، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أما إنهم لا يبقون منهم أحداً(١٦٧).
وهذه الرواية مع أنها لا تذكر بني العباس، وإنما تذكر بني فلان، ولعل المراد بهم غيرهم، فإنها تفيد أنه إذا اختلف بنو فلان وتشتّت أمرهم خرج عليهم الخراساني والسفياني حتى يكون هلاكهم على أيديهما، ولا يستفاد من هذه الرواية أنه عند اختلاف بني العباس أو بني فلان يكون خروج الخراساني والسفياني، وأكثر ما تدل عليه الرواية هو أن بني فلان إذا اختلفوا خرج عليهم الخراساني والسفياني، فكان هلاكهم على أيديهما، وهذا لا يدل على أن ابتداء خروج الخراساني والسفياني عند اختلاف بني فلان.
راية اليماني أهدى الرايات
دلّت عدّة روايات على أن راية اليماني أهدى رايات عصر الظهور.
منها: ما رواه الشيخ الطوسي في (الغيبة) والشيخ المفيد في (الإرشاد) بسندهما عن بكر بن محمد الأزدي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد، وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني، يهدي إلى الحق(١٦٨).
ومنها: ما رواه النعماني بسنده عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال في حديث طويل: خروج السفياني واليماني والخراساني في سنة واحدة، في شهر واحد، في يوم واحد، نظام كنظام الخرز يتبع بعضه بعضاً، فيكون البأس من كل وجه، ويل لمن ناواهم، وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم...(١٦٩).
وقوله: (وليس فيها راية بأهدى من راية اليماني) يدل على أن راية اليماني هي أهدى هذه الرايات الثلاث كما هو واضح من الرواية الأولى، أو أهدى رايات عصر الظهور إن قلنا: إن اللام في قوله: (أهدى الرايات) تشير إلى جميع رايات عصر الظهور، أما إذا كانت عهدية وتشير إلى الرايات الثلاث، فتكون دلالتها كالرواية الأولى، وحيث إن راية السفياني راية ضلال، فإن الرواية تدل على أن راية اليماني أهدى من راية الخراساني.
وكيف كان فإن الرواية واضحة الدلالة على أن من الرايات رايات هدى، ولكن أكثرها هدىً هي راية اليماني.
محاولات فاشلة لحصر رايات الهدى في راية اليماني:
حاول أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره جاهدين أن يحصروا الهدى في راية اليماني فقط، ليخلصوا إلى أن اليماني هو الذي تجب نصرته ويجب اتّباعه دون غيره من أصحاب الرايات الأخرى كالخراساني وغيره.
قال ناظم العقيلي:
إن راية الهدى والحق في عصر الظهور واحدة، وهي راية اليماني الموعود، يتبيّن أن هذه الراية أو الرايات التي في الرواية السابقة هي رايات اليماني الموعود؛ لأنها موصوفة بصفات جليلة وعظيمة، وقد تقدّم أن كل الرايات في عصر الظهور مذمومة إلا راية واحدة: (... فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض، ولا تتبع منهم أحدًا أبدًا حتى ترى رجلاً من ولد الحسين عليه السلام معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه...)(١٧٠).
وهذا الكلام منقوض بعدّة أمور:
١- أن صيغة التفضيل تدل على الاشتراك وزيادة، فإذا قلنا: زيد أعلم من عمرو، فإن المراد هو أن كلاً من زيد وعمرو عالم، ولكن زيداً أكثر علماً من عمرو، وأما إذا لم يكن عمرو عالماً فلا يصح أن نقول: زيد أعلم من عمرو، بل نقول: زيد عالم، وعمرو ليس بعالم.
ولهذا لما قال معاوية للإمام الحسن بن علي عليه السلام: أنا أخير منك يا حسن. قال عليه السلام: وكيف ذاك يا ابن هند؟ قال: لأن الناس قد أجمعوا عليَّ ولم يُجمعوا عليك. قال: هيهات هيهات، لشرّ ما علوت يا ابن آكلة الأكباد، المجتمعون عليك رجلان بين مطيع ومُكْرَه، فالطايع لك عاصٍ لله، والمكره معذور بكتاب الله، وحاشا لله أن أقول: (أنا خير منك)، فلا خير فيك، ولكن الله برَّأني من الرذائل كما برَّأك من الفضائل(١٧١).
وقوله في الرواية: (أهدى الرايات) يدل على وجود رايات أخر هي رايات هدى، كما هو شأن صيغة التفضيل، وهذا يدل على عدم انحصار الهدى في راية اليماني.
وقد رأيت في تسجيلات بعض أتباع اﻟﮕﺎطع إنكار دلالة كلمة (أهدى) على وجود رايات هدى غير راية اليماني في عصر الظهور، واستدلوا بظواهر بعض الآيات التي لا يدل أفعل التفضيل فيها على الاشتراك والزيادة، مثل قوله تعالى: (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) [الزخرف: ٢٤]، فإن ما وجدوا عليه آباءهم ليس فيه هدى.
وكذا قوله سبحانه: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك: ٢٢]؛ لأن من يمشي مكبًّا على وجهه ليس على هدى.
وكذلك قوله عزّ من قائل: (قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) [هود: ٧٨]، فإن نكاح الذكران ليس فيه طهارة حتى يكون نكاح بناته أطهر لهم.
وهكذا قوله تبارك وتعالى: (يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَ أَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) [يوسف: ٣٩]، فإن الأرباب المتفرّقين ليس فيها خير.
وغير ذلك من الآيات التي لا يدل فيها أفعل التفضيل على المشاركة والزيادة.
ولا يخفى أن كلامهم هذا ناشئ عن جهلهم الفاضح بقواعد اللغة العربية، وتلاعبهم بتلك القواعد كما تلاعبوا بالأحاديث وبالعلوم الأخرى التي أقحموا أنفسهم فيها، وتكلّموا فيها بجهل حتى أنكروا ما هو بديهي فيها.
ودلالة أفعل التفضيل على الاشتراك والزيادة من البديهيات التي لم يختلف فيها النحاة واللغويون أصلاً.
قال ابن هشام الأنصاري: النوع السابع من الأسماء التي تعمل عمل الفعل: اسم التفضيل، وهو الصفة الدالة على المشاركة والزيادة، نحو أفضل وأعلم وأكثر(١٧٢).
قال محمد محي الدين عبد الحميد في تعليقته على قطر الندى: المراد أن هذه الصيغة - وهي أفعل - تدل على مشاركة صاحبها لغيره في أصل الفعل، وزيادة صاحبها على غيره فيه.
وقال الأستاذ عباس حسن في باب (أفعل التفضيل) بعد أن ذكر بعض أمثلته قال: إن كلمة: (أكبر) - في المثال الأول - تدل على أمرين معًا؛ هما: اشتراك الشمس والأرض في معنى معين؛ هو: (الكِبَر)، وأن الشمس تزيد على الأرض في هذا المعنى.
ثم بعد أن بيَّن معاني الكلمات الأخرى قال:
فكل كلمة من هذه الكلمات المشتقة ونظائرها تسمى: (أفعل التفضيل)، وتعريفه: (أنه اسم، مشتق، على وزن: (أفعل) يدل - في الأغلب - على أن شيئين اشتركا في معنى، وزاد أحدهما على الآخر فيه). فالدعائم أو الأركان التي يقوم عليها التفضيل الاصطلاحي - في أغلب حالاته - ثلاثة:
١- صيغة: (أفعل)، وهي اسم، مشتق.
٢- شيئان يشتركان في معنى خاص.
٣- زيادة أحدهما على الآخر في هذا المعنى الخاص.
والذي زاد يسمّى: (المفضَّل)، والآخر يسمى: (المفضَّل عليه)، أو: (المفضول)، ولا فرق في المعنى والزيادة فيه بين أن يكون أمرًا حميدًا، أو ذميمًا(١٧٣).
هذا ما يدل عليه أفعل التفضيل في أغلب حالاته، ولا يخرج أفعل التفضيل عن الدلالة على التفضيل إلا بقرينة مثل الآيات السابقة، فإن معنى التفضيل فيها لا يصحّ كما أوضحنا، ولذلك لزم حملها على الدلالة على مجرّد الصفة.
 وأما إذا صحَّ التفضيل - وهو الاشتراك وزيادة - كما هو في غالب أحواله، فلا مناص من حمل الكلام عليه.
وقد حاول عبد الرزاق الديراوي الذي هو من أتباع اﻟﮕﺎطع في كتابه (جامع الأدلة) أن يتحذلق في هذه المسألة، فقال:
لو تأمّلنا قوله تعالى: (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ) ومثله قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) لوجدنا أن (أهدى) الواردة في الآيتين تدل على أن الطرف الآخر من المعادلة، أي ما وجدوا عليه آباءهم في الآية الأولى، ومن يمشي مكبًّا على وجهه في الآية الثانية مختلف بالنوع عن الطرف الأول، لا بالدرجة. فما وجدوا عليه آباءهم ضلال وليس هدى أقل من الهدى الذي جاءهم به النبي، ومن يمشي مكبًّا على وجهه ضال، لا إنه أقل هداية ممن يمشي على صراط مستقيم.
وبطبيعة الحال يمكن أن تدل صيغة التفضيل على أن الطرف الآخر مختلف في الدرجة، كما في قولنا: (علي أشجع من حمزة) فعلي وحمزة كلاهما شجاع، ولكن درجة شجاعة علي أعظم، ولكننا لا نعلم هذا من نفس كلمة (أهدى)، وإنما من دليل مستقل، وهذا هو المهم في المسألة، أي إن كلمة (أهدى) بحد ذاتها لا تدل على طبيعة الفرق بين طرفيها، وإنما هي ساكتة عنه، فقد يكون الفرق في النوع، أو في الدرجة، ولكن هذا يُعلم من دليل خارجي غير نفس (أهدى)، ومن يريد أن إثبات هداية الرايات الأخرى المزامنة لراية اليماني فعليه أن يأتي بالدليل، وأما كلمة (أهدى) فلن تسعفه بشيء(١٧٤).
ومن الواضح أن هذا الديراوي ينكر بكلامه هذا أمراً بديهيًّا من بديهيات اللغة العربية لأجل مغالطة الجهّال والبسطاء، فإنه زعم أن قولنا: (عليٌّ أشجع من حمزة) لا يفيد أن عليًّا أكثر شجاعة من حمزة، وأن كلمة: (أشجع) لا تدل على ذلك، وإنما استفدنا ذلك من دليل خارجي، وهو علمنا المسبق بأن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام أشجع من حمزة بن عبد المطلب رضوان الله عليه، وهذه مغالطة مفضوحة؛ لأن قولنا: (زيد أشجع من عمرو) يدل على أن زيداً أكثر شجاعة من عمرو وإن كنا لا نعرف زيداً ولا عمراً، ومن ينكر ذلك فهو إما جاهل باللسان العربي أو مكابر، وهذا لا كلام لنا معه.
وإما زعمه أن كلمة (أهدى) في قوله تعالى: (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) دلّت على الاختلاف في النوع، فهو مردود بأن كلمة (أهدى) لم تدل على ذلك، والاختلاف في النوع استفدناه من دليل خارجي، وهو علمنا المسبق بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعتقد أن ما كان عليه آباؤهم ليس فيه أي هداية، ولولا هذا العلم المسبق لقلنا: إن معنى الآية هو: قل أولو جئتكم بدين أكثر هداية مما وجدتم عليه آباءكم.
وبتعبير آخر نقول: إن كلمة (أهدى) لم تدل في هذا المورد ونحوه على الاشتراك والزيادة لقيام قرينة خاصّة صرفتها عن هذه الدلالة، ولولا هذه القرينة الصارفة لكانت دلالتها على ذلك واضحة.
 وزعمه أن (كلمة (أهدى) بحدّ ذاتها لا تدل على طبيعة الفرق بين طرفيها، وإنما هي ساكتة عنه، فقد يكون الفرق في النوع، أو في الدرجة)، واضح الفساد، وإنما هي دالّة بذاتها على الاشتراك والزيادة كما مرّ وهو ما أَطلق عليه الديراوي: الدلالة على الفرق في الدرجة، إلا أنها ربما لا تدل على ذلك إذا قامت قرينة من الخارج تصرفها عن هذه الدلالة، وهذا أمر واضح، وإنكاره جهل فاضح أو مكابرة مكشوفة.
٢- أنه وردت روايات أخر تنصّ على وجود رايات هدى متعدّدة في عصر الظهور.
منها: راية الخراساني: فقد روى محمد بن جرير الشيعي بسنده عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديث: إنّا أهل بيت اختار الله عزّ وجلّ لنا الآخرة على الدنيا، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتى ترتفع رايات سود من المشرق، فيسألون الحق فلا يُعطَون، ويقاتلون فيُنصَرون، فيُعطون الذي سألوا، فمن أدركهم منكم - أو من أبنائكم - فليأتهم ولو حبواً على الثلج، فإنها رايات هدى، يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً(١٧٥).
وهذه الرايات قادمة من خراسان، وليست خارجة من البصرة، وستكون تحت إمرة الخراساني، وقائده رجل اسمه شعيب بن صالح كما دلّت عليه روايات أخر، كالرواية التي رواها ابن طاووس في (الملاحم والفتن) عن أبي جعفر عليه السلام، قال: يخرج شاب من بني هاشم بكفّه اليمنى خال، من خراسان برايات سود، بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم(١٧٦).
وروى النعماني قدس سره بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: يا جابر، الزم الأرض، ولا تحرّك يداً ولا رجلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أولها اختلاف بني العباس، وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدِّثْ به من بعدي عني...
إلى أن قال: ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدّتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قِبَل خراسان، وتطوي المنازل طيًّا حثيثاً، ومعهم نفر من أصحاب القائم، ثم يخرج رجل من موالي أهل الكوفة في ضعفاء، فيقتله أمير جيش السفياني بين الحيرة والكوفة، ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة، فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشاً على أثره، فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقَّب على سُنّة موسى بن عمران عليه السلام(١٧٧).
وإذا كان هذا الجيش الذي يخرج من خراسان معهم نفر من أصحاب القائم عليه السلام، وأنهم يطلبون الحق، ويدفعون براياتهم إلى الإمام المهدي عليه السلام، مع الحث والتأكيد على السعي لنصرتهم ولو حبواً على الثلج، فلا بد أن تكون رايتهم راية هدى وحق.
ومنها: راية رجل من ولد جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه: وقد ورد في مدح هذه الراية ما رواه النعماني في (الغيبة) بسنده عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، وفيها أنه قال: ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جعفر بن أبي طالب، فقال: يا جعفر ألا أبشرك؟ ألا أخبرك؟ قال: بلى يا رسول الله. فقال: كان جبرئيل عندي آنفاً، فأخبرني أن الذي يدفعها إلى القائم هو من ذرّيتك، أتدري من هو؟ قال: لا. قال: ذاك الذي وجهه كالدينار، وأسنانه كالمنشار، وسيفه كحريق النار، يدخل الجند ذليلاً، ويخرج منه عزيزاً، يكتنفه جبرئيل وميكائيل...(١٧٨).
قلت: بما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بشَّر جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه برجل من ولده يدفعها إلى القائم، ويكتنفه جبرئيل وميكائيل عليهما السلام، فلا بد أن تكون رايته راية هدى.
فإنْ زعم اﻟﮕﺎطع أو المنظِّر له ناظم العقيلي أن المراد بهذا الخراساني هو اليماني المعهود، وأنه هو المعني بالحديث، سهل إلزامه بأن الروايات دلّت على أن من المحتوم خروج الخراساني واليماني كما مرّ، فلا يمكن أن يكونا رجلاً واحداً، وهذه الروايات المادحة للخراساني دلّت على أن رايته راية هدى، وهذا يدل على أن راية الهدى غير منحصرة في اليماني، وسيأتي مزيد بيان في هذا الموضوع عند كلامنا حول أصحاب الرايات السود، فانتظر.
وإن زعما أن الجعفري أشير به إلى اليماني وسلّمنا لهم بذلك، فإن اليماني حينئذ لا بد أن يكون من ولد جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه كما دلّت عليه الرواية، لا من ولد الإمام المهدي عليه السلام كما يزعم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، وإن كان المراد به رجلاً آخر غير اليماني فإن الحديث يدل على أن رايات الهدى في عصر الظهور متعدّدة، وغير منحصرة في اليماني كما يزعم كذباً وزوراً أحمد اﻟﮕﺎطع وأنصاره، وعليه، فهذا الحديث حجّة عليهم على كل حال.
ومن هذا البيان يتّضح فساد قول العقيلي: (وقد تقدّم أن كل الرايات في عصر الظهور مذمومة إلا راية واحدة)؛ فإن الروايات دلّت على أن بعضها رايات هدى كما لاحظنا.
ومن تدليس العقيلي وتمويهه أنه زعم أن راية الحق لا بد أن تكون هي راية أهل البيت عليهم السلام؛ لقوله عليه السلام: (فإن لآل محمد وعلي راية، ولغيرهم رايات)، ولأنه قد ثبت أن راية اليماني راية حق، فهي راية أهل البيت عليهم السلام، التي يجب الانضمام إليها دون غيرها؛ لأن ما عداها رايات ضلال، ومنها راية الخراساني والجعفري إن لم نقل: إن الجعفري هو اليماني أو الخراساني.
ولا يخفى أنه قد يكنّى بالراية عن الجماعة التي لها دعوة خاصة بها، كراية السفياني التي لها دعوة باطلة، وبالتالي فإن الرايات التي يحملها اليماني والخراساني، والجعفري الذي هو من ولد جعفر وإن تعدَّد حاملوها إلا أنها في الحقيقة أشبه ما تكون براية واحدة؛ لأنها تدعو بنفس الدعوة المحقّة، وتهدف إلى نفس الهدف، وهو الدعوة إلى الحق وإلى نصرة الإمام المهدي عليه السلام دون غيره.
قال الطريحي في مجمع البحرين:
ومن كلام علي عليه السلام: (وخَلَّفَ - يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - فينا راية الحق، دليلها مكيث الكلام سريع القيام)، قال الفاضل المتبحِّر ميثم: استعار لفظ الراية لكتاب الله وسُنّة رسوله، وكنَّى بدليلها عن نفسه عليه السلام، إذ كان هو الهادي بالكتاب والسنة إلى سبيل الله، كما يهدي حامل الراية بها...(١٧٩).
ومنه يُعلم أنه ليس كل من يدعو إلى الحق لا بد أن تكون رايته راية أهل البيت عليهم السلام، فراية اليماني وراية الخراساني رايتا حق؛ لأنهما تدعوان إلى حق أهل البيت عليهم السلام، لكن لا يصحّ أن نقول عن أي منهما: (إنها راية الإمام المعصوم التي يجب نصرتها، ويدور الحق معها حيثما دارت) رغم أنها تدعو إلى الحق.
لكنّ ناظماً العقيلي حاول جهده أن يثبت أنه لا راية هدى في آخر الزمان إلا راية اليماني، فقال:
عن الباقر عليه السلام، قال: (... إياك وشذّاذ من آل محمد، فإن لآل محمد وعلي راية ولغيرهم رايات، فالزم الأرض ولا تتبع منهم أحدًا أبدًا حتى ترى رجلاً من ولد الحسين عليه السلام، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين، ثم صار عند محمد بن علي، ويفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء أبدًا، وإياك ومن ذكرت لك...).
وفي الرواية السابقة لو قلنا بأن هذه الراية غير راية اليماني الموعود للزم أن تكون راية اليماني من ضمن الرايات الشاذّة والمنهي عن اتباعها؛ لأن الرواية لم تستثنِ غير راية واحدة حسينية، ومن المعلوم أن راية اليماني الموعود موصوفة بأنها أهدى الرايات وتدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم ومأمور بنصرها، إذن فهي الراية الحسينية وهي راية آل محمد. ومما تقدّم نعرف أن اليماني سيّد حسيني ومن آل محمد ومعه عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. عن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن الفرج متى يكون؟ فقال: إن الله عزَّ وجلّ يقول: (فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ)، ثم قال: يُرفع لآل جعفر بن أبي طالب راية ضلال، ثم يرفع آل عباس راية أضلّ منها وأشرّ، ثم يُرفع لآل الحسن بن علي عليه السلام رايات وليس بشيء، ثم يُرفع لولد الحسين عليه السلام راية فيها الأمر(١٨٠).
وهذا الكلام مشتمل على مغالطات واضحة، فإن قوله: (فالزم الأرض ولا تتبع منهم أحداً أبداً حتى ترى رجلاً من ولد الحسين عليه السلام، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه)، يدل على عدم جواز اتباع أي راية إلا راية الإمام المهدي المنتظر عليه السلام الذي معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، ومن المقطوع به أن هذه المواريث لن تكون في حوزة اليماني في عصر الظهور حتى يمكن أن يُتوهَّم أنه هو المشار إليه في الرواية كما زعم العقيلي؛ لأن العهد والراية والسلاح لا تكون إلا في حوزة الإمام القائم بالإمامة كما دلّت عليه الروايات الصحيحة، ومنها صحيحة صفوان، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: كان أبو جعفر عليه السلام يقول: إنما مَثَل السلاح فينا مَثَل التابوت في بني إسرائيل، حيثما دار التابوت أوتوا النبوّة، وحيثما دار السلاح فينا فَثَمَّ الأمر. قلت: فيكون السلاح مزايلاً للعلم؟ قال: لا(١٨١).
والإمام القائم بالإمامة في عصر الظهور هو الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف دون غيره، فكيف تكون هذه المواريث عند اليماني؟!
ولو سلّمنا جدلاً أن اليماني إمام معصوم كما يزعم اﻟﮕﺎطع والعقيلي، فإن عهد نبي الله ورايته وسلاحه إنما تكون عنده بعد وفاة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام بحسب ما يدّعون، وأما في عصر الظهور فلن يكون عند اليماني شيء من هذه المواريث؛ لأنه إن كان إماماً فلا بد أن يكون صامتاً، ومواريث النبوة تكون بيد الإمام الناطق دون الإمام الصامت.
وقول العقيلي: (لو قلنا بأن هذه الراية غير راية اليماني الموعود للزم أن تكون راية اليماني من ضمن الرايات الشاذّة والمنهي عن اتّباعها)، واضح البطلان؛ لأن راية اليماني إنما كانت أهدى الرايات لأنها تدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، وكل من دعا إلى الإمام المهدي الذي رايته راية حق فهو محق، والمراد بالشُّذّاذ من آل محمد هم المنتسبون للنبي صلى الله عليه وآله وسلم المناوئون للإمام المهدي عليه السلام، أو الذين يدْعون إلى أنفسهم، أو يدْعون إلى خلاف الحق.
ومما ذكرنا يُعلم أيضاً بطلان قول العقيلي: (الرواية لم تستثنِ غير راية واحدة حسينية، ومن المعلوم أن راية اليماني الموعود موصوفة بأنها أهدى الرايات، وتدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم، ومأمور بنصرها، إذن فهي الراية الحسينية، وهي راية آل محمد)؛ لأن الراية الحسينية الحقّة هي راية الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، والرايات المناوئة لها أو التي تدعو بدعوات مغايرة لما تدعو إليه هذه الراية كلها رايات ضلال، وأما راية اليماني فهي راية تدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام؛ ولذلك صارت أهدى من الرايات الأخرى التي تدعو إلى غيره.
والنتيجة التي خلص إليها العقيلي، وهي قوله: (ومما تقدّم نعرف أن اليماني سيّد حسيني ومن آل محمد ومعه عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) نتيجة باطلة؛ لأن الذي معه عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما بيَّنّا هو الإمام المهدي عليه السلام، لا اليماني الذي لم تثبت إمامته فضلاً عن ثبوت لزوم اتِّباعه في زمان الإمام القائم بالحق الإمام المهدي المنتظر عليه السلام!!
وحاصل الكلام أن مدح راية اليماني في الروايات معلَّل بالدعوة إلى الحق، فلا دلالة فيها على ما زعمه ناظم العقيلي من كونها راية أهل البيت عليهم السلام؛ لأن كل راية تدعو إلى الحق بصدق، وتعمل بما تدعو إليه ستكون راية هدى لا محالة.
سبب كون راية اليماني أهدى الرايات:
قلنا آنفاً: إن الروايات علَّلت أن راية اليماني أهدى الرايات بأن اليماني يدعو إلى الحق.
ومعنى ذلك أن اليماني صادق في دعوته إلى الحق التي لا يبتغي بها زعامة أو وجاهة، وإنما يريد بها وجه الله تعالى، وإلا فإن أكثر الرايات في ظاهرها تدعو إلى الحق، إلا أنها لا تعمل به.
وقد ذكر بعض الفضلاء ثلاثة احتمالات جعلت رايته أهدى الرايات، هي:
١- أن الأسلوب الإداري الذي يستعمله اليماني في قيادته السياسية وإدارة اليمن أصحّ وأقرب إلى النمط الإداري الإسلامي في بساطته وحسمه.
٢- أن ذلك بسبب سياسته الحاسمة مع جهازه التنفيذي، سواء في اختياره النوعيات المخلصة المطيعة فقط، أم محاسبته الدائمة والشديدة لهم... وهي السياسة التي يأمر الإسلام ولي الأمر أن يتبعها مع عماله.
٣- أن راية اليماني أهدى في طرحها الإسلامي العالمي، وعدم مراعاتها للعناوين الثانوية الكثيرة والمفاهيم والمعادلات المعاصرة القائمة.
ثم رجّح احتمالاً رابعاً، فقال:
ولكن المرجَّح أن يكون السبب الأساسي في أن ثورة اليماني أهدى أنها تحظى بشرف التوجيه المباشر من الإمام المهدي عليه السلام، وتكون جزءاً مباشراً من خطّة حركته عليه السلام، وأن اليماني يتشرّف بلقائه ويأخذ توجيهه منه(١٨٢).
ولا يخفى أن هذه الاحتمالات بما فيها الاحتمال الرابع الراجح عند الفاضل المذكور مخالفة لظاهر الروايات التي علّلت كون راية اليماني أهدى الرايات بأنه يدعو إلى الحق، والدعوة إلى الحق لا تتوقّف بالضرورة على شرف الالتقاء بالإمام المهدي عليه السلام وأخذ التوجيهات منه مباشرة؛ فإن الحق - خصوصاً عند الشيعة الإمامية - ليس بدرجة من الخفاء بحيث لا يُعرف إلا بالتوجيه المباشر من الإمام المعصوم عليه السلام.
ويمكن أن يستفاد من التعليل بأن اليماني يدعو إلى الحق، أنه صادق في دعوته، وأن دعوته خالصة عن شوائب الدنيا وحبّ الرئاسة والزعامة، وإلا فإن هناك رايات هدى غير راية اليماني كراية الخراساني وراية الجعفري، إلا أن الرايات الأخرى ربما خالطها بعض شوائب الدنيا، ولذلك صارت راية اليماني أهدى من غيرها.
ويشبه ما ورد في مدح اليماني ما روي في مدح زيد بن علي الشهيد رضوان الله عليه الذي كان يدعو الناس للإمام القائم المرضي من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكان صادقاً في دعوته، فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن عيص بن القاسم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له، وانظروا لأنفسكم، فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذا وجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يُخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها، والله لو كانت لأحدكم نفسان، يقاتل بواحدة يجرّب بها، ثم كانت الأخرى باقية، فعمل على ما قد استبان لها، ولكن له نفس واحدة، إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة، فأنتم أحقّ أن تختاروا لأنفسكم، إن أتاكم آتٍ منا فانظروا على أي شيء تخرجون؟ ولا تقولوا: (خرج زيد)، فإن زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدْعُكم إلى نفسه، إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه، فالخارج منا اليوم إلى أيّ شيء يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام؟ فنحن نُشهدكم أنا لسنا نرضى به، وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا، إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه، فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه، إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله عزّ وجلّ، وإن أحببتم أن تتأخّروا إلى شعبان فلا ضير، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعلّ ذلك أن يكون أقوى لكم، وكفاكم بالسفياني علامة(١٨٣).
فإن الإمام عليه السلام بيَّن أن زيداً الشهيد رضوان الله عليه كان عالماً، وكان صدوقاً، وأنه لم يدْعُ الناس إلى نفسه، إنما دعاهم إلى الإمام القائم المرضي من آل محمد عليهم السلام، وأنه لو ظفر بالأمر لوفى بما دعا الناس إليه.
وهكذا حال اليماني المحتوم، فإنه لن يدعو الناس إلى نفسه، وإنما يدعوهم إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وهو صادق في دعوته، ولهذا مُدح في الروايات التي سبق ذكرها.
هل اليماني هو الممهّد الرئيس للإمام المهدي عليه السلام؟
زعم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أن (اليماني هو الممهِّد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدّس)(١٨٤)، وكرَّر ذلك أنصاره في كتبهم، فادّعوا أن اليماني هو قطب الرّحى في حركة الظهور وعملية تطهير الأرض، وهو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً.
ولا يخفى أن هذا زعم باطل، لم يدل عليه شيء من الروايات، وكل من نظر في روايات الظهور لا يجد فيها أي إشارة إلى أن هناك ممهِّداً رئيساً لدولة الإمام المهدي عليه السلام يوطّئ للإمام عليه السلام سلطانه، لا اليماني ولا غيره، بل الظاهر من الروايات أن الإمام المهدي سلام الله عليه وأنصاره هم الذين يفتحون البلدان واحداً بعد واحد، ولذلك ورد في الروايات المتواترة المروية من طرق الفريقين أن الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً هو الإمام المهدي المنتظر سلام الله عليه دون غيره، بل إن قيامه عليه السلام بذلك صار من أبرز فضائله.
ومن تلك الروايات ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: قلت لمحمد بن علي بن موسى عليهم السلام: إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمد الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً. فقال عليه السلام: يا أبا القاسم، ما منّا إلا وهو قائم بأمر الله عزّ وجلّ، وهادٍ إلى دين الله، ولكن القائم الذي يطهِّر الله عزّ وجلّ به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملؤها عدلاً وقسطاً هو الذي تخفى على الناس ولادته، ويغيب عنهم شخصه، ويحرم عليهم تسميته، وهو سَمِيُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكَنِيُّه، وهو الذي تُطوى له الأرض، ويذل له كل صعب، [و] يجتمع إليه من أصحابه عدّة أهل بدر: ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض، وذلك قول الله عزّ وجلّ: (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة: ١٤٨]، فإذا اجتمعت له هذه العدّة من أهل الإخلاص أظهر الله أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن الله عزّ وجلّ، فلا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله عزّ وجل...(١٨٥).
وروى النعماني بسنده عن الأصبغ بن نباتة، قال: أتيت أمير المؤمنين عليًّا عليه السلام ذات يوم فوجدته مفكّراً، ينكت في الأرض، فقلت: يا أمير المؤمنين، تنكت في الأرض أرغبة منك فيها؟ فقال: لا والله، ما رغبتُ فيها ولا في الدنيا ساعة قط، ولكن فكري في مولود يكون من ظهري، الحادي عشر من ولدي، هو المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، تكون له حيرة وغيبة، يضل فيها أقوام، ويهتدي فيها آخرون(١٨٦).
والروايات في ذلك كثيرة بل متواترة، مروية كما قلنا من طريق الخاصّة والعامّة.
الممهِّدون للإمام المهدي عليه السلام:
الذي عثرت عليه في الروايات أن الذين يمهِّدون للإمام المهدي عليه السلام أو يوطِّئون له سلطانه(١٨٧) عدّة رجال، منهم:
١- رجل من ولد جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه:
ويشير إليه ما رواه النعماني في (الغيبة) بسنده عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، وفيها أنه قال: ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جعفر بن أبي طالب، فقال: يا جعفر ألا أبشرك؟ ألا أخبرك؟ قال: بلى يا رسول الله. فقال: كان جبرئيل عندي آنفاً، فأخبرني أن الذي يدفعها إلى القائم هو من ذرّيتك، أتدري من هو؟ قال: لا. قال: ذاك الذي وجهه كالدينار، وأسنانه كالمنشار، وسيفه كحريق النار، يدخل الجند ذليلاً، ويخرج منه عزيزاً، يكتنفه جبرئيل وميكائيل...(١٨٨).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لجعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه: (إن الذي يدفعها إلى القائم هو من ذرّيّتك) يدل على أن واحداً من ولد جعفر من ضمن الممهِّدين للإمام المهدي عليه السلام، فإن أشير بهذا الرجل إلى اليماني المعهود فهذا يبطل مزاعم اﻟﮕﺎطع وأنصاره الذين يزعمون أن اليماني من ولد الإمام المهدي عليه السلام لا من ولد جعفر، وإن كان غيره فيدل الحديث على وجود ممهِّد آخر غير اليماني، فإن كان هذا الرجل هو الخراساني الذي سنذكره قريباً فهو، وإلا فهو رجل ثالث يكون من ضمن الممهّدين للإمام المهدي المنتظر عجّل الله فرَجه الشريف.
٢- الرايات السود من خراسان:
وهي الرايات التي يقودها الخراساني، ويكون على مقدّمتها شعيب بن صالح.
فقد روى ابن طاووس في (الملاحم والفتن) عن محمد بن الحنفية، قال: تخرج راية سوداء لبني العباس، ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء، قلانسهم سود، وثيابهم بيض، على مقدّمتهم رجل يقال له: شعيب بن صالح، أو: صالح بن شعيب من تميم، يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل بيت المقدس، يوطِّئ للمهدي سلطانه، ويمدّ إليه ثلاثمائة من الشام، يكون بين خروجه وبين أن يسلِّم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً(١٨٩).
وروى الشيخ الطوسي قدس سره عن أبي جعفر عليه السلام، قال: تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهدي عليه السلام بُعث إليه بالبيعة(١٩٠).
وهذه الرايات السود ذُكرت أيضاً في مصادر أهل السنة، فقد أخرج الحاكم النيسابوري في المستدرك بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إلينا مستبشراً يُعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيء إلا أخبرنا به، ولا سكتنا إلا ابتدأَنا، حتى مرّتْ فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلما رآهم التزمهم وانهملت عيناه، فقلنا: يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه! فقال: إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتى ترتفع رايات سود من المشرق، فيسألون الحق فلا يُعطَونه، ثم يسألونه فلا يُعطَونه، ثم يسألونه فلا يُعطَونه، فيقاتِلون فيُنصرون، فمن أدركه منكم أو من أعقابكم فليأتِ إمام أهل بيتي ولو حبواً على الثلج، فإنها رايات هدى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي(١٩١)، فيملك الأرض، فيملؤها قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً(١٩٢).
وأخرج ابن ماجة في سننه بسنده عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج ناس من المشرق، فيوطّئون للمهدي) يعني سلطانه(١٩٣).
هل اليماني هو الممهِّد الأساس لدولة الإمام المهدي عليه السلام؟
لم أجد بعد مزيد البحث في الروايات أي رواية تصرّح بأن اليماني يوطِّئ للإمام المهدي عليه السلام سلطانه، أو أنّ له الدور الأساس في التمهيد لدولة الإمام المهدي عجّل الله فرَجه الشريف.
نعم وصفت الروايات خروجه بأنه علامة على قرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام، ووصفت رايته بأنها أهدى الرايات، وأنه ينصر الإمام المهدي عليه السلام، وذكره علامة من علامات الظهور وذكر نصرته يدلّان على أنه سيكون له دور مهم في التمهيد، وإلا لو لم يكن له أي دور في ذلك، أو كان له دور غير مهم لما كان هناك وجه لتخصيصه بالذكر في الروايات، والتنصيص على أنه من العلامات الحتميّة للظهور.
كما أني لم أجد أي رواية تصرّح بأن اليماني هو قائد جيش الإمام المهدي عليه السلام كما زعم اﻟﮕﺎطع والعقيلي وغيرهما من المروِّجين لهذه الدعوة الباطلة، والذي يظهر من بعض الروايات أن قائد جيش الإمام عليه السلام هو شعيب بن صالح الذي هو قائد جيش الخراساني.
فقد روى الشيخ الطوسي قدس سره في (الغيبة) عن عمار بن ياسر أنه قال: إن دولة أهل بيت نبيّكم في آخر الزمان، ولها أمارات، فإذا رأيتم فالزموا الأرض، وكفّوا حتى تجيء أماراتها...
إلى أن قال: ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح، وإذا رأى أهل الشام قد اجتمع أمرها على ابن أبي سفيان فالحقوا بمكة، فعند ذلك تُقتل النفس الزكية وأخوه بمكة ضيعة، فينادي منادٍ من السماء: أيها الناس إن أميركم فلان، وذلك هو المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً(١٩٤).
وروى ابن طاووس عن عمار بن ياسر، قال: المهدي على لوائه شعيب بن صالح(١٩٥).
وعنه أيضاً، قال: إذا بلغ السفياني الكوفة وقتل أعوان آل محمد، خرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح(١٩٦).
وعن الحسن، قال: يخرج بالرّيّ رجل ربعة أسمر مولى لبني تميم، كوسج، يقال له: شعيب بن صالح، في أربعة آلاف، ثيابهم بيض، وراياتهم سود، يكون مقدِّمة للمهدي، لا يلقاه أحد إلا قتله(١٩٧).
وعليه، فما قاله العقيلي من أن اليماني هو قائد جيش الإمام المهدي عليه السلام غير صحيح؛ لأنه لم يدل عليه أي دليل، بل دلّ الدليل على خلافه.
ومع وضوح هذه الروايات الدالّة على أن قائد جيش الإمام عليه السلام هو شعيب بن صالح إلا أن اﻟﮕﺎطع وأنصاره يتجاهلون هذه الروايات ويتمسّكون بروايات لا دلالة فيها على أن اليماني هو قائد جيش الإمام عليه السلام، كالرواية التي رواها نعيم بن حماد في كتاب (الفتن)، عن أرطاة التي ذكر فيها أمير العُصَب، وهذه الرواية ذكرناها فيما تقدّم، وبيّنا ما فيها، فراجعها(١٩٨).
وربما يكون بعض ما قلناه قد فاجأ القارئ العزيز، أو أثار استغرابه؛ لظنّه أن هناك ملازمة واضحة بين كون راية اليماني راية هدى، وأن يكون قائد جيشه، أو على الأقل يكون له الدور الأساس في نصرة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرَجه الشريف!!
والحال أنه لا ملازمة بين الأمرين؛ لأن السبب في أن رايته راية هدى أوضحناه فيما سبق، وهو أنه يدعو إلى الحق، أو يدعو إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وهذه الدعوة لا تستلزم قيامه بالدور الأساس في نصرة الإمام المهدي عليه السلام؛ لأن ذلك يعود إلى الأسباب الطبيعية التي تحسم المعركة لصالح هذا الجيش أو ذاك، مثل: كثرة الجنود الأشداء، وبسالتهم في القتال، ووفرة السلاح وتطوّره، وقوة الإمداد، وحسن الإعداد للحرب، والمهارة في التخطيط للمعركة وغير ذلك مما يحقّق النصر الحاسم للجيوش في المعارك، ولا شك في أن الجزم بذلك لا بد أن يكون مستنداً إلى دليل يدل عليه، ولا دليل في البين يشعر بذلك فضلاً عن أن تكون دلالته واضحة في ذلك.
ولا شك أن راية كل من زيد الشهيد والحسين بن علي صاحب فخ رضوان الله عليهما كانت راية حق، إلا أن المعركة لم تُحسم لصالحهما؛ بسبب تفوّق الجيوش المعادية لهما من أكثر النواحي التي تؤثّر في حسم المعارك.
والذي يظهر من بعض الروايات أن دور الخراساني في أحداث ما قبل الظهور أكبر من دور اليماني رغم أن راية اليماني أهدى الرايات؛ لأن الروايات بيَّنت أن رايات الخراساني التي تأتي من المشرق توطّئ للإمام المهدي عليه السلام سلطانه، وذكرت أيضاً أنه يحارب أصحاب السفياني فيهزمهم.
فقد روى ابن طاووس عن محمد بن الحنفية، قال: تخرج راية سوداء لبني العباس، ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء، قلانسهم سود، وثيابهم بيض، على مقدّمتهم رجل يقال له: شعيب بن صالح، أو: صالح بن شعيب من تميم، يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل بيت المقدس، يوطِّئ للمهدي سلطانه، ويمد إليه ثلاثمائة من الشام، يكون بين خروجه وبين أن يسلّم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً(١٩٩).
وروى نعيم بسنده عن أرطأة، قال: يدخل السفياني الكوفة، فيسبيها ثلاثة أيام، ويقتل من أهلها ستين ألفاً، ثم يمكث فيها ثمانية عشر ليلة يقسم أموالها...
إلى أن قال: فتُقْبِل خيل السفياني، ويهدم الحصون حتى يدخل الكوفة، ويطلب أهل خراسان، ويظهر بخراسان قوم يدْعون إلى المهدي، ثم يبعث السفياني إلى المدينة، فيأخذ قوماً من آل محمد حتى يرد بهم الكوفة...
ثم قال: وتقبل الرايات السود حتى تنزل على الماء، فيبلغ من بالكوفة من أصحاب السفياني نزولهم فيهربون، ثم ينزل الكوفة حتى يستنقذ من فيها من بني هاشم،... وتبعث الرايات السود بالبيعة إلى المهدي(٢٠٠).
وأما اليماني فلم يرد في مدحه مثل ذلك، بل روي أن السفياني يتغلّب عليه، فقد روى نعيم بسنده عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا ظهر السفياني على الأبقع والمنصور اليماني خرج الترك والروم، فظهر عليهم السفياني(٢٠١).
ومع ذلك فإن اﻟﮕﺎطع وأنصاره جعلوا دور اليماني في نصرة الإمام المهدي عليه السلام أعظم من دور الخراساني، بل جعلوه الممهِّد الأساس للدولة المهدوية من دون أي دليل يعتمدون عليه إلا اتباع الهوى والخيالات التي سطّروها في كتبهم.
هل الرايات التي تأتي من المشرق رايات اليماني؟
مع أن الروايات التي نقلنا بعضاً منها تدل بوضوح على أن راية الخراساني قائد الرايات السود التي تأتي من المشرق أو من خراسان هي التي تمهّد للمهدي سلطانه، وهي التي سيكون لها دور فاعل في نصرة الإمام المهدي عليه السلام ومحاربة أعدائه كالسفياني وغيره، إلا أن اﻟﮕﺎطع وأنصاره تجاهلوا دور هذه الرايات كلّيّة، بل نسبوا كل جهود هذه الرايات إلى اليماني، فزعموا أن الرايات التي تأتي من المشرق هي رايات اليماني لا غير.
