فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 الصفحة الرئيسية » المكتبة التخصصية المهدوية » كتب أخرى » تعريف المهدوية للحضارات الأخرى
 كتب أخرى

الكتب تعريف المهدوية للحضارات الأخرى

القسم القسم: كتب أخرى الشخص المؤلف: مجتبى السادة تاريخ الإضافة تاريخ الإضافة: ٢٠٢٠/٠٧/٠٨ المشاهدات المشاهدات: ٣٠٩٤٣ التعليقات التعليقات: ٠

تعريف المهدوية للحضارات الأخرى

مجتبى علوي هاشم السادة

المحتويات

الإهداء
المقدمة
توطئة: مشروع تعريف المهدوية
إطلالة في أفق الثقافة المهدوية:
المنطلق في صياغة (تعريف المهدوية):
تفعيل مسؤولية (التعريف) الفكري والحضاري:
النسق الحضاري للمهدوية:
علاقة الهوية الثقافية بالكيان الحضاري:
الفصل الأول: تعريف المهدوية للحضارات الأخرى
تعريف المهدوية للآخر ضرورة حضارية:
التعريف المطلوب:
الهدف والرؤية من التعريف:
المرتكزات الأساسية للتعريف بالمهدوية:
الآلية الاستراتيجية للتعريف:
المهدوية هي مخلص الحضارات:
أطروحة المخلص عند المسلمين:
عوائق تعريف المهدوية للحضارات:
الخلاصة:
الفصل الثاني: المهدوية قاسم مشترك بين الحضارات
نماذج من استشهادات التراث الديني بخصوص المهدوية
التوراة وملحقاته: العهد القديم - اليهود:
الإنجيل وملحقاته: العهد الجديد - المسيحيين:
القرآن الكريم - المسلمين:
كتب الأديان الأخرى:
إحصائيات عن المخلص في التراث الديني:
تكامل فكرة المخلّص عبر مسيرة التاريخ البشري
تدرج الأنبياء في طرح فكرة المخلّص
هل المخلّص آخر الزمان واحد أم متعدد؟
علامات الظهور تتشابه عند جميع الديانات السماوية
تفعيل القواسم المشتركة لفكرة المخلّص بين الحضارات
الخلاصة
الفصل الثالث: المهدوية في الرؤية الاستشراقية
الاستشراق ماله وما عليه (موجزاً)
لماذا القضية المهدوية:
دراسات المستشرقين للعقيدة المهدوية:
بعض من دراسات المستشرقين الاوربيين:
بعض من دراسات المستشرقين الامريكان:
بعض من دراسات المستشرقين الإسرائيليين
مواقف ورؤى المستشرقين عن المهدوية:
لمحة تفصيلية عن نماذج من دراسات المستشرقين عن المهدوية:
كيف نستفيد من كتابات المستشرقين عن المهدوية
الخلاصة
الفصل الرابع: المهدوية برؤية حضارية
أهمية طرح المهدوية برؤية حضارية
السبيل لإدراك أصل الفكرة
المهدوية كفلسفة للخلاص:
الخلاص عند اليهود
الخلاص عند المسيحيين:
الخلاص عند المسلمين (المهدوية):
ثمرة مفهوم الخلاص:
المهدوية خط هداية متصل بالسماء:
فكرة المُخلّص تتجسد على أرض الواقع
المهدوية والحضارة الإنسانية:
الخلاصة
ثمرة البحث
الملخص
الخاتمة: رسالة للبشرية بخصوص المهدوية
المصادر

الإهداء

حقا لا أدري لماذا ظلم الإمام الحسن (عليه السلام) حياً وميتاً؟.. والعجب انني لا أدري!!!
عجباً؛ لريحانة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسبطه يقتل مسموماً!
عجباً؛ لقرة عين الوصي (عليه السلام) ترمى جنازته بالسهام!
عجباً؛ لفلذة كبد الزهراء (عليها السلام) يمنع أن يدفن بالقرب من جده (صلّى الله عليه وآله وسلّم)!
عجباً؛ لمن هو سيد شباب أهل الجنة أن يهدم مشهده ومزاره!
عجباً؛ لمن هو من أهل الكساء أن تطمس فضائله وتطفئ مآثره!
عجباً؛ لمن هو إمام قام أو قعد أن يقال له يا مذل المؤمنين!
عجباً؛ لمن أختار الخالق جل وعلا اسمه أن يخذله أصحابه والتاريخ!
عجباً؛ لمن حارب عدوه بالسلم وغلبه بالصلح أن تشوه سمعته وتزيف سيرته!
عجباً لأكثر من ذلك، ولكن حقاً لا أدري لما مظلوميته باقية إلى يومنا هذا!.. ولذا أقول:
ما عسى القلم أن يكتب، والبيان أن يحيط بشذرة من مقام الإمام المجتبى (عليه السلام)، وأنّى لنا ذلك، وقد عجزت الكلمات عن وصف فضائله، وكلت الألسن عن ذكر مناقبه، وحارت العقول في فهم مفاخره.. كيف لا: وهو من أهل بيت النبوة والرحمة ومعدن العلم.. كيف لا: وهو سليل الهدى وحليف التقى.. كيف لا: وهو أول الأئمة الأمناء من صلب سيد الأوصياء.. كيف لا: وهو من وسع الناس بأخلاقه وحلمه وكرمه.. كيف لا: وهو سفينة نوح وباب حطّة.. كيف لا: وهو أحد من باهل المصطفى النصارى بهم.. كيف لا: وهو سراج هدى للمتقين.. حقاً أنه فخر للقلم وشرف للمداد ان يسطر بعض محامده ومآثره.
إمامي ومولاي؛ يعجز الشعر والنثر والكلام كله في وصف فضائلك، وتقدير مناقبك، وذكر مكارمك.. فإن إيماننا اليوم بالمحجة البيضاء وإتباعنا للصراط المستقيم ثمرة عمل مشترك، لم يكن ليتحقق لولا جهودكم وتضحياتكم جميعاً أئمتي وسادتي وقدوتي وأسوتي - عليكم مني سلام الله - وها نحن نجونا من الجاهلية والهلكة بفضلكم ومعرفتكم، فأنتم جميعاً نجوم تلألأت وأضاءت حياتنا وشعرنا بالسعادة معها وبها، ولازال يلوح في أفقنا دوماً نجمكم الأخير نترقب بزوغه بقلوب وَلْهَى.. فلكم كل الحب والوفاء، وأرق كلمات الشكر والثناء، من قلب ملؤه المودة والولاء، وأسمى آيات الامتنان والعرفان.
السلام عليك: يا من هو أول وليد من دوحة النبوة والإمامة.
السلام عليك: يا من أفاض عليه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حنانه وعطفه، وأفرغ عليه أشعة من سمو نفسه وروحه.
السلام عليك: يا من هو صورة مصغرة عن جده (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يضارعه في أخلاقه ويحاكيه في ملامحه.
السلام عليك: يا من غذاه الأمير بالحكمة والشجاعة، وغرست البتول في نفسه الكمال والفضيلة.
السلام عليك: يا من نشأ في بيت الوحي، وتربى في مدرسة التوحيد.
السلام عليك: يا من علمنا الرسول بولادته مراسيم وسنن إسلامية جديدة.
السلام عليك: يا من هو السبط والزكي والمجتبى والتقي وكريم أهل البيت.
السلام عليك: يا من صان الأمة بالحلم، وحفظ دماءها بالصلح.
السلام عليك: يا معز المؤمنين وثاني أوصياء رسول رب العالمين.
السلام عليك: يا مهجة روح الصديقة فاطمة وثمرة قلب المرتضى علي.
هذا غيض من فيض محاسنك القدسية.. فإليك يا مولاي أهدي هذه الأوراق البسيطة والمتواضعة عن بقية الله وخاتم الأوصياء.. عسى أن تقع لدى مقامكم الرفيع موقع القبول، وأن تتلطف عليّ بالرضا، فهو غاية النجاح ومنتهى الأمل.
عذراً سيدي، إن مقامي هو مقام من أسرف واخطأ واستكان، وأقرّ بما جنى، يرجو بمقامه الخلاص، وأن يستنقذه بكم مستنقذ الهلكى، فكونوا لي شفعاء، فقد وفدت إليكم.. فاجعلوني من همكم، وصيروني في حزبكم، وأدخلوني في شفاعتكم، واذكروني عند ربكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلقه أجمعين محمد وآله الطيبين الطاهرين، أما بعد:
الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) هو المخلّص الذي تتحدث عنه الأديان والذي تتوق البشرية إلى خروجه ليحقق خلاص الإنسانية من الظلم والفساد وإقامة دولة العدل والرخاء، إلا أن ما نطمح اليه هو ان نوفق في أداء جزء من مسئولياتنا تجاه الإمام (عليه السلام)، فنقدّم ونوضّح ونوصّل ونعرّف حقيقة مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) الربانية كما هي في الأطروحة الإمامية إلى كل الأمم والشعوب وكل الكيانات الاجتماعية والحضارية في العالم.. وللأسف الشديد وباستقراء واقعنا الثقافي الإسلامي يتجلى لنا غياب هذه المهمة والمسؤولية عن تفعيلها وتنفيذها، أو حتى التهيئة والتأسيس لمنظومة فكرية تتناغم مع هذا السياق، أو تحفيز الأمة لامتلاك مسلك عملي يتلاءم مع ممهدات اليوم الموعود.
إن البحث عن إنسانيتنا وهويتنا وحضارتنا أمر مشروع ومطلوب، لإيجاد ما هو أمثل وأفضل من داخل نسق حياتنا وثقافتنا.. لكن هذا لن يحل مشكلة الظلم والجور والفساد في ارجاء المعمورة، وقد يرى البعض أننا بطرح فكرة أو مهمة أو مشروع تعريف المهدوية للحضارات الأخرى أننا نحلم، لكن حلمنا هو واقع مؤجل، ويملك من الكفاءات والإمكانيات ما يؤهله لتقديم المهدوية بنجاح تام للعالم اجمع.
لا مناص من الاعتراف أننا نعيش مأزقاً فكرياً في مسار الثقافة المهدوية، يترك آثاره السلبية على مسيرة التمهيد، وكذلك يؤثر بوضوح في تعاملنا المنهجي مع الآخر بصورة سلبية فيما يتعلق بالمهدوية ومفهوم المخلّص والخلاص ونهاية التاريخ ومستقبل البشرية.. حيث يفتقد الطرف الآخر لأبسط الحقائق والمفاهيم عن المهدوية وأهدافها، وماذا سيتحقق من نتائج على يديها في المستقبل، وهذا هو موضوع الكتاب الذي يطرح فكرة موسعة ذات قابلية عالية لتتحول إلى مشروع، إذا أتخذ القرار ووجدت العزيمة لتنفيذها.
إن رؤيتنا القاصرة للمهدوية لا زالت تشكل أضراراً جسيمة على الإنسانية، وفي طليعتها غياب القضية المهدوية عن حياة معظم أفراد البشرية.. ففي هذا الكتاب يتجلى أمامنا أبعاداً فكرية عديدة للمهدوية مسكوت عنها، ومنها إطلالة معرفية دقيقة وعميقة لرؤيتها بمنظور حضاري، والبحث عن مطالبها ومقاصدها الكبرى وبرؤية إنسانية وعالمية شاملة.
ثمة في هذه الدراسة الكثير من النقاط التي تستحق ان نتوقف عندها طويلاً؛ من ذلك النظر للمهدوية وموقعها ودورها في الحياة البشرية، فليست المهدوية طيف من الخيال أو فكرة طارئة تسربت للعقل الإنساني على حين غفلة، إنما هي نسق رباني كامل يستلهم الخط الحضاري، وتعبر عنه الأمم والشعوب بمفهوم المخلّص أو الخلاص.
وعلى هذا الأساس؛ لقد استطردنا في بحوث هذا الكتاب إلى إضاءات منهجية، وإثارة أطروحة جديدة في الثقافة المهدوية، وذلك بالتأصيل الفكري لمشروع التعريف من خلال محتوى ومضمون البحث الذي حاولنا قدر الإمكان ان يكون التصور والرؤية للمشروع شامل وكامل، ومن خلال منهج وكيان فعال في الإطار المعرفي والثقافي:
* اجتهدنا في بحوث الفصل الأول (تعريف المهدوية) في التأكيد على أهمية ولوج القضية المهدوية إلى الفضاء الثقافي العالمي، فحاولنا تلمس معالم الطريق وتكوين منهجية علمية، تتمثل في بلورة مشروع تعريف المهدوية بمكوناتها الجوهرية وحسب الأطروحة الإمامية، وبصورة تناسب عقلية غير المسلم، حيث انبثقت الحاجة إلى تأسيس وبناء منظومة فكرية تعريفية، مما يساعد على بلوغ الهدف الذي ننشده.. وبشكل عام يعتبر هذا الفصل مقصد هذه الدراسة، وركن الكتاب الأساسي.
لا شك ان المحك هو إيضاح وإيصال حقيقة المهدوية وأهدافها إلى الكيانات الثقافية لدى الأمم والشعوب المختلفة، وترسيخ الفكرة الأصلية لدى الرأي العام العالمي.. علماً بأننا طبقنا منهج البحث العقلي، ولبلورة مفهوم التعريف وظفنا منهج التحليل المنطقي والترابط العلمي، لنخرج برؤية وتصور شامل ومتكامل لمهمة التعريف وأهمية الرؤية الحضارية.
* سعينا في بحوث الفصل الثاني (القواسم المشتركة) إلى التطرق لحقيقة المخلّص في التراث الديني، وذكرنا بعض الشواهد من إشارات ونصوص القرآن الكريم والعهدين (الكتاب المقدّس) مما يؤكد ان الكتب السماوية أجمعت على مجيء المخلّص آخر الزمان، وإن البشرية على اختلاف آراءها في الهوية والمصداق، وتشتتها في مفهوم فلسفة الخلاص، إلا أن أصل ومضمون الفكرة تجمعها وتتفق عليها.
لا شك ان المحك هو التعرف على القاعدة الدينية والأسس الفكرية التي تنبني عليها فكرة المخلّص عند الآخر، وبينا شيئاً من القواسم المشتركة ونقاط الالتقاء حول أصل الفكرة وبعض التفاصيل الجزئية، وأثبتنا أنها تشير إلى المهدوية بشكل واضح وصريح.. علماً بأننا طبقنا منهج البحث الموضوعي المقارن بين التراث الإسلامي ونصوص كتب العهدين، والجمع بين المشتركات فيما يخص تلك المباحث.
* بذلنا جهداً في بحوث الفصل الثالث في دراسة نقدية موضوعية لآراء المستشرقين في القضية المهدوية، وفي تفكيك وتحليل المنهج العلمي الذي يغلف كتاباتهم، وما آل اليه العالم الغربي من خسائر فكرية ومعرفية فادحة نتيجة التشويه المتعمد للمهدوية الإسلامية، وقد وقفنا على رؤيتهم وأثبتنا مدى ابتعادهم عن الحقيقة ومجانبتهم للواقع بسبب دوافعهم واغراضهم المسبقة.. مما يثبت ويؤكد إننا بحاجة إلى إيضاح جوهر المهدوية لكل العالم.
لا شك ان المحك هو التعرف على رؤية الأخرين المعاصرة للمهدوية، وإلى اين وصل مفهوم الفكرة لديهم، وماذا ينشر ويروج في أوساط الرأي العام حولها ودوافعه وغاياته في ذلك.. علماً بأننا طبقنا المنهج الاستقرائي التتبعي، وبعد الاطلاع على نتاجهم وظفنا المنهج التحليلي، ولا يخفى بأن المنهج النقدي كان حاضراً اكثر من غيره.
* ثابرنا في بحوث الفصل الرابع (الرؤية الحضارية) في دراسة عقلية مقارنة، لطرح المهدوية بمنظور حضاري، فتطرقنا لبعض الأمثلة والنماذج التوضيحية (مثل فلسفة الخلاص) وبيّنا الصورة الحضارية الحقيقية، وخاطبنا الآخر بأسلوب منطقي وعقلي يناسب الرأي العام غير المسلم.. وهنا نسجل إن مواضيع هذا الفصل تحتاج إلى المزيد من التمعن والاستكشاف في آفاق نظرتنا وقراءتنا للمهدوية، ومدى قدرتها على مواكبة الحياة المعاصرة والتقدم عليها.
لا شك ان المحك هو عرض مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) على الآخر وإبراز الجوانب الحضارية فيها، وقد اعتمدنا الاستدلال العقلي باعتباره ضرورة منهجية وينسجم مع المجتمعات ذو النزعة العلمانية (غير الدينية).. علماً بأننا طبقنا المنهج الوصفي المقارن، وكذلك وظفنا المنهج التحليلي والنقدي بشكل كبير.
هذا الكتاب يحمل هَمْ زرع (رؤية المهدوية بمنظور حضاري) في تفكير الأمة، كي تصبح قادرة على التخاطب والتحاور مع الآخر من موقع الاعتزاز بالذات، وكذلك يسعى للإقدام على تعريف المهدوية الربانية للمجتمعات الأخرى ووضعها في مدار اهتمامات الإنسانية في العالم.. ويعد هذا كخطوة أولية على الطريق، تغذي تطلعات البشرية وطموحها إلى حياة سعيدة ومستقبل مشرق، إن المسئولية الملقاة على عاتقنا تدعونا إلى ان نلج هذا الطريق الذي يتسم بالحكمة والواقعية، بل الواجب يحتم علينا ان نتخذه منهج عام في مسار الثقافة المهدوية.
توطئة: مشروع تعريف المهدوية:
إطلالة في أفق الثقافة المهدوية:
لا اعتقد أن هناك ركوداً أدبياً او معرفياً في الثقافة المهدوية، بل هناك ازمة وعي وفهم لأبعاد القضية المهدوية ومقاصدها الكبرى (إنسانية - حضارية - عالمية - شاملة -...)، ولا يكفي الاقتصار على البعد العقدي (مبدأ الإمامة - وهو مهم جداً) أو التركيز على جانب علائم الظهور في القضية فقط، بل يتحتم على الثقافة والرؤى المهدوية التي تطرح حالياً، أن تواكب حركة المجتمعات البشرية والعصر وتطوره، وحركة الأولويات والاحتياجات والرغبات الراهنة التي يفترض أن تلبيها وتغذي بها الفضاء الثقافي العالمي، وقبل ذلك متطلبات مسيرة التمهيد لظهوره (عليه السلام).. إن الروح الإنسانية والحضارية في الفكر والثقافة المهدوية التي نحاول إبرازها في هذه الدراسة لتبحث عن الينبوع الحقيقي وأهداف وغايات صاحبها (عجّل الله فرجه)، وانبعاثاً من حقيقة هامة لافتة للنظر: ان شروط الحياة ستتحسن وأن المستقبل سيصبح أفضل، وإن هناك أمل يعيش بين جملة الآمال البكر، ولذا فإن مهمة تعريف المهدوية للأمم والشعوب ضرورية في هذه المرحلة التاريخية الراهنة، وتنطلق من المسئولية الملقاة على عاتقنا للتمهيد وتهيئة البشرية لاستقبال عهده الميمون.
الواقع أننا اليوم، بعد أن تقاربت المسافات بين الشعوب وأصبحت الأمم تعرف بعضها البعض أكثر من أي وقت مضى، ينبغي علينا تعريف العالم كله بالمنقذ الحقيقي وأمل البشرية والذي تنتظره الإنسانية منذ آلاف السنين، ونطمح بأمل توحيد فكرة المخلّص ومفهوم الخلاص في بوتقة واحدة، فَنُوصّلْ ونوضّح ونعرّف بمكانة وحقيقة مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) وعلى أساس القواسم والخواص المشتركة بين الجميع، ونطرحها بنسق حضاري.
المنطلق في صياغة (تعريف المهدوية):
إن تعريف المهدوية للآخر وعرضها برؤية حضارية يدخل ضمن سياق الدراسات المقارنة، والموضوعات الفكرية العليا والتي تتضمن أبعاداً متنوعة؛ أحدها أنماط العلاقة التفاعلية بين المنتمين لتلك الحضارات عبر التاريخ، والعوامل المؤثرة فيها، ولكن يظل المحك في نظرنا: كيف يمكن توظيف الاتفاق على أصل فكرة المخلّص والقواسم المشتركة في ترسيخ مفهوم وجوهر المهدوية عند الجميع؟.. وبعبارة أخرى، كان المحك الحقيقي هو الإجابة عن السؤال التالي: ما الذي يميز رؤيتنا لموضوع المخلّص (الإمام المهدي - (عجّل الله فرجه)) عن غيرنا من الحضارات الأخرى، وكيف نوصل الصورة الحقيقية للآخر(١)؟
حين نتمكن من ضبط آليات توجهنا الفكري والثقافي في ظل متطلبات مسيرة التمهيد المهدوي وأولويات المرحلة المعاصرة، وحين نصحح مسارنا الثقافي والمعرفي المهدوي الذي يحتاج إلى إعادة صياغة بشكل يوطد لتأسيس منهج جديد ذات أطروحة فكرية حضارية منفتحة، تستلهم المقاصد الكبرى للمهدوية، حينئذ فقط نستطيع أن نتحدث عن مشروع تعريف المهدوية للآخر، ونضمن التفاعل الفكري والحضاري منه.. ينطلق برنامج ومهمة تعريف المهدوية من قواعد اساسية هي:
الأولى: الاعتراف بالاختلاف والتنوع الفكري والرؤى والتصورات، واحترام وجهات النظر المتباينة، مع مراعاة عدم تحويل الاختلاف إلى خلاف، وعدم الاقتداء بالدراسات الاستشراقية غير الموضوعية حول المهدوية.
الثانية: الاستفادة من نقاط الالتقاء والقواسم المشتركة ومد جسور التعارف والحوارات الفكرية المتكافئة بين الشعوب، بناءً على الحقائق المتفق عليها حول مفهوم المخلص الموعود.
الثالثة: طرح مفهومنا ورؤيتنا في قضية المخلّص الرباني الموعود بكل صراحة ووضوح، وأن لا تغيب هويتنا الإسلامية، والتمسك بالذاتية والخصوصية الفكرية، وإيصال ذلك برؤية حضارية.
إن هذه النقاط تفضي إلى المنهاجية العامة لبرنامج التعريف، وتأكيد الرابطة بين (البعد النظري) منهج البحث والدراسة لأغراض معرفية فكرية، وبين (البعد العملي) أنماط انتقال المعارف والأفكار بين الكيانات الحضارية والثقافية.
تفعيل مسؤولية (التعريف) الفكري والحضاري:
يستلزم إطلاق برنامج أو مشروع أو مهمة (التعريف) استيعاب قضية المخلّص بشكل عام، والإحاطة في سبر فلسفته عند الآخر (التأصيل النظري)، وكذلك القدرة العملية والتقنية على إيصال رؤيتنا وحقيقة المهدوية للآخر (التأصيل العملي).. من هنا يتعين علينا مبدئياً استعراض شروط تحقق التعريف كما يلي:
* مشروع (التعريف) رهن بمعرفة القاعدة الفكرية واستيعاب المباني العقدية لمفهوم المخلّص عند الآخر بشكل عام، والوقوف على التصورات والاختلافات التي يعتقدون بها، ومن ثم استخلاص القواسم المشتركة ونقاط الاتفاق والالتقاء، وتكوين أرضية للانطلاق بعد ذلك.
* إن سبر (التعريف) بحاجة إلى القدرة على الاهتمام بالرؤى الفكرية المعاصرة للآخر، وتناول رؤيته للمهدوية ولمفهوم المخلّص حالياً، على ان لا يكون منهج التعريف وبرامجه وغاياته وأهدافه ردّة فعل على (الرؤية الاستشرقية للمهدوية).
* لا يخفى أن للآخر وأتباع الأديان والحضارات المختلفة فلسفة خاصة حول الخلاص ومفهوم المخلّص، وإن المعرفة العميقة بها وإدراك ابعادها، تخلق حالة من تمهيد الطريق للدخول لجوهر ومفهوم المهدوية وتسهيل مهمة التعريف.
* طرح المهدوية برؤية حضارية ووفق معايير رائدة تكون مقبولة عند الكل، مما يشكل في الحقيقة إشعاع ينبثق لينير الطريق أمام الرأي العام العالمي لفهمها على حقيقتها ومكانتها الراقية في فضاء الفكر الإنساني.
وفي هذا السياق، فان هذا البحث يرمي لإيضاح الآلية الاستراتيجية لتعريف المهدوية للحضارات الأخرى، وإلى عالم المستقبل الغاص بالرؤى والآفاق والأحلام التي تراود كل مؤمن ومثقف واعي يأخذ نفسه بمهمة كبيرة ومسؤولية حساسة ليفي بمتطلبات وأولويات الحقبة التاريخية الحالية، والذي يسند واجبنا ومسئوليتنا في التمهيد لظهور الإمام (عجّل الله فرجه)، وهو ايضاً مستوحى من الحاجة الفكرية والثقافية التي تلح علينا في هذه المرحلة من تاريخ البشرية، وليلبي النقص الحاصل في مسارات واتجاهات الثقافة المهدوية.. إن مثل هذه الدراسة توفر المبادئ والأسس المطلوبة لبرنامج ومهمة (التعريف)، وطرح رؤية أولية بشأن هذا المشروع الطموح ودوافعه وأهدافه ومرتكزاته وآلياته وعوائقه، باعتباره أحد المناهج والأساليب الذي يتصف بنوع من التحاور والتفاعل والتواصل، خاصة في ظل مقولة (حوار / تكامل / تعارف الحضارات)، وما تستدعيه من قضايا وأفكار ومفاهيم تتعلق بالقضية المهدوية وبأبعادها المتنوعة.
النسق الحضاري للمهدوية:
إن التحدي الذي يواجهنا ليس هو اعتماد أو توثيق أو تعويل للرؤية الحضارية في حقل الثقافة المهدوية، ولكن تطوير منظور الرؤية واكتشاف جوانبها المختلفة انطلاقاً من أهمية البعد الحضاري، وهذا يرتبط بمراجعة التراث الديني السماوي المتعلق (بالمخلّص - الخلاص) ومن منظور وحس حضاري.. إذن لدينا أسس نبني عليها، وهي أسس أصيلة، وكذلك عند دراسة (المخلّص / المهدوية) لدينا أصول للرؤية والمنهاجية، ولكن لينصب اهتمامنا ليس لتلمس البعد الحضاري في النظر للمهدوية، بل لتطوير منظورنا المهدوي الحضاري وإبرازه.
لابد أن يكون عندنا وعي بالبعد الحضاري في القضية المهدوية، وأن نعطي أهمية للتأصيل لمنظور حضاري، وهو ليس تأصيلاً للمهدوية ولكنه موجه للأمم والشعوب والحضارات الأخرى، وهذا منعكس من النقاط التالية:
- إن الغاية من التأصيل النظري الحضاري في القضية المهدوية على نحو يخدم مشروع (التعريف)، حيث تتداخل المفاهيم ولا تتضح الرؤية عند الآخر إلا من هذا المدخل.
- إن الاهتمام بالبعد الحضاري في القضية المهدوية سيكون من منظور مقارن مع رؤية الآخرين للمخلّص والخلاص، مما يخلق ساحة أساسية لبلورة مفهوم وحقيقة المهدوية عند الآخر.
- الاجتهاد لتأسيس مجال دراسات حضارية في نطاق القضية المهدوية، وهو مجال خاص في حد ذاته وله مداخل مختلفة، يمكن تأسيسه من تقاطعات علوم متعددة، ويجمع بين منظورات متنوعة.
هذا النسق والبعد الحضاري في القضية المهدوية يظهر في الأساس مكانة وعظمة (المهدوية)، ومن جهة أخرى يخدم ويساعد مهمة وبرنامج (التعريف)، وإن اكتشاف القواسم المشتركة والتقاطعات الفكرية لمسألة المخلّص بين المنتمين للأديان والحضارات المختلفة، تبين مدى قرب رؤيتهم أو بعدها عن النسق الحضاري، مما يساعد على تفكيك فلسفة الخلاص والأنماط الفكرية للمخلّص عندهم، وإحلال البديل.
إن الثقافة المهدوية المطلوبة في الوقت الراهن يجب ان تتجاوز الإطار التقليدي والكلاسيكي كمبدأ وعقيدة دينية، وان ترتبط بنسقها الحضاري الشامل الذي تعززه أهدافها وغاياتها ومقاصدها العليا.. إن المهدوية ليست مجرد قيمة عقائدية او مبدأ ديني من قيم الدين الإسلامي، بل هي أساساً قيمة جوهرية لا يمكن تقليصها إلى أي من مكوناتها او أبعادها، إنها (إنسانية - حضارية - عالمية - فطرية - عقلائية - اقتصادية - اجتماعية - شاملة -.....) نسق كامل من القيم المتأصلة في النظام الرباني.. إن مثل هذه النظرة للمهدوية تقدم الشيء الكثير، لأنها تقوم بإعادة تشكيل أسس كثيرة في مجالات الثقافة والمعارف المهدوية، وتغذي مسارها بالمفهوم والمعنى والغاية التي تفتقر إليها حالياً، وتضعها على المسار الصحيح اللائق بها.
علاقة الهوية الثقافية بالكيان الحضاري:
إن القراءة الواعية للأحداث في واقع البشرية المعاصر يجعلنا ندرك بوضوح إن الذي يفصل ما بين الشعوب ليس المسافات الجغرافية، وإنما هي المسافات المعنوية، والرؤى الفكرية أهم معالمها.. وينطبق هذا المعنى بوضوح على الوضع الحضاري الحالي السيئ والمليء بالظلم والجور والفساد الذي تعيشه البشرية، ولعل من أخطر ميادين التدافع الحضاري، مشكلة وفلسفة ومفهوم (نهاية التاريخ وصراع الحضارات)، وإن من ضمن خصائص ومفهوم (المخلّص المهدي) استمرارية الأمل بحياة مشرقة وسعيدة آخر الزمان.
وإذا كان التقدم الحضاري يبدأ من خلال الأفكار، فإن حركة التاريخ لا تؤتي ثمارها وفعاليتها إلا في إطار النسق والرؤى الفكرية، ومسار انتقال الأفكار بين المجتمعات والكيانات الحضارية.. وفي هذا الصدد فإننا نأمل ونطمح بان يصبح حضور المهدوية كمفهوم للمخلّص ورؤية للخلاص في الواقع الثقافي للرأي العالم العالمي، من الأسس الفكرية الثابتة والبديهيات والمسلمات، وكظاهرة لا تخفى على أي راصد ومتابع لحركة انتقال الأفكار بين المجتمعات والحضارات.
وفي الواقع إن هذا النشاط الحضاري (تعريف المهدوية للآخر) لا يمكن تطبيقه إلا من خلال خطة تتضمن: عنصراً فكرياً وطرقاً تنفيذية.. وفي هذا السياق ندرك بأن المهدوية تمتلك المقومات الذاتية والإمكانيات الإنسانية والمؤهلات الفريدة والكافية للقبول لدى الآخر إذا طرحت بمفهوم ورؤية حضارية، وفي الوقت ذاته يجب ان تكون الأداة في إيصال المفهوم والرؤية والحقيقة ذات فعالية عالية وقدرة كبيرة على التغلغل والتأثير في الكيانات الثقافية العالمية.
إن من يعرف المهدوية على حقيقتها يدرك ان من خصائصها: سهولة انتشارها وقوة نفوذها واستعداد الغير لتقبلها، وهذه بعض مزاياها باعتبارها كيان إنساني حضاري منفتح، مما يعني ان التفاعل مع مفهوم المهدوية ومضمونها حقيقة ثابتة ومؤكدة، تبرزها الدراسات الحضارية المقارنة، وحتماً سيؤدي هذا التفاعل إلى التمازج والتلاقح في ميدان الأفكار والثقافات، ويستدعي تشكيل نتائج إيجابية ومفاصل فاعلة تنطلق من خلال مرتكزات جوهرية تعبر عن الخصوصية الذاتية للمهدوية، ومنهج يشكل ويوضح حقيقة الهوية والمصداق، وبصورة لا تستعصي على الفهم والإدراك.
ثمرة: هذه التوطئة تضعنا في قلب القضية والمشروع التي نسعى إلى بلورته في هذا البحث، والمتعلق بكيفية طرح وإيصال وتعريف حقيقة المهدوية الأصيلة إلى المجتمعات والكيانات الثقافية للحضارات الأخرى، والشروط والمرتكزات المطلوب توفرها في سبيل ذلك.. وفي هذا السياق يثار تساؤلات جوهرية: هل نمتلك استراتيجية فكرية وعملية لتعريف مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) للآخر؟.. وهل حددت معالم المنهج أو خارطة الطريق لمشروع التعريف بشكل يتناسب مع المهدوية والإمامة الخاتمة؟.. وهل أسسنا لبناءات فكرية وتراكمات معرفية تساهم في هذه المهمة؟

