فهرس المكتبة التخصصية
 كتاب مختار:
 البحث في المكتبة:
 كتب المركز

الكتب الغيبة للشيخ النعماني


الغيبة

تأليف: الشيخ الجليل أبي عبد الله محمد بن إبراهيم
بن جعفر الكاتب المعروف ب‍ـ(ابن أبي زينب النعماني)
المتوفى حدود سنة ٣٦٠ ه‍ ق
تحقيق وتقديم: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
الطبعة الأولى: ١٤٤٣هـ

رقم الإصدار: ٢٦٣

الفهرس

مقدَّمة المركز..................٣
كتاب الغيبة في سطور..................٦
مميِّزات الكتاب..................٧
عملنا في الكتاب..................٧
مقدّمة المؤلِّف..................١١
باب (١): ما روي في صون سرِّ آل محمّد (عليهم السلام) عمَّن ليس من أهله، والنهي عن إذاعته لهم واطِّلاعهم..................٣١
باب (٢): في ذكر حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به وترك التفرُّق عنه بقوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾..................٤١
باب (٣): ما جاء في الإمامة والوصيَّة، وأنَّهما من الله (عزَّ وجلَّ) وباختياره، وأمانة يُؤدِّيها الإمام إلى الإمام بعده..................٥٩
باب (٤): ما روي في أنَّ الأئمَّة اثنا عشر إماماً، وأنَّهم من الله وباختياره..................٧١
فصل: فيما روي أنَّ الأئمَّة اثنا عشر من طريق العامَّة، وما يدلُّ عليه من القرآن والتوراة..................١٣٢
باب (٥): ما روي فيمن ادَّعى الإمامة ومن زعم أنَّه إمام وليس بإمام، وأنَّ كلَّ راية تُرفَع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت..................١٤٣
باب (٦): الحديث المروي عن طُرُق العامَّة..................١٥٣
ما روي عن عبد الله بن مسعود..................١٥٥
ما روي عن أنس بن مالك..................١٥٨
ما رواه جابر بن سمرة السُّوائي..................١٥٩
ما رواه أبو جحيفة..................١٦٦
ما روي عن سمرة بن جندب..................١٦٦
ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص..................١٦٧
باب (٧): ما روي فيمن شكَّ في واحد من الأئمَّة (صلَّى الله عليهم)، أو بات ليلة لا يعرف فيها إمامه، أو دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام منه..................١٦٩
باب (٨): ما روي في أنَّ الله لا يخلي أرضه بغير حجَّة..................١٨٩
باب (٩): ما روي في أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا اثنان لكان أحدهما الحجَّة..................١٩٩
باب (١٠): ما روي في غيبة الإمام المنتظر الثاني عشر (عليه السلام)، وذكر مولانا أمير المؤمنين والأئمَّة (عليهم السلام) بعده وإنذارهم بها..................٢٠٣
فصل: [روايات متفرِّقة في الغيبة]..................٢٢٤
فصل: [روايات في ذكر الغيبة والفترة والحيرة]..................٢٣٢
فصل: [روايات في شَبَه الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بالأنبياء (عليهم السلام)]..................٢٣٨
فصل: [روايات في أنَّ للإمام (عجَّل الله فرجه) غيبتين]..................٢٥٣
فصل: [روايات في ذكر الحيرة بعد غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه)]..................٢٨٣
باب (١١): ما روي فيما أُمِرَ به الشيعة من الصبر والكفِّ والانتظار للفرج، وترك الاستعجال بأمر الله وتدبيره..................٢٨٧
باب (١٢): ما يلحق الشيعة من التمحيص والتفرُّق والتشتُّت عند الغيبة حتَّى لا يبقى على حقيقة الأمر إلَّا الأقلّ الذي وصفه الأئمَّة (عليهم السلام)..................٣٠١
باب (١٣): ما روي في صفته وسيرته وفعله، وما نزل من القرآن فيه (عليه السلام)..................٣٢١
[كونه (عليه السلام)] ابن سبيَّة، ابن خيرة الإماء..................٣٤١
سيرته (عليه السلام)..................٣٤٥
حكمه (عليه السلام)..................٣٥٢
آياته وفعله (عليه السلام)..................٣٥٤
فضله (صلوات الله عليه)..................٣٥٦
ما نزل فيه (عليه السلام) من القرآن..................٣٥٧
ما يُعرَف به (عليه السلام)..................٣٥٩
في صفة قميصه (عليه السلام)..................٣٦٠
في صفة جنوده وخيله (عليه السلام)..................٣٦١
باب (١٤): ما جاء في العلامات التي تكون قبل قيام القائم (عليه السلام)، ويدلُّ على أنَّ ظهوره يكون بعدها كما قالت الأئمَّة (عليهم السلام)..................٣٦٧
باب (١٥): ما جاء في الشدَّة التي تكون قبل ظهور صاحب الحقِّ (عليه السلام)..................٤١٥
باب (١٦): ما جاء في المنع عن التوقيت والتسمية لصاحب الأمر (عليه السلام)..................٤٢٥
باب (١٧): ما جاء فيما يلقى القائم (عليه السلام) ويستقبل من جاهليَّة الناس، وما يلقاه الناس قبل قيامه من أهل بيته..................٤٣٩
باب (١٨): ما جاء في ذكر السفياني، وأنَّ أمره من المحتوم، وأنَّه قبل قيام القائم (عليه السلام)..................٤٤٥
باب (١٩): ما جاء في ذكر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّه لا ينشرها بعد يوم الجمل إلَّا القائم (عليه السلام)..................٤٥٧
باب (٢٠): ما جاء في ذكر جيش الغضب، وهم أصحاب القائم (عليه السلام)، وعدَّتهم وصفتهم، وما يبتلون به ويقاتلون..................٤٦٥
باب (٢١): ما جاء في ذكر أحوال الشيعة عند خروج القائم (عليه السلام) وقبله وبعده..................٤٧٥
باب (٢٢): ما روي أنَّ القائم (عليه السلام) يستأنف دعاءً جديداً، وأنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ..................٤٨٣
باب (٢٣): ما جاء في ذكر سنِّ الإمام القائم (عليه السلام)، وما جاءت به الرواية حين يُفضى إليه أمر الإمامة..................٤٨٩
باب (٢٤): في ذكر إسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام)، والدلالة على أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)..................٤٩٥
باب (٢٥): ما جاء في أنَّ من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر..................٥٠٧
باب (٢٦): ما روي في مدَّة ملك القائم (عليه السلام) بعد قيامه..................٥١٥
المصادر والمراجع..................٥٢١