وقد نقل ناظم العقيلي ما رواه نعيم في (الفتن)، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر بلاءً يلقاه أهل بيته حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء، من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله، حتى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي، فيولّوه أمرهم، فيؤيّده الله وينصره(٢٠٢).
ثم قال في التدليل على أن هذه الرايات هي رايات اليماني:
إن قلنا بأن هذه الراية غير راية اليماني الموعود يكون التناقض على قدم وساق، بل يكون اليماني مأموراً بنصرة هذه الراية السوداء المشرقية، وإلا فهو مخذول وحاشاه، في حين أننا نجد الإمام الباقر عليه السلام يصف راية اليماني بأنها أهدى الرايات، وقد تقدّم أن بها النصر والفتح وهي التي تدفع بنصرها إلى الإمام المهدي عليه السلام، إذن فلا محيص عن القول بأن هذه الراية السوداء المشرقية هي نفسها راية اليماني الموعود أو أنها تابعة له وجزء من ثورته المقدّسة، بل إن أوصافها مواطئة لأوصاف راية اليماني ومؤكِّدة لها(٢٠٣).
ولا يخفى ما في استدلاله من المغالطات الواضحة المكشوفة؛ فإنا إذا قلنا: إن هذه الراية راية أخرى مغايرة لراية اليماني فلا تناقض؛ لأن راية اليماني مختلفة عن هذه الراية من عدّة وجوه، هي:
١- أن الرايات السوداء تخرج من خراسان كما دلّت عليه روايات ذكرنا بعضها فيما تقدّم كرواية محمد بن الحنفية وغيرها.
وروى ابن طاووس عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام، قال: يخرج شاب من بني هاشم بكفِّه اليمنى خال، من خراسان برايات سود، بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم(٢٠٤).
وعن ثوبان، قال: إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قِبَل خراسان، فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي(٢٠٥).
فإذا ضممنا هذه الروايات إلى الروايات التي بيَّنت أن الرايات السود تخرج من المشرق، مثل رواية ابن مسعود التي سبق ذكرها، والتي فيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتى ترتفع رايات سود من المشرق، فيسألون الحق فلا يُعطَونه... الخ.
ورواية ابن طاووس عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تخرج من المشرق رايات سود لبني العباس، ثم يمكثون ما شاء الله، ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق، ويؤدّون الطاعة للمهدي(٢٠٦).
يتحصّل من مجموع هذه الروايات أن الرايات المشرقيّة السوداء التي تخرج من خراسان وعلى مقدّمتها شعيب بن صالح هي رايات الخراساني، لا رايات اليماني التي تخرج من اليمن كما أثبتنا ذلك فيما مرّ، ولا رايات اﻟﮕﺎطع التي يزعم اﻟﮕﺎطع وأنصاره أنها ستخرج من العراق أو من البصرة، ولا أظنها تخرج.
٢- أن الروايات التي ذكرنا جملة منها فيما تقدّم دلّت على أن قائد الرايات السود هو شعيب بن صالح، في حين أن راية اليماني قائدها هو اليماني نفسه، واﻟﮕﺎطع وأنصاره يدّعون أن اليماني اسمه أحمد إسماعيل، وليس شعيب بن صالح، فكيف تكون تلك الرايات رايات اليماني؟!
٣- أنا ذكرنا فيما تقدّم الرواية التي دلّت على أن الرايات السود التي تأتي من قبل المشرق تهزم أصحاب السفياني، وأما اليماني فدلّت الرواية على أن السفياني يهزمه.
٤- أن جملة من الروايات التي ذكرناها في البحوث السابقة، والتي ذكرت العلامات المحتومة، عطفت الخراساني على اليماني، أو اليماني على الخراساني، وهذا العطف يقتضي المغايرة بينهما، فهما رجلان مختلفان لكل منهما صفاته الخاصّة ومميزاته التي تميّزه عن غيره، ولو كان الخراساني تابعاً لليماني أو جزءاً من حركته كما يزعم العقيلي لما كان هناك وجه لذكره مع اليماني في علامات الظهور، كما أن الروايات لم تذكر شعيب بن صالح علامة خاصّة في قبال الخراساني؛ لأنه تابعٌ له وقائدٌ لجيشه.
ومن مجموع ذلك نخلص إلى أن الرايات المشرقيّة السوداء هي رايات الخراساني وليست رايات اليماني كما يزعم العقيلي.
وأما زعم العقيلي أنّا إذا لم نقل: (إن الرايات السوداء رايات اليماني) فإنه يلزم أن (يكون اليماني مأموراً بنصرة هذه الراية السوداء المشرقية، وإلا فهو مخذول وحاشاه)، فلا يخفى على القارئ اللبيب فساده؛ لأن كلًّا من اليماني والخراساني يعملان لتحقيق هدف واحد، وهو نصرة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، والإعانة على إقامة دولته المباركة، وقيام كل منهما بدوره محقّق لهدف الآخر، بل هو في حقيقته نصرة له، والمخذول هو الذي يحارب واحداً منهما، وعدم محاربة اليماني تحت إمرة الخراساني لا تستلزم خذلانه كما هو واضح.
ومما قلناه يتبيَّن بطلان قول العقيلي: (إذن فلا محيص عن القول بأن هذه الراية السوداء المشرقية هي نفسها راية اليماني الموعود أو أنها تابعة له وجزء من ثورته المقدّسة، بل إن أوصافها مواطئة لأوصاف راية اليماني ومؤكِّدة لها)؛ لأنا أثبتنا فيما تقدّم أن الرايات السوداء لا علاقة لها باليماني، وتشابه أوصاف راية الخراساني مع أوصاف راية اليماني من حيث إن كلا منهما راية هدى لا يستلزم اتحادهما، فلا غرابة في وحدة هدفهما وتشابه صفاتهما.
مقامات اليماني!!
ادّعى أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره أن اليماني إمام من أئمة الدين المنصوص على إمامتهم، وأنه أوّل المهديّين الاثني عشر الذين يعتقد أتباع اﻟﮕﺎطع بإمامتهم بعد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وذكروا لليماني - الذي هو اﻟﮕﺎطع بزعمهم - غرائب وعجائب كثيرة عدّوها من فضائله.
واستندوا في ذلك إلى رواية ضعيفة السند، أسموها برواية الوصيّة، وقد تكلّمت بالتفصيل حول هذه الرواية وبيَّنْت ضعف سندها، وعدم دلالتها على إمامة اثني عشر مهديًّا من ولد الإمام المهدي عليه السلام، يتولّون الإمامة بعده واحداً بعد واحد، فمن أراد الاطّلاع على ما كتبته في ذلك فليراجع كتابي (الرد القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم).
والمتحصّل من مجموع الروايات فيما يتعلق بمقامات اليماني، هو أنها دلَّت على أن راية اليماني راية هدى، بل هي أهدى الرايات، وأنه يخرج لنصرة الإمام المهدي عليه السلام، وأن خروجه من علامات ظهور الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، وأنه يتولّى أمير المؤمنين عليه السلام، ويرجع في نسبه إلى زيد الشهيد رضوان الله عليه، وأما ما عدا ذلك مما ينسبه اﻟﮕﺎطع وأنصاره إليه من مقامات فلم أجده في شيء من الروايات، وكل مقام لم تدل عليه الروايات أو أي دليل آخر صحيح، وذُكر بنحو الاحتمال والظن لا نقول بثبوته له، فلعله يصحّ ولعله لا يصحّ، وأما ما هو مخالف للروايات ولإجماعات الطائفة مثل زعم أنه إمام مفترض الطاعة، أو أنه معصوم، أو أنه هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، أو نحو ذلك فكله باطل مردود على قائله، لا يمكن قبوله أو القول به؛ لقيام الدليل القطعي على بطلانه.
هل اليماني قائم آل محمد ومهدي آخر الزمان؟
لا يخفى على القارئ العزيز أن دعاوى أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره في اليماني لا يراد بها في الأساس إثبات بعض المقامات العظيمة لليماني وكفى، وإنما يراد بها تحقيق أمرين:
الأمر الأول: محاربة إمام العصر الإمام محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، وتجريده عن كل فضيلة ثبتت له، وكل من يطّلع على ما كتبه اﻟﮕﺎطع وأنصاره لا يجد للإمام المهدي عليه السلام في كلامهم أي دور حتى بعد ظهوره المبارك، ولا يرى أنهم ينسبون له أي فضيلة، وكلّ ما أثبتَتْه الروايات إليه من الفضائل نسبوه إلى اليماني.
والأمر الثاني: تحويل جميع الفضائل التي أثبتتها الروايات المتواترة للإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف إلى أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، فزعموا أنه هو قائم آل محمد، وهو بقية الله، وهو الإمام المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، المؤيَّد بجبرئيل، المسدَّد بميكائيل، المنصور بإسرافيل، وغير ذلك.
ولتحقيق مآربهم الشيطانية اتّخذوا اليماني وسيلة لذلك، فنسبوا إليه كل تلك الفضائل الثابتة للإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وزعموا في نفس الوقت أن هذا اليماني هو أحمد إسماعيل ﮔﺎطع.
ومما أثبتوه لليماني - وهو أحمد إسماعيل ﮔﺎطع بحسب دعواهم - أنه قائم آل محمد ومهدي آخر الزمان.
قال عبد الرزاق الديراوي تحت عنوان (اليماني هو قائم آل محمد ومهدي آخر الزمان):
ورد في الكافي عن أبي عبد الله، قال: (كل راية تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله)(٢٠٧).
هذه الرواية تعني أن كل راية على الإطلاق تُرفع قبل القائم هي راية ضلال، وصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله، لا يُستثنى من هذا الحكم غير راية القائم فقط.
ولكنا علمنا مما تقدّم أن راية اليماني - وهي قبل الإمام المهدي عليه السلام - هي راية هدى، بل أهدى الرايات، فكيف نخرج من التعارض بين رواية اليماني والرواية الواردة في الكافي أعلاه؟
ليكن واضحاً لنا أن أيّ حل للتعارض لا بدّ أن يُبقي على مضموني كلتا الروايتين دون أن يُسقط منهما شيئاً.
والحل الوحيد الذي يمكن أن نتحصّله في حالتنا هو أن نقول: أن راية القائم وراية اليماني هما راية واحدة، وهذا يقوّي حقيقة أن القائم هو نفسه اليماني. وهذه الحقيقة أشارت لها الرواية التي نصّت على أن أمير جيش الغضب أو قائد الأصحاب الثلاثمائة وثلاثة عشر هو خليفة يماني.
وعن أبي عبد الله عليه السلام، قال: (إذا أُذِن الإمام دعى [كذا] الله باسمه العبراني، فأتيحت له صحابته الثلاثمائة والثلاثة عشر قزع كقزع الخريف)(٢٠٨).
والجواب: أن قوله عليه السلام: (كل راية تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله عزّ وجل) غير ناظر إلى راية اليماني ونحوها؛ لأن المراد بالرايات التي أصحابها طواغيت يُعبَدون من دون الله تعالى هي الرايات المضادّة لدعوة الإمام المهدي عليه السلام كراية السفياني وما شاكلها، أو الرايات المجهولة التي لا يُعلم صدق أصحابها أو كذبهم، فإن أصحابها طواغيت يُعبدون من دون الله وإن كانوا في ظاهرهم يدْعون إلى الحق.
وأما الرايات التي نصَّ الإمام المعصوم عليه السلام على أنها رايات هدى كراية اليماني والخراساني، وأخبر أن أصحابها سيقومون بنصرة الإمام المهدي عليه السلام على عدوّه، وإعانته في دعوته، وكشف لنا عن أنهم صادقون في دعوتهم، وأنهم لا يريدون بنصرتهم شيئاً من أغراض الدنيا، فإن راياتهم لا شك في أنها غير مرادة برايات الضلال المذمومة، ولا شك أن هؤلاء الرجال لا يمكن أن يكونوا طواغيت يُعبدون من دون الله تعالى.
وبتعبير آخر أقول: إن هذه الرايات غير داخلة في عموم قوله عليه السلام: (كل راية تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله عزّ وجلّ)؛ لأنها منصوص على أنها رايات هدى، فتكون مخصِّصة لذلك العموم، بل هي خارجة تخصّصاً؛ لأن راية الهدى لا يمكن أن يكون صاحبها طاغوتاً يُعبَد من دون الله، وهذا يفيدنا بأن الحديث ناظر إلى رايات الضلال الأخرى، أو الرايات التي لم يُنَصّ على أنها رايات هدى.
إذا عرفت ذلك يتّضح بطلان ما قاله عبد الرزاق الديراوي من أن راية اليماني وراية القائم عليه السلام راية واحدة، بل هما رايتان مختلفتان، إحداهما تدعو إلى الأخرى.
واليماني قائد عسكري، يكون خروجه علامة على قرب ظهور الإمام القائم عليه السلام، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ورد ذلك متواتراً في الأحاديث التي رواها الشيعة وأهل السنة من غير خلاف بينهم في ذلك.
والمطّلع على روايات أهل البيت عليهم السلام وغيرهم يجد أنها دالة على أن اليماني يخرج قبل قيام القائم عليه السلام بأشهر، ويكون خروجه علامة على قرب الظهور المقدّس، وأن اليماني ينصر الإمام المهدي عليه السلام، ويمهّد له، وأنه يخرج من اليمن، وأما القائم عليه السلام فيخرج من مكة المكرمة، وغير ذلك من وجوه الافتراق التي تورث القطع بأن اليماني رجل آخر مختلف تماماً عن الإمام القائم مهدي هذه الأمة عليه السلام، ومع ذلك فأنا لا أتعجّب من هؤلاء القوم الذين ينكرون الواضحات، ويجادلون في البديهيات، ويردّون المتواترات، وينكرون الحق الواضح وهم يعلمون.
ثم إن راية اليماني إنما استحقّت أن تكون راية هدى؛ لأن اليماني يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، ولا يدْعو إلى نفسه، وفي الحديث الذي جعله اﻟﮕﺎطع وأنصاره أعظم حجّة لهم، وهو حديث الإمام الباقر عليه السلام ورد قوله: (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم)(٢٠٩)، ومن الواضح أن المراد بقوله: (لأنه يدعو إلى صاحبكم) أنه يدعو إلى صاحب الأمر عليه السلام، ولو كان اليماني هو الإمام القائم عليه السلام لما صحّ مثل هذا التعبير، ولما صحّ التعليل بذلك؛ لأنه على ما قاله الديراوي من اتّحاد شخصية اليماني والقائم عليه السلام يكون معنى هذه الفقرة هو أن علّة كون راية اليماني أهدى الرايات أنه يدعو إلى نفسه، وهذه علّة غير صحيحة؛ لأن جميع أصحاب الرايات يدْعون إلى أنفسهم، فكيف صارت راية اليماني راية حق من دون سائر الرايات؟!
وأما زعمه أن اليماني هو أمير جيش الغضب فقد أبطلناه فيما سبق(٢١٠)، فراجعه.
هل اليماني منصوص العصمة؟
ادّعى أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره أن اليماني معصوم منصوص العصمة.
قال اﻟﮕﺎطع في بيان له بعنوان (السيد أحمد الحسن اليماني الموعود) بتاريخ ٢١ ربيع الثاني سنة ١٤٢٦هـ:
ثانياً: (أنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم): والدعوة إلى الحق والطريق المستقيم أو الصراط المستقيم تعني أن هذا الشخص لا يخطأ [كذا]، فيُدخل الناس في باطل أو يخرجهم من حق، أي أنه معصوم منصوص العصمة(٢١١).
وكلامه باطل من عدّة جهات:
١- أن الرواية التي ورد فيها أن اليماني (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) رواية ضعيفة السند كما سيأتي بيانه، فلا يصح إثبات العصمة التي هي من المقامات الدينية الخطيرة برواية ضعيفة السند لا يثبت بها مستحب فضلاً عن العصمة التي هي من أصول العقائد.
٢- أن العصمة في الاصطلاح هي: لطف خفي يفعله الله تعالى بالمكلّف، بحيث لا يكون له داعٍ إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية مع قدرته على ذلك(٢١٢).
أو هي كون الشخص بحيث لا ينقدح في نفسه الزكيّة الميل إلى ارتكاب الحرام والاستمرار على المكروه أو ترك الوظيفة الشرعية، ولازم ذلك علمه بالوظائف والوقائع وأحكامها من الحِلّ والحرمة والواجب وغيره(٢١٣).
أما زعم اﻟﮕﺎطع أن المعصوم هو الذي لا يخطئ فيُدخل الناس في باطل أو يُخرجهم من حق، فهو معنى مغاير للمعنى الاصطلاحي المعروف للعصمة، وإنما قال به هذا اﻟﮕﺎطع وأتباعه لأنهم لا يستطيعون أن يثبتوا العصمة بمعناها المعروف لأحمد إسماعيل ﮔﺎطع الذي له تسجيلات منشورة في موقع أنصاره مملوءة بأخطاء لغوية كثيرة، بل أخطاؤه في قراءة آيات من القرآن الكريم فاضحة، لا يقع فيها كثير من صبيان المسلمين، فكيف يكون معصوماً بالمعنى المعروف للعصمة؟!
ولهذا زعموا أن اﻟﮕﺎطع معصوم بهذا المعنى المستحدَث الذي فصَّلوه على مقاس إمامهم، ومع ذلك فإنه لا ينطبق على أحمد إسماعيل ﮔﺎطع؛ لأنه غير معصوم بالمعنى الذي ذكروه؛ لأن أباطيله الكثيرة وأخطاءه الفاضحة أدخلت جميع أتباعه في الباطل وأخرجتهم من الحق؛ لأنهم صدّقوه في ادّعاءاته الكثيرة الباطلة المخالفة لإجماعات الطائفة المحقّة منذ عصور الأئمة عليهم السلام إلى يومنا هذا، مثل دعواه أن الأئمة أربعة وعشرون إماماً، وأنه إمام معصوم، وأن له دعوة خاصّة به مشابهة لدعوات نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وغيرها من الدعاوى الأخرى(٢١٤) التي لا يصدِّقها إلا من غُلب على عقله، وطُبع على قلبه.
مضافاً إلى ذلك فإنّ جميع عوام المسلمين وغيرهم يُخطئون، ولكن أخطاءهم كالزنا وشرب الخمر مثلاً لا تُدخل الناس الآخرين في باطل ولا تُخرجهم من حق، فهل هم معصومون أيضاً بنظر اﻟﮕﺎطع وأنصاره؟!
وبتعبير آخر نقول: إن جميع عوام المسلمين يخطئون، واﻟﮕﺎطع أيضاً يخطئ، وعوام المسلمين لا يُدخلون الناس بخطئهم في باطل، ولا يُخرجونهم من حق، فلا فرق بينهم وبين اﻟﮕﺎطع من هذه الناحية، فلماذا صار اﻟﮕﺎطع معصوماً دون غيره من عوام المسلمين؟!
٣- أنه لا ملازمة بين الدعوة إلى الحق وبين كون الداعي إليه معصوماً، فكم من داعٍ إلى الحق وهو غير معصوم، بل إن تكليف كل مؤمن أن يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، وما فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا دعوة إلى الحق، فهل كل من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، أو يدعو إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام معصوم؟!
٤- أن الدعوة إلى الحق في الرواية مفسَّرة بما ورد فيها، وهو أن اليماني يدعو لصاحب الأمر عليه السلام، فإنه قال: (لأنه يدعو لصاحبكم)، وهذا يعني أنه يدعو للإمام المهدي عليه السلام، وهو صادق في دعوته له، لا أن كل ما يصدر عنه حق وصراط مستقيم.
٥- أنه ورد ما يشبه أمثال هذا الوصف في حق رجال أجلّاء أجمع المسلمون على عدم عصمتهم، منهم عمار بن ياسر الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (يدعوهم إلى الجنة)(٢١٥).. والدعوة إلى الجنة دعوة إلى الحق بلا شك ولا شبهة.
ومنهم: زيد الشهيد رضوان الله عليه الذي ورد في مدحه مثل ذلك، فقد روى الكليني قدس سره في (الكافي) بسند صحيح عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في حديث: ولا تقولوا: (خرج زيد)، فإن زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يَدْعُكم إلى نفسه، إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام، ولو ظهر لَوَفى بما دعاكم إليه(٢١٦).
فإن دعوته إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام هي دعوة إلى إمام زمانه، وهي دعوة إلى الحق وإلى طريق مستقيم، كما أن دعوة اليماني كذلك.
بل ورد نفس هذا التعبير في حق الشيخ المفيد قدس سره على ما ذكره الشيخ الطبرسي قدس سره في كتاب (الاحتجاج)، في التوقيع الصادر عن صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، الذي كتبه للشيخ المفيد قدس سره، وقال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، سلام الله عليك أيها الناصر للحق، الداعي إليه بكلمة الصدق(٢١٧).
ومن المعلوم أنه لم يقل أحد بعصمة عمار بن ياسر أو زيد الشهيد رضوان الله عليهما أو الشيخ المفيد قدس سره، بل أجمع المسلمون على عدم عصمتهم، ولو كانت أمثال هذه التعابير تدل على العصمة لصرّح علماء الطائفة بذلك، ونصّوا عليها في كتبهم.
قال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع بعد كلامه السابق:
وبهذا المعنى يصبح لهذا القيد أو الحد فائدة في تحديد شخصية اليماني، أما افتراض أي معنى آخر لهذا الكلام (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) فإنه يجعل هذا الكلام منهم (ع) بلا فائدة، فلا يكون قيداً ولا حداً لشخصية اليماني، وحاشاهم (ع) من ذلك(٢١٨).
وقد سعى عبد الرزاق الديراوي لشرح كلام إمامه اﻟﮕﺎطع فقال:
أما قول السيد أحمد الحسن عليه السلام بأن افتراض أي معنى آخر لكلام الإمام الباقر عليه السلام (يجعله بلا فائدة، فلا يكون قيداً ولا حداً لشخصية اليماني)، فهو واضح بعد معرفتنا أن الإمام في مقام التعريف بشخصية اليماني، وأي معنى يمكن أن يُفترض لكلامه غير ما قاله السيد أحمد الحسن عليه السلام سيشترك فيه معه غيره، أو على الأقل من الممكن أن يشترك فيه مع اليماني غيره، وبالتالي لا يكون نافعاً، لأن التعريف أو الحد ينبغي أن يكون بما يتميز به عن غيره، لا بما يشترك فيه مع الآخرين. ومن الواضح إن المعنى الذي بيّنه السيد أحمد الحسن خاص باليماني وحده، فهو يميّزه على أنه من حجج الله، وهم معروفون من خلال وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(٢١٩).
والجواب: أن قوله: (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) ليس قيداً [!] لشخصية اليماني ولا حدّا ولا تعريفاً لها؛ لأن القيد إنما يكون لأسماء الأجناس المطلقة، كتقييد رقبة بالمؤمنة في قوله تعالى: (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ) [النساء: ٩٢]، والأعلام والمعارف كزيد واليماني ونحوهما غير قابلة للتقييد كما لا يخفى على من درس علم الأصول، وكذلك الحدّ الذي هو نوع من التعريف لا يكون للأعلام كاليماني ونحوه كما هو مبيّن في علم المنطق، وعذر اﻟﮕﺎطع والديراوي الذي يناصره بالباطل أنهما لا يفهمان بديهيّات علم الأصول والمنطق، فمن الطبيعي أن يقعا في هذا الخطأ الفاحش الذي لا يقع فيه صغار طلبة العلم.
وما زعمه اﻟﮕﺎطع من أن قوله: (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم) إن دلّ على العصمة كان معرّفاً لليماني، وكان لكلام الإمام عليه السلام فائدة، وإلا فلا فائدة فيه، هذيان واضح؛ لأن هذه الجملة لا تفيد أي تعريف لشخصية اليماني، وإنما تكشف عن أن دعوته إلى الحق صادقة، وهذه فائدة مهمّة لكلام الإمام عليه السلام، ولا تتوقّف فائدة الكلام على دلالة هذه العبارة على معنى لا تدل عليه إلا بنظر اﻟﮕﺎطع وهو العصمة.
ثم إن ناظماً العقيلي أيَّد كلام إمامه اﻟﮕﺎطع بقوله:
والدعوة إلى الحق وإلى الصراط المستقيم لا يمكن أن تكون إلا من قِبَل المعصوم؛ لأن غير المعصوم محتمل الصواب والخطأ، وإذا كان محتمل الخطأ لا يكون معصوماً، ولا يسمّى أو يوصف بأنه يهدي إلى طريق أو صراط مستقيم؛ لأن الاستقامة تعني عدم الانحراف [عن] الخطأ أبداً في هداية الأمة، أي إنه لا يُدخل الأمة في ضلال ولا يُخرجهم من هدى.
وقولي بأن غير المعصوم لا يهدي إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، أي على نحو الحتم والجزم، كما هو الحال في اليماني، لا على نحو الجزئية والاحتمال، فأي إنسان ممكن أن يدعو إلى حق أو إلى الصراط المستقيم عموماً كمن يدعو الناس إلى اتّباع أهل البيت عليهم السلام، ولكن هذا الشخص لا يمكن وصفه بأنه يدعو إلى تمام الحق وإلى حقيقة الصراط المستقيم على نحو الجزم...(٢٢٠).
ولا يخفى ما في هذا الكلام من المغالطات المكشوفة؛ وذلك لأنه من الواضح جدًّا أن الدّعوة إلى الحق يمكن صدورها عن غير المعصوم الذي يمكن أن يكون جازماً بأنه على حق، ومتيقِّناً بأنه يدعو إلى الهدى بلا شك ولا شبهة، كمن يدعو إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام؛ فإنه لا شك في أنه يدعو إلى الهدى وإلى طريق مستقيم، سواء أكان معصوماً أم لم يكن.
ولهذا فإنّ جميع علماء الطائفة وعوامّها قاطعون بأن من يدعو إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام فإنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ولو كان الداعي إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام من علماء الشيعة وعوامّهم غير قاطع بأنه يدعو إلى الهدى وإلى طريق مستقيم لكانت حجّته واهية، ولكان بمقدور الخصم أن يحتجّ عليه بأنه غير قاطع بصحّة مذهبه، وإنما هو ظانٌّ بها، والظن لا يغني من الحق شيئاً.
وقول العقيلي: (لأن غير المعصوم محتمل الصواب والخطأ، وإذا كان محتمل الخطأ لا يكون معصوماً، ولا يسمّى أو يوصف بأنه يهدي إلى طريق أو صراط مستقيم) حجة عليه؛ لأن كلامه هذا يدل على أن اﻟﮕﺎطع غير معصوم؛ لأنه وقع في الأخطاء الفادحة المكشوفة في قراءة القرآن كما يظهر من التسجيلات المنشورة في موقع أنصاره، فعلى هذا لا يمكن أن يكون معصوماً؛ لأننا لا نحتمل فيه الصواب والخطأ، بل نقطع بخطئه، فعلى ما قاله العقيلي لا يمكن ﻟﻠﮕﺎﻃﻊ أن يهدي إلى طريق مستقيم.
وتعليل العقيلي دعواه بأن (غير المعصوم محتمل الصواب والخطأ، فلا يوصف بأنه يهدي إلى طريق أو صراط مستقيم) واضح البطلان؛ لأن غير المعصوم إذا دعا إلى ما دعا إليه المعصوم عليه السلام مما قام الدليل القطعي على صحّته، كالتوحيد، والنبوة، وإمامة أهل البيت عليهم السلام ونحو ذلك فإنه لا يحتمل فيه الخطأ، فيصح وصفه بأنه يدعو إلى طريق مستقيم بنحو الجزم كما هو واضح.
وزعمه (أن الاستقامة تعني عدم الخطأ أبداً في هداية الأمة، أي إنه لا يُدخل الأمة في ضلال، ولا يُخرجهم من هدى) حجّة عليه لا له؛ لأن ما قاله ينطبق على من يدعو الناس إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام، فإنه بهذه الدعوة غير مخطئ أبداً في هداية الأمّة، ويمكن وصفه بأنه لم يُدخل الأمّة في ضلال، ولم يُخرجها من هدى، بل يصحّ وصفه بما هو أفضل من ذلك؛ وهو إخراج بعض الناس من الضلال وإدخالهم في الهدى مع أنه غير معصوم، مثل كثير من علماء الطائفة قدّس الله أسرارهم الذين صرفوا أعمارهم الشريفة في هداية الناس إلى مذهب أهل البيت عليهم السلام مع أنهم لا يدّعون لأنفسهم العصمة.
 وأما قوله: (إن غير المعصوم لا يهدي إلى الحق وإلى الصراط المستقيم، أي على نحو الحتم والجزم، كما هو الحال في اليماني، لا على نحو الجزئية والاحتمال) فهو واضح الفساد؛ لأن المذكور في الرواية أن اليماني يدعو إلى الحق، ولم يوصف فيها بأنه يهدي إلى الحق، وبينهما فرق واضح، وما زعمه العقيلي من أن الهداية لا بدّ أن تكون على نحو الجزم لا يظهر من الرواية، فحال اليماني حال غيره ممن يدْعون إلى الحق، خصوصاً أن اليماني يدعو إلى حقّ مخصوص كما قلنا، وهو أنه يدعو إلى الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ودعوته له عليه السلام بنحو الجزم لا تجعله متميِّزاً على كثير من الشيعة الذين يدْعون إلى الإمام المهدي عليه السلام أو إلى حقّ أهل البيت عليهم السلام بنحو الجزم أيضاً، إذ لا يستلزم من ذلك أن يكونوا معصومين أو أنه يجب اتّباعهم مطلقاً.
وقوله: (فأي إنسان ممكن أن يدعو إلى حقّ أو إلى الصراط المستقيم عموماً كمن يدعو الناس إلى اتّباع أهل البيت عليهم السلام، ولكن هذا الشخص لا يمكن وصفه بأنه يدعو إلى تمام الحق وإلى حقيقة الصراط المستقيم على نحو الجزم) اعتراف صريح بأن كل شخص يدعو إلى أهل البيت عليهم السلام فإنه يدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وهذا كافٍ في الدلالة على بطلان دليلهم على عصمة اليماني الذي لم يوصف هو الآخر في الرواية التي يحتجّون بها بأنه يدعو إلى تمام الحق وإلى حقيقة الصراط المستقيم، وإنما ورد في الرواية أنه (يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، فحال اليماني حال غيره ممن يدْعون إلى صاحب الأمر عليه السلام، فكما أن الدعاة إليه عليه السلام غير معصومين فإن اليماني كذلك.
ثم إن ناظماً العقيلي قال:
أما اليماني فقد وُصف بنصّ كلام الطاهرين بأنه: (يدعو إلى الحق...)، والحق هنا محلّى بـ (ال) مما يفيد كل الحق المطلوب لهداية الناس، واليماني مأمور باتّباعه ونصرته على نحو الإطلاق، وكذلك منهيّ عن الالتواء عليه على نحو الإطلاق، فإذن هو يدعو إلى الحق قولاً ومنهجاً وفعلاً على نحو الحتم والجزم لا على نحو الجزئية أو الاحتمال... الخ(٢٢١).
وكلامه هذا - كسائر كلامه الآخر - واضح الفساد لكل من تأمّله، فإن نسبة هذا الحديث إلى الطاهرين عليهم السلام غير جائزة؛ لأن هذه الرواية ضعيفة السند، والأئمة الأطهار عليهم السلام أمروا شيعتهم بالأخذ بما رواه الثقات عنهم، دون ما نسبه إليهم الكذّابون والمنحرفون والمجاهيل، وهذه الرواية في سندها الحسن بن علي بن أبي حمزة، وهو مطعون فيه في كتب الرجال، وسيأتي مزيد بيان في ذلك، فلا يحل لمؤمن أن ينسب هذه الرواية وغيرها مما رواه هذا الرجل وغيره من الكذّابين والمجاهيل إلى الأئمة الأطهار عليهم السلام.
ولو أغمضنا عن ضعف سندها فإن (ال) في كلمة (الحق) من قوله: (يدعو إلى الحق) ليست استغراقية، فلا تدل على أن اليماني يدعو إلى كل حقّ مطلوب لهداية الناس من العقائد والأحكام والسنن والآداب وغيرها من معارف الشريعة كما زعم العقيلي، وإنما هي عهدية، تدل على حقّ معهود مذكور في نفس الرواية، وهو أنه يدعو إلى صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف لا أكثر، ولا يوجد في الرواية أي قرينة تدل على أن (ال) استغراقية، وناظم العقيلي لأنه لا يفهم قواعد علم الأصول، فإنه خلط بين (ال) الداخلة على اسم الجنس مثل كلمة (حق) التي لا تفيد الاستغراق إلا بالقرينة، وبين (ال) الداخلة على الجمع، مثل (علماء) التي تدل على العموم، فتوهّم أن (ال) في (الحق) تدل على العموم، ولذلك قال: (إنها استغراقية)، ورتَّب على ذلك القول بدلالة الرواية على أن اليماني يدعو إلى تمام الحق، لا إلى شيء من الحق!!
وقوله: (واليماني مأمور باتباعه ونصرته على نحو الإطلاق، وكذلك منهيّ عن الالتواء عليه على نحو الإطلاق) غير صحيح؛ لأنه لم يدل أي دليل على أنه يجب اتّباع اليماني ونصرته على نحو الإطلاق، حتى رواية البطائني التي هي ضعيفة السند لم تدل على وجوب اتّباع اليماني أو نصرته، وأكثر ما دلّت عليه هذه الرواية هو أنه لا يجوز الالتواء عليه، أي لا تجوز محاربته وإفشال حركته، وأما ما عدا ذلك فلا دلالة فيها عليه كما سيأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى.
ولو سلّمنا بدلالة هذه الرواية على ما ادّعاه العقيلي فإنه لا يصحّ أن نستنبط عقيدة من العقائد أو حكماً شرعيًّا برواية ضعيفة السند كهذه الرواية كما لا يخفى.
مقام اليماني قبل الخروج:
لا يتّضح من مجموع الروايات التي تحدّثت حول اليماني أن له مقاماً علميًّا أو اجتماعيًّا قبل خروجه، فإن الروايات ساكتة عن بيان ذلك، وهذا يجعلنا لا نجزم في هذا الأمر بشيء؛ لأنه ربما يكون من أصحاب المقامات العلميّة أو النفوذ الاجتماعي على المستوى المحلي أو على الصعيد الشيعي، وربما لا يكون كذلك، بل ربما يكون في واقعه رجلاً مغموراً غير معروف على أي من هذين الصعيدين، فإن غاية ما دلّت عليه الروايات أنه سيكون من علامات الظهور، وأما شأنه قبل ذلك فلم تتعرّض له الروايات من قريب أو بعيد.
وقد استفاد بعض الباحثين من خلال تحذير الشيعة من الالتواء عليه كما دلّت عليه الرواية التي أشرنا إليها قبل قليل، والتي رواها النعماني في كتاب (الغيبة) عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام، وهي رواية طويلة جاء فيها أنه عليه السلام قال:
وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه؛ فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم(٢٢٢).
استفاد هذا الباحث أن اليماني سيكون من أصحاب الشأن والبروز، حيث قال:
من خلال إلزام المؤمنين بالطاعة له وعدم الالتواء عليه - كما في الرواية المارّة آنفاً - تبرز الشأنيّة الاجتماعيّة للرجل، وأنه من أصحاب الشأن قبل حصول معركة قرقيسيا، فالإلزام بالطاعة عادة لا يتحصّل لعدم المتصدّين للعمل العام، والتصدّي يعني البروز الشأني له، ولعل الرواية واضحة في وجود أتباع له قبل خروجه بالشكل الذي يجد في نفسه أهليّة التصدّي لمثل السفياني(٢٢٣).
وهذا الكلام مردود بعدّة أمور:
١- أن الرواية المشار إليها مضافاً إلى ضعف سندها فإنها لا تدل على وجوب طاعة اليماني ولزوم الانضمام إلى جيشه كما سنبيّنه قريباً، ونحن وإن كنا لا نرى التدقيق السندي في روايات الفتن وعلامات الظهور كما أن الباحث المذكور كذلك؛ لأن الأمر لا يتعلّق بإثبات تكليف شرعي أو حكم إلزامي، إلا أن الحكم في هذه الرواية مختلف؛ إذ لا يصح أن نستفيد من هذه الرواية الضعيفة السند حكماً إلزاميًّا بوجوب نصرة اليماني حين خروجه، وسنتحدّث حول هذا الأمر في البحوث الآتية إن شاء الله تعالى.
٢- بعد الغض عن سند الرواية فإنها لم تدل على وجوب طاعة اليماني مطلقاً، وإنما ورد فيها الأمر بنصرته، وعُلّل ذلك فيها بأنه يدعو إلى الحق، ولا شكّ في أن كل من يدعو إلى الحق فهو مأمور بنصرته إما بنحو الوجوب أو الاستحباب، ولكن لا يلزم من ذلك وجوب طاعته في غير ما يتعلّق بالنصرة.
ولو سلّمنا بوجوب طاعة اليماني فإن الإلزام بالطاعة لا ينحصر عادة في المتصدّين للعمل العام؛ لأن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام لا تخدعهم العناوين التي ربما تخدع كثيراً من الناس، ومن نافلة القول أن نذكر أنهم عليهم السلام إذا أمروا بطاعة رجل في واقعةٍ فأمرهم بذلك لا يكون إلا لمصالح مهمّة ربما تخفى على أكثر الناس، والأمثلة على ذلك واضحة وكثيرة في الحوادث التي وقعت في حياة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، ومن أوضحها أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجوه المهاجرين والأنصار بطاعة أسامة بن زيد لما أمَّره عليهم في السَّرِيّة التي عُرفت بسريّة أسامة، مع أن أسامة لم يكن معروفاً في ذلك الوقت بالتصدّي للعمل العام، لا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا بعده.
٣- لو سلّمنا أن الأمر بالطاعة منحصر عادة في المتصدّين للعمل العام، فإن هذا لا يجعلنا نجزم بأن اليماني كان متّصفاً بهذه الصفة؛ لأن حصول ذلك بحسب العادة لا يجعلنا نقطع بوقوعه في كل حالة.
ثم إن الباحث المذكور رجّح في كلامه أن يكون اليماني تابعاً وفيًّا للمرجعية الدينية الهادية ومطيعاً لها في كل تحرّكاته، فقال:
ولهذا، فهو إما من أهل الشأنية العلمية العالية بحيث توصله إلى مقام المرجعية، وهو مما لا نجد عليه دليلاً قويًّا في الروايات الواردة بحقّه...
ولهذا، فإن احتمال كونه متّبعاً وفيًّا للمرجعية هو الذي يرجّح في هذا المجال، بل هو الضروري هنا؛ لأن الالتزام بالمرجعية ليس عملاً ترفيًّا، بل هو عين الالتزام بمنهج الإمام عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، حتى يكون حديث الإمام المتقدّم عن وجوب نصرته وعدم الالتواء عليه مستمد [كذا] من التبعية والطاعة للمرجعية، سواء كان مرجعاً أم كان متّبعاً، فإن تصرّفاته في كل الأحوال لا تخرج عن طوع المرجعية الدينية الهادية(٢٢٤).
وكلا الاحتمالين المذكورين وإن كانا في أنفسهما ممكنين لا يستحيل تحقّقهما، ولا سيما أن المؤمن في عمله بالأحكام الشرعيّة إما أن يكون مجتهداً أو مقلِّداً، إلا أن الكلام في أن خروج اليماني هل سيكون بإملاء المرجعية وبتوجيهاتها، أم لا؟
لا شك في أن هذا لا نعلمه، والروايات لم تدل على شيء من ذلك، ولم تشر إليه لا من قريب ولا من بعيد، ومن الواضح أنا نتكلّم عن خروج اليماني، ولا نتكلّم عن عمله بالأحكام الشرعية التي يلزم فيها أن يكون إما مجتهداً أو مقلّداً، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن الخروج في الوقت المعيّن من الموضوعات الخارجية التي لا يجب فيها التقليد، وأن هذا الخروج المعيَّن إنما هو من أجل الدعوة إلى الحق، أو الدعوة إلى الإمام المهدي عليه السلام والقيام بنصرته الذي لا يحتاج فيه المؤمن لأخذ التوجيهات من المرجعيّة الدينيّة.
ومما قلناه يتبيَّن أن طرح الاحتمالات فيما يتعلّق بخروج اليماني مما لم تشر إليه الروايات لا يفيد في شيء؛ لأن الاحتمالات لا حدّ لها، والاحتمال الذي لا دليل عليه لا قيمة له، بل ربما يكون طرحه سبباً للتضليل وضياع الحقائق، ولا سيما أن بعض المغرضين وأصحاب المطامع كأحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره يمكن أن يستفيدوا من بعض تلك الاحتمالات استفادة سيّئة، بل يحاولوا أن يحوّلوها في نظر الجهّال والمغفّلين إلى حقائق، ويسعوا لطرح أوهام وتمويهات يزعمون أنها أدلة تدل على تلك الاحتمالات الواهية.
وفهمي القاصر لم يتوصّل إلى معرفة السبب الذي لأجله صار احتمال كون اليماني متّبعاً وفيًّا للمرجعية راجحاً بل ضروريًّا؟! فإنا لا ندري بملابسات ذلك الزمان، وإذا كان هناك مجال لطرح الاحتمالات فيمكن لنا أن نقول: إن اليماني ربما يتلقّى تعليماته حينئذ مباشرة من الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، أو من أحد وكلائه الخاصّين، أو ربما يخرج اليماني بإلهام من الله تعالى، كما يُلهَم المؤمن التقي في بعض أموره المهمّة، فإن المؤمن ينظر بنور الله تعالى كما ورد في الخبر(٢٢٥)، أو ربما يخرج اليماني من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين يرى البلاء قد عمّ، والفتن قد استشرت، أو غير ذلك من الاحتمالات الكثيرة التي وإن لم يقم عليها أي دليل صحيح بخصوصها، إلا أن وجود أمثال هذه الاحتمالات يدفع الحصر في أن اليماني يتلقّى تعليماته من المرجعيّة الدينية، فهو وإن كان محتملاً كما قلنا إلا أنا لا نستطيع أن نجزم به؛ لعدم الدليل عليه.
ومما قلناه يتبيّن أنه من الخطأ الكبير أن نطبّق ملامح عصرنا الحاضر بجميع بصماته وملابساته على عصر الظهور، والسير في هذا المسلك هو الذي أوقع بعض الباحثين في الخطأ في كثير من نتائج بحوثهم التي توصّلوا إليها.
ثم إن الباحث المذكور ذهب إلى أن اليماني لا بدّ أن يكون معروفاً في الأمّة قبل خروجه من خلال تعبئته للأمة عقائديًّا وفكريًّا، بِحَدٍّ يجعله يأخذ شهرة واسعة في المجتمع الشيعي، حيث قال:
فقد تحدّثت الروايات عن تزامن خروجه مع خروج السفياني والخراساني، وهذا الخروج هو خروج السلاح والحرب، ولكن هذا لا يعني أنه قبل هذا الخروج ليس في المصاف القيادي المتقدّم للأمّة، بمعنى أن تربيته لجنده، وما يُعرف عنه في الأمّة منذ البداية لن يتركّز على السلاح ومنطقه، ولكن سيُعرف من خلال تعبئته للأمّة مستفيداً من الحرص على بنائها العقائدي، وهو حسب ما يبدو سيأخذ شهرة واسعة في هذا المجال، بالشكل الذي سيسهم بجعل خروجه مقبولاً ومؤيَّداً من قبل قاعدة اجتماعية عريضة تمكّنه من أن يكون ندًّا لدوداً للسفياني الملعون... وإنما يحتمل أن يبرز في عالم السياسة كداعم لكل أمر فيه قوّة للمؤمنين، وقد يلج إلى هذا العالم من أجل هذا الهدف بالذات(٢٢٦).
ومن الواضح أن كل هذه الأمور لا تعدو كونها ظنوناً واحتمالات لا أكثر، وهي وإن كانت غير مستحيلة في حدّ ذاتها، إلا أنها لا دليل عليها، ويبدو أن الباحث المذكور يجزم بأن كل رجل لا يمكن أن يشكّل جيشاً فاعلاً يستطيع أن يواجه به جيشاً قويًّا آخر كجيش السفياني إلا إذا كانت له قاعدة جماهيرية سابقة يتمكّن بها من جمع الجنود وتهيئة السلاح، وهذا غير صحيح؛ فإن الروايات تحدّثت عن السفياني، ووصفت ولعه بسفك دماء الشيعة، وبيّنت قوة جيشه، مع أن الظاهر من بعضها أنه سيخرج فجأة ومن دون إعداد مسبق، أو قاعدة جماهيرية عريضة سابقة لظهوره.
فقد روى النعماني في الغيبة بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا اختلف الرمحان بالشام لم تنجل إلا عن آية من آيات الله. قيل: وما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: رجفة تكون بالشام، يهلك فيها أكثر من مائة ألف، يجعلها الله رحمة للمؤمنين وعذاباً على الكافرين، فإذا كان ذلك فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب المحذوفة والرايات الصفر تقبل من المغرب حتى تحلّ بالشام، وذلك عند الجزع الأكبر والموت الأحمر، فإذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من دمشق يقال لها حرستا، فإذا كان ذلك خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس حتى يستوي على منبر دمشق، فإذا كان ذلك فانتظروا خروج المهدي عليه السلام(٢٢٧).
ولا يخفى أن جمع الجنود والمحاربين ربما لا يحتاج إلى إعداد عقائدي مسبق من قبل القائد بالخصوص كما نلاحظه في هذا الزمان في التنظيمات العسكرية التي تشكّلت في سوريا بسرعة كالجيش الحر وجبهة النصرة وداعش وغيرها، فإنها لم تُعَدّ إعداداً عقديًّا مسبقاً من قبل قادة هذه التنظيمات، وإنما اجتمع المحاربون تحت هذه الألوية على هدف واحد، وهو إسقاط النظام، أو تشكيل دولة (إسلامية) في العراق والشام، وربما كان بعضهم مختلفاً مع بعضهم الآخر في العقيدة الدينية، أو ربما كان هؤلاء قد جمعتهم عقيدة واحدة، ولكن عقيدتهم لم تُعَدّ من قبل قادة التنظيم، وإنما كانت معدّة مسبقاً، مثل السلفيين الذين انضموا إلى داعش وجبهة النصرة، فإنهم إنما انضموا إلى هذين التنظيمين لأجل أن عقيدتهم مع غيرهم من المشتركين في التنظيم واحدة.