الفصل الأول: تعريف المهدوية للحضارات الأخرى

إننا نعيش فترة أيام حاسمة في تاريخ البشرية الفكري، بما تنطوي عليه من تحولات ثقافية ومخاضات فكرية كبرى من قبيل صراع الحضارات أو حوار الحضارات أو تكامل الحضارات أو.... وانطلاقاً من القرآن الكريم الذي أسس لمبدأ (تعارف الحضارات) بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات: ١٣). فالأمم والشعوب والحضارات(٢) مهما تنوعت وتوزعت على مساحات الأرض إلا أنها مطالبة بالتعارف، وهذا ما يريده سبحانه وتعالى للإنسانية، وهو مستوى رفيع وراقي من العلاقات، وهذا يستتبع معه الانفتاح والتواصل والحوار، الذي من أبعاده أن تتعرف كل أمّة وكل حضارة على أفكار وثقافات وعقائد الأمم والحضارات الأخرى، ومن هذه الأمور المتفق عليها والمشتركة فكرة المخلص الموعود، مما يتطلب منا مهمة ومسؤولية تعريف وإيضاح حقيقة المهدوية للأمم والشعوب الأخرى.
تعريف المهدوية للآخر ضرورة حضارية:
التطلع إلى قراءة العقيدة المهدوية من منحى عقلي وعلى ضوء فلسفة التاريخ، يتطلب منا أن ندرسها برؤية حضارية باعتبارها قيمة إنسانية عليا ومسألة مصيرية متعلقة بمستقبل البشرية، كثيرون بحثوا القضية المهدوية من ناحية النصوص والروايات، وكثيرون دخلوا في مسائل كلامية ومناظرات بهذا الخصوص، غير أن الدراسات الفكرية والتي تبحث هذه المسألة برؤية حضارية قليلة جداً، ولا نبالغ إن قلنا: ابتعادنا عن دراسة المهدوية من منظار حضاري، يوقعنا في نزاعات كلامية وطائفية هي بعيدة كل البعد عن مقاصد الشريعة الإسلامية وأهداف الأطروحة المهدوية.
إذا تأملنا في مفهوم(٣) أو مصطلح (تعريف المهدوية للآخر)(٤) أو الحضارات المختلفة، يمكننا أن نكتشف قيمته الفكرية والعملية وأهميته الحضارية، من خلال الآتي:
١ - الخروج من الإطار الضيق للقضية المهدوية، ونحن الذي حصرناها كأنها مسألة مذهبية خاصة باتباع أهل البيت (عليهم السلام) فقط، وإن توسعت فتحصر كعقيدة إسلامية تهم المسلمين وحدهم، وهذه تورث السجال الطائفي.. مما يحتاج أن ننظر لها بمنظار أوسع وأشمل وأعمق وننطلق من أرضية إن المهدوية لكل البشرية وليست لدين أو مذهب أو شعب معين.
٢ - تجاوز إشكالية تأطيرها في الجانب العقدي فقط، كأصل من أصول الدين ومن مبدأ الإمامة، ونقتصر بالنظر لها على هذا الأساس.. وهذه الإشكالية تضيق عملية الفهم للمهدوية وفهم المبادئ والقيم المرتبطة بها كالعدالة والعالمية وتطور العلم و....، مما يجعل رؤيتنا قاصرة على الاستفادة فكرياً وحضارياً وعلمياً من خصائصها ومميزاتها العديدة.
٣ - فكرة ومبدأ المخلص الموعود موجودة عند كل الأمم والشعوب والأديان، ولكن عندما لا يوجد تعارف بين الحضارات بخصوص هذه الفكرة، فإن هذا الانقطاع عن تكوين المعرفة وسيادة الجهل بالمهدوية لدى الآخر، سيولد نوعاً من سوء الفهم، ويخلق مشكلات فكرية وثقافية مع الحضارات الأخرى انطلاقاً من مبدأ ومفهوم صراع الحضارات.
ولا شك في أن مفهوم أو مصطلح (تعريف المهدوية للحضارات الأخرى) عند بلورته وطرحه على أرض الواقع كمنظومة معرفية متكاملة، سيتيح للأمم والشعوب المختلفة التعرف على واقع وحقيقة المخلص الإسلامي (الأطروحة المهدوية الإمامية) بمنظور شامل ومتكامل ومتزن، وبناءً على القواسم المشتركة لمبدأ وفكرة المخلص عند الحضارات، وسواء نظرنا إلى اصل الفكرة برؤى دينية أو بنظرة فلسفية، فالمهم أن نرسخ حقيقة أنّ نهاية العالم تقترن مع نشر التوحيد وتحقيق العدالة وسعادة البشرية، وهذه هي الرسالة التي نود إيصالها للآخر عند الحديث عن المهدوية.
من هنا نأمل أن يكون هذا البحث دافعاً لدراسة المفاهيم المهدوية برؤية فكرية حضارية تتعالى على النظرات الثقافية الضيقة، وتفتح مجال التفكير في الثقافة المهدوية بمنهج ومنظور معرفي حضاري يتطابق مع أهداف وغايات الإمامة الخاتمة.. إذاً حاجتنا إلى رؤية حضارية في قراءتنا للمهدوية هو للخروج من أسر الماضي وضيقه إلى أفق المستقبل ورحابته، وما تقديم وتعريف وإيضاح حقائق المهدوية للأمم والحضارات المختلفة إلا جانب واحد من هذه الرؤية الحضارية، وقبل ذلك نطمح لبناء المنظومة الفكرية التعريفية للمهدوية على قاعدة القواسم المشتركة لمفهوم (المخلص)، وبما يخدم الإنسانية ويحقق بعض الأهداف المهدوية.
وعلينا أن نعلم أيضاً أن الإيمان بالإمامة الخاتمة (المهدوية) ومعرفة مكانتها وخصائصها الفريدة، يزيد قيمة تعريف الناس بحقيقتها وأهميتها والإحاطة بمقامها العالي، فنقل (منظومة البناء المعرفي(٥) للأطروحة المهدوية الإمامية) للآخرين وإيضاحها لهم، له دور هام وأثر عميق وشفاف لدى الشعوب الأخرى، ولا سيما أهدافها العظمى ومقاصدها الحضارية، إضافة لدورها الوثيق في النظرة التفاؤلية والإيجابية للمستقبل ونهاية العالم، فضلاً عن دورها النفسي الكبير والهام عند المستضعفين والمحرومين من هذه الشعوب.
يجب إدراك أنّ المهدوية تمتلك المقومات الضرورية في تقديم ذاتها للآخرين بنجاح، فلم يعد ممكناً لكثير من المفكرين الغربيين تصور خيارات اخرى لمستقبل البشرية سوى الصورة (القريبة والمشابهة) للحضارة المهدوية.. وبسهولة يدرك من لديه الحد الأدنى من الاطلاع والمعرفة على أفكار وثقافة الشعوب الغربية وأطروحات فلاسفتهم، والمستوى الذي وصل اليه وضعهم النفسي، سبب شغفهم التام لفكرة (المخلص)، فالحاضر غالباً ما ينساق وراء رؤية المستقبل.
وفي هذا السياق هناك حاجة ملحة وأهمية خاصة لتعريف الآخرين بمبدأ الإمامة الخاتمة (المهدوية) والمستقبل المشرق للإنسانية الذي سيتحقق على يديها، فهذا من أهم الأولويات الفكرية الحالية، وأحد مجالات الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية المطروحة على طاولة البحث والتي تهتم بها مراكز البحوث العالمية، فضلاً على ان كل الديانات السماوية والفلسفات البشرية بشرت بالمخلص، وهذه الفكرة أمر مشترك بين الأمم والحضارات المختلفة، وتعدُّ رمزاً لنشر العدل والسلام.
في هذا البحث نحاول تلمس معالم طريق التعريف الفكري، فعملية إحاطة الآخر (غير المسلم) بمفهوم المهدوية ليست عملية عفوية وعابرة يمكن أن تتحقق ببساطة ومن دون بصيرة وهداية، فلا بد أن نعي بوضوح مواقع أقدامنا في ساحة بناء المنظومة الفكرية التعريفية والعمل الميداني الإيضاحي حتى تفلح جهودنا وتتحقق تطلعاتنا.. وقبل ذلك تحمل مسؤولية نشر العدالة على وجه البسيطة كلها وهداية البشرية جمعاء إلى الطريق السوي، وأن تتحول الأهداف المهدوية الكبرى إلى حاجة نفسية عميقة وهدف حضاري واضح عند المؤمنين المنتظرين، فنحث الخطى بثبات في طريق عمارة الأرض وبناء حضارة آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنشودة.
التعريف المطلوب:
لا نقصد بالتعريف أن يقتصر على: [تقديم معلومات كافية وشاملة عن المهدوية للأمم والشعوب المختلفة، والكشف لهم عن حقيقتها وخصائصها ومميزاتها، وإيضاح أهدافها والنتائج التي ستتحقق على يديها] فقط.. فإن هذا تعريف شكلي وهو مقبول نوعاً ما، إما من حيث المضمون والأساس فإن التعريف المطلوب هو: [القدرة على إدخال مفهوم المهدوية (بما تحتويه من قيم ومبادئ إنسانية) إلى المنظومة الفكرية للحضارات الأخرى، وترسيخ الفكرة لدى الرأي العام العالمي، بحيث يصبح هذا المفهوم من الأسس الثقافية الثابتة والبديهة عندهم].
فالتعريف الذي نطمح إليه لا يولد بكتابة مقالة أو بحث حول المخلص أو المنقذ الموعود أو الإمام المهدي (عليه السلام)، لأن هذا لا يحقق الشرط الأساس من التعريف، فقد نكتب مئات المقالات حول (المهدوية) من وجهة نظرنا وندعمها بالأدلة الإسلامية، ونترجمها بلغات متعددة مختلفة وننشرها هنا وهناك، ويعدّ ذلك مهم بنفسه ولكنه غير كافِ ولا يحقق ما نهدف إليه، لأنّه يعكس تفكيرنا ومعتقدنا الذي لا يؤمن به الآخرون.. فيجب أن نتجاوز الحدود السطحية (للتعريف) إلى ما هو أعمق من ذلك، بحيث يكون للمهدوية حضور وفاعلية استثنائية في رسم الرؤى الأساسية للحضارة الإنسانية ومستقبلها.
الهدف والرؤية من التعريف:
إنّ الانفتاح الواعي على الأبعاد الفكرية للانتظار، ومعرفة الأهداف الكبرى للمهدوية ومتطلبات المسيرة التمهيدية وأولويات المرحلة المعاصرة، كل ذلك يدفعنا لامتلاك منهج فكري وعملي يتناغم مع تحقيق ممهدات وشرائط اليوم الموعود.. ومن هذا المنهج تنبعث ركيزة تعريف المهدوية للحضارات الأخرى، فتتجلى لنا بوضوح بعض الأهداف والرؤى من وراء ذلك:
١ - إن الهدف الاساسي للمهدوية هو نشر التوحيد والعدل في كافة العالم، وكذلك التغيير الشامل لأنظمة الظلم والجور في كل أقطاب الأرض المعمورة، وفي سياق تحقيق هذا الهدف الكبير وجب علينا نقل الأطروحة المهدوية بحقيقتها للأمم الأخرى، وإيصال رسالتها وأهدافها، وتوضيح ضرورتها الحضارية وفوائدها على الناس جميعاً.. لكي يتسنى لهذه الشعوب العارفة والمطلعة على حقيقة المهدوية أن تعيش حالة الانشداد الفطري للمخلص الموعود، وأن تؤمن به حين ظهوره فتُؤيِّده وتُؤازِره.
٢ - إن إيمان الشعوب المختلفة بالمهدوية ومشروعها العالمي وأهدافها الربانية من أبرز مظاهر التمهيد للظهور، فبقدر ما ينتشر نطاق معرفته، وتتنوع أطياف المؤمنين به، وتتوسع قاعدته الشعبية في كل الأمم والحضارات، ويزداد عدد الأتباع والمريدين، بقدر ما نكون قطعنا شوطاً عملياً للتوطيد الفعلي لليوم الموعود، ونكسب رصيداً جماهيرياً للإمام (عليه السلام) حين خروجه.
٣ - شَرائط الظهور ذات أبعاد ومقدمات استراتيجية هامة يتحتم توافرها في بداية نشوء حركة (الفتح المهدوي العالمي) ليكون الظهور ناجز الوعد، ومن أبرز هذه الشروط ومقومات النجاح، هو يأس شعوب العالم من الأنظمة والقوانين الوضعية التي لم تحقق طموحها وفشل الحلول التي طرحتها.. فعندما تتعرف هذه الشعوب على الاطروحة المهدوية بأهدافها وأساليبها ونتائجها، يجعل أملهم ينحصر في نهضته وحضارته، مما يهيئ أفضل الأرضيات لتقبل اليوم الموعود وتعليماته.
٤ - إن رؤية واضحة للأهداف المهدوية والتغيير الجذري والشامل الذي سيحققه الإمام (عليه السلام) في مسار تاريخ البشرية، يتطلب بصيرة ثاقبة ونظرة مستقبلية لتطور المجتمع البشري، وقبل ذلك تهيئة الظروف العالمية المناسبة وعلى كافة الصعد ومنها الناحية الفكرية والثقافية للأمم والشعوب المختلفة لتقبل نهضته، مما يضمن ويؤكد نجاح حضارة آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتحقيق أهدافها المنشودة.
٥ - من مظاهر الارتباط الحقيقي بالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الاقتداء به واتخاذه أسوة ونموذج يحتذى به، فأهداف الإمام (عليه السلام) عظيمة وغاياته كبيرة، مما يستوجب لبلوغ هذه الأهداف بذل جهود بحجمها، ولا شك فأن قيام دولة العدل الإلهي وبسط هيمنتها على العالم أجمع، وإيصال البشرية إلى ذروة تطورها وكمالها يحتاج إلى جهودٍ لا حد لها وبرؤية حضارية.. ومن أبجديات هذه الجهود وأبسطها تعريف شعوب العالم بهوية المخلص الموعود واطروحته وحقائق عن نهضته، وذلك للمشاركة والتمهيد لتحقيق أهدافه (عليه السلام).
٦ - الواقع العالمي الراهن لا يخلو من وجود حركات تآمرية خبيثة ضد المهدوية، تتخذ تارة طابعاً سياسياً وتارةً أُخرى طابعاً فكرياً، وتعمل للقضاء عليها في وجدان الأمة الإسلامية، وتحاول تحجيمها في إطار مذهبي خاص وعدّها من العقائد الخرافية.. ويقف وراءها مخابرات دولية معادية للإسلام وللمخلص الموعود، وتطمح إلى تفريغ المهدوية من محتواها الحقيقي، وتشويه مكانتها عند المؤمنين بها، فتتضاءل حالة الاستعداد ويفتر حماس الشعوب والجماهير لها، وهكذا تموت فاعلية ثقافتها وقتل روحيتها الإيجابية والتفاؤلية في المجتمعات.. وعلى العكس من ذلك فإن تحمل مسؤوليتنا الحضارية ونشر الحقائق الأصيلة عن المهدوية وتعريف الأخرين بها وترويج المنظومة المعرفية بخصوصها على الأمم والحضارات، سيصيب مآرب الأعداء في مقتل، فتتحصن الشعوب المطلعة على حقيقتها، وتنشأ ثقافة لدى الرأي العام العالمي بعدم الاصطفاف مع اعداءها، وقد يكونوا من أشد المناهضين لمؤامراتهم الخبيثة.
لو استطعنا أن نوصل (حقيقة المهدوية الأصلية) إلى نخبة الشعوب ومثقفيها برؤية تناسب عقليتهم وبلغتهم ليدرسوها ويتأملوا فيها، لأدينا جانباً وقسطاً من المسؤولية الملقاة على عاتقنا في تعريف الأمم والشعوب بآخر أنوار آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذي به تتحقق سعادة البشرية جمعاء.
المرتكزات الأساسية للتعريف بالمهدوية:
تتأثر الأمم والشعوب سلوكياً وذهنياً بفكرة المخلص وذلك لعدد من العوامل، ويكون تأثيرها الثقافي والفكري متفاوتاً بناءً على اختلاف درجات وعيهم الديني والفلسفي، ومستوى حماسهم النفسي الذي تقرّره ظروف واقعهم المعاش.. ومن هذه العوامل والمرتكزات التي يمكننا عدّها قاعدة رئيسية للانطلاق منها في تعريف المهدوية للحضارات المختلفة الآتي:
أولاً: الحاجة الفطرية للمخلص: منذ فجر التاريخ وفكرة المنقذ والمخلص الموعود أصبحت كحاجة نفسية واجتماعية، وتتناسب وتتطابق مع طبيعة وفطرة الإنسان، وقد غذى التراث الديني بشتى انواعه هذه الفكرة ونماها.. إن حتمية ظهور المخلص في الفكر الإنساني عموماً يجسد حاجة فطرية، وتزداد هذه الحاجة إلحاحاً كلما زاد الظلم والجور واستشرى الفساد، مما يكشف عن وجود أسس متينة قوية تستند إليها، وتعبر عن تطلع البشرية المستمر للكمال والفضيلة.
ومما لا شك فيه أنّ الفكرة قد رسخت في العقل البشري والنفس الإنسانية على مدى التاريخ الطويل، وما الدعوة إلى (المدينة الفاضلة) كما عبر عنها الفلاسفة قديماً وحديثاً، إلا صدى للإحساس الغريزي المتأصل لهذه الفكرة في عمق النفس البشرية.. فالبشرية اليوم مهيأة لانتظار المخلص الموعود مهما اختلفت الأسماء والعناوين، ولذا فالإلهام والإحساس والحاجة إلى المخلص (المهدوية) أمر مشترك بين البشر، ولا يختص بقوم أو جماعة، بل يمكن مشاهدة صور هذه الحاجة وانتظارها تتنوع وتختلف عند الأمم والحضارات، وتتفاوت حسب الظروف والواقع النفسي.
ثانياً: جميع الديانات السماوية بشرت بالمخلص: بدأت الفكرة منذ فجر الإنسان، واستمرت في أفق الإنسانية في كل مراحل التاريخ، فالمسألة من المواضيع البارزة في المسيرة البشرية واهتماماتها المتصلة بالعدل، ولا شك أن الإيمان بحتمية ظهور المخلص من الأمور المتفق عليها عند جميع الأديان السماوية والمذاهب الوضعية، وأن هذه الفكرة ماثلة باطراد في التراث الديني الإنساني، وهي قاسم مشترك بين كل الحضارات، كون فكرة المنجي حاجة إنسانية فطرية.. فجميع الأمم والشعوب تأمل بمجيء يوم تتخلص فيه الإنسانية من الظلم والفساد والاستبداد ويحل فيها العدل والأمن والسلام.
من هنا نجد أن الكتب والتراث الديني السماوي قد أجمعت على مجيء المخلص، وأن جميع الأنبياء والرسل قد أشاروا إليه وحلموا بيومه الموعود، وهكذا نجد أن منقذ العالم ليس مُلكاً لطائفة دينية معينة، وليس مُلكاً لشعب من الشعوب أو أمة من الأمم، بل هو أمل الإنسانية ومنقذ البشرية، وأن الكل ينتظره ويتوق إلى عهده الميمون.. فقد اتفق الجميع على فكرة (المهدي) والانتظار لهذا المنقذ، واختلفوا في اسمه وهويته، وهذا الاختلاف لا يضر في أصل الفكرة المترسخة الأصيلة، فالكل متفق على المبدأ والمنشأ والمفهوم، وإن اختلفوا في صفته وشخصيته والكيان الذي ينتمي إليه.
ثالثاً: عالمية النهضة المهدوية: حضارة آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هي دولة عالمية تبسط هيمنتها وسيطرتها على جميع أنحاء العالم بشكل لا توجد معها أية حكومة أخرى في أي بقعة من بقاع الأرض، حيث أن الإمام (عجّل الله فرجه) سيغير جميع الحكومات الموجودة آنئذٍ (مع تفاوت القدرات البشرية والاقتصادية بين الدول) ويدمجها تحت لواء حكومته العادلة، فيشكل الدولة العالمية الواحدة، التي ستجعل شعوب العالم ينظرون لأنفسهم على أنهم أسرة إنسانية واحدة على هذه الأرض، وليس أمم وشعوب مختلفة.
ان قدرة المهدوية على الانتشار إلى أصقاع العالم، وقدرته (عليه السلام) على تحريك المشاعر وتأجيج الهمم واستحضار ولاء الشعوب في مشارق الأرض ومغاربها والتأليف بين قلوبهم، لا يمكن فهمه إلا من بوساطة فهم الخصائص المميزة للأيديولوجية الشامخة المنبثقة منها، فإنّ قيم ومبادئ الإسلام (الدين الخاتم) تتوافق مع الفطرة ومع الصالح العام والخاص، وكذلك فهم الثقافة(٦) الإنسانية الشاملة التي تجلت في الاطروحة المهدوية، التي ستوفر لجميع المنتسبين إليها من كافة الأمم والشعوب والأديان فرصة المشاركة في بناء الحضارة الفاضلة وترسيخها.. فعالمية الدولة المهدوية تبرز لنا القواسم المشتركة لكل الأديان والحضارات المختلفة، التي تؤمن بفكرة المخلص الموعود، الذي سينشر الأخوة بين الشعوب ويوحد البشرية تحت ظل سيادة واحدة.
رابعاً: معالم الدولة المهدوية الفاضلة: عندما تتعرف الشعوب والحضارات على خصائص ومميزات الدولة المهدوية، والأهداف والنتائج والواقع الذي سيتحقق على يد القائد والمنقذ والمخلص الموعود، حينها فأنّ هذه الشعوب ستكون في قمة اللهفة والشوق والانتظار لذلك العهد الميمون والحضارة الموعودة.. فأي إنسان عندما يحيط علماً بحقيقة دولة العدل الإلهي، ويجد أن خصائصها تدور حول محورين (التوحيد - العدل)، فبوساطة المحور الأول (التوحيد): يظهر معنى العبودية التامة والحقيقة لخالق البشرية والكون، والتحرر من جميع العبوديات الأخرى المادية والمعنوية وعلى اختلاف أشكالها، وهذه أسمى شكل للحرية التي تليق بالإنسان.. ومن خلال المحور الثاني (العدل): يعطى الإنسان قيمته وكرامته بما هو إنسان، فتقوم الدولة بسياساتها وقوانينها ومناهجها لحفظ كرامة الإنسان وهو مقصد عالي لديها، ولا مجال لبروز أي شكل أو مظهر للظلم الفردي أو الاجتماعي.. وبعد ذلك تبرز الخصائص الأخرى ومعالم حضارة آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كالتطور العلمي وتكامل الوعي البشري، والرفاه الاقتصادي و... و... و... والتي هي آثار ونتائج لجهود القيادة العظيمة المتمثلة في المنقذ الموعود.
وعندها ستدرك الأمم والشعوب أن واقع البشرية الحالي هو اسوأ من المستقبل المشرق للبشرية، الذي سيتحقق على يد المخلص (المهدي (عجّل الله فرجه))، حينها ستتقلص صعوبة المهمة وستنفتح الآفاق الذهنية للأمم والشعوب للتعرف والإحاطة والبحث عن شخصية قائد تلك الحضارة ومنفذها على أرض الواقع.
خامساً: مستقبل التاريخ البشري: قضية الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه) ترتبط بأكثر الأمور إلحاحاً وحساسية في الفكر البشري، ترتبط بمستقبل الإنسانية ومسيرتها نحو التكامل أو نحو السقوط، مما ينعكس على واقعنا العملي والنفسي وعلى طريقة تفكيرنا ونظرتنا إلى الأمور.. فمسألة النهاية لتاريخ البشرية هي من أشد الأمور اثارة في ساحة الفكر العالمي المعاصر، حيث تشهد الظروف العالمية انتكاسة فظيعة في القيم الإنسانية، وتراجعاً شديداً في حقوق وكرامة الإنسان، ومن دون إيمان بالمهدوية تبدو كل مكتسبات البشرية في تاريخها الطويل من أجل حياة أفضل في مهبّ الريح، كما يصبح الحديث عن استئناف مسيرة الحضارة الإسلامية غير ذي جدوى إطلاقاً.
وبنظرة كلية عن مكانة المهدوية عند الإنسانية وأهميتها الاستراتيجية، وفهماً للسنن الإلهية في التاريخ، نجد أن المسيرة الأساسية والخط العريض في حياة ومستقبل البشرية تتجه نحو (الحضارة المهدوية)، فمنذ البدء والإنسانية تتكامل وتتقدم نحو الأفضل، وأصدق مثال على ذلك التكامل في الشرائع السماوية والعلوم الإنسانية، ولذا فالبشرية تتحرك بأمل وبفطرة سليمة نحو المستقبل.. وهذا ما تؤكده الأطروحة المهدوية التي تثبت بأن الفساد والظلم شيء مؤقت، وأن هناك حياة سعيدة وعصر متألق ينتظر البشرية في المستقبل على يد المنقذ الإمام المهدي (عليه السلام).
المهدوية منفتحة على أبعاد الإنسانية والحياة كلها، وفي ثقافتها الفكرية والروحية تحثنا أن ننفتح على الآخر، فحقيقة المهدوية ومضمونها وأهدافها تأخذنا لفهم اسباب الحضارة، بيد أن الدارس للمرتكزات الأساسية للمهدوية وبحث تعريفها للآخر - إضافة للنقاط المذكورة آنفاً - يلحظ وجود حركة مد وجذر بين خاصتين أو نسقين أساسيين:
* يرتبط الأول بالأصالة: المهدوية عقيدةً هي حقيقة منبثقة من الوحي الإلهي، وتأصلت في الفكر الإسلامي من ركنّي الإسلام: الكتاب والعترة.
* يتعلق الآخر بالنهوض: حيث أن التراث المهدوي يختزن إمكانات النهوض والإبداع في حياة البشرية، حتى تصل الإنسانية إلى مرحلة الكمال والنضج والرشد، وتؤسس الحضارة الفاضلة.
كل هذه المرتكزات والخصائص الأساسية تدل على حيوية وديناميكية الثقافة والفكر المهدوي، حيث يلتقي الدافع الديني مع الضرورات الإنسانية والاجتماعية ويحصل انسجام كبير بينهما، مما يفتح المجال أمامها واسعاً للقبول والانتشار عند مجتمعات الأمم والشعوب غير المسلمة.
الآلية الاستراتيجية للتعريف:
في الحضارات المختلفة تتنوع الفوارق وتختلف المشكلات تبعاً لهوية وخصوصية كل أمّة ومجتمع، مما ينتج عن ذلك احتياجات وهموم متغايرة، ولا سيما المُثل والأهداف والرؤى والقيم الخاصة بكل مجتمع.. ولذا فمسار التعارف الثقافي والفكري يتمايز بين أمّة وأخرى، وعلى هذا الأساس يحتاج (التعريف بالمهدوية) قبل كل شيء إلى دراسات مستمرة في شأن الهوية التاريخية والفكرية (للمخلص عند الأمم)، والاطلاع على اختلاف تشخيص هويته عند كل أمّة وكيان.
وعند فهم الهوية والأبعاد المتنوعة الخاصة بالمخلص عند كل حضارة، سوف يُتاح إمكان إيضاح مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) بعدّها إطاراً أصلياً وبرنامجاً عملياً ومدعماً بالتراث الديني لكلّ الأديان السماوية المختلفة.. مما يتحتم علينا ان نوفر الإجابة على الأسئلة التالية، لنسلك سبيل التعريف بيسر وسهولة:
- ما هي الرسالة المراد توجيهها، ويجب التأكيد عليها دائماً عند الحديث مع الآخر عن المهدوية؟
- ما هي الرؤية والهدف من تعريف المهدوية لدى الحضارات المختلفة؟
- ما هو الخطاب السليم والأنسب عند الحديث عن المهدوية مع شعوب الحضارات الأخرى؟
- ما هي القيم المشتركة بخصوص المهدوية التي تقوم على جسر الهوة بين الثقافات والحضارات المختلفة؟
- ما هو النموذج الذي نحن بصدد طرحة لتقريب الصورة عن مهدوية أهل البيت (عليهم السلام)؟
بكل تأكيد عند قراءة تراثنا المهدوي قراءة شاملة، ونظرة فاحصة وعميقة لثقافتنا الحالية، واستقراء واقعنا الإسلامي الحالي، يتجلى لنا غياب ملامح أي استراتيجية لتعريف المهدوية للآخر (غير المسلم)، ولم نتمكن حتى الآن من رسم خارطة طريق التعريف.. فمن أين يمكننا ان ندرك ما يجب ان نتطرق إليه، وأي جانب يفضل ان نخوض فيه، عند الحديث عن المهدوية مع الآخر؟.. ونحن لم نحدد أو نوجد بعد طبيعة الخطاب التعريفي والرسالة المراد إيصالها للآخر، مما يحتّم علينا ان نتجاوز بناء المفهوم وندخل حيز المشاركة والتنفيذ والتداول، فنمد جسور التعارف بناءً على أسس استراتيجية واضحة ومنهج معرفي سليم، وحينها نتخلص من الرواسب الفكرية المتراكمة عبر التاريخ، ونساير الأولويات الراهنة وخصوصيات المرحلة المعاصرة، ونواكب متطلبات التعريف.
لابد من إطلاق مشروع (تعريف المهدوية للآخر)، وقبل ذلك دراسة واستيعاب فكرة المخلص عند الحضارات الأخرى بشكل عام، والتأمل في الفكرة من خلال وعي المجتمع الآخر بها (الرأي العام العالمي) أو بما له علاقة بها، لاسيما النظرة الفلسفية إلى نهاية العالم، فهي النقطة الرئيسية لتعريف المهدوية ومفتاحها.. كذلك هناك خطوات منهجية عدّة وعملية في غاية الأهمية يستلزم القيام بها وتنفيذها على أرض الواقع في سبيل التمهيد للتعريف لتسير الأمور بسلاسة ويسر، وهي الآتي:
* التعرف على الآخر: التعرف عن قرب على مجتمعات الأمم والشعوب المختلفة كما هي في الواقع، وذلك من خلال مواكبة تطورها العلمي والفكري والثقافي في سياق فكرة (المخلص)، وعبر ما تقدمه النخب من معارف وأفكار فلسفية أو تاريخية بهذا الخصوص، ومتابعة آخر المستجدات التي وصلت إليه الفكرة في منظومتهم الفكرية في العصر الحالي.
* لغة خطاب مشتركة: إننا بحاجة إلى عمل بحوث ودراسات (تحقيقية) معمقة، عن فكرة المنقذ والمخلص لدى الحضارات المختلفة، وإدراك قاعدتهم الفكرية وحدود المعرفة (التاريخية والدينية) لديهم، ما يمهد الطريق لننطلق في إيجاد لغة فكرية مشتركة، وذلك بتأطير العقيدة المهدوية الأصلية بلمسات من منظومتهم الفكرية، والوصول لصياغة خطاب تعريفي مناسب ومقبول لدى الآخر.
* رسالة واضحة توجه للآخر: صياغة تعريف لمضمون (المهدوية) على شكل رسالة فكرية ومعلومات ثقافية تحتوي على المبادئ والقيم المشتركة والمقبولة لدى الآخر.. رسالة نود إيصالها وترويجها لدى الرأي العام للآخر، وتكون لها القدرة والنجاح للتوسع والانتشار والتغلغل في منظومتهم الفكرية، حتماً لا يكفي الحديث عن العدالة والقضاء على الظلم فقط للترويج للمهدوية، بل يحتّم علينا تجديد خطاب وابتكار رسالة يكون لها صدى في مجتمع أغلبه علماني النزعة.
* طرح المهدوية بشكل حضاري يواكب العصر: من خصوصيات الفكر والثقافة المهدوية ان ترفع مستوى وعي الأمة في مجال الرؤية الحضارية والكونية، وتعمق أفقنا لفهم أفكار وفلسفات الحضارات المختلفة بعيداً عن التعصب الديني والمذهبي، والتأكيد على ان المهدوية ليست مشروع حرب او صدام ومواجهة، بل هي حاضنة لجميع البشرية.. مما يوطد لتأسيس أُطروحة جديدة ذات طابع فكري وثقافي وبرؤية حضارية منفتحة، تقدم للأمم الأخرى على قاعدة الشراكة الحضارية، تعرّفهم بمشروع الإمام المهدي (عليه السلام) لإنقاذ العالم وقيادة البشرية نحو طور مستقبلي جديد، وحياة قائمة على العدل وحفظ كرامة الإنسان، وتوفر السعادة والرفاه والحياة الكريمة للجميع.
* طرح نموذج تاريخي (واقعي) يقرب الصورة: ان الشعوب الأخرى تريد أن تسمع وتعرف النموذج الذي نحن بصدد طرحه، وما يحمله من قواسم مشتركة معهم.. وفي تاريخنا الإسلامي أفضل نموذج بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يمكن طرحه هو الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام)، هذا النموذج الإنساني في الاخلاق والزهد والعدل والاستقامة والشجاعة، هذا العظيم الذي تدفقت منه الحكمة والفلسفة والعلم، وترجم ذلك عملياً في افعاله واقواله، وقدم لنا وللتاريخ البشري افضل نموذج للحاكم والمسؤول العادل.. فعندما نقرأ عهده(٧) إلى مالك الاشتر عام ٣٩هـ (أي قبل ١٤٠٠ سنة) نجد هذه الوثيقة معجزة إنسانية، فهي جامعة مانعة تطرح منظومة قيم متكاملة في القانون والسياسة وعلم الاجتماع، وتهدف إلى تأسيس نظام إداري وحقوقي في الحكم يكرس المبادئ والقيم الإنسانية.
لابد لنا من أن نحمل مشعل المبادرة، فعلى مسار التاريخ الطويل ظلت المبادرة بيد الآخر، فهو يسأل ونحن نجيب، بل نتناوب على الإجابة، وهو يبادر ويفعل وتأتي ردة الفعل من طرفنا.. ومن هنا فإن أولويات المرحلة الراهنة ومتطلبات مسيرة التمهيد تحتم علينا أن نبادر وننطلق في إيجاد أو ابتكار منظومة معرفية تربطنا مع الآخر (غير المسلم)، تؤطر لمساحة فكرية جاذبة تتداول فيها نخب المجتمعات المختلفة الأفكار والمعارف المهدوية، وتتوافر عبرها سبل الحوار والتعارف والتواصل بخصوص القواسم المشتركة المتعلقة بالمهدوية أو المخلص الموعود.
وليس من شك، فإن إيجاد الشروط اللازمة للتعريف بالمهدوية، يوجب تنفيذ منهج التعريف والآليات الضرورية وتحقيقها على أرض الواقع، وحينها يمكننا القول إننا وضعنا الأساسات الأولية لعملية إيضاح وتقديم المهدوية للحضارات المختلفة، وبدأنا نفهم المهدوية برؤية حضارية بعيداً عن منغصات السياسية وصدام الحضارات والنزاعات الدينية والمذهبية.
المهدوية هي مخلص الحضارات:
البحث والنقاش عن المخلص في الحضارات المختلفة يعد من أعمق النقاشات وأكثرها جدية ومنهجية، لأنه يرتبط بمستقبل البشرية في هذا العالم والرؤية الكونية إلى الوجود الإنساني.. وحيث إن شخصية هذا المخلص لم تتبلور له هوية واضحة عند أتباع الأديان السابقة للإسلام والحضارات المختلفة، ولتجريد هذه القضية من حسابات المصالح المذهبية الضيقة أو المنافع السياسية والدينية المحدودة، ولرفع مستوى التفكير وتوسيع الأفق حول هذه القضية، لذا ينبغي ان تشمل البحوث وتتعمق الدراسات حول المنظورات الدينية والفلسفية لفكرة المخلص عند جميع الحضارات المختلفة.
من خلال بحثنا لفكرة المخلص الموعود في الفكر الديني المقارن(٨) يتضح لنا وجود قواسم مشتركة كثيرة بين كل الأديان والحضارات، تتمثل في الأساس بالاتفاق على أصل الفكرة ومن ثم على نقاط عديدة منها:
١ - اتفقت كل الأديان على ان القوة التي خلقت الحياة على الأرض سوف تنهي هذه الحياة في يوم من الأيام، كما أكدت (الأديان) على وجود علامات معينة سيكون ظهورها نذيراً بنهاية العالم.
٢ - في الحقبة الأخيرة من المسيرة التاريخية البشرية، سوف يتغير الخط الموضوعي لمسار التاريخ، فتتدخل العناية الإلهية باختيار (المنقذ المنتظر) ليخلص البشرية من الظلم والجور وينشر العدل والسلام.
٣ - طبيعة (المخلص الموعود) إنسانية (من بني أدم)، ولكنه يتمتع بصفات خارقة لا يتمتع بها غيره من البشر، وتستمد وجودها من قوة غيبية فيما وراء الطبيعة (شخصية قدسية ترتبط بالغيب).
٤ - إن حركة التغيير الشامل العالمية ليتسنى لها النجاح، يستلزم ان تكون الظروف البيئية (كافة الجوانب) ملائمة، وتتوفر عوامل مناسبه للنهضة، وأن البشرية متقبلة ومهيئة لتحقيق الاهداف الكبرى.
٥ - إن ظهور (المنجي المرتقب) يسهم في احداث تحولات تاريخية في المسيرة الإنسانية، واحداث تغيرات جذرية في نهاية العالم، حيث يتكامل الناس ويصبح واقع الحياة مزدهراً.
من هنا نؤكد ان بداية مشروع التعريف بالمهدوية يتم عن طريق البحث عن المشتركات العامة لفكرة المخلص بين الحضارات، وكذلك الاطلاع على المبادئ والقيم المتعلقة بها كالتوحيد والعدالة والحرية والمساواة وتطور العلم وتكامل الوعي البشري والرفاه الاقتصادي و... و...، وليس الهدف من وراء ذلك الوصول إلى أحادية الرؤية أو نمط تفكير واحد، إنما القصد إظهار اتفاق البشرية كافة وبكل أطيافها وحضاراتها على أصل الفكرة (المخلص الموعود)، ولترسيخ هذا الاتفاق على المبدأ جاء التراث الديني السماوي وكتابات الفلسفات البشرية ببشارات عديدة وإشارات صريحة بتأكيد اتحاد الفكرة وتعزيز المنحى القيمي لها كالعدالة والتوحيد.. وباعتبار أن أصل الفكرة ومنشأها الوحي الإلهي، وتتوافق مع الفطرة الإنسانية وحاجات المجتمع البشري، فقد شكلت كمبدأ صورة حلم الإنسانية والأمنية الكبرى للشعوب، فجميع البشر يأمل بمجيء قائد -أتباع الديانات السماوية يعدونه ربّانياً- يخلص البشرية من الظلم والفساد وينشر العدل والسلام في كافة الأرض المعمورة.
يجب ان نعرف بأن الخلفيات الدينية للشعوب ليست على درجة واحدة في جميع الحضارات، وليست على وتيرة واحدة أيضاً في نطاق الحضارة الواحدة، فهناك شعوب تعطى أهمية ومكانة للمبادئ والتعاليم الدينية، وهناك أمم لا تمثل الخلفيات الدينية أي مكانة لديها أو تشغل حدود ضيقة.. ومن هنا نؤكد أن الهوية الدينية أو الخلفيات العقدية هي أحد المداخل الحيوية في سبيل إحراز تقدم فاعل وحقيقي في مشروع التعريف بالمهدوية وليس المدخل الوحيد، بل أن القواسم المشتركة والهموم الإنسانية الكبرى والرؤية الحضارية للمستقبل المشرق للبشرية هي أكثر المداخل حيوية وفاعلية في مشروع التعريف.
بكل تأكيد هناك اختلاف أو تعدد في وجهات نظر الأمم والشعوب وأتباع الأديان حول تشخيص هوية (المخلص)، لكن ثمة اتفاقاً بين الجميع على المبدأ وأصل الفكرة.. عموماً ينبغي التمييز بين ما يطرحه التراث والكتب للأديان السماوية وبين ما يطرحه أتباع هذه الأديان ومفسريها، فإن اختلاف الأتباع في تشخيص هوية المخلص الموعود على الرغم من اتّفاقهم على حتمية ظهوره، ناشئ من تفسير النصوص والبشارات السماوية وتأويلها استناداً إلى عوامل خارجة عنها وليس إلى تصريحات أو إشارات في النصوص نفسها، بمعنى أن تحديد هويته لا ينطلق من النصوص والبشارات في التراث الديني السماوي، بل ينطلق من انتخاب شخصية (من الكيان الديني الخاص) ومحاولة تطبيق النصوص عليها، كل ذلك لرغبة أو فوز بافتخار أن صاحب هذا الدور التاريخي المهم شخصية تنتمي لكيانهم، إضافة للعوامل السياسية أو التعصب الديني.
في التراث الثقافي لبعض الأديان والمذاهب المختلفة ذكر أسماء عديدة ومختلفة للمخلص الموعود، كُل حسب رؤيته وتفسيره لهذه الشخصية المهمة والتي تنتظرها البشرية منذ القدم.. ومن هنا لابد من ادراك ما يمكن أن يعتري هذه القضية من سهولة وهي الحديث عن أصل الفكرة والمبدأ، وما يعتريها أيضاً من صعوبة وهي الحديث عن التشخيص والهوية.. فعندما نمتلك معرفة واسعة عن مخلص الطرف الآخر، ونستوعب القواسم المشتركة مع اطروحته، ونتبع آليات التعريف الضرورية، سوف تسهل علينا مهمة تقديم المهدوية للطرف الآخر، عندها بكل تأكيد سيعرف الجميع على وجه الدقة حقيقة مهدوية أهل البيت (عليهم السلام)، بعدّها ممثلاً لمنهج ذي رؤية حضارية وبرنامج عملي يشمل كل الإنسانية ومدعّم بالتراث لكل الأديان السماوية.
أطروحة المخلص عند المسلمين:
من خصائص الاطروحة المهدوية عند الشيعة الإمامية تجسيد الأمنية الكبرى للبشرية (فكرة المخلص) إلى حالة واقعية موجودة، فبلورت الفكرة بشكلها النهائي، فوضحت معالمها وبلغت أرقى صور نضجها، فبدلت حالة الأمنية والأمر النظري إلى واقع ملموس، فشخصت للعالم أنها تنتظر مخلصاً محدداً، شخص يعيش بين الناس ويشعر بآلامهم وأسقامهم، ويتلمس مشاكلهم وأتعابهم، وهو من نسل فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وأبوه الإمام العسكري (عليه السلام) (قرشي)، وأمه السيدة نرجس (عليها السلام) (رومية)، يقول السيد باقر الصدر: (إن الإسلام حول فكرة المخلص من غيب إلى واقع، ومن مستقبل إلى حاضر، ومن فكرة ننتظر ولادتها ونبوءة نتطلع إلى مصداقها، إلى واقعٍ قائمٍ تنتظر فاعليته وإنسانٍ معيّن يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشاركنا أحزاننا وأفراحنا، ويترقب مع الآخرين اللحظة الموعودة)(٩). إن اطروحة المخلص أو المنقذ عند المسلمين والمتجسدة في الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) تعطي مسيرة الصلاح والاصلاح في البشرية عامل استمرار بقوة وفاعلية أكثر، ومن جهة أخرى الحفاظ على منجزات الرسالات السماوية والتي هي ثمرة جهود الأنبياء عبر التاريخ البشري.
ينطلق الشيعة في نظرتهم إلى المهدوية من معتقد الإمامة، فهي الإمامة الباقية والتي تتفرع من النبوة، والإمام المهدي (عليه السلام) هو ذلك الإنسان الحاضر والناظر والراصد لمستوى العدالة في البشرية ومدى استعداد الناس لتقبل نهضته، مما يؤكد أن وجود الإمام في كل عصر وزمان ضرورة لا غنى عنها، وذلك لتحقيق الأهداف الإلهية، وضمن دائرة السنن الجارية وبالطرق الطبيعية.. ومن هذا المنطلق، فقد ولد الإمام الأخير عام ٢٥٥ هـ (٨٦٩م) ولازال يعيش في دار الدنيا، وقد اقتضت الحكمة الإلهية أن يطول عمره الشريف، وأن يغيب عن الناس (غيبة عنوان)(١٠) في هذه الحقبة الزمنية من تاريخ البشرية، بانتظار أن يأذن الله له بالظهور، وتسنح له الفرصة للقيام بالحركة الإصلاحية الشاملة على مستوى العالم بأسره.
عوائق تعريف المهدوية للحضارات:
الحديث عن تعارف الحضارات وإيضاح مفهوم المهدوية للأمم والشعوب المختلفة لا يمكن أن يتم بدون إرساء أسس استراتيجية واضحة للبناء، وفي الوقت نفسه تجاوز المعوقات والصعوبات التي تقف حجر عثرة أمام جهود التعريف، وهنا لابد من القاء الضوء على العقبات الرئيسية لتجاوزها وتفكيكها من أجل دعم مفهوم التعريف وتيسير مهمته، بصفته خياراً استراتيجياً ومفهوماً حضارياً ومنهجاً يمكن من خلاله مناقشة الهموم المشتركة والقضايا المصيرية كافة، ومنها المسائل المتعلقة بمستقبل البشرية والرؤية الحضارية لفكرة المخلص.. ومن هذه المعوقات التي تحول دون تنفيذ المهمة الآتي:
* عدم إدراك أهمية مشروع التعريف:
إن عدم العناية بمفهوم تعريف المهدوية للحضارات المختلفة يعود بشكل أساس إلى عدم إدراك أهمية هذا المشروع أو المصطلح، بالإضافة إلى اللَّبس المسيطر على بعض المؤمنين في إدراك الأبعاد المختلفة للثقافة المهدوية، ولا يعود ذلك إلى عدم وضوح الرؤية أو سعة الأفق فحسب، بل قد يعكس ما نحمل من قصور تجاه الإمامة الخاتمة والتفاعل مع همومها، إضافة إلى ذلك فقدان الهمّ العلمي الذي هو شرط أساس وضروري لتشكيل رؤية استراتيجية لمفهوم التعريف.
لا شك في ان الثقافة المهدوية قد فقدت الكثير من منهجها الفكري، عند اقتصار مخاطبتها للمسلمين فقط، وعدم إدراك أهمية مخاطبة الآخر أو كل الأمم والشعوب، ولذا نشهد انحسار الرؤية الحضارية في الكتابات المهدوية، مما حال دون توسيع آفاقنا وتطور افكارنا ومعارفنا المهدوية، ولا يرجع السبب إلى فقر العقيدة المهدوية ومبادئها، إنما السبب في عجزنا عن حسن التعامل مع منظومة القيم والمعارف المرتبطة بها، وعدم الإفادة من رؤيتها الحضارية ذات العطاء المتجدد والمتقدم والمجرد عن حدود الزمان والمكان.. فالانحسار الذي نعاني منه ناتج عن أزمة فكر بالأساس، ولذا نشهد في السياق التاريخي للتراث والمعارف المهدوية بُطأً في التطور الفكري لا يتناسب مع متطلبات مسيرة التمهيد، وإلا فان أحد المصاديق البارزة لمعنى الانتظار والاستعداد لظهوره هو تعريف العالم بمنقذه (إمام الزمان) وتهيئة البيئة المناسبة لإنجاز مهمته الاصلاحية الكبرى.
* عدم فهم الحضارات الأخرى:
إن عدم التعرف على مجتمعات الحضارات المختلفة كما هي في الواقع، وعدم الاطلاع على تطوراتها العلمية والفكرية والثقافية والدينية والسياسية والفلسفية الحديثة، وعدم الإحاطة بنظرتها للمستقبل ورؤيتها لنهاية التاريخ وفكرتها للمخلص الموعود، كل ذلك يخلق لنا إشكالية عدم الرؤية الصحيحة والواعية لهذه الحضارات.. ومن غير تجاوز هذه الإشكالية فسوف يتقلص تشكيل فضاء فكري خلاق يفضي إلى التواصل والتعارف المتكافئ حضارياً بيننا وبين النخب الفكرية لتلك الحضارات.
مشروع التعريف ينبغي أن يشمل كل الحضارات الفاعلة والمتجددة، فلا يصح أن ننظر لمفهوم التعريف أو مصطلحه على أنّه حوار أو تعارف بين الإسلام والغرب فقط، مما يجعلنا نفقد التواصل مع الحضارات الأخرى كالصينية أو الهندية مثلاً، لذا ينقصنا تكوين المعرفة بالمناهج والأبنية الفكرية والايديولوجية والنظريات الثقافية للحضارات الغائبة تماماً عن مداركنا ودراساتنا وبحوثنا، وهذا يعني أننا لا نملك معرفة حقيقية عن بعض الحضارات الحيوية والمعاصرة.. وبنظرة إلى الأهداف الكبرى للمهدوية ومشروعها الحضاري العالمي، نجد إن أبسط مسئوليتنا تعريفها لكل شعوب العالم، وللأسف فأننا حالياً نعاني غياب المختصين والباحثين، الذين يمكن أن يقدموا لنا معرفة واسعة بتاريخ تلك الحضارات الغائبة عنا، ويعززوا هذه الدراية بنظرة شاملة معاصرة عنها، لنتجاوز أزمة الثقة وسوء الفهم المتبادل بين الطرفين.
* محاربة اعداء الإسلام للمهدوية:
في قبال النزعة المتأصلة بالفطرة والمؤيدة ببشارات الأنبياء والرسل وإيمان البشرية بفكرة المخلص، فإن ثمة موجة تشكيك وتشويه ومحاربة للقضية المهدوية، تقف وراءها جهات خبيثة معادية للإسلام وللمؤمنين، وتنتهج سبيل خلق ظروف وبيئة تفرز مناخاً يساعد على تقويض أمر المهدوية، وتكوين حالة من العداء النفسي والفكري للإمام (عجّل الله فرجه) في اوساط المؤمنين ودحض الثقافة المهدوية.. لا محيص من المواجهة لكل ما يستهدف النيل من العقيدة المهدوية والزود عنها وكشف خطط الأعداء وخبثهم.
وفي الحقيقة جوهر خطة الأعداء قائمة على استدراجنا لمعارك جانبية عديدة يفتعلونها، لإشغالنا واستفراغ طاقاتنا الفكرية والنفسية بعمليات الدفاع عن العقيدة المهدوية، وصرفنا عن مهمتنا الرئيسية (التمهيد لظهوره).. وهذه ساحة لا ينبغي أن نستدرج إليها أو نعطيهم الفرصة لتشتيت عقولنا، فتستمر الغفلة وتحجّم المهمة وتضيع جهودنا وأوقاتنا في معايشة الأزمات، فمن فتنة إلى أخرى ومن مشكلة إلى شاكلة.
علينا أن نتجاوز المعارك والفتن الفكرية المرتبطة بالمهدوية والتي يعمل الخصوم والمناوئون على استدراجنا إليها، فنوضح حقيقتها ونفسر للأمة دوافعها، فيبطل مفعولها ومن غير أن ننغمس فيها، ونستبدل الدفاع بمزيد من التوضيح والترسيخ للمهدوية، والتناول الإيجابي لرؤاها، وإدراك المسار الاستراتيجي لأهدافنا والمشي بخطى ثابتة في مهمتنا الأولى وهدفنا الرئيسِ.
إن رصدنا للمعوقات الفكرية والعقبات العملية التي تواجه (مفهوم التعريف) ووعينا بها، يساعد على تحويلها إلى إمكانات قد تستثمر كآليات إضافية متاحة في الساحة الفكرية في سبيل إنجاح مشروع التعريف.
الخلاصة:
تقديم وتعريف وإيضاح المهدوية للحضارات الأخرى هو في الأساس عمل يتمحور حول أكبر قضية حياتية ومصيرية تخص العالم برمته، إضافة إلى أن المهدوية قيماً ومبادئ وأهدافاً عالية تستحق العمل على نشرها لتستوعبها كل الحضارات وجميع المجتمع البشري، بالإضافة إلى إيجاد الدوافع وتهيئة الأرضية المناسبة للوصول لذلك العهد الميمون وتطبيق حكومة العدل الإلهي.. فيأتي السؤال المهم: من المسؤول عن نقل الصورة الحقيقية للعقيدة المهدوية لشعوب العالم؟.. فإذا لم يقم بذلك محبي وشيعة أهل البيت (عليهم السلام)، فمن هو المسؤول عن هذه المهمة؟.. حتماً فأن إيصال الاطروحة المهدوية إلى شعوب خارج الإطار الإسلامي وإحاطة الاخرين بقيمها وأهدافها، أهم بكثير من أشياء أخرى نوليها عنايتنا، ولا تضيف الشيء الكثير لرصيد مسيرة التمهيد.
بالتأكيد إننا بحاجة إلى مشروع هام وضروري يتمركز حول الاطروحة الحضارية المهدوية، ونقل أفكارها ومبادئها وقيمها للأخرين، وقبل ذلك نحن بحاجة إلى:
أولاً: تأسيس بناءات فكرية وتراكمات معرفية وتاريخية: إن مشروع التعريف ليس أهداف وغايات فقط، وليس تأملات فردية وأولويات مرحلية فحسب، ولكنه سبيل لتكوين منهجية فكرية وعلمية، تتمثل في بلورة مفهوم المهدوية بمكوناتها الجوهرية بصورة تناسب عقلية الآخر (غير المسلم)، على أن تتضمن هذه البناءات الإجابة على التساؤلات الفكرية للمتعطشين إلى المعارف عن المخلص الموعود (المهدوية)، ومن ثم تقديمها وعرضها على الآخرين برؤية قائمة على القواسم المشتركة وخصوصيات كل أمة وحضارة، ولا بد أن يرافق التعريف والتوضيح تأكيد بأنها صاحبة رسالة إنسانية، فهي تبشر بالحرية والعدالة وترفد ذلك بالتطور العلمي المهول والتقدم الحضاري المذهل القائم على المبادئ والقيم والأخلاق، وإعطاء الإنسان وكرامته اولوية في سياسات ومناهج الدولة الفاضلة، ولديها القدرة والكفاءة على نشر ذلك في العالم أجمع.
نطمح بأن يتخذ مصطلح أو مفهوم (تعريف المهدوية للآخر وللحضارات المختلفة) مكانته كواحد من مفاتيح المعرفة في الفكر والثقافة المهدوية، وأن تتوافر له بيئة مناسبة وحاضنة مسؤولة في إطار مشروع حضاري متكامل، يستثمر إمكانات الأمة الإسلامية، ويستفيد من معطيات التراث الفكري المهدوي لسد حاجة البشرية لمعرفة منقذها.
وللأسف الشديد لا يوجد لدينا حاليا أي دراسات أو بحوث أو مؤلفات أو غير ذلك من وسائل التواصل أو التعارف أو أي منهج تعليمي أو إيضاحي (كتاب أو فلم وثائقي أو رواية ادبية أو....) يوضح المهدوية الأصيلة، كُتِبْ برؤية فكرية تناسب عقلية الآخر.. فكيف يتسنى للأمم والشعوب المختلفة أن تتبعه وتؤيده وتناصره وتلتف حوله في حال خروجه وهم لا يعرفون أي شيء عنه حالياً أو حين خروجه، وهذا ما يجب أن نعمل عليه الآن كخطوة أولى ضرورية ورئيسية، ثم تتبعها خطوات أخرى.
ثانياً: دراسة الحضارات الأخرى وفهمها فكرياً: أي فهم الأمم والشعوب (غير المسلمة) ودراستها بعمق وبصيرة، وذلك من خلال التعرف على مناهجها وأبنيتها الفكرية والثقافية والأيديولوجية.
* الهدف: تشكيل فضاء فكري خلاّق يفضي إلى تواصل حضاري (تعارف الحضارات) ينطلق فكريا من القواسم المشتركة، يهدف إلى تعريف الحضارات الأخرى (غير الإسلامية) بالمهدوية الأصيلة، وليس الصورة المشوهة التي تنقلها الجهات المشبوهة والحركات الصهيونية والإرهابية العالمية.
* الأساليب: استخدام الطرق والوسائل الرائجة لدى المجتمعات الأخرى، والتي من الممكن أن تؤثر في الشريحة العظمى من الرأي العام لديهم مثل أجهزة الإعلام، مراكز البحوث والدراسات، المؤسسات الأكاديمية، الأفلام الوثائقية الموضوعية، ترجمة الدراسات المهمة والمعتبرة من اللغات الإسلامية (العربي) إلى اللغات الاجنبية (الإنجليزي).
* المنهجية: اتباع منهجية متكاملة تقوم على مبادئ علم الاجتماع والإعلام والإلهيات، وتتوزع في محاور رئيسية عدّة:
١ - التعرف على مجتمعات الأمم والحضارات المختلفة كما هي في الواقع، وخاصة الواقع النفسي والثقافي والسياسي، والاطلاع على المؤثرات المباشرة على الرأي العام لديهم.
٢ - دراسة المقومات الفكرية للحضارات المختلفة والبحث عن قواسم فكرية مشتركة فيما يخص المخلص الموعود ومستقبل البشرية، ودراسة عميقة لآخر الاطروحات الفكرية فيما يخص ذلك.
٣ - بناء منظومة معرفية مهدوية برؤية حضارية وذات رسالة واضحة تكون لها القابلية والنجاح على الانتشار وإدخال مفهوم المهدوية وأهدافها إلى المنظومة الفكرية للحضارات، وترسيخ الفكرة لدى الرأي العام.
* طموحنا: عندما لا نفهم المجتمع الآخر (الغربي أو الشرقي مثلاً) ولا نعرف العقلية التي يفكر بها، ولا ندرك المؤثرات فيه، فكيف يتسنى لنا تقديم المهدوية الأصيلة وندعوهم لاستيعاب مفاهيمها وأهدافها.. إضافة إلى ذلك نطمح:
* أن نبشرهم ببعض القيم الفكرية والعقائدية الأصيلة لدينا، فمثلا: كيف نعرفهم بقيم ومبادئ الإسلام ونحن لا ندرك المقومات الفكرية للحضارات الأخرى (التفكير الغربي أو الشرقي مثلاً).
* وأن نتقي أخطارهم وسهامهم الفكرية الموجهة ضدنا، أو نشكل وقاية ورادع لمنع الغزو الفكري أو المؤامرات الثقافية الخطيرة والهدامة تجاه المجتمعات المسلمة.
بالتأكيد أن تعريف المهدوية للآخر مصطلحاً ومفهوماً ضرورة حضارية، بعدّها في الأصل حاجة إنسانية ملحة تقتضيها فطرة الإنسان وكذلك حاجة اجتماعية مهمّة تفرضها المسيرة الطبيعة للتاريخ البشري، فمن خلال المرتكزات الأساسية والخصوصيات التي تميزها سيفتح المجال أمامها واسعاً للقبول والانتشار لدى الآخر، ولكن ذلك لا يمكن أن ينجز إلا من خلال إعادة اكتشاف مكامن القوة في الثقافة المهدوية، والنظر لها برؤية حضارية تسلط الضوء على الإنسان والحياة.
إذاً يحدونا الأمل بحدوث تطورات حقيقية وتغيرات جوهرية في مسيرة الثقافة المهدوية بحيث تستجيب لتحديات العصر في مسألة التفاعل والتأثير، وهذا مرهون بمدى قدرتنا الفكرية والعلمية على الاستجابة الفاعلة لمتطلبات المرحلة والعصر والمنسجمة مع تطورات ومستجدات الحياة الإنسانية.
وبكل يقين هذا التقدم والتجديد المنشود في سياق الفكر والثقافة المهدوية والتطور والتغيير المطلوب في عصرنا الحالي لن يتحقق لوحده أو بقدرة قادر، بل لابد من إرادة جماعية فاعلة لتحقيقه، تستنهض الأمة للأخذ بأسباب وشروط النجاح والوعي بالمصالح والمقاصد العليا للمهدوية.