وهكذا الحال في أنصار اليماني، فإنهم ربما لا يحتاجون إلى إعداد عقدي من قِبَل اليماني نفسه؛ لأنهم قد تمَّ إعدادهم سلفاً، ولا يحتاجون إلى مزيد من الإعداد، كغيرهم من الشيعة الذين يعيشون في الحواضر الشيعية، العارفين بالعقيدة الشيعية، والمطّلعين على الأخبار التي عرفوا بها سلامة حركة اليماني، وعرفوا أن رايته راية هدى، فانضموا إليه، وخرجوا لنصرته.
هل تجب نصرة اليماني؟
ربما يخطر بالبال أن راية اليماني إذا كانت راية هدى، بل أهدى الرايات في عصر الظهور المقدّس، فمن الطبيعي أنه يجب على جميع المؤمنين الانضواء تحت هذه الراية، ونصرة اليماني المعهود في حركته.
إلا أن التأمّل الصحيح يقضي بخلاف ذلك؛ فإن بعض حوادث التاريخ دلّت على أنه لا ملازمة بين كون الراية راية هدى، وبين وجوب أو استحباب الانضمام إليها، فإن راية زيد الشهيد كانت راية هدى، ولكن الإمام الصادق عليه السلام لم يأمر الشيعة بالانضواء تحت هذه الراية، رغم أنه روي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال في حقّه: ولا تقولوا: (خرج زيد)، فإن زيداً كان عالماً، وكان صدوقاً، ولم يدْعُكم إلى نفسه، إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه(٢٢٨).
ولعل السبب في ذلك هو أن الإمام الصادق عليه السلام كان يعلم أن زيداً رضوان الله عليه سيُقتل، وستُجهض حركته، فلم تكن هناك مصلحة في أن يُقحم الإمام عليه السلام شيعته في حركة فاشلة.
وأهم ما استدلَّ به اﻟﮕﺎطع وأتباعه على وجوب نصرة اليماني هو الرواية التي رواها النعماني في كتاب (الغيبة) بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام، وهي رواية طويلة، قال فيها: وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه؛ فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم(٢٢٩).
وهذه الرواية لا بدّ من النظر فيها من جهتين: من جهة سندها ودلالتها؛ ليكون القارئ العزيز على بيّنة تامّة، وليعلم أنه لا يصحّ الاحتجاج بهذه الرواية على وجوب نصرة اليماني أو عصمته أو إمامته كما يدّعيه اﻟﮕﺎطع وأنصاره!!
سند الرواية الدالة على نصرة اليماني:
الرواية التي ذكرناها آنفاً ضعيفة السند، فإن في سندها: الحسن بن علي بن أبي حمزة، وهو ضعيف.
قال النجاشي: هو الحسن بن علي بن أبي حمزة، مولى الأنصاري، كوفي، ورأيت شيوخنا رحمهم الله يذكرون أنه كان من وجوه الواقفة(٢٣٠).
وقال ابن الغضائري: إنه واقف ابن واقف، ضعيف في نفسه، وأبوه أوثق منه. وقال علي بن الحسن بن علي بن فضال: إني لأستحيي من الله أن أروي عن الحسن بن علي، وحديث الرضا عليه السلام فيه مشهور(٢٣١).
وقال الكشي قدس سره:
محمد بن مسعود قال: سألت علي بن الحسن بن فضال، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، فقال: كذّاب ملعون، رَويتُ عنه أحاديث كثيرة، وكتبتُ عنه تفسير القرآن كلّه من أوّله إلى آخره، إلا أني لا أستحلّ أن أروي عنه حديثاً واحداً(٢٣٢).
وقال أيضاً: محمد بن عبد الله بن مهران غالٍ، والحسن بن علي بن أبي حمزة كذّاب(٢٣٣).
وأبوه الموجود في السند هو من سنَّ الوقف، ولعنه الإمام الرضا عليه السلام، وحكم عليه أنه من أهل النار.
وعليه، فهذه الرواية ضعيفة السند، لا يمكن الاعتماد عليها في حكم شرعي إلزامي كالجهاد ووجوب القتال تحت راية اليماني أو غيره.
وقد حاول ناظم العقيلي جاهداً أن يوثّق هذا الرجل لكي يُصحِّح العمل بروايته هذه، فقال:
نقل توثيقه وتضعيفه الشيخ علي النمازي الشاهرودي في مستدركات علم رجال الحديث: ج ٢ ص ٤٣٤ - ٤٣٥، برقم ٣٦٨٨ قائلاً:
(الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني: واسم أبي حمزة سالم، من وجوه الواقفية، كذّاب ملعون، قاله علي بن الحسن بن فضال على ما نقله كش عن محمد بن مسعود، وله كتب، وكان أبوه قائد أبي بصير. ونقل العلّامة المامقاني عن العلّامة المجلسي الأول: أن الطعون باعتبار مذهبه الفاسد، ولذا روى عنه مشايخنا لثقته في النقل. انتهى.
واستبعد العلّامة النوري في (المستدرك: ج ٣ ص ٥٨٨) كونه كذّاباً أي في غير ما يرجع إلى مذهبه لرواية البزنطي عنه الذي لا يروي إلا عن ثقة، وهو من أصحاب الإجماع، وكذا رواية الأجلاء عنه، وعدَّ منهم سبعة، وتلقّى الأصحاب رواياته بالقبول. وذكره الصدوق في مشيخة الفقيه في صواحب الأصول المعتمدة التي استخرج منها كتابه، وروى كتابه إسماعيل بن مهران، وهو راوي تفسير النعماني الملخّص في أول تفسير القمي، والسيد علم الهدى اختصره، ويُعرف برسالة المحكم والمتشابه، والشيخ الجليل سعد بن عبد الله، ثم قال: إن صوّبنا راميه فلا بدّ من توجيهه في كذب دعواه في مذهبه.
أقول: ويشهد على ذلك قول راميه علي بن الحسن بن فضال: رويتُ عنه أحاديث كثيرة. وبالجملة له كتب، منها: كتاب الدلائل، وكتاب الفضائل، وكتاب فضائل القرآن، وغير ذلك...) انتهى.
أقول: إن الطعن الموجَّه إلى الحسن بن علي بن أبي حمزة هو لوقفه، لا لأنه غير معتمد في الرواية، وتوهّم البعض أنه لضعف روايته، ولذلك نجد أنه روى عن الثقاة ورووا عنه، بل روى عنه أصحاب الإجماع الذين قال عنهم الشيخ الطوسي بأنهم لا يروون إلا عن ثقة، فقد روى عنه البزنطي وغيره من الثقاة، وما يؤكِّد ذلك أمور، منها:
أ- إن الشيخ الطوسي ذكره من أصحاب الكتب والأصول، ولم يتعرّض لذمّه أو تضعيفه أصلاً، راجع الفهرست: ص ١٠١، برقم ١٧٨.
ب- وقع في إسناد روايات تفسير القمي وكامل الروايات [كذا]، الذين [كذا] شهدا بأنهما لا يروون فيهما إلا عن الثقاة، ونقل ذلك الخوئي عن الحرّ العاملي وارتضاه، بل جعله دليلاً على توثيق من لم يوثَّق، ولكن الخوئي في الحسن بن أبي حمزة تردَّد في توثيقه في كلام طويل انتهى بعدم توثيقه، والمهم أنه اعترف بوقوعه في إسناد تفسير القمي وكامل الزيارات، راجع معجم رجال الحديث: ج ٦ ص ١٩-٢٠.
ج- كلام الميرزا النوري ودفاعه عن وثاقته في النقل، على ما نقله الشيخ علي النمازي كما تقدّم.
د- توثيق العلّامة المجلسي الأول له على ما نقله الشيخ النمازي كما تقدّم وهو كالآتي:
(أن الطعون باعتبار مذهبه الفاسد، ولذا روى عنه مشايخنا لثقته في النقل).
هـ - اعتماد الشيخ الصدوق رحمه الله على كتاب الحسن بن علي بن أبي حمزة في كتاب من لا يحضره الفقيه، ومن المعلوم أن الشيخ المفيد [كذا] اعترف جازماً في مقدّمة كتابه بأنه يعتمد فقط على الكتب المعتبرة التي إليها المرجع وعليها المعوّل، وإليكم نصّ كلامه مختصراً:
(... وصنّفت له هذا الكتاب بحذف الأسانيد لئلا تكثر طرقه وإن كثرت فوائده، ولم أقصد فيه قصد المصنّفين في إيراد جميع ما رووه، بل قصدت إلى إيراد ما أفتي به، وأحكم بصحّته، وأعتقد فيه أنه حجّة فيما بيني وبين ربي - تقدّس ذكره وتعالت قدرته - وجميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة، عليها المعوّل وإليها المرجع، مثل كتاب حريز بن عبد الله السجستاني وكتاب عبيد الله بن علي الحلبي... إلى قوله: وغيرها من الأصول والمصنّفات التي طرقي إليها معروفة في فهرس الكتب التي رويتها عن مشايخي وأسلافي رضي الله عنهم، وبالغت في ذلك جهدي، مستعيناً بالله، ومتوكّلاً عليه، ومستغفراً من التقصير، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت وإليه أنيب، وهو حسبي ونعم الوكيل) من لا يحضره الفقيه: ج ١ ص ٢ - ٤.
وقد ذكر في مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه طريقه إلى كتاب (الحسن بن علي بن أبي حمزة) قائلاً: (وما كان فيه عن الحسن بن علي بن أبي حمزة فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن عمّه محمد بن القاسم، عن محمد بن علي الصيرفي، عن إسماعيل بن مهران، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني) من لا يحضره الفقيه: ج ٤ ص ٥١٨.
وبعد كل ما تقدّم يكون الحسن بن علي بن أبي حمزة موثّقاً في النقل والرواية، ومعتمداً عليه وإن كان واقفيًّا، فكم من واقفي أو فطحي أو ما شابه يعتمد عليه القوم، وعلى ذلك يكون حديثه من صنف (الموثَّق)، وهو حجّة ومعمول به على المشهور المنصور، حسب قواعد القوم(٢٣٤).
والجواب عنه: ١- أن المعوَّل في التوثيق والتضعيف على ما قاله قدماء الرجاليّين، كالنجاشي، والكشي، وابن الغضائري وغيرهم، وهؤلاء الثلاثة وغيرهم أطبقوا على تضعيف الحسن بن علي بن أبي حمزة، فكيف نتجاوزهم إلى غيرهم؟
وأما اجتهادات المتأخّرين كوالد الشيخ المجلسي قدس سرهما والشيخ النمازي وغيرهم فلا تكون حجّة على غيرهم من العلماء.
٢- لا يخفى أن تضعيف هؤلاء الأعلام لهذا الرجل إنما كان لأجل كذبه كما نصّوا على ذلك، وزَعْم أن تضعيفهم لأجل مذهبه غير صحيح؛ لأن النجاشي والكشي والشيخ الطوسي قدَّس الله أسرارهم لا يضعّفون الرجال لأجل مذاهبهم، ولهذا وثّقوا كثيراً من الواقفية والفطحية وغيرهم، مثل سماعة بن مهران، وعبد الكريم بن عمرو، وداود بن الحصين، وإبراهيم بن عبد الحميد، والحسن بن محمد بن سماعة، وزرعة، وحنان بن سدير، وعلي بن الحسن الطاطري وغيرهم، وهؤلاء كلهم مع أنهم من الواقفية، إلا أنهم نصّوا على وثاقتهم، ولم يضعّفوهم لمذهبهم.
وقد ذكر الشيخ الطوسي قدس سره أن الطائفة عملت بأخبار الفطحيّة والواقفيّة إذا كان الراوي متحرِّجاً في روايته وموثوقاً في أمانته، فقال:
وإذا كان الراوي من فرق الشيعة مثل الفطحيّة والواقفة والناووسيّة وغيرهم نُظِرَ فيما يرويه: فإن كان هناك قرينة تعضده، أو خبر آخر من جهة الموثوقين بهم، وجب العمل به.
وإن كان هناك خبر آخر يخالفه من طريق الموثوقين، وجب إطراح ما اختصّوا بروايته والعمل بما رواه الثقة. وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه، ولا يُعرف من الطائفة العمل بخلافه، وجب أيضاً العمل به إذا كان متحرِّجاً في روايته موثوقاً في أمانته، وإن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد. ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية، مثل عبد الله بن بكير وغيره، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضّال، وبنو سماعة، والطاطريون وغيرهم فيما لم يكن عندهم فيه خلافه(٢٣٥).
٣- لو سلّمنا أن تضعيف هؤلاء الأعلام للحسن بن علي بن أبي حمزة لأجل مذهبه، لا لأجل كذبه في الرواية، فهذا لا يفيد اﻟﮕﺎطع وأتباعه؛ لأنه لا بدّ حينئذ من توثيقه ليصحّ الاحتجاج بروايته، فإن الحكم بأن تضعيفه لأجل مذهبه لا يكفي في الحكم بوثاقته، بل لا بدّ من التنصيص عليها، ولم أطّلع على أن واحداً من الرجاليين القدماء نصّ على وثاقته.
قال المامقاني قدس سره معترضاً على توثيق المجلسي الأول قدس سره لهذا الرجل:
فلا وجه بعد ذلك كله لقول المجلسي الأول: (إن الطعون باعتبار مذهبه الفاسد، ولذا روى عنه مشايخنا لثقته في النقل) انتهى، فإن كونه ثقة في النقل مما لم ينطق به أحد قبله، وكيف يُوْثَق بنقل المرمي بالسوء والكذب والملعونية وعدم استحلال رواية حديث واحد عنه؟!(٢٣٦).
٤- أن استبعاد الميرزا النوري قدس سره كون التضعيف لكذبه في غير محله؛ لأن روایة البزنطي عنه الذي لا یروي إلا عن ثقة إنما تكون دليلاً على الوثاقة إذا لم يُنَص على أن الراوي ضعيفاً أو كذّاباً، وروایة الأجلّاء عنه لا تفيد الوثاقة فضلاً عن أن تكون مقدَّمة على تضعيف الرجاليين له، وتلقّي الأصحاب روایاته بالقبول لا يستلزم الحكم بالوثاقة والعمل بجميع رواياته؛ لأن قبول الرواية أعمّ من الحكم بوثاقة الرواة؛ فإن الرواية ربما تكون مقبولة لحصول الوثوق بها لأسباب متعدّدة لا لوثاقة رواتها.
ومجرّد الرواية في الكتب لا تدل على قبول الرواية؛ لأن كثيراً من مصنّفي كتب الأحاديث غايتهم هو جمع الأحاديث مطلقاً، لا جمع خصوص الأحاديث المقبولة عندهم فقط. وذِكْر الصدوق قدس سره للحسن بن علي بن أبي حمزة في مشيخة الفقيه لا يستلزم توثيقه له؛ لأن غرضه قدس سره من المشيخة هو بيان طرقه إلى الرواة الذين روى عنهم في كتابه، ولا سيما أن الشيخ الصدوق ذكر في مقدّمة كتابه أنه استخرج جميع ما في كتابه من الكتب المشهورة التي عليها المعوَّل وإليها المرجع(٢٣٧)، وهذا لا يستلزم توثيق جميع رواة أحاديث كتابه، فإنه لم يصرّح بذلك، ولا سيما أن بعضهم كالحسن بن علي بن أبي حمزة نُصّ على أنه كذّاب، ولو سلّمنا أن الشيخ الصدوق وثَّق جميع رواة كتابه (من لا يحضره الفقيه)، فإن توثيقه معارَض بتضعيف غيره، ولا ترجيح لقوله على قول ثلاثة من كبار الرجاليين، وهم النجاشي والكشي وابن الغضائري.
وأما رواية علي بن الحسن بن فضال أحادیث كثيرة عنه فلا شاهد فيه على أنه ضعَّفه لأجل مذهبه؛ لاحتمال أنه كان يرى وثاقته فروى عنه أحاديث كثيرة، ثم انكشف له كذبه بعد ذلك، فلم يستحل أن يروي عنه شيئاً، ويدل على ذلك تصريحه بأنه كذَّاب ملعون.
وأما زعم العقيلي أن الشيخ الطوسي قدس سره ذكر أنه من أصحاب الكتب والأصول، ولم یتعرّض في كتابه (الفهرست) لذمّه أو تضعيفه أصلاً، فإنه لا يفيد العقيلي في شيء؛ لأن المطلوب هو التنصيص على وثاقته، مع أن الشيخ الطوسي قدس سره لم يذكر أن هذا الرجل له أصل، بل ذكر أن له كتاباً، وهذا لا يدل على وثاقته بأي دلالة.
وأما وقوع هذا الرجل في أسانيد روایات (تفسير القمي) و(كامل الزيارات) فلا يدل على وثاقته حتى لو قلنا: إن وقوع الراوي في أسانيد هذين الكتابين يدل على الوثاقة؛ وذلك لأن هذا الراوي طعن فيه الرجاليّون بأنه كذّاب.
ولهذا قال المحقّق السيّد الخوئي قدس سره: الرجل وإن وقع في أسناد كامل الزيارات وفي أسناد تفسير القمي كما يأتي إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليه بعد شهادة علي بن الحسن بن فضال بأنه كذّاب ملعون، المؤيَّدة بشهادة ابن الغضائري بضعفه.
وبعد أن ذكر أن الصحيح أن ما قاله الكشي إنما هو في الحسن بن علي بن أبي حمزة لا في أبيه، قال:
ومع التنزّل عن ذلك، فيكفي في ضعف الحسن بن علي بن أبي حمزة شهادة الكشي بأنه كذّاب(٢٣٨).
والنتيجة أنه لم تثبت وثاقة الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، فلا يجوز الاستدلال بأي رواية وقع هذا الرجل في سندها، ولا سيما إذا كانت الرواية مشتملة على تكليف شرعي أو تدل على عقيدة مهمّة من أصول العقائد كالإمامة والعصمة وما شاكلهما، وعليه فلا بدّ من إسقاط هذه الرواية التي استند إليها اﻟﮕﺎطع وأتباعه كالعقيلي وغيره، واعتبروها أهمّ أدلتهم على إمامة اليماني وعصمته ووجوب نصرته وغير ذلك.
دلالة الرواية:
أهم ما يحتاج إلى البيان من ألفاظ هذه الرواية عدّة عبارات، منها:
قوله: وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني:
معناه: أن راية اليماني هي أهدى الرايات، وأفعل التفضيل فيها وهو كلمة (أهدى) يدل على أن رايات آخر الزمان فيها رايات هدى أخرى غير راية اليماني كراية الخراساني مثلاً، فإنها راية هدى أيضاً كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
والسبب في أن راية اليماني أهدى الرايات هو أنه يدعو إلى الحق كما ورد في عدّة روايات، أو يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام كما ورد في نفس هذه الرواية، ولا يدعو إلى نفسه كما هو دأب أكثر رايات عصر الظهور التي تدعو إلى أصحابها، وقد سبق مزيد من الكلام حول كون راية اليماني أهدى الرايات، فراجعه.
ومما ينبغي بيانه هنا أن هذه الرواية حُجّة قاطعة على اﻟﮕﺎطع وأتباعه؛ لأنها تدل على أن اليماني يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، ولا يدعو إلى نفسه، في حين أن اﻟﮕﺎطع على العكس من ذلك؛ فإنه لا يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، وإنما يدعو إلى نفسه، وهذا دليل واضح على كذب اﻟﮕﺎطع في دعواه أنه هو اليماني المعهود.
ويمكن التحقّق من أن اﻟﮕﺎطع يدعو إلى نفسه بعدّة أمور:
١- أنه دعا الناس إلى بيعته، بل جعل شعار حركته كلمة: (البيعة لله).
قال في بيان له مؤرَّخ في ٥ شوال سنة ١٤٢٤هـ، منشور في موقع أنصاره:
وإنَّ لي في رقبة كل فرد من جماعة أنصار الإمام المهدي بيعة لا أقيل أحد [كذا] منها، وأطالبهم بها يوم القيامة، وفي رقبة كل إنسان عهد معقود في عالم الذر، فمن نكث البيعة ونقض العهد فعليه لعنة الله، ولعنة الأنبياء والمرسلين، ولعنة الملائكة والصالحين.
وقال في بيان آخر له أسماه بيان البراءة، منشور أيضاً في موقع أنصاره مؤرَّخ في ١٣ جمادى الثانية سنة ١٤٢٥هـ:
وأُعلنُ باسم الإمام محمد بن الحسن المهدي (ع) أن كل من لم يلتحق بهذه الدعوة، ويعلن البيعة لوصي الإمام المهدي (ع) بعد ١٣ رجب ١٤٢٥ هـ ق فهو:
١- خارج من ولاية علي بن أبي طالب (ع)، وهو بهذا إلى جهنّم وبئس الورد المورود، وكل أعماله العبادية باطلة جملة وتفصيلاً، فلا حجَّ ولا صلاة ولا صوم ولا زكاة بلا ولاية.
٢- أن رسول الله محمد بن عبد الله (ص) بريء من كل من ينتسب إليه ولم يدخل في هذه الدعوة ويعلن البيعة.
وقوله: (ويعلن البيعة لوصي الإمام المهدي (ع)) دال على ما قلناه؛ لأنه إذا كان الإمام المهدي عليه السلام هو إمام العصر كما يعترف بذلك اﻟﮕﺎطع وأتباعه، فلماذا يأخذ اﻟﮕﺎطع البيعة لنفسه، ولا يأخذها للإمام المهدي عليه السلام؟!
على أنه لو زعم بعض أتباع اﻟﮕﺎطع أن مراده هو أخذ البيعة للإمام المهدي عليه السلام فكيف يبايَع الإمام الغائب عليه السلام، بواسطة وصيّه المزعوم اﻟﮕﺎطع الذي هو غائب أيضاً؟! وقوله: (وإن لي في رقبة كل فرد من جماعة أنصار الإمام المهدي بيعة لا أقيل أحد [كذا] منها، وأطالبهم بها يوم القيامة) يدل بوضوح على أن يريد أخذ البيعة لنفسه لا للإمام المهدي عليه السلام!!
٢- أن اﻟﮕﺎطع دعا الناس إلى تقليده، وقد طبع كتاب (شرائع الإسلام) للمحقّق الحلي قدس سره، وعبث فيه، وبدَّل وغيَّر بما يزعم أنه موافق لفتاواه، وجعله رسالة عملية يعمل بها أتباعه ومقلّدوه.
قال اﻟﮕﺎطع في مقدّمة هذا الكتاب:
هذا الكتاب هو (شرائع الإسلام) في مسائل الحلال والحرام، للعالم الفاضل والولي الناصح لآل محمد عليهم السلام أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن رحمه الله، وقد بذل ما بوسعه لمعرفة أحكام شريعة الإسلام من روايات الرسول والأئمة عليهم السلام، ولكنه أخطأ في مقام، وتردّد في آخر، لا عن تقصير، بل عن قصور لا سبيل له على دفعه.
وقد قمتُ بتصحيحه وبيان أحكام شريعة الإسلام بما عرفتُه من الإمام المهدي عليه السلام، وبحسب ما أمرني الإمام المهدي عليه السلام أن أبيِّن ما يقال وحضر أهله وحان وقته، وأن أحيل ما لم يحن وقته إلى وقته، ومن يخالف هذه الأحكام فهو يخالف الإمام المهدي عليه السلام(٢٣٩).
ولو كان صادقاً في زعمه أنه نائب الإمام المهدي عليه السلام وسفيره، وأن الإمام عليه السلام أمره بذلك، لنسب هذا الكتاب للإمام عليه السلام، ولما حقَّ له أن ينسبه إلى نفسه، ولكنه لم يفعل ذلك، فنسبه إلى نفسه، وأدرجه في جملة مؤلّفاته.
٣- أن اﻟﮕﺎطع دعا الناس إلى نصرته:
قال في بيان له إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدّسة مؤرَّخ في ٨ ربيع الثاني سنة ١٤٢٦هـ، ومنشور في موقع أنصاره:
يا من تتخاذلون عن نصرة الإمام المهدي عليه السلام، هل تنتظرون إلا الاصطفاف مع السفياني (لع) وارث يزيد بن معاوية (لع)، بعد اصطفافكم مع الدجّال الأكبر (أمريكا)، إذن فابشروا بنار (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ)، ماذا ستقولون: (بكينا، ولطمنا الصدور على الحسين عليه السلام)؟ سيأتيكم جواب الحسين عليه السلام: (أنتم ممن أُشرك في دمي، فقد قاتلتم ولدي المهدي)، ماذا بعد، هل ستقولون: (إننا نقف على الحياد)؟ إذن جوابكم: (لعن الله أمة سمعت بذلك ورضيت به).
إلى أن قال: وإذا كان قراركم هو خذلان الحسين في هذا الزمان، وإذا اخترتم ظلم أنفسكم، فإني أحذّركم وأنذركم عذاب الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة، ولا عذر لكم ولا عاذر.
فإذا لم تكن كل هذه الأمور دعوة إلى النفس فكيف تكون يا أولي العقول والأبصار؟!
قوله: يدعو إلى الحق وإلى صراط مستقيم:
معناه: أن اليماني يدعو الناس إلى فرد مخصوص من أفراد الحق إن قلنا: إن لام التعريف في (الحق) عهدية، وهذا الفرد من الحق هو الدعوة إلى إمامة الإمام المهدي عليه السلام، ولزوم نصرته، وقد ورد في نفس الرواية ما يشير إلى ذلك حيث قال: (وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم).
وأما إذا قلنا: إن اللام في (الحق) جنسية، فإنها تدل على أنه يدعو إلى جنس الحق، والجنس يتحقّق بتحقّق أحد أفراده، وعليه فحال اليماني حال من يدعو إلى توحيد الله تعالى، وإلى القول بأنه سبحانه وتعالى عَدْل لا يجور، وإلى نبوة نبيّنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونحو ذلك.
وأما إذا كانت اللام في (الحق) استغراقية لاستغراق الأفراد فإنها تدل على أن اليماني يدعو إلى كل فرد من أفراد الحق، وإذا كانت اللام في (ال) استغراقية لاستغراق الصفات فإن المعنى حينئذ هو أن اليماني يدعو إلى أفراد من الحق جامعة لكل صفات الحق الأخرى، كدعوته مثلاً إلى الإمام المهدي عليه السلام، الذي يكون اتّباعه طريقاً إلى الوصول إلى كل حق.
لكن القول بأن اللام لاستغراق الأفراد لا دليل عليه، مع أنه بعيد جدًّا، إذ ليس من الحكمة أن يدعو أي مصلح إلى كل حق بنحو الإطلاق، مع أن اﻟﮕﺎطع قال في مقدمة كتاب شرائع الإسلام: (وبحسب ما أمرني الإمام المهدي عليه السلام أن أبيِّن ما يقال وحضر أهله وحان وقته، وأن أحيل ما لم يحن وقته إلى وقته)، وهذا يدل على أنه لحدّ الآن لم يبيّن كل حق باعترافه، وإنما بيّن ما حضر أهله، وحان وقته فقط.
وقوله: (لأنه يدعو إلى صاحبكم) قرينة واضحة على أن اللام للعهد، أي أن اليماني يدعو إلى حق مخصوص معيَّن، وهو الدعوة إلى الإمام المهدي عليه السلام.
وقول ناظم العقيلي: (فإذن هو يدعو إلى الحق قولاً ومنهجاً وفعلاً على نحو الحتم والجزم لا على نحو الجزئية أو الاحتمال) كلام خطابي إنشائي لا يستفاد من ألفاظ الرواية ولا غيرها، فلا قيمة له، مع أنا بيَّنّا فيما سبق فساد هذا الكلام.
وأما قول أحمد إسماعيل ﮔﺎطع:
وكلمة: (يدعو إلى الحق) تعني أنه يدعو إلى الحق جملة وتفصيلاً، فلو أنه دعا إلى الحق في أمر، ولم يدعُ إلى الحق في أمر آخر، لا يقول عنه المعصوم عليه السلام: (ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم)، وبالتالي يوجّه الناس إلى إتباعه (والقاعدة العقائدية التي تقرّها الحوزات العلمية في النجف وقم و.. إنه لا يصح الأمر بإتباع غير المعصوم، وإلا لكان الأمر بإتباع من يخطئ ويعصي؛ لورود الخطأ والمعصية من غير المعصوم، وبالتالي يكون الأمر بإتباع غير المعصوم أمرًا بالمعصية، وهذا باطل قطعًا)(٢٤٠).
فجوابه: أنّا بيَّنا أن معنى (يدعو إلى الحق) هو أنه يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام كما ورد في نفس الحديث، ولا دلالة في ذلك على أنه يدعو إلى كل حق، وقوله: (ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه) فيه دلالة على حرمة محاربته وإفشال حركته، ولا دلالة في هذه العبارة على الأمر باتباعه أو نصرته أيضاً كما أوضحنا ذلك فيما تقدّم، ومنه يتّضح فساد ما قاله اﻟﮕﺎطع من دلالة هذه الكلمة على وجوب اتباعه المستلزم لكونه معصوماً، فإنا لو سلّمنا بأنا مأمورون بنصرة اليماني في حركته فإن ذلك لا يدل على وجوب اتباعه مطلقاً حتى نستنتج من ذلك أنه معصوم، وهو أمر واضح، إلا أن اﻟﮕﺎطع وأتباعه حمّلوا هذه العبارات فوق ما تحتمل للتمويه على العوام وتضليلهم كما لا يخفى على المتنبّه البصير.
قوله: الملتوي عليه في النار:
معناه: أن الذي يحارب اليماني في النار، والسبب في ذلك أنه يدعو إلى الحق، وهو صادق في دعواه، وغرضه من الدعوة هو نصرة الإمام المهدي عليه السلام، ورجل بهذه الصفات لا يحاربه إلا من كان من أعداء الإمام المهدي عليه السلام، وعداوة إمام العصر عليه السلام وحدها كافية في دخول النار، فكيف إذا انضمّ إلى ذلك محاربة بعض مناصريه كاليماني مثلاً، ولا سيما أن محاربة اليماني تستلزم بمقتضى العادة قتل رجال مؤمنين من أنصاره، أو قصد قتلهم، وهذا موجب لدخول النار لا محالة.
قال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع في بيان له إلى طلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وقم المقدّسة مؤرّخ في ٨ ربيع الثاني سنة ١٤٢٦هـ، منشور في موقع أنصاره:
وهذا يعني أن اليماني صاحب ولاية إلهية، فلا يكون شخص حجّة على الناس بحيث إن إعراضهم عنه يُدخلهم جهنّم وإن صلّوا وصاموا إلا إذا كان من خلفاء الله في أرضه، وهم أصحاب الولاية الإلهية من الأنبياء والمرسلين والأئمة والمهديّين.
والجواب: ١- أن الرواية ضعيفة السند، فلا يُحتجّ بها على شيء من العقائد المهمّة مثل كون اليماني صاحب ولاية إلهية، كما لا يُحتج بهذه الرواية على شيء من الأحكام الشرعية مثل وجوب نصرته كما بيّناه مكرّراً.
٢- أن هذه العبارة لا تدل على وجوب نصرة اليماني أو الإيمان بدعوته؛ لأن النهي عن الالتواء عليه ليس نهياً عن عدم الإيمان بدعوته أو عدم نصرته، بل هو نهي عن القيام بعمل مضاد لحركة اليماني ربما يؤدّي إلى إفشال حركته، أو قتله، أو قتل بعض المحاربين معه، وهذا لا يجوز بحال؛ لأن مجرّد قتال المؤمن أو قتله أو إيذائه كافٍ في استحقاق العذاب الأليم، فكيف إذا كان ذلك المؤمن من الدُّعاة إلى الإمام المهدي عليه السلام، القائمين بنصرته ومحاربة عدّوه السفياني؟!
ويدل على هذا الفهم ورود التعبير بـ (الالتواء عليه) الذي يدل على الإحاطة به ومحاربته، وليس بـ (الالتواء عنه) الذي يدل على الانصراف عنه وعدم نصرته.
قال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع :
مع أن في نهاية الرواية تعليل حرمة الالتواء؛ وهو بسبب أنه يدعو إلى الحق، فإذا كان الإعراض عنه وترك مناصرته جائزًا، فأقول: إذا كان هو الحق والداعي إلى الحق، والحق واحد لا يتعدّد، فماذا بعد الحق إلا الضلال، فأين يُتاه بكم وأين تذهبون؟ وإن المعنى الأول المتبادر لكلمة الالتواء هو الاستدارة وإعطاءه [كذا] ظهرك وإعراضك عنه، فكلمة (عن) تتضمّنها نفس كلمة الالتواء، فالمراد بالرواية (ولا يحل لمسلم أن يلتوي عنه أو عليه)(٢٤١).
والجواب: أن دعوة اليماني إلى الحق لا تبيح لأي مؤمن أن يلتوي عليه أو أن يحاربه ويقف ضدّه كما لا يجوز ذلك حيال كل داعٍ إلى الحق، وأما نصرته فإنّا بيَّنّا فيما تقدّم أنها غير واجبة، فإنه ليس كل من يدعو إلى الحق تجب نصرته؛ لأن وجوب النصرة لها شرائطها التي ربما لا تتوفّر في نصرة كل شخص، وإنما تتوفّر في نصرة بعض الأشخاص دون بعض، وبما أن وقت خروج اليماني مقارب لوقت قيام الإمام المهدي المنتظر عليه السلام فإنه لا مانع من نصرته، ولكنّ الأولى استبقاء النفس لنصرة الإمام المعصوم عليه السلام كما سيأتي بيانه قريباً.
والغريب ما ذكره عبد الرزاق الديراوي من اللوازم التي رتّبها على حرمة الالتواء عليه، حيث قال:
وإذا تذكّرنا الآن أنّ ولاية أهل البيت عليهم السلام حسنة لا تضرّ معها سيئة، وحصن يقي من دخله من العذاب، يكون واضحاً لدينا أن الالتواء على اليماني يعني الخروج من هذا الحصن وهذه الولاية، وهذا يعني أن اليماني حجّة من حُجج الله حتماً، طالما كان عدم الإيمان به يعني الخروج من الولاية، والإيمان به يعني التحصن بها(٢٤٢).
وفي هذا الكلام مجازفات لا يقولها من يحترم عقله، فإنه مضافاً إلى أنه لا يجوز ترتيب مثل هذه اللوازم العظيمة على رواية ضعيفة السند، فإن الخروج من ولاية أهل البيت عليهم السلام ربما يحصل بمجرّد تهمة مؤمن بريء كما ورد في بعض الأخبار، فقد روى الكليني قدس سره بسند صحيح عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حقُّ المسلم على المسلم أن لا يشبع ويجوع أخوه، ولا يروى ويعطش أخوه، ولا يكتسي ويعرى أخوه، فما أعظم حقّ المسلم على أخيه المسلم. وقال: أَحِبَّ لأخيك المسلم ما تحبُّ لنفسك، وإذا احتجت فسله، وإن سألك فأعطه، لا تمله(٢٤٣) خيراً ولا يمله لك، كن له ظهراً، فإنه لك ظهر، إذا غاب فاحفظه في غيبته، وإذا شهد فزره، وأجلّه وأكرمه، فإنه منك وأنت منه، فإن كان عليك عاتباً فلا تفارقه حتى تسأل سميحته، وإن أصابه خير فاحمد الله، وإن ابتلي فأعضده، وإن تمحّل له(٢٤٤) فأعنه، وإذا قال الرجل لأخيه: (أُفّ) انقطع ما بينهما من الولاية، وإذا قال: (أنت عدوّي) كفر أحدهما، فإذا اتّهمه انماث(٢٤٥) الإيمان في قلبه كما ينماث الملح في الماء...(٢٤٦).
فإذا كان اتّهام مؤمن بريء أو معاداته ربما تذيب الإيمان من القلب فإن محاربة المؤمن ربما تفضي إلى الخروج عن ولاية أهل البيت عليهم السلام بالأولوية، وهذا الحكم لا خصوصية فيه لليماني، فإن حاله من هذه الناحية حال سائر المؤمنين، ومن الواضح أن خروج أحد الطرفين من الولاية لا يستلزم أن يكون الطرف الآخر حجّة من حجج الله تعالى؛ لأن هذا الحديث المروي في الكافي إنما يبيّن حقوق المؤمنين على بعضهم، لا حقوق حجج الله تعالى على سائر الناس.
وقول الديراوي: إن عدم الإيمان باليماني (يعني الخروج من الولاية، والإيمان به يعني التحصّن بها) هذيان واضح، لأن هذا الاستنتاج لا تدل عليه الرواية بأي دلالة، ولا يمكن استفادته منها، والديراوي يحمّلها من الأباطيل ما لا تدل عليه، وهي وإن كانت مشتملة على الحثّ على النهوض مع اليماني والنهي عن الالتواء عليه، إلا أنها علّلت ذلك بأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم، ولم تعلّل ذلك بأنه حجّة من حجج الله تعالى، والدعوة إلى الحق وإلى طريق مستقيم لا تستلزم أن يكون الداعي حجّة من حجج الله المعصومين كما بيّنّاه فيما تقدّم.
قوله: وإذا خرج اليماني فانهض إليه:
فيه دلالة على الحثّ على المبادرة إلى نصرة اليماني.
فهل الأمر بالنهوض إلى نصرته يدل على وجوب الخروج معه والإيمان بدعوته أم لا؟
ويمكن الجواب بعدّة إجابات:
١- أن هذه الرواية ضعيفة السند، فلا يصح أن نعتمد عليها في حكم شرعي إلزامي مهم كوجوب نصرة اليماني، كما لا يجوز بذل النفس أو الاشتراك في أي حرب فيها تعريض النفس للقتل اعتماداً على رواية ضعيفة.
٢- أن الأمر بالنهوض في الرواية مشروط بخروجه، فإنه قال: (وإذا خرج اليماني فانهض إليه).
ويمانيهم - وهو اﻟﮕﺎطع - إن خرج كما هو الصحيح الذي أثبتناه فيما سبق فهذا دليل على أنه غير اليماني المعهود؛ لأن اليماني كما قلنا يكون خروجه متزامناً مع خروج الخراساني والسفياني في يوم واحد، وحيث إن الخراساني والسفياني لم يخرجا بعد فهذا دليل على أن اﻟﮕﺎطع ليس باليماني، مع أن اليماني يخرج قبل صاحب الأمر عليه السلام بستة أشهر، وقد مضى على خروج اﻟﮕﺎطع ما ينيف على عشر سنين والإمام المهدي عليه السلام لم يخرج بعد، وهذا دليل آخر على كذب اﻟﮕﺎطع في ادّعاء أنه اليماني.
وأما إذا قالوا: (إن اﻟﮕﺎطع لم يخرج بعد؛ لأن المراد بالخروج هو الخروج بالسيف)، وسلّمنا لهم بذلك، وأغمضنا عن جميع الأدلة التامّة المبطلة لدعوة اﻟﮕﺎطع، وسلّمنا لهم أيضاً بأنه هو اليماني المعهود، وأن نصرة اليماني واجبة، فإن نصرة هذا اﻟﮕﺎطع وطاعته مع كل ذلك لا تجب على الناس قبل خروجه؛ لأن الحديث علّق وجوب نصرة اليماني على خروجه، فلا تجب قبله.
وعليه، فإن نصرة اﻟﮕﺎطع غير واجبة على كل حال، سواء قلنا بخروجه أم لم نقل.
٣- أن صيغة الأمر في قوله: (فانهض إليه) إنما تدل على الوجوب إذا لم تكن قرينة صارفة له إلى غيره، والقرينة الدالة على عدم الوجوب موجودة، وهي الرواية الدالّة على أن الأَولى استبقاء النفس لحين خروج الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، فقد روى النعماني في (الغَيبة) بسنده عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: كأني بقوم قد خرجوا بالمشرق، يطلبون الحق فلا يُعطَونه، ثم يطلبونه فلا يُعطَونه، فإذا رأوا ذلك وضعوا سيوفهم على عواتقهم، فيُعطَون ما سألوه فلا يقبلونه حتى يقوموا، ولا يدفعونها إلا إلى صاحبكم، قتلاهم شهداء، أما إني لو أدركتُ ذلك لاستبقيتُ نفسي لصاحب هذا الأمر(٢٤٧).
وهؤلاء القوم الذين يطلبون الحق وهم صادقون في طَلَبِهم، وقتلاهم شهداء، ويدفعونها إلى الإمام المهدي عليه السلام، مع ذلك فإن الإمام الباقر عليه السلام لا يرى رجحان الخروج معهم، ويرى أن الأولى استبقاء النفس لنصرة صاحب الأمر عليه السلام الذي ستكون العلامات الدالة على قرب خروجه واضحة ومتوفّرة في ذلك الوقت.
والغريب قول اﻟﮕﺎطع: والروايات بالنهوض لليماني ونصرته ووجوب بيعته والمتخلّف عن بيعته من أهل النار كثيرة ومحكمة(٢٤٨).
لأنه من المعلوم أنه لا توجد إلا رواية واحدة ضعيفة السند فيها أمر استحبابي بنصرته لا أكثر كما أوضحنا، وأما وجوب بيعته وأن المتخلّف عن بيعته من أهل النار فلا توجد رواية واحدة تدل على ذلك، فأين هذه الروايات الكثيرة المحكمة التي يزعمها هذا اﻟﮕﺎطع؟!
قال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع :
أَسألُ فقط هذا السؤال: هل على الناس أن تطيعك أم أن يطيعوا الأئمة عليهم السلام؟ فالأئمة عليهم السلام أمروهم بالنهوض إلى اليماني ونصرته، وأنت تأمر الناس بخذلان اليماني وترك نصرته، مدّعيًا أن قوله عليه السلام: (لأبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر) دالٌّ على ذلك، مع أنه متشابه، ولا يدل على توجيه الناس إلى خذلان اليماني من بعيد ولا من قريب، بل ما يدل عليه هو الحفاظ على النفس حتى تبدأ حركة الإمام عليه السلام، وحركة الإمام تبدأ باليماني، فأين يُتاه بكم، وأين تذهبون؟(٢٤٩).
والجواب: أما زعمه أن الأئمة عليهم السلام أمروا الناس بنصرة اليماني فهذا كذب محض، وافتراء عليهم؛ لأنّا نعرف أوامرهم عليهم السلام ونواهيهم من خلال ورودها في الروايات الصحيحة المرويّة عنهم، دون الروايات الضعيفة كهذه الرواية التي نتكلّم فيها.
وزعمه أن قوله عليه السلام: (لأبقيتُ نفسي لصاحب هذا الأمر) متشابه، ولا يدل على توجيه الناس إلى خذلان اليماني من بعيد ولا من قريب، غير صحيح؛ لأن هذه العبارة واضحة الدلالة على أن الأولى هو إبقاء النفس لنصرة صاحب الأمر عليه السلام الذي ستظهر في ذلك الوقت علامات قرب الظهور المقدّس، فكيف تكون متشابهة مع تمام وضوح معناها؟! وتشابهها في عقل اﻟﮕﺎطع لا تدل على أن هذه الكلمة متشابهة عند غيره!!
والغريب أن اﻟﮕﺎطع يدّعي أنه إمام معصوم، وأنه يتلّقى علومه عن إمام العصر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، ومع ذلك يزعم أن هذه العبارة الواضحة متشابهة، ويظهر أنه لا يفهم معناها!! والحال أن المتشابه عند الناس لا ينبغي أن يكون متشابهاً عند أئمة الهدى عليهم السلام، فإنهم عليهم السلام يعلمون المتشابه كما يعلمون المُحكم على حدٍّ سواء، كما قال تعالى في آيات الكتاب العزيز: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الأَْلْبابِ) [آل عمران: ٧].
وقد روى الكليني قدس سره بسنده عن بريد بن معاوية، عن أحدهما عليهما السلام في قوله الله عزّ وجلّ: (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الراسخين في العلم، قد علّمه الله عزّ وجلّ جميع ما أنزل عليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاً لم يعلّمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلّه،... والقرآن خاصّ وعامّ، ومحكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، فالراسخون في العلم يعلمونه(٢٥٠).
نعم، هذه العبارة لا تدل على توجيه الناس إلى خذلان اليماني، ولكنها تدل على أن نصرة صاحب الأمر عليه السلام أولى من نصرة غيره، ولا شك أن العاقل من يختار لنفسه ما هو أولى وأفضل.
وقوله: (بل ما يدل عليه هو الحفاظ على النفس حتى تبدأ حركة الإمام عليه السلام، وحركة الإمام تبدأ باليماني) غير صحيح؛ فإن حركة اليماني لا تكون بداية لحركة الإمام المهدي عليه السلام؛ لأنها مجرّد علامة تدل على قرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام، والمطلوب هو استبقاء النفس من أجل نصرة صاحب الأمر عليه السلام، لا نصرة رجل يكون خروجه من علامات الظهور، ولو كان الأمر كما قاله اﻟﮕﺎطع لما كان هناك أي معنى لقوله عليه السلام: (أما إني لو أدركتُ ذلك لاستبقيتُ نفسي لصاحب هذا الأمر)؛ لأن هؤلاء الذين تتحدّث عنهم الرواية حالهم حال اليماني؛ لأنهم لا يدفعونها إلا إلى الإمام المهدي عليه السلام، فهم من أنصاره وأعوانه.
وقال ناظم العقيلي:
وعلى أي حال فالإمام الباقر عليه السلام قال: (إني لو أدركتُ ذلك) أي يتكلّم عن نفسه، ولم يقل: (من أدرك ذلك أو إن أدركتم ذلك فاستبْقوا أنفسكم للإمام المهدي عليه السلام)، فهو عليه السلام أعلم بمراده من قوله، فهم عليهم السلام لهم غايات وإرادات لا يمكن إدراكها إلا بتوفيق الله عزّ وجل(٢٥١).
وهذا من تلاعبه بمعنى الرواية كما هي عادته وعادة اﻟﮕﺎطع وأنصاره في التعامل مع الروايات، ولا يخفى أن الإمام عليه السلام لو كان يريد حثّ الشيعة على الانضمام إلى الراية المذكورة في الحديث لما قال ذلك؛ لأن ظاهر كلامه عليه السلام هو أن الأولى لجميع الشيعة أن يُبقوا على أنفسهم لحين ظهور صاحب الأمر عليه السلام لنصرته، وأن ذلك أولى من نصرة هذه الراية أو تلك، ولو كان الإمام عليه السلام في صدد بيان تكليف خاصّ به مخالف لتكليف الشيعة لبيَّن ذلك للراوي؛ كيلا يتوهّم بعض الشيعة أن ما قاله الإمام عليه السلام هو تكليفهم أيضاً، فيتركوا ما يجب عليهم من نصرة اليماني، مع أن تكليف الإمام عليه السلام إذا كان خاصًّا به، وكان تكليف الشيعة مغايراً لتكليفه، فما هي الفائدة في ذكره للراوي والحال أنه عليه السلام لن يكون مكلّفاً بشيء في هذه القضية؛ لأنه عليه السلام يعلم أنه لن يدرك هذه الرايات؟!
ثم إن هذه الرواية منسجمة مع الروايات المتعدّدة التي حثَّت الشيعة على السكون وعدم النهوض مع صاحب كل راية، إلى أن يظهر صاحب الأمر عليه السلام، فإذا ظهر وجب عليهم السعي إليه ولو حبواً على الثلج.
فقد روى الشيخ الكليني قدس سره عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال للفضل الكاتب: لا تبرح الأرض يا فضل حتى يخرج السفياني، فإذا خرج السفياني فأجيبوا إلينا - يقولها ثلاثاً -، وهو من المحتوم(٢٥٢).
وبسنده عن سدير، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا سدير الزم بيتك، وكن حلساً من أحلاسه، واسكن ما سكن الليل والنهار، فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو على رجلك(٢٥٣).
وروى النعماني بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إنه قال لي أبي عليه السلام: لا بد لنارٍ من أذربيجان لا يقوم لها شيء، وإذا كان ذلك فكونوا أحلاس بيوتكم، وألبدوا ما ألبدنا، فإذا تحرّك متحرِّكنا فاسعوا إليه ولو حبواً، والله لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد، على العرب شديد، وقال: ويل لطغاة العرب من شرٍّ قد اقترب(٢٥٤).
ومن مجموع هذه الروايات وغيرها يتّضح أن الأئمة الأطهار عليهم السلام كانوا يؤكّدون على نهي شيعتهم عن الانضمام إلى أي حركة مسلّحة وإن كانت تدعو إلى صاحب الأمر عليه السلام، ويحثّونهم على السكون في بيوتهم إلى أن يخرج الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، فإذا خرج عليه السلام وجب عليهم الالتحاق به لنصرته.