الفصل الثاني: المهدوية قاسم مشترك بين الحضارات

تبحث البشرية ومنذ فجر التاريخ وبشكل دائم ومستمر عن المنقذ، ليخلصها من الظلم والجور وينشر القسط والعدل، وقد سادت هذه الفكرة لدى كل الأديان والأمم والشعوب نتيجة لإخبار الرسالات السماوية، وحفل التراث الديني بالإشارة لها بشكل واسع، وقد توصل إلى الفكرة نفسها العقل الإنساني بما يحمل من فطرة سليمة، بالإضافة إلى معاينة أطوار التاريخ ودراسة سننه.. وهكذا يلتقي الفكر الديني مع العقل البشري بضرورة خلاص البشرية على يد (قائد بشري) ينسف المظالم ويقيم الحق.
الإيمان بحتمية ظهور المصلح العالمي وإقامة دولة العدل الإلهي، من الحاجات الإنسانية المشتركة، ومن النقاط البارزة بين جميع الأديان السماوية، وليس الاختلاف فيما بينها إلا في تحديد المصداق وهوية هذا المخلص المنتظر.. إن الإيمان بهذه العقيدة أو هذه الفكرة يكشف عن وجود أسس قوية متجذرة في أعماق الفكر الإنساني وبالأحرى عن حاجة فطرية إنسانية، بالإضافة إلى الاستناد إلى جذور عميقة في التراث الديني السماوي، مما يبرز مساحة من نقاط الالتقاء والاشتراك حول الفكرة عند الأمم والشعوب المختلفة.. ومن المؤكد إن فكرة المنجي الموعود متفق عليها عند كل الأديان والحضارات، كون الفكرة تتلاءم مع وجدان الفطرة الإنسانية وتتوافق مع برهان العقل البشري وتتعاضد مع الإرشاد السماوي، وقد اجمعت كل الكتب الدينية المقدسة على قدوم أو خروج المخلص آخر الزمان، وهو ليس حكراً لطائفة معينة أو لشعب من الشعوب، بل هو أمل البشرية كلها، والكل يحلم بيومه الموعود.
ومن هذا المنطلق والمنحى وتعزيزاً لإمكانية إيضاح وتعريف المهدوية للآخر غير المسلم، لابد من الاطلاع والتعرف على القاعدة الفكرية لمفهوم المخلص عند كل كيان وحضارة، ومواكبة البناء العقدي الديني للفكرة عند الشعوب المختلفة، والبحث عن المشتركات العامة للفكرة بين الحضارات، حتى تتوفر لغة حوار مشتركة وتؤطر بمنظومة فكرية قائمة على نقاط الالتقاء والقواسم المشتركة حول حقيقة المهدوية.
نماذج من استشهادات التراث الديني بخصوص المهدوية:
إن الإيمان بفكرة ظهور المخلص آخر الزمان (المهدي) متفق عليها عند جميع الأديان السماوية والفلسفات البشرية، ومدوّنة في المصادر الدينية المعتبرة للجميع.. وإن الينابيع التي تستقي منها الأديان معارفها حول المخلص والمنقذ آخر الزمان هو الوحي الإلهي، مما وحد أصل الفكرة وجعلها عقيدة ثابتة عند الكل، وقد بشرت الأديان منذ بدء الخليقة بالمهدوية وورد ذكرها كثيراً بطرق ومناسبات متعددة، ولذا جاءت إشارات وتلميحات كثيرة في الكتب السماوية والتراث الديني بهذا الخصوص، نذكر شذرات مما ذكر في القرآن الكريم، والإنجيل والتوراة (الكتاب المقدس)(١١) وبعض الكتب الدينية الأخرى:
التوراة وملحقاته(١٢): العهد القديم - اليهود:
١ - جاء في زبور داود ما نصه(١٣): (اللهم أعط شريعتك للملك، وعدلك لابن الملك، ليحكم بين شعبك بالعدل، ولعبادك المساكين بالحق، فلتحمل الجبال والآكام السلام للشعب في ظل العدل، ليحكم لمساكين الشعب بالحق، ويخلص البائسين ويسحق الظالم، يخشونك ما دامت الشمس وما أنار القمر على مر الأجيال والعصور، سيكون كالمطر يهطل على العشب وكالغيث الوارف الذي يروي الأرض العطشى، يشرق في أيامه الأبرار ويعمُّ السلام إلى يوم يختفي القمر من الوجود، ويملك من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض)(١٤).
٢ - جاء في سفر إرميا(١٥) ما نصه: (اصعدي أيتها الخيل، وهيجي أيتها المركبات، ولتخرج الأبطال، فهذا اليوم للسيد رب الجنود يوم نقمة الانتقام من مبغضيه فيأكل السيف ويشبع ويرتوي من دمهم، لأن للسيد الرب ذبيحةً في أرض الشمال عند نهر الفرات)(١٦).
٣ - جاء في سفر إشعياء ما نصه: (ويخرج غصن من جذع يسي، وينبت فرع من أصوله، ويحل عليه روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المعرفة ومخافة الرب، ويوحي له التقوى، فلا يقضي بحسب رؤية عينيه، ولا يحكم بحسب سماع أذنيه، بل يقضي بالعدل للمساكين، ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض، ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه، ويكون البر منطقة متنيه، والأمانة حزام خصره، فيسكن الذئب مع الخروف، ويربض النمر مع الجدي، ويعلف العجل والشبل معاً، وصبي صغير يسوقهما، ترعى البقرة والدب معاً، ويربض أولادهما معاً، والأسد يأكل التبن كالثور، ويلعب الرضيع على حجر الأفعى، ويضع الفطيم يده في جحر الأفعوان، لا يسيئون ولا يفسدون، في كل جبل قدسي، لأن الأرض تمتلي من معرفة الرب كما تغمر المياه البحر، وفي ذلك اليوم سيرفع القائم راية الشعوب والأمم، التي تطلبه وتنتظره، ويكون محله مجداً)(١٧).
الإنجيل وملحقاته(١٨): العهد الجديد - المسيحيين:
١ - جاء في سفر رؤيا يوحنا(١٩) ما نصه: (وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس، والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً، وهي حبلى تصرخ متمخضة متوجعة لتلد، وظهرت آية أخرى في السماء، هوذا تنين عظيم أحمر له سبعة رؤوس وعشرة قرون، وعلى رؤوسه سبعة تيجان وذنبه يجرُّ ثلث نجوم السماء، فطرحها إلى الأرض، والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد حتى يبتلع ولدها متى ولدت، فولدت ابناً ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصاً من حديد، واختُطف ولدها إلى الله وإلى عرشه، والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع معد من الله)(٢٠).
٢ - جاء في سفر رؤيا يوحنا ما نصه: (ثم رأيت مَلاكا طائراً في وسط السماء معه بشارة أبدية، ليبشر الساكنين على الأرض من كل أمة وقبيلة ولسان وشعب.. منادياً بصوت عظيم: (خافوا الله وأعطوه مجداً)، لأنه قد جاءت ساعة حكمه، واسجدوا لخالق السماء والأرض والبحر والينابيع)(٢١).
٣ - جاء في إنجيل متى ما نصه: (وستسلمون عندئذ إلى الضيق.. وتقتلون ويبغضكم جميع الوثنيين من أجل اسمي، فيعثر أناس كثيرون، ويسلم بعضهم بعضا ويتباغضون، ويظهر كثير من الأنبياء الكذابين.. ويضلون أناسا كثيرين، ويزداد الإثم، فتفتر المحبة في أكثر الناس، والذي يثبت إلى النهاية فذاك الذي يخلص، وستعلن بشارة الملكوت هذه في المعمور كله.. شهادة لدى الوثنيين أجمعين، وحينئذ تأتي النهاية)(٢٢).
القرآن الكريم - المسلمين:
١ - قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ﴾ (النور: ٥٥).
٢ - قال الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: ١٠٥).
٣ - قال الله تعالى في محكم كتابه: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص: ٥).
كتب الأديان الأخرى:
- كتب الزرادشتية - المجوس: جاء في كتاب (جاماسب) ما نصه: (من ذرية ابنة النبي التي اشتهرت بـ (شمس العالم وملكة الزمان) رجل يصل إلى الخلافة، ويحكم الدنيا بخير، وهو آخر خليفة لهذا النبي، من وسط العالم - أي مكة -، ويدوم ملكه إلى يوم القيامة)(٢٣).
- كتب الهنود - الهندوس: جاء في كتاب (ديد) ما نصه: (بعد خراب الدنيا، سيظهر ملك في آخر الزمان، يكون إمام الخلائق، واسمه منصور، ويسيطر على جميع العالم ويدخلهم في دينه، ويعرف المؤمن من الكافر، ويهيئ الله له ما يريد)(٢٤).
- كتب الصابئة - المندائيون: جاء في كتاب (البروج) ما نصه: (إن أعاصير الشيطان الرجيم سوف تلتهم بالنار حتى أسس الجبال.... حرب أبناء النور مع أبناء الظلام، وأن الملائكة الصالحين هم مع جيش أبناء الحق... إن الأشرار في الأيام الغابرة تجاهلوا تحذير الله، ولذلك هلكوا، والنصر مؤكد للنور على الظلام، وسجن الملائكة للأشرار، ثم يشرق العدل كالشمس، ويمتلئ العالم بالمعرفة، بينما يهلك الأشرار إلى الأبد).. والجدير ذكره أن الصابئة يعتقدون أننا الآن نعيش في زمن ظهور المنقذ(٢٥).
على ضوء ما تقدم، فأن هذه الاستشهادات الدينية تمثل نموذجاً من البشارات والإشارات داخل دائرة التراث الديني السماوي، وهي تشير بشكل واضح وملموس عن مكانة (المخلص الموعود) في الفضاء الفكري والعقدي المشترك، ولكن لا يتسع المكان هنا لسرد كافة البشارات أو الإشارات في الكتب السماوية عن (المنقذ / المهدي) آخر الزمان.. وإن هذه النصوص تعبر عن صورة المخلص من خلال المنظورين الديني والفلسفي، وهذا مؤشر دقيق إلى القضايا والعقائد المشتركة في التراث الديني المتعلق بموعود آخر الزمان.. لكن للأسف الواقع الفكري والفلسفي المعاش حالياً بخصوص المهدي لا يتطابق مع هذا الطموح الواسع والنبيل المشترك في الكتب المقدسة.. لهذا السبب ينبغي ان نقارن دائماً بين النصوص الدينية من جهة، وبين التفسيرات والتأويلات في الفضاء الثقافي على أرض الواقع من جهة أخرى، وبالتأكيد سنلاحظ هناك فجوة كبيرة بينهما، ولكن من الضروري ان نرسم صورة واضحة عن المخلص الموعود آخر الزمان ونعرف العالم بها، اعتماداً على القواسم المشتركة، فهي التي تحدد في نهاية المطاف المصداق الحقيقي والشخصية المنتظرة التي ترسمها نصوص البشارات بصورة تجريدية.
إن القارئ يلاحظ ان الاستشهادات المذكورة تحصرنا داخل الفضاء الديني، لكننا نعلم ان العالم الفكري والعقائدي المعاصر أوسع بكثير من هذا الفضاء، حيث هناك فلسفات بشرية ومدارس فكرية تؤمن وتشير إلى نفس الموضوع وبالعنوان نفسه (المخلص أو المنقذ أو المنجي أو الموعود آخر الزمان) لم نتطرق لها - مراعاة لحجم البحث - ولذا عندما نتكلم عن الآخر (غير المسلم) في عالمنا المعاصر، فأننا نقصد أي إنسان في كل تعدديته الاستثنائية (الفكرية أو الفلسفية أو العقدية) مما يشكل المجتمع البشري بكافة أطيافه في الأرض المعمورة.
ومن هنا ينبغي علينا الاطلاع ودراسة التراث الديني والفلسفي المتعلق (بالموعود) والمستخلص في الفضاء الثقافي التاريخي والبناء الفكري المعاصر لجميع الحضارات، من أجل معرفة الإرث الفكري وعلى أسس علمية وفلسفية واضحة، ليتسنى لنا طرح المسألة المهدوية من بابها الواسع وعلى مصراعيها لكي نُوَصل ونُعَرف حقيقتها للآخر، حيث هناك ترابطاً وثيقاً بين مشروع تعريف المهدوية للآخر وبين إدراك اعتقاداته ومعطياته الدينية والتاريخية حول مفهوم المخلّص.. وبالتأكيد فإن مثل هذه البحوث الاستكشافية الواسعة (سواءً في التراث الديني أو الرؤية المعاصرة) تمثل شرطاً أولياً لابد منه في مشروع تعريف المهدوية للحضارات الأخرى، لتتوفر عوامل التقاء واتفاق وتعارف مشتركة بين الأديان والحضارات المختلفة بشأن المصلح العالمي الذي ينتظره الجميع، ففي الأساس هي أطروحة إنسانية عالمية حضارية يؤمن بها جميع الشرائح الإنسانية بمختلف مشاربهم الدينية والعقدية، وكذلك غاياتها وأهدافها ومقاصدها الكبرى موجهة للبشرية كافة.
إحصائيات عن المخلص في التراث الديني:
يوجد للبشرية تراث حضاري ضخم وكبير يتعلق بشأن المنقذ والمخلص، ومن كافة الحضارات والأديان والمذاهب وغيرها، ويشمل جميع الجوانب الفكرية والعقدية والفلسفية، وهكذا يتنوع التراث الإنساني فيما يخص الموعود آخر الزمان، مما يؤكد على أصالة هذا الموضوع وأهميته للبشرية، فهو النهاية الطبيعية لمسار التاريخ ومستقبل الإنسانية:
أحصينا بعض البشارات والإشارات عن المخلص الموعود في موسوعة (معجم أحاديث الإمام المهدي - المجلد الأول) فجاءت هذه الارقام، ولكن في اعتقادنا أن الإشارات في (الكتب المقدسة لليهود والنصارى) تحتوي اكثر من ذلك بكثير، أما الموسوعة آنفة الذكر فاشتملت على الآتي(٢٦):
- القرآن الكريم: أشار إلى المهدي في (٢٢٠) آية.
- العهد القديم: أشار إلى المخلص في (٥٤) نص.
- العهد الجديد: أشار إلى المنقذ في (٤٥) نص.
- كتب الهندوس: أشارت إلى الموعود (٧) مرات.
- كتب الزرادشتية: أشارت إلى المنجي (٦) مرات.
- بشارات عديدة في كتب ديانات أخرى.
وهي إشارات صريحة أو رمزية للمنقذ الموعود وللمستقبل المشرق الذي ينتظر البشرية في آخر الزمان على يد قائد واحد، ولكن المفسرون والمؤولون لكل ملة ومذهب اختلفوا في الاسم والنعت والصفة.. وبالرغم من اختلاف الأديان والمذاهب في تحديد هويته، وبغض النظر عن مناقشة صحة ما ورد من تفسيرات وتأويلات التراث الديني، إلا أن جميع البشر يتفق ويأمل بمجيء يوم تتخلص فيه البشرية من الظلم والفساد والاستبداد وإقامة نظام القسط والمساواة والعدالة.
تكامل فكرة المخلّص عبر مسيرة التاريخ البشري:
بدأت فكرة المخلص من أعماق التاريخ، من فجر الإنسان، من زمن أب البشر آدم (عليه السلام) وقصته بالتحديد مع إبليس (السجود - الوقت المعلوم)(٢٧)، واستمرت الفكرة في أفق الإنسانية تتصل بمحطات مختلفة في كل مراحل التاريخ، وبنظرة فاحصة شاملة في تاريخنا البشري، نجد أن هذه الفكرة مفصلية ودقيقة تختزل في عقلية الإنسان وتتطور مع الزمن.. فمسألة المنقذ والمخلص من المواضيع البارزة في المسيرة البشرية واهتماماتها المتصلة بالعدل، بل هي إحدى الأمنيات الكبرى عند الأنبياء والرسل والشعوب والأمم منذ القدم.
لا شك أن الإيمان بحتمية ظهور المخلص وإقامة الدولة الفاضلة العادلة في كل الأرض من الأمور المشتركة والمتفق عليها عند جميع الأديان السماوية، وهو أمر شائع أيضاً عند الأمم القديمة والديانات والفلسفات البشرية.. وهذه الحقيقة من المسلمات لمن درس عقيدة المخلص والتاريخ الديني، فمن المؤكد عدم خلو ديانة من الديانات من فكرة المنجي، وأن هذه الفكرة ماثلة باطراد في التراث الديني الإنساني، وهي قاسم مشترك بين أكثر الحضارات، كونها حاجة إنسانية فطرية ومبدأ يجسد في نهاية المطاف إلى السعادة والرفاه، وهذا هو حلم الإنسانية الكبير.
إن عقيدة المخلص عريقة للغاية في التاريخ الديني، فانتشار جذور هذه الفكرة في جميع الأديان السماوية يدل على قاعدة مشتركة رسخها الوحي الإلهي فيها جميعاً، وإن المسألة المهدوية في الأصل فكرة دينية سماوية منذ القدم.
تدرج الأنبياء في طرح فكرة المخلّص:
 إشارات عديدة ودلالات كثيرة ومتلاحقة لفكرة المخلص (المهدوية) انبعثت على أيدي الأنبياء السابقين، ولكن مستوى الطرح كان يتناسب من حيث البساطة والعمق والاتساع بمستوى النضج الفكري الذي تكون عليه البشرية في ذلك الزمن، أو الحاجة للتفكير في مستقبل الكون والحياة وبما سيحدث في نهاية هذا العالم.
من المؤكد وجود منظومة فكرية دقيقة وفاعلة تربط بين الأديان السماوية جميعاً، وهذا يقودنا حتماً إلى التأكيد بوحدة جوهر المخلّص، غاية الأمر أن لكل زمان معلومات وأهداف خاصة تتطلبها الظروف والأحوال التي بُعث فيها هذا النبي أو ذاك، وكذلك حاجات الناس الآنية.. فبشارات الأنبياء بخصوص (المهدوية) من قبيل المراحل الدراسية المتدرجة، تشترك جميع الأديان في أصل الفكرة ومبادئها الاساسية، إلا أنها تختلف في الطرح النظري والعمق الفكري.. فعندما يرتقي الإنسان والمجتمع إلى مرحلة أسمى، فأنه يأخذ ويقبل على البرامج المعدة للمراحل المتقدمة، وهذا ما نجده في أطروحة المخلّص عند الأديان، فإن البشارات وبيانات الاطروحة تأتي متفاوتة ومتدرجة ومتكاملة استجابة لحاجات الناس والمجتمع والبشرية، فالتدرج والتطور في الطرح يكون بتنوع المحطات التاريخية التي مرت الأديان السماوية فيها، وهذا لا يستوجب اختلاف أصل الفكرة أو الغاية والهدف، انما مستوى الطرح تبعاً للمراحل التاريخية.. مما يؤكد وحدة المصدر ووحدة المخلّص، فالحقيقة واحدة ولكن سبل إيصالها وطرحها متعددة:
* المرحلة الأولى: ركزت النبوَّات القديمة على ضرورة الإصلاح النفسي، الذي هو خطوة أولى في إصلاح المجتمع وإصلاح العالم، ومن الأنبياء الذين أكدوا ذلك نبي الله نوح (عليه السلام)، قال تعالى على لسانه: ﴿قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ (نوح: ٢-٤)، فكان التركيز في هذه المرحلة على التوحيد والإيمان بالله وعدم الشرك به، وضرورة الإصلاح النفسي ثم الاجتماعي(٢٨).
* المرحلة الثانية: تميزت بالإشارة إلى المخلص والمنقذ كأمنية عند جميع الأنبياء وحلم عند البشرية كافة، قال تعالى على لسان نبي الله شعيب (عليه السلام): ﴿بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ﴾ (هود: ٨٦)، والمراد من بقية الله (المهدي)(٢٩) كما جاء في روايات أهل البيت (عليهم السلام)، ومن ذلك أيضاً قوله تعالى على لسان نبي الله لوط (عليه السلام): ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ (هود: ٨٠)، والمراد بالركن الشديد (الإمام المهدي وشدة أصحابه) كما جاء في روايات المعصومين، وهذا يؤكد أن المشروع والمهمة التي أنيط بها هي النتيجة النهائية لجهود كل الأنبياء والرسل فيحقق بذلك أمالهم وأحلامهم.
* المرحلة اللاحقة: تطور الطرح بعد ذلك فجاء التصريح بوضوح بوجود مخلص يظهر في آخر الزمان، يبسط التوحيد والعدل على كافة الأرض، جاء ذلك في الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء والرسل مثل التوراة والإنجيل، وقد أشار القرآن الكريم إلى زبور نبي الله داود (عليه السلام)(المزمور ٧٢/١-١٥) قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ (الأنبياء: ١٠٥)، فكان التركيز على التبشير بمستقبل زاهر وسعيد للبشرية، مع الإشارة إلى تفاصيل بسيطة جداً لذلك المستقبل، والإشارة إلى بعض علامات الظهور كما في التوراة والإنجيل وملحقاتهم.
* المرحلة الأخيرة: لقد تكامل الطرح مع بداية الإسلام، وتحولت الفكرة من نظرية إلى واقع ملموس، حيث ارست دعائم العقيدة المهدوية فكرياً ونظرياً وواقعياً، وتبلورت الفكرة بشكلها النهائي من خلال تشخيص المصداق، وذلك بتحديد هوية ونسب وملامح شخصية المخلّص المنتظر (الإمام المهدي) وفق الاطروحة المهدوية الإمامية، وقد بدأ التأسيس العملي للفكرة والدخول في مرحلة الطور المهدوي، وتجسيد الأمنية الكبرى لجميع أمم العالم، وبدء الخطوات الأولى لمرحلة الغيبة وعصر الانتظار.
كان هناك تدرج في طرح القضية تاريخياً، فبساطة طرح المسألة في البداية (كأمنية وحلم) كان بما يتناسب مع طبيعة الاحتياجات البدائية في ذلك الزمان، وقد تطور تكامل إرساء الفكرة مع مرور الزمن، وكان ذلك متوافقاً مع التطور التشريعي الديني السماوي، مما جعل المسألة المهدوية جزءاً من المنظومة الفكرية الدينية عند جميع الأنبياء والرسل، منذ آدم (عليه السلام) وإلى خاتم الأنبياء محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم).. وهنا لابد أن ندرك إن مسيرة قضية المخلّص أخذت تتكامل تدريجياً حتى تبلورت بشكلها النهائي، وبلغت أرقى صور نضجها وأصبحت واقع ملموس مع ولادة الإمام المهدي ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، وهذا الأمر لم يأتي فجأة بل هو بناء تراكمي مشترك ساهم فيه كل الأديان والحضارات.
وفي الواقع هناك ترابط وثيق بين مفهوم (المسيحانية)(٣٠) عند اليهود، ومضمون (عودة المسيح) عند النصارى، وجوهر (المهدوية) عند المسلمين، مما يعكس حقيقة المخلص المنتظر عند الجميع.. ولا شك بأن مقدار ما نتعرف على خصائص ومميزات (معنى المخلّص والخلاص عند الآخر) والاطلاع على فلسفته لديهم، سندرك ان هناك نقص وقصور في النضج البشري لفهم حقيقة (المهدوية)، فمجتمعات تلك الأزمنة لم تكن مهيّأة للتفاعل مع القضية (الإمام المخلّص) بشكل أعمق من ذلك، مما يؤكد إننا أمام حالة من التكامل التدريجي على المستوى البشري، وذلك بتطور واقع البشرية ومدى قربها من اليوم الموعود، ولذا جاءت الشريعة الخاتمة بخصوص أطروحة الخلاص والمخلّص بشكل أشمل وأكمل وأعظم من الجميع.. فقد انفرد الدين الإسلامي بإعطاء الصورة الحقيقية والواضحة بكل أبعادها عن المصلح العالمي، بل حتى أنه يذكر اسمه ونسبه وأصله وصفاته، ويعطينا بعض ملامح حركته وخصائص دولته وغيرها من المعطيات.. وفي هذا السياق نجد إن بعض أجزاء هذه الصورة قد سبق أن ظهرت في الكتب المقدسة السابقة (لليهود والنصارى)، وإن بعض الخيوط والإشارات متبقية هنا أو هناك وهي كثيرة، مما يؤكد أنها فكرة متأصلة في التراث الديني السماوي وبتواتر قوي لا يمكن تجاهله.
هل المخلّص آخر الزمان واحد أم متعدد؟
أصل فكرة الخلاص والمخلص متفق عليها، إلا أن الاختلاف قائم بين مختلف الأديان حول شخصية وهوية وكيان المخلص المنتظر.. وهنا نطرح سؤال: هل المخلّص المنتظر هو شخص واحد محدد بعينه سيظهر آخر الزمان بصفة المنقذ الموعود، أم هناك أكثر من شخص وبمسميات متعددة؟.. للإجابة على هذا التساؤل الجوهري نشير للنقاط التالية:
* مصدر الفكرة ومنبعها واحد:
إن الينابيع التي تستقي منها الأديان عقائدها ومعارفها وأخبارها المستقبلية هو الوحي الإلهي، الذي بشر منذ البدء بالمهدوية، ولذا جاءت بشائر وإشارات عديدة في الكتب السماوية بهذا الخصوص، وحيث إن مصدر هذه الأديان والمعارف الغيبية واحد (سبحانه وتعالى)، وبالتالي تتطابق البشارات والعلامات وأخبار المستقبل تبعاً لذلك، وباعتبار المنبع والمنشأ واحد فلا يمكن ان تتعارض أو تتناقض مع بعضها، فجوهر الأديان كلها إتمام المسيرة الدينية التي بشر بها الأنبياء، فالحقائق والإرشادات السماوية واحدة، مما يؤكد على التأصيل الديني لأطروحة المخلّص عند الحضارات المختلفة.
* الأخبار والبشارات السماوية لا تشير إلى أكثر من مخلص:
لم تكن هناك اية إشارة في التراث الديني السماوي أو في جميع الكتب المقدسة للأديان المختلفة تلمح إلى ان المخلص في آخر الزمان أكثر من واحد أو شخصيات متعددة.. فجميع الأديان متفقة على ان المخلّص هو شخص واحد (إنسان وقائد عظيم معين من قبل السماء)، وهذه حقيقة ناصعة لا لبس فيها ولا غموض ولا تشوبها شائبة، وتكرسها وتؤكد عليها نصوص دينية سماوية عديدة، منها ما جاء على لسان نبي الله شعيب (عليه السلام): ﴿بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ (هود: ٨٦).
* تطابق الغايات والأهداف والنتائج التي تحلم بها البشرية على يد المخلّص:
تَطَلُّعْ الإنسانية إلى نهاية التاريخ، ومن رؤية الجميع لقضية المخلّص آخر الزمان، ندرك أن البشرية منذ البدء كانت تتكامل وتتقدم نحو الأفضل، وما التطور والتكامل في الشرائع السماوية إلا أصدق مثال على ذلك، ولذا فالبشرية تتحرك بأمل وبفطرة وبإيمان نحو المستقبل، حيث هناك حياة سعيدة وعصر متألق ينتظرها على يد (المنقذ الموعود) فيحقق آمال الأنبياء والرسل ويطبق الأمنية الكبرى للبشرية، وهذه الخاتمة المتفق عليها تؤكدها النصوص الدينية وتبشر بها وتعتبرها كوعد إلهي(٣١) لابد من تحقيقه.. وهذه رؤية ثابتة ومترسخة عند أتباع جميع الأديان.
* علامات ظهور (المخلص / المنقذ / المهدي) واحدة عند جميع الأديان:
إن استقراء البشارات والاخبار في التراث الديني نجد ان هناك الكثير من التشابه والتقارب في علامات الظهور الكلية (للمهدي المخلّص) التي ذكرت في تراث الديانة اليهودية والمسيحية مع الديانة الإسلامية، وإن كان هناك بعض الاختلاف في الجزئيات، وإذا ما ضمت الأخبار والعلامات جميعها مع بعضها البعض، فأنها تتكامل وتعطي صورة أقرب للواقع (المستقبل).. وإذا ما قارنا ما ورد في الكتب المقدسة السماوية من علامات ودلالات وقرائن، يتبيّن لنا أن المخلص التي تتحدث عنه الأديان هو شخص واحد لاتفاق وتطابق كثير من دلائل الظهور آخر الزمان في بشائر الأديان والنصوص السماوية.
* النصوص السماوية المقدسة تنطبق على المخلّص المهدي فقط:
إن الإرشاد السماوي من خلال النصوص في الكتب المقدسة، وكذلك إن البشارات والأخبار المستقبلية والغيبية التي ذكرت فيها هي حقائق ثابتة.. واليوم مع ختم النبوة وانقطاع الوحي الإلهي، فإن جميع التراث الديني السماوي بخصوص المنقذ المنتظر، هي عبارة عن نبوءات سابقة أو قرائن عليها، وبالتأكيد عند تأملها وقراءتها وتفسيرها بمنطق العقل وبرؤية وبصيرة ثاقبة، وبعيداً عن التعصب الديني والمذهبي، ندرك إنها تشير وتدلل على شخصية واحدة آخر الزمان، وبملاحظة إن المواصفات والخصائص المذكورة في النصوص لم تتحقق تاريخياً قبل العهد الإسلامي، لذا نجد أنها لا تنطبق واقعياً إلا على مخلّص أهل البيت (عليهم السلام)، حيث ذكرت بعض الجزئيات والتفاصيل التي تميزت بها الأطروحة المهدوية الإمامية فقط، مما يثبت صحة حقيقة (المهدي المخلّص الموعود)، ومهما اختلفت الأسماء والنعوت.
مع الأخذ بعين الاعتبار بعض الأمور المتعلقة بالشخصيات المنتظرة، أي (المنهج) للبشارات، والتأكد من معرفة الشخص (المستقبلي) المقصود في نص البشارة عند قراءة الكتب المقدسة للأديان الإبراهيمية:
- إن الكتب المقدسة لليهود (العهد القديم / التناخ) يشير في اخباره ونصوصه إلى ثلاث شخصيات منتظره (السيد المسيح والنبي الخاتم والمهدي المخلص)، ولذا يجب الانتباه إلى هذه النقطة عند قراءة أو تفسير أو تأويل كتب التراث الديني اليهودي.
- إن الكتب المقدسة للمسيحيين (العهد الجديد) تبشر في اخبارها المستقبلية إلى شخصيتين مرتقبة (النبي الخاتم والمهدي المخلص)، بالإضافة إلى قضية عودة السيد المسيح مرة ثانية.. لذا ذكرت كلمة (ابن الإنسان) ثمانون مرة، منها خمسون مرة يقصد بها الإمام المهدي (عليه السلام)(٣٢).
- إن التراث الديني للمسلمين (القرآن الكريم والسنة الشريفة) فقد أشارت وصرحت بأن الإمام المهدي (عليه السلام) هو المخلص والشخصية المستقبلية الوحيدة الموعودة، وما يتبع ذلك من أمور كعلامات الظهور ووراثة الصالحون للأرض، وقضية عودة السيد المسيح وبعض الأخبار الغيبية المستقبلية كظهور يأجوج ومأجوج والاعور الدجال.
إن الاتفاق على حتمية ظهور المخلص آخر الزمان وتطابق النتائج والغايات والأهداف، دليل قوي وواضح ومؤكد على إن المخلص المنتظر واحد عند جميع الأديان، وإن اختلفت أسماء وهوية هذا المخلص، علماً بأن هذا الاختلاف ناشئ من تفسير النصوص والبشارات السماوية وتأويلها استناداً إلى عوامل خارجة عنها، وليس إلى تصريحات أو إشارات في النصوص الدينية نفسها، بمعنى أن تحديد هويته ومصداق المخلّص في الديانات السابقة لا ينطلق من النصوص (كما في الكتاب المقدس مثلاً)، بل ينطلق من انتخاب شخصية (من الكيان الديني الخاص) ومحاولة تطبيق النصوص عليها، بالإضافة للعوامل السياسية أو التعصب الديني والمذهبي، فضلاً عن الرغبة في الفوز بافتخار أن صاحب هذا الدور التاريخي المهم مستقبلاً شخصية تنتمي لكيانهم.
إذاً ستتوحد البشرية مستقبلاً في دولة عالمية واحدة وعلى يد قائد منتظر واحد، وبالتالي ما ينتظره اليهود وما ينتظره المسيحيون وما ينتظره المسلمون وما تنتظره البشرية من قديم الزمان وإلى الآن هو في الحقيقة شخص مستقبلي واحد محدد بعينه وهو المخلّص المهدي.. مع الانتباه إلى ان بشارات الأديان تتناول قضايا وخصوصيات في المصلح العالمي لا تنطبق إلا على أبرز ما يميز الأطروحة الإمامية والواقع التاريخي الذي مرت به، مثل: تعرض المخلص لخطر القتل والتصفية اثناء ولادته والتي تؤدي إلى غيبته، ثم التأكيد على أنه محفوظ بالرعاية الإلهية اثناء غيبته حتى موعد ظهوره، وهذا من خصائص الأطروحة المهدوية الإمامية، حيث وردت الإشارة إلى ذلك بصراحة ووضوح تام (النص ذكرناه مسبقاً - سفر رؤيا يوحنا: الاصحاح ١٢: ١-٦)، وكذلك ذكر أنه الثاني عشر من سلسلة مباركة متصلة، نظير ما ورد في (التوراة: سفر التكوين)(٣٣)، وقد ثبت ذلك فعلياً وواقعياً في التاريخ الإسلامي، وعليه يتجلى لنا أن البشارات تهدي إلى حقيقة هي: إن المخلّص المنتظر هو الإمام المهدي خاتم هؤلاء الاثنا عشر، بالإضافة إلى إشارات مثل وصفه بكلمة (القائم) كما ورد في (سفر اشعيا)(٣٤)، أو مثل وصف (صاحب الدار) كما ورد في (إنجيل مرقس)(٣٥)، أو مثل وصف المنتقم لدم الحسين (عليه السلام) المستشهد عند نهر الفرات (النص ذكرناه مسبقاً - سفر إرميا: الاصحاح ٤٦: ٩-١٠)، وهناك أمثلة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.. إذاً معرفة هذه المواصفات والخصوصيات التي ذكرت في بشارات الكتب المقدسة وفي التراث الديني السماوي يقودنا إلى إثبات إن المصلح العالمي المنتظر الذي بشرت به جميع الديانات هو في الحقيقة الإمام المهدي ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فتكون المحصلة النهائية وخلاصة كل تلك البشارات التي تشير إلى المخلّص آخر الزمان، ليس دلالة على المخلّص بعنوانه العام فحسب، بل شخّصت خصوصيات هويته الحقيقية، من خلال تحديد صفات وتفصيلات لا تنطبق على غيره، ولا تتوافق إلا مع الأطروحة المهدوية الإمامية، وذلك إيعازاً وتسهيلاً للاهتداء إلى المصداق الحقيقي للمخلص الموعود.. وهذا يعطينا دفعة فكرية حقيقية ومعنوية وروحية قوية بأن جميع البشارات والإشارات في الكتب المقدسة للأديان والحضارات المختلفة هي في الواقع عبارة عن قواسم فكرية وخواص مشتركة متفق عليها وتكمل بعضها، في ظل منظومة معرفية غيبية مستقبلية مصدرها سراج واحد، وتبشر للمهدوية.
علامات الظهور تتشابه عند جميع الديانات السماوية:
الإنسان يعيش ضمن منظومة كونية متكاملة مرسومه من قبل الخالق، وجميع الأديان تؤكد ان للعالم نهاية، وسوف تصاحب هذه النهاية ظهور المخلص او المنقذ، ولهذا المخلص علامات قبل ظهوره، ورد ذكرها بتفاوت في كل الأديان السماوية تقريباً.. المهم في ذلك ان استقراء هذه العلامات، وملاحظة كثرة ذكرها وتشابه أخبارها، والدلائل الغيبية المستقبلية التي رسمتها عقائد الأديان في نفوس أتباعها، تدل أولاً على أصالة مصدر الفكرة والبشارات، وثانياً التأكيد بأن المخلص المنتظر شخص واحد محدد بعينه.
لقد احتوى كتاب التوراة وملحقاته وكتاب الإنجيل وملحقاته (الكتاب المقدس بشقيه: العهد القديم والجديد) على الكثير من النصوص الخاصة بالمخلّص، والعديد من الأخبار والدلالات قبل ظهوره، تشترك وتتوافق مع ما ورد في النصوص الإسلامية، مما يجعل هذه المشتركات محطة مهمة في عقيدة (المخلّص) تدفعنا إلى التصديق والتسليم المطلق بالعقيدة المهدوية، باعتبار اتفاق الجميع على إن المخلّص أو القائد شخص واحد.. وسنشير في هذه العجالة إلى بعض الإمارات وعلامات الظهور آخر الزمان وتحديد أوجه الاتفاق في خصائصها لاستخلاص بعض القواسم المشتركة التي ذكرت في كتب وتراث الديانات السماوية المختلفة:
* النداء والصيحة السماوية:
أهم علامات الظهور الكبرى والمحتومة، وهو نداء من السماء وصوت يسمعه كل سكان الأرض وكل بحسب لغته، يبشرهم بخروج (المهدي المخلّص)، والذي ينادي هو جبرائيل (عليه السلام) وقد عبرت عنه الرؤيا (بالملاك الطائر)، والتوصية بالسجود شكراً لله لكل من وفق لنعمة إدراك ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
- جاء في سفر يوئيل (العهد القديم - اليهود) ما نصه: (انفخوا في البوق في صهيون، واهتفوا في جبل قدسي، وليرتعد جميع سكان الأرض، فإن يوم الرب آت وهو قريب)(٣٦). وجاء في سفر إشعياء ما نصه: (اقتربي أيتها الأمم للاستماع وأصغي أيتها الشعوب، لتسمع الأرض وملؤها الدنيا وكل ما تخرجه، فإن سخط الرب على جميع الأمم وغضبه على كل جيشها.... لأن للرب ذبيحة في بُصرَة وقتلاً عظيماً في أرض أدوم.... لأن للرب يوم الانتقام وسنة الجزاء في دعوى صهيون)(٣٧).
- جاء في رؤيا يوحنا (العهد الجديد - المسيحيين) ما نصه: (ثم رأيت مَلاكا طائراً في وسط السماء معه بشارة أبدية، ليبشر الساكنين على الأرض من كل أمة وقبيلة ولسان وشعب.. منادياً بصوت عظيم: (خافوا الله وأعطوه مجداً)، لأنه قد جاءت ساعة حكمه، واسجدوا لخالق السماء والأرض والبحر والينابيع)(٣٨).
- جاء في القرآن الكريم (المسلمين) قوله تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾ (ق: ٤١-٤٢). وجاء في السنة الشريفة: عن الإمام الباقر (عليه السلام) إنه قال: (الصيحة لا تكون إلا في شهر رمضان، لأن شهر رمضان شهرُ الله وهي صيحة جبرائيل إلى هذا الخلق، ثم قال: ينادي مناد من السماء باسم القائم، فيسمع من بالمشرق ومن بالمغرب، لا يبقى راقد إلا استيقظ، ولا قائم إلا قعد، ولا قاعد إلا قام على رجليه، فزعاً من ذلك الصوت، فرحم الله من اعتبر بذلك الصوت)(٣٩).
* معركة قرقيسيا - مائدة الله:
تشير النصوص الدينية على كثرة الحروب والفتن والفوضى في آخر الزمان وقُبيل ظهور (المخلّص المهدي)، ومعركة قرقيسيا هي إحدى معارك السفياني (العدو اللدود للإمام المهدي)، ففي طريق جيش السفياني إلى العراق تقع حرب عظيمة في شرق شمال سوريا، تسمى مائدة الله، وهي أحدى علامات ظهور المخلص الموعود:
- جاء في سفر حزقيال (العهد القديم - اليهود) ما نصه: (هكذا قال الرب: قل لكل ذي جناح ولكل وحوش الحقول: اجتمعي وهلمي واحتشدي من كل جهة إلى ذبيحتي التي أنا ذابحها لك ذبيحة عظيمة، على جبال إسرائيل، فتأكلي لحماً وتشربي دماً، تأكلين لحم الجبابرة، وتشربين دم رؤساء الأرض، من كباش وحملان وتيوس وعجول كلها من مسمنات باشان، وتأكلين شحماً إلى الشبع، وتشربين دماً إلى السكر من ذبيحتي التي ذبحتها لك، وتشبعون على مائدتي من الخيل وركابها والجبابرة وكل رجل حرب، يقول السيد الرب: فأجعل مجدي في الأمم، وترى جميع الأمم حكمي الذي أجريته ويدي التي وضعتها عليها)(٤٠).
- جاء في رؤيا يوحنا (العهد الجديد - المسيحيين) ما نصه: (ورأيت ملاكاً قائماً على الشمس، فأخذ يصيح بصوت جهير فيقول لجميع الطيور الطائرة في كبد السماء: (تعالي فاجتمعي في مأدبة الله الكبرى، تأكلي لحمان الملوك ولحمان القواد ولحمان الأقوياء ولحمان الخيل وفرسانها ولحمان جميع الناس، من أحرار وعبيد وصغار وكبار).. ورأيت الوحش وملوك الأرض وجيوشهم محتشدة ليحاربوا الفارس وجيشه، فاعتقل الوحش واعتقل معه النبي الكذاب الذي أتى بالخوارق أمام الوحش، وبها أضل الذين تلقوا سمة الوحش وسجدوا لصورته. فألقي كلاهما حيين في مستنقع من نار وكبريت متقد. وقتل الباقون بالسيف الخارج من فم الفارس، فشبعت الطيور كلها من لحمانهم)(٤١).
- جاء في السنة الشريفة (المسلمين) ما نصه: عن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: (يظهر السفياني على الشام، ثم يكون بينهم وقعة بقرقيسياء حتى يشبع طير السماء وسباع الأرض من جيفهم)(٤٢). وجاء عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (إن لله مائدة - وفي غير هذه الرواية مأدبة - بقرقيسياء، يطلع مطلع من السماء فينادي: يا طير السماء ويا سباع الأرض هلموا إلى الشبع من لحوم الجبارين)(٤٣). وجاء عن الإمام الباقر (عليه السلام): (إن لولد العباس والمرواني لوقعة بقرقيسياء، يشيب فيها الغلام الحزور، يرفع الله عنهم النصر، ويوحي إلى طير السماء وسباع الأرض اشبعي من لحوم الجبارين، ثم يخرج السفياني)(٤٤).
* الرجعة:
بمعنى رجوع بعض الأموات بإرادة الله تعالى إلى الحياة الدنيا، منهم الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) وثلة من المؤمنين وغيرهم وذلك بعد قيام دولة المهدي.. وفي الاصطلاح: تعني رجوع قسمين من الناس وهم: المؤمنون الخلص والكفرة الفجرة(٤٥)، فيرجع المؤمنون للتمتع بحكومة العدل الإلهي، وأما الكفرة الظلمة فللقضاء:
- جاء في سفر دانيال (العهد القديم - اليهود) ما نصه: (وفي ذلك الزمان يقوم الرئيس العظيم الملاك ميخائيل حارس شعبك وذلك في أثناء ضيق لم يكن له مثيل منذ أن وجدت أمة حتى ذلك الزمان، غير أن كل من كان اسمه مدونا في الكتاب من شعبك ينجو في ذلك الزمان.. ويستيقظ كثيرون من الأموات المدفونين في تراب الأرض، بعضهم ليثابوا بالحياة الأبدية، وبعضهم ليساموا ذل العار والازدراء إلى الأبد.. ويضئ الحكماء (أي شعب الله) كضياء الجلد، وكذلك الذين ردوا كثيرين إلى البر يشعون كالكواكب إلى مدى الدهر.. أما أنت يا دانيال فاكتم الكلام، واختم على الكتاب إلى ميعاد النهاية، وكثيرون يطوفون في الأرض وتزداد المعرفة.......... فطوبى لمن ينتظر)(٤٦).
- جاء في إنجيل يوحنا (العهد الجديد - المسيحيين) ما نصه: (وأولاه سلطة إجراء القضاء لأنه ابن الإنسان.. لا تعجبوا من هذا فتأتي ساعة فيها يسمع صوته جميع الذين في القبور.. فيخرجون منها، أما الذين عملوا الصالحات فيقومون للحياة، وأما الذين عملوا السيئات فيقومون للقضاء)(٤٧).
- جاء في القرآن الكريم (المسلمين) قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ (النمل: ٨٣)، فهذه الآية تتحدث عن حشر سوف يكون لبعض الناس، وليس كل الناس كما هو الحشر في يوم القيامة.. عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «ما يقول الناس في هذه الآية ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا﴾؟». قلتُ: يقولون إنّها في القيامة، قال عليه السلام: «ليس كما يقولون، إنّ ذلك في الرجعة، أيحشر الله في القيامة من كلِّ أُمّة فوجاً ويدع الباقين؟ إنّما آية القيامة قوله: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ (الكهف: ٤٧)»(٤٨). قال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ (غافر: ٥١)، روي عن الإمام الباقر والصادق عليهما السلام من عدّة طرق «أنّ هذا النصر يكون في الرجعة، ذلك لأنَّ كثيراً من الأنبياء والأوصياء قُتِلوا وظُلمِوا ولم ينصروا، وأنّ الله لا يخلف الميعاد»(٤٩).
* الظواهر الطبيعية (سماوية وأرضية):
تشير الكتب المقدسة للأديان السماوية إلى علامات تسبق ظهور الإمام المخلص، ومنها علامات ليس للإنسان شأن بها، وهي كثيرة ومتنوعة: منها إمارات سماوية تتمثل في ظواهر في السماء وفي الشمس والقمر، ومنها دلائل أرضية تتمثل في زلازل ونار ودخان وخسف وفتن، نذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض الشواهد من هذه النصوص وهي من التقاطعات المشتركة في التراث الديني:
- جاء في (العهد القديم - اليهود) سفر إشعياء ما نصه: (إني أمرت مقدسي ودعوت أبطالي لغضبي، ظافري المفتخرين، في الجبال صوت جمهور كصوت شعب عظيم.... وولولوا فإن يوم الرب قريب، قادم قدوم اجتياح من لدن القدير.... هوذا يوم الرب قد حضر قاسياً، يوم سخط وإضطرام.... لأن كواكب السماء ونجومها لا تبعث نورها والشمس تظلم في طلوعها والقمر لا يضئ بنوره.... سأزعزع السماء وتتزلزل الأرض عن مقرها في سخط رب القوات وفي يوم اضطرام غضبه)(٥٠). وجاء في سفر يوئيل ما نصه: (وأجعل الآيات في السماء وعلى الأرض دماً وناراً وأعمدة دخان، فتنقلب الشمس ظلاماً والقمر دماً قبل أن يأتي يوم الرب العظيم الرهيب)(٥١).
- جاء في (العهد الجديد - المسيحيين) في سفر رؤيا يوحنا(٥٢) ما نصه: (ورأيت الملائكة السبعة القائمين بين يدي الله قد أعطوا سبعة أبواق)(الإصحاح ٨ نص ٢). (ونفخ الملاك الرابع في بوقه، فأصيب ثلث الشمس وثلث القمر وثلث الكواكب، حتى أظلم ثلثها ففقد النهار ثلث ضيائه والليل كذلك) (الإصحاح ٨ نص ١٢). (وفي تلك الأيام يطلب الناس الموت فلا يجدونه، ويشتهون أن يموتوا فيهرب الموت منهم.. ومنظر الجراد أشبه بالخيل المعدة للحرب) (الإصحاح ٩ نص ٦-٧). (ولكن في الأيام التي سيسمع فيها الملاك السابع عندما ينفخ في البوق، يتم سر الله، كما بشر به عبيده الأنبياء) (الإصحاح ١٠ نص ٧).
- جاء في القرآن الكريم (المسلمين) قوله تعالى: ﴿إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ (الشعراء: ٤) إشارات ودلالات عديدة تحدث في السماء تخبر العالم بقرب ظهور الإمام المخلّص وهي بمثابة بشارة للمنتظرين من قبيل: بدن بارز في عين الشمس، وركود الشمس عن الحركة لفترة وجيزة، والصيحة السماوية في رمضان، والخسوف والكسوف في غير وقتهما.. وجاء في السنة الشريفة ما نصه: عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: (إذا رأيتم ناراً من المشرق شبه الهُردي العظيم تطلع ثلاثة أيام أو سبعة فتوقعوا فرج آل محمد... وقال (عليه السلام): لا يقوم القائم إلا على خوف شديد من الناس وزلازل وفتنة، وبلاء يصيب الناس، وطاعون قبل ذلك، وسيف قاطع بين العرب، واختلاف شديد بين الناس، وتشتت في دينهم، وتغير في حالهم، حتى يتمنى المتمني الموت صباحاً ومساءً من عظم ما يرى من كَلَب الناس وأكل بعضهم بعضا)(٥٣). وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إذا رأيتم علامة في السماء ناراً عظيمة من قبل المشرق تطلع ليالي، فعندها فرج الناس، وهي قدام القائم بقليل)(٥٤).
* علامات آخر الزمان:
إشارات عديدة ومتشابهات كثيرة ذكرت في التراث الديني السماوي عن وقائع وأحداث مصاحبة لظهور المهدي آخر الزمان، وبعضها يعتبر من علامات الساعة الكبرى التي تخرج قبل يوم القيامة.. وحرصاً على حجم هذا البحث وابتعاداً عن الاطالة، سنشير لمواقع ذكر بعض القواسم المشتركة في التوراة وملحقاتها أو الإنجيل وملحقاته أو القرآن الكريم والسنة الشريفة، مثل:
* يأجوج ومأجوج (Gog and Magog):
- العهد القديم: سفر حزقيال (الإصحاح ٣٨) و(٣٩) تفاصيل عديدة ذكرت في الإصحاحين.
- العهد الجديد: سفر الرؤيا ليوحنا (الإصحاح ٢٠: ٧-١٠).
- القرآن الكريم: سورة الأنبياء آية ٩٦، سورة الكهف آية (٩٣ - ٩٩).
* الدجال (Ad-Dajjal):
- العهد الجديد: سفر الرؤيا ليوحنا (الإصحاح ١٧: ٨ - ١٧).
- السنة الشريفة: أحاديث كثيرة والتي تتحدث عن علامات الساعة الكبرى وبتفاصيل لم تذكر في السابق عن الدجال وحركته.
* دابة الأرض (The Earth Creature):
- العهد القديم: سفرحزقيال (الإصحاح ٩ و١٠) وتفاصيل عن الختم على الجباه.
- العهد الجديد: سفر الرؤيا ليوحنا (الإصحاح ٧: ١-٣).
- القرآن الكريم: سورة النمل آية ٨٢.
بالتأكيد إن المصدر الأساس لهذه الأخبار هو الوحي الإلهي، وواضح ان الأئمة والأنبياء لم يذكروا العلامات في صيغ وعبارات واضحة للجميع (إنما بصورة رمزية غامضة وهي مقصودة)، ولكن الواقع والمفهوم يتضح في المجموع الكلي للنصوص والقرائن المرافقة لها.. ومن هنا كانت الحاجة لاستقراء الإمارات والعلامات في الكتب السماوية المختلفة، ودراسة البشارات وتجميع الأخبار ومعرفة الروابط بينها، حتى تتضح الرؤية، ويدرك الباحث ويستنتج الصورة الحقيقية والواقعية لمرحلة قبل وبعد الظهور.. وبالتأكيد عندما تتكامل البشارات (بشكل تجميعي وتراكمي) ونستقرئ القواسم المشتركة والمؤكدة بينها، حينها ستتبلور العلامات والقرائن وتشكل ثروة فكرية غنية للحضارة الإنسانية لا يستهان بها، إلى درجة يمكن معها فتح آفاق جديدة في المعرفة والثقافة الدينية، باعتبارها أخبار سماوية صادقة متراكمة ومتعاضدة وتكميلية وتسير في الاتجاه الصحيح، مما يعطي لهذه الأخبار قيمتها ومكانتها عند الناس.
وإن نظرة مقارنة إلى هذه العلامات والدلالات المشتركة والتي ذكرت في الكتب الدينية المقدسة تظهر أنها تشير وتبشر بشخص قائد واحد في آخر الزمان، وأن أتباع كل الأديان والحضارات جالت في انتظاره على مدى تاريخ الإنسانية الطويل، مما يدلل على أنه يملك قواعد ومتبنيات راسخة، ويستند إلى مبادئ وأسس دينية وتاريخية وحضارية مقدسة لثورته الإلهية الكبرى.
تفعيل القواسم المشتركة لفكرة المخلّص بين الحضارات:
إن أهمية قراءة قضية المخلّص عند الأمم المختلفة وإيجاد نقاط الالتقاء والاتفاق عند الجميع، بصفتها تعبر عن المفهوم الذي لا يتعارض مع فكر الآخر، وهذا أحد الشروط الضرورية للحوار والتعارف بين الشعوب.. فمن الحكمة أن يتم التعرف على نقاط مشتركة يمكن ان يجتمع الناس حولها وتنبني العلاقات الثقافية والاجتماعية عليها، ومن البصيرة التمسك بتلك القواسم والتوافقات وإبرازها تحقيقاً لإثراء التعارف الحضاري الخلاق، ودرءاً للمخاطر والسلبيات، وتحملاً لمسئوليتنا الدينية والحضارية.
إن المهدوية كعقيدة لخلاص البشرية وكمفهوم للمخلص تعتبر قاسم مشترك بين كل الأديان والفلسفات والحضارات، وذلك انطلاقاً من الرؤية الكلية لجوهر الخلاص.. ومهما اختلفت المذاهب الدينية والمدارس الفكرية يمكننا أن ندرك إن هناك الكثير من نقاط الاتفاق والتقاطعات المشتركة حول (المهدوية أو المخلص) نشير إلى بعض منها:
- الاتفاق على أصل القضية والكل يعترف بالمبدأ والمنشأ والمفهوم، وهذا بمثابة تجسيد لعقيدة ثابتة وفكرة واحدة مشتركة عند جميع الديانات السماوية والفلسفات البشرية، وهي ماثلة باطراد ومترسخة، ومن المواضيع البارزة في مسيرة التشريع الرباني.
- منبع الفكرة ومصدرها ومنشأها هو الوحي الإلهي لكل الأديان السماوية، ولذا لا يمكن ان تتعارض أو تتناقض القضية فيما بينهم، أو تصطدم مع بعضها.
- وحدة النصوص السماوية، وتشابه الخطاب الديني فيما يخص المصلح العالمي المنتظر عند جميع الأديان من حيث الجوهر والمضمون والمفهوم.
- ذكرت القضية في جميع الكتب المقدسة ودونت في معظم التراث الديني السماوي، وجميع الأنبياء والرسل قد أشاروا اليها، وحلموا بيوم تطبيقها على أرض الواقع.
- وحدة المخلص عند جميع الأديان والحضارات يتأكد من خلال اجتماع البشرية على خاتمة واحدة للتاريخ، تحمل نفس الغاية والهدف والمطلوب تحقيقه على يد المنقذ الموعود.
- قضية المخلّص حاجة إنسانية عند جميع البشر، كون الفكرة تتلاءم مع وجدان الفطرة، وتتوافق مع برهان العقل، وتتعاضد مع الإرشاد السماوي.
- روحية الانتظار للمنقذ الموعود موجودة عند جميع الأمم الدينية والكثير من المجتمعات العلمانية، وهذا الانتظار يمثل خطوة عملية للإيمان بعقيدة المخلّص.
- علامات الظهور ثابتة ومتشابهة عند جميع الأديان والمذاهب، وقد ذكرت في معظم الكتب المقدسة، فلا يمكن تشخيص زمن ظهور المخلص إلا بها، وهي ضمن أطار التخطيط الإلهي وسننه الكونية، وتعطي صورة لمعالم المستقبل قبل الظهور.
- وقت خروج المصلح الموعود محدد وثابت ومتفق عليه عند جميع الأديان والملل وذلك في آخر الزمان، وبعد أن تمتلي الأرض ظلماً وجوراً وفساداً.
- محور المهدوية والخلاص هو أولوية القسط والعدل عند الجميع، وذلك لانحراف المسيرة البشرية عن هذا السياق، ولذا فحقيقتها تعني الثورة على الفساد بشتى انواعه.
- ستتحقق بشارة الأديان الإلهية والمذاهب الفلسفية البشرية في ظل حكومة عالمية واحدة للمصلح الأعظم، وهذه أمنية كبرى للإنسانية قاطبة على مدى التاريخ.
- المهدي المُخَلّص مُلْكٌ للبشرية جميعاً وليست حكراً على طائفة دينية او جماعة معينة، ودولته أو حضارته تبسط هيمنتها على الأرض كافة، وتدمج الأمم والشعوب تحت لواء حكومته العادلة.
- الاتفاق على إن المخلّص المستقبلي (المرتقب) هو شخص وقائد واحد، وليس في نصوص الإرشاد الإلهي ما يشير أو يلمح إلى تعدد هذه الشخصية، فالكل يؤكد على ذلك، ولكن الاختلاف قائم حول هويته.
- الاطروحة المهدوية الإمامية بتفاصيلها الجزئية وأبرز ما يميزها مثل: الإمامة المبكرة وخطر ظروف الولادة وطول العمر والغيبة، تشترك بها الأديان السماوية الأخرى وتتقاطع بحسب النصوص الثابتة لديها.
صفحات مشرقة من القواسم المشتركة حول مفهوم (المخلّص) في التراث الديني السماوي، وإن قراءة جزء من نقاط الالتقاء والتقاطعات تعطي صورة إيجابية، وترسم حالة فكرية عن اتفاق الأديان والشعوب والحضارات في النظر إلى جوهر (المهدوية)، وتوسيع مساحات التفاهم والتركيز على المعنى الحقيقي لها والإيجابيات من وراء ذلك، مما يعزز القيم والمفاهيم العالمية الحقيقية المشتركة التي تحلم بها البشرية، ويغير القناعات السلبية والتفسيرات الخاطئة والأفكار المنحرفة التي ينشرها ويروجها الأعداء.. وبالرغم من إن تشخيص هوية المخلص والمصداق متباينة عند الأديان والمذاهب والحضارات، إلا أن الاتفاق حاصل على أصل القضية وحقيقة الفكرة، والتي استفاضت أخبارها في التراث الديني السماوي بكافة مشاربه ونحله.
عندما نتعرف على المباني الفكرية والتكوين الثقافي للآخر حول مفهوم المخلّص والخلاص، وتسلط الأضواء على أوجه القواسم المشتركة، حينها سيكون الحوار إيجابياً وبناءً، وتشاع ثقافة احترام وتقبل رأي الآخر، وتقلل أوجه الخلاف والتعارض، وهذا منهج حضاري وإنساني.. ولكن للأسف نجد الواقع المعاصر للكثير من المستشرقين (قديماً وحديثاً) يقوم بقراءة خاطئة للعقيدة المهدوية - بناءً على دوافع مسبقة - فيحاول التشكيك بما هو متفق عليه ومشترك بين جميع الأديان والحضارات، ويصور إن المهدوية خاصة بالمسلمين (أو الشيعة فقط) ويشوه صورتها، أو النظر لها برؤية قاصرة.. وتفادياً وعلاجاً لذلك يتطلب منا استثمار القواسم المهدوية المشتركة والعمل على تقويتها، وضرورة تقديم المتفق عليه عند الحوار، وإزالة الجفوة والصورة السلبية، في سبيل جسر الهوة بين الثقافات والحضارات المختلفة.. فزبدة ما لدينا من القواسم المشتركة هو الأمل: الأمل في مستقبل أفضل وأكثر عدالة.
بكل تأكيد إن تفعيل القواسم المشتركة حول (المخلص / المهدوية) وسيلة إيجابية لتحقيق هدفين:
١ - أن نتعلم: إن هناك لغة حوار مشتركة حول الخلاص والمخلّص الموعود يمكن الاستفادة منها في سبيل تعريف مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) على حقيقتها ومكانتها العظيمة.
٢ - أن نمتلك: منهج معرفي سليم بناءً على القواسم المشتركة، فنرسم خارطة طريق تعريف المهدوية للآخر، ونمد جسور التعارف والتحاور وفق أسس استراتيجية فكرية واضحة.
من المسلمات إن كل نقاط الالتقاء والمشتركات العامة والقواسم الخاصة حول المخلّص أو المهدوية تدل على أصالة القضية وعالميتها، حيث يلتقي الدافع الديني مع التفكير الإنساني والضرورة الحضارية، مما يفتح المجال أمامها واسعاً للقبول والانتشار عند شعوب الحضارات الأخرى.
الخلاصة:
إن معظم الأمم والشعوب تؤمن بأن هناك شخصاً ما سوف يأتي في آخر الزمان ليصحح أوضاع البشرية وينصر المستضعفين ويقضي على الفساد والظلم والجور، وعلى هذا فاليهودية تؤمن بوجود ملك منقذ سيظهر آخر الزمان من (جبل صهيون)، والمسيحية تؤمن برجوع عيسى بن مريم آخر الزمان، وفي الإسلام فان عقيدة المصلح العالمي آخر الزمان (المهدوية) من البديهيات لدى معظم المسلمين.. وبسهولة نستطيع أن نجد تواتراً عجيباً لفكرة المخلّص أو المنقذ على امتداد التاريخ الإنساني في العديد من الأديان، وقد تبنت الكثير من الديانات فكرة المخلص وانتظار القائد الموعود في أدبياتها وكتبها المقدسة، بل خرجت الفكرة من الإطار الديني التقليدي واقتحمت الفكر الفلسفي البشري المادي، وإن ما يميز عقيدة المخلص ومفهوم الخلاص أنها تنطلق من منظور عالمي كلي شامل ولها ارتباط برؤية دينية، مما يوضح لنا جلياً إن المخلّص الموعود هو شخصية واحدة محددة مسبقاً، مرتبطة بالسماء واختير من قبل العناية الإلهية.
تأسيساً على ذلك لابد لنا ان ندرك أنه لا يمكن الحديث عن تعريف الاطروحة المهدوية الإمامية (الاثني عشرية) للأخرين (غير المسلمين) بدون إرساء أسس استراتيجية واضحة لذلك.. ومن أبسط هذه الأسس معرفة القواسم المشتركة ونقاط الالتقاء، وذلك من اجل دعم لغة الحوار وتسهيل مهمة التعريف، بصفته خياراً استراتيجياً ومفهوماً حضارياً، ومنهجاً يمكن من خلاله مناقشة القضايا الخلافية وتعزيز مسألة (المهدي المخلص).. من هنا جاء التخطيط الإلهي للعلاقة بين أفراد البشرية فكرياً، والتأكيد على الوحدة الحقيقية لمفهوم (المخلص المنتظر) وأنه شخص واحد مرتقب لدى الجميع، وذلك منطلقا من عناصر مهمة منها:
* الاتفاق على أصل ومبدأ ومفهوم فكرة (المخلّص) آخر الزمان بين جميع الأديان والحضارات، ووحدة جوهر الخطاب والنصوص السماوية.
* الاتفاق على ان المخلّص آخر الزمان وفي كل الأحوال والظروف شخص قائد واحد، معين من قبل السماء، وليس في النصوص إشارة إلى تعدده، إنما الاختلاف حول هويته والمصداق.
* الاتفاق على تفاصيل وخصوصيات ومميزات شخصية المخلّص مثل: الولادة في ظروف خطرة، والعناية الإلهية اثناء غيبته، بما يتوافق مع ابرز ما يميز الاطروحة الإمامية فقط.
* وحدة العلامات والأخبار قبل ظهور المهدي المخلص، مما يؤكد على دلالة لتخطيط شامل، والانبثاق من مصدر واحد (الوحي الإلهي).
* وحدة الغايات والأهداف والنتائج، والاتفاق من حيث الخاتمة في أنه الأمل بتحقيق مستقبل مشرق للإنسانية (عصر الحضارة المهدوية الفاضلة).
هذه القضايا الخمس، هي أساس الحوار والتعارف حول المنجي المنتظر آخر الزمان للوصول إلى الحقائق، ومنها إيضاح حقيقة ومكانة وعظمة مهدوية أهل البيت (عليهم السلام)، وهذا هو المضمون الموحد لنصوص الرسالات السماوية، والذي بشر به الأنبياء والرسل تلميحاً أو تصريحاً، وهو أيضاً جوهر فكرة المخلص عند الأديان والفلسفات كلها.
بكل تأكيد إن عقيدة المنقذ آخر الزمان موجودة ومترسخة كمَعْلَم واضح في الأديان السماوية ومن أبرز المشتركات، وإن اختلفت في المصداق، إلا أنها متفقة من حيث المبدأ والأصل، وكذلك من حيث الغاية والخاتمة، وأنه الأمل المنشود الذي سيطهر الأرض من الظلم والفساد.. وهذه التوافقات والخواص المشتركة يمكن ان تضيئ الكثير من تفاصيل وجوانب شخصية (الموعود) وتضعها في سياقها التاريخي الصحيح وتكشف عن الهوية الحقيقية.. علماً بأن هناك حقيقة جوهرية تؤكد عليها نقاط الالتقاء وهي: أن (المهدوية) بما تمتلك من رصيد كبير في وجدان الإنسانية، وزخم فكري وعقائدي في المعارف والعلوم الدينية، تختزن القدرة على التأثير الإيجابي النفسي والمعنوي في المجتمع البشري حالياً، وهذا يكشف لنا بوضوح مكانة القضية في فضاء الثقافة العالمية، وهو ما يستوجب الاستفادة من هذه التقاطعات التي اتفقت عليها الملل والنحل والحضارات كافة.. وهذا يستدعي تكوين رؤية فكرية عميقة ومنفتحة للتعامل مع التراث الديني السماوي، لاستخلاص كافة نقاط الالتقاء حول المخلص الموعود، وتكوين منطلقاً ثقافياً حضارياً عالمياً تلتقي عليه البشرية لإقامة شراكات عادلة وتواصل إيجابي للتعارف والتحاور، واستثمار تعدد الرؤى الفكرية المختلفة لإثراء الثقافة العالمية والتقاربات المجتمعية الإنسانية.. ومن الجدير بالذكر بأن المستخلص من القواسم المشتركة حول (المهدي المخلّص) يمكن به نقل الفكرة والمفهوم من الدائرة الخاصة الإسلامية إلى الساحة الثقافية العالمية والإنسانية الحضارية عموماً وبشكل إيجابي ومقبول.
من المؤكد إن هناك صفات مشتركة كثيرة ونقاط التقاء عديدة واتفاق فكري على قضية (المهدي المخلّص)، مما يُوجد لغة حوار مفتوحة، ويساهم في بلورة اساليب ومناهج لتحويل القضية المهدوية من خندق الخلاف إلى أرضية للتلاقي وعلى أساس وحدة المخلص الموعود ووحدة الغاية والهدف، وهذا من أهم العناصر المؤثرة في مشروع تعريف المهدوية للآخرين.. الاختلاف الفكري رحمة، والتنوع الثقافي فيه ثراء للعلوم والمعارف الإنسانية، ولكن الإرشاد السماوي واحد وثابت ولا يتناقض، والمهدوية كعقيدة سماوية وكمفهوم إنساني هي أحد القواسم المشتركة بين المجتمعات البشرية، وحتماً أن العدو الأساسي المشترك للقضية هو الجهل والخلاف والظلم والفساد.
إن فهم (المهدوية) فهماً إنسانياً حضارياً، وفي أطار مقاصدها الكبرى وغاياتها النبيلة، لهو المطلوب في عالم اليوم، ومن الاولويات المهمة في الحقبة التاريخية الحالية، مما يساعد على تأسيس بناءات فكرية وتراكمات معرفية ويساهم بشكل رئيسي وجوهري في مشروع تعريفها للآخر.. وتكريساً للحقيقة نقدم دعوة للعودة إلى المشتركات الفكرية بين الأديان والحضارات حول جوهر ومفهوم المخلّص، والتي تعكس الواقع الثقافي والفكري للأمم والشعوب، للسير في طريق التعارف والحوار وتشكيل الرأي العام العالمي بخصوص المهدوية، وتعزيز المنطق الإنساني السليم في إبراز نقاط الالتقاء وإيضاحها وبلورتها وإيصال (حقيقة مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) الناصعة) للآخرين كما هي في مضمون الأديان والرسالات السماوية.. وايضاً الدعوة للنهوض بالثقافة والمعارف المهدوية من الواقع الراهن نحو مواقع أسمى وآفاق أوسع، لتتماهى مع مهمة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) الذي تشمل البشرية كافة.

الفصل الثالث: المهدوية في الرؤية الاستشراقية

إن الاعتقاد بظهور المنقذ في آخر الزمان من الأمور التي ارسلها المسلمون ارسال المسلمات وكذلك الأمر عند اتباع سائر الديانات، الا أن مذهب الشيعة الاثنا عشري ينفرد بأنه جسد الأمنية الكبرى لجميع الأمم والأديان عبر اطروحة المنقذ والمخلص الإسلامي (الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله فرجه))، وتميز بانه بدل حالة الأمنية والأمر النظري إلى حالة واقعية موجودة بين الناس، وأنه رسم نهاية سعيدة ومشرقة لتاريخ البشرية.
إن القضية المهدوية من المواضيع التي أخضعها الاستشراق للدراسة والبحث، واصبحت عنصراً رئيسياً من عناصر التعاطي والتحليل في الميدان الفكري.. وقد سلك المستشرقون الذين بحثوا في القضية المهدوية، منهجاً يكاد لا يختلف عن دراستهم لعقائد وشخصيات إسلامية أخرى، من حيث الاهتمام بجوانب عدة تمحورت حول المهدوية مثل: أصل الفكرة، الولادة، الإمامة، الغيبة، الانتظار، الظهور، دولته، مستقبل البشرية، وغير ذلك من الامور، ويأتي في مقدمة الجوانب التي ركزوا عليها في كتاباتهم أصل الفكرة.
إن الغاية من بحثنا هذا القاء نظرة موجزة على رؤية المستشرقين بكافة اطيافهم وتوجهاتهم حول المهدوية الاسلامية وبالأخص مهدوية أهل البيت (عليهم السلام)، والتي تمثلها الاطروحة المهدوية الاثني عشرية، فضلاً عن معرفة المنهج الذي استخدمه المستشرقون في بحثهم لها، والآراء والمواقف الاستشراقية حولها.
الاستشراق ماله وما عليه (موجزاً):
إن بداية الاستشراق الجماعي كانت في القرن السادس عشر الميلادي، حيث أقبلت جموع من الغربيين على الدراسات الإسلامية، وفي القرنين السابع عشر والثامن عشر أخذ الاستشراق بالانتشار، واصبحت بعض المدن الاوربية مثل لندن وباريس من المراكز الرئيسية في تدريس الاستشراق، ثم توسع حتى اصبحت اكثر البلدان الاوربية في الوقت الراهن لديها مراكز ومعاهد خاصة بتدريس الاستشراق بكافة توجهاته واقسامه، فتكتب سنوياً مئات الابحاث والدراسات عن العالم الاسلامي بشكل عام والعقائد الشيعية بشكل خاص.
* تعريف الاستشراق(٥٥): هو دراسة كافة البنى الثقافية للشرق من وجهة نظر غربية، أو بمعنى آخر معرفة الإسلام وقضاياه من قبل غير المسلمين، منطلقاً من اهداف واغراض دينية أو سياسية أو علمية.
* دوافعه: يهتم بالبحث والدراسة عن الاسلام وقضاياه المختلفة، وله دوافع عديدة مثل الدافع الديني (التبشير) وكذلك الدافع السياسي أو الاقتصادي (الاستعمار)، والبعض له دوافع علمية بحته.. حيث يمكن اعتبار ان الاستشراق هو الجناح العلمي للاستعمار الغربي، يوظفه لخدمة اهدافه وتحقيق اغراضه.
إن هدف الاستشراق من البحث والدراسة في القضية المهدوية هو ان يتعرف بدقة إلى مكامن الضعف والقوة في الثقافة المهدوية الإسلامية لكي يستغل استنتاجاته ويستفيد منها، ويحقق دوافعه (التبشيرية أو الاستعمارية) عن طريق البحث في التناقضات والاختلافات بين اطروحات المذاهب المختلفة، وكذلك التشكيك في المهدوية للقضاء على الجوانب الإيجابية فيها.
* مراحله: يمكننا القول بأن الاستشراق مر بعدة محطات ومراحل، أولها فترة التبشير (الديني)، ثم انتقل إلى فترة الاستعمار (السياسي) والآن في فترة العولمة (المراكز البحثية بشتى توجهاتها وأهدافها)، وأصبح الآن لا يعتمد على الاشخاص فقط، وإنما أصبح مجموعة من المؤسسات ومراكز الابحاث والدراسات، والتي لها امتداد وتأثير مباشر على الاعلام والمؤسسات الاكاديمية وجميع مفاصل المجتمع الغربي.
* الاستشراق الجديد: النمط المعاصر للاستشراق قد انتقل من أن يعرض في بطون الكتب فقط، وأصبح يعرض بأشكال مختلفة، مثل افلام وصحافة وعقد مؤتمرات واصدار تقارير ووسائل أخرى، وتطور مع تطور وسائل الحياة الحديثة، كما ان الاستشراق الحديث ارتبط بطابع (مؤسسي) وتعلق إدارياً بأداء الدولة وتوجهاتها، وهناك قفزة جديدة تمثلت بدراسة الشرق الإسلامي بأقلام وأفكار ابناء المجتمع الاسلامي المتعاونين بشكل أو بآخر مع الغرب، فيكون تحقيق الأهداف الاستشراقية التي تريدها المؤسسات الغربية أقوى وأقرب للقبول.
لماذا القضية المهدوية؟
إن الأحداث السياسية المهمة التي شهدها دول العالم الإسلامي في القرن الأخير، قد أدت إلى إثارة اهتمام مؤسسات الهيمنة في الغرب، فسلطت الاضواء على عقائد الشيعة، فزاد اهتمام المستشرقين إلى التركيز على العقيدة المهدوية بشكل خاص، وتمثل ذلك بشكل بحوث ودراسات أو بشكل مؤتمرات وندوات، خصوصا في فترة الثورة الإسلامية في إيران.. وسبب اقدامهم على دراسة المهدوية بهذه الكثافة الكمية والنوعية، يرجع إلى أنهم وجدوا فيها: حركة متجددة فكرياً وحضارياً، وفاعلية إيجابية مؤثرة على المجتمعات الإسلامية، وبالخصوص أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
إن المؤسسات السياسية للاستعمار الجديد بشتى أشكاله، قد توجست من التحولات السياسية الكبرى في العالم الإسلامي، فدفعت بعدد من المستشرقين إلى بحث ودراسة الجوانب الفقهية والفلسفية والفكرية (للمدرسة الإمامية)، وبعد التمعن والتدقيق في دراسة المجتمع الإسلامي، وجدوا أن هناك نشاطاً ثقافياً تجديديا في الاوساط الشيعية، وانتعاشاً فكرياً في القضية المهدوية، وتأكدت هذه التحولات الفكرية بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حيث ارتبطت الثقافة المهدوية بالواقع (المرتبط بالحياة السياسية والفكرية) وبشكل حيوي وفعال، ومن موقع التأثير عليه، مما أدى إلى انتشار المعارف المهدوية في المجتمعات الإسلامية كماً وكيفاً بشكل لم يسبق له مثيل.. وفي الواقع فإن هذه الخصوصية للثقافة المهدوية قد أكد عليها بعض المستشرقين وافترضوا أن هذه التحولات الفكرية هو عامل مساعد على التطور والتغيير السياسي، وأن العقيدة المهدوية المتجذرة في نفوس وعقول الشيعة تلبي احتياجات العصر حاضراً ومستقبلاً، وتعطي المجتمع الشيعي الدافعية للتغيير والنهوض.. يقول الهولندي فان فلوتن: (أما نحن معشر الغربيين فقد استرعت عقيدة المهدي (والمهدي المنتظر بوجه خاص) أنظار المستشرقين منا، لما كان لها من الأثر في سياسة الشرق حتى اليوم)(٥٦).
إن هذه التحولات التي حدثت في العالم الإسلامي (الشيعي) كثير منها مرتبط برجال دين (نواب للإمام الغائب)، مما دفع الكثير من المستشرقين إلى القول بأن تاريخ الحركة الشيعية قد مر بمرحلتين(٥٧):
المرحلة الأولى: منذ استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) وامتدت إلى بعد عصر الغيبة الكبرى للإمام المهدي.. وشخصوا الحركة الشيعية فيها بالمسالمة والمهادنة او السلبية في موقفها - وهو تشخيص غير دقيق، ولا يقترب من الواقع-.
المرحلة الثانية: يشير المستشرقون فيها إلى ما حققته الثورة الإسلامية في إيران من رسم خط فاصل في الحركة الشيعية بين حال الهدوء واللافعالية والمعارضة السلمية إلى حال الثورة المسلحة والاطاحة بالسلطة المستبدة.
نستطيع القول: إن المؤسسات السياسية في الغرب ومن خلال مراقبة المجتمعات الإسلامية والتحولات والتطورات الفكرية فيها تحفزت إلى ضرورة التعرف على العقيدة التي هزت وسببت هذه التغيرات السياسية في المنطقة.. عندئذٍ نهضت همم المستشرقين إلى إجراء دراسات حول العقائد الشيعية كافة، والتركيز بشكل خاص على العقيدة المهدوية، ورافق نشاط الباحثين جهود مساندة كبيرة هدفها مواصلة هذا النشاط والابقاء عليه فاعلاً، طالما ظلت المؤسسة السياسية محتاجة إليه وإلى ما تتوصل إليه من نتائج.
في المرحلة التاريخية الحالية، تولدت حاجة ملحة لدراسة المهدوية، والتي هي انعكاس مباشر للقلق والخوف لديهم، والتي زادت حدتها في الآونة الأخيرة من التطورات المفصلية التي فرضتها التغيرات السياسية وعلى ضوء التحولات الفكرية والثقافية الجديدة.. وهذه الأسباب وغيرها تفسر منحى التصاعد الحاصل في الدراسات الاستشراقية حول المهدوية وقضاياها، فازدياد الاهتمام بدراستها على مستوى الكم والنوع تعبير عن مدى الحيز التي أخذت تشغله في مجال الدراسات الاستراتيجية أو العلوم الاجتماعية السياسية، ونتيجة للتحولات الفكرية والسياسية في العالم الإسلامي وبواعث هذه التغيرات.
لقد أخذ المستشرقون المواجهة مع المهدوية إلى ساحة جديدة (الحرب الثقافية والفكرية)، وهي من أخطر الميادين التي ولجوها قديماً وحديثاً، والتي عملت على تزييف الحقائق وتشويهها.. وبدأت كتابات المستشرقين تتآزر لتكون في مجموعها سداً أمام انتشار المعارف المهدوية الحقيقية، فدراسات كثيرة كتبت ومقالات عديدة انتشرت جلها يركز على تشويه وتقويض المهدوية بمختلف الأساليب، وقد حاول المستشرقون ضرب العقيدة المهدوية وبث الشكوك حولها، والزعم بأنها ليست إسلامية اصيلة بل مقتبسة من ديانات سابقة وغيرها من الافتراءات، وتكمن خطورة هذه الدراسات في أنها أضحت المرجع لكثير من وسائل الاعلام ومراكز البحوث والطلبة في الجامعات الغربية، مما يشكل رأي عام في الغرب كاره ومبغض للمهدوية، نتيجة للصورة المشوهة والمستفزة.
لاشك ان هناك اسباب حقيقية ورئيسية وراء هذا الاهتمام المتزايد بالقضية المهدوية في العصر الحديث من قبل مؤسسات الهيمنة الغربية تتمثل في:
١ - المزايا العديدة التي تتحلى به العقيدة المهدوية وخاصة من الجانب الفكري والحركي (الديناميكية)، وهذه المزايا فاعلة ومؤثرة على الواقع الانساني.. ولهدف القضاء على هذه الايجابية والفاعلية عند المؤمنين بالمهدوية، وقتل نفسية الأمل وروحية الانتظار، تتوسل مؤسسات الهيمنة الغربية بحروب ناعمة (فكرية وثقافية) لتقويض أمر المهدوية ودحض ثقافتها، وتغليف دوافعها وأهدافها التبشيرية والاستعمارية بدراسات وبحوث على أساس أنها علمية.
٢ - احتواء الشعوب الغربية وتنفيرها من التأثر بالمهدوية - من وجهة نظرهم تحصين المجتمع الغربي -، وخوفاً على الانسان الغربي عندما تعرض عليه حقيقة مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) عرضاً موضوعياً ومنطقياً وحضارياً، فأنه سوف يتقبلها ويؤمن بها وسيفتح لها عقله وقلبه، ويجد أنها تحقق آماله وأمنياته الكبرى.. وما تزايد انتشار الكتابات الموجهة للمجتمع الغربي والمشوهة لصورة المهدوية إلا دليلاً على ذلك.
٣ - خوفهم من المهدوية مستقبلاً، وإدراكهم للمصير الأسود الذي ينتظرهم، حيث أن مصالحهم تتضارب مع مبادئ العدل والقسط الإلهي الذي سيطبقها الإمام (عجّل الله فرجه).. هذا العامل والسبب يثير كافة الإشكالات ويمثل أهم التحديات، فمؤسسات الهيمنة الغربية تمارس دور صراع الحضارات ومعارضة الثقافات، وهذه مشكلة قديمة أزلية حيث الصراع بين الحق والباطل أو الخير والشر.
إن المسألة الحقيقية وراء محاربتهم وتشويههم للمهدوية أوسع بكثير، أنه صراع ضد العقيدة الإسلامية، وأنه أحدى جبهات المستعمر المفتوحة، وهو مجابهة وتحدي فكري وثقافي وأيديولوجي في كثير من جوانبه، وهو أكثر خطراً من التحدي السياسي والعسكري.. وللأسف قد تأثر بدراساتهم وآراءهم بعض الباحثين المسلمين، لذلك يحق لنا التساؤل عن أسباب اهتمامهم المتزايد لدراسة العقيدة المهدوية، وهل دراساتهم قصدوا بها العلم والمعرفة؟ أم كانت لهم أهداف وأغراض أخرى.
دراسات المستشرقين للعقيدة المهدوية:
إن دراسة الإسلام وسيرة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والقرآن الكريم وأهل البيت (عليهم السلام) كان جزءاً من اهتمامات المستشرقين بشكل عام، إلا أن جمعاً كبيراً منهم قد ركزوا أبحاثهم ودراساتهم على معرفة العقيدة المهدوية ونقاط القوة والضعف فيها، وبحثوا عن المواطن التي تشكل بؤرة تهديد أو خطر عليهم، وتناولوا جميع جوانبها بالدراسة والنقد والتحليل وتوصلوا لنتائج بشأنها.. سنستعرض بعضا (٥٨) من هذه الدراسات لنتعرف على مدى جديتهم واهتمامهم بهذه القضية، من خلال استقراء جزئي لكتابات المستشرقين.. علماً بأن بعض الكتب انفردت للحديث والبحث عن المهدوية بشكل خاص، والبعض الآخر كان الحديث عن المهدوية يشكل جزءاً من كتاب يتناول العقائد الاسلامية بشكل عام أو عقائد الشيعة والتشيع بشكل خاص:
١ - بعض من دراسات المستشرقين الاوربيين:
* كتاب: (السيطرة العربية، والتشيّع والمعتقدات (المهدية) في ظل خلافة بني أمية)(٥٩) للمستشرق الهولندي ج. فان فلوتن (١٨٦٦ - ١٩٠٣م)، صدر الكتاب باللغة الفرنسية عام ١٨٩٤م وطبع في أمستردام، وترجم مرتين إلى اللغة العربية، فكانت الترجمة الأولى لـ (د. حسن إبراهيم حسن ومحمد زكي ابراهيم) وطبع في القاهرة عام ١٩٣٤م وهو بعنوان (السيادة العربية والشيعة والاسرائيليات في عهد بني أمية)، فيما كانت الترجمة الثانية لـ (د. إبراهيم بيضون) وطبع في بيروت عام ١٩٩٦م وهو بعنوان (السيطرة العربية و....). ويتكلم الكتاب عن الشيعة والتاريخ السياسي في عهد الدولة الاموية، وقد أفرد المؤلف باباً مطولاً عن عقائد الشيعة (الباب الثاني)، وأفرد باباً (الثالث) للعقائد غير الإسلامية التي أخذها المسلمون عن المسيحية واليهودية والفارسية القديمة تحت عنوان الاسرائيليات(٦٠)، وأفاض المؤلف في هذا الباب بالحديث عن عقيدة المهدي وأثرها في سقوط الدولة الاموية، واعتبر عقيدة (انتظار المخلص) أحد اسرار انتصار العباسيين على الامويين.
* كتاب: (عقيدة الشيعة)(٦١) للمستشرق البريطاني دوايت دونالدسن (١٨٨٤ - ١٩٧٦م) والذي عاش في إيران ١٦ سنة، وصدر الكتاب باللغة الانجليزية عام ١٩٣٣م وطبع في لندن، وترجم إلى اللغة العربية وطبع في القاهرة عام ١٩٤٦م، وهو يعد من الدراسات الاستشراقية المبكرة الشاملة عن كل الأئمة الاثني عشر (عليه السلام)، والكتاب مكون من ٤١٩ صفحة ويحتوي على ٣٣ باب، والمؤلف قد عدّ قسماً من هذه الدراسة في بادئ الأمر كأطروحة لنيل درجة الدكتوراه، ولذا نجد منهج الكتاب يغلب عليه الطابع العلمي، وقد كتب البحث هذا لسد فراغ كان يراه المؤلف في معلومات الغرب والغربيين تجاه الشيعة والتشيع، كما صرح بذلك في مقدمة الكتاب، وقد صدر الكتاب في نفس الفترة الزمنية التي كانت بريطانيا قد بسطت سلطتها الاستعمارية على العراق وإيران، مما يعني ان هناك دوافع سياسية وعلمية وراءه، حتى يتسنى لبريطانيا التعامل مع المشرب الفكري لهذه الطائفة الإسلامية.. وقد أفرد المؤلف ثلاثة ابواب (٢١ و٢٢ و٢٣) تكلم فيها عن العقيدة المهدوية الشيعية، حيث خصص عن الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) فصلاً بعنوان (الإمام الغائب)، واعقبه بفصل عن (سامراء مدينة آخر الأئمة)، كذلك خصص فصلاً عن السفارة بعنوان (الوكلاء الأربعة للإمام الغائب)، وتطرق المؤلف إلى اختلاف المذاهب في المهدي وأشار إلى ولادة الإمام والغيبة والسرداب والرجعة والدجال ونزول المسيح.. ومن يقرأ الكتاب يجد به مزاعم وأخطاء كثيرة، حيث يشكك بأصل فكرة المهدوية الإسلامية، وكذلك يقدح في الاطروحة المهدوية الامامية حيث أوعز فكرة المهدوية إلى فشل الشيعة واضطهاد الاعداء لهم(٦٢)، وصاغ كل ذلك بأسلوب مغلف بقالب البحث العلمي المحايد، مما يثبت أن هناك خلل في الامانة العلمية.
* كتاب: (المهدوية في الإسلام)(٦٣) للمستشرق الالماني ارنست موللر (١٨٤٨ - ١٩١٦م) والذي طبع عام ١٩٠١م، وقبل ذلك أنجز موللر عملاً رائداً وذلك بترجمته وطبعة كتاباً مهدوياً مهماً إلى اللغة الالمانية، والذي يعد من أمهات الكتب الشيعية في القضية المهدوية، وهو الكتاب الذي صنفه ابن بابويه القمي المعروف بالصدوق (٣٨١ هـ، ٩٩١م) وعنوانه (كمال الدين وتمام النعمة)(٦٤) واختار عنواناً للكتاب يتضمن (كتاب حول نظرية الإمام المهدي)، ومن هذا المنطلق تعد هذه الترجمة عملاً مهماً من الناحية التاريخية للدراسات الاستشراقية اللاحقة.
* كتاب: (دراسات إسلامية) للمستشرق اليهودي إجناس جولدتسيهر(٦٥) (١٨٥٠ - ١٩٢١م) المجري الذي دأب على الكتابة باللغة الالمانية، ومن محرري دائرة المعارف الإسلامية، يقع الكتاب في مجلدين وقد تم نشرهما في الأصل باللغة الالمانية في ١٨٨٩ - ١٨٩٠، ومن المواضيع التي ناقشها (الشيعة الإمامية وعقائدهم)، وتطرق فيه إلى الجدل الشيعي السني، وصارت هذه الدراسة معتمدة من المستشرقين الاخرين، وقد كتب فيها بحثاً عن الأثر الفارسي القديم على العقائد الشيعية ومنها عقيدة المهدي المنتظر.. وكذلك لهذا المستشرق كتاب حول الفقه الشيعي ضمنه معلومات عن فلسفة الإمام عند الشيعة وطبيعة الإمام المهدي، وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللغة الانجليزية عام ١٩٨٠م بعنوان (مدخل إلى الفقه والشريعة الإسلامية)، وترجم إلى العربية بعنوان (العقيدة والشريعة في الإسلام)(٦٦)، وبالإضافة إلى تلك الدراسات فأنه كتب بحثاً آخر عن العناصر الأفلاطونية المحدثة، وتطرق فيه إلى الاحاديث المتعلقة بظهور الإمام المهدي وذلك بهدف اظهار أثر الأسفار اليهودية في القضية المهدوية.
* كتاب: (السفراء الأربعة للإمام الثاني عشر في الفترة التكوينية للشيعة الاثني عشرية)(٦٧) للمستشرقة الألمانية فيرينا كليم (معاصرة، مواليد ١٩٥٦م)، وهو من الدراسات الاستشراقية المهمة، وقد نشر عام ١٩٨٤م باللغة الالمانية، وهو بحث في موضوع الإمام المهدي، وتطرقت المؤلفة فيه حول نشاطات السفراء الأربعة، ووقفت على تفسير معنى النائب والسفير، واعتبرت أنه يعكس أمراً في فترة الغيبة الكبرى: وهو وقوع أزمة أو حدوث اضطراب (بمعنى حيرة) بين صفوف الشيعة الإمامية بعد وفاة الإمام العسكري (عليه السلام).. ثم أثارت الشكوك حول ولادة الإمام الثاني عشر (عجّل الله فرجه) عن طريق طرح الاسئلة - وهو الأمر الذي يتكرر في كتابات المستشرقين دائماً - وأستمر البحث حول سيرة وحياة السفراء الأربعة، وفي ختام البحث أثارت الكاتبة عدة اسئلة عن الغيبة وأمدها، وهل أن الإمامة مستمرة دون انقطاع أو أن الإمام المهدي بن الحسن العسكري هو الأخير؟.. وقد قام المستشرق الإسرائيلي كوهلبرغ بترجمة الدراسة إلى اللغة الانجليزية وطبعها في انجلترا عام ٢٠٠٣م.
* هناك دراسة لمؤلف مسلم: د. جواد علي (١٩٠٧ - ١٩٨٧م) من الكاظمية - العراق، بعنوان (المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشرية)(٦٨) وهي عبارة عن اطروحته للدكتوراه عام ١٩٣٩م والتي قدمها باللغة الالمانية لجامعة هامبورغ بألمانيا، وقد ترجمت رسالة الدكتوراه إلى العربية عام ٢٠٠٥م.. علماً بأن د. جواد علي الكاظمي غير مستشرق، ولكننا حبذنا ذكرها هنا في اشارة إلى تأثير الفكر الاستشراقي على طلبة الشرق المبتعثين في الغرب(٦٩) لمتابعة هذا الموضوع المهم عند الشيعة.
٢ - بعض من دراسات المستشرقين الامريكان:
ونحن في صدد الحديث عن الاستشراق الامريكي لابد أن نعرف: أن الاستشراق في الولايات المتحدة يعد أصغر عمراً من الاستشراق الاوربي، ولكن الحركة الاستشراقية الامريكية تختلف في طبيعتها وفلسفتها عن المدارس الاوربية باختلاف ادواتها وتوسع وتعدد اهدافها السياسية والاقتصادية، تبعاً لتوجهات وسياسات دولتها، علماً بأن الاستشراق الامريكي معتمد بشكل اساسي على مساعدة المستشرقين الاوربيين الذين وفدوا على القارة الجديدة.. والواقع أن الابحاث الامريكية بخصوص المهدوية تعتمد بشكل كبير على أفكار ورؤى جيل المستشرقين القدامى، ولذا نلاحظ عند المستشرقين الامريكان الأوائل تكرار آراء الاستشراق الاوربي وإعادتها باستمرار ومن دون أي تجديد أو تطوير، أما في السنوات الأخيرة فتغيرت الادوات والأساليب، ويمكن ملاحظة ذلك من الاتي:
* كتاب: (بدون نسيان الإمام)(٧٠) للكاتبة الأمريكية لندا وولبردج (معاصرة، مواليد ١٩٤٦م)، من الدراسات الاستشراقية ذائعة الصيت، نشر عام ١٩٩٦م في امريكا، وقد تكرر إعادة طبعة ١٢ مرة بين عامي ١٩٩٦م - ١٩٩٧م، وترجم إلى اللغة التركية، وصدر للكتاب عدة طبعات لاحقة.. وقد تطرقت المؤلفة في الكتاب إلى غيبة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وتقول: أنها لا تمتلك معلومات عن حياته، وما هو موجود فعلاً من معلومات غير مفهومة تماماً بالنسبة إليها، وتشير إلى ان بعض الباحثين قد شكك في ولادته، لكنها عقّبت على ذلك بقولها: إن المؤلفين الشيعة متفقون على ولادته وغيبته وأنه سيظهر في اليوم الموعود، وأشارت إلى سفراء الإمام الغائب، واستنتجت بعد ذلك أن غيبة الإمام قد جعلت زعماء الدين الشيعة في الغالب في صراع مباشر مع السلطة التي يرونها مغتصبة، واستولت على الحق الشرعي (٧١).
كذلك حققت المستشرقة لندا وولبردج سنة ٢٠٠١م كتاباً جامعاً بعنوان (علماء الشيعة الأكثر تعليماً: مؤسسة مرجع التقليد)(٧٢).. بحث في هذا الكتاب عن طبيعة القيادة السياسية والدينية للشيعة، وقسم فصول الكتاب إلى مجموعة متنوعة من الفترات التاريخية الحساسة بالنسبة للشيعة - من العصور الوسطى إلى الحديثة - وذلك للكشف عن العوامل الاجتماعية والسياسية والعقائدية التي كان لها تأثير في تطوير القيادة الشيعية، طبع الكتاب في مطبعة جامعة اكسفورد ويحتوي على أربعة عشر فصلاً، أحدها بقلم: شاهزاد بشير بعنوان: عودة الإمام الغائب: والقيادة المهدوية عند الشيعة في العصور الوسطى المتأخرة(٧٣).
* كان للموسوعات الاكاديمية العامة ودوائر المعارف الامريكية اهتمام كثير بالمهدوية، تمثلت بكونها تضم بحوثاً ومقالات لعدد من المستشرقين تناولوا فيها مواضيع تتعلق بالقضية المهدوية، ومن أهم هذه الموسوعات: الموسوعة الامريكية (The Encyclopedia Americana)، الموسوعة الكاثوليكية الامريكية (The New Catholic Encyclopedia)، دائرة المعارف الإسلامية (New Edition Encyclopedia of Islam).. وتحتوي هذه الموسوعات على مقالات عديدة ومواضيع مختلفة عن (المهدوية) اسفل كل عنوان أو فقرة أو لفظة مثل: المهدي (Al-Mahdi)، الغيبة (Ghayba)، الشيعة (Shiites)، الجفر (Djafr)، المخلص (Messianism)، التشيع (Shiism)، الفرق الإسلامية (Moslem Sects) وغيرها.. ومما لاشك فيه ان المستشرقين الامريكان اهتموا بالمهدوية كتابةً وبحثاً وترجمةً ونشراً منذ جيل المستشرقين القدامى.
* تقارير متنوعة وندوات متخصصة في اطار المهدوية، وبطلب وتنسيق من دوائر في الشأن السياسي الامريكي، فقد أصدرت جملة من التقارير وأقيمت مجموعة من الندوات بهذا الخصوص، فمثلاً:
- في عام ٢٠٠٠م قدم تقرير إلى وزارتي الخارجية والدفاع بعنوان (الإسلام السني والإسلام الشيعي)، يشمل التقرير على التوزيع الديموغرافي للشيعة والسنة وإحصاء لنسبهم، والاختلافات العقائدية بينهم، ووقف التقرير على عقيدة المهدي المنتظر كعنصر من عناصر الاختلاف بين المذهبين، وكانت الفترة التي قدم فيها التقرير مهمة للغاية، خلال أزمة الخليج الثانية وبعد الانتفاضة الشيعية في العراق.
- إن مركز الدراسات في جامعة كولومبيا الامريكية أقام مؤتمر عام ١٩٩١م لأيام عديدة بعنوان (المخلص والألفية في الإسلام)(٧٤)، واشتمل المؤتمر على بحث ودراسة: صعود الحركات الإسلامية السياسية في النصف الثاني من القرن العشرين، وتطرق إلى أهمية (مفهوم المهدي في الإسلام) بشكل عام وعند الشيعة بشكل خاص، وأن المهدوية تحتاج إلى دراسة وبحث من أجل إيضاح العقائد الأساسية للحركات الإسلامية المسلحة سواء السنية أو الشيعية، وتمت مناقشة قضايا عديدة في المؤتمر مثل: المعنى العام للمهدي في الاسلام، والمهدي في الإسلام السني، والمهدي عند الشيعية، وغيبة المهدي، سفراء المهدي ونوابه، وغير ذلك من قضايا.. وهذا المؤتمر مؤشر واضح للأهمية التي توليها الجهات الاكاديمية والسياسية الامريكية للعقيدة المهدوية.
* تطور جديد وخطير في الدراسات الاستشراقية، حيث بدأت تظهر في السنوات الأخيرة بعض من الروايات والقصص الأدبية الامريكية، وأخذت تشق طريقها إلى الساحة الثقافية (الغربية) متخذة من المهدوية عنوان وموضوع لها وبأسلوب قصصي، فتسهل حينها عملية تمرير الأفكار عبر هذه الاعمال الروائية، حيث يستطيع الكاتب التحكم في شخصيات وأحداث روايته، فيعمد إلى تشويه صورة المهدوية عبر خلق عناصر قبول الأفكار وترويجها، وذلك بإيجاد الشخصيات الملائمة والأحداث المناسبة، وصناعة بيئة صالحة للتأثير على القارئ..، وهذا تحوير جذري في الكتابات الاستشراقية لمحاربة المهدوية وبأسلوب خبيث ومؤثر على الشعوب الغربية، نشير إلى نموذجين فقط من هذه الروايات:
- رواية: (المهدي)(٧٥)، قصة ادبية من عالم الجاسوسية والمخابرات، صدرت الطبعة الأولى في يناير ١٩٨٢م وتكرر إعادة طبع الرواية عدة مرات، وهي تتكون من ٢٩٧ صفحة، للكاتب ايه. جي. كونيل، وهذا اسم مستعار لعميل مخابرات حقيقي اسمه: فيليب نيكلسون Philip Nicholson، قصة مخابرات خيالية تستغل وتتلاعب بالاعتقاد الإسلامي (المهدوية)، حيث تدور أحداث الرواية: في معمعة صراع ومؤامرات بين الاستخبارات الدولية للسيطرة على العالم العربي بأكمله، ثم صدر الأمر من الجهات الاستخبارية العليا بابتكار واختراع شخصية (المهدي) في منزل قائد أحدى البعثات الاستخبارية، قبل خروجه إلى المجتمع والشارع العربي.. اسلوب جدلي وخبيث لتشويه صورة المهدوية عند الشعوب الغربية، وهي فكرة كتبت بأيد مخابراتية بحته.
- رواية: (إمام الزمان: قصة من الماضي إلى الحاضر)(٧٦)، صدرت الطبعة الأولى للرواية في يناير ٢٠١٨ م، وهي تتكون من ٣٧٤ صفحة، للكاتب إف. دبليو. بورلي(٧٧) (اسم مستعار - معاصر)، تدور أحداث الرواية: مظاهرات في شوارع طهران، وبطل القصة (احمد) جزء من القوة العسكرية المرسلة لسحق المتظاهرين، يتعرض الناس للضرب الوحشي، وامرأة قريبة منه تموت على الرصيف، يترك الساحة وهو يصرخ (إين إمام الزمان)، ويتمنى ان يتعرف على الإسلام الأصيل، يذهب إلى منزله وفي المنام يتخيل أنه في مكة في القرن السابع الميلادي، فيشاهد الفظائع ترتكب بالسيف، ينهار إيمان احمد، وعندما يستيقظ يتحدث إلى اصدقاءه بما رأى، فيجلب له غضب حكام إيران من رجال الدين، فيتخيل الأحداث المروعة التي ستحدث بعد ظهور المهدي.. قصة خيالية مؤسفة تستغل الأحداث السياسية الحالية، وتهدف لتشويه الإسلام وصورة النبي الاكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وصورة إمام الزمان (عجّل الله فرجه).
هناك العديد من الروايات في هذا الشأن صدرت حديثاً، ترسم المهدوية بصورة مشوهة، وتستغل حب الشعوب الغربية لقراءة الروايات في الاماكن العامة والاستفادة من اوقات الفراغ للترويج لأفكارهم ورؤاهم حول المهدوية.. وللأسف الشديد لقد سبقنا الأعداء في هذا المضمار، فنحن لا يوجد لدينا حالياً في المكتبة العربية والإسلامية ولا رواية ادبية واحدة تتحدث عن الإمام المهدي (عليه السلام)، تحببه إلى الناس، وتزرع الشوق في نفوسهم، وتشجعهم على الولاء له.
* كتاب: (نهاية الزمان وسر المهدي: مفاتيح غموض الوحي والدجال)(٧٨)، للكاتب مايكل يوسف(٧٩) (معاصر)، نشر في فبراير ٢٠١٦م في الولايات المتحدة، وفيه يدرس الأحداث الحالية في ضوء نبوءات نهايات التاريخ البشري، وفي الكتاب يحاول المؤلف ايجاد التشابه بين الدجال ومهدي الإسلام، ويتطرق إلى كثير من الأحداث التي تؤدي إلى نهاية الزمان مثل: التحرك نحو حكومة عالمية واحدة، وصعود حركة داعش، ورؤى ومواقف حول احداث تقع قبل القيامة العظيمة.. وبالرغم من أن الكتاب يتعامل مع الأحداث المستقبلية، إلا أنه يتعلق بالحاضر ويشجع القراء على أتخاذ موقف محدد تجاه ذلك.
٣ - بعض من دراسات المستشرقين الإسرائيليين:
ونحن في صدد الحديث عن الاستشراق الاسرائيلي لابد ان نتذكر بأنه يمثل المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل تطور (المدرسة اليهودية في الاستشراق(٨٠))، والتي تبدأ بالاستشراق اليهودي العام، ثم الاستشراق الصهيوني، وأخيرا الاستشراق الاسرائيلي(٨١).. علماً بان المستشرقين الاسرائيليين لا يتفقون في آرائهم ومواقفهم من الإسلام والحضارة الإسلامية مع المستشرقين اليهود القدامى، حيث تتطلع سياسة الاستشراق الاسرائيلي إلى اظهار الدين الإسلامي والمسلمين بالتعسف ضد أتباع الديانات الأخرى، وأنهم مارسوا عملية اضطهاد ضد اليهود على مر التاريخ الإسلامي.
بشكل عام أن معظم توجهات وأهداف الدراسات الاستشراقية الإسرائيلية تصب لصالح السياسات الحكومية الاسرائيلية، حيث يحاول ان يقدم كمّا معرفيا ومعلوماتيا هائلا عن المسلمين والشيعة.. وقد تميز الاستشراق الإسرائيلي عن غيره في اهتماماته، حيث يشير إيتان كوهلبرغ إلى: (إن الدراسات عن التشيع الإثني عشري ظلت بطيئة ومحدودة عند المستشرقين حتى نهاية السبعينات، فلم يحتل حيزاً مركزياً ومهماً في الدراسات الإسلامية عامة، حتى الثورة الإسلامية في إيران، عندها بدأ الاهتمام - بشكل ملحوظ - بالدراسات عن التشيع الإمامي الاثني عشري)(٨٢)، وهي ملاحظة حقيقية تنطبق بصورة واضحة على توجه الدراسات في الاستشراق الاسرائيلي.
* المستشرق الاسرائيلي إيتان كوهلبرغ(٨٣) (معاصر) كتب عدة بحوث عن التشيع وعقائد الإمامية، وفي عام ١٩٨٠م نشر بحثاً يتناول فيه موضوع الإمام المهدي (عليه السلام) بعنوان (بعض وجهات النظر الشيعية في مسألة سرمدية أو أسبقية العالم)، ونشط أيضاً في نهاية التسعينات في دراسة أمور تتعلق بالغيبة وبالإمام المهدي (عجّل الله فرجه) منها بحثه (الإمام والمجتمع في فترة ما قبل الغيبة) نشره عام ١٩٨٨م، وفي عام ١٩٩١م نشر كتاب (عقائد وفقه الشيعة الإمامية)(٨٤) يشمل على معظم أبحاثه الذي كتبها منذ عام ١٩٧٥م وحتى عام ١٩٨٨م، درس فيه بأسلوب تحليلي مناهج البحث العلمي للرواية الشيعية وروايات غيبة الإمام (عجّل الله فرجه).. هذا المستشرق يستخدم أسلوب مثير للجدل في تعامله مع التراث الشيعي، ولاسيما عند تعاطيه مع المعتقدات الاساسية للشيعة، من قبيل الإمامة وعدد الأئمة وعصر الغيبة، ففي المقدمة التي دونها في كتاب (التشيع) ادّعى أن مسألتي الإمامة وغيبة الإمام الثاني عشر مقتبستان من أفكار أخرى مخالفة للتشيع كالكيسانية، وبالتالي قام بدراسة وتحليل روايات الشيعة على هذا الأساس، وقال: (استناداً إلى ذلك فإن أول عقيدة للفرقة الكيسانية تؤكد على أن الإمام هو ابن الحنفية وأنه لم يمت، بل هو غائب وسيظهر مرة أخرى باسم المهدي، ونلاحظ أن الشيعة قد طبقوا هذه العقيدة فيما بعد على الإمام الثاني عشر)(٨٥)، إذن يرى هذا المستشرق أن منشأ الفكرة المهدوية في التشيع مقتبسة ويرجع إلى عوامل عديدة، ويزعم بان معتقدات الإمامية مبتدعة ولاسيما في مجال الإمام الثاني عشر.
 المستشرق الاسرائيلي مارتن كريمر(٨٦) (معاصر)، يعد من الكتاب المعروفين في مجال الدراسات الاسلامية ومتخصص في التاريخ السياسي للإسلام، له دراسات عديدة منها: كتاب بعنوان (الإسلام السياسي) طبع عام ١٩٨٠م، وبحث بعنوان (المذهب الشيعي: مقاومة وثورة) طبع في تل أبيب عام ١٩٨٧م،، وكتاب آخر (اليقظة العربية والبعث الاسلامي) المطبوع عام ١٩٩٦م، وكتاب (الحرب الخاطئة: اسرائيل والإسلام والشرق الأوسط) طبع عام ٢٠١٦م، وفي معظم دراساته يتطرق للعقيدة المهدوية كإحدى المعتقدات المهمة عند الشيعة الإمامية، ويحاود دائماً التأكيد على البعد اليهودي للمهدوية.
* المستشرق اليهودي البروفسور برنارد لويس (١٩١٦م - ٢٠١٨م) ولد في لندن، وهو امريكي من أصل يهودي انجليزي، قال عنه المؤرخ الأمريكي جول بنين من جامعة ستانفورد والمختص بدراسات الشرق الأوسط بأنه (لربما أكثر مناصري الصهيونية المتعلمين ذوي اللسان المبين في الأوساط الأكاديمية المعنية بالدراسات الشرق الأوسطية على قارة أمريكا الشمالية)(٨٧)، له دراسات عديدة منها بحث بعنوان (الشيعة في التاريخ الإسلامي) طبع عام ١٩٨٥م، يدرس فيه الحركة الشيعية في فترة نموها وظهورها، وتطرق فيه إلى القضية المهدوية وأهميتها عند الشيعة.
* المستشرق الاسرائيلي جوزيف ألياش(٨٨)، كتب بحوث عديدة عن عقائد الشيعة، واطروحته لنيل درجة الدكتوراه بعنوان (علي بن أبي طالب في العقيدة الاثني عشرية)(٨٩)، وفي عام ١٩٦٩م نشر بحثاً يتناول فيه موضوع الإمام المهدي (عليه السلام) بعنوان (نظرية الفقه عند الاثني عشرية والولاية السياسية والشرعية)(٩٠) وهي دراسة عن دور المجتهد عند الشيعة الإمامية، وفيها يقول: ان الشيعة بعد الغيبة لا يجوّزون تمثيل الولاية والسلطة إلى الفقهاء، وأنهم ينظرون إلى المجتهد بدرجة أكبر من مجرد كونه مكلف في الاحكام الشرعية وتطبيقاتها، كذلك فانهم لا يميلون إلى الاعتقاد بأن المجتهد له الصلاحية المطلقة في تمثيل مهام الإمام بعد الغيبة الكبرى، وهناك ما يعرف بالمجتهد المطلق، وينظر إليه كأنه متحدث باسم الإمام الغائب.. ويحتل الفقهاء الشيعة مكانة تختلف كثيراً عن مكانة الفقهاء عند السنة، حيث إن الفقهاء (المجتهدون) في الفكر الشيعي هم حفظة العقيدة خلال مدة غياب الإمام المهدي، في حين يعتبر العلماء عند السنة شخصيات تابعة للسلطة.. ويعد هذا البحث من الدراسات التي اعتمد عليها المستشرقون في أوروبا وأمريكا كثيراً.
* كتاب: (الإمام المهدي وريث الملك داود (ملك إسرائيل): عصر المخلص)(٩١)، المؤلف: كاتب اسرائيلي يلقب نفسه: (إبراهيم الوحش علامة الساعة) ولعلها جهة استخباراتية، نشر الكتاب في اغسطس ٢٠١٧م، ويتكون من ١٨٢ صفحة، وهو باللغة الانجليزية، وغلاف الكتاب عبارة عن نجمة سداسية كبيرة وباللون الاحمر (فقط).. وفيه يعلن المؤلف: أنه الإمام المنتظر (الإمام المهدي) ويؤكد أنه (مؤمن آل ياسين) ويقول: عندما أتيت إلى العالم، وجدت أن الكثير من النزاعات والمذاهب والادعاءات قد انتشرت في الأمة الإسلامية، وقد استفاد الكثير من أصحاب الادعاءات من الوضع الراهن؛ حيث إن الحكام يظلمون الناس، أو الاضطراب السياسي أو تناقض الأفكار أو الانحلال الديني والروحاني السائد في المجتمع الإسلامي.. ويقول: إن الإمام المهدي (المرشد) هو رجل من آل ياسين، الذي كان قد ظن العلماء أنه حبيب النجار.. على الرغم من أن الحقيقة أن الرجل من آل ياسين (المهدي وريث الملك داود) هو فقط الرجل الذي أمره الله بالتحدث إلى الناس، (رجل) ليس نبيا على الإطلاق، وسوف يأتي بعد النبي محمد، لذلك: كان الإشارة إلى حبيب النجار مفهوم خاطئ قصير النظر، وبالمثل، كانت سلسلة من المدعين أنهم المهدي، مثال واضح على الضلال الذي يضلل الناس إلى سوء فهم دين الإسلام.. واضح أن الكتاب تشويش على عقائد المسلمين، ونسب المهدوية إلى اليهود.
اعترت الدراسات الاسرائيلية المتعددة حول العقيدة المهدوية كثيراً من الاشكالات والأزمات، والتي كان على رأسها الزعم (بأن المهدوية الإسلامية خرافة، وأن أصلها ومنبعها التراث الديني اليهودي)، وذلك لخضوع الكتابات الاسرائيلية لأفكار وايديولوجيات تحمل آراء فكرية مسبقة، يتم فرضها على البحث لتطويعه خدمة لأهداف سياسية، مما جعل الدراسات الاسرائيلية بعيدة عن الموضوعية العلمية والحيادية الفكرية.
وكما ظهر في اسهامات المستشرقين بشكل عام بميدان التشيع قديماً، فأن هناك استمرارية وتواصلاً في الاهتمام بالكتابة عن عقيدة صاحب الزمان (عجّل الله فرجه)، ولعلنا لا نكون مبالغين إذا قلنا بأن المستشرقين من الجيل الجديد والمراكز العلمية الغربية قد كثفوا من اهتماماتهم ودراساتهم عن المهدوية في الوقت الراهن اكثر من السابق، وذلك نتيجة للتحولات الفكرية والسياسية الكبيرة التي حدثت في العالم الإسلامي.
مواقف ورؤى المستشرقين عن المهدوية:
عند استقراء وتتبع دراسات وبحوث المستشرقين بصورة شاملة، نجد ان كتاباتهم الموضوعية والمنصفة تتركز في تاريخ العلوم التجريبية عند المسلمين وتاريخهم الحضاري، أما العلوم الدينية فلا نكاد نجد لها منصفاً في دراساتهم إلا قليلا جداً جداً، لأنها مرتبطة بالإسلام والدعوة إليه.. وباعتبار أن القضية المهدوية من أعمق العقائد الإسلامية، وخاصة دورها في الوقت الحاضر والمتوقع في المستقبل، لذا نجد الاتجاه العام للمستشرقين غير منصف للمهدوية ومزيف لحقائقها، ومن جهة أخرى نجد القليل جداً جداً من اتسمت بحوثهم بالموضوعية والأمانة، وخلت اعمالهم من آثار التعصب، ومع ذلك لا يعني خلو كتاباتهم من الزلات والاخطاء.
تعد أزمة (المزاعم والشبهات التي يثيرها المستشرقون) من الأزمات التي تعتري معظم الكتابات الاستشراقية الدينية بصورة عامة وبالخصوص حول العقيدة المهدوية، وسوف نشير إلى بعض تلك المزاعم المختلقة والتخرصات المبتدعة التي ذكرت في دراسات المستشرقين، وبالتأكيد فأنه يقف خلف هذه الشبهات والاشكالات دوافع دينية (التبشير) أو دوافع سياسية (الاستعمار).. علماً بأن من يلم بأبسط معارف الدين الإسلامي، ويطلع على اطروحة مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) يجد أن هذه المزاعم هشة، ولا تصمد على طاولة البحث العلمي والدراسة والنقاش، وتفتقر للأدلة والبراهين العقلية والنقلية التي تثبتها أو تؤكدها.
إن رؤية الاستشراق للمهدوية تعكس اهتمامات الغرب ودوافعه التي لا تتطابق مع الحقائق والواقع، وهذه الأفكار عرضة للنقد، ومن هذه الرؤى والمواقف الذي تناقلها المستشرقون واحداً عن آخر، ولاقت رواجاً بينهم بمرور الوقت (الافتراءات والمزاعم التي سنشير لها)، وسنحاول مناقشتها بشكل سريع وموجز - لأن سياق بحثنا ليس لرد شبهات المستشرقين - ولكن للوقوف على رؤيتهم ومدى ابتعادهم عن الحقيقة، ومجانبتهم لقواعد البحث العلمي:
* إن فكرة المنقذ والمخلص موجودة قبل الإسلام عند ديانات سابقة، فأخذ المسلمون الفكرة من الديانات الثلاث (اليهودية والمسيحية والزرادشتية)، كما ذكر ذلك المستشرق جيمس دارمستيتير في كتابه (المهدي الماضي والحاضر)(٩٢)، بمعنى أن عقيدة المسلمين في المهدوية غير أصيلة، وقد أكد هذا الزعم أيضاً المستشرق فيليب هيتي في بحثه عن (المهدي) الذي كتبه في دائرة المعارف الكاثوليكية الامريكية حيث يقول: (إن المهدي عند الشيعة ما هو إلا انعكاس للمعتقد اليهودي والمسيحي)(٩٣).
* إن الاسباب والدوافع لمثل هذا الزعم واضحة جداً، بالإضافة لما يشعرون به من خطر ازاء العقيدة المهدوية مستقبلاً، فعملوا كل ما في وسعهم من أجل تشويه صورتها أمام شعوبهم وأمام كل من يؤمن بها.. ولذا نقول ونؤكد: إن العقل السليم والمنطق العلمي قد يسمح ويقبل بهذا التوهم والافتراء لو كانت اطروحات المخلص للديانات السابقة أغنى وأقدر من الاطروحة المهدوية الإسلامية، لكن اذا كانت المهدوية التي انبثقت على يد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته (عليه السلام) أوسع وأكمل وأحكم وأرحب آفاقا مما سبقه، فكيف يتصور ان يأخذ الغني من الفقير، وان يستعين العالم بالبسيط، ولكن الحقيقة أنه التعصب الديني والعداء التاريخي للإسلام.
* التشكيك بأن المهدي (المنقذ والمخلص) آخر الزمان من المسلمين أو من احفاد محمد - الرسول الاكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - أو كما يدعي المسلمين بأن المهدي من وِلَّدْ محمد، ولكن التاريخ يثبت أنه قد مات ولم يترك أحد من الأبناء الذكور، إذن فكرة المهدي الإسلامي مشكوك بها.. وقد صرح بهذه الفكرة كثير من المستشرقين ومنهم المستشرق جيمس دارمستيتير في كتابه (المهدي الماضي والحاضر)(٩٤).
* طرح غريب يتجاوز ظاهرة (حكايات العجائز)، فمن المؤكد دخول وِلَّدْ البنات في ذرية الرجل(٩٥)، وإن الإمام المهدي (عليه السلام) من نسل النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من اولاد ابنته فاطمة الزهراء (عليها السلام) كما هو متفق عليه عند جميع المسلمين، فهو من صلب الإمام الحسين (عليه السلام) كما تؤكد الاطروحة المهدوية الإمامية، أو من نسل الإمام الحسن (عليه السلام) كما يقول أهل السنة، ففي كلتا الاطروحتين هو من نسل النبي الاكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هذا هو الحق الذي عمي عنه المستشرقون أو أغمضت عيونهم عنه.. أما اذا قلنا أن المهدي ليس من احفاد الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنه ليس من وِلَّدْ أحد الذكور، فعلى هذا الاساس بحسب قول أو زعم المستشرقين انفسهم يكون النبي عيسى (عليه السلام) ليس من وِلَّدْ النبي ابراهيم (عليه السلام)، ولا معنى لأن يتشبث المسيحيون بأنه من نسل يعقوب (عليه السلام)، فأن عيسى إنما ينسب إلى بني اسرائيل بأمه مريم، فإنه لا أب له، ولكن (جده والد مريم) من وِلَّدْ سليمان بن داود (عليه السلام).
لقد تجرأ المستشرقون على هذا الغمز والطعن في المهدوية، لأنهم وجدوا جذور هذه المطاعن والمزاعم في تراث المسلمين، وارادوا بذلك تشويه وتقويض المهدوية من محتواها، وسلخها من محوريتها الإسلامية، فليس هناك أي مسوغ للشبهة أو مبرر لهذا الافتراء، ولكن الحقيقة هي ادعاءات لا تستند إلا لرغبتهم في فرضها.
* مدعو المهدوية في كل البلاد الإسلامية إذا نجح أحد منهم، فهذا يعني أن تنبؤات محمد صادقة، ولكن إلى الآن لم يبرهن أحد على نجاح مهمته السماوية، مما يدعونا للتشكيك في صدق محمد(٩٦).
* كيف استدل المستشرقون على هذا الزعم والافتراء؟ ومن اين فُهِمَ ان الرسول الاكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يقصد وقتنا الحالي، وليس آخر الزمان؟ ومن أين عُرِفَ أننا في آخر الزمان كما كان يقصده (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ وهل تحققت شروط ومسوغات خروج المهدوية؟ ومن قال أن هؤلاء المدعين للمهدوية في التاريخ والحاضر، هم من كان يقصدهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حتى نطالب بتحقيق كلامه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ علماً بأن أي من العلامات المحتومة الذي قالها (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لخروج المهدي (عليه السلام) لم يتحقق منها شيء، أي حسب منطق واخبار رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يحن موعد خروجه، فكيف نشكك في صدقه!، أم هي إرادة الطعن في النبي الاكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتشويه صورة المهدوية الحقة.
* التشكيك في العقيدة المهدوية من الإساس، واستغلال الكثير من الملابسات والفجوات الفكرية الموجودة في تراث المسلمين للتشكيك في مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) ونسفها من الأصل، كما ذكر ذلك المستشرق فيليب هيتي في بحثه عن (المهدي) حيث يقول: (إن هناك رواية تشير إلى كون عيسى هو المهدي نفسه)(٩٧)، أو الاستهزاء بالمهدوية وذكر فرية السرداب كما ذكر ذلك المستشرق رونلدسن في كتابه (عقيدة الشيعة)(٩٨) والاستشهاد بكلام ابن بطوطة وأهل العامة.
* إن خبر (لا مهدي إلا عيسى ابن مريم)(٩٩) خبر أحاد، ويعده المحدثين من الأخبار الضعيفة.. ولما كان الخبر ضعيفاً لا يمكن تقديمه وحتى لو كان صحيحاً على الأخبار المتواترة، حيث استفاضت الأخبار بكثرة رواتها في الإمام المهدي (عليه السلام)، وأنه من عترة النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من ولد فاطمة (عليه السلام) وأنه ينزل في زمنه عيسى بن مريم (عليه السلام) فيصلي خلفه ويساعده على قتل الدجال، هذا مضافاً إلى تواتر الأخبار بأن اسمه (م ح م د)، فلا يصح حينئذ تقديم الخبر الواحد الثقة، عدا عن الضعيف، على الأخبار المتواترة.. بكل تأكيد إن اصحاب هذه الشبهة لم يحكموا المعايير العلمية في نقد الحديث، ولو طبقوا المنهج العلمي لبدأ لهم هذا الحديث الغريب اليتيم (متهافتاً جداً)، ووضح لهم ان التناقض والتعارض لا يكون قوياً ومستحكماً إلّا إذا تكافأت الروايات المتعارضة، وأين هذا التكافؤ بين الاحاديث المتواترة الواردة في الإمام المهدي وحديث واحد ضعيف تفرد بروايته شخص مجهول.. فلا ندري!! هل المستشرق فيليب هيتي يعلم بطرق الحديث ومتونه أم يجهلها؟ حتى يستشهد بهذا الحديث الوحيد الغريب الضعيف في نفيه للمهدوية الإسلامية، ومن هنا نعرف حرص المشككين للتمسك بهذا الخبر، وذلك لقلة ما بأيدهم من أدلة.
 إن هذا الكلام والزعم والافتراء وراءه ما خفي من اغراض ودوافع، فالتركيز على القول (بمهدوية عيسى) يدل على أن هناك طريقة انتقائية مغرضة (في منهجية البحث) تهدف إلى افراغ المهدوية من أصولها ونسبتها إلى مصادر أخرى، وزعزعة مكانتها العالية في نفوس المؤمنين.. وكذلك هناك خطأ (منهجي كبير)، حيث الاعتماد في المصادر على مدرسة واحدة من المسلمين، دون معرفة الفروق المذهبية أو إدراك الدوافع والاهداف.
* تزييف حقيقة المهدي المنتظر (عليه السلام) وذلك بالادعاء أنه الدجال المنبوذ في كل الأديان السماوية، كما يقول الكاتب الامريكي المعاصر: جويل ريتشاردسون في كتابه (المسيح الدجال الإسلامي حقائق صادمة) حيث ذكر: (إن المسلمين ينتظرون المسيح الدجال لا ليرفضوه بل ليقبلوه)، وزعم أيضاً (إن المهدي يتشابه تماماً مع المسيح الدجال)(١٠٠).. وقد أكد هذه الافتراءات أيضاً المستشرق (جون ولفوورد) في كتابه (المسيح الدجال) بقوله: (أن المسيح الدجال هو نفسه المهدي الذي ينتظره المسلمون).. وأكد هذا الزعم أيضاً الكاتب الامريكي المعاصر: مايكل يوسف في كتابه (نهاية الزمان وسر المهدي).. ودائماً وتكراراً يتم ربط المهدوية بالدجال أو بالنبي الكاذب في كتابات المستشرقين المتأخرين.
* هذا الزعم والادعاء محض افتراء، وليس هناك أي دليل من مصدر إسلامي يؤكد هذا التخرص، والغريب جداً أن يتهم هؤلاء نبي الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأن الدجال من ذريته، في حين أن المصادر الإسلامية تؤكد أن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حذر أمته من فتنة الدجال، وفي الوقت نفسه مدح المهدي وحث المسلمين على إتباعه، فلا ندري لماذا المستشرقون لم يتطرقوا إلى أحاديث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حول حقيقة المهدي وحقيقة الدجال اجمالا لإيضاح الرؤية.. ولكن موقف المستشرقين خاضع لافتراضات لا تقوم على دليل، ومحاولة جعلها في مستوى الحقائق، مما يعكس صورة للقارئ أن المهدوية (منبع للشر)، وهذا منهج خطير في اطار قلب الحقيقة والواقع.
* الزعم أن فكرة مهدي المسلمين ليست سماوية أو من قبل الوحي، بل هي نفسية اجتماعية بسبب الظلم الذي تعرض له الشيعة في التاريخ، حيث يقول المستشرق (دوايت رونلدسن) في كتابه (عقيدة الشيعة): (الاخفاق الذي أصاب الحكومة الأموية في توطيد أركان العدل هو المنشأ لظهور فكرة المهدي)(١٠١)، وأكد على الفكرة نفسها المستشرق (جولدتسيهر) في كتابه (العقيدة والشريعة في الإسلام) حيث يقول: (لابد من تأسيس فكرة الآمال الصامتة لتهدئة روع الناس، ومن أجلى مظاهر فكرة الآمال الصامتة مسألة المهدي)(١٠٢)، وكذلك المستشرق (فان فلوتن) في كتابه (السيادة العربية) حيث قال: (ولا يفوتنا أن نذكر أولاً أن ذلك المثل الأعلى للعدالة والمساواة قد ظل وهماً من الأوهام، حتى إن حاجة الشرقيين اليوم إلى مهدي يملأ الأرض عدلاً لم تكن أقل منها في عهد بني أمية.. ولم يكن جور النظام العباسي وعسفه منذ قيام الدولة العباسية بأقل من النظام الأموي المختل، فحفز النفوس إلى التمسك بعقيدة المهدي والتطلع إلى ظهوره لتخليصها من قسوة ذلك النظام الجديد وجوره)(١٠٣).
* إن العقيدة المهدوية أصلها وجذورها انبثقت من ركني الإسلام (القرآن الكريم والسنة الشريفة)، ومنبع الفكرة عند المسلمين هي المصادر الرئيسية للشريعة الإسلامية، فالفكرة ليست شيعية وليس لها علاقة باضطهاد الشيعة، فأكابر علماء العامة اخرجوا أحاديث المهدي حيث بلغت فوق الاربعمائة خبر وبطرق متعددة، إضافة إلى ذلك قام الإجماع بين المسلمين وتصافقت عليه الأخبار المتواترة والتي بلغت المئات، وكلها دلت على أن خروج المهدي من المحتوم، وأن تاريخ صدور هذه الأخبار كان قبل نشوء الدولة الأموية عام ٤١ هـ.. فلا ندري من أي عباءة اخرج دونالدسن وغيره من المستشرقين هذا التوهم، وبكل تأكيد يهدفون من هذا الموقف والتحليل والاستنتاج اضعاف البعد الغيبي للمهدوية، واحالة الفكرة إلى اسباب من صنع البشر، وهذا فيه اسقاط متعمد للجانب العقائدي والبعد الروحي فيها.
* إن فكرة مهدي المسلمين مختلقة من الخيال، وليست هناك أدلة تثبت المهدي لا من القرآن ولا من السنة، حيث يقول المستشرق (دوايت رونلدسن) في كتابه (عقيدة الشيعة): (إن روايات المهدي موضوعة في عصر ما قبل تدوين السنة النبوية، وان الكتب الروائية السُنّية قد خلت من هذه الروايات).. وقال أيضاً: (إن سر وضع الحديث عند الشيعة هو ان القرآن لم يذكر الإمام فاستغلوا السنة لذلك)(١٠٤).
* نؤكد ونقول: لا تقتصر البشارة بالإمام المهدي (عليه السلام) على القرآن الكريم والأحاديث الشريفة فقط، بل إن الأديان والكتب السماوية التي سبقت الإسلام قد بشرت به أيضاً، ولإيضاح منبع فكرة المهدوية بالنسبة للمسلمين نذكر:
- بالنسبة للقرآن الكريم: من قال كل ما لم يذكر في القرآن ليس له وجود، ثم من قال ان الإمام المهدي (عليه السلام) لم يرد له ذكر في القرآن، فإن هناك آيات وإشارات عديدة (بالعشرات) فسرتها الأحاديث الشريفة في المهدي المنتظر.. وإن من يطلع على المعارف القرآنية يدرك أن كتاب الله قد تطرق إلى القضية المهدوية بطرق وأساليب شتى، ويمكن تلخيص منهج القرآن الكريم بالآتي:
أولاً: تحدث القرآن عن وجود إمام لكل زمان وبعنوان (الإمامة)، والمهدي إمام الزمان الحالي (١٠٥).
ثانياً: بشر القرآن بوعد إلهي بنشر العدل في كافة بقاع الأرض، على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)(١٠٦).
ثالثاً: ذكر القرآن بعض الحوادث المرافقة لقيام الإمام المهدي (عليه السلام)(١٠٧).
من هنا نؤكد أن لفظة أو مصطلح (المهدي) لم يذكر في القرآن صراحة، ولكن هناك بعض الآيات الكريمة مفسرة ومؤولة في المهدي المنتظر.. ويمتلك التراث الشيعي الاثني عشري مجموعة كبيرة من الكتب والأبحاث التي تتحدث عن الإمام المهدي في القرآن الكريم، فنجد مثلا في كتاب (المحجة فيما نزل في القائم الحجة) لهاشم البحراني، حيث ذكر ١٢٠ آية كريمة فسرت او أُولت في المهدي.
- بالنسبة للسنة الشريفة(١٠٨): قد تحدث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بما لا يدع مجالاً للشك من أن وجود المهدي في الأمة ثابت، فقد وردت أحاديث الإمام المهدي في العديد من الكتب المعتبرة عند أهل السنة، منها على سبيل المثال مسند أحمد وسنن ابن ماجة وسنن أبي داود وسنن الترمذي، أما بالنسبة للشيعة الإمامية فقد اتفقت كلمتهم وتوحدت كتبهم في ذكر أحاديث الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).. إن النصوص والروايات الشريفة قد تواترت حول المهدي وأخباره وعلامات ظهوره، ويمكن القول إن موضوع المهدي قد احتل مساحة واسعة من الحديث والرواية، فنجد مثلا في موسوعة (معجم أحاديث الإمام المهدي) ما مجموعه ١٨٦١ حديثاً متعلقة بالمهدي، استخرجت من مصادر مختلفة.
فهذه الاحصائيات تعطي فكرة عامة عن مكانة المهدوية عند المسلمين، ومصدر انبثاق وجذور الفكرة لديهم.
* مهدي المسلمين هو الذي يشكل الكثير من المشاكل والمتاعب للعالم، فمغامرات مدعي المهدوية في التاريخ الماضي والحاضر خير دليل، وكذلك المستقبل المنظور والمحتمل للمهدي لن يختلف عن الوضع الحالي.. وقد صرح بهذه الفكرة بعض من المستشرقين ولعل أولهم جيمس دارمستيتير في مقدمة كتابه (المهدي الماضي والحاضر)(١٠٩).
* إن رؤية معظم المستشرقين للمهدوية من الناحية الفلسفية تقوم على أساس صراع الحضارات ومعارضة الثقافات، وهذه الرؤية تأصلت في اطار فكري لا ينسجم مع روح ومبادئ وأهداف المهدوية، المبنية على أسس نشر القسط والعدل لكل البشرية، ومصداقيتها أنها من وحي السماء وليس من صنع البشر.. ولكن الكتابات والابحاث الاستعمارية لا تقبل هذا الكلام: لأن المهدوية تتعارض مع مصالحهم ولابد من محاربتها والقضاء عليها.. علماً بأن الكثير من مدعي المهدوية انطلقوا في مهمتهم بتدبير ودعم ومساندة من المخابرات الاجنبية، واوضح مثال على ذلك: البهائية والقاديانية والبابية.
سلك المستشرقون الذين تناولوا العقيدة المهدوية منهجاً واحداً يكاد لا يختلف، وما ذكرنا لمثل هذه المزاعم والاختلاقات التي اقتبسناها من بعض كتب المستشرقين إلا عرض صورة توضيحية لمواقفهم ونظرتهم ورؤيتهم للمهدوية الإسلامية.. وليس هناك شك من أنهم قد غالوا في آرائهم وبالغوا في إظهار الشبهات إلى حد كبير بهدف التقليل من أصالة العقيدة المهدوية، وتقويض مبادئها، والقضاء عليها من الأساس.
وبعد أن أشرنا بشكل موجز إلى رؤية المستشرقين للمهدوية، يمكننا الخروج بالنقاط التالية:
- إن معظم الآراء والاستنتاجات الاستشراقية التي صدرت بحق المهدوية، تدل على أنها كانت احكاماً مبنية على افكار مسبقة.
- أطلق المستشرقون مصطلحات (كالخرافة والأسطورة وبلغة الاستهزاء) بحق المهدوية، وهذا لا يمت إلى منهج البحث العلمي بأية صلة، ولكنه دلالة واضحة على الأهداف والدوافع التي ينطلقون منها.
- ركز المستشرقون على بعض الروايات والاخبار الضعيفة عند المسلمين، وكان الهدف منها النيل من أصالة المهدوية ومكانتها والتشكيك فيها.
- إشكالات واخطاء منهجية عديدة في بحوثهم عن المهدوية - مقصودة -، ابعدتهم عن الموضوعية العلمية والمنطق العقلي، ولكنها في الأساس تخدم اغراضهم.
- التشكيك في أصالة المهدوية الإسلامية واضفاء صفة التبعية، أو أنها مقتبسة من ديانات سابقة، أو إن الفكرة ليست سماوية (من قبل الوحي) بل نتيجة لظلم واضطهاد سياسي.
- إلصاق الفكرة بالطائفة الشيعية فقط، وأخذ ما كتب من طعن وتشويه بالمهدوية في كتب وتراث المدارس الإسلامية الأخرى أخذ المسلمات بلا ادنى تحليل أو نقاش.
بنظرة كلية شاملة وبتتبع دقيق نلحظ ان المستشرقين لهم مواقف ورؤى ثابتة من المهدوية، فتكرار المزاعم والشبهات واجترارها باستمرار، ومن دون أي تجديد أو تطوير فيها، يدل على عدم علمية أو منطقية هذه الاشكالات، إنما للتشكيك والتشويه والرغبة في فرض الافتراءات.
إننا مطالبون بتصحيح الرؤية عن مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) لدى الشعوب والرأي العام (الآخر)، وطرحها بصورتها الحقيقية وشكلها الحضاري، وإيضاح المستقبل المتألق الذي ينتظر البشرية على يد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).. فلو أحسنا عرض المهدوية وأوضحنا أهدافها، وعملنا على الترويج لها، وكان ذلك بحكمة وبأساليب علمية وحضارية، فسيتم حينها دحض كل الشبهات والمزاعم التي ينشرها المستشرقون بيسر وسهولة.
لمحة تفصيلية عن نماذج من دراسات المستشرقين عن المهدوية:
المهدوية واحدة من اكثر الدراسات المثيرة للاهتمام في الغرب حالياً، ويمنحوها أهمية كبيرة للغاية، وتأسيساً عليه سنستعرض في بحثنا لمحة بسيطة وموجزة عن نماذج من كتابات المستشرقين حول المهدوية قديماً وحديثاً، وكيف أن المجتمعات الغربية لازالت تتغذى على النتاج الفكري للمستشرقين، ومدى تأثير كتاباتهم على الرأي العام لديهم حالياً، حيث يتم إعادة تداول الكتب القديمة وطبعها من جديد، او إعادة صياغة أفكارها وبثها وسط المجتمعات الغربية.
إن انتقاءنا لنماذج من كتابات المستشرقين سيكون منسجما مع هدفنا في تشخيص وتقييم منهج الدراسات الاستشراقية للمهدوية، كما أن الأساس الذي اعتمدناه في هذا الانتقاء يتبع مراحل زمنية مختلفة، وبها اتجاهات فكرية متباينة، ولكنها تكشف لنا بصورة جلية الاتجاه العام لكتابات المستشرقين.
كتاب (المهدي من أصول الإسلام إلى الحاضر) للمستشرق اليهودي الفرنسي: جيمس دارمستيتير James Darmesteter (١٨٤٩م - ١٨٩٤م) أو بعنوان (المهدي الماضي والحاضر) كما في النسخة باللغة الانجليزية.