ومن أوضح الروايات التي تدل على ما قلناه ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن الحسين بن خالد الكوفي، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام، قال: قلت: جُعلتُ فداك، حديث كان يرويه عبد الله بن بكير عن عبيد بن زرارة، قال: فقال عليه السلام لي: وما هو؟ قلت: روى عن عبيد بن زرارة أنه لقي أبا عبد الله عليه السلام في السنة التي خرج فيها إبراهيم بن عبد الله بن الحسن، فقال له: جُعلتُ فداك، إن هذا قد ألف الكلام، وسارع الناس إليه، فما الذي تأمر به؟ قال: فقال: اتّقوا الله، واسكنوا ما سكنت السماء والأرض. قال: وكان عبد الله بن بكير يقول: ولئن كان عبيد بن زرارة صادقاً فما من خروج، وما من قائم. قال: فقال لي أبو الحسن عليه السلام: إن الحديث على ما رواه عبيد، وليس على ما تأوّله عبد الله بن بكير(٢٥٥)، إنما عنى أبو عبد الله عليه السلام بقوله: (ما سكنت السماء) من النداء باسم صاحبكم، و(ما سكنت الأرض) من الخسف بالجيش(٢٥٦).
فإن هذا الحديث يدل بوضوح على أن الواجب على شيعة أهل البيت عليهم السلام هو السكون، وأن يكونوا كأحلاس بيوتهم إلى أن يسمعوا الصيحة، ويعلموا بوقوع الخسف بجيش السفياني، أي أن الواجب عليهم عدم الانضمام إلى أي راية تخرج قبل قيام القائم عليه السلام حتى لو لم تكن راية ضلال.
ولا بدّ من التنبيه هنا إلى أنه ليس المراد بأن يكونوا أحلاس بيوتهم أنه لا يجب عليهم أن يدافعوا عن أنفسهم لو داهمهم السفياني أو غيره من أصحاب الرايات الضالّة، فإن الدفاع عن النفس والعرض والمال واجب على كل حال، قبل الصيحة أو بعدها.
ومن المعلوم أنه لا يقع الخسف بجيش السفياني إلا بعد خروج اليماني بمدّة؛ لأن اليماني يخرج مع السفياني في يوم واحد، ولو كان اليماني واجب النصرة لما أمر الإمام عليه السلام شيعته بالسكون إلى أن يقع الخسف بالبيداء، ثم الرحيل إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام دون غيره.
ومن الروايات التي نهت عن الانضمام إلى أي راية إلا راية الإمام المهدي المنتظر عليه السلام ما رواه العياشي في تفسيره بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال في حديث طويل: الزم الأرض، لا تحرّكنّ يدك ولا رجلك أبداً حتى ترى علامات أذكرها لك في سنة...
إلى أن قال: وإيّاك وشُذّاذ من آل محمد، فإن لآل محمد وعلي راية، ولغيرهم رايات، فالزم الأرض، ولا تتبع منهم رجلاً أبداً، حتى ترى رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين، ثم صار عند محمد بن علي، ويفعل الله ما يشاء، فالزم هؤلاء أبداً، وإياك ومن ذكرت لك...(٢٥٧).
فإن قوله: (ولا تتبع منهم رجلاً أبداً) يشمل اليماني وغيره.
ولا ينقضي العجب من هؤلاء الذين يعبثون بمعاني الروايات ويفسِّرونها بأهوائهم من غير حياء ولا خجل، فإنه لا يختلف اثنان في أن المشار إليه في قوله: (حتى ترى رجلاً من ولد الحسين، معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه) هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، إلا أن اﻟﮕﺎطع عبث بمعنى هذه الرواية أشدّ العبث، فقال:
فالإمام الباقر عليه السلام بعد أن بيَّن في أول الرواية الإمام المهدي عليه السلام ووزيره أخذ في نهاية الرواية يبيِّن حركته التمهيدية، ووجَّه الناس إلى رجل من ولد الحسين عليه السلام وهو المهدي الأول كما تبيَّن من بيان اليماني وإصدارات الأنصار، وكما هو بَيِّنٌ من نفس هذه الرواية، فهو يوصف بأن (معه عهد نبي الله) والعهد هو الوصيّة، والمهدي الأول مذكور في وصيّة رسول الله، واسمه أحمد، وهو أول مؤمن بالإمام عليه السلام في بداية ظهوره كما وصفه رسول الله، (ورايته) راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: البيعة لله، أي: الدعوة إلى التنصيب الإلهي ورفض ما سواه، (وسلاح رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم وهو القرآن والعلم(٢٥٨).
ويدل على فساد هذا الكلام أن هذه الرواية لم تشر من بعيد أو قريب إلى غير الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، وهو عليه السلام الذي معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، فإن عهد نبي الله صار عند علي بن الحسين عليهما السلام، ثم صار عند محمد بن علي الباقر عليه السلام، ثم صار عند الأئمة عليهم السلام واحداً بعد واحد، إلى أن انتهى إلى الإمام المهدي عليه السلام، فكيف صار عند اليماني أو غيره؟!
وزعمه أن المراد بعهد نبي الله تعالى هو رواية الوصية المذكورة في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي قدس سره التي يزعم أنها تشير إلى اﻟﮕﺎطع، وأن راية رسول الله هي الدعوة إلى التنصيب الإلهي، وأن سلاحه هو القرآن والعلم، هذيان واضح، لا يخفى أن الغاية منه العبث بعقول البسطاء والسُّذَّج والتمويه عليهم حتى لا يُلزَم اﻟﮕﺎطع بإحضار وصيّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورايته وسلاحه؛ لأنه لا يستطيع أن يُثبت إمامته بإحضار هذه الأمور التي تفضح مدّعي الإمامة، وتكشف كذب ادّعاءاته؛ لأنه لو كان المراد بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورايته وسلاحه ما ذكره اﻟﮕﺎطع لاستطاع كل واحد اسمه أحمد أن يدّعي نفس دعاوى أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، فيزعم أن رواية الوصيّة تنص عليه بخصوصه، وأنه يدعو إلى البيعة لله لا لغيره، وأن عنده العلم والقرآن.
وأنا أتعجّب كثيراً من صفاقة هذا اﻟﮕﺎطع وقلّة حيائه وشدّة مكابرته، واستحقاره لعقول الناس، فمع أنه لا يُحسن قراءة صفحة من القرآن الكريم، ولا يستطيع أن يقرأ صفحة من كتاب آخر من دون أن يقع في أخطاء فاضحة فإنه يدّعي أنه أعلم الناس بالقرآن الكريم، ومن أراد أن يطّلع على أخطائه الفاضحة في قراءة القرآن وفي كلامه الآخر فليستمع إلى تسجيلاته المنشورة في موقع أنصاره، فإنها تورث القطع بأن هذا اﻟﮕﺎطع عاميٌّ صرف، ولا يعتقد بإمامته إلا من هو أغبى من حمار أهله، وقد ذكرت نماذج يسيرة من أخطائه في كتابي (الرد القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم)، فمن أراد الاطلاع عليها فليراجع هذا الكتاب.
الحث على نصرة الخراساني:
بعد أن تبيّن أن الرواية الوحيدة التي تمسّك بها اﻟﮕﺎطع وأتباعه لوجوب نصرة اليماني لا تدل على وجوب نصرته أو على رجحانها، كما أنه لا توجد أي رواية أخرى يمكن التمسّك بها لنصرة اليماني، نعطف عنان الكلام للحديث حول بعض الروايات التي حثّت على نصرة الخراساني قائد الرايات السود التي تخرج من المشرق، وهي عدّة روايات.
منها: ما رواه ابن طاووس في (الملاحم والفتن) عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذكر بلاءً يلقاه أهل بيته، حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء، مَنْ نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله، حتى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي، فيولّوه أمرهم، فيؤيّده الله وينصره(٢٥٩).
وروى فيه أيضاً، ومحمد بن جرير الشيعي في (دلائل الإمامة) بسنده عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديث: إنّا أهل بيت اختار الله عزّ وجلّ لنا الآخرة على الدنيا، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتى ترتفع رايات سود من المشرق، فيسألون الحق فلا يُعطَون، ويقاتلون فيُنصَرون، فيُعطون الذي سألوا، فمن أدركهم منكم أو من أبنائكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج، فإنها رايات هدى، يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً(٢٦٠).
وروى أيضاً في كتابه المذكور عن ثوبان، قال: إذا رأيتم الرايات السود خرجت من قِبَل خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي(٢٦١).
ولعلّ المراد بأن فيها خليفة الله المهدي عليه السلام هو أن أصحاب هذه الرايات يبايعون الإمام المهدي عليه السلام وينضمّون إلى جيشه، ويكونون من أنصاره كما ورد ذلك في رواية طويلة رواها النعماني قدس سره عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، ورد فيها ذكر الرايات السود، وفيها قال: فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قِبَل خراسان، وتطوي المنازل طيًّا حثيثاً، ومعهم نفر من أصحاب القائم(٢٦٢).
أي معهم نفر يصيرون بعد ذلك من أنصار الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف.
وسيأتي مزيد بيان في نصرة الخراساني عند كلامنا حول الرايات السود التي تخرج من خراسان، فانتظر.
هل تجب بيعة اليماني؟
أكّد أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره على لزوم بيعة اليماني، وشدّدوا عليها، وحثّوا الناس على المبادرة إليها، بناءً على زعمهم أن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع هو اليماني المعهود نفسه، وزعموا أن الواجب على الناس في هذا العصر هو الاعتقاد بإمامته، والإيمان به، والقيام بنصرته، ولذلك جعلوا كلمة (البيعة لله) شعاراً لهم كما مرّ، ويريدون بها بيعة اﻟﮕﺎطع نفسه.
فهل تجب بيعة اليماني بغض النظر عن كونه هو أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أو غيره؟ أم لا تجب؟
أما بناء على ما يدّعيه اﻟﮕﺎطع وأنصاره من أنه هو اليماني فلا شك في أنه لا تجب بيعة اﻟﮕﺎطع، بل لا تجوز، بل إن بيعته من أعظم الموبقات، ولا سيما أنه قد ثبت بالأدلة الصحيحة القطعية التي ذكرناها فيما سبق أن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع دجَّال كذّاب مفترٍ في دعواه الإمامة، وفي دعواه أنه اليماني المعهود، وغيرهما من دعاواه الباطلة.
وأما بناء على أن اليماني المعهود المذكور في الروايات هو شخص آخر غير اﻟﮕﺎطع كما هو الصحيح، فإن بيعة هذا اليماني غير جائزة أيضاً؛ وذلك لعدّة أسباب:
١- أن البيعة لا تصحّ إلا لإمام العصر كما ثبت بالأدلة القطعية، وإمام العصر هو الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السلام، وعليه، فلا يجوز لمن يعتقد بإمامة الإمام المهدي عليه السلام أن يبايع اليماني أو غيره حتى لو كانت نصرة اليماني واجبة.
٢- أن بيعة اليماني تكون على أي شيء؟ فإن كانت على إمامته فهي غير جائزة؛ لأن إمام العصر هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، ولا إمام غيره كما قلنا، وإن كانت البيعة على نصرته، فإن الواجب في عصر الظهور هو نصرة الإمام المهدي عليه السلام دون غيره، ونصرة من يقوم لنصرة الإمام المهدي عليه السلام كاليماني والخراساني لا تحتاج إلى بيعة.
٣- أن اﻟﮕﺎطع وأنصاره إنما قالوا بلزوم بيعة اليماني باعتباره إماماً معصوماً زعموا أنه قد ثبتت إمامته بالنصّ الصحيح عندهم، ولو لم تثبت عندهم إمامته لما قالوا بوجوب بيعته.
ونحن لما نظرنا في الأدلة القطعية رأيناها تدل على إمامة اثني عشر إماماً من أهل البيت عليهم السلام دون غيرهم ممن يدَّعون الإمامة، واليماني لم تثبت إمامته بأي دليل، ولم تدل على إمامته أي رواية، سواء كانت صحيحة السند أم ضعيفة، فكيف تصحّ بيعته على إمامةٍ لم تثبت؟!
ولهذا فإن شيعة أهل البيت عليهم السلام من زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يومنا هذا لا يقولون إلا بإمامة الأئمة الاثني عشر عليهم السلام دون غيرهم، ولأجل ذلك عُرفوا بالشيعة الاثني عشرية.
وعليه، فإن بيعة اليماني بالإمامة غير جائزة، بل هي من عظائم الذنوب كما هو حال بيعة كل إمام غير منصوب من الله تعالى، وقد ورد في الحديث المروي عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: قال الله تبارك وتعالى: لأُعذِّبَنَّ كلّ رعيّة في الإسلام دانت بولاية كل إمام جائر ليس من الله، وإن كانت الرعيّة في أعمالها برّة تقيّة، ولأعْفُوَنَّ عن كل رعيّة في الإسلام دانت بولاية كل إمام عادل من الله وإن كانت الرعيّة في أنفسها ظالمة مسيئة.
وعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله لا يستحيي أن يعذِّب أُمَّة دانت بإمام ليس من الله وإن كانت في أعمالها برّة تقيّة، وإن الله ليستحيي أن يعذّب أُمَّة دانت بإمام من الله وإن كانت في أعمالها ظالمة مسيئة(٢٦٣).
٤- أن الكلام في بيعة اليماني في أيامنا هذه سابق لأوانه؛ لأن اليماني لم يخرج بعد، ولم يدَّعِ الإمامة لنفسه، ولن يدَّعيها كما هو مقتضى صلاحه واستقامته، فكيف تجب بيعته؟!
واليماني إن كان إماماً مفترض الطاعة فإنه سيتولّى الإمامة بعد وفاة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام كما يزعم اﻟﮕﺎطع وأنصاره، فنحن الآن في سعة من بيعته، حتى يظهر الإمام المهدي عليه السلام، الذي سيبيّن لشيعته كل أمور الشريعة ومن ضمنها هذا الأمر، وسيخبرهم بما يجب عليهم من بعده، ولا سيما أن آباءه الطاهرين عليهم السلام لم ينصّوا على إمامة اليماني سواء أكان اليماني هو هذا اﻟﮕﺎطع أم غيره، بل نصّوا على عدمها؛ لأنهم حصروا الأئمة في اثني عشر إماماً فقط، والروايات في ذلك كثيرة.
ومن تلك الروايات: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسند صحيح عن ثابت بن دينار، عن سيِّد العابدين علي بن الحسين، عن سيّد الشهداء الحسين بن علي، عن سيّد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الأئمة من بعدي اثنا عشر، أوَّلهم أنت يا علي، وآخرهم القائم الذي يفتح الله تعالى ذِكْره على يديه مشارق الأرض ومغاربها(٢٦٤).
ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره أيضاً بسند صحيح أيضاً عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أخبرني بعدد الأئمة بعدك. فقال: يا علي، هم اثنا عشر، أوَّلهم أنت، وآخرهم القائم(٢٦٥).
وبسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: منا اثنا عشر مهديًّا، مضى ستة، وبقي ستة، يصنع الله بالسادس ما أحبّ(٢٦٦).
وبسنده عن عبد الرحمن بن سليط، قال: قال الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: منا اثنا عشر مهديًّا، أوَّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم التاسع من ولدي، وهو القائم بالحق، يُحيي الله تعالى به الأرض بعد موتها، ويُظهر به دين الحق على الدين كلّه ولو كره المشركون، له غيبة يرتدّ فيها قوم، ويثبت على الدين فيها آخرون، فيُؤذَون، فيقال لهم: (مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ)، أما إن الصابر في غيبته على الأذى والتكذيب بمنزلة المجاهد بالسيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم(٢٦٧).
وبسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي، عن مولانا الإمام علي بن موسى الرضا، عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديث طويل: فنظرت وأنا بين يدي ربي جلَّ جلاله إلى ساق العرش، فرأيت اثني عشر نوراً، في كل نور سطر أخضر عليه اسم وصي من أوصيائي، أوّلهم: علي بن أبي طالب، وآخرهم مهدي أمّتي(٢٦٨).
وبسنده عن يحيى بن أبي القاسم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جدّه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الأئمة بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم، هم خلفائي، وأوصيائي، وأوليائي، وحُجَج الله على أمّتي بعدي، المقرُّ بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر(٢٦٩).
وبسنده عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنا سيّد النبيّين، وعلي بن أبي طالب سيّد الوصيّين، وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلهم علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم القائم(٢٧٠).
ولعلّ من أوضح الروايات الدالّة على انحصار الأئمة في اثني عشر إماماً ما رواه الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن سليم بن قيس الهلالي في حديث طويل أن أمير المؤمنين عليه السلام، قال: أيها الناس، أتعلمون أن الله أنزل في كتابه: (إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)، فجمعني وفاطمة وابنيَّ حسناً وحسيناً، ثم ألقى علينا كساء، وقال: (اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي ولحمتي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويجرحني ما يجرحهم، فأَذهِبْ عنهم الرجس وطهِّرهم تطهيراً)، فقالت أم سلمة: وأنا يا رسول الله؟ فقال: (أنتِ على خير، إنما أُنزلت فيَّ، وفي أخي، (وفي ابنتي فاطمة)(٢٧١)، وفي ابنيَّ الحسن والحسين، وفي تسعة من ولد ابني الحسين خاصَّة، ليس معنا فيها أحد غيرنا)؟ فقالوا كلهم: نشهد أن أم سلمة حدَّثتْنا بذلك، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحدّثنا كما حدّثتْنا به أم سلمة رضي الله عنها.
إلى أن قال: أنشدكم الله، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام خطيباً، لم يخطب بعد ذلك، فقال: (يا أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فتمسَّكوا بهما لئلا تضلّوا، فإن اللطيف الخبير أخبرني وعهد إليَّ أنهما لن يفترقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض). فقام عمر بن الخطاب وهو شبه المغضب، فقال: يا رسول الله، أكلّ أهل بيتك؟ قال: (لا، ولكن أوصيائي منهم، أوّلهم أخي، ووزيري، ووارثي، وخليفتي في أمتي، ووليّ كل مؤمن بعدي، هو أوّلهم، ثم ابني الحسن، ثم ابني الحسين، ثم تسعة من ولد الحسين، واحد بعد واحد حتى يَرِدوا عليَّ الحوض، شهداء الله في أرضه، وحُجَجه على خلقه، وخُزَّان علمه، ومعادن حكمته، من أطاعهم أطاع الله، ومن عصاهم عصى الله عزَّ وجلّ)؟ فقالوا كلهم: نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك(٢٧٢).
وقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الفقرة الأولى: (ليس معنا فيها أحد غيرنا)، وحصر العترة المطهّرة من الرّجس في اثني عشر فقط في الفقرة الثانية يُخرج مَن عداهم من اليماني، أو المهديّين الذين يدّعي أحمد إسماعيل ﮔﺎطع إمامتهم عن أن يكونوا من الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهَّرهم تطهيراً، كما يُخرجهم عن أن يكونوا من الثقلين اللذين يجب التمسّك بهما.
ومن الروايات الواضحة أيضاً في الدلالة على انحصار الأئمة في اثني عشر فقط ما رواه الخزاز القمي بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام، قال: قلت له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن قوماً يقولون: إن الله تبارك وتعالى جعل الإمامة في عقب الحسن والحسين! قال: كذبوا والله، أو لم يسمعوا الله تعالى ذكره يقول: (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ) [الزخرف: ٢٨]، فهل جعلها إلا في عقب الحسين؟ ثم قال: يا جابر إن الأئمة هم الذين نصَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة، وهم الأئمة الذين قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لما أُسري بي إلى السماء وجدت أساميهم مكتوبة على ساق العرش بالنور اثنا عشر اسماً)، منهم علي، وسبطاه، وعلي، ومحمد، وجعفر، وموسى، وعلي، ومحمد، وعلي، والحسن، والحجة القائم، فهذه الأئمة من أهل بيت الصفوة والطهارة، والله ما يدَّعيه أحد غيرنا إلا حشره الله تعالى مع إبليس وجنوده(٢٧٣).
وقوله عليه السلام: (والله ما يدَّعيه أحد غيرنا إلا حشره الله تعالى مع إبليس وجنوده) واضح الدلالة على انحصار الأئمة في اثني عشر فقط، وأن كل من ادَّعى الإمامة من غير هؤلاء الأئمة فهو دجّال، كذّاب، مفترٍ على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، نبرأ إلى الله منه.
والأحاديث في ذلك كثيرة جدًّا لا حاجة لاستقصائها، وهي تحصر الأئمة في اثني عشر، وتُخرج من عداهم، اليماني وغيره.
ومما قلناه يتبيّن فساد قول اﻟﮕﺎطع: والروايات بالنهوض لليماني ونصرته ووجوب بيعته والمتخلّف عن بيعته من أهل النار كثيرة ومحكمة(٢٧٤).
فإن كل متتبِّع لا يجد رواية واحدة تدل على وجوب بيعة اليماني، أو تفيد أن المتخلّف عن بيعته من أهل النار، فأين هذه الروايات الكثيرة والمحكمة؟!
ولو كانت هناك روايات محكمة لاحتجّ بها اﻟﮕﺎطع وأنصاره، ولأغنتهم هذه الروايات عن التمسّك بالروايات التي حمّلوها من المعاني ما لا تحتمل، ومع ذلك لم يستطيعوا إثبات دلالتها على دعاوهم الباطلة إلا في عقولهم المريضة، كالرواية التي أسموها برواية الوصيّة رغم ضعف سندها، ووضوح عدم دلالتها على ما يدّعون، ومعارضتها للروايات المتواترة التي دلّت على أن الأئمة اثنا عشر لا يزيدون ولا ينقصون.
دور اليماني في دولة العدل الإلهي
ما دلّت عليه الروايات التي ذكرنا بعضاً منها في البحوث السابقة وغيرها هو أن اليماني قائد عسكري، يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، ويقوم بدور بارز في نصرته سلام الله عليه.
وأما بعد أن يوطّد الإمام المهدي عليه السلام دعائم دولة العدل الإلهي فإن الروايات لم تذكر لليماني أي دور فيها، وكأنها تُشعر بأن دور اليماني قد انتهى بقيام هذه الدولة المباركة، وهذا ما يُفهَم من وصف اليماني بأنه يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام؛ إذ أن الحاجة لا تمسّ إلى الدعوة إلى دولة الإمام عليه السلام إلا قبل قيامها، وأما بعد أن يقيم الإمام عليه السلام دولته المباركة فإنه لا يحتاج إلى من يدعو له؛ لأن إنجازاته سلام الله عليه على جميع الأصعدة وفي جميع بقاع الدنيا كافية في الدعوة إليه، وإنجازاته الكثيرة أهم بكثير من الدعوة إليه بالإعلام الذي استفاد منه الظالمون لاصطناع إنجازات غير حقيقية لهم.
ورجَّح بعض الباحثين أن يكون لليماني دور بارز في دولة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام بعد أن تستتب له الأمور، فقال:
على أن الرجل لو امتدّت به الحياة إلى عهد الظهور الشريف للإمام روحي فداه - وهو ما نتصوّره - فإن من نافل القول بأن الإمام صلوات الله عليه سيولّيه مهمّات حسّاسة، كيف لا وهو القائد الميداني الذي خاض معركة قاسية، في حين أن غالبية أصحاب الإمام صلوات الله عليه ربما لا يتمتّعون بالخبرة الميدانية والتجربة العملية له، ولهذا ليس من المستغرب أن يخصّه بمسؤوليات كبيرة، سواء في مقرّ قيادته، أو في سائر المواطن الحسّاسة، وهذا هو المتصوَّر بناءً على مواصفات الرجل، وظنوننا بطبيعة الأمور، وليس على طبيعة ما تحدّث به المعصوم صلوات الله عليه في حديثه؛ لأن مثل هذا الحديث لا وجود له في ما وصل إلينا من مصادر حديث المعصوم روحي فداه(٢٧٥).
ولا يخفى أنه من الخطأ الواضح أن نتنبَّأ بالأمور المستقبلية، ونحكم فيها بأحكام ظنيّة لم تدل عليها الروايات، والظنون والتوقّعات ليس لها قيمة في مجال البحث العلمي، وكثيراً ما يقع الخطأ في معرفة الحوادث المستقبلية بسبب أن الوقائع المستقبلية ربما تَفرض واقعاً مغايراً لما نتوقّعه أو نظنّه، وربما تكون حسابات الإمام المهدي عليه السلام في هذا الأمر مغايرة بالكلية لحساباتنا المتواضعة الخاطئة.
وكون اليماني قائداً ميدانيًّا فذًّا لا يلزم منه بالضرورة أن تكون له خبرة في سياسة الدولة أو في إدارة شؤونها، أو أن يكون ناجحاً في تولي إدارة وزارة عسكرية - إن وُجدتْ مثل هذه الوزارة في دولة الإمام عليه السلام بعد استتباب الأمور له - فضلاً عن غيرها من الوزارات الأخرى، فإن المهارة في القيادة العسكرية الميدانية لا تستلزم المهارة في إدارة أمور الدولة.
وبالتالي فنحن لا نجزم بأن اليماني لن يكون له منصب في دولة الإمام المهدي عليه السلام، كما أننا لا نثبت ذلك؛ لأن الروايات لم تدل على شيء بنفي أو إثبات، ولا سيما أن هذا من أمور الغيب التي لا يحق لنا أن نتكلّم فيها بغير علم، حتى لو كان المتعارف في سيرة البشر أن كل قائد أو ثائر أو مصلح إذا نجحت حركته أو ثورته فإنه يجعل المناصب المهمّة من نصيب كبار الأعوان الذين اشتركوا معه في حركته، إلا أن الإمام المهدي عليه السلام لا يمكن قياسه بغيره من القادة الذين ربما فعلوا ذلك مكافأة لأولئك الأعوان حتى لو لم تكن عندهم الكفاءة المطلوبة.
ولا يخفى أن الباحث المذكور قد علّق تولّي اليماني لمناصب مهمّة في دولة الإمام عليه السلام على بقائه، فإنه قال: (على أن الرجل لو امتدّت به الحياة إلى عهد الظهور الشريف للإمام روحي فداه)، وهو التفات حسن؛ لأن اليماني ربما يموت أو يُقتَل قبل أن تنتظم الأمور للإمام المهدي عليه السلام.
وقوله: (وهو ما نتصوّره) صحيح إن كان المراد بالتصوّر هو مجرد الاحتمال، وأما إذا كان المراد به الترجيح أو الظن أو الجزم فلا يخفى ما فيه؛ لأن الواحد منا لا يظن ببقائه ساعة واحدة فكيف يظن ببقاء غيره؟!
نعم، على ما قاله ناظم العقيلي(٢٧٦) وغيره من أنصار اﻟﮕﺎطع من أن أمير المؤمنين عليه السلام يشير إلى اليماني بقوله: يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق، يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، يَقْتُل ويُمَثِّل، ويتوجّه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت(٢٧٧).
فإنه يلزمهم القول بأن اليماني لا تطول حياته إلى ما بعد خروج الإمام المهدي عليه السلام، وإنما يموت قبله، ولكن من الواضح أن ظاهر بعض ألفاظ الحديث يشير إلى رجل آخر؛ لأن التمثيل يتنافى مع وصف رايته بأنها راية هدى.
والغريب قول الباحث المذكور: (إن غالبية أصحاب الإمام صلوات الله عليه ربما لا يتمتّعون بالخبرة الميدانية والتجربة العملية [التي] له)؛ لأن هذا الكلام مخالف للروايات التي تصفهم بأوصاف عالية لا تتأتّى حتى للكُمَّل من الناس فضلاً عمّن سواهم.
فقد روى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كأني بأصحاب القائم عليه السلام وقد أحاطوا بما بين الخافقين، فليس من شيء إلا وهو مطيع لهم حتى سباع الأرض وسباع الطير، يطلب رضاهم في كل شيء، حتى تفخر الأرض على الأرض، وتقول: مرَّ بي اليوم رجل من أصحاب القائم عليه السلام(٢٧٨).
مضافاً إلى أن روايات أخر بيَّنت أن الإمام المهدي عليه السلام بعد خروجه يُعِدّ أصحابه عِلْميًّا ونفسيًّا وسلوكيًّا وجسديًّا بما يجعلهم قادرين على تولّي مهامّهم الموكلة إليهم بالنحو الكامل المطلوب منهم؛ ليكونوا ضمن المنظومة المتكاملة التي يحقّق بها الإمام عليه السلام ملء الأرض قسطاً وعدلاً.
ومن الروايات الدالّة على الإعداد العلمي ما رواه العياشي في تفسيره في حديث طويل عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، ذكر فيه خروج القائم عليه السلام، وسرد جملة من الحوادث التي تقع بعد ظهوره عليه السلام، ومما جاء فيه قوله عليه السلام: ثم يرجع إلى الكوفة، فيبعث الثلاث مائة والبضعة عشر رجلاً إلى الآفاق كلّها، فيمسح بين أكتافهم وعلى صدورهم، فلا يتعايون(٢٧٩) في قضاء، ولا تبقى أرض إلا نودي فيها شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمّداً رسول الله، وهو قوله: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [آل عمران: ٨٣](٢٨٠).
وروى النعماني في كتاب (الغيبة) بسنده عن محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام، قال: إذا قام القائم بعث في أقاليم الأرض في كل إقليم رجلاً يقول: عَهْدُك في كفّك، فإذا ورد عليك أمر لا تفهمه ولا تعرف القضاء فيه، فانظر إلى كفّك، واعمل بما فيها...(٢٨١).
بل إن الظاهر من بعض الروايات أن عموم الشيعة سيكونون مؤهّلين لتلقّي الأحكام والمعارف والتوجيهات من الإمام المهدي عليه السلام مباشرة وبلا واسطة، فقد روى الكليني قدس سره في (الكافي) بسنده عن أبي الربيع الشامي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن قائمنا إذا قام مدَّ الله عزّ وجل لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد، يكلّمهم فيسمعون، وينظرون إليه وهو في مكانه(٢٨٢).
وربما يكون تحقّق ذلك بواسطة الوسائل الحديثة، كالهاتف والبث الفضائي والإنترنت وغيرها، وتخصيص الشيعة بذلك لأنهم هم المعنيّون أكثر من غيرهم بتلقّي الأحكام والتعاليم من الإمام المهدي عليه السلام، أو أن الإمام عليه السلام يخصّهم بذلك، فتكون بينه وبينهم قنوات خاصّة لا يصل إليها غيرهم، وإن كان ظاهر الرواية مشعر بأنه مدّ حقيقي في أبصار الشيعة وأسماعهم.
ومن الروايات الدالّة على الإعداد العقلي لعامّة الناس ما رواه الكليني قدس سره بسنده عن مولى لبني شيبان عن أبي جعفر عليه السلام، قال: إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت به أحلامهم(٢٨٣).
قال الفيض الكاشاني قدس سره في شرح الحديث:
(قام) أي بالأمر: ظهر وخرج (قائمنا) وهو المهدي الموعود صاحب الزمان صلى الله عليه وآله وسلم (وضع الله يده) أنزل رحمته، وأكمل نعمته، أو عبَّر باليد عن واسطة جوده وفيضه، والمراد بها إما القائم عليه السلام، أو العقل الذي هو أول ما خلق الله عن يمين عرشه، أو ملك من ملائكة قدسه ونور من أنوار عظمته (رؤوس العباد) نفوسهم الناطقة وعقولهم الهيولانية، وعبَّر عنها بالرأس لأنها أرفع شيء من أجزائهم الباطنة والظاهرة، (فجمع بها) بواسطة تلك اليد بالتعليم والإلهام وإفاضة النور التام (عقولهم)، فعلموا ذواتهم، وعرفوا نفوسهم، واستكملوا بالعلم والحال، ورجعوا إلى معدنهم الأصلي، وعادوا من مقام التفرقة والكثرة إلى مقام الجمعية والوحدة، وآبوا من الفصل إلى الوصل، وأنابوا من الفرع إلى الأصل، والحِلْم بالكسر: العقل، والجملتان متقاربتان في المعنى، وههنا أسرار لطيفة لا تحتملها الأفهام ولا رخصة في إفشائها للأنام(٢٨٤).
وأما الإعداد الجسدي فدلّت عليه روايات، منها ما رواه الشيخ الكليني قدس سره بسنده عن عبد الملك بن أعين، قال: قمت من عند أبي جعفر عليه السلام، فاعتمدت على يدي، فبكيت، فقال: ما لك؟ فقلت: كنت أرجو أن أدرك هذا الأمر وبي قوة. فقال: أما ترضون أن عدوّكم يقتل بعضهم بعضاً، وأنتم آمنون في بيوتكم؟ إنه لو قد كان ذلك أعطي الرجل منكم قوة أربعين رجلاً، وجُعلت قلوبكم كزبر الحديد، لو قُذف بها الجبال لقلعتها، وكنتم قوّام الأرض وخزّانها(٢٨٥).
وروى الشيخ الصدوق قدس سره بسنده ثوير بن أبي فاختة، عن علي بن الحسين عليهم السلام، قال: إذا قام قائمنا أذهب الله عزّ وجلّ عن شيعتنا العاهة، وجعل قلوبهم كزبر الحديد، وجعل قوّة الرجل منهم قوّة أربعين رجلاً، ويكونون حُكّام الأرض وسنامها(٢٨٦).
فإذا كان هذا هو حال عموم الشيعة فما بالك بأنصار الإمام المهدي عليه السلام الثلاثمائة والثلاثة عشر ونوّابه وعمّاله الذين يمثّلونه ويقومون مقامه، وتكون جميع أعمالهم محسوبة عليه؟! هل يعقل من الإمام المعصوم عليه السلام أن يولّيهم الولايات المهمّة من دون أن تكون عندهم الكفاءة المطلوبة، ومن دون أن يتلقّوا الإعداد الكامل والتوجيه المباشر من الإمام عليه السلام؟!
هل يجب الاعتقاد باليماني؟
المتأمّل في مجموع الروايات لا يجد فيها أي إشعار بأن اليماني إمام مفترض الطاعة يجب الإيمان به، أو يجب اتّباعه كما يزعم اﻟﮕﺎطع وأتباعه، وقد أوضحنا ذلك مفصَّلاً فيما تقدّم، بل إن حصر الروايات عدد الأئمة الأطهار في اثني عشر من أهل البيت عليهم السلام، أسماؤهم معلومة، وأشخاصهم معيَّنة، يدل على أن اليماني ليس بإمام مفترض الطاعة جزماً.
وكل ما يستفاد من الروايات أن خروجه سيكون علامة حتميّة من علامات ظهور إمام العصر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، يَعرف المؤمنون به قرب قيامه عليه السلام، وأن رايته راية هدى، وأنه ينصر الإمام المهدي عليه السلام، ويمهِّد له، ولم نعثر في الروايات على أكثر من ذلك.
وخروج اليماني علامة كغيرها من علامات الظهور، لها فائدة معيّنة، هي أنها تدل على قرب الظهور المبارك؛ لكي يأخذ المؤمنون أهبتهم واستعدادهم لنصرة الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
كما أنه ربما يستفاد من تلك الروايات لزوم أخذ الحيطة والحذر؛ كيلا ينخدع المؤمنون بدعاة المهدويّة وغيرهم من الدعاة الكذّابين الذين يكثرون قُبيل ظهور الإمام المهدي عليه السلام.
وأما الاعتقاد باليماني بنحو أكثر مما ذكرناه من أنه إمام معصوم مفترض الطاعة، أو أنه واجب النصرة كوجوب نصرة الإمام المهدي عليه السلام أو غير ذلك فإن هذا لم يثبت بدليل صحيح، ولم تدل على ذلك رواية واحدة، صحيحة أو ضعيفة، فكيف يمكن لنا أن نعتقد في اليماني بشيء لم تدل عليه الروايات؟! خصوصاً إذا كان المطلوب هو الاعتقاد بإمامة أو عصمة أو ما شاكل ذلك مما يُشترط فيه قطعيّة الدليل الدالّ عليه، أو كان المطلوب تكليفاً شرعيًّا كوجوب النصرة مثلاً.
إلا أن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه ادّعوا أن اليماني المعهود ليس مجرّد قائد عسكري يخرج لنصرة الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وإنما هو صاحب دعوة إلهية يجب الإيمان بها، بل قالوا: إنه إمام معصوم مفترض الطاعة، وإنه وزير الإمام المهدي عليه السلام طيلة مدّة حكمه، ثم يتولّى إمامة المسلمين من بعده، وقالوا: إنه أول المهديّين الاثني عشر الذين يقومون بأمر الإمامة واحداً بعد واحد بعد الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، وغير ذلك من الدعاوى الكثيرة الباطلة التي لم تثبت بدليل صحيح، بل قام الدليل القطعي الصحيح على بطلانها.
قال ناظم العقيلي بعد أن ذكر صحيحة العيص بن القاسم التي ذكرناها فيما تقدّم(٢٨٧)، والتي ورد فيها نهي الشيعة عن الخروج قبل قيام القائم عليه السلام:
إذن فلا يكون اليماني مشمولاً بتلك الروايات، ويمكن أن يكون موجوداً، بل لا بدّ أن يكون موجوداً قبل خروج السفياني بسنين؛ لأنه صاحب دعوة، وقد تقدّم أن هذه الدعوة تحتاج إلى وقت طويل لإثبات عقيدتها وما تدعو إليه، ولتفنيد الواقع الديني المنحرف؛ لتستقطب أنصارها وإعدادهم الإعداد الذي يؤهّلهم أن يكونوا جنوداً لدولة العدل الإلهي(٢٨٨).
والجواب: أن صحيحة عيص بن القاسم واضحة الدلالة في نهي الشيعة عن نصرة من يدعوهم إلى الخروج على سلاطين الجور، وإن كان ظاهر دعوته أنها محقَّة، فإن قوله عليه السلام: (إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه، فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه)، يدل بوضوح على نهي الشيعة عن الخروج إلا مع الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، ولو كان الشيعة مأمورين بالخروج مع اليماني لبيَّن لهم الإمام الصادق عليه السلام ذلك.
وزَعَمَ اﻟﮕﺎطع وأتباعه أنه هو المراد بمن اجتمع معه بنو فاطمة عليها السلام، واجتماعهم معه هو تأييدهم له في الرؤى والأحلام(٢٨٩)، وهذا هذيان واضح؛ لأن المراد باجتماع بني فاطمة عليها السلام كما هو معناه اللغوي هو انضمامهم إليه، وخروجهم معه، وأما التأييد في الأحلام التي هي غير حجّة في دين الله تعالى كما ورد في الأخبار، وأفتى به علماء الشيعة الأبرار(٢٩٠)، فلا يسمّى ذلك اجتماعاً، لا لغة ولا عُرفاً.
ومما يدل على ما قلناه من أن الحديث يشير بمن اجتمع معه بنو فاطمة إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام أنّا ذكرنا فيما تقدّم أن اليماني يخرج في رجب، ولو كانت نصرته واجبة لما أذن الإمام الصادق عليه السلام للشيعة في أن يتأخّروا عن اللحاق بمن اجتمع معه بنو فاطمة عليه السلام إلى ما بعد شهر رمضان، فإنه عليه السلام قال: (إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله عزّ وجلّ، وإن أحببتم أن تتأخّروا إلى شعبان فلا ضير، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعلّ ذلك أن يكون أقوى لكم، وكفاكم بالسفياني علامة).
ثم إنّا بيّنّا فيما تقدّم أن اليماني وإن كان قائداً عسكريًّا يحتاج إلى جمع السلاح والأنصار والأعوان، وهذا يتطلّب وقتاً، إلا أنه ليس بصاحب دعوة يجب الإيمان بها، فإن ذلك لم يدل عليه أي دليل، ولو كان لبُيِّن ذلك في الروايات التي بيَّنت عدد الأئمة الأطهار عليهم السلام، ومن غير المعقول أن يتم تجاهله لهذه الدرجة، فلا تروى عن أئمة أهل البيت عليهم السلام رواية واحدة تدل على إمامته، أو تُبيّن للشيعة أنه صاحب دعوة يجب الإيمان بها.
مع أنه من الواضح جدًّا عند جميع المسلمين أنه لا دعوة بعد دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكل دعوة مغايرة لها تأتي بعدها فهي باطلة، فإذا كان اليماني صاحب دعوة فدعوته باطلة، وإن كانت دعوته هي دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو ليس بصاحب دعوة.
واﻟﮕﺎطع يصرّح في كتبه المنسوبة إليه أنه صاحب دعوة مغايرة لدعوات الأنبياء السابقين عليهم السلام وإن كانت مشابهة لها.
قال في بعض كتبه: فدعوتي كدعوة نوح عليه السلام، وكدعوة إبراهيم عليه السلام، وكدعوة موسى عليه السلام، وكدعوة عيسى عليه السلام، وكدعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم(٢٩١).
وكلامه واضح في ادّعائه أنه صاحب دعوة جديدة، مغايرة لدعوات الأنبياء السابقين عليهم السلام، إلا أنها مشابهة لها، ولذلك جاء بكاف التشبيه، فقال: (وكدعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم)، ولم يقل: هي دعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وهذا وحده كافٍ في الدلالة على أن دعوة أحمد إسماعيل ﮔﺎطع دعوة باطلة مبتدعة، لا قيمة لها.
وأما على ما قاله علماء الشيعة الإمامية من أن خروج اليماني هو أحد علامات قرب ظهور الإمام المهدي عليه السلام، وأن اليماني ليس بصاحب دعوة جديدة كما يزعم اﻟﮕﺎطع، وأن علامات الظهور ليست من ضروريات المذهب التي لا يسع الشيعي الجهل بها، فإن المؤمن لو لم يعتقد باليماني لعدم اطّلاعه على الروايات الصحيحة التي دلّت عليه، فإن ذلك لا يضر بإيمانه، ولا يترتّب عليه إثم ولا عقاب، وحال الاعتقاد بخروج اليماني حال غيره من الأمور الكثيرة التي لا يتعلّق بها تكليف إلزامي، مما روي بطرق صحيحة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام، ولم يطّلع عليها كثير من عوام الشيعة، فإن الجهل بها لا يضر بإيمانهم.
نعم، لا يجوز للعامي الجاهل بالتفاصيل الواردة في الروايات حول اليماني أن ينكرها؛ فإن جهله بها لا يسوِّغ له إنكارها وجحدها؛ لأن إنكار أمثال هذه الأمور ربما يؤدّي إلى إنكار الحق من دون قصد، وإلى تكذيب أهل البيت عليهم السلام، وكلاهما غير جائز.
وأما إذا اطّلع العامي على الروايات الصحيحة التي بيَّنت أن خروج اليماني من علامات الظهور أو نحوه، فإن الواجب عليه أن يصدّق بمضمون تلك الروايات، ولا يجوز له ردّها أو تكذيبها؛ لأن ردّها يستلزم تكذيب أئمة أهل البيت عليهم السلام، وهو غير جائز.
وقال عبد الرزاق الديراوي في الاستدلال على أن اليماني صاحب دعوة جديدة:
الدليل على أن ثمة دعوة يباشرها اليماني هو ما نصّت عليه الرواية الواردة عن الإمام الباقر، وفيها قوله: (لأنه يدعو إلى صاحبكم) الغيبة - للنعماني: ص ٢٦٤. وعن أبي عبد الله: (يا سدير، الزم بيتك... إلى قوله: فإذا بلغك أن السفياني قد خرج فارحل إلينا ولو حبواً على رجلك) إلزام الناصب: ج ٢ ص ١٠٩-١١٠.
والراية التي ترافق خروج السفياني هي راية اليماني، والأمر بالرحيل إليها يقتضي وجودها بفترة معتد بها قبل التحرّك المسلح (أي قبل الخروج) ليتعرّف عليها الناس، ويرحلوا إليها.
والجواب: أن الإخبار بأن اليماني يدعو إلى صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف لا يدل على أن اليماني صاحب دعوة جديدة مختلفة عما عليه الشيعة الإمامية، وحاله حال علماء الطائفة قديماً وحديثاً الذين يدْعون إلى صاحب الأمر عليه السلام، ويثبتون إمامته منذ عصر الغيبة الصغرى إلى يومنا هذا، من دون أن يستلزم ذلك أن يكون كل واحد منهم له دعوة جديدة خاصّة به، إلا أن اليماني لما كانت دعوته إلى صاحب الأمر عليه السلام صادقة وخالصة من شوائب الدنيا بخلاف غيره أصحاب الرايات الأخرى التي ستكثر في عصر الظهور كانت رايته أهدى من تلك الرايات جميعاً.