m-mahdi.com

صدرت الطبعة الأولى في ٢٨ فبراير ١٨٨٥م باللغة الفرنسية (Le Mahdi: depuis les origines de l'Islam jusquà nos jours)، ثم ترجمته آدا ساره بالين(١١٠) إلى اللغة الانجليزية في العام نفسه بعنوان (The Mahdi Past and Present)، وطبع في نيويورك - أمريكا.
في الوقت المعاصر تم إعادة طبع الكتاب ونشره من جديد عدة مرات، فقد صدرت طبعة باللغة الفرنسية في ٦ ابريل ٢٠١٠ م، ثم طبع في ١٤ يناير ٢٠١٥ م بباريس، وأعيد طبعه كذلك في ١ يناير ٢٠١٧ م، وطبع من جديد في ٢١ اكتوبر ٢٠١٨ م.. أما باللغة الانجليزية فأعيد طبعه عدة مرات: فصدرت طبعة في مارس ٢٠٠٩م في أمريكا، وصدرت طبعة في يونيو ٢٠١١م في فرنسا، وصدرت طبعة جديدة في سبتمبر ٢٠١٥م في استراليا.
الكتاب يتحدث عن فكرة ظهور المنقذ في آخر الزمان وكيف تناولته أديان مختلفة، ثم ينتقل إلى شرح مفصل وموسع عن المهدي وعقيدة المسلمين به، حيث يعتبرونه رجل من عائلة محمد - الرسول الاكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - سوف يظهر بالضرورة في آخر الزمان من أجل دعم الدين وتحقيق العدالة ويجعل نفسه سيداً للمسلمين، وما روي عنه من أحاديث تاريخية متضاربة ومختلفة، بالإضافة لتبشيرات الأديان الثلاثة (اليهودية والمسيحية والزرادشتية) بكتبها المقدسة حيث تتعارض الأخبار بخصوص اسمه وصفاته وشخصيته وما سيفعله حال خروجه، ولكن تتفق جميعها على أصل الفكرة ووجودها.. والكاتب يزعم أن عقيدة المسلمين في المهدوية غير أصلية، بل مأخوذة من ديانات سابقة.. وإن فكرة المهدي شكلت في وقت واحد وعممت في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وتتبع المؤلف مسار من تبنى ادعاء المهدوية بشكل موجز في عدة بلدان إسلامية.
الكتاب مكون من ١٦٠ صفحة، ويحتوي على مقدمة وتسعة فصول وخاتمة وملاحق بالإضافة لمقدمات المترجمين والناشرين.. تتحدث فصول الكتاب اجمالاً عن:
- جاء في مقدمة المؤلف: (عندما ظهر محمد - الرسول الاكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - في الجزيرة العربية كان هناك بجانب الوثنية الوطنية القديمة ثلاث ديانات أجنبية: اليهودية والمسيحية ودين زرادشت (في بلاد فارس). لم يكن محمد نفسه مسؤولاً عن الأصالة، فقد أخذ عقائده من اليهود والمسيحيين، وأخذ أساطيره من اليهود والمسيحيين والفرس، ولم يكن هناك دين جديد أبداً.. كانت إحدى السمات المشتركة لهذه الديانات الثلاث هي الاعتقاد في وجود كائن خارق للطبيعة سيخرج في نهاية المطاف، ويعيد النظام والعدالة المفقودين إلى العالم، وذلك تمهيداً لعهد عالم الخلود والنعمة اللانهائية).
- الفصل الأول: فكرة المهدي، الديانات السابقة للإسلام، معنى أسم المهدي.
- الفصل الثاني: تشكيل فكرة المهدي عند المسلمين، خلفاء دمشق الامويين، العرب في بلاد فارس، الفرس مع علي، الحق الإلهي، الفتوحات.
- الفصل الثالث: المهدي في بلاد فارس (الفترة الاولى)، محمد بن الحنفية موته وأساطير، محمد ووادي رضوى، اضطهاد أحفاد علي.
- الفصل الرابع: المهدي في بلاد فارس (الفترة الثانية)، سقوط الدولة الاموية، العباسيين، ابو مسلم، النبي الغائب، الخليفة المنصور، علي الرضا والخليفة المأمون، سيد الساعة، الصوفية.
- الفصل الخامس: المهدي في أفريقيا، الفاطميين، عبيد الله، اغتيال ابو عبدالله، مدينة المهدي، الحكيم، الدروز، الموحدون.
- الفصل السادس: المهدي في تركيا، السلطان وكردستان، المسيح الدجال، المهدي لعام ١٦٦٦م.
- الفصل السابع: المهدي في مصر، المهدي من طرابلس، معجزاته.
- الفصل الثامن: المهدي في السودان، الأبوة والشباب من المهدي، المهدي يعلن نفسه، ثورة ضد المصريين.
- الفصل التاسع: محمد احمد وخصومه، آداب المهدي وعاداته وتكتيكاته، المدنية في السودان، فكرة اليهودي والمسيحي، عندما يلتقي المهدي مع المهدي، تنازع ادعاءات المهدي، كما المسيح الدجال.
- الاستنتاجات والخاتمة: النظام في السودان، خطأ إنجلترا، حضارة المستقبل.
- ملاحق: المهدي السوداني من ١٨٨٤، حصار الخرطوم.
لقد كتبت المترجمة بالين في مقدمة النسخة الانجليزية: (أنني بنشري لهذا الكتاب أقوم بواجب لطيف لجمهور القراء الإنجليزي، ويجوز لي أن أقول إن الكتاب ليس مثيراً للاهتمام فحسب، بل مفيد أيضا.. فالمؤلف في كتابه (المهدي الماضي والحاضر) يتتبع تاريخ المهدي من السنة الأولى من عصر محمد (٦٢٢ م) إلى العام الحالي (١٨٨٥م - ١٣٠٢هـ)، وقد أشار المؤلف إلى مختلف من قالوا بالمهدية التي قد ظهرت في التاريخ.. كمترجم: ألاحظ في مقدمة الكتاب، المعنى الحرفي للكلمة (مهدي) ومعناها (من يقود)، وقد تم تطبيق هذا المصطلح على العديد من الرجال.. يرسم الكاتب وكما يفعل بإيضاح أصل الاعتقاد في المهدي، وكذلك يشير إلى نقطة ذات أهمية كبيرة فيما يتعلق بجنودنا في مصر.. التاريخ يعيد نفسه بشكل وثيق للغاية بين المسلمين، وأن إعادة سرد مغامرات المهدية السابقة هو أن يقول: إن الماضي والحاضر والتاريخ المستقبلي المحتمل للمهدي، سوف يعطينا الكثير من المتاعب في وقت متأخر.. هو ليس الأول ولا الأخير، من فجر الإسلام كان من المتوقع دائما أن يخرج المهدي، وسوف يتم البحث عنه طالما بقي مسلم واحد، لأنه لم يستطع أحد (أي مهدي) أن يبرهن بنجاح مهمته السماوية، وكانت دائماً تتبع كل (حركة مهدوية) انتفاضة أخرى ضدها).. وتواصل المترجمة في مقدمتها بالقول: (من الضروري تكييف سياستنا الخارجية لتلائم خصوصيات الشعوب التي نتصل بها، وينبغي أن نسترشد بالمعرفة، فالأمانة تحتم أن نأخذ في عين الاعتبار العادات والاحكام المسبقة، وجذور المعتقدات، وذكاء وخيانة إخوتنا في الشرق، إذا كان في الواقع يمكننا ان نسميهم (إخوة) حيث تختلف طبيعتهم وثقافتهم وعلى نطاق واسع عن منطقتنا، هذا الجهل بالقاعدة الفكرية لأولئك الذين نتواصل معهم يمكن ان يكون كارثياً، وعاملاً قوياً في إنتاج اهوال التمرد الهندي، وربما لم تكن الخرطوم قد سقطت) المترجمة ٤ مايو ١٨٨٥م - واشنطن.
بالطبع الكتاب يحتوي على افتراءات ومغالطات كثيرة جداً عن النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والإسلام والمهدوية، والمؤلف ينطلق في كتابة هذه الافكار (المختلقة والغير صحيحة) لأنه لا يعتقد بان الإسلام دين سماوي، ولا يؤمن بنبوة الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بالإضافة لأهداف دينية وسياسية واضحة وراء ذلك.. هذا الكتاب يمثل نموذجاً من دراسات المستشرقين الخالية من أدنى درجات الموضوعية، ويعتبر قاصراً بالمعايير العلمية، وهذا ما نراه منطبقاً على عدد كبير من كتابات المستشرقين الذين تصدوا للبحث في المهدوية.
كتاب (الإمام الغائب في العقيدة الشيعية): للمستشرق والفيلسوف الفرنسي هنري كوربان Henry Corbin (١٩٠٣م - ١٩٧٨م)، ولد من أسرة مسيحية في فرنسا، ودرس الفلسفة في جامعة السوربون:
صدرت الطبعة الأولى للكتاب باللغة الفرنسية في ١٩٦٠م (L'Imâm caché et la rénovation del l'homme en théologie shi'ite) ونشر في زيورخ، وطبع من جديد في باريس عام ٢٠٠٣م باللغة الفرنسية.. وكذلك نشر في عام ٢٠٠٣م باللغة الاسبانية بعنوان (الإمام الغائب).

m-mahdi.com

وفي ٢٥ مايو ٢٠٠٧م ترجمه الاستاذ: نواف محمود الموسوي إلى اللغة العربية بعنوان (الإمام الثاني عشر) وطبع في لبنان.. وفي عام ٢٠٠٨م نشر باللغة الايطالية بعنوان (الإمام الغائب).. وتكرر إعادة طبع الكتاب مرات عديدة.

m-mahdi.com

هذا المصنف يبحث عن (الإمام المهدي) وهو الكتاب السابع المندرج في المجلد الرابع من موسوعة المؤلف الشهيرة (مشاهد روحية وفلسفية للإسلام في الإطار الإيراني) وهو يمثل نموذج للدراسات الاستشراقية التي خلت من الدوافع والاغراض أو آثار التعصب، ويتصف إجمالاً بالأمانة والموضوعية.. الكتاب(١١١) مكون من ٢٥٠ صفحة، وهو بعنوان (الإمام الثاني عشر) يحتوي على مقدمة للمترجم، وعرض موجز من المترجم للمجلد الرابع (عن الاسلام في ايران، مشاهد روحية وفلسفية)، وأقسام الكتاب: الفصل الأول: سيرة الإمام الثاني عشر، الفصل الثاني: في زمان الغيبة الكبرى، الفصل الثالث: الفروسية الروحية، وخاتمة وملاحق.. ملخص الكتاب بشكل موجز: (التركيز على شخص الإمام الثاني عشر (الإمام المستتر عن الأبصار والحاضر في قلوب الأخيار) وهو رمز رائع يجمع كل فضائل، ويهيمن على القوى الكامنة في الوعي الشيعي، الوشيك الظهور، ظاهرا منذ أكثر من عشرة قرون، فإن سيرة الإمام الثاني عشر وظهوراته هي تاريخ الوعي الشيعي، أو بالأحرى تاريخه القدسي.. تبدأ هذه السيرة بولادة الإمام، مقطع الخطوبة الروحية لأمه (الأميرة البيزنطية نرجس) على الإمام الحادي عشر، علامة على الانتباه الذي يوليه التشيع للمسيحية الذي لم يظهر بهذه الطريقة لدى أي فئة إسلامية أخرى، وبالإمام الثاني عشر تتم (عدة الاثني عشر إماماً) حاضرا في الماضي وفي المستقبل في آن معاً، فهو خاتم دائرة الهداية التي تخلف دائرة النبوة، وهو كذلك خاتم الفلسفة النبوية وفلسفة التاريخ الشيعية، الزمان الحاضر لغيبته هو زمان (ما بين الأزمان) الذي سيدوم حتى خروجه الذي يؤشر إلى نفاذ دهرنا، وشخص الإمام الثاني عشر ودوره هما في تناسب مع فكرة المخلص أو المغيرّ النهائي لصورة العالم (الشوشيانت) لدى فارس الزرادشتية، وقد أمكن القول أن الأخلاقيات الزرادشتية عبرّت عن نفسها بنوع من جماعة فروسية، وكذلك تحلقت حول شخص الإمام الثاني عشر فكرة فروسية روحية، وصلت من جهة بين أخلاقيات إيران القديمة الزرادشتية وأخلاق إيران الشيعية، واقامت من جهة أخرى صلة بين فروسية إيران الإسلامية والفروسية الغربية، كان قد جرى التمهيد لفكرتها منذ القرن الثاني عشر، وكما أن مفكرين شيعة يماهون إسمياً الإمام الثاني عشر بالمجدّد عند الزرادشتية، فإن مرويات شيعية أخرى تماهي الإمام الثاني عشر بالبرقليط المبشّر به في إنجيل يوحنا)(١١٢).. هاتان الواقعتان (خاتم أولياء الله، وخاتم الفروسية الروحية) تهيمنان على كل محتوى هذا الكتاب، ويقوم المؤلف بإحاطة روحية لولاية الإمام (عجّل الله فرجه) إلى عصر الروح (البرقليط) وهي التحرر من كل عبودية وعذاب، ولذا أشار المؤلف إلى الجزيرة الخضراء، واستخدم مصطلحات مسبوقة بظاهرة الكنيسة (فكرة عصر البرقليط) وهي فكرة مخلّصيّة اجتماعية.
لقد رفض كوربان منذ البداية الانقياد والجري وراء منطق اللاعلمية والتعصب الذي تميزت به الرؤية الاستشراقية فيما يتعلق بالكثير من القضايا الإسلامية الحساسة، وبشكل خاص قضية الإمام المهدي (عليه السلام).. هذا الموقف من قبل كوربان القائم على المنطقية والموضوعية في معالجة الأمور وتحليلها، أسفر عن نتيجة حاسمة ونهائية توجت أبحاثه حيث يقول: (في عقيدتي أن التشيع هو المذهب الوحيد الذي حفظ بشكل مستمر، رابطة الهداية بين الله والخلق، وعُلقة الولاية حية إلى الأبد، فاليهودية أنهت العلاقة الواقعية بين الله والعالم الإنساني في شخص النبي موسى(عليه السلام)، ثم لم تذعن بعدئذ بنبوة السيد المسيح والنبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقطعت الرابطة المذكورة، والمسيحية توقفت بالعلاقة عند المسيح (عليه السلام)، أما أهل السنة من المسلمين فقد توقفوا بالعلاقة المذكورة عند النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وباختتام النبوة به لم يعد ثمة استمرار في رابطة العلاقة (في مستوى الولاية) بين الخالق والخلق، التشيع يبقى هو المذهب الوحيد الذي آمن بختم نبوة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآمن في الوقت نفسه بالولاية -وهي العلاقة التي تستكمل خط الهداية، وتسير به بعد النبي- وأبقى عليها حية إلى الأبد)(١١٣)، هذا المستشرق القادم لنا من فرنسا يجد أن قضية المهدي والولاية بشكل عام هي التي أبقت التشيع حياً، وأهلته إلى دور انساني شامل في حياة البشر.
إن معارضة كوربان للرؤية التي ينقلها المستشرقون عن المهدوية إلى أبناء الغرب، جعلت منه باحثاً متفرداً، وعالماً متميزاً في طريقة البحث والدراسة، ولهذا نجد أثر مباشر لأسلوبه في البحث والتنقيب عن المهدوية يتجلى في:
١. تغيير النظرة المشوهة في العالم الغربي للصورة التي رسمها المستشرقون عن حقيقة المهدوية، وأكد على أنها عقيدة سماوية أصيلة، وحاول أن يقلب المفاهيم الخاطئة تماماً بعد أن سادت فترة طويلة من الزمن.
٢. تأثير مباشر وشخصي يعكس فهمه للأبعاد الروحية للدين الإسلامي، فشهر إسلامه وأختار المذهب الشيعي الإمامي كمدرسة ومنهج له، وقد كان شديد الإيمان بالإمام المهدي الغائب (عليه السلام).
إن الكتاب ينم عن عمق دراسي ومنهجية علمية في البحث، على الرغم من وقوعه تحت تأثير الاجواء الصوفية، ولكن لا يعني خلوه من الهفوات والاخطاء، ولابد من التأكيد إن هذا الكتاب (الاستشراقي الجليل) يحتوي على أفكار ورؤى في الثقافة المهدوية تقبل النقد العلمي وتستحق النقاش العادل، ولابد أن نذكر ملاحظاتنا عليه:
- دور الإمام الغائب الذي أعتبره المؤلف: أن رأي الصوفية في القطب تطاول عليه، خاصة وأنه ربط بين الإمام وبين باطنية الشيعة، وأنهم ينتظرون كشف الحقيقة لا ظهور نبي جديد، أي ظهور وليّ يكشف جميع حقائق الأحكام.. والأنسب توضيح مفهوم الإمام الغائب في الاطروحة المهدوية الإمامية، ودور صاحب الزمان (عليه السلام) في أيام الغيبة، لكي يتضح مدى صحة استنتاجات المؤلف ومدى الفرق بين الفكرة عند الإمامية وعند الإسماعيليين، وكذلك مدى الفرق بينها وبين فكرة القطب الصوفي.
- الإمام الغائب عند الشيعة هو أحد الأئمة الاثني عشر، وهو الحلقة الأخيرة منهم، شخص معين ومحدد الهوية والنسب، فلا ينطبق على قطب في كل زمان، ولا علاقه له بالدور الذي يقوم به القطب ولا بانتظار كشف الحقائق وبواطن الأحكام بواسطته، وإنما يتم تنفيذ الأحكام الإسلامية على يديه حال ظهوره، والاستخلاف في الأرض.
- ما أشار إليه المؤلف حول الجزيرة الخضراء ونقله الخبر عن بعض مصادر التراث الشيعي، نقول ونؤكد: إن حديث أو خبر الجزيرة الخضراء لا يصح سنداً ولا متناً، ولا مجال للقبول به، ولا الاعتماد عليه بوجه، وهو أقرب للوضع والاختلاق منه إلى الحقيقة والواقع، وما ذكره المؤلف للخبر من وجود انصاره وقرب ظهوره (عجّل الله فرجه) في تلك الفترة غير صحيح، وقاصر عن مستوى القبول والاعتبار.
لابد من الإشارة بأن هذا الكتاب قد فتح أمام الفكر الغربي باباً جديداً للثقافة والمعارف المهدوية، وهو يقود خطى الإمام الغائب في دائرة الاستثارة في الساحة الثقافة والفكرية الغربية، وفي الوقت نفسه لا يقلل من المعرفة والعلم والحقيقة، أنه بحق عمل يتجاوز جهود كثير من الباحثين والمستشرقين، وخدمة يقدمها المؤلف للثقافة العالمية.
لقد كان لكوربان تأثير كبير على تلميذه (فرانسوا توال)(١١٤)، حيث يقول توال مؤكداً تأثره بمعلمه: (منذ وقت طويل انصب اهتمامي على التشيع بعد أن اطلعت على مؤلفات هنري كوربان التي التهمتها كلها)، ومن اشهر كتب المستشرق الفرنسي توال (الجغرافيا السياسية للشيعة)(١١٥) والذي تمت ترجمته إلى العربية بعنوان (الشيعة في العالم، صحوة المستبعدين واستراتيجيتهم)(١١٦)، حيث ينظر المؤلف للمهدوية بوعي متقدم، ويفسرها بعقلية سياسية تتلمس الواقع الشيعي، وقد اعتبر العقيدة المهدوية حجر أساس في عقائد الشيعة، حيث يقول: (إن الشيعة يعيشون في انتظار عودة الإمام الغائب، فيما هم يناضلون من أجل العدالة على الأرض، ذلك هو باختصار، المنهج الذي تنتهجه هذه الطائفة في مسراها الدنيوي)(١١٧)، ويقول في جانب آخر من الكتاب: (أن المهدي غاب عن البشر ليقودهم على وجه أفضل، تاركاً وراءه الشيعة الاثني عشرية.. هذه الفكرة عصية على الفهم، فالأمر ليس (صعوداً إلى السماء) كما في الدين المسيحي، بل غيبة شاءها الله كي يسمح للمهدي بأن يقود الناس بطريقة خفية، وفكرة غيبة الإمام هذه لها لدى الشيعة تأثير مهم على محتوى هذا الايمان ونتائجه، لأنها تفسير طابعه النهاية: فالشيعة ينتظرون نهاية العالم وعودة الإمام، باعتبار أن هذه العودة هي بشكل أو بآخر، نهاية التاريخ وانتصار الله في مصائر البشر)(١١٨)، ويؤكد أيضا: (إن الشيعة مذهب ذو رؤية تتمحور رسالتها الروحية حول الإمام الغائب، وتفترض تالياً عدم نهائية التاريخ مادام الإمام غائباً ولم يعد ليحكم بالعدل، هذه الرؤية النهائية التي تستشرف نهايات التاريخ، لها مستلزماتها السياسية الثورية، مما جعل الشيعة ينتظمون حول كبار رجال الدين، وتبقى الطائفة الشيعية محكومة في مبادئها وانتظاراتها، بأن تبقى في حال غليان سياسي دائم)(١١٩).. والواضح أن (توال) يتحدث عن القوة المختزنة في عقيدة الانتظار، والتي تجعل من حركة الأقلية حركة قادرة على إحداث تحول هائل في تاريخ البشرية، والقدرة على التماسك والاستمرار في الوجود.
كتاب (المسيح الدجال الإسلامي حقائق صادمة): للكاتب المسيحي الامريكي جويل ريتشاردسون:
Joel Richardson (معاصر).. صدرت الطبعة الأولى للكتاب في عام ٢٠٠٦م (The Islamic Antichrist: The Shocking Truth about the Real Nature of the Beast)، ثم التقطته صحيفة Word Net Daily الامريكية واعادة نشره عام ٢٠٠٩م بعنوان (الدجال الإسلامي)، وروجت للكتاب بقوة من ذلك الحين.

m-mahdi.com

كثر الحديث عن المهدوية في السنوات الأخيرة في الاوساط الثقافية في العالم الغربي، وعبر وسائل مختلفة مثل الندوات الدورية والمؤتمرات السنوية والدراسات والبحوث، ودارت نقاشات حادة حول (نبوءة نهاية الزمان في الكتاب المقدس)، وتناول الجدل نكهة جديدة من قبل البعض، حيث ابتكروا تفسيراً وطوروا مخططاً جديداً تماماً للأحداث التي ستقع في آخر الزمان، والتي من أبرز ملامحها هو المسيح الدجال الإسلامي (المهدي) كما يصورونه، ومن بين الاصدارات الحديثة كتاب ريتشاردسون (المسيح الدجال) الذي تصدّر الكتب الأكثر مبيعاً بقائمة نيويورك تايمز الامريكية عام ٢٠١٥م.. هذا الكتاب يتكلم عن تنبؤات آخر الزمان من وجهة نظر دينية (الكتاب المقدس وعقائد المسلمين)، ويتحدث عن رؤية غربية حديثة للمهدي الإسلامي، ويحتوي الكتاب على ٢٧٦ صفحة.
يزعم الكاتب الأمريكي (أن المهدى المنتظر الذى تتنظر الأمة الإسلامية ظهوره لإنقاذ العالم يتشابه تماماً مع المسيح الدجال الذى ينتظر المسيحيون ظهوره في أخر الزمان، كما وصف في سفر الرؤيا، وفي النبوءات اليهودية لحزيقال ودانيال).. ومما قاله الكاتب: (أن المهدي الإسلامي يلائم الصورة التوراتية للوحش ويلائم المسيح الدجال في الكتاب المقدس)(١٢٠).. ويزعم المؤلف أن الكتاب المقدس ينص على حقيقة أن المسيح الدجال الإسلامي سوف يكون الزعيم الروحي الذى سيتم الاعتراف بسلطته في جميع أنحاء العالم ويؤسس (حركة للعبادة) في جميع أنحاء العالم، وادعى الكاتب أن المهدى المنتظر أو المسيح الدجال سيعمل على ذلك بمساعدة رجل مسلم يدعى أنه (المسيح الحقيقي)، للقضاء على أي شخص يعتنق أي دين آخر غير الإسلام وسيجبر الناس على التخلي عن دينهم، وعبادة (إله المسلين) فقط.. وفي فصل كامل يستشهد ريتشاردسون بقول الكتاب المقدس أن المسيح الدجال سيقطع رؤوس الذين يقاومونه، ويؤكد المؤلف أن الإعدام بقطع الرأس هو من الخصائص الأساسية للإسلام(١٢١).
ويضيف الكاتب: وأن المهدي سيجدد الامبراطورية العثمانية(١٢٢) التي بنيت أساساً على أسس الامبراطورية البيزنطية المسيحية، وهكذا نرى أن المهدي هو زعيم الثورة العالمية التي سيكون عليها (النظام العالمي الجديد) والذى سيكون أساسها دين الإسلام، وهذا هو إنكار مباشر لإله الكتاب المقدس وابنه يسوع المسيح، موضحا هذا هو السبب في أن بعض المسلمين يشعرون بقوة إلى حد القول بأن المهدي سوف يقضى على المسيحيين واليهود الذين يرفضون اعتناق الإسلام.
ويتوقع جويل أن تكون نهاية العالم قريبة، مؤكدا أنها الفكرة التي جعلته يؤمن بأن المهدي المنتظر هو نفسه المسيح الدجال، فلو كان المسيح الدجال في المسيحية سيأتي بالشر فإن المهدي المنتظر سيأتي للقضاء على كل أصحاب الديانات الأخرى وبالتالي فهما شخص واحداً، كما قام الكاتب بتخصيص جزء من كتابه لتعاليم الإسلام التي وصفها (بالتقاليد).
وتلقى أبحاث ودراسات ريتشاردسون التي ألف كتابه على أساسها الضوء على العلاقة بين نبوءة نهاية العالم في المسيحية والتوقعات الإسلامية للهيمنة على العالم، ويقول: (ان معظم الناس في الغرب لا يعرفون ما يقوله القرآن عن المسيح، ولا يعرفون أن قاعدة معتقدات المسلمين لا ترتكز فقط على القرآن، ولكنها ترتكز أيضا على أقوال محمد - الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - التي تفسر القرآن، زاعماً أنه بدون هذه الأقوال لا يمكن أن يكون القرآن مفهوما بشكل صحيح، ومعظم المعتقدات الإسلامية حول نهاية العالم تستند إلى أحاديث محمد)(١٢٣).
ويقول جويل هناك تسليم عند المسلمين بظهور المهدي، وأنه سوف ينحدر من عائلة محمد، وسوف يحمل اسم نبي المسلمين (محمد) وهم يعتقدون أن القدس ستكون بمثابة عاصمة حكم المهدي على الأرض، ويصور التراث الإسلامي بأن المهدي سيكون شابا عاديا ينضم إلى جيش من المحاربين المسلمين يحملون الأعلام السوداء، ثم سيرتقي المهدي لقيادة هذا الجيش وينطلق بهم إلى القدس لاسترداد الأرض من اليهود وذبحهم، والمهدي رجل عادى وليس كائنا خارق للطبيعة، ومن المتوقع له أن يحكم لمدة سبع سنوات ثم يموت.. ويزعم الكاتب بهتاناً هذه هي حقيقة المهدي عند المسلمين، ويوصف المسيح الدجال وصفاً قوياً والذي عرفه بالمهدي الإسلامي.
وفى الجزء الأخير للكتاب وبعنوان (هكذا يجب أن نرد)(١٢٤) يقول فيه: (ينطلق شعور من الخوف والعجز بهذا الكتاب، يتعلق بالمستقبل الذي ينتظرنا كمسيحيين، ويخاطب القارئ الغربي قائلاً: يجب أن تكون مستعداً عقلياً وروحياً إلى المشقة المرتقبة الحاسمة التي تنتظرنا).
هذا الكتاب يمثل نموذجاً واضحاً من دراسات المستشرقين (المتعصبة) والغير موضوعية والفاقدة للأمانة العلمية، وبنظرة شاملة ودقيقة للكتاب نجد من الأخطاء المنهجية العلمية التي اعتمدها ريتشاردسون في بحثه: أنه بدأ في مقدمة الكتاب بفرضية (إن المهدي الإسلامي يلائم ويتشابه مع صورة الوحش والمسيح الدجال في الكتاب المقدس)، وهي فرضية لا تستند على أي اساس علمي أو منطقي، إلا أنه مع صفحات الكتاب تعامل مع هذه الفرضية على أنها حقيقة واقعية، وتبنى استنتاجاته عليها، على الرغم من عدم قيامه بإثبات صحة هذه الفرضية أو تأكيدها بالأدلة والبراهين.. وهذا كلام في قمة التجني، وهو بهذا يستخف بعقول القراء، الذين يعتقدون أنه ربما اثبت فرضيته في مواضع أو كتابات أخرى، وهذا تلبيس الحقائق وتضليل القارئ الغربي، فيصل إلى هدفه بتشويه صورة المهدوية في إطار مغلف بثوب من البحث العلمي.. وهكذا دراسات تفوح منها أوحال العصبية، ولذا خرجت من تحت عباءتهم مثل هذه المزاعم والافتراءات، وهي تعكس الدوافع والأغراض التي وراءها.
كيف نستفيد من كتابات المستشرقين عن المهدوية؟
لا شك أن قراءة رؤية الاستشراق وتحليل دراساته عن المهدوية الإسلامية، يشكل مفصلاً مهماً من مفاصل مشروع (تعريف المهدوية للحضارات الأخرى)، وإن كان بشكل غير مباشر، حيث يمكننا النظر إلى نمط السلوك الثقافي الاستشراقي، وإعداده للكتابات والبحوث عن تراثنا ومعارفنا المهدوية، أنها رؤية من خلال منظور بيئة وفضاء مختلفين، ورؤية من خارج الصندوق.. وهذا أمر في غاية الأهمية، نرصد من خلاله نقاط القوة والضعف في تراثنا وثقافتنا المهدوية، ربما لا ننتبه له عندما ننظر له من داخل الصندوق.
لابد من الاطلاع على كتابات المستشرقين عن المهدوية ودراستها بدقة، حتى وأن كانت لا تروق لنا أو اعتبرناها كتب هشة ومغرضة، فلا بد من التعرف على الآخر وأخذ رؤاه عن المهدوية على محمل الجد، وان نمتلك صورة اكثر وضوحاً عن حقيقة المنهج الاستشراقي في دراستها، وإدراك اهدافها وابعادها.. وتزداد اهمية قرأتها من قبل رجال العلم والفكر المسلمين ودراستها من قبل المتخصصين، وذلك للتعرف على مستواها العلمي ودقة المعارف المهدوية فيها، ومدى خطورة الشبهات المثارة، بالإضافة إلى اعتماد طريقة التحليل في دراسة مناهجهم البحثية في هذه الكتابات مستنداً إلى المناهج العلمية والموضوعية، والتركيز على الافتراءات والنتائج وتفكيكها، ومعرفة الاسباب والدوافع التي ينطلقون منها.
في هذا السياق يحتم علينا تكوين بناءات فكرية وتراكمات معرفية عن الرؤية الاستشراقية للمهدوية، ولا بد أيضا من رصد الأهداف الاستراتيجية من وراء كتاباتهم وبحوثهم، وبعد ذلك تقييم عمق الافتراءات والتخرصات التي تحتويها، وتحديد مستوى خطورتها وأهميتها.. وبدون الاطلاع على رؤيتهم لن يتسنى لنا الاستعداد لرد الشبهات، أو التعرف على الثقافة المهدوية السائدة لدى الرأي العام الغربي، أو التي يتم ترويجها (بدوافع دينية او سياسية)، وحينها نستطيع ان نضع أيدينا على الخطوات الأولى في سبيل التعريف للمهدوية الحقة من خلال فهم الآخر، مما يسهل مهمة الدخول للمجتمعات الاخرى وتعبيد الطريق لإنجاح المهمة الملقاة على عاتقنا.
إن ما يشغلنا هو التعرف على هذا النوع من الاستشراق الخاص، وهنا لابد أن نثير سؤال كبير ومهم: لم كل هذا الاهتمام بحثاً ودراسةً وتحليلاً في القضية المهدوية لدى المستشرقين في الوقت الراهن؟.. وقبل ذلك علينا أن نستوعب وندرك دورنا المطلوب لتصحيح الصورة المزيفة عن المهدوية، والتي يحاول الاستشراق نشرها وترويجها لدى الرأي العام الغربي.
إن فهم المنابع الفكرية والأسباب الجذرية أو مصادر المزاعم والافتراءات حول المهدوية عند الآخر، هو في غاية الاهمية، وذلك لتصميم استراتيجية قابلة لتجاوز هذه الشبهات وبالتالي تسهيل مهمة نشر المعارف المهدوية الاصيلة.. لابد أن نأخذ المبادرة ونقوم بمهمة تعريف وإيصال حقيقة المهدوية الأصلية - مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) - للحضارات المختلفة (الشعوب غير المسلمة - الآخر) وبشكل يناسب عقليتهم، ولكي يتم ذلك بشكل سليم وصحيح يجب معرفة المباني الفكرية والإحاطة بالمعارف المهدوية عند الآخر، ومتابعة آخر المستجدات التي وصلت إليها الرؤية في منظومتهم الفكرية.. من هنا وجب دراسة ما كتب عن المهدوية في دراسات وكتابات المستشرقين، وعندما نقوم بهذه الخطوة أو المهمة، حينها نستطيع وبجهد علمي وأساليب حضارية وبعيداً عن هواجس المؤامرة أن نتعرف على شخصية الآخر (الغربية مثلاً) من حيث مكوناتها الفكرية والثقافية، وأن ننتقل من موقع النقد والدفاع إلى موقع التوجيه والتأثير، وهذه هي المهمة والمسئولية الواجبة علينا.
بصراحة يجب أن نستوعب وندرك: إن تعريف المهدوية للآخر مهمة حضارية وقبل ذلك مسئولية دينية، وإن النقد لوحده لا يكفي.
الخلاصة:
حاولنا في هذا البحث استجلاء صورة المهدوية في الرؤية الاستشراقية، ورسم معالمها التي تأسست عند الرأي العام الغربي (الآخر) من خلال كتابات وبحوث المستشرقين، باعتبار ذلك نتيجة طبيعية ومنطقية للجهود التي بذلها المستشرقون والاهداف التي ينطلقون منها.. ونطمح من وراء ذلك تأسيس قاعدة (لمنظومة معرفية) تحصر وتتبع مساهمات ومواقف المستشرقين تاريخياً وحاضراً حول المهدوية، ودراستها وتحليلها بشكل علمي موضوعي، مما يساعدنا على ربط صورة المهدوية عند الغرب في الماضي بالرؤية الحالية، والوقوف على أهم التغيرات المستجدة في هذه الرؤية، وكذلك العمل على تفكيك وتقويض الصورة المزعومة والمشوهة عن المهدوية التي رسمها المستشرقون في كتاباتهم، مما يتيح الفرصة لننطلق في مشروع تعريف المهدوية الاسلامية الاصيلة.
عندما نلقي الضوء على الكتابات الاستشراقية المهدوية ونحلل منهجيتها بشكل علمي، نجد أنها تنطوي على نقاط ضعف كثيرة، ولا أبالغ إذا قلت: أن المنهج والاستنتاجات في هذه الكتابات بشكل عام قاصره وبها خلل كبير، وأن خرجت لنا على شكل دراسات علمية موضوعية محايدة، وبالتأكيد أن وراء هذا القصور دوافع وبواعث عديدة، ويتجلى ذلك في الاتي:
- نلاحظ في كتابات المستشرقين حول المهدوية وبالخصوص في الكتابات القديمة (قبل عام ١٩٧٩م) عدم الاحاطة بكافة تفاصيل الاطروحات المهدوية المختلفة أو إدراك الفروقات المذهبية، أي عدم التعمق في فهم الأطروحة المهدوية الإمامية، وعدم الاعتماد على مصادرها الأصلية، بل أن بعضهم يعتمد في كتاباته على مصادر ذو اتجاه محدد فجاءت دراساتهم غير كاملة وغير ناضجة تماماً، مما أدى إلى أن تكون استنتاجاتهم غير واقعية، علماً بأن هذا العامل بالنسبة للمستشرقين يتناغم ويتلاءم مع أهدافهم واغراضهم من الدراسة.
- نجد إن كثير من أفكار ورؤى المستشرقين حول المهدوية جاءت محكومة بنظرة مسبقة، وذلك لتأثير الخلفية الأيديولوجية أو الاغراض السياسية، مما منعهم من فهمها بصورة صحيحة، وظلت رؤيتهم لها ضبابية سوداوية بحكم واقع المستشرقين الخاص، لا بحكم واقع المهدوية وحقيقتها.
- بنظرة تقييم شاملة للمنهج الذي اتبعه المستشرقون في دراسة المهدوية، نجد أنهم استخدموا نفس الاسلوب من التشكيك وإثارة الشبهات والمصطلحات التي يتداولها بعض المتعصبين من المسلمين (المناقضين لأطروحة مهدوية أهل البيت (عليهم السلام)).. وهذا يجعلنا نؤكد أن دراسات المستشرقين (بشكل عام) حول المهدوية تخلوا من الموضوعية العلمية، وإنما الهدف تشويه صورتها في إطار مغلف بثوب من البحث العلمي، ولذا نستطيع أن نقول: إن المستشرقين هم الحزب غير العلمي في كتاباتهم عن المهدوية.
الاستشراق (الغرب) لا يريد ان يدرس المهدوية الإسلامية بشكل صحيح، بسبب اهداف ودوافع هذه الدراسات والبحوث، مما اوقعهم في اخطاء (منهجية علمية) كبيرة، وهذا يعد اشكالية حقيقية تعتري الكتابات الاستشراقية عن المهدوية، وطبيعي ان تكون استنتاجاتهم وآراؤهم تجاهها حاملة لطابع العداء والسلبية، وهذا ما يفسر كثرة المزاعم والافتراءات في كتاباتهم.
بشكل مجمل نستطيع أن نوجز رؤيتهم الحالية عن المهدوية في النقاط التالية:
١ - إن المهدوية الإسلامية (كفكرة المنقذ أو المخلص الموعود) غير أصلية، بل هي مقتبسة من ديانات سابقة، وأن منبع الفكرة عند المسلمين هي اوضاع اجتماعية وسياسية ظالمة دفعت إلى تبني هذه الفكرة.
٢ - إن الصورة الشيعية للمهدوية هي في حقيقتها عودة المسيح الثانية، من قبيل تفاصيل الولادة والغيبة والظهور مرة ثانية ونشر العدل.. ويميل لهذا الطرح البعض من المستشرقين.
٣ - إن المسيح الدجال او الوحش او التنين في التراث الديني لليهود والنصارى (الكتاب المقدس) يتشابه تماماً مع المهدي الإسلامي.. ويميل لهذا الطرح المتعصبين من المستشرقين الجدد.
من هنا يظهر الفرق بين مهدوية أهل البيت (عليهم السلام) ومهدوية الاستشراق، حيث إن الخطاب الرسمي للمهدوية الإسلامية (الحقة) يحتضن آمال من السلام والعدل، ويبشر الإنسانية بمستقبل مشرق ومفعم بالرفاهية والأمان، وعكس من ذلك وجهة نظر المستشرقين حولها من لغة خطاب يحمل الكراهية وصراع الحضارات ويعد البشرية بمستقبل معتم ملئ بالظلم والحروب.
ولذا يمكننا القول: إن الدراسات الاستشراقية عن المهدوية لم يكن هدفها وقصدها (التعرف على المهدوية الإسلامية وفهمها)، بل يبدأ الفهم لدى المستشرق من خلال نقطة انطلاقه في البحث، وهي اهدافه ودوافعه سواء كانت دينية أو سياسية، بالإضافة لخلفيته الفكرية والايديولوجية، وفشلهم في تحييد هذه المنطلقات أدى إلى سوء فهم وخلل (مقصود) لمهدوية أهل البيت (عليهم السلام).. ويظهر هذا الأمر جلياً في الاستشراق اليهودي والصهيوني ولاحقاً الاسرائيلي، فالتشكيك في العقيدة المهدوية الحقة يعد هدفاً أساسياً ومحورياً من أهدافهم، فالنجاح في ذلك معناه تقويض الفاعلية الايجابية للفكرة عند المؤمنين بها، وإجهاض دوافع روح التحدي والمقاومة أو النهضة والتغيير.
لابد من الأخذ في الاعتبار إننا بحاجة إلى تحليل أعمق ونقداً أوسع للكتابات الاستشراقية حول المهدوية، ولاسيما بالأفكار والرؤى التي بلورها الاستشراق القديم مقارنة بالدراسات الاستشراقية الحديثة، وملاحظة أي تطور أو تجديد للأفكار فيها أو الدوافع الحقيقية وراء كتابتها، ومتابعة المستجدات أولاً بأول.. ليتسنى لنا الاجابة على الأسئلة المهمة والحساسة التالية: هل عندنا مشروع أو استراتيجية لتعريف مهدوية أهل البيت (الأصلية) للآخر؟ وهل حددت معالم المشروع وخارطة الطريق بشكل يتناسب مع أهداف المهدوية ومقاصدها العليا؟ وقبل كل ذلك: هل شخصنا معارف ورؤى الآخر عن المهدوية في الوقت الراهن؟!.
في نهاية هذا التجوال السريع في الفضاء الاستشراقي المهدوي، يمكننا طرح هذا التساؤل: هل كثرة الدراسات الاستشراقية حول القضية المهدوية تشكل ظاهرة إيجابية أم سلبية؟.. معرفة الاجابة على هذا السؤال على جانب كبير من الأهمية، بفعل التطور الملموس في عدد الدراسات الاستشراقية الجدية والمهمة حولها!!، وما يهمنا هو إدراك مدى توسع وانتشار المعارف المهدوية الحقيقية الأصيلة عند جميع الحضارات والشعوب.. وتأسيسا على ذلك نطرح تساؤل جوهري واستراتيجي: هل الثقافة والمعارف (المهدوية) في الوقت الراهن محصورة في كتب التراث، وأن العالم المعاصر قد حجّمها في الإطار التقليدي، وألقى عليها صبغة المفاهيم الفقهية والايديولوجية الكلاسيكية؟.. أم إن الثقافة (المهدوية) حالياً تحاول الانبعاث والانطلاق بقوة، وهناك حالة من التطوير داخل البيت الشيعي بإعادة صياغة طرحها برؤية حضارية عالمية، وإن معارفها ورؤاها تصل لكل البشرية، وبواسطة التقنيات ووسائل التواصل في العصر الحديث تصبح اكثر توسعاً وانتشاراً.