وقوله عليه السلام: (فارحل إلينا ولو حبواً على رجلك) يدل على وجوب الرحيل إلى مكّة المكرمة لنصرة الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف؛ لأنه ليس بين خروج السفياني وخروج الإمام المهدي عليه السلام إلا ستة أشهر ربما تزيد أياماً وأسابيع أو تنقص، ولا إشارة في الحديث إلى الأمر بالرحيل إلى اليماني؛ لأن اليماني لم يرد له في الحديث أي ذِكْر.
ويدل على ما قلناه ما رواه الشيخ الكليني قدس سره بسند صحيح عن عيص بن القاسم أن أبا عبد الله عليه السلام قال في حديث طويل: فالخارج منا اليوم إلى أيّ شيء يدعوكم؟ إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام؟ فنحن نُشهدكم أنا لسنا نرضى به، وهو يعصينا اليوم وليس معه أحد، وهو إذا كانت الرايات والألوية أجدر أن لا يسمع منا، إلا مع من اجتمعت بنو فاطمة معه، فوالله ما صاحبكم إلا من اجتمعوا عليه، إذا كان رجب فأقبلوا على اسم الله عزّ وجلّ، وإن أحببتم أن تتأخّروا إلى شعبان فلا ضير، وإن أحببتم أن تصوموا في أهاليكم فلعلّ ذلك أن يكون أقوى لكم، وكفاكم بالسفياني علامة(٢٩٢).
وهذه الرواية واضحة الدلالة على أن الذي يجب الرحيل إليه هو الإمام المهدي عليه السلام، وزعم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه أن المأمور بالرحيل إليه هو اﻟﮕﺎطع نفسه؛ لأنه هو الذي يجتمع معه بنو فاطمة في الأحلام التي رآها أتباعه، فمضافاً إلى أن الرؤى الكاذبة لا قيمة لها في دين الله، ولا تميِّز إمام الحق عن إمام الباطل، مع عدم صدق اجتماع بني فاطمة على اﻟﮕﺎطع بالرؤى، فإن عدم وجوب الرحيل إلى اليماني في رجب، الذي هو وقت خروجه، وجواز تأخيره إلى ما بعد شهر رمضان كما دلّت عليه الرواية، مع أن اليماني سيكون في وقت خروجه بالسيف أحوج ما يكون إلى النصرة، قرينة على أن الذي يجب الرحيل إليه في رجب أو شعبان أو إلى ما بعد شهر رمضان هو الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف دون غيره.
وحصر الديراوي الراية التي ترافق خروج السفياني براية اليماني غير صحيح؛ لأن راية الخراساني أيضاً ترافق خروج هاتين الرايتين، وإذا كان هناك أمر بالرحيل إلى راية هدى فهو غير منحصر في راية اليماني؛ لأن كلاً من راية الخراساني واليماني راية هدى، ولا سيما أن بعض الأحاديث دلّت على أن نفراً من أصحاب القائم عليه السلام سيلتحقون براية الخراساني.
فقد روى النعماني بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام أنه قال في حديث طويل: ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدّتهم سبعون ألفاً، فيُصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قِبَل خراسان، وتطوي المنازل طيًّا حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم(٢٩٣).
وقوله: إن (الأمر بالرحيل إليها يقتضي وجودها بفترة معتدّ بها قبل التحرّك المسلّح (أي قبل الخروج) ليتعرّف عليها الناس، ويرحلوا إليها) لا يخفى ما فيه، فإني لم أجد رواية واحدة صحيحة السند تدل على وجوب الرحيل لنصرة راية اليماني كما بيّنت ذلك فيما سبق، وأما الروايات الدالّة على نصرة الإمام المهدي عليه السلام فهي متواترة عند الشيعة وغيرهم، وهذا مؤيِّد لكون الأمر الوارد بالرحيل إليهم عليهم السلام يراد به الرحيل لنصرة الإمام المهدي عليه السلام دون من سواه.
ثم إنّا لو سلّمنا أن هناك أمر بالرحيل إلى اليماني فإن ذلك لا يستلزم كونه صاحب دعوة سابقة على خروجه، ولو سلّمنا كونه صاحب دعوة فإن الأمر بالرحيل إليه لا يستلزم وجود دعوته قبل خروجه بمدّة، فإن التعرّف على أي دعوة يمكن أن يتحقّق بعد الإعلان عنها مباشرة، وهذا أمر واضح.
ونحن لا ننكر أن اليماني يدعو لنصرة صاحب الأمر عليه السلام وأنه صادق في دعوته، إلا أن المراد بدعوته له عليه السلام هو الدعوة لنصرته، لا الدعوة إلى مذهب جديد له أربعة وعشرون إماماً، ولا الدعوة إلى إمامة اﻟﮕﺎطع بخصوصه، فإن هذه الدعوة ليست دعوة إلى صاحب الأمر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف كما لا يخفى.
ثم إن الديراوي بعد أن نقل رواية عمار المرويّة في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسي قدس سره ص ٤٦٣، التي ورد فيها قوله عليه السلام: ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلّهم يطلب الملك، رجل أبقع، ورجل أصهب، ورجل من أهل بيت أبي سفيان يخرج في كلب، ويحضر الناس بدمشق، ويخرج أهل الغرب إلى مصر، فإذا دخلوا فتلك إمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد.
قال: وفيه نصّ على أن ثمّة من يدعو لآل محمد قبل خروج الإمام المهدي، وهو اليماني الذي سنعرف لاحقاً أنه القائم نفسه أو مهدي آخر الزمان(٢٩٤).
والجواب: أنّنا بيّنّا فيما تقدّم دلالة الرواية على أن اليماني سيدعو إلى نصرة الإمام المهدي عليه السلام، وأما ما يزعمه اﻟﮕﺎطع وأتباعه من الدعوة إلى اثني عشر مهديًّا من أولاد الإمام المهدي عليه السلام، أوّلهم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، فإثبات ذلك من الروايات دونه خرط القتاد.
وأما قوله: (إن اليماني هو القائم نفسه، ومهدي آخر الزمان) فهو هذيان واضح، وكفاه أنه مخالف لإجماع جميع المسلمين منذ عصر الرسالة إلى يومنا هذا.
الأدلة الدالّة على أن اليماني ليس إماماً مفترض الطاعة:
يدل على أن اليماني ليس إماماً مفترض الطاعة ولا صاحب دعوة خاصّة به عدّة أمور:
١- أن الروايات المتواترة عند الشيعة الإمامية حصرت الأئمة في اثني عشر، لا يزيدون ولا ينقصون، أوّلهم أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، وقد سبق أن ذكرنا جملة من تلك الروايات فيما تقدّم، ولو كان اليماني إماماً مفترض الطاعة لزاد عدد الأئمة على الاثني عشر، وهو واضح البطلان.
٢- أن اليماني لو كان إماماً مفترض الطاعة لوجب التأكيد على إمامته في الروايات الكثيرة المتواترة التي أَكّد الأئمة الأطهار عليهم السلام فيها على إمامة غيره من أئمة الهدى عليهم السلام، ولَذُكر ذلك على الأقل في رواية واحدة صحيحة، وكل من تتبّع الروايات لا يجد فيها أي إشارة من قريب أو بعيد إلى إمامة اليماني حتى في رواية واحدة ضعيفة السند، فكيف تثبت هذه الإمامة التي لا دليل عليها في الروايات؟!
٣- أن الروايات وصفت اليماني بأنه يدعو إلى الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، ولو كان إماماً مفترض الطاعة لوجب أن يكون صامتاً في زمان الإمام المهدي عليه السلام، فإنه ما اجتمع إمامان في عصر واحد إلا كان أحدهما صامتاً كما دلّ عليه ما رواه الكليني قدس سره بسند صحيح عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال: لا. قلت: يكون إمامان؟ قال: لا، إلا وأحدهما صامت(٢٩٥).
لكن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع تجاهل كل تلك الأحاديث المتواترة التي حصرت الأئمة في اثني عشر إماماً، وحاول أن يلتف على بعض الأحاديث الضعيفة ليثبت بها أن اليماني إمام مفترض الطاعة، فقال:
إن اليماني ممهِّد في زمن الظهور المقدّس ومن الثلاث مائة وثلاث عشر [كذا]، ويسلّم الراية للإمام المهدي، والمهدي الأول أيضاً موجود في زمن الظهور المقدّس، وأول مؤمن بالإمام المهدي عليه السلام في بداية ظهوره وقبل قيامه، فلا بد أن يكون أحدهما حجّة على الآخر، وبما أن الأئمة والمهديّين حجج الله على جميع الخلق، والمهدي الأول منهم، فهو حجّة على اليماني إذا لم يكونا شخصاً واحداً، وبالتالي يكون المهدي الأول هو قائد ثورة التمهيد، فيصبح دور اليماني ثانوياً، بل مساعداً للقائد، وهذا غير صحيح؛ لأن اليماني هو الممهّد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدّس، فتحتّم أن يكون المهدي الأول هو اليماني، واليماني هو المهدي الأول(٢٩٦).
ولا يخفى على القارئ العزيز ما في هذا الكلام من الأكاذيب الفاضحة المخالفة للأدلة الواضحة؛ فإنه لا توجد رواية واحدة تدل على أن اليماني من ضمن أنصار الإمام الثلاثمائة والثلاثة عشر، والرواية التي ذكرت أسماء أنصار الإمام المهدي عليه السلام ذكرت من اليمن جماعة لا يُعلم أن اليماني المعهود واحد منهم أو لا؛ لأن الروايات الأخرى لم تذكر اسم اليماني حتى يُعرف أنه أحد هؤلاء المذكورين، وأما ادّعاء أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أن اليماني من البصرة واسمه أحمد، أي أنه هو نفس أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، فإن الرواية تكذِّبه؛ لأن الرواية التي رواها المرندي في (مجمع النورين) ورد فيها أن أنصار الإمام عليه السلام من البصرة: علي [و] محارب، وطليق(٢٩٧).
والرواية التي ذكرها اليزدي الحائري في (إلزام الناصب) ورد فيها أن أنصاره عليه السلام من البصرة رجلان: علي ومحارب(٢٩٨).
وأما محمد بن جرير الطبري الشيعي فإنه ذكر في (دلائل الإمامة) أن أنصاره عليه السلام من البصرة ثلاثة رجال: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد بن مليح، وحماد بن جابر(٢٩٩).
وهذه الروايات بأجمعها لا دلالة فيها على أن اليماني من أنصار الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، بل إنها تدل على خلاف ما يزعمه أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه من دلالة الروايات على أن اليماني من البصرة، واسمه أحمد، وأنه من الثلاثمائة والثلاثة عشر، فإن (أحمد) المذكور في رواية (دلائل الإمامة) هو أحمد بن مليح، لا أحمد بن إسماعيل ﮔﺎطع كما حاولوا أن يموّهوا على الناس في ذلك، ويوهموهم بأن أحد أنصار الإمام عليه السلام من البصرة اسمه (أحمد)، ولهذا تركوا النقل عن المصدر الأساس وهو (دلائل الإمامة)، ونقلوا عن كتاب (بشارة الإسلام)، الذي نقل هذه الرواية عن نسخة كثيرة الخطأ والتصحيف من كتاب (غاية المرام) الذي ينقل الرواية عن كتاب (دلائل الإمامة)، حيث جاء في الكتاب المذكور قوله: ومن البصرة: عبد الرحمن بن الأعطف بن سعد، وأحمد، ومليح، وحماد بن جابر(٣٠٠).
مع أن مؤلّف كتاب (بشارة الإسلام) اعترف بعد نقل هذه الرواية أن النسخة التي نقل عنها نسخةٌ كثيرة الأغلاط، فقال: هذه النسخة كثيرة الغلط، وقد سقط منها بعض الحروف وبُدّل البعض، وقد صحَّحت بعضها بنظري القاصر بواسطة بعض الأخبار.
ومع ذلك فإن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره نقلوا هذه الرواية عن هذا الكتاب الذي هو متأخّر، حيث توفي مؤلّفه سنة ١٣٣٦هـ، ولم ينقلوها عن المصدر الأصل وهو (دلائل الإمامة) لمؤلّفه محمد بن جرير بن رستم الطبري المتوفى في أوائل القرن الثالث الهجري؛ وسبب ذلك واضح، وهو أن ما في المصدر الأصلي يُبطل ما يدّعيه اﻟﮕﺎطع وأنصاره من أنه هو اليماني، وأنه أحد الثلاثمائة والثلاثة عشر، بخلاف النقل عن كتاب (بشارة الإسلام) الذي ورد فيه أن اسم أحد أنصار الإمام عليه السلام من البصرة اسمه أحمد، فإنه يمكن لهم أن يدَّعوا أن المراد به هو اﻟﮕﺎطع نفسه، رغم ما قاله مؤلّف الكتاب عن نسخته التي نقل عنها، وهذا دليل واضح على أنهم لا أمانة لهم في نقلهم عن المصادر، فإنهم كثيراً ما يبترون الرواية، فينقلون جزءاً منها، ويتركون نقل الباقي؛ لأن باقي الرواية يُبطل مزاعمهم الكاذبة، ويدل على خلاف ما يدّعونه.
وقد ذكر حيدر الزيادي وهو من المروِّجين لأحمد إسماعيل ﮔﺎطع أن (علي محارب) المذكور في بعض الروايات أنه من أنصار الإمام المهدي المنتظر عليه السلام هو نفس أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، حيث قال:
أوّل أنصار الإمام المهدي عليه السلام من البصرة، واسمه أحمد، وفي رواية سُمّي علي محارب، فأما علي فكونه الوصيّ في زمن الظهور كما أن علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله، فسُمّي علي [كذا] للمشابهة، ومحارب أي مقاتل؛ لكونه يقود معارك جيش الإمام عليه السلام العقائدية والعسكرية(٣٠١).
ولا يخفى أن هذا الكلام هذيان يُضحك الثكلى، وهو يدل على ما وصل إليه هؤلاء القوم من تحريف معاني الروايات والعبث بها، ويُبيِّن مدى خواء صاحبهم اﻟﮕﺎطع عن كل فضيلة، ولذا سعى أنصاره هذه المساعي المُخجِلة لكي ينسبوا له بعض الفضائل التي ليست له.
وهذا أنموذج مما دأب عليه أتباع اﻟﮕﺎطع الذين ينتقون من الروايات ما يظنون أنهم قادرون على تحريف معانيها، فمع أن كل مصادر الحديث التي ذكرناها لم يُذكر فيها ما يحتمل أنه إشارة إلى أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، إلا أنهم اختاروا اسماً فحرّفوا معناه بالنحو الذي نقلناه عن حيدر الزيادي، مع أنه من الواضح أن المراد بـ (علي محارب) كما في رواية (مجمع النورين)، أو (علي ومحارب) كما في رواية (إلزام الناصب)، رجل مسمّى بذلك، أو رجلان لهما هذان الاسمان، كما هو حال بقية الأسماء التي وردت في نفس الرواية للأنصار الباقين للإمام المهدي سلام الله عليه، فإن الإمام عليه السلام كان في صدد بيان أسماء هؤلاء الأنصار، من دون الإشارة إلى أي صفة يتّصف بها كل واحد منهم.
وأما زعم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أن اليماني يسلّم الراية للإمام المهدي عليه السلام فلم تدل عليه الروايات لا من قريب ولا من بعيد، والذي دلّت عليه الروايات التي ذكرناها فيما تقدّم هو أن اليماني يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، وأنه من الموالين له، ويقوم بنصرته، وزعمهم أنه هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، أو يوطّئ للإمام المهدي سلطانه، لا أثر له في الروايات، وكل ما ذكره أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأنصاره في ذلك فهو من أكاذيبهم وتمويهاتهم الكثيرة التي دلَّ الدليل على بطلانها.
وأما الاعتقاد بإمامة المهدي الأول الذي هو أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، وبإمامة المهديّين الأحد عشر من أولاد هذا اﻟﮕﺎطع، فهو من العقائد الشيطانية الباطلة التي خالفوا فيها جميع المسلمين منذ عصر الرسالة إلى يومنا هذا، وخالفوا بها الروايات المتواترة التي حصرت الأئمة المعصومين في اثني عشر، أوّلهم أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف، ويكفي هذا في الدلالة على بطلان هذه العقيدة الفاسدة.
ومما قلنا يظهر بطلان استدلال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع على أن المهدي الأول هو اليماني المذكور في الروايات، حيث زعم أنه لو لم يكن المهدي الأول واليماني شخصاً واحداً للزم (أن يكون أحدهما حجّة على الآخر، وبما أن الأئمة والمهديّين حُجج الله على جميع الخلق، والمهدي الأول منهم، فهو حجّة على اليماني إذا لم يكونا شخصاً واحداً، وبالتالي يكون المهدي الأول هو قائد ثورة التمهيد، فيصبح دور اليماني ثانوياً، بل مساعداً للقائد، وهذا غير صحيح؛ لأن اليماني هو الممهّد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدّس، فتحتّم أن يكون المهدي الأول هو اليماني، واليماني هو المهدي الأول).
وهذا الكلام أوهن من بيت العنكبوت، فإن الشيعة كما قلنا منذ عصور الأئمة الأطهار عليهم السلام إلى يومنا هذا لا يقولون: (إنّ بعد الأئمة المعصومين الاثني عشر عليهم السلام اثني عشر مهديًّا من ولد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام)؛ لأنّ ذلك مضافاً إلى أنه مخالف للأحاديث الصحيحة المتواترة التي حصرت الأئمة المعصومين في اثني عشر فقط، أوّلهم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، وآخرهم المهدي المنتظر عليه السلام، فإنّا لم نجد دليلاً واحداً يدل على إمامة هؤلاء المهديّين الاثني عشر، الذين يزعم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع زوراً وكذباً أنه أوّلهم، إلا رواية واحدة ذكرها الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، أسماها اﻟﮕﺎطع وأنصاره برواية الوصيّة، وهي رواية ضعيفة السند، قاصرة الدلالة على ما ادّعوه، وقد ناقشت هذه الرواية سنداً ودلالة في كتابي (الرّد القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم)، فمن أراد الاطلاع على ذلك فليرجع إلى هذا الكتاب(٣٠٢).
وعلى ما قلناه، فإن المهدي الأول لن يكون له وجود في عصر الظهور ولا في غيره حتى نتردّد في أنه هل هو نفس اليماني، أو أنه رجل آخر غيره؟
ولو أغمضنا عن جميع الروايات التي حصرت الأئمة في اثني عشر، وسلّمنا جدلاً أن اثني عشر مهديًّا سيتولّون الإمامة بعد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، أوّلهم هو المهدي الأول، فإن ذلك لا يستلزم وجوده في عصر الظهور؛ لأنه ربما يولد بعد ذلك بعشر سنين أو عشرين سنة؛ وزعم أحمد إسماعيل ﮔﺎطع أنه هو المهدي الأول لا قيمة له؛ لأنه ادّعاء مجرّد لا دليل عليه، بل قام الدليل الصحيح على خلافه؛ فإن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع مضافاً إلى أنه لا ينتسب إلى الإمام المهدي عليه السلام لا من قريب ولا بعيد، والمهدي الأول إن كان سيوجد فهو من أولاد الإمام المهدي عليه السلام المباشرين، لا من أحفاد أحفاده كما هو حال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع بحسب زعمه، حيث يزعم كذباً وزوراً أن الإمام المهدي عليه السلام هو جدّه الرابع، فإن هذا اﻟﮕﺎطع لا يصلح لإمامة الصلاة؛ لأنه عامي صرف، وأخطاؤه في قراءة آيات القرآن كثيرة وفاضحة، لا يقع فيها كثير من صبيان المسلمين، فكيف يكون إماماً مفترض الطاعة؟!
ولو تنزّلنا وسلّمنا أن المهدي الأول سيكون معاصراً لعصر الظهور، فإن ذلك لا يستلزم أن يكون هو نفس اليماني؛ إذ لا محذور في أن يكونا شخصين مختلفين، أما المهدي الأول فهو أحد أولاد الإمام المهدي عليه السلام، وأما اليماني فهو أحد القادة الذين يقومون بنصرة الإمام المهدي عليه السلام، فأين التنافي؟!
 وما زعمه هذا اﻟﮕﺎطع من أن عدم اتّحاد شخصيتي الرجلين يستلزم أن يكون المهدي الأول قائد ثورة التمهيد، فيصبح دور اليماني ثانويًّا، ويكون اليماني مساعداً للقائد، وهو غير صحيح؛ لأن اليماني هو الممهّد الرئيسي وقائد حركة الظهور المقدّس، كله تخبيص فاضح وهذيان واضح؛ لأن قائد حركة الظهور المقدّس هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام نفسه، لا المهدي الأول الذي لا وجود له إلا في خيال أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه، ولا اليماني الذي جعله هذا اﻟﮕﺎطع وأنصاره ممهّداً رئيساً وقائد حركة الظهور المقدّس من دون أي دليل على ذلك.
مع أنّا لو سلّمنا بوجود المهدي الأول في عصر الظهور فلا مانع أيضاً من جهة ثانية أن يكون المهدي الأول مغايراً لليماني، ويكون المهدي الأول صامتاً وقت الظهور، وأما اليماني فهو من علامات ظهور الإمام عليه السلام، ومن الداعين إليه، وأما قائد حركة الظهور المقدّس فهو الإمام المهدي عليه السلام نفسه كما قلنا.
ثم إن ناظماً العقيلي سار على نهج إمامه أحمد إسماعيل ﮔﺎطع في تجاهل الأحاديث المتواترة التي حصرت الأئمة في اثني عشر إماماً، وحاول الاستناد إلى بعض الأحاديث الضعيفة لإثبات أن اليماني إمام مفترض الطاعة، فقال:
وما دام أن شيعة آل محمد عليهم السلام مأمورون أن لا يجيبوا ولا ينصروا إلا رجل [كذا] من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يكون المقصود بالرجل في قول أمير المؤمنين عليه السلام: (يفرِّج الله البلاء برجل من بيتي كانفراج الأديم)، هو اليماني الموعود حتمًا، والقول بغير هذا يستلزم التناقض في كلام أهل البيت عليهم السلام وحاشاهم؛ لأنه يعني أن اليماني منهي عن نصرته؛ لأنه ليس من بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن مأمورون بالجلوس وعدم نصرة أي شخص حتى نسمع نداء رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (انظروا أهل بيت نبيّكم، فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروكم فانصروهم تُنصَروا وتُعذَروا)(٣٠٣).
وهذا كلام واضح البطلان؛ لأن الذي تجب نصرته وطاعته والتسليم له من أهل البيت عليهم السلام في عصر الظهور، والذي يرفع الله به البلاء، هو الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وأما اليماني فمضافاً إلى أن الوصف الوارد في الرواية - وهو أن الله يفرِّج به البلاء - لا ينطبق عليه، فإن نصرته - إن وجبتْ - فلأجل أنه يدعو إلى نصرة الإمام المهدي عليه السلام، لا من أجل أنه إمام مفترض الطاعة، وله دعوة أخرى خاصّة به مغايرة لدعوة الإمام المهدي عليه السلام.
ثم إن المتتبِّع لروايات آخر الزمان التي تحدثّت عن الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرجه، لا يجد فيها أي إشارة إلى أن اليماني سيكون قائداً في جيش الإمام المهدي عليه السلام، أو أن له دوراً في ملء الأرض قسطاً وعدلاً.
ولا ينقضي العجب من اﻟﮕﺎطع وأنصاره الذين جرَّدوا الإمام المهدي عليه السلام من كل فضيلة، فزعموا أن اليماني هو الذي يمهِّد للإمام المهدي عليه السلام، ويقوم بفتح الفتوحات، وأنه في حقيقة الأمر هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأن نسبة ذلك إلى الإمام المهدي المنتظر عجّل الله تعالى فرَجه الشريف لأجل كونه آمراً لا فاعلاً، كالملك الذي يجهِّز جيشاً، فيُنسب إليه كل ما يقوم به هذا الجيش من الفتوحات، وإن كان الملك لم يحارب، ولم يخطِّط، ولم يقم بأي مجهود يُذكر.
قال ناظم العقيلي:
يمكن لنا أن ننسب كل الحروب والملاحم التي يقوم بها اليماني الموعود إلى الإمام المهدي عليه السلام، من باب أنها بأمره وإرشاده، كما نقول: (فتح الملك الفلاني المدينة الفلانية)، في حين أن قائد جيشه هو الذي فتحها، وليس الملك نفسه، ولكن لا نستطيع أن نعكس المسألة، أي لا نستطيع أن ننسب الملاحم التي يقودها الإمام المهدي عليه السلام بنفسه بالمباشرة إلى اليماني الموعود؛ لأن اليماني الموعود حينئذ لا يكون سوى جندي كبقية الجنود والقادة، فلا قيادة مباشرة له، ولا أمر أو نهي أو تخطيط(٣٠٤).
إلى أن قال:
وبعد أن ثبت فيما سبق أن اليماني الموعود من ذرّيّة الإمام المهدي عليه السلام، فقد تنص الروايات على أمور كثيرة يقوم بها الإمام المهدي عليه السلام، ولكن في الحقيقة سيقوم بها ابنه ويمانيّه أحمد الوصيّ، ومنها مسألة مباشرة الملاحم، وحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر، وقد تكون هناك أمور أخرى لم تخطر على البال(٣٠٥).
والنتيجة التي يريد أن يخلص إليها ناظم العقيلي أنه لا مانع من أن يقوم اليماني الذي فرَضَه العقيلي أنه من أبناء الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرَجه الشريف بكل ما ذُكر في الروايات أن الإمام المهدي عليه السلام سيقوم به حتى ملء الأرض قسطاً وعدلاً (وهذا من الأمور الأخرى التي لم تخطر على البال) وغير ذلك، وهذا لا يكون فيه تكذيب للروايات؛ لأن ما يفعله الابن أو الحفيد يصح نسبته إلى الأب أو الجد ولو بنحو المجاز لا الحقيقة.
وبهذا يخرج الإمام المهدي عليه السلام عن أن يكون هو المصلح العالمي الحقيقي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً، ويكون المصلح العالمي الحقيقي بزعمهم هو أحمد إسماعيل ﮔﺎطع الذي نسبوا إليه كل فضائل الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
ولا يخفى أن هذا الكلام مخالف لإجماع المسلمين، فإنهم أجمعوا على أن الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً حقيقة هو الإمام المهدي عليه السلام نفسه، والروايات نسبت هذا الفعل إليه سلام الله عليه، ومقتضى ذلك هو حمل الكلام على معناه الحقيقي، الذي يدل على أنه عليه السلام هو الفاعل الحقيقي لا المجازي، ولا يمكن حمل الكلام على المجاز إلا بقرينة، ولا قرينة في البين تدل على أن الذي يملأ الأرض عدلاً هو رجل من ولده سلام الله عليه.
ثم إنه إذا كان الذي سيملأ الأرض عدلاً من ولد الإمام المهدي عليه السلام، وهو اﻟﮕﺎطع نفسه الذي يدّعي بلا حياء أنه حفيد حفيد الإمام المهدي عليه السلام، فلا وجه حينئذ لتخصيص الإمام المهدي عليه السلام في الروايات بأنه يملأ الأرض، ولا معنى للتأكيد على ذلك في جميع الروايات، واللازم حينئذ نسبة هذا الفعل إلى اﻟﮕﺎطع نفسه بنحو الحقيقة ولو في بعض الروايات على الأقل، ولا حاجة إلى استعمال المجاز في جميع الروايات من دون استثناء، فإن ذلك يوقع الناس في اللبس، بل في الضلال المبين.
ولو سلّمنا جدلاً بأن هناك ضرورة شرعية ملحّة يعلمها الأئمة الأطهار عليهم السلام، اقتضت منهم أن ينسبوا ملء الأرض إلى رجل آخر غير اﻟﮕﺎطع، فإن نسبته إلى أقرب الآباء وهو الحاج إسماعيل ﮔﺎطع (والد مُدّعي اليمانية)، أو نسبته إلى خير الآباء من جهة الأم وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أو خير الآباء من جهة الأب وهو أمير المؤمنين عليه السلام أولى من نسبته إلى الجد الرابع - وهو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام - كما يدَّعي.
ثم إن ناظماً العقيلي لجأ للتدليل على إمامة اليماني إلى دليل آخر، فقال:
إذن فما دام أن الالتواء على اليماني يسبب دخول النار والكون من أهلها - والعياذ بالله - فلا بدّ أن يكون اليماني إمامًا منصّبًا من الله تعالى وحجّة إلهية؛ لأنه لو لم يكن كذلك لما كان الملتوي عليه من أهل النار، ولكان الملتوي عليه غير خارج عن ولاية أهل البيت، ويكون من أهل الجنة لا من أهل النار(٣٠٦).
والجواب عُلم مما سبق، فإن هذه الرواية مضافاً إلى ضعف سندها، فإن الالتواء على اليماني يعني محاربته وإضعاف شوكته وإفشال حركته، وحيث إنه يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام ويقوم بنصرته، فإن محاربة اليماني تفضي إلى إضعاف حركة الإمام المهدي عليه السلام، ولا شك في أن كل من يعمل على إضعاف حركة الإمام المهدي عليه السلام فهو من أهل النار.
مضافاً إلى ذلك فإن الالتواء على اليماني بحربه وقتاله عادة ما يفضي إلى سقوط قتلى مؤمنين من جيشه، وهذا سبب كافٍ لدخول النار، بل إن مجرّد مقاتلة المؤمن بقصد قتله مما يوجب لفاعله أيضاً العذاب الأليم، وهذا ليس مخصوصاً باليماني، بل هو شامل لجميع المؤمنين، واليماني واحد منهم، فلا دلالة في هذه العبارة على أن اليماني إمام منصوب من الله تعالى، أو أنه حجّة إلهيّة، والروايات الواردة في النهي والتحذير عن قتال عموم المؤمنين أشهر من أن تخفى.
منها: موثَّقة أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه معصية، وحرمة ماله كحرمة دمه(٣٠٧).
قال الشيخ المجلسي قدس سره:
(وقتاله كفر) المراد به الكفر الذي يُطلق على أرباب الكبائر، أو إذا قاتله مستحِلًّا، أو لإيمانه، وقيل: كأنّ القتال لما كان من أسباب الكفر أطلق الكفر عليه مجازاً، أو أريد بالكفر كفر نعمة التآلف، فإن الله ألَّف بين المؤمنين، أو إنكار حق الإخوة، فإن من حقّها عدم المقاتلة(٣٠٨).
ومنها: معتبرة زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما على غير سُنّة فالقاتل والمقتول في النار، فقيل: يا رسول الله، هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: لأنه أراد قتله(٣٠٩).
وهذا الحديث واضح الدلالة على أن المرء يؤاخذ على قصده قتل المسلم بغير حق.
قال الشيخ المجلسي قدس سره:
ونحن نعلم أن من عزم ليلاً على أن يُصبح ويقتل مسلماً، أو يزني بامرأة، فمات تلك الليلة مات مُصرًّا، ويُحشر على نيّته وقد همَّ بسيّئة ولم يعملها، والدليل القاطع فيه ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: لأنه أراد قتل صاحبه)، وهذا نص في أنه صار من أهل النار بمجرد الإرادة، مع أنه قُتل مظلوماً، فكيف تظن أن الله لا يؤاخذ بالنيّة والهم، بل كل ما دخل تحت اختيار العبد فهو مأخوذ به، إلا أن يكفّره بحسنة، ونقض العزم بالندم حسنة، فلذلك كُتب حسنة، وأما فوات المراد بعائق فليس بحسنة(٣١٠).
ومحصَّل الكلام أن قتال اليماني وإن لم يتسبّب منه وقوع قتلى من جنوده فهو في نفسه محرّم؛ لأن قتال المسلم جرم عظيم وُصِفَ في بعض الأحاديث بأنه كفر؛ ولأن المرء يحاسَب على قصده ما لم ينقضه بالتوبة والندم.
هل اليماني واحد أو متعدِّد؟
لا شكّ في أن أهل اليمن كثيرون، وكل واحد منهم يصح في اللغة أن يُنسب إلى اليمن، فيوصف بأنه يماني، إلا أن محل الكلام هو اليماني المعهود المذكور في الروايات، الذي هو أحد العلامات الحتمية لظهور الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
وبما أن اليماني علامة من علامات ظهور الإمام عليه السلام فلا يمكن أن يكون متعدّداً؛ لأن تعدّده يفقده الفائدة من جعله علامة؛ لأنه لا يُعلم حينئذ أن العلامة هذا اليماني أو ذاك.
ولا يخفى أن اللام في كلمة (اليماني) هي لام العهد، فيكون المراد باليماني هو الرجل المعهود المعروف الذي هو علامة حتمية للظهور المقدّس، ولا يصح أن تكون هذه اللام جنسية، أو استغراقية؛ لأن ذلك يتنافى مع كونه علامة حتمية، وقد بيَّنا ذلك فيما تقدّم.
إذا اتّضح ذلك نقول: إن أنصار أحمد إسماعيل ﮔﺎطع لما رأوا أن الروايات تدل على أن اليماني يخرج من اليمن، حاولوا الالتفاف على النصوص بادّعاء أن اليماني المذكور في الروايات والذي هو من علامات الظهور أكثر من واحد، فهناك اليماني المعهود، وهناك يماني آخر، وغرضهم من ذلك هو الفرار من الالتزام بأن اليماني من اليمن، كيلا يخالفوا ادّعاءهم بأن صاحبهم اﻟﮕﺎطع البصري هو اليماني المعهود.
قال حيدر الزيادي وهو أحد أنصار أحمد اﻟﮕﺎطع:
من خلال روايات أهل البيت يتبيّن أن شخصية اليماني ذُكرت مرّات متعدّدة وبصيغ مختلفة، وفي كل مرّة نفهم جانبًا من الصورة، ويتبيّن أن اليماني الذي يأتي من اليمن هو غير اليماني الخاص بالإمام الذي ذكره رسول الله والإمام الباقر عليه السلام، وقال: (الملتوي عليه من أهل النار)، والذي هو يمين الإمام المهدي عليه السلام وقائد جيوشه، وهو المولى الذي يأخذ البيعة من الناس للإمام عليه السلام، ولهذا اليماني أيضًا قائد على جيوشه وهو يماني اليماني، كما أن ثورات آل محمد التمهيدية للقائم عليه السلام فهي ثورات يمانية؛ لأنهم يمانية بالنسب والسبب والقائد للثورة، فهو يماني أيضاً نسبةً لأهل البيت، كما أن المنسوب للسفياني فهو سفياني أيضًا. ومن هنا نفهم أن الثلاث مائة والثلاث عشر [كذا] أنصار الإمام المهدي عليه السلام كلهم يمانية نسبة لقائدهم اليماني؛ لأنه أوّلهم وصاحبهم، فأي منهم يقوم بثورة تسمّى ثورة اليماني.
فلا يلتبس على أحد الأمر عند مروره بروايات تذكر عدّة يمانية، أي اليماني متعدّد القادة، إلا إن اليماني المخصوص بالبيعة، والملتوي عليه من أهل النار، هو حجّة من حجج الله في أرضه، وهو معصوم(٣١١).
وهذا الكلام فيه من الهذيان ما لا يخفى، فإن اليماني الذي هو علامة حتميّة للظهور لا بدّ أن يكون رجلاً واحداً غير متعدّد كما قلنا، ولو كان متعدِّداً لفقد خاصيّة كونه علامة، ولَافتقرتْ هذه العلامة إلى علامة أخرى تبيِّنها.
وهذا الزعم مضافاً إلى أنه لا دليل عليه، فإن الروايات التي نصّت على أن اليماني يخرج من اليمن إنما تحدّثت عن اليماني الذي هو من علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام، ولم تتحدّث عن يماني آخر يخرج في عصر الظهور.
ووصف اليماني المعهود بأنه يماني خاصّ بالإمام عليه السلام، وأنه قد ذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإمام الباقر عليه السلام، وقال: (الملتوي عليه من أهل النار)، والذي هو يمين الإمام المهدي عليه السلام وقائد جيوشه، وهو الموْلى الذي يأخذ البيعة من الناس للإمام عليه السلام، كله غير صحيح؛ فإن جميع ذلك لم يثبت لليماني المعهود، إلا ما ورد في رواية ضعيفة سبق الكلام فيها من أن (الملتوي عليه من أهل النار).
وأما ما أفاضه أتباع اﻟﮕﺎطع على اليماني من الصفات العظيمة والمقامات الكثيرة التي من ضمنها الإمامة والعصمة، وأنه هو الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وغير ذلك فكلّه يدل على جهل هؤلاء القوم، ويكشف عن مدى تلاعبهم بالروايات، واستخفافهم بعقول الناس، وشدّة حرصهم على تفسيرها بأهوائهم بلا خوف من الله سبحانه ولا حياء من الناس.
والمضحك أن هذا الزيادي ذكر أن اليماني قائد جيوش الإمام المهدي عليه السلام، ثم ذكر أن قائد جيوش اليماني يماني آخر!! فلا أدري كيف يكون ذلك؟! وكيف يعقل أن يتولّى اليماني قيادة جيوش الإمام عليه السلام، وتكون له جيوش أخرى خاصّة به، يوكل أمر قيادتها إلى رجل آخر غيره؟!
إذا كان اليماني في عصر الظهور له جيوش مغايرة لجيوش الإمام المهدي عليه السلام فإنه سيكون قائداً عليها، ولن يكون قائداً في نفس الوقت على جيوش الإمام عليه السلام.
والمضحك المبكي أيضاً - وكثير من كلامه مضحك مُبْكٍ - زعمه أن أنصار الإمام المهدي عليه السلام الثلاث مائة والثلاثة عشر كلهم يمانية نسبةً لقائدهم اليماني؛ لأنه أوّلهم وصاحبهم، فأيّ منهم يقوم بثورة تسمّى ثورة اليماني.
ونحن قلنا فيما تقدّم: (إنه لا دليل على أن اليماني من الثلاثمائة والثلاثة عشر)، فكيف يكون اليماني أوّلهم وقائدهم؟! ولو سلّمنا لهم بذلك فلماذا يُنسبون إلى اليماني ولا يُنسبون إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام الذي هو قائدهم الحقيقي وقائد اليماني نفسه؟! وما هي أهمية نسبتهم إلى اليماني بخصوصه حتى يوصفوا بأنهم يمانية، وتوصف ثورة الإمام المهدي سلام الله عليه بأنها ثورة يمانية؟!
هذا الهراء والهذيان وكثير من أمثاله ملأ هؤلاء القوم به صحائف سمّوها كتباً، ومن نظر فيها يرى أنها لا تشتمل على أي علم، وإنما هي جهالات مجموعة، لا تستحق أن يُنظر فيها، ولهذا فإني لا أرى أي فائدة علمية في بيان بطلان الكثير من هذيان هذا الزيادي وأمثاله حول اليماني؛ لأن أكثر هؤلاء لا يتكلّمون بعلم وتحقيق، ولا يذكرون ما يصحّ أن يسمّى دليلاً حتى لو كان فاسداً، بل أكثر كلامهم ادّعاءات مجرّدة، وكل من نظر فيما كتبوه يجد أنهم يأخذون الرواية ويطبّقونها على من شاؤوا بحسب ما تمليه عليهم أهواؤهم، من دون أن يذكروا على ذلك أي دليل، ومن الظلم للجمع التبرّعي أنْ نَصِف جمعهم للأخبار بأنه جمع تبرّعي، بل هو جمع للجهل بالهوى لا أكثر.
وقال بعض الفضلاء:
احتمال أن يكون اليماني متعدِّداً، ويكون الثاني منهما هو اليماني الموعود. فقد نصّت الروايات المتقدّمة على أن ظهور اليماني الموعود مقارن لظهور السفياني، أي في سنة ظهور المهدي عليه السلام.
ولكن توجد رواية أخرى صحيحة السند عن الإمام الصادق عليه السلام تقول: (يخرج قبل السفياني مصري ويماني) (البحار:٥٢/٢١٠).
وعليه فيكون هذا اليماني الأول ممهِّداً لليماني الموعود، كما يمهِّد الرجل من قم وغيره من أهل المشرق للخراساني وشعيب الموعودين(٣١٢).
والجواب: أن الرواية التي نقلها الفاضل المذكور عن كتاب (بحار الأنوار) ظاهرة في أن قبل السفياني مصري ويماني، والمراد باليماني في هذه الرواية رجل من اليمن، بدليل ذكره منكَّراً بدون لام التعريف، وهو غير اليماني المعهود الذي لم يُذكر في الروايات إلا معرَّفاً باللام العهدية.
مضافاً إلى أن خروج اليماني المعهود متزامن مع خروج السفياني، فكل يماني خَرَجَ قبل السفياني لا كلام لنا فيه؛ لأنه غير اليماني المعهود الذي هو من علامات الظهور.
مع أن الرواية المذكورة لا تدل على أن هذا اليماني الذي يخرج قبل السفياني يمهِّد لليماني المعهود، وهي لم تبيّن شيئاً عن هذا اليماني، فلعلّه من أعداء اليماني المحتوم، ولعلّه يظهر قبله بمدّة طويلة، فلا يكون له أي دور في أحداث عصر الظهور، ولا يكون من أنصار الإمام المهدي المنتظر عليه السلام.
هل اليماني قائد الرايات السّود؟
تكرّر في الروايات ذكر أصحاب الرايات السود التي تأتي من المشرق كما في بعض منها، أو من خراسان كما في بعض آخر.
فمن هم هؤلاء؟ ومن هو قائدهم؟ هل قائدهم هو اليماني أو شخص آخر؟
من مجموع الروايات نستفيد عدة أمور:
١- أن أصحاب الرايات السود يخرجون من المشرق:
فقد روى ابن طاووس عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذكر بلاءً يلقاه أهل بيته حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء، من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله، حتى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي فيولّوه أمرهم، فيؤيّده الله وينصره(٣١٣).
وروى أيضاً عن سعيد بن المسيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يخرج من المشرق رايات سود لبني العباس، ثم يمكثون ما شاء الله، ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق، ويؤدّون الطاعة للمهدي(٣١٤).
٢- أنهم يخرجون من خصوص خراسان:
فقد روى النعماني في (الغيبة) بسنده عن أبي بكر الحضرمي، قال: دخلت أنا وأبان على أبي عبد الله عليه السلام وذلك حين ظهرت الرايات السود بخراسان، فقلنا: ما ترى؟ فقال: اجلسوا في بيوتكم، فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فانهدوا إلينا(٣١٥) بالسلاح(٣١٦).
بتقريب: أن الرواية تدل على أنه كان مرتكزاً عند أصحاب الإمام الصادق عليه السلام أن الرايات السود الممدوحة تخرج من خراسان، فلما خرجت راية أبي مسلم الخراساني، ظنَّ بعض أصحاب الإمام الصادق عليه السلام أن تلك الرايات الممدوحة هي رايات أبي مسلم، والإمام عليه السلام أقرّهم على ما هو مرتكز في أذهانهم مِن أنها تخرج من خراسان، إلا أنه بيَّن لهم أن هذه رايات أخرى غير تلك الرايات الممدوحة في أخبار الأئمة الأطهار عليهم السلام، ولذلك أمرهم بالجلوس في بيوتهم، وعدم الخروج معها.
وروى الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة) بسنده عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهدي عليه السلام بُعث إليه بالبيعة(٣١٧).
٣- أن قائد الرايات السود هو الخراساني:
فقد روى النعماني في كتاب (الغيبة) بسنده عن أبي بصير عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام أنه قال في حديث طويل: وليس فرجكم إلا في اختلاف بني فلان، فإذا اختلفوا فتوقّعوا الصيحة في شهر رمضان وخروج القائم، إن الله يفعل ما يشاء، ولن يخرج القائم ولا ترون ما تحبّون حتى يختلف بنو فلان فيما بينهم، فإذا كان كذلك طمع الناس فيهم، واختلفت الكلمة، وخرج السفياني. وقال: لا بدّ لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرّق ملكهم، وتشتّت أمرهم، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا، وهذا من هنا، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أما إنهم لا يُبقون منهم أحداً...(٣١٨).
وبسنده عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه سمعه يقول: لا بد أن يملك بنو العباس، فإذا ملكوا واختلفوا وتشتّت أمرهم خرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من ههنا، وهذا من ههنا، حتى يكون هلاكهم على أيديهما، أما إنهما لا يُبقون منهم أحداً أبداً(٣١٩).
فقوله: إن الخراساني يأتي من المشرق - أي من خراسان - يدل على أنه هو قائد الرايات السود التي تخرج من خراسان، ولذلك وُصف في الروايات بأنه خراساني.
٤- أن قائدهم شاب من بني هاشم وعلى مقدّمتهم شعيب بن صالح:
دلّ على ذلك الرواية السابقة التي رواها ابن طاووس قدس سره عن جابر، والرواية الأخرى عن محمد بن الحنفية رضوان الله عليه.