الفصل الرابع: المهدوية برؤية حضارية

شكلت فكرة الخلاص من الظلم والجور والبحث عن العدالة هاجساً للبشرية منذ أقدم العصور وحتى اليوم، فمسألة وجود (المُخِلّص) الذي يصلح الدنيا قبل فنائها، ويُعمرها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، هي فكرة انطلقت من أعماق التاريخ، فما من أمة من الأمم السابقة إلا وبشرها أنبياؤها بمخلص سيأتي آخر الزمان ينشئ حكم الله في الأرض (الدولة الفاضلة)، وهذه الفكرة لا تقتصر على الديانات السماوية فحسب، بل عرفت حتى في الأديان الوضعية والفلسفات البشرية، مما أدى إلى اتفاق الجميع على المبدأ وأصل الفكرة، وحتمية هذه الشخصية (المخلص الموعود) في الفكر الديني والبشري، وأنه سيقيم مجتمع العدالة والفضيلة لكل البشر، وهكذا التقى العقل الإنساني مع وعد الله للبشرية.. إلا أن هناك خلافاً يثار باستمرار حول تحديد هوية هذا المخلص، ويصبح الموضوع من المسائل الشائكة للغاية عند الحديث عن المخلص الإسلامي (المهدي المنتظر) قياساً للثقافة السائدة عند الآخر (غير المسلم) حالياً، مما يحتم علينا عرض وإيضاح حقيقة المهدوية بصورة ناصعة، وطرحها بأسلوب يتوافق مع عقلية الطرف الآخر.
إن معرفة الأهداف المهدوية الكبرى ومتطلبات مسيرة التمهيد، يدفعنا للتعالي على النظرات الضيقة في الثقافية المهدوية، والتي فرضها علينا الواقع النفسي والسياسي والفكري للمسلمين، والبحث عن سبل للخروج من أسر الماضي وضيقه إلى أفق المستقبل ورحابته، فنفتح المجال للتفكير في المعارف المهدوية بمنهج ومنظور يتطابق مع أهداف وغايات الإمامة الخاتمة الشاملة لكل البشرية، مما يوطد لتأسيس منظومة فكرية معرفية مهدوية برؤية حضارية، وتكون لها القابلية لإدخال وترسيخ حقيقتها لدى الرأي العام للأمم والشعوب الأخرى.
أهمية طرح المهدوية برؤية حضارية:
إن ثقافة الخلاص إحدى المسارات الفكرية الإنسانية المشتركة، وإن الخلاص الإسلامي المتمثل في المهدوية حظى باهتمام بالغ وكتبت فيه عدد كبير من البحوث والدراسات، ولكن معظمها موجة لمخاطبة المسلمين.. وعند التتبع والتدقيق ومراجعة التراث الثقافي المهدوي يتجلى لنا غياب ملامح أي مصنفات تخاطب الآخر وبالأسلوب والعقلية التي تتناسب مع الرأي العام للحضارات الأخرى، مما يحتم علينا أن نجدد في خطابنا المهدوي، ونواكب خصوصيات ومتطلبات المرحلة المعاصرة وفقاً لأسباب جوهرية عديدة منها:
١ - استقراء التطور الفكري والمعرفي في التراث المهدوي: يشير إلى إننا بحاجة إلى حالة من التطوير والتجديد، وإعادة صياغة طرح المهدوية برؤية حضارية عالمية، على ان يصل مفهومها وحقيقتها ورؤاها لكل البشرية.
٢ - دراسة اولويات المرحلة التاريخية ومعرفة متطلباتها: ففي المرحلة الزمنية الحالية، وعلى ضوء التحولات الفكرية والسياسية الجديدة، تولدت حاجة ملحة لعرض المهدوية على الآخر بأسلوب يتناسب مع عقليته وبرؤى حضارية.
٣ - تعريف المهدوية للحضارات الأخرى: فمن المهم إن الأمم والشعوب غير المسلمة تتعرف على حقيقة مهدوية أهل البيت (عليهم السلام)، وبناءً على القواسم المشتركة لمبدأ الخلاص وفكرة المخلص، وان تدرك أهدافها ومقاصدها الإنسانية العالمية.
٤ - محاربة الأعداء للمهدوية: فقد تحفزت مؤسسات الهيمنة الغربية في الآونة الأخيرة على دراسة المهدوية بشكل مكثف، وسعت إلى تزييف الحقائق وتشويه وتقويض صورتها بمختلف الأساليب، مما يحتم علينا التحرك لإيضاح الحقيقة.
٥ - الحقيقة الناصعة للمهدوية: بكل تأكيد إن الإمامة الخاتمة تمتلك المقومات الضرورية في تقديم ذاتها للآخرين بنجاح، حيث إن خصائصها ومرتكزاتها تؤهل للنهوض بالإنسانية حتى تصل لمرحلة الكمال والرشد مما يتطلب إيضاح ذلك للآخر.
يجب أن نعي وندرك قبل أن نُعرف ونعرض المهدوية ونبيّن ونشرح معالمها وتفاصيلها، إن من خصوصيات الآخر (غير المسلم) عندما يراد إيصال الحقيقة له، لا معنى لأن يقال: (هذا ما ورد في القرآن أو ما روي عن الرسول أو ما جاء عن أهل البيت) لأنه لم يؤمن بالنبي الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكتابه الكريم.. وتأسيساً على ذلك، وفي سبيل تقديم المهدوية للأمم والشعوب المختلفة برؤية حضارية، والكشف لهم عن حقيقتها وخصائصها ومزاياها، وإيضاح أهدافها والنتائج التي ستتحقق على يديها.. نحن مضطرون للاستدلال والمحاكمة بالمنهج العقلي والذي يتناغم مع المجتمعات علمانية النزعة، والممعنة في الاتجاهات الفلسفية المادية، والتي تنظر إلى الدين كظاهرة اجتماعية لها بواعثها في التبلور والظهور، وهذا من الضرورات المنهجية عند الحوار أو النقاش مع الآخر (العلماني أو إتباع الديانات الأخرى)، وبحيث يكون المعنى الذي يفهمه أو يدركه بالعقل، قد سبق وفهمه المسلم من القرآن الكريم أو من الروايات الشريفة، وهكذا يحدث التوافق بين منطق العقل ومنطق الدين.
السبيل لإدراك أصل الفكرة:
إن التعاليم الربانية أرست فكرة المخلص والمنقذ في تراث كل الأديان السماوية بصيغة قابلة للهضم بالنسبة للملتزمين بتعاليم المدرسة الإلهية والمؤمنين بها، أما الفرد أو المجتمع ذو النزعة العلمانية والأفكار المادية، فإنه ينظر إلى عقيدة المخلص أو الاطروحة في صيغتها النهائية (المهدوية) من قبيل نظرته إلى أفكار الشعراء التي تفتقد بنظره لأية قيمة واقعية، وهي نفس النظرة للأمور المعنوية (١٢٥) والمعارف الدينية، ولذا نأمل من هؤلاء الأفراد طريقة أفضل وأعمق في التأمل والتفكير في أصل المسألة (المخلص الموعود).. فسنن الله في الكون صيغت بطريقة لا تتبدل ولا تتأخر وتجري بثبات واطراد في حياة البشر، وأن هناك سنن في الأفراد وسنن في الأمم وسنن في الحياة وغير ذلك، وهي لا تتغير ويخضع لحكمها جميع البشر، وفكرة المخلص واحدة من سنن الله في الحياة (الهداية والإصلاح).. وما نحتاج إليه لإدراك مفهوم المخلص أو المنجي الموعود (المهدوية) وإثباتها وإقناع الآخرين بها، لا يتسنى إلا بإحدى الطرق المعرفية(١٢٦) التالية: سواء كان عن طريق (الفطرة الإنسانية) أو عن طريق (الاستدلال العقلي والمنطقي) أو عن طريق (الإرشاد السماوي).
الإنسان واقعي بطبيعته التي أودعها الله فيه، ولكن مما لا شك فيه، إنه يستطيع بهذه الطرق المعرفية الثلاث الإدراك والتعلم وخاصة في الأمور والمقامات المعنوية.. وبهذا النمط من التفكير وبهذا المنهج الاستدلالي والأسلوب العقلي يمكن العثور على المعارف الغيبية والمعنوية بدلائل وحجج كافية.. وفي ضوء ذلك فإن طرق الإثبات والبرهان على (المخلص المنتظر) تنسجم مع هذا المنهج في إحراز الإدراك والمعرفة والحصول على العلم واليقين وبالسبل الثلاثة جميعها.. وإن الثمرة التي تعود من نهج الطريق العقلي والاستدلال المنطقي، تفضي إلى أن تكون فكرة المخلص سائغة، وإن حقائقها الناصعة قابلة للإحاطة والإدراك لمن يتحلى بهذا الأسلوب من التفكير والتحليل.
أولاً: المُخِلّص وبرهان الفطرة:
الفطرة: هي الخلقة التي خلق الله عباده عليها، فجُبِل الإنسان على محبة الخير وإيثاره، وكراهة الشر ودفعه، وفُطِر على حب الفضائل، فكل إنسان يولد بفطرة سليمة صافية كاملة، بحيث اذا بقي بعيداً عن تأثير العوامل الخارجية (الوراثة والبيئة) سلك طريق الحق، ويكون إدراكه لحقائق الأشياء مستقيماً وبإحساس صادق، بسبب الحواس السليمة وما يتلقاه العقل السليم.. وهكذا فان النزوع إلى الله مخزون في الإنسان وفطرته، وكذلك الميل إلى العدل والصدق والمكارم مخزون بأحكام في أصول الفطرة الإنسانية، وهذا الإحساس يجذب الفرد نحو الكمال المعنوي.
إن طريق الفطرة الصافية هو السير في داخل الذات الإنسانية، وتأمل الوصول إلى مطلق الكمال، أما حين يكون العالم الخارجي منسلخاً ومخالفاً لفطرة الإنسان (كانتشار الظلم والفساد مثلاً)، فان هذا يعد زيغاً وانحرافاً عن مقتضى الفطرة نفسها، فتدفعه غريزته وتجَّبِله على الانجذاب نحو التغيير لما يتوافق مع أصل خلقة الإنسان، وعلى هذا الأساس يصبح كل فرد منساقاً إلى العدل والتوحيد (مبتغى الفطرة) كمطلب يحبه الناس في حياتهم وهو من صميم فطرتهم السليمة.. وعندما لا يستطيع الفرد تغيير العالم الخارجي الذي يحتوي لما يخالف فطرته، يتحول مبتغى الفطرة إلى أُمنية ينتظر تحقيقها، وهكذا هي فكرة الخلاص عند الإنسان، نابعة من فطرة الإنسان وينتظر تحويلها إلى أمر واقع، وهي تتماشى مع أي فطرة صافية أي مع الحق الطبيعي، والتي تمثل المشترك البشري العام.. إن عقيدة المخلص ثابتة في النفس البشرية والوجدان الإنساني لا تتغير مهما مضى الزمان أو طرأت تحولات وتطورات تاريخية مالم تتحقق على أرض الواقع بعد، باعتبارها حقيقة خالدة لها جذور ممتزجة بالفطرة والطبيعة البشرية.
إن حتمية ظهور المخلص في الفكر الإنساني عموماً انعكاس لحاجة فطرية، وتزداد هذه الحاجة إلحاحاً كلما زاد الظلم واستشرى الفساد، مما يكشف عن صدى للإحساس الغريزي المتأصل لهذه الفكرة في عمق النفس البشرية، وما الدعوة إلى (المدينة الفاضلة) كما عبر عنها الفلاسفة قديماً وحديثاً عبر التاريخ، إلا تعبيراً عن هذه الحاجة والإحساس، ولذا فإلهام الفطرة الإنسانية بالحاجة الملحة إلى المخلص أمر مشترك بين كل البشر، ولكن انتظارها وترقبها يختلف عند الشعوب والأمم ويتفاوت حسب الظروف والواقع النفسي لكل مجتمع.
ثانياً: المُخلِّص وطريق الاستدلال العقلي:
العقل: هو مجموعة من القوى الإدراكية التي تتضمن الوعي والمعرفة والتفكير والحكم و... و... وهو غالباً ما يعّرف بملكة الشخص الفكرية والإدراكية.. وباستخدامه يستطيع الإنسان إثبات الأمور وبرهنتها، وهذا يتضمن التعمق في التفكير والتأمل، حيث يقوم العقل بتحليل المعلومات والأحداث ودراستها لاستنباط الحقائق والنتائج التي توصل إلى المعرفة.
فالعقل هو مصدر آخر ومهم من مصادر المعرفة الإنسانية، وعن طريقه يستطيع الفرد إدراك الحقائق وفهم المعاني الكلية، ولذا فان القضايا المعنوية والغائبة والتي نود إدراكها ومعرفتها بمقدورنا ان ننهج طريق الاستدلال العقلي الذي وهبه الله لنا لنصل إلى ما نريد، وإدراك المفاهيم واستخلاص الحقائق.
ومن بين الحقائق التي يدركها العقل حقيقة (المخلص الموعود) كفكرة واقعية، حيث ان العقل السليم يقضي بأن الخير لابد أن ينتصر في نهاية المطاف، ويسود التوحيد والعدل على كافة الأرض المعمورة، وهذا ليس نابعاً من الرغبة أو العاطفة عند المستضعفين، بل نتاج لتفكير وتحليل واستخلاص عقلي يؤكد ذلك بناءً على:
* إن الخالق أمر عباده بأتباع طريق الخير والحق، ولابد أن يقيم الحجة عليهم بإمكانية قيام (الدولة الفاضلة لكل البشرية) يتجسد فيها التوحيد والعدالة والفضيلة كأساس لها، حتى لا يتذرع أحد بكونها غير ممكنة التطبيق.
* إن البشرية لابد لها أن تتحرك ضد الظلم والفساد مهما طال الزمن، وفي مسيرتها التاريخية لابد ان تصحح مسارها وتصل إلى إقامة مجتمع العدل والرخاء، باعتبار ذلك يمثل الأمنية الكبرى للبشرية والمنبعثة من الفطرة الإنسانية، بضرورة القضاء على الظلم والجور بشكل نهائي وشامل.
وعلى ضوء ذلك، فلابد ان يقود شخص (المخلص) عملية التغيير والثورة العالمية الشاملة، وهذا ما توصل إليه العقل الإنساني عن طريق استقراء أطوار التاريخ ودراسة سننه.. وهكذا يلتقي العقل البشري مع الحاجة الفطرية الإنسانية في ضرورة خلاص البشرية على يد جهة تطبق ذلك، وتحقق الأمنية الإنسانية الكبرى وتقيم أهداف الرسالات السماوية.
ثالثاً: المُخلِّص وطريق الإرشاد السماوي:
الوحي: الوسيلة والصلة بين الخالق والخَلق، وهو مختص بالأنبياء والرسل، ويتم من خلاله تبيان الرسالة الإلهية، ويحتاج الوحي إلى واسطة (الملائكة).. وهذا المصدر من المعرفة يعد من أهم وأغنى وأسمى المصادر التي تلقاها الإنسان وهو مرتبط بعالم الغيب، ويعتبر إدراك خاص متميز عن سائر الإدراكات.
إن طرق وادوات المعرفة يستفاد منها في مجالات عديدة ومختلفة، فالحواس تختص في مجال الماديات والمحسوسات، والعقل في مجال معين بناءً على مبادئه وإمكانياته، إما مجال الوحي فهو أوسع نطاقاً وأكثر شمولية، كما أنه نافذ في جميع الأصعدة.. ولذا توجد حقائق لا يدركها العقل، ولا تصل لها الحواس، ويختص بنقلها الوحي، الذي يزود الإنسان بمعرفة موضوعية ذات حقائق بالوجود، ويقف على مكنونها وماهيتها الحقيقية، لا سيما الموضوعات المتعلقة بالذات الإلهية والعوالم الأخروية، فإنها تظل خارج دائرة استيعاب العقل والحواس.. فالله وحده هو المحيط بكل شيء وبهذه الموضوعات، ونصيب العباد من العلم الإلهي بقدر إخبار الله لهم.
والذي لا شك فيه، إن الكتب السماوية التي أنزلها الله تعالى على رسله وأنبيائه من خلال الوحي تضمنت الشرائع والأحكام والمبادئ والقيم التي ترشد وتهدي الناس إلى الحق والفضيلة، كما تضمنت معارف وحقائق تعجز مدارك الإنسان عن معرفتها أو الإحاطة بها مثل: الأخبار بالأمور الغيبية المستقبلية، سواء الأخروية (الموت والقيامة) أو الدنيوية (المستقبل ونهاية التاريخ)، علما بأن هذه المعلومات والمعرفة تحقق التوازن والانسجام للإنسان لصدورها من الخالق.
ومن حسن الصدف أن نلمس مواطن كثيرة في التراث الديني السماوي مثل (التوراة والانجيل والقرآن) الموجودة والمتداولة في الأيدي تحتوي على نبوءات وبشارات وإشارات إلى (المخلص المرتقب) كهويته وعلامات ظهوره ومعالم دولته وأهدافه وغاياته، والتي لا يمكن الحصول عليها إلا عن طريق الوحي، مما جعل اتباع الديانات المختلفة متفقة على (أصل الفكرة) وتنتظر زمانه وخروجه.. وعليه فالمؤمنون لا يُسلِّمون بصدق أية أطروحة للإصلاح أو الخلاص تشمل البشرية كلها تنبثق من غير طريق الوحي ومنبع النبوة.
الثمرة: بالتأكيد هناك حقائق ميتافيزيقية (ما وراء الطبيعة - غيبية مثلاً) لا يمكن للعقل الخوض فيها مستقلاً، فمن الصعوبة التوصل إلى نتائج عقلية مجردة في الأمور المعنوية، والتي تقوم خارج المبادئ والإمكانيات العقلية (المستقبل مثلاً)، وصعوبة تجرد العقل البشري تنبع من طبيعة الإنسان، فالتداخل بين العقل والنفس هو جوهر الإنسان منذ بدء خلقه.
إذاً فإن دور العقل وبرهان الفطرة يثبتان أصل فكرة الخلاص ويبيّنان الخطوط الكلية لحقيقة المخلص، والتأكيد على ضرورة أصل وجوده، وعلى شرائط وأوصاف وخصائص هذا المنقذ الموعود، ولكن لا يتعرضان إلى تحديد الهوية وتعيين الشخصية، أنما ذلك فيقع على عاتق الإرشاد والبشارات السماوية، حيث أن هذا المنصب والمقام جعل إلهي، ليس للبشرية نصيب في الاختيار أو الانتخاب مثل تعيين أو تنصيب الأنبياء والرسل.. إنما يتوفر هذا التشخيص والتحديد عن طريق الدليل النقلي القطعي من التراث الديني السماوي، باعتبار إن هناك مخلصاً مستقبلياً واحداً فقط.
إن الثمرة التي نستنتجها من نهج أو أتباع الطرق المعرفية السابقة: إن فكرة المخلص المنتظر هي فكرة واقعية (العقل)، وهي حاجة بشرية (الفطرة)، وضرورة إلهية (الإرشاد السماوي).. إذن هي حاجة بشرية لما يتطلع إليه الإنسان بفطرته من القضاء على الظلم والفساد والذي يراه منافياً لسنن الانسجام في الطبيعة، وهي ضرورة إلهية لإقامة الحجة على الخلق (البشر) بأن إمكانية إقامة الدولة الفاضلة ليست مستحيلة، وإن العقل يدرك من خلال التفكير المنطقي بإمكانية تطبيق ذلك بشكل طبيعي.. وهكذا قد تظافرت عدة طرق ووسائل واجتمعت في غرس بذرة (المخلص) في عالم البشر، وهذه العوامل استحكمت ورعت هذه الشجرة المعنوية المباركة منذ فجر التاريخ وحتى الآن.
ليس ثمة شك في ان المجتمع البشري يهدف ويطمح أن يعيش في وضع من الهدوء والاستقرار، ويتمتع بالرفاهية والرخاء، ويتخلص من الظلم والجور وويلات الحروب ومنغصات الحياة، ومن الواضح إن البشرية لم تحقق هذه الأمنية عملياً حتى الآن.. ولكن هذا النمط من التفكير العقلي والمعتضد بالتراث الديني السماوي والمنسجم مع الوجدان الإنساني، يمنحنا بشارة قطعية بأن البشرية ينتظرها عصر مثالي يسوده التوحيد والكمال، وتتحقق فيه جميع متطلبات الفطرة الإنسانية بنسبة كاملة.
المهدوية كفلسفة للخلاص:
إن الإنسان يتوق منذ القدم إلى الخلاص، هذا ما تشهد له مختلف الأديان السماوية والفلسفات البشرية والتي تركز جهودها للبحث عن الخلاص، وعن السبيل التي تؤمن الحصول عليه، والذي يعني كمفهوم عام: تخليص أو إنقاذ البشرية بصورة أساسية من الظروف السلبية أو المعاناة إلى وضع أو حالة أرقى وأعلى يملؤها الرخاء والفضيلة.. والخلاص بشكله النهائي يكمن في إحلال الخير والعدل والإيمان بدلاً من الشر والظلم والإلحاد، ويشير ضمناً وبصورة منطقية إلى عصر ذهبي ومثالي يحفه الكمال المعنوي والتقدم المادي ويشمل البشرية كافة.
إن فكرة الخلاص في الأساس رؤية إنسانية عميقة، أشارت إليها جميع الديانات السماوية، وحثت عليها المبادئ العقلية والمنطقية للأفراد، ومالت اليها الفطرة الطبيعية للبشر، وهي في جوهرها تتعلق بقضية القلق الإنساني العميق حول الظلم والحروب والقتل والفساد، ووضع الإنسانية المريع، والبحث عن الخلاص والإنقاذ منه.. من المهم ايضاح معنى الخلاص والفلسفة القائمة عليه، وقبل ذلك إيجاد أجوبة منطقية مقنعة لأسئلة عديدة تتعلق برؤية كل حضارة أو أمة أو شعب لمفهوم الخلاص.
من الصعب الاعتقاد بأن الجميع على درجة من الاتفاق في رؤيتهم للخلاص، بل إن إتباع أديان سماوية كبرى وحضارات متنوعة تحمل مواقع متناقضة ورؤى متفاوتة طبقاً لشكل الخلاص وتصوره لديهم.. لقد اصبح الخلاص (كأمنية) مفهوم إنساني شامل، وقاسماً مشتركاً بين الأديان والفلسفات لمشروع آخر الزمان (نهاية التاريخ)، وهي خلاصة وجود البشرية على الأرض، وهي التي تحقق آمال وطموحات الأنبياء.. وهنا نتساءل حول هذه الفكرة الإلهية العقلية الفطرية: ماهي رؤية إتباع الأديان السماوية الرئيسية لها؟ وعلى يد من ينجز هذا الخلاص؟ وكيفية تطبيقه.
* الخلاص عند اليهود:
إن فكرة المخلص برزت في الفكر اليهودي كخطوة ناشئة عن خطوات وعوامل سبقتها، وأهم تلك العوامل هي الاعتقاد بأن الشعب اليهودي أرقى الجنس البشري، وشعب مميز اختاره الرب ليكون شعبه المقدس.. لقد بدأت فكرة الخلاص اليهودي في الأصل بناءً على ما أصاب اليهود من نكسات وهزائم وإذلال وشتات لفترة طويلة(١٢٧)، بدءاً بالآشوريين فالبابليين فالفرس فالإغريق ثم في النهاية الرومان، الأمر الذي جعلهم يتمنون أن يرسل الله إليهم مخلصاً ينقذهم من أيدي الأعداء، ويعيد إليهم ملكهم (مملكة داود وعرش سليمان) وبنحو مثالي وكامل، ويسيطرون على كل شعوب العالم.
وهكذا اصبح الخلاص اليهودي يقوم على أساس أن هناك مخلصاً منتظراً سيأتي لينتشلهم من الوهدة السياسية، وفي مفهومهم واعتقادهم فإن المخلص هو قائداً عسكرياً أو ملكاً مميزاً، ويجب أن يكون إنساناً ومولوداً بطريقة طبيعية، ولم يفكروا بأن المخلص كائن سماوي أو قادم من عالم آخر، بل الأمر المهم لكل اليهود أن يكون من نسل وسلالة داود (عليه السلام)، وان يحررهم من الاستعباد ويجلس على كرسي أبيه.
إن التاريخ اليهودي يثبت ان الشعب اليهودي على عكس الشعوب القديمة والحضارات الأخرى التي كانت تصنع عصرها الذهبي في الماضي المتوغل في القدم، ولذا كان اليهود ينتظرون المخلص في المستقبل في آخر الزمان ينشئ لهم دولتهم الكبرى، ويعيد بناء هيكل سليمان، ويجعل العالم متملقاً إليهم، ويعيد قضيب الملك إلى بني إسرائيل، فتخدمهم الشعوب وتخضع لهم الممالك.. ففكرة الخلاص والمخلص في نظرهم فصلت خصيصاً بمقاييس الشعب اليهودي، ولذا رفض اليهود الدعوة الجديدة (النبي عيسى (عليه السلام)) حيث تعارضت تماماً مع آمالهم وأحلامهم: فلم تحقق لهم الملك المادي الذي كانوا يحلمون به، وثانياً لم يخلصهم من الاحتلال الروماني والذل والاستعباد وغير ذلك، ومن أجل هذا ومطالب أخرى دخل اليهود في صراع مع عيسى (عليه السلام).
المسيح المنتظر أو المخلص عند اليهود ستكون مهمته الرئيسية مركزة على رفع شأن اليهود، ومن ثم يحكم العالم بشريعة النبي موسى (عليه السلام)، فيتحقق مجد بني إسرائيل، ويكون هو ملكاً عليهم، ويبلغ سلطانه البر والبحر، ويجعل من الأقلية اليهودية النخبة التي ترث العالم وتسوده وتحكمه.. ويعتقدون كذلك أن المخلص عندما يخرج يجمع شمل اليهود من كل أنحاء العالم، ويكوّن منهم جيشاً عظيماً، ويكون اجتماعهم في القدس، وهذا الاجتماع ليس مقصوراً على الأحياء فقط، بل حتى الأموات من اليهود يحييهم الله ويخرجهم من قبورهم لينضموا إلى جيش اليهود الذي يقوده المسيح(١٢٨)، وسيقتل ثلثي أهل الأرض(١٢٩) في معركة شهيرة (هرمجدون)، وبعد ذلك يقوم بجمع الأمم الأخرى الذين ظلموا اليهود ويحاكمهم ويقتص منهم، وكذلك تتغير أجسام اليهود (تصل قامة اليهودي في ذلك الوقت إلى مائتي ذراع)، وتطول أعمارهم (يعمر اليهودي قروناً كثيرة)، والطفل يموت في سن المئة.
ويمكننا تلخيص أطروحة الخلاص عند اليهود ونوجزها في النقاط التالية:
١- فكرة الخلاص تقتصر على الشعب اليهودي فقط، أي على العصبية القومية.
٢- قام الخلاص أساساً لينقذ اليهود من الوهدة السياسية.
٣- رفع شأن اليهود كأسياد للعالم، وأن الشعوب والممالك الأخرى تخدمهم.
٤- نشر الشريعة الدينية (اليهودية) التي أسسها النبي موسى (عليه السلام).
٥- يجب أن يكون هذا المخلص (الملك أو القائد) من نسل داود (عليه السلام).
٦- إقامة دولة الله في الأرض ويكون سادتها اليهود، من الأحياء والأموات بعد رجعتهم.
٧- استحقاق الخلاص: فعل إلهي محض، وما على الناس إلا الانتظار.
* الخلاص عند المسيحيين:
يعتقد المسيحيون أن غاية الديانة المسيحية خلاص الإنسان من سلطة الخطيئة، والتي تقوم على أساس ان آدم (عليه السلام) أخطأ (أكله من الشجرة في الجنة)، وانه بخطيئته بُعد عن الله سبحانه وتعالى وأحدث عداوة بينهما، ثم ان هذه الخطيئة -كما يدعون - لم تختص به وحده، بل انتقلت بالوراثة إلى جميع أبنائه (الجنس البشري) فجميعهم مخطئون بالطبيعة الموروثة من آدم، وهؤلاء (البشر) لا يستطيعون التخلص من هذه الخطيئة بأنفسهم، ولما كان الله متصف بالمحبة والرحمة، وهب المسيح (ابنه كما يعتقدون) ليصلب فداء عن البشرية، فالمسيح بموته على الصليب حل محل الإنسانية وحمل عقاب الخطيئة وهو الموت، وأعاد مصالحة الإنسان مع الله، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل بعد دفنه قام من القبر بعد ثلاثة أيام.
يرون إن المخلص (المسيح) لابد وأن يتحمل الآلام ويصلب من أجل البشرية، ولكن هذه الآلام لم تعطي فائدتها إلا بعد الانتصار على الألم والموت بعد الصلب.. القيام من الموت (قيامة المسيح) هي أساس عمل الخلاص، فعلى ضوء القيامة، قبل الرب الصليب، وقبل الرب الموت، فالقيامة هي جوهر الكفارة وهي شرط الفداء، وبهذا يكتمل عمل المسيح الكفاري وخلاص البشرية به.
بالتأكيد إن الخلاص المسيحي قائم على خطيئة آدم التي انتقلت بالوراثة إلى جميع الجنس البشري، وإن الطريق الوحيد للخلاص يتمثل في إن (ابن الله) نزل وتجسد في صورة بشرية (المسيح) - مشتركاً في اللاهوت والناسوت - ليصلب ويقتل ويتغلب على الموت فيقوم، وبهذا ينال الناس الخلاص.
وبعد أن تم ذلك، يعيش المسيحيون الانتظار لعودة المسيح الثانية في المستقبل، ويرتكز هذا الإيمان على الاعتقاد بأن الله كان قد أرسل المسيح لإنقاذ البشر، وقد رفضه اليهود في ذلك الوقت، وخطة الله تتضمن العودة الثانية للمسيح.. إن قيامة (المسيح) التي حدثت في الماضي، وعودته التي ستحدث في المستقبل (آخر الزمان)، لابد ان يكون لها هدف كبير وجليل يتناسب مع هذه العملية الربانية الفريدة، والتي تتلخص في إقامة حكم الله وملكوته في الأرض، عند نهاية الزمن، ونهاية العذاب الإنساني، ونهاية المخطط الإلهي على الأرض، فيملأها عدلاً وصلاحاً، وأن علامة نزوله اجتماع اليهود في آخر الزمان في أرض فلسطين، وبناء الهيكل.
هذه هي أصل فكرة واطروحة ومفهوم المسيحيون للخلاص، ونوجزها في النقاط التالية:
١ - فكرة الخلاص قائمة على أساس أن الإنسان متلبس بالخطيئة، ولن يخلصه منها إلا الله.
٢ - لا يمكن للإنسان ان يقوم بالخلاص بنفسه، بل تحتاج البشرية إلى مساعدة قدسية وإلهية مباشرة.
٣ - الطريق الوحيد للخلاص يتمثل في إن (ابن الله) يتجسد ويدفع الفداء ويصلب من أجل التكفير عن خطايا البشر.
٤ - يجب ان يكون هذا المخلص مركباً من اللاهوتية (ابن الله) والناسوتية (ابن مريم العذراء).
٥ - انحصار خلاص الإنسان بإيمانه بالمسيح (الإنسان/الإله) واعتناقه تعاليم الكنيسة، (لا خلاص خارج الكنيسة)(١٣٠).
٦ - المسيح سينزل مرة ثانية (آخر الزمان) ويقيم ملكوت الله في الأرض ويملأها عدلاً وصلاحاً لإسعاد البشرية.
٧ - استحقاق الخلاص: فعل إلهي محض (إعجازي)، ولا يتم إلا عبر إرادة إلهية.
* الخلاص عند المسلمين (المهدوية):
إن رؤية المسلمين للخلاص يتمثل في التخلص من نقص أساسي أو جوهري في الطبيعة الإنسانية أو التاريخ البشري أو كليهما معاً في الحياة الدنيا أو الآخرة، وهذا المفهوم يلبي الحاجات النفسية الفردية والجماعية باختلافها، ويشعر الأفراد والشعوب بوجود فرص جديدة لبناء مستقبل فردي او جماعي مثالي، وهكذا يتمحور الخلاص الإسلامي في صعيدين:
- على الصعيد الشخصي: أكد الإسلام أصالة المسئولية الفردية، فكل إنسان مسئول عن عمله، وهو قادر بعمله الصالح التقرب من الله تعالى، وتحقيق النجاة الأخروية والدنيوية معاً، وإن ارتكب خطيئة أو معصية فأن باب (التوبة) مفتوح في كل زمان ومكان، والله واسع المغفرة.
- على صعيد الأمة أو البشرية: فإن البشارات القرآنية والنبوية تؤكد بأن البشرية مقبلة على عصر مشرق ونهاية سعيدة، على يد (المهدي المنتظر) الخليفة الثاني عشر للرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فيخلص البشرية من الظلم والجور وينشر التوحيد والعدل على كافة الأرض المعمورة.
ولذا يمكن تشبيه الخلاص الإسلامي بطائر يحلق بجناحين: أحدهما التوبة، والآخر المهدوية.
إن الخلاص الإسلامي للبشرية ككل وللتاريخ الإنساني اجمع يتمثل في (المهدوية)، والتي لا يمكن النظر أو التعامل معها كحالة مستقلة ومنعزلة عن مناخها الطبيعي، فلا يمكن انتزاعها من أرضية التعاليم الدينية.. فمن معتقد الإمامة والتي تتفرع من النبوّة تنطلق الإمامة الخاتمة، وعلى هذا المبدأ فالمهدوية كإمامة للزمان الحاضر تتمتع بموقع فذ ودور مميز داخل النظام الديني الإسلامي وهيكله العام.. إن النظر إلى المهدوية أو المخلص الإسلامي بهذه الرؤية يعتبر أهم ركن وعنصر من ركائزها الأساسية، والتي تلعب دوراً اساسياً في إبقاء الإسلام حياً متحركاً فاعلاً.
ومن منطلق إن النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خاتم الأنبياء والرسل وأنه بعث للناس كافة، وإن الدين الإسلامي خاتم الأديان السماوية، ويبسط حاكميتّه على جميع شؤون البشر، فأن الحاجة ضرورية لوجود إمام هادي ومرشد في كل زمان (القائد الرباني للبشرية حالياً).. فكما كان الأسباط اثني عشر للنبي موسى (عليه السلام)، وسمي رُسل النبي عيسى (عليه السلام) الاثني عشر بالحواريين، كذلك هناك أثني عشر وصياً وخليفةً للنبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآخرهم الإمام المهدي (عليه السلام) الذي هو الحجة في هذا الزمان.. فاللطف(١٣١) من الله تام، ولكن النقص من الناس وخذلانهم، والذي أدى إلى غياب الإمام الأخير.
لا يمكن فهم الخلاص الإسلامي العام إلا من خلال فهم الغيبة وموجباتها، ومدى تأثيرها في إيجاد محفزات لدى المجتمع الإنساني في السعي نحو الخلاص، فعندما يعرف الفرد أو المجتمع أسباب الغيبة ودوافعها، يدرك حينها مسؤوليته في تحقق هذه الغيبة واستمرارها، ويدرك أيضاً دوره في تحقق الخلاص.. لقد اقتضت الإرادة الإلهية والحكمة الربانية في ظل خذلان الناس وتقاعسهم، إن يغيب آخر إمام (المهدي المنتظر) عن الناس غيبة عنوان(١٣٢)، وان يطول عمره الشريف، بانتظار أن تتهيأ الظروف وأن تسنح الفرصة له للقيام بالحركة الاصلاحية الشاملة على مستوى العالم بأسره، وتنال البشرية الخلاص وتنال العدل الإلهي، ويتم بناء الدولة الفاضلة، وتحقيق حلم كل الأنبياء.
هذا هو مفهوم فكرة الخلاص واطروحة المخلص الإسلامي بإيجاز، ونلخصها في النقاط التالية:
١ - فكرة الخلاص قائمة على أساس إن الدين الإسلامي خاتم الأديان السماوية، وشريعته تبسط حاكميتّها على جميع البشر.
٢ - الخلاص الفردي: أصالة المسئولية الفردية لكل شخص، وإن باب التوبة مفتوح.
٣ - الخلاص العام: يهدف لإنقاذ الإنسانية وإصلاح البشرية كلها وليس محدد لطائفة أو جماعة معينة.
٤ - أن لا خلاص خارج فكرة المهدوية، يعني لا يمكن ان يتم خارج مبدأ الإمامة، التي هي استمرار للنبوة الخاتمة.
٥ - المخلص الموعود كفكرة تحولت من أمنية إلى واقع قائم، فشخصت الهوية وحددت الشخص، فهو (الإمام المهدي ابن الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)).
٦ - إقامة الدولة الفاضلة آخر الزمان، وفيها تتوحد كل الأمم والشعوب تحت ظل سيادة واحدة، فتتحقق أحلام الإنسانية في حياة قائمة على العدل والمساواة.
٧ - استحقاق الخلاص: فعل بشري مبارك ومؤيد من الله سبحانه وتعالى، وللإنسان دور في تحققه.
ثمرة مفهوم الخلاص:
لقد أصبح مبحث الخلاص الذي يمس كل البشرية ومستقبل التاريخ الإنساني من المباحث المركزية في الفكر العالمي المعاصر وفي الدراسات الدينية، فتوالت الدراسات والبحوث المؤصلة لهذا المفهوم، وحددت الدوافع والأسباب لتبني هذه المواقف أو تلك الرؤى، وبالتأكيد فإن مفهوم الخلاص عند الحضارات وأتباع الديانات المختلفة تنطلق من رؤيتهم وفلسفتهم للحياة.
إننا نركز هنا على فهم الخلاص بالمعنى العام الشامل وليس حسب رؤية واحدة محددة، وليس كما يفهم عند اليهود بالخلاص من الوهدة السياسية، أو كما يعبر عنه في المسيحية بفكرة الخلاص من الخطيئة، أو كما ينظر إليه المسلمين عند الحديث عن المغفرة والتوبة.. ولكننا نتحدث عن الخلاص الشامل العام، الذي تطمح إليه الإنسانية وتتمناه كل البشرية، وهو الذي ينسجم مع الحاجات الفطرية للإنسان ويتلاءم مع المبادئ العقلية السليمة ويعضده الإرشاد السماوي، فعندما تتظافر هذه المواصفات والمؤهلات في مفهوم الخلاص فإن البشرية تظل تبحث عنه وتنتظره لسنين وقرون عديدة.
بكل تأكيد إن الخلاص الذي يلبي مصالح فئة أو طائفة أو شريحة معينة من البشر (كاليهود مثلاً)، ويجعل الغالبية العظمى من الناس عبيد وخدم لهم، فمثل هذا الخلاص لا تتمناه الإنسانية ولا أحد ينتظر تحققه، لأنه يفتقد لأبسط مبادئ العدل والمساواة.. وكذلك الخلاص القائم على عقاب غير المخطئ (السيد المسيح)، والذي يفتقد للعدالة والرحمة، باعتبار إن ألف باء العدالة تقتضي أن يتحمل الجاني مسئولية جنايته ولا ينزل العقاب بغيره، وهل في صلب المسيح عدالة أو رحمة أو محبة؟ فمثل هذا الخلاص لا يطلبه الناس ولا ينتظرونه.. اما حين يكون الخلاص قائم على ثوابت العدل والمساواة ويسعى إلى تطبيقها وترسيخها في المجتمع البشري، وينظر للناس جميعا سواسية بدون تفاضل أو تمايز، وتسقط الحواجز القومية، وتتوحد الملل البشرية، وتملأ الأرض عدلاً وقسطاً، فالكل في هذا المفهوم يشعر بالسكينة والأمان، وينعم الجميع في ظل ذلك بالسعادة والأمان.
لا ريب إن إدراك أهداف واغراض المهدوية الإنسانية والعالمية والحضارية، والمهمة الإصلاحية الكبرى التي ستقوم بها، يساهم في إثبات عجز وفشل اطروحات المدارس الأخرى عن تلبية ما يطمح اليه العقل البشري والفطرة الإنسانية، من حيث تحقيق السعادة والعدل والكمال المنشود للمجتمع البشري.. وبكل تأكيد إن الخلاص في مثل الرؤية المهدوية يرسم أسمى ما تطمح اليه الإنسانية وأكمل صورة للمستقبل ونهاية التاريخ، ولذا عدت المهدوية كأفضل هدية قدمت للبشرية تنجذب لها القلوب قبل العقول.
المهدوية خط هداية متصل بالسماء:
حقيقة كبرى ولطف إلهي: إن الإنسان بفطرته وبمنطق عقله توصل إن لهذا الكون إلهاً خلقه بعلمه وقدرته، وله الأمر والخلق وهو المبدأ والمنتهى، وحيث أن الإنسان خُلق ليكون خليفة الله في أرضه، فأن له حاجات معنوية ومادية، ومن أهم هذه الحاجات نيل السعادة والخلاص في الدنيا والآخرة، ونعتقد إن الدين والشرع الإلهي هو السبيل والبرنامج الوحيد لإيصال الإنسان إلى سعادته في الدارين، وليس هناك من شك بأن الطريق الوحيد لسعادة الإنسان هو تطبيق البرنامج الإلهي العام (الدين) أي رسالة السماء إلى الأرض، وهدى الله سبحانه إلى البشر، وبالتأكيد لقد أراد الخالق من الإنسان الطاعة والانقياد لأوامره وإتباع شرعه (التكليف).. ومن هذا المنطلق تقتضي قاعدة اللطف الإلهي: وجود أشخاص يصطفيهم تعالى، يتولون مهمة إيضاح معالم الدين وإقامة حدوده، على أن يمتاز من يتولى هذا المنصب الإلهي بصفات خاصة منها (العلم والعصمة) وهذا لا يكون أو غير متاح إلا لنبي أو وصي، ومن حكمة الله تعالى فقد تم بعث الأنبياء والرسل وصدرت الشرائع السماوية لإرشاد الناس وهدايتهم للطريق القويم طبقاً للطف والرحمة الإلهية.
ومن الثوابت والسنن الإلهية أن قاعدة اللطف لا تنحصر بزمان أو وقت دون آخر، بل هي عامة وشاملة وأبدية ما دامت الخليقة على الأرض، فمن حكمة الخالق في هداية الإنسان، أن يدله باستمرار إلى قواعد البرنامج الرباني (احكام الدين السماوي) مع القيام بشرحه وتأويله وبسطه بحسب المستحدثات في كل عصر وزمان، مع مراعاة نقصان الإنسان من الاتصال بعالم الغيب والشهادة، وهو قصور مستمر لا يلتئم مهما تقدمت العلوم والمعارف.. ولذا فالحاجة والضرورة حتمت من وجود شخص كامل (إمام غنيٍّ عن رعاياه في الأحكام والعلوم) في كل زمان، ليكون الناس بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد، وكذلك يصون جوهر الدين وأحكامه عن التشويه والتحريف.. وهكذا نجد أن قاعدة اللطف الإلهي من أفضل وأوضح الطرق في إثبات النبوة والإمامة عموماً، وإثبات إمامة ووجود صاحب العصر والزمان (الإمام المهدي المنتظر)، إذ إن إمامته متفرعة من أصل النبوة والإمامة، وللزوم استمرار لطف الله تعالى في كل الأزمان.
إن قاعدة اللطف الإلهي: هي أساس الدليل العقلي على الإمامة، وإن الإمامة لطف واجب من قبل الله سبحانه كالنبوة، وان الإمام والنبي لا بدّ أن يكونا معصومين، وأن تعيين النبي والإمام يكون من الله، وفي كليهما لا شأن للناس بتشخيص أو اختيار من هو النبي أو الإمام باعتباره منصب وجعل إلهي، غاية الأمر أن طريق معرفة الناس للنبي يكون عبر المعجزة والآيات الإلهية، وأما طريق تعيين الإمام فهو يتم من خلال النص من قبل النبي، أو الإمام الذي قبله.
إن الخلاف بين الأديان والمذاهب المختلفة لا ينصب في مسألة أصل فكرة المخلص الموعود آخر الزمان، فهي مسألة اتفاقية بين الأديان ككل ومنها السماوية الثلاثة (الإسلام والمسيحية واليهودية)، إنما يقع الخلاف حول المصداق لهذا المخلص، علماً بأن لكل دين أدلة خاصة يسوقها لإثبات وتشخيص مخلصه وتعيين المصداق.
إن النظرة السائدة للخلاص ولمصداق المخلص في المدارس الدينية والتي هي مسألة خلافية، تنبع من نظرة الاطروحة نفسها للأهداف والأغراض التي تتوخاها.. إما اذا أردنا أن نقيمها ونصيغها برؤية حضارية واقعية فيجب الأخذ بعين الاعتبار النقاط الجوهرية التالية:
* إن البرنامج الإلهي (الدين) يشمل جميع شؤون الحياة البشرية، فما من واقعة إلا ولله فيها حكم، حتى مع القضايا المستجدة والتطورات المستقبلية.
* إن المسيرة الإنسانية تكاملية متصاعدة على طول التاريخ، وهي سُنة وقانون إلهي يفرض النمو والتطور المستمر للبشرية في جميع المجالات المادية والمعنوية.
* إن الأديان والشرائع السماوية مرت بمرحلة تكامل على طول التاريخ الإنساني وحسب حاجات البشر، حتى وصلت إلى الدين الخاتم (الإسلام).
* إن الفرصة لم تتوفر لخاتم الأنبياء خلال مدة رسالته، كي يعلم الناس الإسلام كاملاً بكل ما ينطوي عليه، وإن كان (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد قام ببيان كل ما أمكنه من أحكام وتعاليم، والتي يستوعبها المسلمون في تلك الفترة.
* إن الفطرة والعقل لا يقبل أن يكون الدين الخاتم (الإسلام) قد تُرك بيانه ناقصاً، ولذا لا بد من وجود شخص (وصي) أو مجموعة أوصياء تلقَّت الإسلام كاملاً واستوعبته، ليكون من وظيفتها بيان الدين بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
* إن مثل هذا الشخص (الوصي أو إمام الزمان) موجود فقط عند مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، إما أتباع الأديان والمدارس الأخرى فلا يؤمنون بذلك، مما جعلهم قاصرين على التعامل مع برنامج الله والأحكام السماوية، ويعدونها كشريعة ناقصة.
والنتيجة التي نصل إليها: إن قاعدة اللطف الإلهي تقتضي إن خاتم الأنبياء (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحدد أشخاص بعينهم، لهم جنبة قدسية وارتباط مستمر ومتواصل بالسماء ليكونوا خلفاء وأوصياء من بعده، ولابد أن يتواجد على الأقل شخص واحد منهم على طول التاريخ والزمان، يعيش بين الناس ويتحسس مشاكلهم وهمومهم واحتياجاتهم، والمتمثل في زماننا الحالي (بالإمام المهدي).. والدليل على ذلك هو نفس الضرورة التي دعت إلى إرسال الأنبياء والرسل حتى لا يترك الناس هملاً، ولذا فالمنهج الصواب لتصور الصلة والعلاقة بين الله والإنسان حالياً يتجلى في المهدوية، والتي تعد واسطة الهداية، وواسطة إيصال الفيوضات الإلهية إلى سائر المخلوقات.. وهذه ميزة جوهرية عظيمة وركيزة روحية عميقة تتمتع بها مهدوية أهل البيت (المخلص الإسلامي)، غير متوفرة في أي نظرية أو فلسفة أو أطُروحة أخرى تتكلم عن الخلاص أو المخلص الموعود.
هذه هي حقيقة المهدوية ومقامها العالي التي تنفرد بها المدرسة الإمامية عن بقية الأطروحات الأخرى للمخلص والخلاص.. لقد تنبه إلى هذه الحقيقة والميزة الفيلسوف والمستشرق الفرنسي هنري كوربان(١٣٣) حيث يقول: (في عقيدتي أن التشيع هو المذهب الوحيد الذي حفظ بشكل مستمر، رابطة الهداية بين الله والخلق، وعُلقة الولاية حية إلى الأبد، فاليهودية أنهت العلاقة الواقعية بين الله والعالم الإنساني في شخص النبي موسى (عليه السلام)، ثم لم تذعن بعدئذ بنبوة السيد المسيح والنبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقطعت الرابطة المذكورة، والمسيحية توقفت بالعلاقة عند المسيح (عليه السلام)، أما أهل السنة من المسلمين فقد توقفوا بالعلاقة المذكورة عند النبي محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وباختتام النبوة به لم يعد ثمة استمرار في رابطة العلاقة (في مستوى الولاية) بين الخالق والخلق، التشيع يبقى هو المذهب الوحيد الذي آمن بختم نبوة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وآمن في الوقت نفسه بالولاية -وهي العلاقة التي تستكمل خط الهداية، وتسير به بعد النبي- وأبقى عليها حية إلى الأبد)(١٣٤).. هذه الملاحظة في غاية الأهمية من قبل مستشرق يجد أن المهدوية هي التي أبقت التشيع حياً، وأهلته إلى دور إنساني شامل في حياة البشر.
من جهة أخرى فأن مستشرق آخر: فرانسوا توال (١٣٥) ينظر للمهدوية بوعي متقدم في كتابه (الجغرافيا السياسية للشيعة) ويفسرها بعقلية سياسية تتلمس الواقع الشيعي، وقد اعتبر العقيدة المهدوية حجر أساس في عقائد الشيعة، حيث يقول: (إن الشيعة يعيشون في انتظار عودة الإمام الغائب، فيما هم يناضلون من أجل العدالة على الأرض، ذلك هو باختصار، المنهج الذي تنتهجه هذه الطائفة في مسراها الدنيوي)(١٣٦)، ويقول في جانب آخر من الكتاب: (أن المهدي غاب عن البشر ليقودهم على وجه أفضل، تاركاً وراءه الشيعة الاثني عشرية.. هذه الفكرة عصية على الفهم، فالأمر ليس (صعوداً إلى السماء) كما في الدين المسيحي، بل غيبة شاءها الله كي يسمح للمهدي بأن يقود الناس بطريقة خفية، وفكرة غيبة الإمام هذه لها لدى الشيعة تأثير مهم على محتوى هذا الإيمان ونتائجه، لأنها تفسير طابعه النهاية: فالشيعة ينتظرون نهاية العالم وعودة الإمام، باعتبار أن هذه العودة هي بشكل أو بآخر، نهاية التاريخ وانتصار الله في مصائر البشر)، ويؤكد أيضا: (إن الشيعة مذهب ذو رؤية تتمحور رسالتها الروحية حول الإمام الغائب، وتفترض تالياً عدم نهائية التاريخ مادام الإمام غائباً ولم يعد ليحكم بالعدل، هذه الرؤية النهائية التي تستشرف نهايات التاريخ، لها مستلزماتها السياسية الثورية، مما جعل الشيعة ينتظمون حول كبار رجال الدين، وتبقى الطائفة الشيعية محكومة في مبادئها وانتظاراتها، بأن تبقى في حال غليان سياسي دائم).. والواضح أن (توال) يتحدث عن القوة المختزنة في عقيدة الانتظار، والتي تجعل من حركة الأقلية حركة قادرة على إحداث تحول هائل في تاريخ البشرية، والقدرة على التماسك والاستمرار في الوجود.. وهنا نؤكد بأن المهدوية تستلهم المنهج الرباني الأصيل وتعبر عنه، وتحافظ على نقاءه من أي تجاوزات أو تحريفات أو تشوهات.
فكرة المُخلّص تتجسد على أرض الواقع:
بدأت فكرة المخلص من أعماق التاريخ، واستمرت الفكرة في أفق الإنسانية تتصل بمحطات مختلفة في كل مراحل التاريخ، فمسألة المنقذ الموعود من المواضيع البارزة في المسيرة البشرية واهتماماتها المتصلة بالعدل، وهي قاسم مشترك بين أكثر الحضارات، بل هي إحدى الأمنيات الكبرى عند الأنبياء والرسل والشعوب والأمم منذ القدم.
مسألة المخلص أصبحت جزءاً من المنظومة الفكرية عند جميع الأديان والحضارات، فإشارات عديدة انبعثت على أيدي الأنبياء والرسل تبشر بالمنجي، وأخذ الطرح يتدرج ويتطور في مسار تاريخ الرسالات السماوية حتى تتكامل الفكرة في الذهن البشري، وبشكل يتناسب من حيث العمق والاتساع مع مستوى النضج الفكري الذي تكون عليه البشرية في ذلك الزمن، وكان يغلب على البشارات والإشارات أسلوب الأمنية والحلم.
جاء الإسلام وذكر حقائق معرفية وإيضاحات جديدة عن المخلص أكثر من بقية الأديان الأخرى، وذلك لغزارة ما ورد عن الرسول وأهل بيته (عليه السلام) عن خصائص المنقذ وصفاته وعلامات ظهوره وكثير من الأمور التي تتعلق بقضيته.. وقد اختصت مدرسة أهل البيت ببعض التفاصيل لا نجدها في أي مدرسة أو مذهب أو دين، فحددت هوية وشخصية المخلص بشكل دقيق جداً، مما ميز اطروحة (الإمامية) عن غيرها بخصوصية أنها بدلت حالة الأمنية والحلم إلى حالة واقعية موجودة، ومن مستقبل نتمناه إلى واقع ننتظر فاعليته.
لقد بنى الإسلام دعائم فكرة المخلص أو المهدوية على أساس الوحي الإلهي، باعتبارها إحدى القضايا الأساسية في العقيدة الإسلامية، واستناداً على النصوص الشرعية المتواترة (الوحي)، وبما يتوافق مع برهان العقل (قاعدة اللطف).. وانطلاقاً من مبدأ الإمامة الإلهية، ارتبطت العقيدة المهدوية بالخلاص الإنساني، فتبلورت فكرة المخلص بشكلها النهائي.
المهدوية: تجسدت فكرة المخلص الموعود أو الإمامة الخاتمة أو المهدوية في التاريخ وعلى أرض الواقع عند ولادة الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو ابن الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، ومن نسل رسول الله محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ووالدته السيدة (مليكة / نرجس) من نسل شمعون الصفا وصي النبي عيسى بن مريم (عليه السلام)، وهي ابنة قيصر الروم.. والإمام المهدي يعيش بين الناس حالياً، ولكن لا يُعرف مكانه (غائب) أو مُغيَّب بأمر الله تعالى، وسيظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلاً كما مُلئت ظلما وجورا.
ولد الإمام المهدي (المخلص الموعود) في مدينة سامراء (العراق) سنة (٢٥٥هـ / ٨٦٩م).. لقد كان قرار الحكومة العباسية في ذلك الوقت القضاء على المولود الجديد وتصفيته جسدياً حتى قبل ولادته، حيث كانوا يعتقدون ان زوال دولتهم ستتم على يديه، مثلما فعل فرعون مع النبي موسى (عليه السلام)، لذلك حرص والده ان تبقى ولادة ابنه الوحيد خفية، وإبقاء وجوده بعيداً عن الأعين إلا لخواص الشيعة المقربين منه، خوفا من سطوة وتنكيل السلطة العباسية التي تهدف لقتله.. أمضى الإمام المهدي ما يقارب الخمس سنوات من حياته على هذه الحالة متخفياً، حتى مضى والده إلى جوار ربه سنة (٢٦٠هـ/ ٨٧٤م) فانتقلت الإمامة اليه وهو طفل، كما جعل الله المسيح نبياً وهو رضيع، بيد ان تسنمه لمقام الإمامة لم يؤثر على منهج التخفي الذي التزم به، وإنما بقي مستمراً، وكان يمارس دوره ومهامه بين قاعدته الشعبية من خلال نواب أو سفراء بعيداً عن أعين الناس والسلطة.
تقسم فترة اختفاء الإمام المهدي إلى مرحلتين يطلق عليها مصطلح الغيبة:
الغيبة الصغرى: بدأت سنة ٢٦٠ هـ بعد شهادة والده مباشرة واستمرت لمدة ٧٠ سنة تقريباً، بدأت ترتيبات عصر إمامته وقيادته للمجتمع بتعيين سفراء له، وكان الإمام طوال هذه الفترة غائباً عن الأعين وأنظار السلطة العباسية، وكان السفراء الأربعة(١٣٧) (النيابة الخاصة) جسر الاتصال بين الإمام وقواعده، يأخذون منه التوجيهات موقعة، ويضعون بين يديه ما يصلهم من الأسئلة والمشكلات، وكانوا يعيشون في بغداد يديرون شؤون الشيعة.. هناك أهداف أساسية من وراء الغيبة الصغرى تتمثل في:
١ - كانت ضرورية لإيجاد الارتباط بين الإمام وبين شيعته، ولإثبات وجوده، وترسيخ ثقافة الغيبة عند الناس.
٢ - تهيئة الأمة وخاصة القواعد الشعبية الموالية للإمام لاستيعاب مفهوم الغيبة الكبرى.
٣ - قيام السفارة بمصالح المجتمع وشؤون الأمة، وتعويد الناس على الارتباط بالعلماء أثناء غيبة الإمام.
الغيبة الكبرى: كانت وفاة السفير الرابع عام (٣٢٩هـ / ٩٤١م) إيذاناً بابتداء عصر الغيبة الكبرى، ففي هذه الفترة والمرحلة من الغيبة يكون احتجاب الإمام عن الناس شبه تام وكامل، وانقطعت السفارة والنيابة الخاصة، وبدأت مرحلة جديدة هي مرحلة (النيابة العامة): فالنائب العام لم يشخص بالاسم، وإنما شخص بالصفة (ملكة الفقاهة)، وفي هذه المرحلة تتحول علاقة الناس بالإمام إلى الفقهاء والمحدثين، وذلك بأمر من الإمام نفسه الذي أناط الدور لهم، ولا تزال هذه المرحلة مستمرة حتى يومنا هذا.
عصر الظهور: بعد انقضاء الغيبة الكبرى بأذن الله تعالى، يظهر الإمام ويمسك بزمام الأمور، ويسيطر على العالم وينشر التوحيد ويرسي قواعد العدل والإصلاح في كافة أطرافه.. ولكن قبل ذلك يتحتم توفر بعض المتطلبات الاستراتيجية والشرائط الضرورية، التي يكون وجودها أساسي قبل عملية التغيير الجذري والإصلاح الشامل، وهذه المتطلبات قائمة على وجود: قيادة حكيمة، وأيديولوجية متكاملة، ورؤية استراتيجية مستقبلية ثاقبة، وقبول شعبي عالمي، وتوفر الوسائل التقنية المساعدة، ليتسنى للدولة الفاضلة النجاح.
أبرز علامة للظهور: من فضل الله ورحمته وكرمه لم يجعل أمر ظهور المخلص سراً ومبهماً وغامضاً على البشرية، بل أشار التراث الديني السماوي إلى علامات ظهور كثيرة وعديدة توضح للناس اليوم الموعود، الذي تنتظره الإنسانية منذ آلاف السنين، وإن أبرز علامة وإشارة لقرب ظهور المخلص أو المنقذ أو المنجي أو المهدي هي (الصيحة والنداء من السماء): وهي عبارة عن حدث كوني غريب من عالم الملكوت، وهو صوت ونداء من السماء (صوت جبرائيل) يسمعه أهل الأرض جميعاً، كل قوم بلغتهم، يحدث هذا الصوت في شهر رمضان، وهو بيان مختصر موجه من الله سبحانه وتعالى إلى كل الناس يشير إلى قرب ظهور الموعود، وهذه العلامة إعجاز سماوي وعلامة هامة جداً لا يمكن التلاعب بها، وهي أوضح وأصدق علامة، وقد اشار لها القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ(١٣٨)، وأشار لها الكتاب المقدس: (ورأيت مَلاكا يطير في كبد السماء معه بشارة أبدية، يبشر بها المقيمين في الأرض من كل أمة وقبيلة ولسان وشعب، فيقول بأعلى صوته: (اتقوا الله ومجدوه، فقد أتت ساعة دينونته، فاسجدوا لمن خلق السماء والبر والبحر والينابيع))(١٣٩).. إن علامات الظهور نجدها متقاربة جداً بين النصوص الدينية السماوية، مما يؤكد على وحدة اليوم الموعود ووحدة الأمل بالخلاص، بالإضافة لذلك نجد ميزة للعلامة المشتركة (النداء / الصيحة) أنها ترسم للبشرية منهج يفهم منه بشارات وتحذيرات مسبقة:
- بشارة: تزرع في نفوس الناس الامل والتفاؤل بقرب زوال الظلم والجور وانتشار العدل والسلام.
- تحذير: لعدم الانخداع بالمدعين زوراً انهم المخلص أو المهدي، قبل أن تقع هذه العلامة.
الثمرة: بهذه اللمحة المختصرة عن حياة وسيرة الإمام الغائب (المخلص الموعود) يتضح لنا: إن مخلص الشيعة عقيدة واقعية جسدها التاريخ، بوصفه شخصية تاريخية بسنة ميلاد معينة، وبسنة اختفاء تاريخية معينة، وكان بعد اختفائه على صلة بشيعته خلال الغيبة الصغرى عن طريق سفرائه، فهو إذن شخصية محددة عاشت حياتها في الماضي، فارتبطت عودته بأتباعه الشيعة ارتباطاً وثيقاً، فالمهدي وإن ظل محتجباً عن الناس في هذا العالم إلا أنه يظل حاضراً في قلب شيعته.
وهكذا نجد إن فكرة المخلص تجسدت بشخصية الإمام المهدي (عليه السلام)، وهذه خصوصية المدرسة الإمامية في قضية المخلص: حيث أنها بدلت حالة الأمنية والأمر النظري إلى حالة واقعية موجودة، فوضحت للعالم أنها تنتظر شخصاً واحداً محدداً معروف الهوية والنسب، يعيش بيننا ويتحسس مشاكلنا وهمومنا، وله حضور فعال في حياة البشرية.. بعكس المنجي الموعود عند المدارس الفكرية والحضارات الأخرى، فهو شخصية موجودة ذهنية واعتقادية ونظرية فقط، لكنه في الواقع ليس شخصاً محدداً موجوداً يعيش بين الناس ويرتبط بظروفهم وأحوالهم، وليس له دور يذكر.. مما يجعل الاطروحة والرؤية المهدوية للخلاص سائدة ومتفوقة على كل النظريات المطروحة من قبل المدارس الفكرية والدينية الأخرى.
ومن هنا نؤكد إنه يتحتم النظر للمهدوية بصورة شاملة وكوحدة متكاملة غير مجزأة، فمثلاً عند إدراك حقيقة الإمامة الربانية فمن السهل استيعاب قضية الغيبة وأبعادها، وهكذا بقية المسائل، مما يساعدنا للتوصل إلى معرفة حقيقة المهدوية وندرك جوهرها، وهي حقائق أساسية وثابتة، مستمدة ومنبثقة من التراث الديني السماوي وتتوافق مع البرهان العقلي والفطرة السليمة.
المهدوية والحضارة الإنسانية:
قراءة المهدوية برؤية حضارية سواء من المؤمنين بها أو من خارج محيطها، يتطلب إدراك حقيقتها ومكانتها، أبعادها ورؤاها، أهدافها ومقاصدها.. إننا بحاجة أن ننطلق في نظرتنا لها من قراءة سطحية تعتمد على الرواية التاريخية وأحداثها أو الدخول في المحاججات والمناظرات العقدية، إلى مستوى أعمق نغوص في بحر المهدوية إلى اللب والجوهر، فنتعرف على القيم الكامنة فيها والأبعاد المعنوية لها، إلى العالمية والشمولية في رؤاها، وإلى الإنسانية والحضارية في قلبها، حتى نصل إلى الحقيقة الشامخة التي تتمثل في أنها مشروع الله الأخير لعمارة الأرض.
استفسارات عصرية هامة تثار في أروقة القضية المهدوية في سبيل الدخول إلى مكونات الرؤية الحضارية لها، ومعرفة معالمها الإنسانية، علماً بأن الاطلاع على الأبعاد الرئيسية للمهدوية وفهمها بصورة كلية شاملة، هي التي توضح لنا مغزى البشارات في الكتب السماوية وأهميتها كمشروع رباني ذو صبغة إنسانية وحضارية لمستقبل البشرية ونهاية التاريخ.. ويمكن إيضاح بعض من هذه الرؤى الحضارية للمهدوية عن طريق طرحها في قالب سؤال، لنتعرف على خصائصها ومزاياها، ونرتقي بتفكيرنا إلى مستوى مقامها العالي:
- ما هي العوامل والأسس والمزايا الحضارية التي تنهض بها المهدوية وتقدمه للبشرية حالياً ومستقبلاً؟
- ما هو الطرح الذي تنطوي عليه المهدوية وتضمنه، بحيث تلتف حولها جميع أمم وشعوب العالم على اختلافها؟
وقبل الاستدلال على هذه الاستفسارات وغيرها، التي تحاول استكشاف الخصائص الإنسانية والحضارية في الاطروحة المهدوية، نمهد بالتوضيح الآتي:
إن الله جعل الإنسان خليفة له في الأرض وأوكل إليه مهمة إعمارها، ومطلوب منه أن يشيع فيها الأمن والسلام والعدل، ويحقق نماء الإنسان ورفاهيته، وفق مبدأ التوحيد وضوابط الشريعة السماوية.. وهكذا تكون الحضارة بمفهومها الأساسي هو طريق الإنسانية إلى الله، وسعادة الإنسان في الدارين، وذلك لا يتم إلا عبر أقصر الطرق والوسائل إلى الله وأصدقها، وهو التمسك وإتباع الشخص المعين من قبله سبحانه وتعالى.. فالحضارات والعقائد والأخلاق لا معنى لها إن لم تتمحور حول الهداية برعاية الله تعالى، فمعراج الحضارة الحقيقي هو الطريق الموصل إلى الله.
إن الحديث عن المهدوية يقصد به الإمام المعين والمنتخب من قبل الله، والذي يضطلع بمسؤولية ارشاد وهداية الناس، ويعرف شرع الله ويبينه للناس على وجه تام.. فمنصب الإمام: (مرجع إلهي متخصص في أمور الدين، وهو خبير حقيقي به بحيث لا يداخل معرفته الخطأ ولا يلابسها الاشتباه، وقد عين النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للأمة مثل هذا المرجع المتخصص)(١٤٠)، ونستنتج من تاريخ الأنبياء إن وجود الشرائع السماوية (الكتب المقدسة) لا تغني عن الإمامة الإلهية، فمع وجود الصحف كان النبي إبراهيم (عليه السلام) إماما لعصره وزمانه، وعدم التعارض بينهما، مما يؤكد على ثمة حاجة لإمامة شخص مجعولة ومنتخبه من قبل الله تعالى.
إن الشرائع السماوية لتوضيح مقاصدها وتفصيل الأحكام الشرعية بحاجة إلى بيان الأنبياء عموماً، وإيضاح كل ما يتعلق بأجزاء هذه الواجبات وشرائطها وسننها، فهداية الأنبياء متممة لهداية الكتب المقدسة ومكملة لبيانها.. ومع ختم النبوة بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جعل أهل بيته (عليهم السلام) أئمة بأمر الله سبحانه وتعالى، وجعلهم عدل القرآن وقرينه الذي لا يفترق عنه، والإمام المهدي آخرهم، وحث على التمسك بهم حتى لا ينحرف الناس عن طريق الهدى.
بعد هذا الإيضاح نورد الاستدلال على الاستفسار الذي يتحرك باتجاه هدف واحد، إلا وهو بعض مظاهر الرؤية الحضارية للمهدوية.. ولابد من العلم والتأكيد على إن: وظيفة الإمام لا تقتصر على القيادة والزعامة السياسية فحسب، بل هناك مهام ومسئوليات تقوم بها المهدوية لتسنمها منصب الإمامة الخاتمة (مثل: حماية وصون الشريعة، مقام الشاهدية على الخلق، واسطة الفيض الإلهي، إتمام الحجة، وجوده أمان لأهل الأرض، و... و...) والتي لا نعرف الكثير من جوانبها ومعرفتنا بها نسبية، وبالتأكيد إن ذلك لا يتعارض مع كونها حاضرة أو غائبة عن الناس.. إضافة إلى انها تتمتع بخصائص فريدة ومرتكزات عديدة وذو آفاق متنوعة، نذكر بعض من هذه الرؤى الحضارية الإنسانية العالمية:
* الحضارة الإنسانية الواحدة:
إذا نظرنا إلى التاريخ نجد أن المجتمعات والشعوب والأمم الإنسانية من حيث طبائعها وخصائصها واحدة، ولديها من المنجزات التاريخية والحضارية ما يؤهلها لتشكيل وحدة إنسانية حقيقية، ولكن هذه الوحدة لم تتحقق على أرض الواقع وعلى طول المسيرة التاريخية للإنسان، فالمجتمعات البشرية وإلى الآن لم تشعر أنها تؤلف كيانًا واحدًا ذو اهداف وغايات واحدة.. ولا تزال الأمم والحضارات المختلفة تنطلق لأهداف مختلفة وغايات متباعدة، ولا تزال قوى التباعد والتفرق أقوى نفوذاً وأثراً من قوى التقارب والاتحاد، ولا يزال إحساس الفرد بجنسيته وبقوميته أشد من إحساسه تجاه الآخرين بالهوية الواحدة (الإنسانية)، وعلى هذا فالقيمة الإنسانية بشكل عام لم توجد فعلًا بشكلها الواقعي وقيمتها المعنوية، مما أدى لتنازع الأمم والحضارات، ونشوب الحروب والاستعمار والاحتلال و... و...، أما الوجود المثالي للإنسانية فأنه يتكون عندما تتحد البشرية وتتقارب المجتمعات ويتغذى الشعور لديها بالمكانة الإنسانية الواحدة (قيمة الإنسان)، فتهدم الحواجز العصبية والقومية وتنتهي دوافع الاستعمار والاحتلال، ولن تشهد البشرية أي نوع من أنواع الحروب، وسوف يعيش المجتمع الإنساني في صلح وسلام شامل.. أمّا في تاريخ البشرية (الماضي والحاضر) فنستطيع القول: بعدم وجود فعلي لحضارة إنسانية واحدة(١٤١) (على الرغم من انبثاق الإنسان من طبيعة واحدة، وخُلق لهدف واحد).
إن العالم المعاصر يشهد إمكانات ومقومات عديدة تؤهل لتحقيق المجتمع الإنساني الواحد والحضارة العالمية الواحدة، نشير إلى اثنين منها: (الاتفاق على أصل ومبدأ فكرة المخلص) و(التقدم العلمي وثورة الاتصالات)، فهذه المقومات تخلق إحساس وشعور لدى البشرية بترابطها الوثيق وبوحدة المصير، مما يشكل دافع لتكوين دولة عالمية واحدة.. علماً بأن البشرية لم تستطيع حتى الآن، من إنشاء كيان إنساني واحد ولم تتوحد فعلاً، مما اثر بضرر على قيمة الإنسان المعنوية.. ومن هنا يبقى الأمل في تكوين حضارة إنسانية موحدة تعطي الإنسان قيمته ومكانته المعتبرة على يد مخلص الأمم، تتجاوز كافة أشكال الطائفية والعرقية والعنصرية، وكل رواسب التخلف، وستتحقق بإذن الله تعالى هذه الحضارة العالمية الفريدة على يد مهدي آل محمد (عليهم السلام)، فتنقلب موازين الأولويات عند الناس (السياسية والاقتصادية)، وتتغير الأهداف والتطلعات عند الأمم والشعوب عندما يصبح العالم دولة وحضارة واحدة، وتشعر البشرية أنها عائلة إنسانية واحدة، وهذا التغيير من مبادئ ومناهج الثورة المهدوية الشاملة.
* زرع الأمل في نفوس المستضعفين:
إن الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وضع ذخيرة معنوية في نفوس عموم المسلمين، يمكن ان تتجلى في كيان المؤمن الواقعي نتيجة اعتقاده بأطروحة الخلاص آخر الزمان، وبعبارة أخرى منهج وضعه الإسلام لأتباعه من أجل بلوغ السعادة الواقعية وتأمينها، ولا تظهر اثارها كاملة إلا بالاعتقاد بظهور المهدي، وهو تصور رديف للإيمان بيوم القيامة كصمام داخلي يدفع للخير وينهي عن الشر، كذلك الإيمان بوجود الإمام الغائب هو بمثابة صمام آخر لأجل الحفاظ على الحياة النفسية والداخلية للمسلمين.
ففي زمن الغيبة وعندما تمر ظروف المصاعب والمحن، وحيث يكون الواقع السياسي سيء للمسلمين من قبيل تسلط الاستعمار والتدخل الأجنبي السافر، وحيث يكون الوضع النفسي مرير ومحبط للمجتمع المسلم نتيجة ظلم وجور الحكام وانتشار الفساد والفقر وتدهور الحالة الاقتصادية و... و... و...، فأنه ليس أمام المستضعفين إلا اتجاه واحد يتطلعون إليه (التفاؤل والأمل)، وهو ان ظروف الحياة يمكنها ان تتحسن على يد المنقذ الموعود، وبعث الأمل في أفئدة المؤمنين فيما يتعلق بمستقبل البشرية، علماً بأن الأمل يجد استجابة اكثر في قلب الإنسان عندما يتحول إلى شيء ملموس ومحسوس.. ومن حسن الحظ أن بعض البشائر وعلامات الظهور تتحقق على مسار التاريخ، فتحدث توازناً داخلياً في بعض النفوس المؤمنة خلال فترات متباعدة من زمن الغيبة الكبرى، فتراود المستضعفين حلم تغيير الواقع وتحدث تفاؤلاً أفضل.. لذا تشخص وتتجه أنظار وأمال الإنسانية نحو الإمام الغائب وترتبط الأمنية الكبرى به، وهذه بعض الآثار والفوائد المعنوية التي نجنيها من الإيمان بوجود إمام الزمان والاعتقاد بالمهدوية.
* الطاقة المعنوية للبشرية:
ليس ثمة شك في إن المجتمعات البشرية تصبو لأن تعيش في وضع من الهدوء والاستقرار، وينتفع الإنسان من وجوده في الحياة ويبلغ مرحلة الكمال، ومن الواضح إن البشرية لم تحقق حتى الآن هذه الأمنية عملياً.. علماً بأن هذا النوع من النظر العقلي وهذه الأمنية الوجدانية تمنحنا بشارة بأن العالم ينتظره مرحلة مثالية وعصر مشرق مملوء بالسعادة والرفاه والعدل والمساواة، وتتحقق فيه جميع متطلبات الإنسانية وتبلغ البشرية سعادتها الواقعية.. وقد عضد التراث الديني السماوي هذه النظرة العقلية والفطرة الإنسانية وساق بشارات عديدة بأن الأرض لله يرثها عباده الصالحون، وإن العاقبة للمتقين.
هذه الحقيقة وهذا الهدف يجب على كل إنسان أن يضعه نصب عينيه وأن يراه واضحاً أمامه، وعندما ينطوي الإيمان على مثل هذه الحقيقة، فمن المحال ان يتصور الفرد الخسارة وضياع الجهود، فأما ان يدرك ذلك اليوم وينال مراده ويغرق في السعادة، وإذا لم يدركه فأن مجتمعه (المجتمع الإنساني) - ومن زاوية تفكير عقلية واجتماعية - سينال شرف إدراك ذلك اليوم، وحينها يعد الفرد نفسه أحد السعاة المضحين في طريق تحقيق هذا الهدف، ولن يضيع جزاء عمله عند خالقه.. ومثل هذا الإيمان والاعتقاد يمنح الإنسان طاقة معنوية عالية، ويرى نفسه سعيداً وموفقاً دائماً، وهكذا نجد ان كثير من البواعث النفسية الإيجابية كالأمل والتفاؤل في سلوك المؤمنين استلهمت من العقيدة المهدوية وتجسُدها على أرض الواقع تاريخياً.
بكل تأكيد إن ما تستطيع أن تقدمه المهدوية للبشرية هو نفسه ما تستطيع ان تقدمه الأديان السماوية، ومرد ذلك ان المهدوية ما هي إلا خلاصة البرنامج الإلهي الديني.. وليس ثمة شك في إن المهدوية بمقدورها أن تكون غذاءً روحياً تمنح العالم المعاصر حياة معنوية موفقة، وتضمن المصالح الإنسانية للمسيرة البشرية.
* مصير الحضارة الإنسانية:
إن استقراء تاريخ البشرية وتتبع مجرى الأحداث السابقة، يبعث بانطباع سيئ وسلبي عن مستقبل البشرية ونهاية التاريخ.. مما يدفعنا لطرح سؤال جوهري: ما مصير البشرية؟ هل تنفجر الحروب العالمية ويزداد الظلم والجور أم ماذا؟.. علماً بأن السوابق التاريخية لا تبشر بخير، فهل مصير الإنسانية إلى الانتحار أم مصيرها إلى الرفاهية والرخاء؟.. سؤال يحتاج إلى رؤية ثاقبة وبصيرة نافذة للإجابة عليه، وقبل ذلك معرفة بالنفس البشرية (الفطرة والعقل) والاطلاع على التراث السماوي.
إن بعض الفلاسفة والمستشرقين البعيدين عن الثقافة الدينية وعن تطلعات الإنسانية وفكرة المخلص، والذين يحملون في نفوسهم نظرة تشاؤمية ويقرأون مستقبل البشرية بعيون سوداء يقولون ويؤكدون: (إن الشر والفساد والتعاسة صفات ملازمة للحياة البشرية، وعليه فإن أفضل ما يمكن أن يقوم به الإنسان هو أن يضع نهاية لهذه الحياة... وإن البشرية وبفعل تطورها وتقدمها في صنع وسائل الدمار والخراب، تحفر قبرها بيدها، وهي على شفا السقوط والانهيار)(١٤٢) فنظرية نهاية التاريخ القاتمة تعبر عن رؤية الحضارة المادية لذاتها، ولكن غفل هؤلاء بأن هذه الزلات والسقطات في السير الأساسي والخط العريض في حياة وتاريخ البشرية، هي أمور جزئية، فالإنسانية منذ البدء كانت تتكامل وتتقدم نحو الأفضل، وما التجديد والتكامل في الشرائع السماوية إلا أصدق مثال على ذلك، ولذا فالإنسانية تتحرك بأمل وبفطرة وبإيمان نحو المستقبل.. وهذا ما تؤكده اطروحة المخلص الإسلامي التي تثبت بأن الفساد الموجود شيء مؤقت، وأن هناك حياة سعيدة وعصر متألق ينتظر البشرية في المستقبل على يد المنقذ (الإمام المهدي) وهذا ما يؤكده القرآن الكريم ويبشر به ويعتبره وعد إلهي(١٤٣) ولابد من تحقيقه.. فالاعتقاد بالمهدوية يعطي وضوحاً في الرؤية لمستقبل التاريخ الإنساني وفهماً للسنن الإلهية، فالمستقبل الذي ينبغي أن تعقد عليه الآمال، والذي شاءت الإرادة الإلهية أن يسير نظام العالم تجاهه هو الطور المهدوي، حيث يلغي الإمام (عجّل الله فرجه) الصراع بين البشر ويزيل أسبابه المادية والمعنوية، يقول مطهري: (لا الشر والفساد والتعاسة صفات تلازم البشرية، ولا التطور المدني المادي بقادر على إبادة البشرية، بل إن البشرية تتجه نحو مستقبل مشرق سعيد، تنقلع فيه جذور الظلم والفساد.. وهذه النظرية يبشر بها الدين، ونهضة المهدي ترتبط بهذه البشرى)(١٤٤). إذن مركزية فكرة المهدي في نسيج الرؤية الإسلامية بالنسبة لمستقبل الإنسانية تمثل تفسيراً منطقياً يتطابق مع الفطرة والعقل والإرشاد السماوي، والذي يؤكدها القرآن الكريم بأن وراثة الأرض لعباد الله الصالحين، ووعد إلهي بتحقيق حكومة العدل المطلق، والتي هي جزء من التخطيط الإلهي لنهاية المسيرة البشرية.. فكم هو عظيم هذا الحلم، وكم هو كبير هذا الهدف للإنسانية.
* ما تنهض به المهدوية مستقبلاً:
دولة العدل الإلهي او الحضارة الذي سيقيمها الإمام المهدي (عليه السلام) آخر الزمان، هي الحلقة الأخيرة في المسيرة التاريخية للإنسان وتطور المجتمع البشري، وهي المرحلة العظمى والمثلى في تاريخ الإنسانية.. هناك بعض من الأمور والأسباب التي تجعل الدولة المهدوية تجسد أمنية البشرية للخلاص، وذلك تأسيساً على النقاط المنطقية التالية:
١ - ربانية: إنها جزء من المشروع الإلهي آخر الزمان، المتجسدة في السنن الإلهية وحركة التاريخ، وهي شبيهة نوعاً ما بنهضة وحركة وثورة سائر الأنبياء (عليه السلام)، من الدعوة لإزالة الظلم ونشر التوحيد والعدل، إلا ان الفارق بينها وبين حركة الأنبياء والرسل تتمثل في سعة النطاق وعالمية الثورة وقاطعية النجاح في التطبيق.
٢ - الانسجام مع الفطرة: إنها تحقق جميع متطلبات وحاجات الجنس البشري المادية والمعنوية والروحية، وليس فقط تلبية الحاجات الأساسية، بل تصل إلى مرحلة الكمال في توفر هذه الحاجات، مما يجعل كل البشر يصل لمرحلة الاكتفاء، ولذا تلقى بالقبول من الجميع، إذ أنها تتوافق مع طبيعة الخلق وسنن الله في الحياة.
٣ - جمع وتكامل العقول: في ضوء ظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) يبلغ العقل البشري مرحلة من النضج والرقي بحيث تبلغ العلوم والمعارف في عصره حد التكامل، فيبنى مجتمع نموذجي للإنسانية بأسرها وعلى جميع المستويات (المادية والمعنوية)، وهو ما يعبّر عنه الفلاسفة بالمدينة الفاضلة أو المجتمع المثالي الحقيقي.
الحضارة المهدوية: هذه المرحلة المستقبلية من تاريخ البشرية يمكن النظر إليها على أنها أهم وأبرز فترة تطور وتقدم سيعيشها الإنسان على الأرض، مرحلة فريدة ومميزة من نوعها، فتنشأ دولة أو حضارة هي ثمرة جهود جميع الأنبياء والرسل والأوصياء، وجهود البشرية قاطبة في مجال التطور العلمي والمادي.
مما لا ريب فيه، عندما تتوفر الأمور الضرورية والأبعاد الاستراتيجية في بداية انطلاق الحضارة الفاضلة، القائمة على وجود قيادة حكيمة وايديولوجية متكاملة، ورؤية استراتيجية مستقبلية ثاقبة، وقبول شعبي عالمي، وتوفر الوسائل التقنية التي تساعد على إدارة الدولة العالمية ونجاحها.. حينها يضئ العالم وجميع النفوس البشرية بنور الولاية، وتبدأ عملية تغيير شاملة للحياة الإنسانية على وجه الأرض.
بكل تأكيد إن الحضارة المهدوية قائمة على أساس إكرام الإنسان، وذلك عن طريق التطبيق الفعلي والحقيقي للأيديولوجية الإسلامية (أكمل الأديان وأشملها وخاتمة الرسالات)، فيُنفذ القائد الرباني أحكامها لتحقيق السعادة والرفاه للبشر كافة، وتعمير الأرض على جميع الأصعدة المادية والمعنوية.. إنها نموذج حضاري عالمي يعالج مشاكل الإنسانية الأساسية (المادية والاخلاقية)، ويقدم لها حلولاً تفوق (كيفاً ونوعاً) الحلول التي قدمتها البشرية حتى الآن، حيث تصل البشرية إلى مرحلة الغنى وعدم الحاجة، وتمحى الطبقات الاجتماعية، ولا يعود أي من الناس بحاجة إلى السؤال نظراً للتوزيع العادل للثروات.. إنها بحق مشروع النهوض بالبناء الحضاري الأكمل والأمثل والأفضل للبشرية.
يضاف إلى ذلك إن من خصائصها: إنها ربانية (الإمامة الإلهية)، وأخلاقية (القلب السليم)، وإنسانية (توأم مع الفطرة وتكامل العقول)، وعالمية (وراثة الأرض)، والتطور العلمي (نخرج من إطار ٨ % في العلم والمعرفة)(١٤٥)، والتكامل في كل شيء (المادي والمعنوي)، وكل ذلك تحت ظل قيادة حكيمة معصومة.
حقاً في حضارة محمد وآله ذات الأطروحة العادلة الكاملة سنسمع حديثاً جديداً لم نسمع به من قبل، وسندخل مدينة العلم والمعرفة، وستملأ الأرض عدلاً وقسطاً، وستخرج الأرض كنوزها وتنزل السماء بركاتها، وستتوحد شعوب العالم قاطبة تحت ظل وكنف الإمامة الإلهية، وسنتفاجأ بدولة عالمية واحدة بقيادة معصومة.. حقاً سنرى إرساء المجتمع الإنساني المثالي المطبق لمكارم الأخلاق، فيتكامل الوعي البشري وتتفتح الأذهان والعقول وتنتشر البصيرة والحكمة، وسنلج في عالم السعادة الكاملة، والاكتفاء الاقتصادي لكل البشر.. سنعيش حقاً في مجتمع هو غاية في الكمال الكوني وغاية في الكمال الإنساني، وهو قمة مراحل التطور البشري والإنساني يجمع بين أمر الدنيا والآخرة.
عندما نقرأ عن معالم الحضارة المهدوية ومميزاتها وخصائصها، ونتعرف على ما تتمتع به الإنسانية حينها من الحرية والرفاه والعزة والكرامة، لا شك سينفتح الطريق أمام البشرية كافة للوصول إلى رحاب الله وشواطئ السعادة والرخاء، وفي ظل عهده يتذوق الناس طعم الإيمان وحلاوة العدل.. بكل تأكيد سنقول حالياً: إن هذا من الأحلام، ولكن الشكر لله أن هذا الحلم سيتحقق يوما ما على يد القائد المهدي وهذا وعد إلهي.
لا نريد أن نتوسع كثيراً في الاستدلال والعرض، فإن الحقائق التي ذكرت دليل ناصع على الصبغة الإنسانية العالمية للمهدوية، وأنها عقيدة (ربانية) ذو رؤية حضارية.
الخلاصة:
إن الأفكار والاطروحات التي تأتي منسجمة مع الفطرة الإنسانية، وتنطوي على منهج التفكير المنطقي، والذي تؤيدها الإرشادات السماوية، تكون سائغة وقابلة للاستيعاب من قبل الأفراد والأمم والشعوب.. ومن هذه الاطروحات الوجدانية والمنطقية والواقعية فكرة ومبدأ المخلص آخر الزمان، حيث تظافرت عدة عوامل في غرس أصل الفكرة في العقل الجمعي للبشرية منذ فجر التاريخ، ومما رسخ ذلك ايضاً إن مسألة المخلص كانت جزءاً من المنظومة الفكرية عند جميع الأنبياء والرسل، وقد كان مستوى الطرح يتدرج متناسباً من حيث العمق والاتساع بمستوى النضج الفكري الذي تكون عليه البشرية في ذلك الزمن، ومع بزوغ فجر الإسلام تطور الطرح فجاء التبشير صريحاً بوجود مخلص محدد الشخصية يظهر في آخر الزمان، والتبشير بمستقبل زاهر وسعيد للبشرية.
وفي هذا السياق ثمة سؤال يثار: هل المستقبل الذي ينتظره المسلمون يختلف عن المستقبل الذي يترقبه اتباع الديانات والحضارات الأخرى؟، وبمعنى آخر: هل إن الخلاص الذي تنتظره البشرية واحد أم متعدد؟.. اليس (دولة العدل الإلهي) التي سيقيمها الإمام المهدي على الأرض، هي نفسها (حكم الله وملكوته في الأرض) التي سيقيمها السيد المسيح، أم تختلف.. بالتأكيد هي كيان واحد، مما يكشف عن حقيقة ان الهدف مشترك والمستقبل واحد، وأنها دولة واحدة تشمل المعمورة بأسرها، وتكون خاتمة المسيرة البشرية، وثمرة جهود الأنبياء والأديان السماوية.. مما يؤكد على وحدة الخلاص، وإن المخلص في آخر الزمان واحد، وإن تعددت الأسماء والعناوين، وإن الأفكار والرؤى الحضارية التي تتكلم عن مخلص الأديان والحضارات المختلفة هي عين الرؤية الإنسانية والحضارية التي تنطلق وتنبعث من المهدوية.
ولابد من الالتفات إلى واحدة من الطف المسائل التي تنطوي عليها المهدوية، وفي الوقت نفسه من أكثرها عمقاً وجذرية هي مسألة الرؤية للخلاص، فالمهدوية ليست مجرد نظرية أو اطروحة خلاص، ثم يتم التبشير والدعوة لها، إنما المهدوية (كإمامة خاتمة) تدعو البشرية إلى عقيدة وعمل - نشر التوحيد وتطبيق العدل -، وهي من الأمور التي تتفق عليها كل البشرية وتسلم اليها بمقتضى الوجدان الإنساني والبرهان العقلي.. ولذا فالمهدوية تخاطب البشرية بأنها ستقوم بما فيه (واقعاً وحقاً) صلاح المجتمع الإنساني وفقاً للبرنامج الإلهي، وتنطلق من أهداف واضحة وأبعاد محكمة ورؤية متكاملة، مما صنع لها حضور وفاعلية في حياة البشرية حالياً ومستقبلاً، وجعلها متفوقة على كل الاطروحات والنظريات الأخرى.
وعلى ضوء ذلك، فإن الرسالة التي يجب إيصالها وتوضيحها للأمم وشعوب العالم والتأكيد عليها عند الحديث عن المنقذ والمنجي الموعود أو عند الحديث عن نهاية التاريخ ومستقبل البشرية هي: إن الخلاص الإنساني الأمثل والأكمل والذي يتلاءم مع وجدان الفطرة ويتوافق مع برهان العقل ويتعاضد مع الإرشاد السماوي، ويلبي طموحات البشرية ويحقق آمال وأمنيات الأنبياء والرسل، كل ذلك ينطبق على (المهدوية) حقيقةً وهدفاً، حيث يبسط العدل والتوحيد على كافة الأرض المعمورة، ولذا ظلت الإنسانية تنتظر هذا العهد لسنين وقرون عديدة، وتتمنى أن يشرق شمس ذلك اليوم الموعود.
والذي لا شك فيه إن من يفهم المهدوية فهماً حضارياً سليماً، يكتشف قدرتها الفاعلة على الإصلاح والتغيير والتطوير والإحياء والتجديد، من خلال أهدافها ومقاصدها ورؤاها، حيث تكون مستوعبة لكل الناس وملبية لحاجات ومتطلبات عصرها، منطلقة في كل ذلك من شرع الله.. وفي هذا السياق نؤكد إن المهدوية مشروع إلهي كوني تهدف إلى عمارة الأرض، وترمي إلى علاقة مثالية بين الإنسان وخالقه، وإلى علاقة مميزة بين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان والطبيعة، فيضرب بها المثل كأفضل نموذج حضاري عالمي لم تشهده البشرية من قبل، للنهوض بالإنسان والعالم إلى عصر مشرق يصح أن نطلق عليه (جنة الله في الأرض).
والذي ثبت بوضوح من خلال هذا البحث، إننا بأمس الحاجة إلى دراسة المهدوية وبكل أبعادها وفق مناهج عديدة كالعقيدة والاجتماع والتاريخ والحضارة وغيرها، لما لهذه المناهج من قدرة وخبرة على فهم وتحليل وتفسير سنن الله وحركة التاريخ وتطور الحضارات.. يضاف إلى ذلك إن المهدوية كقضية عالمية وحضارية ومركزية تستدعي التوقف والتأمل والمراجعة، وذلك بتوظيف مختلف العلوم والمناهج البحثية والتحليلية لفهم أبعادها الحضارية، وإدراك مكنوناتها الإنسانية، وأن نحيط بدورها الحالي والمستقبلي في مسار التطور العالمي والتقدم البشري وعلى كافة الأصعدة المادية والمعنوية، ومن ثم عرض تلك النتائج والرؤى على الأمم والحضارات الأخرى وتعريفهم بحقيقتها وجوهرها، حتى تكتسب المهدوية موقعاً متقدماً في ذهنية الشعوب، ويكون لها أصداء إيجابية لدى الرأي العام للآخر، وحينئذ ستنجذب لها الشعوب وتعيش أمل انتظارها.
والحقيقة التي يجب أن يعرفها ويدركها المؤمنون هي إن المهدوية تمتلك المقومات والإمكانيات الحضارية التي تثير اهتمام العالم برمته، ولكن دورنا قاصر في تعريف الآخرين بها، ولهذا فإن ما تظهره بعض الجهات والمؤسسات الاجنبية من خوف وحذر وقلق تجاه المهدوية ليس له ما يبرره.
وفي الختام نؤكد: إن هذا البحث ينطوي عموماً على آفاق واسعة كثيرة، وقد اقتصرنا على ما يتناسب مع هذه الدراسة، ولازلنا بحاجة لاكتشاف أعمق للجوانب الحضارية الشاملة للعقيدة المهدوية من فكرنا وتراثنا الديني، الذي يختزل لنا الكثير وينتظر من يستكشفه.
ثمرة البحث:
من خلال قراءة الأهداف الكبرى والمقاصد العليا للمهدوية اتضح لنا جلياً ان موضوع تعريف وإيصال حقيقة المهدوية للآخر (غير المسلم) لم يحظ بما يستحقه من الاهتمام والاعتناء، وهذا الإهمال والتجاهل دفعنا لمحاولة البحث والدراسة عن هذا الموضوع وأهميته، والتأسيس لمشروع (تعريف المهدوية للحضارات الأخرى) بناءً على منهج علمي، وإنشاء منظومة معرفية عقلية وبرؤية فكرية حضارية إنسانية.. ومن هذا السياق انطلق البحث، ونوجزه في الآتي:
* انطلاقاً من القرآن الكريم الذي أسس لمبدأ (تعارف الحضارات) بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ (الحجرات: ١٣).. فالأمم والشعوب والحضارات مهما تنوعت واختلفت إلا أنها مطالبة بالتعارف، وهذا ما يريده سبحانه وتعالى للإنسانية، وهو مستوى رفيع وراقي من العلاقات، وهذا يستتبع معه الانفتاح والتواصل والحوار، ومنها النواحي الفكرية والوجدانية، ومن أهمها مستقبل البشرية وفكرة المخلص الموعود.
* هناك تواتراً عجيباً لفكرة المخلّص أو المنقذ المنتظر على امتداد التاريخ الإنساني في العديد من الأديان والفلسفات البشرية، وقد تبنى أتباع الديانات الفكرة انطلاقاً من أدبياتها وكتبها المقدسة، بل خرجت الفكرة من الإطار الديني التقليدي واقتحمت الفكر الفلسفي البشري المادي، وهذا ما يميز عقيدة المخلص باعتبارها أصبحت من المسلمات في الفكر والثقافة العالمية ولها ارتباط برؤية دينية، مما يؤكد إن المخلّص الموعود هو شخصية واحدة محددة مسبقاً، مرتبطة بالسماء ويعين من قبل العناية الإلهية.
* هناك حاجة ملحة وأهمية خاصة لتعريف الآخرين بمبدأ الإمامة الخاتمة (المهدوية) والمستقبل المشرق للإنسانية الذي سيتحقق على يديها، فهذا من أهم الأولويات الفكرية الحالية، وأحد مجالات الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية المطروحة على طاولة البحث والتي تهتم بها مراكز البحوث العلمية المتخصصة العالمية.
* لابد من إطلاق مشروع (تعريف المهدوية للحضارات)، وقبل ذلك تأسيس بناءات فكرية وتراكمات معرفية وتاريخية:
أ - إن مشروع التعريف ليس أهداف وغايات فقط، ولكنه سبيل لتكوين منهجية فكرية وعلمية، تتمثل في بلورة مفهوم المهدوية بمكوناتها الجوهرية بصورة تناسب عقلية الآخر (غير المسلم)، ومن ثم عرضها على الآخرين برؤية قائمة على القواسم المشتركة وبمنظور حضاري.
ب - دراسة الحضارات الأخرى وفهمها فكرياً: أي فهم الأمم والشعوب بكافة اشكالها ودراستها بعمق وبصيرة، وذلك من خلال التعرف على مناهجها وأبنيتها الفكرية والثقافية والأيديولوجية.
* إن التعريف الذي نطمح إليه هو: القدرة على إدخال حقيقة المهدوية (بما تحتويه من قيم ومبادئ إنسانية وحضارية) إلى المنظومة الفكرية للحضارات الأخرى، وترسيخ الفكرة لدى الرأي العام العالمي، بحيث يصبح هذا المفهوم من الأسس الثقافية الثابتة والبديهة عند الكل.
* يجب أن ندرك قبل أن نُعرف ونعرض المهدوية ونبيّن ونشرح معالمها وتفاصيلها، إن من خصوصيات الآخر (غير المسلم) عندما يراد إيصال الحقيقة له، لا معنى لأن يقال له: هذا ما ورد في القرآن أو ما روي عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأنه لا يؤمن بذلك، لذا نحن مضطرون للاستدلال والمحاكمة بالمنهج العقلي والذي يتناغم مع المجتمعات علمانية النزعة، والممعنة في الفلسفة المادية، وهذا من الضرورات المنهجية عند الحوار أو النقاش مع الآخر.. وتأسيساً على ذلك، وفي سبيل تقديم المهدوية للأمم والشعوب المختلفة يجب إن تطرح بمنظور ورؤية حضارية وعقلية وإنسانية، والكشف لهم عن حقيقتها وخصائصها ومزاياها، وإيضاح أهدافها والنتائج التي ستتحقق على يديها، والتي ستخدم البشرية كافة.
* لا يمكن الحديث عن تعريف المهدوية الإمامية للأخرين (غير المسلمين) بدون دراسة واستيعاب فكرة المخلص عند الآخر بشكل عام، وإرساء أسس استراتيجية من خلال: القاعدة الايديولوجية والبناء الديني ومعرفة القواسم المشتركة ونقاط الالتقاء، وكذلك النظرة الحالية والمعاصرة لدى (الرأي العام العالمي)، لاسيما النظرة الفلسفية لفكرة المخلّص والخلاص، فهي النقطة الرئيسية والمفتاح لتعريف المهدوية وتعزيز مسألة (المهدي المخلص).
* إن الأفكار والأطروحات التي تأتي منسجمة مع الفطرة الإنسانية، وتنطوي على منهج التفكير المنطقي، والذي تؤيدها الإرشادات السماوية، تكون سائغة وقابلة للاستيعاب من قبل الأفراد والأمم والشعوب.. ومن هذه الأطروحات الوجدانية والمنطقية والواقعية فكرة ومبدأ المخلص آخر الزمان، حيث تظافرت عدة عوامل في غرس أصل الفكرة في العقل الجمعي للبشرية منذ فجر التاريخ، ومما رسخ ذلك ايضاً إن مسألة المخلص كانت جزءاً من المنظومة الفكرية عند جميع الأنبياء والرسل.
* من المؤكد إن هناك خصائص مشتركة كثيرة ونقاط التقاء عديدة واتفاق فكري على قضية (المهدي المخلّص) بين الأديان السماوية، مما يُوجد لغة حوار مفتوحة ومشتركة، ويساهم في بلورة أساليب ومناهج لتحويل القضية المهدوية من خندق الخلاف إلى أرضية للتلاقي وعلى أساس وحدة المخلص الموعود ووحدة الغاية والهدف، وهذا من أهم العناصر المؤثرة في مشروع تعريف المهدوية للآخرين.
* ستتوحد البشرية مستقبلاً في دولة عالمية واحدة وعلى يد قائد منتظر واحد، وبالتأكيد فإن ما ينتظره اليهود وما ينتظره المسيحيون وما ينتظره المسلمون وما تنتظره البشرية من قديم الزمان وإلى الآن، هو في الحقيقة شخص مستقبلي واحد محدد بعينه وهو المخلّص المهدي.
* إن بشارات الأديان تناولت خصوصيات المصلح العالمي الموعود، لا تنطبق إلا على أبرز ما يميز الأطروحة الإمامية والواقع التاريخي الذي مرت به مثل: تعرض المخلص لخطر القتل والتصفية اثناء ولادته والتي تؤدي إلى غيبته، ثم التأكيد على أنه محفوظ بالرعاية الإلهية اثناء غيبته حتى موعد ظهوره، وهذا من خصائص الأطروحة المهدوية الإمامية.
* إن فكرة المخلص الإسلامي تجسدت بشخصية الإمام المهدي (عليه السلام)، وهذه خصوصية المدرسة الإمامية: حيث أنها بدلت حالة الأمنية والأمر النظري إلى حالة واقعية موجودة، فوضحت للعالم أنها تنتظر شخصاً واحداً محدداً معروف الهوية والنسب، يعيش بيننا ويتحسس مشاكلنا وهمومنا، وله حضور فعال في حياة البشرية.. بعكس المنجي الموعود عند المدارس الفكرية والحضارات الأخرى، فهو شخصية موجودة ذهنية واعتقادية ونظرية فقط، لكنه في الواقع ليس شخصاً محدداً موجوداً يعيش بين الناس ويرتبط بظروفهم وأحوالهم، وليس له دور يذكر.. مما يجعل الأطروحة والرؤية المهدوية للخلاص متفوقة على كل النظريات المطروحة من قبل المدارس الفكرية والدينية الأخرى.
* نطمح من وراء استجلاء صورة المهدوية في الرؤية الاستشراقية، ان نرسم معالمها التي تشكلت حديثاً عند الرأي العام الغربي (الآخر)، وذلك كنتيجة طبيعية ومنطقية للجهود التي بذلها المستشرقون والأهداف التي ينطلقون منها.. وغايتنا تأسيس قاعدة فكرية ومعرفية تحصر وتستقرأ رؤيتهم للمهدوية تاريخياً وحاضراً، مما يساعدنا على ربط صورة المهدوية عند الغرب في الماضي بالرؤية الحالية، والوقوف على أهم التغيرات المستجدة، وكذلك العمل على تفكيك وتقويض الصورة المشوهة التي رسمها المستشرقون في كتاباتهم، مما يتيح الفرصة لننطلق في مشروع التعريف من ارضية وقاعدة صلبة.
* عند بلورة المهدوية بمنظور ورؤية حضارية، وطرحها على أرض الواقع كمنظومة معرفية متكاملة، ومن واقع وحقيقة المخلص الإسلامي (الأطروحة المهدوية الإمامية) فإن ذلك سيتيح للأمم والشعوب المختلفة الاطلاع والتعرف على حقيقة المهدوية الربانية آخر الزمان، ومن ثم ستعتقد وتؤمن بها، وتتشوق ليومها الموعود.
* إن دولة العدل الإلهي التي سيقيمها الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) على الأرض، هي نفسها (حكم الله وملكوته في الأرض) التي سيقيمها السيد المسيح، وبكل تأكيد هي كيان واحد، مما يكشف عن حقيقة أن الهدف واحد والمستقبل واحد والمخلص واحد، وأنها دولة واحدة تشمل المعمورة بأسرها، وتكون خاتمة المسيرة البشرية، وثمرة جهود الأنبياء والأديان السماوية.
* إن الرسالة التي يجب إيصالها وتوضيحها للأمم وشعوب العالم والتأكيد عليها عند الحديث عن المنقذ والمنجي الموعود أو عند التحاور عن نهاية التاريخ ومستقبل البشرية هي: إن الخلاص الإنساني الأمثل والأكمل والذي يتلاءم مع وجدان الفطرة ويتوافق مع برهان العقل ويتعاضد مع الإرشاد السماوي، ويلبي طموحات البشرية ويحقق آمال وأمنيات الأنبياء والرسل، كل ذلك ينطبق على (المهدوية) حقيقةً وهدفاً، ولذا ظلت الإنسانية تنتظر هذا العهد لسنين وقرون عديدة.
* إننا بأمس الحاجة إلى دراسة المهدوية وبكل أبعادها وفق مناهج عديدة كالعقيدة والاجتماع والتاريخ والحضارة وغيرها، لما لهذه المناهج من قدرة وخبرة على فهم وتحليل وتفسير سنن الله وحركة التاريخ وتطور الحضارات.. يضاف إلى ذلك إن المهدوية كقضية ربانية ومركزية بشرية تستدعي التوقف والتأمل والمراجعة، وذلك بتوظيف مختلف العلوم والمناهج البحثية والتحليلية لفهم أبعادها الحضارية، وإدراك مكنوناتها الإنسانية، وأن نحيط بدورها الحالي والمستقبلي في مسار التطور العالمي والتقدم البشري وعلى كافة الأصعدة المادية والمعنوية، ومن ثم عرض تلك النتائج والرؤى على الأمم والحضارات الأخرى وتعريفهم بها.