وروى نعيم بن حماد روايات أكثر تفصيلاً تتحدّث عن الرايات السود، مضمونها: أن شابًّا من بني هاشم، بكفّه اليمنى خال، يخرج من خراسان في أربعة آلاف رجل، قلانسهم سود، وثيابهم بيض، وراياتهم سود، على لوائه شاب حديث السن، خفيف اللحية أو كوسج، أصفر أو أسمر، ربعة، من تميم أو مولى لبني تميم، اسمه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم، لو قاتل الجبال لهزَّها أو لهدّها حتى ينزل بيت المقدس أو (إيلياء)، ثم يبعثون إلى الإمام المهدي عليه السلام بالبيعة، وشعيب بن صالح هذا هو الذي يكون بعد ذلك على لواء الإمام المهدي عليه السلام(٣٢٠).
٥- أنهم يبايعون الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، ويؤدّون إليه الطاعة:
فقد ورد في رواية الشيخ الطوسي عن جابر أنه عليه السلام قال: فإذا ظهر المهدي عليه السلام بُعث إليه بالبيعة.
وفي رواية ابن طاووس عن سعيد بن المسيب قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ويؤدّون الطاعة للمهدي.
٦- ورود الأمر بنصرة هذه الرايات السود:
فقد روى ابن طاووس في الملاحم عن ثوبان، قال: إذا رأيتم الرايات السود خرجتْ من قِبَل خراسان، فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإن فيها خليفة الله المهدي(٣٢١).
وروى عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ذكر بلاءً يلقاه أهل بيته حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء، من نصرها نصره الله، ومن خذلها خذله الله، حتى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي، فيولّوه أمرهم، فيؤيّده الله وينصره(٣٢٢).
وروى محمد بن جرير الشيعي بسنده عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حديث: إنّا أهل بيت اختار الله عزّ وجلّ لنا الآخرة على الدنيا، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً في البلاد، حتى ترتفع رايات سود من المشرق، فيسألون الحق فلا يُعطَون، ويقاتلون فيُنصَرون، فيُعطون الذي سألوا، فمن أدركهم منكم أو من أبنائكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج، فإنها رايات هدى، يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت جوراً وظلماً(٣٢٣).
وحيث إن نصرة الرايات السوداء يتعلّق به تكليف شرعي، فعلى ما سلكناه في هذا الكتاب من لزوم التدقيق السندي في الروايات المشتملة على التكاليف الإلزامية، فإن مقتضى ذلك هو أني لم أجد رواية صحيحة السند تدل على وجوب نصرة هذه الرايات السوداء، وأسانيد هذه الروايات لا تخلو من مناقشة، والله العالم.
إلا أن الفرق بين ما دلَّ على نصرة اليماني وما دلَّ على نصرة الرايات السوداء هو أن الدال على نصرة اليماني رواية واحدة، والدال على نصرة الرايات السوداء روايات متعدّدة، وإذا أردنا أن نعتمد شيئاً من هذه الروايات فروايات نصرة الرايات السوداء أولى بالاعتماد؛ لتعدّدها وتعدّد طرقها.
٧- أنهم يهزمون أصحاب السفياني ويوطِّئون للمهدي سلطانه:
فقد روى ابن طاووس في (الملاحم والفتن) عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: يخرج شاب من بني هاشم بكفّه اليمنى خال، من خراسان برايات سود، بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم(٣٢٤).
وروى عن محمد بن الحنفية، قال: تخرج راية سوداء لبني العباس، ثم تخرج من خراسان أخرى سوداء، قلانسهم سود، وثيابهم بيض، على مقدّمتهم رجل يقال له: شعيب بن صالح، أو: صالح بن شعيب من تميم، يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل بيت المقدس، يوطِّئ للمهدي سلطانه، ويمدّ إليه ثلاثمائة من الشام، يكون بين خروجه وبين أن يسلِّم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً(٣٢٥).
وروى نعيم بن حماد بسنده عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان، ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي، فيلتقي هو والهاشمي برايات سود، على مقدّمته شعيب بن صالح، فيلتقي هو وأصحاب السفياني بباب إصطخر، فتكون بينهم ملحمة عظيمة، فتظهر الرايات السود، وتهرب خيل السفياني، فعند ذلك يتمنّى الناس المهدي ويطلبونه(٣٢٦).
من مجموع هذه الروايات يتبيّن أن أصحاب الرايات السود يخرجون من المشرق أو من خراسان، ويحاربون أصحاب السفياني ويهزمونهم، ويبايعون الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، ويؤدّون إليه الطاعة، ويوطّئون له سلطانه، وقائدهم هو الخراساني الذي يكون خروجه في يوم واحد مع خروج اليماني والسفياني، ورايته راية هدى، إلا أن راية اليماني أهدى.
لكن اﻟﮕﺎطع وأتباعه على ما هو دأبهم في تفسير الأحاديث، فإنهم لتحقيق مآربهم السيّئة وغاياتهم الدنيئة، قالوا: إنه لا توجد راية هدى إلا واحدة، وحيث إن راية اليماني أهدى الرايات، وهذه الرايات السود رايات هدى، فإذن لا بد أن تكون هذه الرايات هي رايات اليماني وإن خرجت من خراسان.
قال ناظم العقيلي في التدليل على ذلك:
وعندما نأتي إلى روايات أهل البيت عليهم السلام نجدها تحذّر بلهجة شديدة عن اتّباع أي راية قبل قيام القائم عليه السلام وفي عصر الظهور إلا راية واحدة، وُصفت بعدّة أوصاف وبألفاظ مختلفة، فتارة نجدهم يعبّرون عنها بأنها حسينية، وتارة بأن مع صاحبها عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتارة بأنها مشرقية، وتارة بأنها سوداء، وتارة بأن صاحبها خامل أصله، وتارة بأنها راية آل محمد وعلي عليهم السلام، وتارة بأنها يسوقها رجل من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم... الخ.
وبما أن الحق واحد لا يتعدّد، فلا بد أن تكون هذه الراية الممدوحة من بين الرايات والمأمور باتّباعها هي راية اليماني الموعود - أهدى الرايات -، إذن فهي راية أهل البيت عليهم السلام لا غير(٣٢٧).
ولا يخفى ما في هذا الكلام من التخليط المتعمَّد؛ فإن الروايات التي ذكرها تشير إلى أشخاص متعدّدين راياتهم رايات حق؛ لأن جملة من تلك الروايات ذكرت راية الإمام المهدي عليه السلام الذي وُصف في بعضها بأنه من ولد الحسين عليه السلام، ووُصفت رايته في بعضها الآخر بأنها راية آل محمد عليهم السلام.
وأما الروايات التي ذكرت الرايات السود التي تخرج من المشرق أو من خراسان فهي تشير إلى راية الخراساني.
ووصف راية اليماني بأنها أهدى الرايات لا يراد به أنها أهدى من راية الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وإنما هي أهدى من راية السفياني وراية الخراساني، أما راية السفياني فلأنها راية ضلال، وأما راية الخراساني فلأنها وإن كانت راية هدى، إلا أن راية اليماني أهدى منها؛ لأنها تدعو إلى الحق، ودعوتها إلى الإمام المهدي عليه السلام خالصة.
وإذا صحَّ وجود راية هدى أخرى في عصر الظهور غير راية الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وهي راية اليماني، بحيث لا يكون وجودها في ذلك العصر معارضاً للروايات التي تنصّ على أن راية الهدى راية واحدة فقط، فما المانع من أن تكون هناك أيضاً راية هدى ثالثة، وهي راية الخراساني؟!
 وقد سبق أن بيَّنتُ بطلان هذه المزاعم بما لا مزيد عليه في فصل: (راية اليماني أهدى الرايات)(٣٢٨)، وقلنا هناك: إنه قد يُكنّى بالراية عن الجماعة التي لها دعوة خاصّة بها، كراية اليماني التي دعوتها محقَّة، وراية السفياني التي دعوتها باطلة، فلا مانع من تعدّد الرايات المحقّة التي تدعو إلى شيء واحد، وليس كل من يدعو إلى الحق لا بدّ أن تكون رايته هي راية أهل البيت عليهم السلام، وراية اليماني والخراساني رايتا حق؛ لأنهما تدعوان إلى الحق وإلى الإمام المهدي عليه السلام، لكن لا يصحّ أن نقول عن أي منهما: (إنها راية الإمام المعصوم التي يجب نصرتها، ويدور الحق معها حيثما دارت) رغم أنها تدعو إلى الحق.
ومما قلناه يتضّح بطلان قول ناظم العقيلي:
إن هذه الرايات الخراسانية هي الممهِّدة للإمام المهدي عليه السلام، وهي التي تهزم السفياني من إيران والعراق حتى تصل إلى بيت المقدس، وقد تقدّم أن هذه الرايات لا بد أن تكون تابعة لليماني الموعود، المهدي الأول من ذرّيّة الحجّة محمد بن الحسن عليه السلام؛ لأن الراية الممدوحة والمأمور بنصرتها واحدة لا غير وهي أهدى الرايات(٣٢٩).
وأنا أتعجّب من ناظم العقيلي الذي استدلّ على أن الرايات الخراسانية التي تهزم السفياني تابعة لليماني بأن الراية الممدوحة والمأمور بنصرتها واحدة لا غير وهي راية اليماني، فلهذا لا بدّ أن تكون هذه الرايات هي راية اليماني أو تابعة له، مع أن الروايات المادحة لراية الخراساني كثيرة، والخراساني يخرج من خراسان في نفس اليوم الذي يخرج فيه اليماني من اليمن، فكيف صارت الرايات الخراسانية راية اليماني أو تابعة له؟!
وحاصل البحث: أن الرايات السود التي تخرج من خراسان رايات هدى، قائدها الخراساني المحتوم الذي يعمل تحت إمرته شعيب بن صالح، ولا علاقة لهذه الرايات باليماني المعهود، ولا يلزم من كون راية اليماني أهدى الرايات ألا تكون في عصر الظهور رايات هدى أخرى، كما لا يلزم من ذلك أن تكون كل رايات الهدى منسوبة إلى اليماني، أو تعمل تحت إمرته كما يدّعي أحمد إسماعيل ﮔﺎطع وأتباعه.
دور اليماني في قتال السفياني
بما أن راية اليماني راية هدى، واليماني يدعو إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وراية السفياني راية ضلال، وهو سيكون في مواجهة مسلّحة مع الإمام المهدي سلام الله عليه، فمن الطبيعي أن تكون هناك مواجهة مسلحة بين اليماني من جهة، والسفياني من جهة أخرى، إلا أن الروايات لم تذكر دوراً مهمًّا لليماني من هذه الناحية، بل إني لم أجد رواية واحدة تبيّن أي دور له في ذلك، وهذا قد يشكّك الباحث في فاعلية دور اليماني في قتاله مع السفياني.
ولكن عندما نقرأ ما كتبه اﻟﮕﺎطع وأتباعه، وكذا ما كتبه غيرهم نجد أنهم ذهبوا إلى طرفي نقيض في بيان دور اليماني في قتال السفياني.
فقد ذهب السيّد محمد الصدر رحمه الله في كتابه (تاريخ ما بعد الظهور) إلى أن السفياني سيُجهز على اليماني، وسيُخْلي الساحة منه، فقال:
إنه تبقى عدّة فجوات في تسلسل الحوادث لم تنطق بها الأخبار بوضوح، ومن الصعب استدراكها بطبيعة الحال، نذكر لها بعض الأمثلة:
إلى أن قال:
ومنها: دور اليماني عسكريًّا وفكريًّا وعقائديًّا، وإن كان المظنون أنه هو المشار إليه في بعض الأخبار بأن رايته راية هدى كما سمعنا في التاريخ السابق، والسفياني سيُجهز عليه، وسيُخلي الساحة منه، إلا أنّ فجوات أخرى سوف تبقى غير قابلة للجواب(٣٣٠).
والذي يظهر أن هذا القول ناشئ عن الاشتباه في فهم عبارة وردت في رواية رواها الشيخ الطوسي قدس سره بسنده عن عمار بن ياسر، قال: إن دولة أهل بيت نبيّكم في آخر الزمان، ولها إمارات، فإذا رأيتم فالزموا الأرض، وكفّوا حتى تجيء أماراتها، فإذا استثارت عليكم الروم والترك، وجهّزت الجيوش، ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال، واستُخلف بعده رجل صحيح، فيُخلع بعد سنين من بيعته، ويأتي هلاك ملكهم من حيث بدأ، ويتخالف الترك والروم، وتكثر الحروب في الأرض، وينادي منادٍ من سور دمشق: (ويل لأهل الأرض من شرٍّ قد اقترب)، ويُخسف بغربي مسجدها حتى يخرّ حائطها، ويظهر ثلاثة نفر بالشام كلهم يطلب الملك: رجل أبقع، ورجل أصهب، ورجل من أهل بيت أبي سفيان يخرج في كلب، ويحضر الناس بدمشق، ويخرج أهل الغرب إلى مصر، فإذا دخلوا فتلك إمارة السفياني، ويخرج قبل ذلك من يدعو لآل محمد عليهم السلام، وتنزل الترك الحيرة، وتنزل الروم فلسطين، ويسبق عبد الله (عبد الله) حتى يلتقي جنودهما بقرقيسياء على النهر، ويكون قتال عظيم، ويسير صاحب المغرب فيقتل الرجال ويسبي النساء، ثم يرجع في قيس حتى ينزل الجزيرة السفياني، فيسبق اليماني، [فيقتل] ويحوز السفياني ما جمعوا، ثم يسير إلى الكوفة فيقتل أعوان آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويقتل رجلاً من مسمّيهم، ثم يخرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح...(٣٣١).
وسبب اللبس أن كلمة (فيقتل) قرأها السيد رحمه الله مبنية للمجهول، فصار معنى العبارة: (فيسبِق السفيانيُّ اليمانيَّ فيُقتل) يعني يُقتل اليمانيُّ، ولكن الصحيح أنها مبنية للمعلوم، والمعنى: (فيسبقُ السفيانيُّ اليمانيَّ، فيَقْتُلُ) يعني فيقتل السفيانيُّ أعداءَه، ويحوزُ ما جمعوا.
وعليه، فلا دلالة في هذه العبارة على أن السفياني سيُجْهز على اليماني.
وفي قبال ذلك نجد بعض أتباع اﻟﮕﺎطع وكذا بعض الباحثين يصرّون على أن اليماني له دور أساس في قتال السفياني، بل زعموا أنه سيقتل السفياني بيده:
قال ناظم العقيلي:
وقول الإمام عليه السلام: (أما يعلمون أنه إنما يَقْتُل السفياني)، الظاهر رجوع الضمير في (أنه) إلى صاحب الرايات السود (أبي مسلم الخراساني) الذي ظنّوا به أنه اليماني الموعود، أو الممهِّد الذي به يؤول الأمر إلى أهل البيت عليهم السلام، فبيَّن لهم الإمام عليه السلام بأن ذلك إنما يقتل السفياني، وليس هذا - أبو مسلم الخراساني - الذي لم يخرج معه السفياني عندما خرج للقتال ورفع الرايات السود، وعلى هذا يكون الذي يقتل السفياني هو اليماني الموعود، بملاحظة الروايات التي تذكر مواجهة وقتال اليماني مع السفياني...(٣٣٢).
قلت: قول الإمام عليه السلام: (أما يعلمون أنه إنما يَقْتُل السفياني) يريد به الإمام القائم عليه السلام الذي يظهر السفياني في عصره، فإنه هو الذي يقتل السفياني، وكان بعض أصحاب الإمام الصادق عليه السلام قد توهَّموا أن هؤلاء المسوّدة - أي أصحاب الرايات السود الخارجين من خراسان - هم أصحاب الرايات السود الذين يخرجون من خراسان، وينصرون الإمام القائم عليه السلام الذي يؤول إليه الأمر بعد قتل السفياني، فظنّوا أن الإمام الصادق عليه السلام هو ذلك الإمام، إلا أن الإمام عليه السلام بيَّن لهم أن الأمر ليس كذلك، وأن الذي سيؤول إليه الأمر هو الإمام الذي يَقْتل السفياني، والسفياني لم يظهر بعد، ولن يُقتل إلا بعد زمان الإمام الصادق عليه السلام.
ومما قلناه يتّضح مقدار عبث ناظم العقيلي بمعنى الرواية؛ حيث زعم أن الإمام الصادق عليه السلام بيَّن لأصحابه أن الذي يقتل السفياني هو صاحب الرايات السود التي تخرج من خراسان وهو اليماني، وهذا تخليط فاضح، فإن قائد الرايات السود هو الخراساني لا اليماني كما ذكرناه فيما سبق، وهلاك السفياني لن يكون على يدي الخراساني، وإنما سيتم على يدي الإمام المهدي عليه السلام كما دلّت عليه جملة من الروايات التي سنذكرها قريباً.
قال الشيخ المجلسي قدس سره في شرح الحديث:
قوله عليه السلام: (حين ظهرت المسوِّدة) أي أصحاب أبي مسلم المروزي؛ لأنهم كانوا يلبسون السواد.
قوله عليه السلام: (ما أنا لهؤلاء بإمام) أي أنهم لاستعجالهم، وعدم التسليم لإمامهم(٣٣٣) خارجون عن شيعته والمقتدين به.
قوله عليه السلام: (إنما يَقْتُل السفياني) أي أما يعلمون أن القائم يَقْتُل السفياني الخارج قبله كما يظهر من كثير من الأخبار أنه عليه السلام يقتله؟ أو أما يعلمون أن من علامات ظهور دولة أهل البيت قتل السفياني قبل ذلك، والسفياني لم يخرج، ولم يُقْتَل بعد، فكيف يصح لنا الخروج والجهاد؟(٣٣٤).
وقال ناظم العقيلي في موضع آخر:
إن اليماني الموعود هو من يقضي على دولة بني العباس في آخر الزمان وعلى أعداء آل محمد عليهم السلام، وإن على يديه تكون الملاحم، ويتبيّن من الروايات أن ذروة ذلك يكون في ثمانية أشهر، ونعلم أيضًا أن اليماني هو من سيهزم السفياني من العراق ومن إيران.. أي إن اليماني الموعود سيخوض ذروة الملاحم وأشدّها(٣٣٥).
قلت: لا يظهر من الروايات ذلك، وإنما يظهر منها أن زوال ملك بني العباس على يد الخراساني، فقد روى النعماني قدس سره بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ملك بني العباس يسر لا عسر فيه، دولتهم لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان لن يزيلوه، ولا يزالون في غضارة(٣٣٦) من ملكهم حتى يشذّ عنهم مواليهم وأصحاب ألويتهم، ويسلّط الله عليهم علجاً(٣٣٧) يخرج من حيث بدأ ملكهم، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا تُرفع له راية إلا هدَّها، ولا نعمة إلا أزالها، الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر، ويدفع بظفره إلى رجل من عترتي، يقول بالحق ويعمل به(٣٣٨).
وقوله: (ويسلّط الله عليهم عِلْجاً يخرج من حيث بدأ ملكهم) يدل على أن هذا الرجل الذي سلّطه الله على ملك بني العباس خراساني؛ لأنه من خراسان التي بدأ ملك بني العباس منها بقيادة أبي مسلم الخراساني، والخراساني الذي يدفع بظفره إلى الإمام المهدي المنتظر عليه السلام هو الخراساني المحتوم دون غيره.
وإزالة ملك بني فلان الذي يكون علامة على قرب الظهور يشترك فيه كل من الخراساني والسفياني معاً.
فقد روى النعماني قدس سره في (الغيبة) بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال في حديث طويل: لا بدّ لبني فلان من أن يملكوا، فإذا ملكوا ثم اختلفوا تفرَّق ملكهم، وتشتَّت أمرهم، حتى يخرج عليهم الخراساني والسفياني، هذا من المشرق، وهذا من المغرب، يستبقان إلى الكوفة كفرسي رهان، هذا من هنا، وهذا من هنا، حتى يكون هلاك بني فلان على أيديهما، أما إنهم لا يُبقون منهم أحداً(٣٣٩).
ومن مجموع الروايات لا نجد أي ذكر للملاحم التي ينسبها اﻟﮕﺎطع وأتباعه لليماني المعهود، والتي إن وُجدت في موضع فهي موجودة فقط في أوهام هؤلاء القوم وخيالاتهم!
ثم إن ناظماً العقيلي زعم أن المراد بالقائم الذي ورد في الروايات أنه يقاتل السفياني هو اليماني، فقال:
وبعد ما تقدّم يتّضح لنا أن القائم الذي يقاتل السفياني، ويتسابق معه كفرسي رهان ليس الإمام المهدي محمد بن الحسن عليه السلام، وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يكون غير اليماني الموعود؛ لأن اليماني موصوف بأنه أهدى الرايات، ومأمور بنصرته، وأن الملتوي عليه من أهل النار...(٣٤٠).
وهذا كما سبقه تخليط واضح، فإن الروايات التي ذكرت قتال القائم عليه السلام للسفياني تدل على أن القائم هو الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وصرفها إلى اليماني عبث بالروايات وحملها على غير ما يراد بها، فإن الروايات التي ورد فيها أن الإمام المهدي عليه السلام يذبح السفياني فيها من التصريح والتوضيح ما يرفع كل لبس، ويزيل احتمال أن المراد بالقائم رجل آخر، سواء كان اليماني أم غيره.
ومن هذه الروايات ما رواه العياشي في تفسيره بسنده عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال في حديث طويل: ويبعث السفياني بعثاً إلى المدينة، فينفر المهدي منها إلى مكة، فيبلغ أمير جيش السفياني أن المهدي قد خرج إلى مكة، فيبعث جيشاً على أثره، فلا يدركه حتى يدخل مكة خائفاً يترقّب على سُنّة موسى بن عمران عليه السلام. وقال: فينزل أمير جيش السفياني البيداء، فينادي منادٍ من السماء: (يا بيداء، بيدي القوم)، فيُخسف بهم، فلا يفلت منهم إلا ثلاثة نفر، يحوّل الله وجوههم إلى أقفيتهم...
وبعد أن ذكر ذهاب القائم عليه السلام إلى مكة، وإعلان خروجه المبارك، ومبايعة الثلاثمائة والثلاثة عشر من أصحابه له، قال من أجل التأكيد على أنه صاحب الأمر: ثم يخرج من مكة هو ومن معه الثلاثمائة وبضعة عشر، يبايعونه بين الركن والمقام، ومعه عهد نبي الله ورايته وسلاحه ووزيره معه، فينادي المنادي بمكة باسمه وأمره من السماء، حتى يسمعه أهل الأرض كلّهم، اسمه اسم نبي، ما أشكل عليكم فلم يشكل عليكم عهد نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم ورايته وسلاحه.
إلى أن قال: ثم يسير حتى يأتي العذراء هو ومن معه وقد لحق به ناس كثير، والسفياني يومئذ بوادي الرملة، حتى إذا التقوا - وهم(٣٤١) يوم الأبدال - يخرج أناس كانوا مع السفياني من شيعة آل محمد، ويخرج ناس كانوا مع آل محمد إلى السفياني، فهم من شيعته حتى يلحقوا بهم، ويخرج كل ناس إلى رايتهم، وهو يوم الأبدال. قال أمير المؤمنين عليه السلام: ويقتل يومئذ السفياني ومن معه حتى لا يترك منهم مخبر(٣٤٢).
والحديث كما هو واضح يبيِّن أحوال القائم عليه السلام وما يكون بعد خروجه، ولم يرد فيه أي ذِكْر لليماني حتى يمكن لمتوهِّم أن يتوهَّم أن المراد بالقائم هو اليماني، ومن الواضح أن الإمام الباقر عليه السلام كان يتحدّث عن الإمام المهدي عليه السلام الذي ينادى من السماء باسمه واسم أبيه، ويكون معه عهد نبي الله ورايته وسلاحه، ويبايعه الثلاثمائة والثلاثة عشر بين الركن والمقام ونحو ذلك مما هو من مختصّات الإمام المهدي عليه السلام دونما سواه.
وكذلك الحال في رواية أخرى رواها العياشي في تفسيره عن عبد الأعلى الجبلي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام: يكون لصاحب هذا الأمر غيبة في بعض هذه الشعاب...
ثم ذكر خروجه عليه السلام في مكة وبيعة الثلاثمائة والثلاثة عشر له، وخروجه من مكة بجيشه، وخسف جيش السفياني بالبيداء، وإثبات إمامته للناس بعهد عنده من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُخرجه لهم. وذكر خروجه إلى نجف الكوفة وجبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وأن الرعب يسير أمامه شهراً وخلفه شهراً، وأن الله يمدّه بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين...
ثم قال: ثم يدخل الكوفة فلا يبقى مؤمن إلا كان فيها أو حنَّ إليها، وهو قول أمير المؤمنين علي عليه السلام، ثم يقول لأصحابه: (سيروا إلى هذه الطاغية)، فيدْعوه إلى كتاب الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم، فيعطيه السفياني من البيعة سلماً، فيقول له كلب وهم أخواله: هذا ما صنعت؟! والله ما نبايعك على هذا أبداً! فيقول: ما أصنع؟ فيقولون: استقبله. فيستقبله، ثم يقول له القائم صلى الله عليه وآله وسلم: (خذ حذرك، فإنني أدّيت إليك وأنا مقاتلك)، فيصبح فيقاتلهم، فيمنحه الله أكتافهم، ويأخذ السفياني أسيراً، فينطلق به ويذبحه بيده(٣٤٣).
وهذا الحديث كسابقه يبيّن ما يحدث بعد خروج الإمام المهدي عليه السلام، ولا ذِكْر فيه لليماني كما هو واضح لكل ذي عينين.
وقد صرّح بعض علماء أهل السنة بأن الإمام المهدي عليه السلام هو الذي يذبح السفياني، وهذا يُشعر بأن رواياتهم تدل على ذلك أيضاً.
قال محمد بن علي الصبّان: وأن السفياني يبعث إليه من الشام جيشاً، فيُخسف بهم بالبيداء، فلا ينجو منهم إلا المخبر، فيسير إليه السفياني بمن معه، فتكون النصرة للمهدي، ويذبح السفياني(٣٤٤).
قال علي بن حسام الدين المتّقي الهندي: ومن الفتن المتّصلة بخروج المهدي إمارة السفياني، وخسف جيشه بالبيداء، وذبح المهديُّ السفيانيَّ آخر الأمر، وهذه العلامات قريبة إلى حدّ التواتر(٣٤٥).
ومن مجموع ما قلناه يتبيّن للقارئ العزيز أن اﻟﮕﺎطع وأتباعه طريقتهم في تضليل البسطاء والمغفّلين هي العبث بمعاني الأحاديث الواضحة، وإيهام الناس أن أحاديث أهل البيت عليهم السلام لا يفهمها أحد غيرهم؛ لأن الأئمة الأطهار عليهم السلام جعلوا كلامهم شفرات لا يُتمكَّن من حلّها، وألغازاً معمَّاة، وأحاجي لا يفهمها حتى أعاظم العلماء السابقين والمعاصرين، ولم يكشف عن معانيها منذ وقت صدورها إلى يومنا هذا إلا هذا اﻟﮕﺎطع وأتباعه!!
ومما يؤسف له أن هذا الرأي - وهو أهمية دور اليماني في قتال السفياني - تبنّاه بعض الباحثين، ولعلّه أخذه من كلام اﻟﮕﺎطع وأتباعه، حيث قال:
ولهذا فإن هناك أكثر من مبرّر يدعو السفياني للهجوم على العراق.
وعليه فيكون اليماني - من الناحية الواقعية - هو المبادر الأول لمجابهة حركة السفياني، ويكون خروجه متزامناً مع خروج السفياني في الشام نتيجة لرصد أمني مبكّر لديه، أو لحاجة أمنيّة ملحّة، وذلك لوجوده في أرض المعركة سلفاً على ما يبدو؛ ولأنه معنيٌّ أساساً بالساحة العراقية(٣٤٦).
قلت: إن كان مراده من أن اليماني هو المبادر الأول لمجابهة السفياني هو أنه أوّل من يسعى لذلك، فهذا لم يتّضح من الروايات، والذي يُفهم من الروايات أن السفياني لن يحاربه في الشام لا الخراساني ولا اليماني، وإنما ستكون حروبه مع الأصهب والأبقع، وأما عندما تتوجّه جيوشه إلى الكوفة، فإن اليماني لن يكون في مواجهة معه، وجيوش السفياني ستتمكّن من إيقاع مقتلة عظيمة بأهل الكوفة، وسيكون في مواجهته الخراساني الذي سيأتي بعد ذلك براياته السوداء من خراسان.
ومن الروايات التي تدل على ذلك ما رواه النعماني بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام: يا جابر، الزم الأرض، ولا تحرِّك يداً ولا رِجْلاً حتى ترى علامات أذكرها لك إن أدركتها: أوّلها اختلاف بني العباس، وما أراك تدرك ذلك، ولكن حدِّثْ به من بعدي عني، ومنادٍ ينادي من السماء...
إلى أن قال: فأوّل أرض تخرب أرض الشام، ثم يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات: راية الأصهب، وراية الأبقع، وراية السفياني، فيلتقي السفياني بالأبقع، فيقتتلون، فيقتله السفياني ومن تبعه، ثم يقتل الأصهب، ثم لا يكون له همّة إلا الإقبال نحو العراق، ويمرّ جيشه بقرقيسياء، فيقتتلون بها، فيُقتل بها من الجبّارين مائة ألف، ويبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة وعدّتهم سبعون ألفاً، فيُصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً، فبينا هم كذلك إذ أقبلت رايات من قِبَل خراسان، وتطوي المنازل طيًّا حثيثاً ومعهم نفر من أصحاب القائم(٣٤٧).
وهذه الرواية تبيِّن أن الخراساني هو المبادر الأول لمواجهة السفياني في العراق، ولم أجد رواية أخرى تدل على خلاف ذلك، وهذا لا يتنافى مع كون راية اليماني أهدى الرايات، كما أن قولي ذلك لا يعني أنني أقلِّل من شأن اليماني في نصرة الإمام المهدي عليه السلام أو الدعوة إليه، ولكن البحث يقتضي اقتفاء أثر الروايات، والنظر في مدى دلالتها من دون زيادة، وعليها يكون المعوّل في استخلاص جميع النتائج.
نعم روى الفضل بن شاذان في كتابه (مختصر إثبات الرجعة)، عن زرارة بن أعين، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: استعيذوا بالله من شرِّ السفياني والدجّال وغيرهما من أصحاب الفتن. قيل له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أمّا الدجّال فعرفناه وقد تبيَّن من مضامين أحاديثكم شأنه، فمن السفياني وغيره من أصحاب الفتن؟ وما يصنعون؟ قال عليه السلام: أوّل من يخرج منهم رجل يقال له: أصهب بن قيس، يخرج من بلاد الجزيرة، له نكاية شديدة في الناس وجور عظيم، ثم يخرج الجرهمي من بلاد الشام، ويخرج القحطاني من بلاد اليمن، ولكل واحد من هؤلاء شوكة عظيمة في ولايتهم، ويغلب على أهلها الظلم والفتنة منهم، فبينا هم كذلك يخرج عليهم السمرقندي من خراسان مع الرايات السود، والسفياني من الوادي اليابس من أودية الشام، وهو من ولد عتبة بن أبي سفيان، وهذا الملعون يُظهر الزهد قبل خروجه ويتقشّف، ويتقنّع بخبز الشعير والملح الجريش، ويبذل الأموال، فيجلب بذلك قلوب الجهّال والرذّال، ثم يدّعي الخلافة فيبايعونه، ويتبعهم العلماء الذين يكتمون الحق ويُظهرون الباطل، فيقولون: (إنه خير أهل الأرض)، وقد يكون خروجه وخروج اليماني من اليمن مع الرايات البيض(٣٤٨) في يوم واحد وشهر واحد وسنة واحدة، فأوّل من يقاتل السفياني القحطاني، فينهزم ويرجع إلى اليمن، ويقتله اليماني، ثم يفرّ الأصهب والجرهمي بعد محاربات كثيرة من السفياني، فيتبعهما ويقهرهما، ويقهر كل من ينازعه ويحاربه إلا اليماني، ثم يبعث السفياني جيوشاً إلى الأطراف، ويسخِّر كثيراً من البلاد، ويبالغ في القتل والفساد، ويذهب إلى الروم لدفع الملك الخراساني، ويرجع منها منتصراً(٣٤٩) في عنقه صليب، ثم يقصد اليماني، فينهض اليماني لدفع شرّه، فينهزم السفياني بعد محاربات عديدة ومقاتلات شديدة، فيتبع اليماني، فتكثر الحروب وهزيمة السفياني، فيجده اليماني في نهر اللو مع ابنه في الأسارى، فيقطّعهما إرباً إرباً، ثم يعيش في سلطنته فارغاً من الأعداء ثلاثين سنة، ثم يفوّض الملك بابنه السعيد، ويأوي مكة، وينتظر ظهور قائمنا عليه السلام حتى يُتوفّى، فيبقى ابنه بعد وفاة أبيه في ملكه وسلطانه قريباً من أربعين سنة، وهما يرجعان إلى الدنيا بدعاء قائمنا عليه السلام(٣٥٠).
وهذه الرواية مشتملة على مخالفات متعدّدة لباقي الروايات الدالة على أن خروج السفياني واليماني من علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام، فإن هذا اليماني الذي يقتل السفياني يبقى فارغاً من الأعداء ثلاثين سنة، ثم يموت، ويحكم بعده ابنه قريباً من أربعين سنة، ولا يستفاد من الحديث أن ظهور الإمام المهدي عليه السلام سيكون بعد ذلك مباشرة، وإنما يستفاد منه أن هذا اليماني وابنه يرجعان إلى الدنيا بعد ذلك بدعاء القائم عليه السلام، ولكن متى ستحصل هذه الرجعة؟ لا نعلم، فلعلها تقع بعد مائة عام أو أكثر، وعليه فهذه الرواية لا يمكن قبولها بحال؛ لمخالفتها لباقي الروايات التي دلّت على أن اليماني والسفياني والخراساني يخرجون في رجب، أي قبل عدّة أشهر فقط من خروج الإمام المهدي عليه السلام في شهر محرّم الحرام، ويقوم اليماني بعد خروجه بنصرته والدعوة إليه.
ولشذوذ هذه الرواية ومخالفتها لباقي الروايات لم نحتجَّ بها على أن اليماني من اليمن رغم أنها صريحة في ذلك.
وأما الإشارة إلى اليماني بكاسر عينيه في الرواية التي ذكرناها فيما سبق فهي لا تدل بوضوح على أن اليماني يتولى هزيمة السفياني إلا إذا قلنا: إن الضمير في كلمة (عينيه) يعود على السفياني، فحينئذ يمكن أن نستفيد من الحديث أن اليماني يُذلّ السفياني أو يكسر شوكته، إلا أن القول بعود الضمير على السفياني هو أحد المحتملات كما بيَّناه فيما تقدّم، وعليه فلا نستطيع الجزم بدلالة هذا الحديث على أن اليماني سيكون له دور حاسم في قتال السفياني.
والنتيجة: أنّا لا نجد في الروايات ما يدل على ما زعمه اﻟﮕﺎطع وأتباعه وغيرهم من أن اليماني هو الذي يتولّى القيام بالدور الأكبر في مواجهة السفياني، وأنه هو الذي يقتل السفياني بيده، والذي يُفهم من مجموع الروايات أن الذي يقوم بالدور الأكبر في مواجهة السفياني وقتله هو الإمام المهدي المنتظر عجَّل الله تعالى فرجه الشريف.
بطلان دعاوى مُدَّعي اليمانية
من السهل على كل كاذب مفترٍ أن يدّعي أنه اليماني أو غيره ممن مدحتْهم الروايات التي تحدَّثت عن حوادث آخر الزمان، وليس من الصعب تلفيق أمور واهية وخيالات باطلة، وعرضها على أنها أدلّة يُدَجَّل بها على البسطاء والسذَّج.
ولكن من غير الممكن إثبات تلك الدعاوى الباطلة بأدلّة علمية صحيحة، تنسجم مع الروايات المروية عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام.
وقد ظهر في هذا العصر أحمد إسماعيل ﮔﺎطع الذي يدّعي أنه هو اليماني المذكور في الروايات، وهو رجل عامي مغمور من البصرة، وقد رددنا على جملة من دعاواه ودعاوى أتباعه فيما تقدّم من فصول هذا الكتاب، وهذا الرجل ادّعى ادّعاءات أخرى كثيرة لا يصدّقها عاقل، ومن جملة دعاواه أنه ادّعى أنه من أحفاد الإمام المهدي المنتظر عليه السلام، وأنه هو القائم بالأمر من بعده، وأنه معصوم منصوص العصمة، وغير ذلك من الأمور التي دلّ الدليل الصحيح على أنه كاذب مفترٍ فيها، وعلى أنه لا يؤمن بيوم الحساب، وقد ذكرتُ جملة وافرة من دعاواه في كتابي: (الرد القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم)، فمن أراد الاطلاع عليها فليراجعها في هذا الكتاب.
وحيث إن بحثنا هنا متعلّق باليماني فإني أودّ أن أذكر ما يدل بوضوح على كذب هذا الرجل في دعوى اليمانية، مع أن عدم وجود أي دليل عنده على صحّة دعواه كافٍ في الحكم بكونه كذّاباً دجّالاً، وكل من لاحظ ما استدلّ به اﻟﮕﺎطع فيما نُسب إليه من كتب وما كتبه أنصاره في تأييد دعواه يجد أنه لا يعدو كونه عبث مكشوف بالروايات وتلفيقات واضحة، لا تثبت أمام البحث العلمي، ولا يصدّقها إلا الجهّال والسّذَّج الذين لا يميّزون بين الحق والباطل.
والذي يدل على كذب هذا الرجل في ادّعائه اليمانية عدّة أمور:
أولاً: أن الگاطع ليس يمانيًّا:
لقد بيَّنا فيما تقدّم بالتفصيل أن اليماني من أهل اليمن، وأحمد إسماعيل ﮔﺎطع كما هو معلوم عراقي من أهل البصرة، فكيف يكون البصري يمانيًّا؟!
وحتى لو احتُمل أن كلمة (اليماني) اسم لا صفة ونسبة، أي أن اليماني المذكور في الروايات اسمه فلانٌ اليماني، كما يقال: حسين الأصفهاني، أو عبد الله القمّي، أو نحو ذلك، فإن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع لا ينتمي إلى أسرة تسمّى باليماني كما يعرفه الناس في منطقته في البصرة.
ثانياً: أن اليماني ينتسب إلى زيد الشهيد رضوان الله عليه:
وأما أحمد إسماعيل ﮔﺎطع فإنه ينتسب إلى عشيرة آلبو سويلم العراقية، وهذه العشيرة لا تنتمي إلى زيد الشهيد لا من قريب ولا من بعيد كما هو معروف من نسبهم الذي ذكرناه فيما تقدّم، وهم أيضاً لا يدّعون ذلك، بل إن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع نفسه لا يدّعي انتسابه لزيد الشهيد.
ثالثاً: أن اليماني يخرج من اليمن:
وأما أحمد إسماعيل ﮔﺎطع فإنه خرج من البصرة.
وقد سبق أن ذكرنا جملة من الروايات التي دلّت على أن اليماني يخرج من اليمن، فراجعها.
رابعاً: أن اليماني يخرج في يوم واحد مع السفياني والخراساني:
فإن علامة اليماني أن خروجه يكون متزامناً مع خروج السفياني والخراساني في سنة واحدة، وفي شهر واحد، ويوم واحد، وقد ذكرنا فيما تقدّم الروايات الدالة على ذلك التي رواها الشيخ المفيد والشيخ الطوسي والنعماني قدّس الله أسرارهم وغيرهم.
وهذه العلامة كما أوضحناه فيما تقدّم من أهم العلامات المميِّزة لهؤلاء الثلاثة.
وأما زعمهم أن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع لم يخرج بعد، وأن خروجه سيكون من اليمن أو من مكان آخر، وأنه الآن يمهّد للخروج، والمراد بالخروج هو الخروج بالسلاح، فهو مردود بعدّة أمور:
١- أن الخروج هو الإعلان عن القيام:
فإن القيام وإن كان لا بد أن تسبقه فترة الإعداد وجمع السلاح والأنصار، إلا أنه متى ما حصل الإعلان عن القيام فقد بدأ الخروج وإن لم تبدأ الحركة المسلّحة بالسيف وغيره.
وأحمد إسماعيل ﮔﺎطع أعلن عن دعوته، ودعا إلى نفسه، وحثّ الناس على نصرته، وأفصح عن أهدافه، وهذا هو الخروج المعني في الروايات، وقد بيَّنا ذلك فيما تقدّم.
٢- أن اﻟﮕﺎطع خرج بالسلاح:
والخروج بالسلاح أظهر مصاديق الخروج، وقد سبق أن قلنا: إنه أمر أتباعه بالخروج بالسلاح في البصرة في يوم عاشوراء سنة ١٤٢٩هـ، أي في ١٨/١/٢٠٠٨م.
فإذا كانت تلك الحوادث التي حدثت في البصرة لا تُعَدّ خروجاً، فكيف يكون الخروج بنظر اﻟﮕﺎطع وأتباعه؟!
٣- أن اﻟﮕﺎطع أعلن عن خروجه في بيان البراءة:
فإنه في بيان أسماه: (بيان البراءة)، مؤرَّخ في ١٣ جمادى الثانية سنة ١٤٢٥هـ، منشور في موقع أنصاره، قال فيه:
لقد أسفر الصبح لذي عينين، وظهر أمر قائم آل محمد (ع) كالشمس في رائعة النهار، لا لبس فيه لكل طالب حق، وجاءكم يا علماء الشيعة من تعرفونه كما تعرفون أبناءكم ولا يخفى عليكم أمره، بالروايات الصحيحة عن الصادقين (ع)، فهل تُنكرون على علماء اليهود والنصارى (لعنهم الله) أنهم لم يتبعوا محمد [كذا] (ص)؛ لأنه ذُكر في كتبهم باسمه وصفته، وأنه يخرج من فاران، وتحتجّون عليهم بذلك، إذن فارجعوا إلى كتبكم وحاسبوا أنفسكم.
واﻟﮕﺎطع يعني نفسه بقائم آل محمد عليه السلام كما صرّح بذلك في كثير من كلماته، وهو في هذا البيان يعلن عن ظهوره، وظهوره وخروجه شيء واحد كما هو واضح.
٤- أن النصرة معلّقة على الخروج:
احتجَّ اﻟﮕﺎطع وأنصاره على وجوب نصرة اليماني برواية رواها النعماني في كتاب (الغيبة) بسنده عن أبي جعفر عليه السلام بعد كلام طويل قال: وليس في الرايات راية أهدى من راية اليماني، هي راية هدى؛ لأنه يدعو إلى صاحبكم، فإذا خرج اليماني حرم بيع السلاح على الناس وكل مسلم، وإذا خرج اليماني فانهض إليه؛ فإن رايته راية هدى، ولا يحل لمسلم أن يلتوي عليه، فمن فعل ذلك فهو من أهل النار؛ لأنه يدعو إلى الحق وإلى طريق مستقيم(٣٥١).
وهذه الرواية ضعيفة السند كما بيّنّا فيما تقدّم، ولكنّها عمدة الروايات التي احتجَّ بها اﻟﮕﺎطع وأنصاره، حيث صاروا يتعكّزون عليها في إثبات أمور متعدّدة من دعاواهم الباطلة كإمامة اليماني وعصمته ووجوب نصرته، ونحن نلزمهم بها، وهي تدل بوضوح على أن نصرة اليماني معلَّقة على خروجه، حيث قال: (وإذا خرج اليماني فانهض إليه)، وعليه فاﻟﮕﺎطع مخيَّر بين أمرين أحلاهما مُرّ: فإنه إن قال: (إنه قد خرج وقد وجبت نصرته)، فإن الروايات تكذّبه في ادّعاء أنه اليماني؛ لأن الروايات بيَّنت كما مرّ أن خروج اليماني متزامن مع خروج الخراساني والسفياني في يوم واحد، والخراساني والسفياني لم يخرجا بعد.
مضافاً إلى دلالة روايات أخر على أن اليماني يخرج في رجب، والإمام المهدي عليه السلام يخرج في شهر محرّم، فالفاصلة بين خروجهما حوالي ستة أشهر، وعليه فهذه الروايات تكذّب اﻟﮕﺎطع في ادّعائه أنه اليماني؛ لأنه قد مضى على خروجه في سنة ٢٠٠٢م حوالي اثنتي عشرة سنة، ولم يخرج الإمام المهدي عليه السلام بعد.
وإن قال اﻟﮕﺎطع: (إنه لم يخرج بعد) ألزمناه بهذه الرواية التي أمرت بالنهوض إليه إذا خرج، فلا تجب الآن نصرته بحسب دلالة هذه الرواية لو سلّمنا بصحّتها.
خامساً: أن اليماني يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام:
فقد علّلت بعض الروايات كون راية اليماني أهدى الرايات بأنه يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، ولا يدعو إلى نفسه، وأما أحمد إسماعيل ﮔﺎطع فإنه يدعو إلى نفسه، ولا يدعو إلى الإمام المهدي عليه السلام، فكيف يكون هو اليماني المعهود؟!
وقد بيَّنا فيما سبق أن من أوضح الأمور التي تدل على أنه يدعو إلى نفسه أنه دعا الناس إلى تقليده، وأصدر رسالة عملية باسمه هي (شرائع الإسلام)، وأمر الناس باتّباعه، والإيمان به، ونصرته، وحذر الناس من مخالفته، فأي دعوة للنفس أوضح من هذه؟!
سادساً: أن راية الگاطع راية ضلال.
فإن بعض الروايات دلّت على أن كل راية تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله.
ومن تلك الروايات ما رواه الكليني قدس سره بسنده عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كل راية تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبَد من دون الله عزّ وجل(٣٥٢).
قال المازندراني قدس سره: (كل راية ترفع قبل قيام القائم) عليه السلام وإن كان رافعها يدعو إلى الحق، (فصاحبها طاغوت يُعبدون من دون الله)، الطاغوت: الشيطان، والأصنام، وكل ما يُعبد من دون الله، ويُطلق على الواحد والجمع، و(يُعبدون) بالضم وصف له(٣٥٣).
وراية اﻟﮕﺎطع هي واحدة من تلك الرايات التي ُرفعت قبل قيام القائم عليه السلام، ولها دعوة خاصّة بها مخالفة لما روي متواتراً عن أئمة أهل البيت عليهم السلام، فلا بدّ أن تكون راية ضلال.
والنتيجة: أنه من الواضح جدًّا بعد كل ما قلناه أنه لا مجال لأن يدّعي شخص يحترم عقله أن أحمد إسماعيل ﮔﺎطع هو اليماني المعهود الذي مُدحت رايته في الروايات، ولا سيما أن هذا اﻟﮕﺎطع وأنصاره لم يذكروا دليلاً واحداً صحيحاً يدل على هذا الادّعاء الكاذب، وكل من اطّلع على أدّلتهم التي ذكروها لإثبات هذا الادّعاء يجد أنها ادّعاءات مجرّدة ومزاعم ملفقة وعبث بالروايات لا أكثر.
إلى هنا تمّ ما أردت بيانه حول اليماني الذي تكرّر ذِكْره في روايات عصر الظهور المبارك، وأسأل الله تعالى أن يتقبّل منّي هذا الجهد اليسير، وأن يجعله مرضيًّا عند إمام العصر عجَّل الله تعالى فرجه الشريف، بمَنّه وجوده وكرمه، إنه أكرم الأكرمين، والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على خير خلقه وأفضل بريّته محمد وآله الطيّبين الطاهرين.