الملخص
تعريف المهدوية للحضارات الأخرى

أولاً

أهمية الموضوع

تنبعث حاجة إنسانية ملحة، وأهمية حضارية خاصة لتعريف البشرية بمبدأ (المخلّص المهدي) والمستقبل المشرق الذي سيتحقق على يديها، فهذا من أهم الأولويات الراهنة في فضاء الفكر العالمي، وأحد مجالات الدراسات الاستراتيجية والمستقبلية المطروحة بقوة على طاولة البحث في مراكز البحوث العلمية المتخصصة العالمية.

ثانياً

الهدف

إن التعريف المطلوب: القدرة على إدخال حقيقة المهدوية (بما تحتويه من قيم ومبادئ إنسانية وحضارية) إلى المنظومة الفكرية للحضارات الأخرى، وترسيخ الفكرة لدى الرأي العام العالمي، بحيث يصبح هذا المفهوم من الأسس الثقافية الثابتة والبديهة عند كل الأمم والشعوب.

ثالثاً

الآلية الاستراتيجية للتعريف

تلمس معالم طريق التعريف: فإن إحاطة الآخر بمفهوم المهدوية عملية استراتيجية تنطلق من بصيرة فكرية ومنهج عملي، فلا بد أن نعي مواقع أقدامنا، وأن نمتلك خطة محكمة سواء في ساحة بناء المنظومة الفكرية التعريفية أو ساحة العمل الميداني، حتى تفلح جهودنا وتتحقق تطلعاتنا.

رابعاً

معرفة القاعدة الدينية والفكرية للآخر

مشروع التعريف: رهن بمعرفة القاعدة الفكرية واستيعاب المباني الدينية لمفهوم المخلّص عند الآخر، والوقوف على التصورات والاختلافات التي يعتقد بها، ومن ثم استخلاص القواسم المشتركة ونقاط الالتقاء، وتكوين أرضية صلبة للانطلاق منها.

خامساً

معرفة رؤيته الحالية للمهدوية

نحن بحاجة للاهتمام بالرؤى الفكرية المعاصرة للآخر، ومعرفة رؤيته للمهدوية ولمفهوم المخلّص حالياً، مع ملاحظة أن لا يكون منهجنا في التعريف وغاياته كردّة فعل على (الرؤية الاستشراقية للمهدوية).

سادساً

معرفة فلسفته لأصل الفكرة

للآخر فلسفة خاصة حول الخلاص ومفهوم المخلّص، ومعرفة ذلك وإدراك ابعادها، تخلق حالة من تمهيد الطريق ومفتاح للدخول لمهمة تعريف المهدوية وإيضاح جوهرها.

سابعاً

عرض المهدوية برؤية إنسانية حضارية

طرح المهدوية برؤية حضارية ووفق معايير إنسانية رائدة، يشكل في الحقيقة إشعاع ينير الطريق أمام الرأي العام العالمي، لفهمها على حقيقتها ومكانتها الراقية في فضاء الفكر الإنساني، ونهاية التاريخ البشري.