المصادر والمراجع

١- إثبات الهداة: محمد بن الحسن بن علي بن الحسين الحر العاملي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ١٤٢٥هـ - ٢٠٠٤م.
٢- الاحتجاج: أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي، تعليقات: السيد محمد باقر الخرسان، شركة الكتبي للطباعة والنشر، بيروت ١٤١٤هـ - ١٩٩٢م.
٣- اختيار معرفة الرجال (المعروف برجال الكشي): شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن بن علي الطوسي، تصحيح حسن المصطفوي، مطبعة جامعة مشهد، مشهد، إيران، ١٣٤٨هـ.ش. وطبعة أخرى تحقيق: محمد تقي الميبدي، والسيد أبي الفضل الموسويان، طبع وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، طهران، ١٣٨٢هـ.ش.
٤- الإرشاد: الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري، مؤسسة آل البيت عليهم السلام إحياء التراث، بيروت، ١٤٢٩هـ - ٢٠٠٨م.
٥- إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين: محمد بن علي الصبان، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر، ١٣٦٧هـ - ١٩٤٨م.
٦- الأصول الستة عشر: مجموعة من الرواة، دار الشبستري للمطبوعات، قم، ١٤٠٥هـ - ١٣٦٣هـ.ش.
٧- الاعتقادات في دين الإمامية: الشيخ محمد بن علي بن بابويه المعروف بالشيخ الصدوق، تحقيق: عصام عبد السيد، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ١٤١٤هـ - ١٩٩٣م.
٨- الأعلام: خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، ١٩٨٠م.
٩- إعلام الورى بأعلام الهدى: أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، ١٣٩٩هـ - ١٩٧٩م.
١٠- إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب: الشيخ علي اليزدي الحائري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م.
١١- أمالي الشيخ الطوسي: شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: بهراد الجعفري وعلي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران ١٣٨٠هـ. ق.
١٢- أمالي الصدوق: أبو جعفر الشيخ محمد بن علي بن بابويه القمي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ١٤٠٠هـ - ١٩٨٠م.
١٣- الإمامة والتبصرة من الحيرة: علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، تحقيق: السيد محمد رضا الحسيني، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، بيروت ١٤٠٧هـ - ١٩٨٧م.
١٤- الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية: الشيخ ميرزا جواد التبريزي، دار الصديقة الشهيدة عليها السلام، قم، ١٤٢٢هـ.
١٥- بحار الأنوار: الشيخ محمد باقر المجلسي، دار إحياء التراث العربي، بيروت ١٤٠٣هـ.
١٦- البداية والنهاية: إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق د. أحمد أبو ملحم وجماعة، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤٠٥هـ - ١٩٨٥م.
١٧- البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: علي بن حسام الدين المتقي الهندي، تحقيق: أحمد علي سليمان، دار الغد الجديد، المنصورة، مصر، ١٤٢٤هـ - ٢٠٠٣م.
١٨- بشارة الإسلام: السيد مصطفى آل السيد حيدر الكاظمي، تحقيق: نزار الحسن، مؤسسة البلاغ، بيروت، ١٤٢٨هـ - ٢٠٠٧م.
١٩- بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد عليهم السلام: محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، مؤسسة الأعلمي، طهران، ١٤٠٤هـ. وطبعة أخرى تحقيق: السيد محمد السيد حسين المعلم، انتشارات المكتبة الحيدرية، قم المقدسة، ١٤٢٦هـ.
٢٠- بيانات أحمد إسماعيل ﮔﺎطع منشورة في موقع أنصاره.
٢١- تاج العروس من جواهر القاموس: السيد محمد مرتضى الحسيني الزبيدي، تحقيق: عبد الستار أحمد فراج، وزارة الإرشاد والأنباء الكويتية، الكويت، ١٣٨٥هـ-١٩٦٥م.
٢٢- تاريخ ما بعد الظهور: السيد محمد الصدر، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، ١٤٠٨هـ - ١٩٨٧م.
٢٣- تفسير العياشي: أبو النضر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي، تحقيق: السيد هاشم الرسولي المحلاتي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ١٤١١هـ - ١٩٩١م.
٢٤- تنقيح المقال: الشيخ عبد الله بن محمد حسن المامقاني، طبعة حجرية، المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف. وطبعة جديدة، تحقيق: الشيخ محي الدين المامقاني، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، ١٤٢٣هـ.
٢٥- تهذيب الأحكام: شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: السيد حسن الموسوي الخرسان، دار صعب ودار التعارف، بيروت، ١٤٠١هـ - ١٩٨١م.
٢٦- جامع الأدلة: عبد الرزاق الديراوي، ١٤٣٥هـ - ٢٠١٤م، (منشور في موقع أنصار أحمد إسماعيل ﮔﺎطع).
٢٧- الجواب المنير عبر الأثير: أحمد إسماعيل ﮔﺎطع البصري، ١٤٣١هـ - ٢٠١٠م، (منشور في موقع أنصاره).
٢٨- الخصال: أبو جعفر الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه، تحقيق علي أكبر الغفاري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ١٤١٠هـ - ١٩٩٠م.
٢٩- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي، تحقيق: لجنة الفقاهة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، ١٤١٧هـ.
٣٠- دجَّال البصرة: الشيخ علي الكوراني العاملي، قم المقدسة، ١٤٣٣هـ.
٣١- دراسة في شخصية اليماني الموعود: ناظم العقيلي، ١٤٣٢هـ - ٢٠١١م، (منشور في موقع أنصار أحمد إسماعيل ﮔﺎطع).
٣٢- دلائل الإمامة: محمد بن جرير بن رستم الطبري، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ١٤٠٨هـ - ١٩٨٨م.
٣٣- راية اليماني الموعود أهدى الرايات: الشيخ جلال الدين علي الصغير، مؤسسة الصديقة الطاهرة عليها السلام للتبليغ الإسلامي، بغداد، ١٤٣٠هـ - ٢٠٠٨م.
٣٤- رجال الطوسي: شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، ١٤٢٠هـ.
٣٥- رجال النجاشي: أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي، تحقيق: محمد جواد النائيني، دار الأضواء، بيروت، ١٤٠٨هـ - ١٩٨٨م.
٣٦- الرد القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم: الشيخ علي آل محسن، مركز الأبحاث التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام، النجف الأشرف، ١٤٣٤هـ - ٢٠١٣م.
٣٧- سنن ابن ماجة: محمد بن يزيد القزويني، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت.
٣٨- شرائع الإسلام: أحمد إسماعيل ﮔﺎطع البصري، ١٤٣٢هـ - ٢٠١١م، (منشور في موقع أنصاره).
٣٩- شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار: أبو حنيفة النعمان بن محمد التميمي المغربي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ١٤٢٧هـ - ٢٠٠٦م
٤٠- شرح أصول الكافي والروضة: المولى محمد صالح المازندراني، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٤٢١هـ - ٢٠٠٠م.
٤١- شرح الباب الحادي عشر: المقداد بن عبد الله السيوري الحلي، دار الأضواء، بيروت، ١٤٢٥هـ - ٢٠٠٤م.
٤٢- شرح قطر الندى وبل الصدى: عبد الله جمال الدين بن هشام الأنصاري، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، بيروت، ١٤٢١هـ - ٢٠٠٠م.
٤٣- صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري، تحقيق محمد علي القطب، وهشام البخاري، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، بيروت، ١٤١٨هـ - ١٩٩٧م.
٤٤- صحيح مسلم: أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
٤٥- صحيح مسلم بشرح النووي: محي الدين بن شرف النووي، مصورة دار الفكر، بيروت، ١٤٠١هـ - ١٩٨١م.
٤٦- العدّة في أصول الفقه: شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: محمد رضا الأنصاري القمي، قم المقدسة، ١٣٧٦هـ.ش.
٤٧- عصر الظهور: الشيخ علي الكوراني العاملي، قم المقدسة، الطبعة السابعة عشرة، ١٤٢٧هـ.
٤٨- علامات الظهور: الشيخ جلال الدين علي الصغير، دار الأعراف للدراسات، بيروت، ١٤٣٢هـ - ٢٠١١م.
٤٩- علل الشرائع: أبو جعفر الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ١٤٠٨هـ - ١٩٨٨م.
٥٠- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري: بدر الدين محمود بن أحمد العيني، تصحيح: عبد الله محمود محمد عمر، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠٠٩م.
٥١- عيون أخبار الرضا عليه السلام: أبو جعفر الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ١٤٠٤هـ - ١٩٨٤م.
٥٢- عيون الحكم والمواعظ: علي بن محمد الليثي الواسطي، تحقيق: الشيخ حسين الحسني البيرجندي، دار الحديث، قم المقدّسة، ١٣٧٦هـ.ش.
٥٣- غريب الحديث: أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن، الهند، ١٣٨٤هـ١٩٦٥م.
٥٤- الغيبة: شيخ الطائفة الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني، والشيخ علي أحمد ناصح، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة، ١٤٢٥هـ - ٢٠٠٤م.
٥٥- الغيبة: أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب، المعروف بابن أبي زينب النعماني، تحقيق: فارس حسون كريم، دار الجوادين، بيروت، ١٤٣٠هـ - ٢٠٠٩م.
٥٦- الفتن: نعيم بن حماد بن معاوية الخزاعي المروزي، تصحيح: مجدي بن منصور بن سيد الشورى، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤٢٥هـ - ٢٠٠٤م. وطبعة أخرى تحقيق: سمير أمين الزهيري، مكتبة التوحيد، القاهرة، ١٤١٢هـ.
٥٧- الفصول المهمّة في معرفة الأئمة: علي بن محمد أحمد المعروف بابن الصباغ المالكي، تحقيق: سامي الغريري، دار الحديث للطباعة والنشر، قم المقدسة، ١٤٢٢هـ.
٥٨- فلاح السائل: رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس، برنامج مكتبة أهل البيت عليهم السلام، الإصدار الثاني.
٥٩- الفوائد الرجالية من تنقيح المقال: الشيخ عبد الله المامقاني، تحقيق: الشيخ محمد رضا المامقاني، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم المقدّسة، ١٤٣١هـ.
٦٠- القاموس المحيط: مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، ضبط وتوثيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر، بيروت، ١٤١٥هـ - ١٩٩٥م.
٦١- الكافي: الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، تصحيح: علي أكبر الغفاري، دار الأضواء، بيروت، ١٤٠٥هـ - ١٩٨٥م.
٦٢- كتاب سليم بن قيس الهلالي: سليم بن قيس الهلالي، تحقيق: محمد باقر الأنصاري الزنجاني، نشر الهادي، قم المقدسة، ١٤٢٠هـ.
٦٣- كشف الغمة في معرفة الأئمة: أبو الحسن علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي، تحقيق: علي آل كوثر، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام، قم المقدسة، ١٤٣٣هـ - ٢٠١٢م،
٦٤- كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر: علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري الخوئي، انتشارات بيدار، قم المقدسة، ١٤٠١هـ.
٦٥- كمال الدين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق محمد بن علي بن بابويه القمي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة أهل البيت عليهم السلام، بيروت، ١٤٠٨هـ - ١٩٨٨م.
٦٦- المتشابهات: أحمد إسماعيل ﮔﺎطع البصري، ١٤٣١هـ - ٢٠١٠م، (منشور في موقع أنصاره).
٦٧- مجمع الأمثال: أبو الفضل أحمد بن محمد بن إبراهيم الميداني النيسابوري، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار القلم، بيروت، لبنان.
٦٨- مجمع البحرين: الشيخ فخر الدين الطريحي، تحقيق السيد أحمد الحسيني، المكتبة المرتضوية، طهران.
٦٩- مجمع النورين وملتقى البحرين: الشيخ أبو الحسن المرندي، طبعة حجرية، (عن مكتبة أهل البيت عليهم السلام، الإصدار الثاني).
٧٠- المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء: محمد بن المرتضى المعروف بالفيض الكاشاني، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ١٤٠٣١هـ - ١٩٨٣م.
٧١- مختصر إثبات الرجعة (منشور في مجلة تراثنا ١٥/٢١٤).
٧٢- مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: الشيخ محمد باقر المجلسي، دار الكتب الإسلامية، طهران، ١٤٠٤هـ.
٧٣- المستدرك على الصحيحين: محمد بن عبد الله أبو عبد الله الحاكم النيسابوري، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ١٤١١هـ - ١٩٩٠م.
٧٤- مصباح المتهجّد: شيخ الطائفة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ١٤١٨هـ - ١٩٩٨م.
٧٥- معاني الأخبار: الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، تحقيق علي أكبر الغفاري، دار المعرفة، بيروت، ١٣٩٩هـ - ١٩٧٩م.
٧٦- معجم رجال الحديث: السيد أبو القاسم الخوئي، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، ١٤٠٣هـ - ١٩٨٣م.
٧٧- المعجم الوسيط: مجمع اللغة العربية بالقاهرة، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، الطبعة الرابعة ١٤٢٥هـ - ٢٠٠٤م.
٧٨- مقاتل الطالبيين: أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد بن أحمد بن الهيثم الأموي الأصفهاني، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار المعرفة، بيروت.
٧٩- مقباس الهداية في علم الدراية: الشيخ عبد الله المامقاني، تحقيق: الشيخ محمد رضا المامقاني، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم المقدسة، ١٤١١هـ.
٨٠- مكيال المكارم: ميرزا محمد تقي الأصفهاني، تحقيق: السيد علي عاشور، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ١٤٢١هـ.
٨١- الملاحم والفتن في ظهور الغائب المنتظر: رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس، مؤسسة الوفاء، بيروت، ١٤٠٣هـ - ١٩٨٣م. طبعة أخرى: طبع مؤسّسة صاحب الأمر عجّل الله فرجه، أصفهان بإيران، ١٤١٦هـ.
٨٢- مناقب آل أبي طالب: محمد بن علي بن شهراشوب المازندراني، تحقيق د. يوسف البقاعي، دار الأضواء، بيروت، ١٤١٢هـ - ١٩٩١م.
٨٣- منتخب الأنوار المضيئة: السيد علي بن عبد الكريم النيلي النجفي، تحقيق: السيد عبد اللطيف الكوهكمري، مطبعة الخيام، قم المقدسة، ١٤٠١هـ.
٨٤- المنجد في اللغة والأعلام، دار المشرق، بيروت، ٢٠٠٢م، الطبعة التاسعة والثلاثون.
٨٥- من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي، تحقيق علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، ١٤٢٩هـ.
٨٦- من هو خليفة المسلمين في هذا العصر: للمؤلف، دار الهادي، بيروت، ١٤٢٧هـ - ٢٠٠٦م،
٨٧- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: حبيب الله الهاشمي الخوئي، تحقيق: سيد إبراهيم الميانجي، بنياد فرهنگ إمام المهدي (عج)، طهران، ١٣٦٠هـ.ش.
٨٨- موقع (النسابون العرب)

http://www.alnssabon.com/t٢٨٣٤٧.html.

٨٩- موقع ويكيبيديا.
٩٠- النحو الوافي: عباس حسن، دار المعارف بمصر، الطبعة الرابعة.
٩١- نصيحة إلى طلبة الحوزات العلمية وإلى كل من يطلب الحق: أحمد إسماعيل ﮔﺎطع، ١٤٣١هـ - ٢٠١٠م، (منشور في موقع أنصاره).
٩٢- الوافي: المولى محمد محسن الفيض الكاشاني، تحقيق: مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأصفهان، منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام العامة، أصفهان، ١٤٣٠هـ.
٩٣- الوصيّة والوصي أحمد الحسن: ناظم العقيلي، ١٤٣٢هـ - ٢٠١٠م، (منشور في موقع أنصار أحمد إسماعيل ﮔﺎطع).
٩٤- اليماني الموعود حجة الله: حيدر الزيادي، ١٤٣٢هـ - ٢٠١٠م، (منشور في موقع أنصار أحمد إسماعيل ﮔﺎطع).


 

 

 

 

 

 

 

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(١) شخص من البصرة من مواليد سنة ١٩٦٨م، من عشيرة (آلبو سويلم)، وهم فرع من (الصيامرة)، من قضاء (المدينة)، ناحية (الهوير)، منطقة (الخاص)، قرية (الهمبوش)، درس في كلية الهندسة، وحصل على شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية، وبدأ دعوته المذكورة في سنة ٢٠٠٢م، وأتباعه ينكرون أن اسم جدّه (ﮔﺎطع)، ولكنه مشهور بهذه التسمية، وذكر لي من يعرفه من أهل البصرة أن الاسم الرسمي لجدّه: صالح، ولكن الناس لا يعرفونه إلا بـ (ﮔﺎطع).
(٢) لقد أكثَرَ اﻟﮕﺎطع وأتباعه من التعبير عن اليماني بأنه اليماني الموعود كما سيأتي في كلماتهم التي سأنقلها من كتبهم، وغرضهم من التعبير بذلك هو مساواة اليماني بالإمام المهدي المنتظر عليه السلام الذي دلّت بعض الروايات على أنه موعود به، وحيث إني لم أجد في الروايات ما يدل على أن اليماني موعود به، فقد رأيت أن تكون العبارة الصحيحة في وصف اليماني هي: (اليماني المعهود)، أي المعروف المشار إليه في الروايات.
(٣) الغيبة: ٢٨٦.
(٤) فلاح السائل: ١٧٠.
(٥) هو عبد الله بن يحيى بن عمر بن الأسود الكندي الجندي الحضرمي، أبو يحيى، الملقّب بطالب الحق: إمام إباضي، من أهل اليمن، كان قاضياً بحضرموت، وخلع طاعة مروان بن محمد، وبويع له بالخلافة، واستولى على صنعاء ومكة بعد حروب، وعظم أمره، وتبعه أبو حمزة (المختار بن عوف)، فوجّه إليهما مروان جيشاً بقيادة عبد الملك بن محمد السعدي، فالتقى عبد الملك بأبي حمزة في وادي القرى (من أعمال المدينة) فقتله، واستمر زاحفاً نحو اليمن، فأقبل إليه طالب الحق، فالتقيا على مقربة من صنعاء، فاقتتلا، فقُتل طالب الحق، وأرسل رأسه إلى مروان بالشام [سنة ١٣٠ه]. (الأعلام للزركلي ٤/١٤٤).
(٦) أمالي الشيخ الطوسي: ٩٣٤.
(٧) الشيخ هو الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام.
(٨) الكافي ١/٣٧٣.
(٩) الاعتقادات في دين الإمامية: ١٠٤.
(١٠) الحزاز: القشرة التي تتساقط من الرأس كالنخالة. (المنجد: ١٣١).
(١١) المتشابهات ٤/٤٦.
(١٢) زعموا أن اﻟﮕﺎطع يدعو إلى أمر خفي لم يطّلع عليه العلماء، قال ناظم العقيلي: ومن المتشابهات على الأمة ولم يستطع أحد من العلماء فك رموز هذه القضية والخروج بنتيجة: الجمع بين كلا العقيدتين - المهديّين والرجعة - إلى أن جاء أول المهديّين من ذرّية الإمام المهدي عليه السلام السيد أحمد الحسن اليماني الموعود ووصي ورسول الإمام المهدي عليه السلام، فأفاض علينا ما يشفي العليل ويروي الغليل في حلّ هذه المسألة من دون رد أي رواية في كلا المسألتين، ولا عجب من ذلك فقد ورد في عدّة روايات عن أهل البيت عليهم السلام أن القائم يدعو إلى أمر قد خفي وضلّ عنه الجمهور، وهذه المسألة من أهم الأمور المخفية والتي ضلّ عنها الناس عالمهم وجاهلهم، حتى جاء صاحبها فكشف القناع عنها؛ ليثبت أنه صاحب الحق والمتّصل مع الحق لا غير. (الوصية والوصي أحمد الحسن: ٩٩).
 ولا يخفى أن أتباع اﻟﮕﺎطع أخذوا فضيلة للإمام المهدي عليه السلام، وهي أنه يدعو إلى أمر خفي أو جديد ونسبوها إلى اﻟﮕﺎطع، وزعموا أن ضلالات اﻟﮕﺎطع وأكاذيبه هي الأمر الخفي الجديد الذي يدعو إليه الإمام المهدي وهو اﻟﮕﺎطع. وهذا لا ينطلي على من اطّلع على مذهب أهل البيت عليهم السلام، وسبر روايات الأئمة الأطهار عليهم السلام؛ لأن ما جاء به اﻟﮕﺎطع مذهب جديد له أربعة وعشرون إماماً، مغاير لمذهب أهل البيت عليهم السلام، وما يأتي به الإمام المهدي عليه السلام ليس كذلك، وإلا كان مكذِّباً لآبائه الطاهرين الذين حصروا الأئمة في اثني عشر إماماً فقط.
(١٣) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٧٨.
(١٤) جامع الأدلة: ٩٧.
(١٥) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٨٠.
(١٦) بيان لأحمد إسماعيل ﮔﺎطع بعنوان: (من هو اليماني الموعود؟)، تاريخه: ٢١/٤/١٤٢٦هـ منشور في موقع أنصاره.
(١٧) عمدة القاري ٤/٣٤٩.
(١٨) صحيح مسلم بشرح النووي ٢/٣٢.
(١٩) الكافي ٨/٥٨.
(٢٠) بحار الأنوار ١٥/٣١٠.
(٢١) القاموس المحيط: ٥٥٥.
(٢٢) تاج العروس ١٦/٥٦١.
(٢٣) صحيح البخاري ٣/١١٦٩. صحيح مسلم ٤/١٩٢٥.
(٢٤) شرح النووي على صحيح مسلم ١٦/٣٥.
(٢٥) الإكليل، ص ٨٤. (منه).
(٢٦) سيرة ابن هشام، ج ١، ص ٨٥. (منه).
(٢٧) سيرة ابن هشام، ج ١، ص ٣٠. (منه).
(٢٨) الأصنام، ص ٣٤. (منه).
(٢٩) غريب الحديث ٢/١٦٢.
(٣٠) الأصول الستة عشر: ٢٥٠.
(٣١) رجال النجاشي ٢/٢٩١.
(٣٢) ثلاث نسخ من نسخ الكتاب ورد فيها قوله: وإنما يماني.
(٣٣) جامع الأدلة: ٩٧.
(٣٤) كمال الدين وتمام النعمة ١/٣٢٧.
(٣٥) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٢/٩.
(٣٦) المعجم الوسيط: ٦١٦.
(٣٧) كتاب الغيبة للطوسي: ١٥١.
(٣٨) روى الشيخ الصدوق قدس سره في كمال الدين وتمام النعمة، ص ٣٥٨ بسنده عن أبي بصير، قال: قلت للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: يا ابن رسول الله إني سمعت من أبيك عليه السلام أنه قال: (يكون بعد القائم اثنا عشر مهديًّا)، فقال: إنما قال: (اثنا عشر مهديًّا)، ولم يقل: (اثنا عشر إماماً)، ولكنهم قوم من شيعتنا يَدْعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقّنا.
(٣٩) علامات الظهور ٢/٣٠٠.
(٤٠) علامات الظهور ٢/٣٠٠.
(٤١) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٢/٩.
(٤٢) كشف الغمة ٤/٢٨٠.
(٤٣) إعلام الورى: ٤٠٣.
(٤٤) منتخب الأنوار المضيئة: ١٧٦.
(٤٥) إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ١/٢١٨.
(٤٦) إثبات الهداة ٥/٨٣، ٣٤٦.
(٤٧) كمال الدين وتمام النعمة (مقدمة المصحّح): ٢٩.
(٤٨) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٢/١٤.
(٤٩) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٥٦.
(٥٠) قال الشيخ الطوسي قدس سره في مصباح المتهجّد: ٥٧٢ في أعمال شهر شعبان: اليوم الثالث فيه ولد الحسين بن علي عليه السلام، خرج إلى القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمد عليه السلام أن مولانا الحسين عليه السلام وُلد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصمه... الخ.
(٥١) كمال الدين وتمام النعمة: ٤٤٢، في باب ذكر من شاهد القائم عليه السلام ورآه وكلّمه.
(٥٢) معجم رجال الحديث ١٤/٣٢.
(٥٣) لا يخفى أن أحمد بن هلال العبرتائي كانت له مكانة كبيرة عند الشيعة، وكان صوفيًّا متصنّعاً، اغترّ به كثير من الناس، ولما خرج التوقيع بلعنه شكَّ بعض الشيعة في صدوره عن الحجة سلام الله عليه، ولولا أن القاسم بن العلاء كان معتمد الإمام المهدي عليه السلام لما خرج مثل هذا التوقيع المهم على يده بالخصوص.
(٥٤) اختيار معرفة الرجال: ٥٨١.
(٥٥) معجم رجال الحديث ١٤/٣٢.
(٥٦) معجم رجال الحديث ١٢/٤٦.
(٥٧) رجال الطوسي: ٣٦٢.
(٥٨) رجال النجاشي ٢/٧٢.
(٥٩) نفس المصدر ٢/١٥٨ ت ٨١٩.
(٦٠) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٣٠.
(٦١) علامات الظهور ٢/٢٩٩.
(٦٢) كشف الغمة ٤/٣٠١.
(٦٣) الوافي ٢/٤٦٤.
(٦٤) المحجة البيضاء في تهذيب الإحياء ٤/٣٤٢.
(٦٥) إثبات الهداة ٥/٣٤٦.
(٦٦) بحار الأنوار ٥٢/١٩٢.
(٦٧) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة ٨/٣٥٤.
(٦٨) الفصول المهمة في معرفة الأئمة: ١١٣٤.
(٦٩) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٢/١٧.
(٧٠) نفس المصدر ٢/١٨.
(٧١) موقع (النسابون العرب)

http://www.alnssabon.com/t٢٨٣٤٧.html.

(٧٢) قال اﻟﮕﺎطع في بيان صفات اليماني: اسمه أحمد، ومن البصرة، وفي خدّه الأيمن أثر، وفي بداية ظهوره يكون شابًا، وفي رأسه حزاز، وأعلم الناس بالقرآن وبالتوراة والإنجيل بعد الأئمة، ومقطوع النسب، ويُلقّب بالمهدي، وهو إمام مفترض الطاعة من الله. (المتشابهات ٤/٤٦).
(٧٣) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٢/١٦.
(٧٤) نفس المصدر ٢/١٧.
(٧٥) الغيبة: ٢٨٦.
(٧٦) علامات الظهور ٢/٣٠٧.
(٧٧) جامع الأدلة: ١٠٧.
(٧٨) نفس المصدر: ١٠٧.
(٧٩) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٦٠.
(٨٠) رجال النجاشي ٢/٢٢٦.
(٨١) الفوائد الرجالية من تنقيح المقال ١/٤٨٠.
(٨٢) مقباس الهداية ٢/٣٠٧.
(٨٣) رجال النجاشي ٢/٢١٦.
(٨٤) تنقيح المقال ٣/١٥٧ الطبعة الحجرية.
(٨٥) فلاح السائل: ١٧٠.
(٨٦) جامع الأدلة: ١٠٨.
(٨٧) يبسّون: أي يمشون بتمهّل.
(٨٨) الغيبة: ٤٦.
(٨٩) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٢٣٠.
(٩٠) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٢٧.
(٩١) الأخوص: هو الذي غارت عيناه في رأسه.
(٩٢) الغيبة: ٢٦٤.
(٩٣) الغيبة للنعماني: ٣١٧. أمالي الشيخ الطوسي: ٩٣٤.
(٩٤) مجمع الأمثال ٢/٣٩١، رقم ٤٥٢١.
(٩٥) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٢٨.
(٩٦) عيون الحكم والمواعظ: ٢٤٤.
(٩٧) الخصال: ٣٠٣ ب ٥ ح ٨٢، وكمال الدين وتمام النعمة: ٦٤٩ ب ٥٧ ح ١ بفارق طفيف في بعض نسخه. (منه).
(٩٨) الإمامة والتبصرة من الحيرة: ١٢٩، ح ١٣١. (منه).
(٩٩) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٥٥.
(١٠٠) الفتن: ١٩٩.
(١٠١) نفس المصدر: ٣٣٢. والمسد: حبل من ليف، أو الحبل المحكم الفتل. (المنجد: ٧٦١).
(١٠٢) الغيبة: ٤٦.
(١٠٣) علامات الظهور ٢/٣٣٣.
(١٠٤) جامع الأدلة: ١١٠.
(١٠٥) الفتن: ٧٥.
(١٠٦) التشريف بالمنن في التعريف بالفتن المعروف بالملاحم والفتن: ٧٧.
(١٠٧) الملاحم والفتن: ٢٧.
(١٠٨) جامع الأدلة: ١٠٩.
(١٠٩) الفتن: ٢٧١.
(١١٠) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٢/٢٧.
(١١١) أمالي الشيخ الطوسي: ٩٣٤.
(١١٢) علامات الظهور ٢/٣١٠.
(١١٣) مقاتل الطالبيين: ٢٣٣.
(١١٤) علامات الظهور ٢/٣١٠.
(١١٥) البداية والنهاية ٨/١٦٢.
(١١٦) علامات الظهور ٢/٣١٠.
(١١٧) الفتن: ٧٤-٧٥.
(١١٨) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٢/٢٥.
(١١٩) نفس المصدر ٢/٢٦.
(١٢٠) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٥٠.
(١٢١) الغيبة: ٣٠٩.
(١٢٢) الصِّيْصِيَة: هي بالتخفيف قَرْن البقر، وما خَلْف رِجْل الديك، والحصن، والجمع الصياصي، وكأنه كناية عن قيام كل ذي قوة لطلب الملك والرئاسة، أو عن رفع السلاح مثل الأسنّة والرماح وغيرهما، أو عن رفع الحصون والقلاع حفظاً من تسلّط الأعداء، والغرض هو الإشارة إلى شدّة ذلك الزمان وصعوبة الأمر فيه. (شرح المازندراني لأصول الكافي ١٢/٣٠١).
(١٢٣) الكافي ٨/١٨٨.
(١٢٤) الغيبة: ٣٣٢.
(١٢٥) نفس المصدر: ٤٥.
(١٢٦) بحار الأنوار ٥٢/٣٢٩.
(١٢٧) الغيبة: ٤٦.
(١٢٨) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٧٣.
(١٢٩) نفس المصدر: ١٥٣.
(١٣٠) نفس المصدر: ١٩٣.
(١٣١) أي تؤكد أن اليماني من أهل العراق لا من أهل اليمن.
(١٣٢) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٧٥.
(١٣٣) كذا في بعض النسخ.
(١٣٤) الغيبة: ٤٦٣.
(١٣٥) نفس المصدر: ٢٨٨، ٢٨٩.
(١٣٦) إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ٢/١٧٤.
(١٣٧) ذكر أنهم: اثنان من البصرة، واثنان من سعداوة، وثلاثة من زين (إن كانت العراقية)، وأربعة من شيران، ورجل من (عقر) إن كانت إحدى قرى العراق، وأربعة من الكوفة، ورجل من واسط، وثلاثة من الزوراء (إن كان المراد بها بغداد)، ورجلان من سامراء، ورجل من كرخ بغداد، ورجل من الأنبار، ورجل من القادسية، ورجلان من الموصل، ورجل من سنجار، ورجلان من الحلّة، وثلاثة من كربلاء، واثنان من النجف.
(١٣٨) شرح الأخبار ٣/٣٦٦.
(١٣٩) الكافي ٨/٢٥٨.
(١٤٠) نفس المصدر ٨/١٨٨.
(١٤١) كمال الدين وتمام النعمة ٢/٦٥٠.
(١٤٢) الغيبة للنعماني: ٢٥٢.
(١٤٣) الغيبة للطوسي: ٤٣٥.
(١٤٤) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ١٤٠.
(١٤٥) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/١٠٦.
(١٤٦) روى الشيخ الصدوق عليه السلام في كمال الدين وتمام النعمة: ٦٥ بسنده عن معلى بن خنيس، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من الأمر: محتوم، ومنه ما ليس بمحتوم، ومن المحتوم خروج السفياني في رجب.
 فإذا ضممنا هذه الرواية إلى ما رواه الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب الغيبة، ص ٤٤٦ بسنده عن بكر بن محمد الأزدي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خروج الثلاثة: الخراساني والسفياني واليماني في سنة واحدة في شهر واحد في يوم واحد.
نعلم أن خروج اليماني سيكون في شهر رجب أيضاً.
(١٤٧) دجّال البصرة: ٤٩.
(١٤٨) الغيبة للنعماني: ٣١٥.
(١٤٩) نفس المصدر: ٣١٢.
(١٥٠) نفس المصدر: ٣١٢.
(١٥١) نفس المصدر: ٣١٣.
(١٥٢) نفس المصدر: ٣١٣.
(١٥٣) نفس المصدر: ٢٧٢.
(١٥٤) بحار الأنوار ٥٢/٢٥١.
(١٥٥) مكيال المكارم ١/٣٥٧.
(١٥٦) نفس المصدر ١/٣٥٧.
(١٥٧) كما أوَّل اﻟﮕﺎطع كلمة اليماني التي تدل على نسبته إلى اليمن، بأن المراد بها من انتسب إلى مكة، لأن مكة من تهامة وتهامة من اليمن، وهو تأويل يزيل العلامة عن الدلالة على من أريد بها.
(١٥٨) نفس المصدر ١/٣٥٧-٣٦١.
(١٥٩) الإرشاد ٢/٣٧٥. الغيبة: ٤٤٦.
(١٦٠) الغيبة: ٢٦٤.
(١٦١) نفس المصدر: ٢٨٦.
(١٦٢) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٣/٢٩.
(١٦٣) الحِلْس: كساء يُبسط في البيت تحت حر الثياب، يقال: (حِلْس بيته) لمن لم يبرح مكانه. (الوافي ٢/٤٥٢).
(١٦٤) الكافي ٨/٢٢٠.
(١٦٥) الغيبة: ٣١١.
(١٦٦) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٣/٢٩.
(١٦٧) الغيبة: ٢٦٤.
(١٦٨) الغيبة للطوسي: ٤٤٦. الإرشاد ٢/٣٧٥.
(١٦٩) الغيبة للنعماني: ٢٦٤.
(١٧٠) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٢٢.
(١٧١) مناقب آل أبي طالب ٤/٢٦.
(١٧٢) شرح قطر الندى وبل الصدى: ٣١٢.
(١٧٣) النحو الوافي ٣/٣٩٤.
(١٧٤) جامع الأدلة: ٩٠.
(١٧٥) دلائل الإمامة: ٢٣٢.
(١٧٦) الملاحم والفتن: ٥٣.
(١٧٧) الغيبة للنعماني: ٢٨٩.
(١٧٨) الغيبة للنعماني: ٢٥٦.
(١٧٩) مجمع البحرين ٤/٢١٩.
(١٨٠) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٢١.
(١٨١) الكافي ١/٢٣٨.
(١٨٢) عصر الظهور: ١٢٠.
(١٨٣) الكافي ٨/٢١٩.
(١٨٤) المتشابهات ٤/٤٦.
(١٨٥) كمال الدين وتمام النعمة ٢/٣٧٧.
(١٨٦) الغيبة: ٦٩.
(١٨٧) معنى أن فلاناً يوطّئ للإمام المهدي عليه السلام سلطانه أنه يبسط نفوذه على بلاد واسعة ثم يسلّمها للإمام المهدي عليه السلام، وأما من يجمع الجنود والأنصار الكثيرين، ثم يجعلهم تحت إمرة الإمام المهدي عليه السلام فقد عُبّر عنه في بعض الأحاديث بأنه يسلم إليه الراية، وأما من يقوم بنصرته عليه السلام فهو كل محارب أو قائد في جيش الإمام المهدي عليه السلام.
(١٨٨) الغيبة للنعماني: ٢٥٦.
(١٨٩) الملاحم والفتن: ٥٢.
(١٩٠) الغيبة: ٤٥٢.
(١٩١) راجع ما كتبناه في كتابنا (من هو خليفة المسلمين في هذا العصر؟)، ص ٨٦، حول قوله: يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي.
(١٩٢) المستدرك ٥/٥١١.
(١٩٣) سنن ابن ماجة ٢/١٣٦٨.
(١٩٤) الغيبة: ٤٦٣.
(١٩٥) الملاحم والفتن: ٥٣.
(١٩٦) نفس المصدر: ٥٥.
(١٩٧) نفس المصدر: ٥٣.
(١٩٨) صفحة: ٦٨.
(١٩٩) نفس المصدر: ٥٢.
(٢٠٠) الفتن: ٢١٢.
(٢٠١) نفس المصدر: ١٤٧.
(٢٠٢) الفتن: ٢١٥.
(٢٠٣) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٤٣.
(٢٠٤) الملاحم والفتن: ٥٣.
(٢٠٥) نفس المصدر: ٥٣.
(٢٠٦) نفس المصدر: ٥٥.
(٢٠٧) الكافي ٨/٢٤٦.
(٢٠٨) جامع الأدلة: ١٢١.
(٢٠٩) الغيبة للنعماني: ٢٦٤.
(٢١٠) في صفحة: ٦٨.
(٢١١) المتشابهات ٤/٤٣.
(٢١٢) شرح الباب الحادي عشر: ٨٩.
(٢١٣) الأنوار الإلهية في المسائل العقائدية: ١٠٤.
(٢١٤) راجع كتابي (الرد القاصم): ٥٥، فإني ذكرت فيه جملة وافرة من هذه الدعاوى الباطلة، منها: أنه رسول المهدي وسفيره، ووصيّه وحفيد حفيده المتولي للأمر من بعده، وأنه سعد النجوم، ودرع داود، والنجمة السداسية، ونجمة الصبح، وأنه أشير إليه بالرسول في آيات كثيرة من القرآن الكريم، وأنه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، وأنه مؤيَّد بجبرئيل، ومسدَّد بميكائيل، ومنصور بإسرافيل، وأنه اليماني المذكور في الروايات، مضافاً إلى أنه مذكور في التوراة والإنجيل، وأنه أفضل من عيسى بن مريم عليه السلام، وأنه شبيه عيسى الذي فداه بنفسه، وأنه رسول السيد المسيح إلى النصارى، ورسول إيليا إلى اليهود، ورسول الخضر، وأنه دابّة الأرض التي تكلّم الناس، وأن بظهره خاتم النبوّة، وأنه الحجر الأسود، وأن أنصاره أوّل من يدخلون الجنة.
(٢١٥) بحار الأنوار ٣٣/٢٥، ٣٢. شرح الأخبار ١/٤١٢. صحيح البخاري ١/١٥٨.
(٢١٦) الكافي ٨/٢١٩.
(٢١٧) الاحتجاج ٢/٣٢٤.
(٢١٨) المتشابهات ٤/٤٣.
(٢١٩) المتشابهات ٤/٤٣.
(٢٢٠) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/١١٣.
(٢٢١) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/١١٣.
(٢٢٢) الغيبة: ٢٦٤.
(٢٢٣) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٤٥.
(٢٢٤) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٤٥.
(٢٢٥) عيون أخبار الرضا عليه السلام ٢/٦٧. بصائر الدرجات ١/١٧٣.
(٢٢٦) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ١٤٠.
(٢٢٧) الغيبة: ٣١٧.
(٢٢٨) الكافي ٨/٢٢٠.
(٢٢٩) الغيبة: ٢٦٤.
(٢٣٠) رجال النجاشي ١/١٣٣.
(٢٣١) خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: ٣٣٤.
(٢٣٢) اختيار معرفة الرجال: ٥٥٢.
(٢٣٣) نفس المصدر: ٤٤٣.
(٢٣٤) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٣/٣٠ في الهامش.
(٢٣٥) العدّة في أصول الفقه ١/١٥٠.
(٢٣٦) تنقيح المقال ١/٢٩٠.
(٢٣٧) من لا يحضره الفقيه ١/٣.
(٢٣٨) معجم رجال الحديث ٥/١٥، ١٦.
(٢٣٩) شرائع الإسلام ١/٥.
(٢٤٠) نصيحة إلى طلبة الحوزات العلمية وإلى كل من يطلب الحق: ٢٤.
(٢٤١) نصيحة إلى طلبة الحوزات العلمية وإلى كل من يطلب الحق: ٢٤.
(٢٤٢) جامع الأدلة: ١١٢.
(٢٤٣) لعل المراد: لا تَمَلّ من كثرة ما يسألك من الخير الذي عندك، ولا ينبغي له أن يَمَلّ منك من كثرة ما تسأله من الخير الذي عنده.
(٢٤٤) تمحّل له: أي احتيل عليه.
(٢٤٥) انماث: أي ذاب.
(٢٤٦) الكافي ٢/١٧٠.
(٢٤٧) الغيبة: ٢٨١.
(٢٤٨) نصيحة إلى طلبة الحوزات العلمية وإلى كل من يطلب الحق: ٢٧.
(٢٤٩) نفس المصدر: ٢٥.
(٢٥٠) الكافي ١/٢١٣.
(٢٥١) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٨٨.
(٢٥٢) الكافي ٨/٢٢٩.
(٢٥٣) نفس المصدر ٨/٢٢٠.
(٢٥٤) الغيبة للنعماني: ٢٠٠.
(٢٥٥) يظهر أن عبد الله بن بكير ظنَّ أن المراد بسكون الأرض والسماء هو استقرارهما، وحيث إنهما مستقرّتان بحسب الظاهر إلى أبد الدهر، إذن فلا قيام ولا قائم؛ لأن القيام وعدم السكون وهو النصرة مقترنان، فإذا انتفى أحدهما ينتفي الآخر، وبانتفاء النصرة المعلَّقة على سكون الأرض والسماء ينتفي القيام.
(٢٥٦) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١/٢٧٧. معاني الأخبار: ٢٦٦.
(٢٥٧) تفسير العياشي ١/٨٣.
(٢٥٨) نصيحة إلى طلبة الحوزات العلمية وإلى كل من يطلب الحق: ٢٧.
(٢٥٩) الملاحم والفتن: ٥٤.
(٢٦٠) دلائل الإمامة: ٢٣٢. الملاحم والفتن: ٥٢.
(٢٦١) الملاحم والفتن: ٥٣.
(٢٦٢) الغيبة للنعماني: ٢٨٩.
(٢٦٣) الكافي ١/٣٧٦.
(٢٦٤) أمالي الصدوق: ٩٧. عيون أخبار الرضا ١/٦٦.
(٢٦٥) أمالي الصدوق: ٥٠٢.
(٢٦٦) كمال الدين وتمام النعمة: ٣٣٨.
(٢٦٧) نفس المصدر: ٣١٧.
(٢٦٨) علل الشرائع ١/١٥.
(٢٦٩) عيون أخبار الرضا عليه السلام ١/٦١.
(٢٧٠) نفس المصدر ١/٦٦.
(٢٧١) هذه الإضافة مذكورة في نفس الرواية في كتاب سليم بن قيس الهلالي: ٢٠٠.
(٢٧٢) كمال الدين وتمام النعمة: ٢٧٨، ٢٧٩.
(٢٧٣) كفاية الأثر: ٢٤٦.
(٢٧٤) نصيحة إلى طلبة الحوزات العلمية وإلى كل من يطلب الحق: ٢٥.
(٢٧٥) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ٢٣٢.
(٢٧٦) قال في كتابه دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٤٨: لقد سمعنا وسنسمع روايات كثيرة تتحدّث عن رجل من آل محمد عليهم السلام يخرج قبل قيام الإمام المهدي عليه السلام، وإن رايته ممدوحة بمدائح جليلة، وقد تقدّم بيان أن هذا الرجل هو اليماني الموعود.
ثم قال: هذه الرواية تتحفنا بشيء جديد، وهو أن هذا الرجل المشرقي من أهل بيت الإمام المهدي عليه السلام، ونحن نعلم أن الإمام المهدي عليه السلام ليس له أهل بيت في عصر الظهور إلا أن يكونوا من ذرّيّته، فلا مناص من القول بأن هذا الرجل هو من ذرية الإمام المهدي عليه السلام، والرواية تبيّن أنه هو الممهّد الرئيسي المشرقي صاحب الملاحم. إذن فاليماني الموعود هو مشرقي حسيني مهدوي، أي من ذرية الإمام المهدي عليه السلام.
(٢٧٧) الفتن: ٢٢٢، ٢٤٥.
(٢٧٨) كمال الدين وتمام النعمة: ٦٧٣.
(٢٧٩) تعايا بالأمر: عجز عنه، وتعايا عليه الأمر: أعجزه، فلم يهتدِ لوجهه.
(٢٨٠) تفسير العياشي ٢/٦٥.
(٢٨١) الغيبة: ٣٣٤.
(٢٨٢) الكافي ٨/٢٠١.
(٢٨٣) نفس المصدر ١/٢٥.
(٢٨٤) الوافي ١/١١٤.
(٢٨٥) الكافي ٨/٢٤٥.
(٢٨٦) الخصال: ٥٤١.
(٢٨٧) في صفحة: ١٢٣.
(٢٨٨) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٣/٤٦.
(٢٨٩) قال اﻟﮕﺎطع في بيانه إلى طلبة الحوزة العلمية: تقولون نحن نقبل شهادة العدلين. فها الله يشهد لي، ومحمد يشهد لي، وعلي يشهد لي، وفاطمة تشهد لي، والحسن يشهد لي، والحسين يشهد لي، وعلي بن الحسين ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن ومحمد يشهدون لي، بمئات الرؤى التي رآها المؤمنون، أفلا تقبلون شهادتهم وقولهم ونصحهم لكم؟ ألم يخبروكم أنهم يجتمعون على صاحب الحق إذا جاء، وقالوا (ع): (فإذا رأيتمونا قد اجتمعنا على رجل فأنهدوا إلينا بالسلاح) غيبة النعماني، ص ١٩٧.
(٢٩٠) راجع ما كتبته في هذا الموضوع في كتابي (الرد القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم): ٢٢٥.
(٢٩١) الجواب المنير عبر الأثير ١-٣/٩.
(٢٩٢) الكافي ٨/٢١٩.
(٢٩٣) الغيبة: ٢٨٩.
(٢٩٤) جامع الأدلة: ٩٥.
(٢٩٥) الكافي ١/١٧٨.
(٢٩٦) المتشابهات ٤/٤٦.
(٢٩٧) مجمع النورين: ٣٣١.
(٢٩٨) إلزام الناصب ٢/١٧٤.
(٢٩٩) دلائل الإمامة: ٣١٣.
(٣٠٠) بشارة الإسلام: ٢٩٥.
(٣٠١) اليماني الموعود حجة الله: ١٥٦.
(٣٠٢) الرد القاصم لدعوة المفتري على الإمام القائم: ٢٧-٥٤.
(٣٠٣) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٦١.
(٣٠٤) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٦٤.
(٣٠٥) نفس المصدر ١/٦٧.
(٣٠٦) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/١١٢.
(٣٠٧) الكافي ٢/٣٦٠.
(٣٠٨) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ١١/٧.
(٣٠٩) علل الشرائع ٢/١٧٢. تهذيب الأحكام ٦/١٧٤.
(٣١٠) مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ١١/٢٧٤.
(٣١١) اليماني الموعود حجّة الله: ٧٦.
(٣١٢) عصر الظهور: ١٢٢.
(٣١٣) الملاحم والفتن: ٥٤.
(٣١٤) نفس المصدر: ٥٥.
(٣١٥) انهدوا إلينا: أي أسرعوا إلى نصرتنا.
(٣١٦) الغيبة للنعماني: ٢٠٣.
(٣١٧) الغيبة للطوسي: ٤٥٢.
(٣١٨) الغيبة للنعماني: ٢٦٤.
(٣١٩) نفس المصدر: ٢٦٧.
(٣٢٠) الفتن: ٢١٣- ٢٢٢.
(٣٢١) الملاحم والفتن: ٥٣.
(٣٢٢) نفس المصدر: ٥٤.
(٣٢٣) دلائل الإمامة: ٢٣٢.
(٣٢٤) الملاحم والفتن: ٥٣.
(٣٢٥) نفس المصدر: ٥٢.
(٣٢٦) الفتن: ٢١٨، ٢٢١.
(٣٢٧) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٢٠.
(٣٢٨) في صفحة: ١١٧وما بعدها.
(٣٢٩) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٧٢.
(٣٣٠) تاريخ ما بعد الظهور: ١٦٩.
(٣٣١) الغيبة للطوسي: ٤٦٣.
(٣٣٢) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/١٢٢.
(٣٣٣) أو لأنهم قتلوا الأبرياء بغير حق، وانتهكوا الحرمات، وفعلوا الأفاعيل التي لا يرضاها الإمام عليه السلام، أو لأنهم لا يعتقدون بإمامته عليه السلام، وإنما يعتقدون بإمامة غيره.
(٣٣٤) مرآة العقول ٢٦/٤٨٢.
(٣٣٥) دراسة في شخصية اليماني الموعود ١/٦٣.
(٣٣٦) الغضارة: النعمة وطيب العيش.
(٣٣٧) العِلْج: قال النعماني: قال أبو علي: يقول أهل اللغة: العلج: الكافر، والعلج: الجافي في الخلقة، والعلج: اللئيم، والعلج: الجلد الشديد في أمره. (الغيبة: ٢٥٨).
(٣٣٨) الغيبة: ٢٥٨.
(٣٣٩) الغيبة: ٢٦٤.
(٣٤٠) دراسة في شخصية اليماني الموعود ٣/١٤.
(٣٤١) كذا في المصدر، ولعل الصحيح: وهو.
(٣٤٢) تفسير العياشي ١/٨٣- ٨٥.
(٣٤٣) تفسير العياشي ٢/٦١-٦٥.
(٣٤٤) إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين: ١٥٠.
(٣٤٥) البرهان في علامات مهدي آخر الزمان: ٥٢.
(٣٤٦) راية اليماني الموعود أهدى الرايات: ١٨٥.
(٣٤٧) الغيبة: ٢٨٩.
(٣٤٨) كذا في المصدر، ولعل الصحيح هو: السود، لدلالة جملة من الروايات على خروج الثلاثة في يوم واحد.
(٣٤٩) كذا في الأصل، ولعل الصحيح هو (متنصِّراً) كما نقله الشيخ المجلسي في بحار الأنوار ٥٢/٢١٧ عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي، وهو الأنسب بالسياق.
(٣٥٠) مختصر إثبات الرجعة (في مجلة تراثنا ١٥/٢١٤).
(٣٥١) الغيبة: ٢٦٤.
(٣٥٢) الكافي ٨/٢٤٦.
(٣٥٣) شرح أصول الكافي ١٢/٤١٢.

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ٠ / ٠.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016