الخاتمة: رسالة للبشرية بخصوص المهدوية:

التأمل العميق لواقع العالم المعاصر وقراءة التصرفات الدولية والوقائع الاجتماعية، والسياسات والإجراءات المنفذة على كافة الأصعدة والظروف التي خلقتها، نجد أن مثل هذه السلوكيات المتعجرفة والتصرفات الظالمة وضيقة الأفق، لا تملك إلا أن تصنع الحرب والفقر والجور وتدمير البيئة وإلحاق الضرر بكل شيء، وكل ذلك سعياً وراء المال والقوة والسيطرة على السلطة، مما أدى إلى تغييب الضمير الإنساني وإقصاء الأخلاق الدينية.. وإن سباق التسلح وسنن التاريخ تؤكد ان بوادر حرب عالمية أخرى على الأبواب، وإن أزمات اقتصادية طاحنة على الأعتاب، وأمام كل هذه الوقائع والحقائق يسود صمت عالمي غير مبالي بالذي يحدث، مما ينذر بمستقبل كارثي ومظلم للبشرية وجر العالم للانهيار.
لقد وهبنا الله الإمكانيات والموارد والقدرة لإحلال الحب والرحمة والأمن والسلام بين الأمم والشعوب وجميع أفراد البشرية، ولكن أفعالنا تعكس افتقارنا إلى عمق القيم الروحية والتحكيم العقلي والشعور بالمسؤولية، ولا تنسجم مطلقاً مع الروح الإيجابية والأخلاقية التي تنطوي عليها التعاليم الدينية السماوية.. هناك على الأرجح الكثير الذي يمكننا القيام به للبدء في تغيير واقعنا ومصيرنا من خلال إدراك حقيقة العالم اليوم، وإلى أين وصل بنا الحال بتصرفاتنا الهوجاء وانفصالنا عن إنسانيتنا.. وهنا تظهر ضرورة تحمل المسؤولية، وأن الوقت قد حان لشعوب العالم لمواجهة الواقع، فليس للبشرية في ظل هذه الممارسات اللاإنسانية والسلوكيات الظالمة وأمام الكوارث والحروب القادمة إلا الاعتراف بأخطائها، وبذل قصارى جهدها للتطلع إلى الحل وإلى أهداف أعلى، وذلك بأن تحسن الاستجابة لنداء الفطرة وبرهان العقل وإتباع الإرشادات السماوية، وهكذا تبقى الساحة البشرية مفتوحة بشكل كبير على فكرة المخلص المنقذ، لما تتسم به هذه الفكرة والعقيدة من طابع إنساني وتوجيه رباني، ولما تحمله من أمل وتفاؤل ونظرة إيجابية لمستقبل زاهر يشمل العالم كله.
بالتأكيد يمكننا تغيير المسار الذي تمشي فيه البشرية من خلال إيقاف الممارسات الحالية وتغيير أفكارنا، وأن تكون لدينا قدرة على تقييم الحقائق الربانية العميقة ومراجعة رؤيتنا للحياة.. فانتصارنا على الظلم والحرب والفقر بشكل دائم محتم وأكيد وهذا وعد إلهي، ولكن يجب التمهيد وتهيئة الأمر، وإيجاد أسباب وشروط ومقومات النجاح، وقبل ذلك نشر الحقيقة حتى يفهمها الجميع، فالحقيقة بسيطة وواضحة جدًا، ونشرها لا يقع على عاتق فئة معينة بل على الجميع.. يكمن الحل الحقيقي (المخطط الرباني) وبمعناه الكامل في ما بشر به قبل آلاف السنين في النصوص الدينية السماوية، وفي كلمة واحدة: (المخلّص) كمنقذٍ للعالم وقائداً للبشرية، لدرجة أنه من الضروري الحديث عنه وعن أهميته ودوره حالياً ومستقبلاً، فالحقيقة واضحة ومعترف بها من جميع الأمم والشعوب، فمن المحتم علينا أن نمهد الطريق لخروجه، وأن نضع هذه المسألة أمام الرأي العام العالمي وإيضاحها.. بالتأكيد إن مهمة إدراك شخصية ربانية كـ (المخلّص المهدي) والإحاطة بأبعادها، تحتاج إلى بصيرة ولغة ربانية، وهذا أمر يخرج عن سياق هذه السطور، إنما الذي نصبوا إليه هو أن نتلمس شيئاً عن أهمية هذه الشخصية الذي تحقق أهداف وغايات كل الرسالات السماوية، والذي يعد الاعتقاد بها هو المنهج الرباني المرسوم لسعادة البشرية.
في هذا المقام، نؤكد القول لكل إنسان حكيم وذو بصيرة، ويطمح أن يصل إلى حياة كريمة ويعيش في عالم الفضيلة والكمال، هو ذا منطق الكون وسنن الحياة، هي ذا متون الصحف السماوية، وكلها متفقة وتعلن بوضوح عن (الإمام المهدي) كمخلّص وكعنوان محتوم لإنقاذ الإنسانية ومستقبلها.. وفي هذا الصدد ندرك حقيقة الممارسات الخبيثة للإعداء ضد البشارة والأمل، وسعيها الدائب في الكيد لإطفاء الروح الإيجابية في مفهوم المهدوية، ولكن يأبى الله لها ذلك، فإقامة الدولة الفاضلة وتحقيق العدالة الإلهية في الزمن الأخير لا يتم إلا على يديه، ويصحح مسار التاريخ البشري ومستقبله الختامي إلى طور العدل والمحبة والسلام.
وأخيراً؛ ندعو إلى أهمية التمسك بمبادئ العدل والقسط والقانون الإلهي، وتكريس الأخوة الإنسانية، ونشر ثقافة قبول الآخر، وإعلاء قيم التعارف والتكامل بين الحضارات، وتعزيز التحاور عبر تفهم الاختلافات وعدم تحويلها إلى خلافات، والتشبث بالقواسم المشتركة ونقاط الالتقاء في الرؤى الفكرية، وإيقاظ الأمنية الكبرى للبشرية، وتهيئة الأرضية المناسبة لخروج بقية الله واخر الأوصياء، وترجمة حلم الإنسانية القديم إلى قرارات عملية ومناهج تعليمية، ومسلمات معرفية في الفضاء الثقافي العالمي، مع التأكيد على عظمة هذه الشخصية القيادية وسمو مكانتها عند الله.
وفي الختام؛ ندعو الله أن يحفظ البشرية من كل شر، وأن يدفع عن قائدها ومخلّصها ومنقذها كل سوء ومكروه.. اللهم أحي به نور العدل والقسط، وأمت به آثار الظلم والجور.. اللهم اعمر به أرضك، وأحي به عبادك.. اللهم اكشف شبح الحروب عن الإنسانية ببركة حضوره، وعجل لنا فرجه وظهوره، برحمتك يا أرحم الراحمين.
والحمد لله أولاً وآخراً، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً.

المصادر

١- القرآن الكريم.
٢- الكتاب المقدس - دار المشرق، الطبعة الثالثة ١٩٩٤م، بيروت.
٣- الإمام الثاني عشر، تأليف: هنري كوربان، ترجمة: نواف محمود الموسوي، الناشر: دار الهادي - بيروت، الطبعة الأولى: ١٤٢٨ هـ، ٢٠٠٧م.
٤- الإمام المهدي في الأديان - مهدي خليل جعفر، ط أولى ٢٠٠٨م، المحجة البيضاء - بيروت.
٥- الإمامة - الشهيد مرتضى مطهري، الطبعة الثالثة ٢٠٠٣م، ترجمة: جواد علي كسار، مؤسسة ام القرى - بيروت.
٦- الأصول المشتركة للأديان - حسن السيد عز الدين بحر العلوم، الطبعة الأولى ٢٠١٣م، العارف للمطبوعات - بيروت.
٧- البحث عن منقذ.. دراسة مقارنة بين ثماني ديانات - فالح مهدي، دار ابن رشد، بغداد ١٩٨١م.
٨- التراث المهدوي: استقراء التطور الفكري في مسيرة التراث المهدوي الشيعي - مجتبى الساده، اطياف للنشر والتوزيع - القطيف، الطبعة الأولى ٢٠١٨م.
٩- التشيع والاستشراق، د.عبد الجبار ناجي، المركز الاكاديمي للأبحاث - بغداد، الطبعة الأولى ٢٠١١م.
١٠- الحوار مع الغرب، د. منى أبو الفضل - د. أميمة عبود - د. سليمان الخطيب، الطبعة الأولى ٢٠٠٨، دار الفكر - دمشق.
١١- الخلاص المسيحي ونظرة الإسلام اليه - د. احمد علي عجيبة، الطبعة الأولى ٢٠٠٦م، دار الافاق العربية - القاهرة.
١٢- السيادة العربية والشيعة والاسرائيليات في عهد بني أمية، ج. فان فلوتن، ترجمة: حسن ابراهيم ومحمد زكي، الطبعة الأولى ١٩٣٤م - القاهرة.
١٣- السيطرة العربية: والتشيع والمعتقدات (المهدية) في ظل خلافة بني أمية، ج. فان فلوتن، ترجمة: د. ابراهيم بيضون، دار النهضة العربية - بيروت، ١٩٩٦م.
١٤- الشيعة في العالم.. صحوة المستبعدين واستراتيجيتهم، فرنسوا تويال، ترجمة من الفرنسية: نسيب عون، الطبعة الأولى ٢٠٠٧م، دار الفارابي - بيروت.
١٥- الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، العلامة محمد الطباطبائي، الطبعة الأولى ١٤١٦هـ، بيروت.
١٦- العقيدة والشريعة في الإسلام، اجناس جولدتسيهر، ترجمة: محمد يوسف موسى وآخرون، الطبعة الأولى ١٩٥٩م، الناشر: المركز القومي للترجمة - القاهرة.
١٧- المخلص بين الإسلام والمسيحية - باسم الهاشمي، الطبعة الثانية ٢٠٠٧م، دار المحجة - بيروت.
١٨- المسألة الحضارية: كيف نبتكر مستقبلنا في عالم متغير؟ - زكي الميلاد - مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ٢٠٠٨م.
١٩- المستشرق المعاصر إيتان كوهلبرغ وحديث الإمامة، للسيد مصطفى مطهري، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، العتبة العباسية المقدسة، الطبعة الأولى ٢٠١٤م.
٢٠- المنقذ الأعظم عقيدة ومشروع الكتب السماوية - كاظم مزعل جابر الاسدي - رسالة ماجستير، جامعة آل البيت العالمية - قم المقدسة، ط أولى ٢٠٠٥م.
٢١- المنقذ في الأديان - نور ناجح حسين، رسالة ماجستير: كلية الآداب - جامعة الكوفة، ٢٠١٧م، نشر مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي - النجف ١٤٤٠ هـ.
٢٢- المهدي المنتظر بين الدين والفكر البشري - د. محمد طي، الطبعة الأولى ١٩٩٩م، الغدير - بيروت.
٢٣- المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشرية، د. جواد علي - رسالة دكتوراه، ترجمه عن الالمانية د. أبو العيد دودو، منشورات الجمل - المانيا، الطبعة الأولى عام ٢٠٠٥م.
٢٤- النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ، الأسعد بن علي قيدارة، مركز الابحاث العقائدية، ط أولى ١٤٣٢ هـ.
٢٥- أديان العالم: دراسة تحليلية لأديان العالم الكبرى - د. هوستن سميث، تعريب: سعد رستم، ط ثالثة ٢٠٠٧م، دار الجسور- سوريا.
٢٦- بحار الأنوار - للشيخ محمد باقر المجلسي (المجلدات: ٥١ - ٥٢ - ٥٣)، دار إحياء التراث - بيروت، ط ثالثة ١٩٨٣م.
٢٧- بحث حول المهدي، السيد محمد باقر الصدر، دار التعارف للمطبوعات - بيروت، ١٩٧٧ م.
٢٨- رسالة التشيع في العالم المعاصر - السيد محمد حسين الطباطبائي، ترجمة: جواد علي كسار، الطبعة الأولى ١٤١٨ هـ، مؤسسة ام القرى، بيروت.
٢٩- رؤى مهدوية.. شذرات فكرية في القضية المهدوية - مجتبى الساده، اطياف للنشر والتوزيع - القطيف، ٢٠١٦م.
٣٠- عقيدة الشيعة: تاريخ الإسلام في ايران والعراق، دوايت رونلدسن، تعريب: ع.م. الطبعة الأول ١٩٤٦م - القاهرة.
٣١- كتاب الغيبة - للشيخ محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني المعروف بابن أبي زينب، تحقيق: فارس حسون كريم، دار الجوادين - ط أولى ٢٠١١م.
٣٢- مجلة الاستغراب - العدد الأول ٢٠١٥م - المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية - بيروت، دراسة: (في إمكانية معرفة الغرب) رضا داوري الأردكاني، ودراسة (لماذا الاستغراب؟) محمود حيدر.
٣٣- مجلة العقيدة - الدليل العقلي على الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) للسيد هاشم الميلاني، العدد ١٧ - جمادى الثاني ١٤٤٠ هـ، العراق.
٣٤- مجلة الموعود، العدد التاسع، شعبان ١٤٣٥هـ، مؤسسة المستقبل المشرق، ايران، دراسة: (أنماط السلوك البشري والأخلاق المعدة والممهدة للظهور) د. محمد كوراني.
٣٥- مجلة دراسات استشراقية - العدد ١ و٢، عام ٢٠١٤ م، الصادرة عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، العتبة العباسية المقدسة.
٣٦- معرفة الحداثة والاستغراب.. حقائق متضادة - حسين كتشويان نيان - مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، بيروت، ٢٠١٦م.
٣٧- مفهوم الخلاص في الديانة اليهودية (رسالة ماجستير)، جامعة محمد الخامس بالرباط، د. محمد حمزة بن علي الكتاني، الطبعة الأولى ١٤٣٢ هـ، ٢٠١١م، المغرب.
٣٨- مقالات تأسيسية في الفكر الإسلامي - السيد محمد حسين الطباطبائي، تعريب: خالد توفيق، الطبعة الأولى ١٤١٥ هـ، مؤسسة ام القرى، بيروت.
٣٩- موسوعة المستشرقين، د. عبد الرحمن بدوي، الطبعة الثالثة ١٩٩٣ م، دار العلم للملايين - بيروت.
٤٠- موسوعة: معجم أحاديث الإمام المهدي، الطبعة الثانية ١٤٢٨هـ، مؤسسة المعارف الإسلامية (٨ مجلدات).
٤١- نحن والعالم.. من أجل تجديد رؤيتنا إلى العالم - زكي الميلاد، مؤسسة الانتشار العربي - بيروت، ٢٠١٣م.
٤٢- نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ - الشهيد مرتضى مطهري، الطبعة الثانية ٢٠٠٦م، دار التيار الجديد - بيروت.
٤٣- وراثة الأرض في القرآن والكتب السماوية - نور مهدي الساعدي - رسالة ماجستير: كلية الفقه - جامعة الكوفة، ط أولى ٢٠١٢ م.
مصادر أجنبية:
١ - Belief and Law in Imami Shiism (Collected Studies Series) by Etan Kohlberg , Publisher: Variorum (August ١, ١٩٩١) , Language: English.
٢ - End Times and the Secret of the Mahdi: Unlocking the Mystery of Revelation and the Antichrist, by: Michael Youssef, Publisher: Worthy Publishing (February ٢٣, ٢٠١٦).
٣ - Imam Mahdi: Heir of HRH King David [as], the King of Israel: Messianic Age: By Ibrahim the Beast a Sign of the Hour (Author), Publication Date: August ٨, ٢٠١٧ , Language: English.
٤ - Muslim Studies , Ignaz Goldzehir ١٩٦٧.
٥ - New Catholic Encyclopedia, ٢nd Edition, Published By: Gale , ٢٠٠٣.
٦ - Recherches sur la domination arabe, le chiitisme et les croyances messianiques sous le khalifat des Omayades, By: Gerolf Van Vloten , Amsterdam, J. Müller, ١٨٩٤.
٧ - The Four Sufara of the Twelfth Imam: on Formative Period of the Twelver Shia , Verena Klemm , ١٩٨٤.
٨ - The Imam of Time: A Novel of Then and Now, by: F.W. Burleigh, Publisher: Zenga Books (January ٢٩, ٢٠١٨).
٩ - The Imam's Return: Messianic Leadership in Late Medieval Shiism , Shahzad Bashir
١٠ - The Islamic Antichrist - Joel Richardson , ٢٠٠٩.
١١ - The Mahdi Past and Present , ١st Edition, ١٨٨٥, NY- USA.
١٢ - The Mahdi, by: A.J. Quinnell, Publisher: William Morrow & Co; ١st U.S. edition (January ١, ١٩٨٢).
١٣ - The Most Learned of the Shia: The Institution of the Marja Taqlid , Linda S. Walbridge , Published to Oxford Scholarship Online: October ٢٠١١.
١٤ - The Shi’ite Religion: a history of Islam and Persia and Irak - By: Dwight Martin Donaldson , Ann Arbor, Mich.: University Microfilms International, ١٩٨٤.
١٥ - Without Forgetting the Imam , Linda S. Walbridge , Wayne State University Press , August ٢٠٠١.
مواقع الكترونية:
١) موقع: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عليه السلام).
www.m-mahdi.net
٢) موقع: مكتبة الإمام المهدي المركزية.
www.mahdi-lib.com
٣) موقع: ويكي شيعة، الموسوعة الالكترونية لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
www.ar.wikishia.net

الهوامش:

ــــــــــــــــــــــ

(١) الآخر: لا يقصد به الضدية، أنما يراد منه كيان مختلف أو شيء ثانٍ.. ويرتبط هنا بمفهوم الهوية الجمعية، أي خارج ثقافتنا.
(٢) تعرف الحضارة بأنها: نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي، فهي تتكون من أربعة عناصر، المواد الاقتصادية والنظم السياسية والتقاليد الأخلاقية ومتابعة العلوم والفنون، المصدر: موسوعة قصة الحضارة، تأليف: ول وايريل ديورانت، ترجمة: زكي نجيب محمود، المجلد الأول، ب١ - ص٣، طبعة ١٩٨٨م.. يمكن الإشارة إلى تعريف دقيق شامل لمعنى الحضارة: (أن الحضارة تعني الحصيلة الشاملة للمدنية والثقافية فهي مجموع الحياة في صورها وأنماطها المادية والمعنوية)، المصدر: توفيق محمد سبع، قيم حضارية في القرآن الكريم، ج١ ص٣١ دار المنار - القاهرة.
(٣) طرحت هذا المفهوم أو المصطلح لأول مرة في عام ١٤٣٦ هـ / ٢٠١٥ م، في صحيفة (صدى المهدي - عدد ٧٦)، ولقى اهتماماً وتقبلاً في أوساط المؤمنين وفضلاء الحوزة العلمية في النجف الأشرف.
(٤) الآخر: لا يقصد به الضدية، أنما يراد منه غير المسلم أو غير المؤمن بمهدوية أهل البيت (عليهم السلام).
(٥) منظومة البناء المعرفي هي: حصيلة المعرفة الإنسانية عبر مسيرتها التاريخية، وتقوم على أساس من التنظيم والتصنيف والتراكم وفق معايير موضوعية، وتتكون عناصرها من: معلومات وحقائق ومفاهيم وتعليمات ومبادئ وقيم ونظريات واتجاهات ومهارات.. المصدر: بحث للدكتور محمد الخوالدة، بعنوان (منظومة البناء المعرفي وطرائق تدريسها)، قدم في المؤتمر العربي الثالث حول المدخل المنظومي في التدريس والتعلم - جامعة عين شمس - القاهرة - ابريل ٢٠٠٣ م.
(٦) أظهرت الدراسات الاجتماعية الحديثة أن القيم والمعتقدات الدينية تشكل العنصر الأساسي في البناء الثقافي للمجتمع.. وكذلك فإن ارتقاء المجتمعات يرتبط بظهور القيادة الملهمة التي تمتلك رؤية متميزة، تؤدي إلى تحفيز الهمم والأفعال وتوليد زخم نفسي وروحي، فتخرج المجتمع من ركوده، وتدفعه للمضي في عملية بناء نفسه وإظهار قدراته العلمية.
(٧) دستور رائع في إدارة الدولة وسياسة الحكومة ومراعاة حقوق الشعب.. وقد اعتمدت هذه الرسالة في الأمم المتحدة كونها من أوائل الرسائل الحقوقية، التي تحدد الحقوق والواجبات بين الحكومة والشعب، واعتبرت كأحد مصادر التشريع للقانون الدولي، وقد دعت الأمم المتحدة لاتخاذ أمير المؤمنين علي (عليه السلام) مثالاً للحاكم الصالح - المصدر كتاب: بحوث معاصرة في الساحة الدولية، للشيخ محمد السند، ص٣٦٤-٣٦٥.
(٨) دراسة فكرة المخلص بشكل مقارن بين ثماني ديانات هي: المصرية القديمة والهندوسية والبوذية والجينية والزرادشتية واليهودية والمسيحية والإسلامية - للتوسع في هذا المجال ارجع إلى كتاب (البحث عن منقذ) لـ: فالح مهدي - بغداد ١٩٨١م.. ودراسة فكرة المهدي المنتظر بين أربع مذاهب إسلامية هي: الإباضية والإسماعيلية وأهل السنة والشيعة الإمامية، ارجع إلى كتاب (رؤى مهدوية) لـ: مجتبى الساده - ٢٠١٦ م.
(٩) بحث حول المهدي، للسيد محمد باقر الصدر، ص١٠.
(١٠) غيبة عنوان: وهي أن الناس يرون الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بشخصه، دون أن يكونوا عارفين أو ملتفتين إلى حقيقة أنه المهدي المنتظر.
(١١) الكتاب المقدس: يتكون من مجموعة كتب تسمى أسفاراً، ويعتقد اليهود والمسيحيون أنها كتبت بوحي وإلهام.. الكتب ٤٦ الأولى مشتركة بين اليهود والمسيحيين، يطلق عليها اليهود اسم التناخ، أما المسيحيون فيسمونها العهد القديم، ليضيفوا إليها ٢٧ كتاباً آخر يشكلون العهد الجديد.
(١٢) العهد القديم: الجزء الأكبر من الكتاب المقدس ويحتوي على ٤٦ سفراً وهي عبارة عن جميع كتب اليهود ويعرف عندهم باسم التناخ، وهو يحتوي على أسفار موسى الخمسة (التوراة)، والاسفار التاريخية وأسفار الأنبياء والحكمة، كزبور داود.
(١٣) الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر المزامير، المزمور ٧٢، النص ١ - ١٥.
(١٤) هذا النص واضح المعالم في ذكر الرسول محمد (ص) صاحب شريعة الله إلى الناس كافة (شريعتك للملك)، وفقرة (وعدلك لابن الملك) إشارة إلى المخلص الموعود الذي سيقيم العدل في الأرض على أساس شريعة أبيه ويحكم العالم. فسر اليهود بأن المقصود بالملك في هذا المزمور هو نفسه نبي الله داود (عليه السلام) وبابن الملك سليمان ابنه، ولكن هذا ينافي الحقيقة، فكما هو معروف أن النبي داود لم يكن صاحب شريعة لكي يقول: (اللهم أعط شريعتك للملك)، لأنه (عليه السلام) لم يأت بشريعة مستقلة بل كان خاضعاً لشريعة موسى (عليه السلام). كذلك ادعاء النصارى بأن هذه البشارة قد وردت بحق عيسى (عليه السلام) فإنه ادعاء باطل أيضاً، لأن عيسى بن مريم (عليه السلام) لم يكن صاحب سلطة يحكم بها ولم يحكم ولا يوماً واحداً ولا خاض حرباً، حتى يوصف بالملك، بالإضافة إلى أنه (عليه السلام) لم يكن له ابن فهو لم يتزوج في حياته حتى يقال (وعدلك لابن الملك). وفي الحقيقة فإن جميع الأوصاف الواردة في هذا المزمور (٧٢) تعد من أقوى البشارات في حق كل من رسول الله محمد (ص) الذي تم التعبير عنه بالملك، وإلى حفيده الإمام المهدي (عليه السلام) المعبر عنه بابن الملك.
(١٥) الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر إرميا، الاصحاح ٤٦، النص ٩ -١٠.
(١٦) يُشير هذا النص إلى واقعة عظيمة عند نهر الفرات، حيث يُذبح هناك أحد أولياء الله المقربين، لأن النص ينسب هذه الذبيحة إلى (الله) مما يدل على سمو مكانته ورفعة مقامه، وسيقوم وليّ لله وهو (السيد ربّ الجنود) بالانتقام لذبح هذا الوليّ المقرّب والأخذ بثاره، ويقتل مبغضيه بعد معارك عنيفة يخوضها ضدهم.. ولم ينقل لنا التاريخ ولا الكتب السماوية، أن هناك ولياً لله ذُبح عند الفرات غير الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) والذي يأخذ بثأره هو ولده المهدي (عجّل الله فرجه)، فشعار المهدي المنتظر حين خروجه يا لثارات الحسين.
(١٧) الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ١١، نص ١- ١٠.. وصف لبعض معالم دولة الإمام المهدي (عليه السلام)، والرخاء الذي تعيشه جميع الكائنات والمخلوقات في ظل دولته، بالإضافة إلى الإشارة الى احد القاب الإمام وهو (القائم).
(١٨) العهد الجديد: الجزء الثاني من الكتاب المقدس لدى المسيحين ويحتوي على ٢٧ سفراً وهي الأناجيل الخمسة، بالإضافة الى اعمال الرسل والرسائل وسفر الرؤيا.. واطلقوا عليه العهد الجديد أي العهد الذي يبدأ بظهور النبي عيسى على ساحة الدعوة الى الله.
(١٩) الكتاب المقدس، العهد الجديد، سفر رؤيا يوحنا، الإصحاح ١٢، نص ١-٦.
(٢٠) بعض الإيضاحات لهذا النص: امرأة متسربلة: يقصد بها السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، اثني عشر كوكباً: يقصد بهم الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام)، المرأة الأخرى العتيدة: يقصد بها السيدة نرجس (عليها السلام) زوجة الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)، فولدت ابناً ذكراً: الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، واختطف ولدها إلى الله: الغيبة وأنه محفوظ بالرعاية الإلهية اثناء غيبته.
(٢١) الكتاب المقدس، العهد الجديد، سفر رؤيا يوحنا، الاصحاح ١٤، نص ٦-٧.. الإشارة إلى النداء والصيحة السماوية، التي هي احدى العلامات المحتومة لظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه).
(٢٢) الكتاب المقدس، العهد الجديد، إنجيل متى، الإصحاح ٢٤: ٨-١١.. الإشارة إلى الفتن والادعاءات الكاذبة للنبوة والمهدوية التي تكون قبل ظهور الإمام المهدي (عليه السلام)، ثم يأتي الاعلان السماوي لكل البشرية (النداء والصيحة) بقرب الظهور وبداية عصر جديد.
(٢٣) معجم أحاديث الإمام المهدي، ط ٢، ج١، ص٧٥.
(٢٤) معجم أحاديث الإمام المهدي، ط ٢، ج١، ص٧٠.
(٢٥) كتاب: الإمام المهدي في الأديان، ص١٠٤.
(٢٦) موسوعة: معجم أحاديث الإمام المهدي، ج١، قسم بشارات الأديان.
(٢٧) عندما رفض إبليس اللعين السجود لأدم في الجنة، فغضب الله عليه، وقال جل وعلا: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ * إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ (سورة الحجر، آيات: ٣٦-٣٨)، الوقت المعلوم: أي وقت ظهور المهدي، قال الإمام الرضا (عليه السلام): (﴿إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ وهو يوم خروج قائمنا).. [المصدر: المهدي في القرآن ص٦٤، الزام الناصب ج١ ص٦٩].. فكان هذا الخطاب يشير للمهدوية قبل أن تخلق البشرية من نسل آدم (عليه السلام).
(٢٨) كتاب: النظرية المهدوية في فلسفة التاريخ، ص٦٦.
(٢٩) المقصود بـ (بقية الله): المتبقي في الأرض من خط الأنبياء والأوصياء.
(٣٠) المسيحانية: هي مجموعة عقائدية دينية لنهاية الزمان، النقطة المركزية في هذه العقائد هي شخصية المنقذ (الركن الأساس) والذي سيقود اليهود في آخر الزمان، ويحقق اهدافهم وطموحاتهم وأمالهم.. الشخصية المركزية (الماسح أو الماشيح) وهو ملك مستقبلي ممسوح بمسحة الملك والملكوت ومن نسل الملك / النبي داوود (عليه السلام).
(٣١) سورة النور، آية ٥٥.
(٣٢) قال الكاتب: مستر هاكس، الأمريكي في كتابه (القاموس المقدس - ص٢١٩): (ذكر كلمة (ابن الإنسان) ثمانون مرة في الإنجيل وملحقاته (العهد الجديد)، فإن ثلاثون منها فقط تنطبق على السيد المسيح (عليه السلام)، والباقي الخمسون تتحدث عن المخلص الذي سيظهر في آخر الزمان.. المصدر: موسوعة: معجم أحاديث الإمام المهدي، ص٥٢.
(٣٣) الكتاب المقدس، العهد القديم، التوراة - سفر التكوين، الإصحاح ١٧، نص ٢١.. ما نصه: (وأما إسماعيل فقد سمعت قولك فيه، وها أنا ذا أباركه وأنميه وأكثره جداً جداً، ويلد اثني عشر رئيساً، وأجعله أمة عظيمة).
(٣٤) الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر اشعياء، الإصحاح ١١، نص١٠.. ما نصه: (وفي ذلك اليوم سيرفع القائم راية الشعوب والأمم التي تطلبه وتنتظره ويكون محله مجداً).
(٣٥) الكتاب المقدس، العهد الجديد، إنجيل مرقس، الإصحاح ١٣، نص ٣٥.. ما نصه: (لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت.... لئلا يأتي بغتة).
(٣٦) الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر يوئيل، الإصحاح ٢، نص ٢.
(٣٧) الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر اشعياء، الإصحاح ٣٤، نص ١-٨.
(٣٨) الكتاب المقدس، العهد الجديد، سفر رؤيا يوحنا، الإصحاح ١٤، نص ٦- ٧.
(٣٩) الغيبة للنعماني ص٢٦٢، بحار الأنوار ج٥٢: ص٢٣٠.
(٤٠) الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر حزقيال، الإصحاح ٣٩، نص ١٧- ٢٢.
(٤١) الكتاب المقدس، العهد الجديد، رؤيا يوحنا، الإصحاح ١٩، نص ١٧- ٢١.
(٤٢) كتاب الفتن لابن حماد الحديث ٨٨٧ ص٢٤٠، معجم أحاديث الامام المهدي ج٣: ص٧٨ الحديث ٦٢٢.
(٤٣) الغيبة للنعماني ص٢٨٧، بحار الأنوار ج٥٢ ص٢٤٦ ح١٢٥، معجم أحاديث الامام المهدي ج٣: ص٤٧١ الحديث ١٠٣٥.
(٤٤) الغيبة للنعماني ص٣١٥، بحار الأنوار ج٥٢ ص٢٥١ ح١٤٠، معجم أحاديث الامام المهدي ج٣: ص٢٧٢ الحديث ٨٠٢.
(٤٥) يرجع للحياة الدنيا: كل من محض الإيمان محضا، ومحض الكفر محضا.
(٤٦) الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر دانيال، الإصحاح ١٢، نص ١- ١٢.
(٤٧) الكتاب المقدس، العهد الجديد، إنجيل يوحنا، الإصحاح ٥، نص ٢٧- ٢٩.
(٤٨) تفسير القمي ج٢ ص٦١٠، بحار الأنوار ج٥٣ ص٦٠.
(٤٩) تفسير القمي: ج٣ ص٩١٢، المسائل العكبرية: ٧٤، بحار الأنوار ج١١ ص٢٧.
(٥٠) الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر إشعياء، الإصحاح ١٣، نص ٣- ١٣.
(٥١) الكتاب المقدس، العهد القديم، سفر يوئيل، الإصحاح ٣، نص ٣- ٤.
(٥٢) الكتاب المقدس، العهد الجديد، سفر رؤيا يوحنا، الإصحاح ٨ و٩ و١٠.
(٥٣) الغيبة للنعماني ص٢٦٢ ب ١٤ ح١٣، بحار الأنوار ج٥٢ ص٢٣١ ح٩٦.
(٥٤) الغيبة للنعماني ص٢٧٦ ب ١٤ ح٣٧، بحار الأنوار ج٥٢ ص٢٤٠ ح١٠٧.
(٥٥) التعريف الجامع والعام: (الاستشراق عبارة عن الجهود العلمية التي قام بها الغربيون من أجل التعرّف والتعريف بالبلدان الشرقية وظروفها الجغرافية، ومصادرها وثرواتها، التي تشمل الشرق الأقصى إلى الشرق الأدنى، وشرق البحر الأبيض المتوسط، وحتى البلدان الإسلامية الأخرى في شمال أفريقية وسائر نقاط العالم، من أجل معرفة معانيها، وتاريخها وشعوبها ولغاتها وأدبياتها وفنونها وآدابها وسننها وعاداتها وتقاليدها وثقافاتها ومعتقداتها وأديانها وحضاراتها وخصائصها النفسية وحساسياتها الروحية، وأبعادها الخطيرة، ومواطن سكانها والقاطنين فيها.. بغية اكتشاف ثرواتها المادية المعنوية، وتسخيرها لصالح الغربيين)، المصدر: مجلة دراسات استشراقية - العدد الأول - صيف ٢٠١٤ م - ص١٨٣- د. محمد حسن زماني، الصادرة عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية.
(٥٦) كتاب: السيادة العربية والشيعة والاسرائيليات في عهد بني أمية، ج. فان فلوتن، ترجمة: حسن إبراهيم ومحمد زكي، الطبعة الأولى ١٩٣٤م - القاهرة، ص١٠٩.
(٥٧) كتاب: التشيع والاستشراق، د.عبد الجبار ناجي، المركز الاكاديمي للأبحاث - بغداد، الطبعة الأولى ٢٠١١م، ص١٩.
(٥٨) سنشير إلى خمسة دراسات من كل قسم وذلك للاستشهاد فقط، ومراعاة لحجم ورقة البحث.
(٥٩) Recherches sur la domination arabe, le chiitisme et les croyances messianiques sous le khalifat des Omayades, By: Gerolf Van Vloten , Amsterdam, J. Müller, ١٨٩٤.
(٦٠) يطلق علماء المسلمين كلمة (الإسرائيليات) على جميع العقائد غير الإسلامية، ولاسيما تلك الأخبار والاساطير التي دسها اليهود والنصارى في الدين الإسلامي منذ صدر الإسلام.
(٦١) The Shi’ite Religion: a history of Islam and Persia and Irak - By: Dwight Martin Donaldson , Ann Arbor, Mich.: University Microfilms International, ١٩٨٤.
(٦٢) كتاب: عقيدة الشيعة، دوايت رونلدسن، تعريب ع. م. الطبعة الأولى ١٩٤٦م - القاهرة، ص٢٣١.
(٦٣) كتاب: التشيع والاستشراق، مصدر سابق، ص٢٠٧ و٢٣٧.
(٦٤)Beitrage zur Mahdilehre des Islams. Muḥammad ibn Ali Ibn Babawayh al-Qummi; Möller , Heidelberg: C. Winter, ١٩٠١.
(٦٥) Ignaz Goldzehir , Muslim Studies , ١٩٦٧
(٦٦) وقد علق الشيخ محمد الغزالي على هذا الكتاب بقوله: (والحق أن الكتاب من شر ما ألف عن الإسلام، وأسوء ما وجه إليه من طعنات)، المصدر كتاب: الاسلام في مواجهة الغزو الفكري الاستشراقي والتبشيري، محمد حسن مهدي بخيت، ص١٠٢ و١٠٣.
(٦٧) Verena Klemm , The Four Sufara of the Twelfth Imam: on Formative Period of the Twelver Shia , ١٩٨٤
(٦٨) كتاب: المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشرية، ترجمه عن الالمانية د. أبو العيد دودو، منشورات الجمل - المانيا، الطبعة الأولى عام ٢٠٠٥م.
(٦٩) يقول المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون (١٨٨٣-١٩٦٢): ضرورة تشجيع الشرقيين للدراسة في أوروبا وامريكا، وذلك للتأثير عليهم عن طريق ضخهم في أجواء واساليب الحياة الاوربية في التفكير والعلم والسلوك، ليكوّن ذلك أرضية مناسبة لتطويعهم للفكر الاستعماري.
(٧٠) Linda S. Walbridge , Without Forgetting the Imam , Wayne State University Press , August ٢٠٠١
(٧١) Without Forgetting the Imam , Pages: ٣٢ , ٣٣ &٣٤.
(٧٢)Linda S. Walbridge , The Most Learned of the Shia: The Institution of the Marja Taqlid , Published to Oxford Scholarship Online: October ٢٠١١.
(٧٣)Shahzad Bashir: The Imam's Return: Messianic Leadership in Late Medieval Shiism.
(٧٤)Messianism and Millenarianism in Islam.
(٧٥)The Mahdi, by: A.J. Quinnell, Publisher: William Morrow & Co; ١st U.S. edition (January ١, ١٩٨٢).
(٧٦)The Imam of Time: A Novel of Then and Now, by: F.W. Burleigh, Publisher: Zenga Books (January ٢٩, ٢٠١٨).
(٧٧) الكاتب وبنفس الاسم المستعار، هو مؤلف كتاب (كل شيء عن محمد: سيرة النبي الأكثر شهرة في العالم).. It's All About Muhammad: A Biography of the World's Most Notorious Prophet
(٧٨)End Times and the Secret of the Mahdi: Unlocking the Mystery of Revelation and the Antichrist, by: Michael Youssef, Publisher: Worthy Publishing (February ٢٣, ٢٠١٦).
(٧٩) مايكل يوسف (معاصر): ولد في مصر وعاش في لبنان وأستراليا قبل مجيئه إلى الولايات المتحدة. في عام ١٩٨٤، حقق حلم الطفولة في أن يصبح مواطنًا أمريكيًا، وهو الراعي المؤسس لكنيسة الرسل في اتلانتا - جورجيا، امريكا.. وصدر له أخيراً (مارس ٢٠١٨) كتاب بعنوان: العدو الخفي: العلمانية العدوانية، الإسلام الراديكالي، والقتال من أجل مستقبلنا.
(٨٠) الاستشراق اليهودي: يمثل جزاءً من الحركة الاستشراقية في الغرب، أما الاستشراق الصهيوني: فقد ارتبط بالحركة الصهيونية التي ظهرت في أوروبا عام ١٨٨١م، أما الاستشراق الإسرائيلي: بدأ مع قيام دولة الاحتلال عام ١٩٤٨م ويمثل امتداد للاستشراق (اليهودي) و(الصهيوني).
(٨١) مجلة دراسات استشراقية - العدد ٢، خريف ٢٠١٤ م، الاستاذ احمد البهنسي ص٢٩، الصادرة عن المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية.
(٨٢) كتاب: التشيع والاستشراق، مصدر سابق، ص٣٢٨.
(٨٣) إيتان كوهلبرغ Etan Kohlberg ولد في تل أبيب عام ١٩٤٣م، حائز على عدة جوائز عالمية وذلك لتميز إسهاماته في تاريخ الشيعة الإمامية الاثني عشرية، يشغل مرتبة استاذ الأدب العربي في الجامعة العبرية، وعضواً في الاكاديمية الاسرائيلية للعلوم.
(٨٤)Belief and Law in Imami Shiism (Collected Studies Series) by Etan Kohlberg , Publisher: Variorum (August ١, ١٩٩١) , Language: English..
(٨٥) كتاب: المستشرق المعاصر إيتان كوهلبرغ وحديث الإمامة، للسيد مصطفى مطهري، المركز الإسلامي للدراسات الاستراتيجية، الطبعة الأولى ٢٠١٤م، ص١٥٠ و٢٢٠.
(٨٦) مارتن كريمر Martin Seth Kramer ولد في واشنطن عام ١٩٥٤م، وهو باحث امريكي اسرائيلي والرئيس المؤسس لكلية شاليم في القدس، وأمضى ٢٥ عاماً في جامعة تل أبيب في تدريس التاريخ الحديث للشرق الأوسط، تخرج من جامعة تل أبيب سنة ١٩٧٣م، وشغل منصب مدير مركز موشي ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية.
(٨٧) Beinin Joel (July ١٩٨٧) “Review of Semites and Anti-Semites: An inquiry into Conflict and Prejudice” by Bernard Lewis , MERIP Middle East Report: (١٤٧) ٤٢-٤٥..
لقد حظي برنارد لويس بتكريم ورفقة كبار الشخصيات في اسرائيل منهم غولدا مائير رئيسة الوزراء التي استقبلته وأثنت على دعمه الكبير لإسرائيل، وقد قال رئيس الوزراء نتنياهو في بيان التعزية بعد وفاته: (برنارد لويس أحد أعظم مؤرخي الشرق الأوسط في هذا العصر، وكان أحد كبار علماء الإسلام والشرق الأوسط في عصرنا.. وقال سنبقى ممتنين إلى الأبد لدفاعه القوي عن إسرائيل) نقلاً عن صحيفة: The Time of Israel on ٢٠ May ٢٠١٨.
(٨٨) جوزيف ألياش (١٩٣١م - ١٩٨١م) Joseph Eliash ولد في القدس، وتلقى شهادة الماجستير من الجامعة العبرية بالقدس، وحصل على الدكتوراه من جامعة لندن ١٩٦٦م، عمل ٤ سنوات كأستاذ مساعد في جامعة كاليفورنيا في لوس انجلوس، وكان يشغل منصب مدير الدراسات اليهودية والشرقية في كلية أوبرلين قبل وفاته، وقد زار إيران عدة مرات بين أوائل الستينات و١٩٧٧م.
(٨٩)Joseph Eliash Ali b. Abi Talib in Ithna Ashari Shii belief, by:
(٩٠)The Ithna ashari-Shia Juristic Theory of Political and Legal Authority , by: Joseph Eliash , Studia Islamica , No. ٢٩ (١٩٦٩), pp. ١٧-٣٠... كتاب: التشيع والاستشراق، مصدر سابق، ص٣٣١.
(٩١)Imam Mahdi: Heir of HRH King David [as], the King of Israel: Messianic Age: By Ibrahim the Beast a Sign of the Hour (Author) , Publication Date: August ٨, ٢٠١٧ , Language: English.:
(٩٢) The Mahdi Past and Present , ١st Edition, ١st Chapter, Pages ١١-١٥ , ١٨٨٥, NY- USA
(٩٣) See (al-Mahdi) in New Catholic Encyclopedia, Second Edition, Volume ٩ - Page ٤٨, ٢٠٠٢, USA
 دائرة المعارف الكاثوليكية الامريكية - لفظة (المهدي)، المجلد ٩، ص٤٨.. كتب بواسطة: فيليب هيتي.
(٩٤) The Mahdi Past and Present , ١st Edition, ٢nd Chapter, Page ١٦ , ١٨٨٥, NY- USA
(٩٥) قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾، سورة الانعام: آية ٨٤-٨٦.
(٩٦) The Mahdi Past and Present: Translator’s Preface - Ada S. Ballin , Page ٤
(٩٧) دائرة المعارف الكاثوليكية الامريكية - لفظة (المهدي)، المجلد ٩، ص٤٨.. كتب بواسطة: فيليب هيتي.
(٩٨) كتاب: عقيدة الشيعة، دوايت رونلدسن، تعريب ع.م. الطبعة الأولى ١٩٤٦م - القاهرة، ص٢٤٧ و٢٤٨.
(٩٩) ذكر الحديث ابن ماجه في سننه ج٢ ص٣٤٠ حديث ٤٠٣٩، ولقد ضعف جمع من علماء أهل العامة هذا الحديث الغريب، وقد قدحوا بمحمد بن خالد الجندي من سلسلة سند الرواة، وقالوا عنه مجهول.
(١٠٠) The Islamic Antichrist - Joel Richardson , ٢٠٠٩ , Pages ٨٠ , ٩٤ & ١٨٧
(١٠١) كتاب: العقيدة والشريعة في الإسلام، اجناس جولدتسيهر (١٨٥٠م -١٩٢١م)، ترجمة: محمد يوسف موسى وآخرون، الطبعة الأولى ١٩٥٩م - القاهرة، الناشر: المركز القومي للترجمة، ص٨٥.
(١٠٢) كتاب: عقيدة الشيعة، دوايت دونالدسن، تعريب ع.م. الطبعة الأولى ١٩٤٦م - القاهرة، ص٢٣١.
(١٠٣) كتاب: السيادة العربية، ج. فان فلوتن، ص١٣٢.. وكتاب: السيطرة العربية، ج. فان فلوتن، ص١١٨.
(١٠٤) كتاب: عقيدة الشيعة، دوايت دونالدسن، الطبعة الأولى ١٩٤٦م - القاهرة، ص٢٣١.
(١٠٥) قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾، سورة الإسراء: آية ٧١.
(١٠٦) قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ﴾، سورة النور: آية ٥٥.
(١٠٧) قال تعالى: ﴿وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ﴾، مصداق لعلامة الصيحة السماوية، سورة ق: آية ٤١-٤٢.
(١٠٨) الأحاديث الشريفة: هي وحي يوحى، قال تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ سورة النجم: آية ٣ و٤.. وقد قال تعالى: ﴿من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله﴾ سورة النساء: آية ٨٠.
(١٠٩) The Mahdi Past and Present , ١st Edition, Page ٥ , ١٨٨٥, NY- USA
(١١٠) الكاتبة الامريكية: آدا ساره بالين (١٨٦٣م - ١٩٠٦م) Ada Sarah Ballin.
(١١١) النسخة العربية لكتاب (الإمام الثاني عشر)، تأليف: هنري كوربان، ترجمة: نواف محمود الموسوي، الناشر: دار الهادي - بيروت، الطبعة الأولى: ١٤٢٨ هـ، ٢٠٠٧م.
(١١٢) عرض موجز للكتاب مقتبس بتصرف من مقدمة المترجم للنسخة العربية: نواف الموسوي، من ص٤٣-٤٦.
(١١٣) كتاب الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، العلامة الطباطبائي، الطبعة الأولى ١٤١٦، تعريب جواد علي، ص٤٩
(١١٤) فرانسوا توال: معاصر ولد في نوفمبر ١٩٤٤م في فرنسا، الخبير الأمني والاستراتيجي، والمستشار ثم نائب الأمين العام للمجموعة الوسطية في مجلس الشيوخ الفرنسي، ومدرس مادة الاستراتيجية في جامعة السوربون.
(١١٥) صدر الكتاب باللغة الفرنسية عام ١٩٩٢م، وأعاد المؤلف طباعته مرة ثانية عام ٢٠٠١م بتنقيح واضافات جديدة، نشر الكتاب ١١ طبعه بين عامي ١٩٩٥ - ٢٠٠٤.. Géopolitique du chiisme - ١٩٩٢ , de François Thual
(١١٦) كتاب: الشيعة في العالم، تأليف: فرانسوا توال، ترجمة: نسيب عون، نشر دار الفارابي - بيروت، الطبعة الأولى ٢٠٠٧.
(١١٧) كتاب: الشيعة في العالم، مصدر سابق، ص٣١.
(١١٨) كتاب: الشيعة في العالم، مصدر سابق، ص٣٩ و٤٠.
(١١٩) كتاب: الشيعة في العالم، مصدر سابق، ص١٦٣ و١٦٤.
(١٢٠) The Islamic Antichrist - Joel Richardson , Pages ٨٠ , ٩٤ & ١٨٧
(١٢١) The Islamic Antichrist - Joel Richardson , Pages ١٣٦-١٥٤
(١٢٢) The Islamic Antichrist - Joel Richardson , Pages ١١٠-١١٤
(١٢٣) The Islamic Antichrist - Joel Richardson , Pages ٦٧
(١٢٤) The Islamic Antichrist - Joel Richardson , Pages ٢٥٤-٢٦٠
(١٢٥) الأمور المعنوية: هي مجموعة من الحقائق والوقائع التي تقع خارج العالم المادي (الطبيعي)، وان العالم المعنوي (عالم الباطن) هو اكثر اصالة وواقعية وسعة من عالم المادة والحس.. ونضرب مثال تقريبي لتوضيح ذلك: فالإنسان او الشخص الذي امتلك ثروة طائلة واصبح غني جداً وحصل على القاب ومراكز اجتماعية كثيرة، فيعد ذلك أمراً اعتبارياً اضافياً تابعاً لوضع هذا الشخص، أما الإنسان او الشخص الذي تحصَّل على قدراً وافياً من العلم، وأصبح مفكراً ومبدعاً في الجوانب العلمية والفكرية والثقافية، فان ذلك يعد أمراً معنوياً واقعياً أصيلاً في هذا الشخص.. وهكذا فإن الحياة المعنوية حيث تنكشف الحقائق وتدرك على ماهي عليه (بأي شكل كانت) وعلى أساس اصالة عالم المعنى، تؤكد أنها من الموجودات الأصلية الواقعية، والخارجة عن سلطة المادة والطبيعة.
(١٢٦) مصادر المعرفة: الإنسان يتحصل على معارفه من أدوات فكرية عديدة ومتنوعة، ولكل نوع أو مصدر من هذه الأدوات مجالاً يختص به.. وهنا لابد من البحث عن الطرق أو المصادر التي تلائم سياق الموضوع.. فمثلاً: طريق (الحس والتجربة) من أول مصادر المعرفة عند الإنسان ويتحصل عن طريقها المعارف المحسوسة والمادية.. إلا إن ذلك لا يتناسب مع إدراك المعاني المجردة أو المفاهيم الكلية، سواء كان لها وجود موضوعي أو معنوي، مثل موضوع بحثنا (المخلص الموعود).
(١٢٧) بعد أن مات النبي سليمان (عليه السلام) في سنة ٩٣٥ ق.م، انقسمت مملكة اليهود (٩٣٥ ق.م - ٥٨٦ ق.م) إلى قسمين:
١- المملكة الجنوبية: تحت رئاسة قبيلة (يهودا) وعاصمتها القدس، ولقد حكمها ٢٠ ملكاً، كلهم من نسل داود.
٢- المملكة الشمالية: تحت رئاسة قبيلة (إفرايم) وعاصمتها السامرة، وأول ملك بعد الانقسام هو يربعام.
اتسعت الفجوة بين الشعبين، وأصبحا كفريستين بين مخالب الأمم التي تحيط بهما، واستمر الانقسام والانشقاق مائتي عام (٩٣٥ - ٧٢١ ق.م).. ثم تعرضت المملكتين إلى كوارث السبي والاضطهاد:
· ملك آشور (تغلث فلاسر) هجم على إسرائيل وسبى عدد كبير منهم، وكذلك الملك الآشوري سرجون الثاني حاصر السامرة ٧٢١(ق.م) وسبى اعداد غفيرة من اليهود.
· فرعون مصر (نخاو) احتل مملكة يهوذا سنة ٦٠٨ ق.م، ثم احتل مملكة إسرائيل.
· ملك بابل (نبوخذ نصر) احتل المملكتين وطرد فرعون مصر وسبى اكثر السكان إلى بابل.
· سلطان فارس الساساني (كورش) سنة ٥٣٨ ق.م هجم على المملكتين وطرد البابليين وسيطر على البلاد اليهودية.
· تعرض اليهود إلى المزيد من السبي والاضطهاد على يد الاسكندر الأكبر، وكذلك السلوقيون، والتشريد خارج بلادهم.
المصدر كتاب: الخلاص المسيحي ونظرة الإسلام اليه، ص٦٠ - ٦٧.
(١٢٨) الكتاب المقدس: العهد القديم، سفر حزقيال - الاصحاح ٣٧ (١-١٤).. ولمزيد من تفاصيل المحاكمة أنظر الاصحاح (٩).
(١٢٩) الكتاب المقدس: العهد القديم، سفر زكريا - الاصحاح ١٣، ولمزيد من التفاصيل انظر كتاب: مفهوم الخلاص في الديانة اليهودية - ص١٢٥-١٢٩.
(١٣٠) مقولة القديس كبريانوس الشهيرة.
(١٣١) قاعدة اللطف الإلهي: هي من أهم الأدلة العقلية التي استند عليها المسلمون (الإمامية) لإثبات أصل الإمامة وكذلك إمامة الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام)، والتي تؤكد على وجود شخص خبير بأحكام الدين الإسلامي وتعاليمه، ولا يمكن أن يقع في الخطأ (العصمة)، يتحمل مهمة بيانه وتوضيحه للناس، وهذا الشخص هو الإمام (في كل عصر وزمان) حسب اعتقاد مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).. والمعنى: ما يقرب العبد من الطاعة ويبعده عن المعصية.
(١٣٢) خفاء العنوان: وهي أن الناس يرون الإمام المهدي بشخصه، دون أن يكونوا عارفين أو ملتفتين إلى حقيقة أنه المهدي المنتظر.
(١٣٣) هنري كوربان (١٩٠٣م - ١٩٧٨م): فيلسوف ومستشرق فرنسي، مدرس في جامعة السوربون - صاحب الموسوعة الشهيرة: (المشاهد الروحية والفلسفية للإسلام في الإطار الإيراني).
(١٣٤) كتاب الشيعة: نص الحوار مع المستشرق كوربان، العلامة الطباطبائي، ص٤٩.
(١٣٥) فرانسوا توال: معاصر ولد في نوفمبر ١٩٤٤م في فرنسا، الخبير الأمني والاستراتيجي، والمستشار ثم نائب الأمين العام للمجموعة الوسطية في مجلس الشيوخ الفرنسي، ومدرس مادة الاستراتيجية في جامعة السوربون.
(١٣٦) كتاب: الشيعة في العالم.. صحوة المستبعدين واستراتيجيتهم، فرنسوا تويال، ص٣١.. ص٣٩ و٤٠.. ص١٦٣ و١٦٤.
(١٣٧)- السفير الأول: عثمان بن سعيد العمري، بداية عام ٢٦٠ هـ، ولمدة ٥ سنوات.
- السفير الثاني: ابنه محمد بن عثمان العمري، ولمدة ٤٠ سنة.
- السفير الثالث: أبو القاسم حسين بن روح النوبختي، ولمدة ٢١ سنة.
- السفير الرابع: علي بن محمد السمري، ولمدة ٣ سنين، حتى عام ٣٢٩ هـ.
(١٣٨) القرآن الكريم: سورة ق: آية ٤١ - ٤٢.
(١٣٩) الكتاب المقدس: العهد الجديد، سفر رؤيا يوحنا، الإصحاح ١٤، نص ٦-٧.
(١٤٠) الإمامة - مرتضى مطهري، ص٩٩.
(١٤١) إننا لانقصد بالحضارة الإنسانية الواحدة: القضاء على كل تعدد وتنوع وتمايز بين الأمم والشعوب، بل المقصود أن يكون ثمة انسجام وتعارف وتكامل بين الحضارات المختلفة، فكما إن أي حضارة عندما تكون فاعلة ونشيطة تتميز بتنوع إنجازاتها، كذلك الأمر في الحضارة الإنسانية الشاملة فإن وحدتها إنما تكون في تكامل الإنجازات، بالإضافة للمحافظة على خصائص كل منها، فلا يأتي التنوع معطلًا للوحدة إنما مقويا لها.
(١٤٢) نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ - مرتضى مطهري، ص٦٠.
(١٤٣) سورة النور: آية ٥٥.
(١٤٤) كتاب: نهضة المهدي في ضوء فلسفة التاريخ، مرتضى مطهري، ص٦٢.
(١٤٥) نقصد بذلك: ٢÷٢٧ = أقل من ٨%، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (العلم سبعة وعشرون حرفاً، فجميع ما جاءت به الرسل حرفان، فلم يعرف الناس حتى اليوم غير الحرفين، فإذا قام قائمنا، أخرج الخمسة والعشرين حرفاً فبثها في الناس، وضم إليها الحرفين حتى يبثها سبعة وعشرين حرفاً)، المصدر: بحار الأنوار ج٥٢، باب ٢٧، ح٧٣، ص٣٣٦.

التحميلات التحميلات:
التقييم التقييم:
  ٤ / ٤.٠
 التعليقات
لا توجد تعليقات.

الإسم: *
الدولة:
البريد الإلكتروني:
النص: *

 

Specialized Studies Foundation of Imam Al-Mahdi (A-S) © 2016