بسم الله الرحمن الرحیم

مقدَّمة المركز:
لا يخفى على ذي لُبٍّ ما للآثار العلميَّة من دور مهمٍّ في حفظ تاريخ الأُمَم، وفي نقل تجربة الماضين إلى اللَّاحقين، وفي ضرورتها في دفع عجلة التقدُّم العلمي، خصوصاً في ما يتعلَّق بعلوم الإسلام، إذ إنَّها تعتمد بالدرجة الأساس - بعد القرآن الكريم - على ما أُثِرَ عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) من نصوص روائيَّة غطَّت المجالات المتعدِّدة للدِّين الإسلامي، من هنا نجد التأكيد الشديد منهم (عليهم السلام) على ضرورة حفظ الأحاديث وتدوينها ونقلها للأجيال، فقد روي عن المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ أنَّه قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «اُكْتُبْ وَبُثَّ عِلْمَكَ فِي إِخْوَانِكَ، فَإِنْ مِتَّ فَأَوْرِثْ كُتُبَكَ بَنِيكَ فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ هَرْجٍ لَا يَأْنَسُونَ فِيهِ إِلَّا بِكُتُبِهِمْ»(١).
وقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «احْتَفِظُوا بِكُتُبِكُمْ فَإِنَّكُمْ سَوْفَ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا»(٢).
وقال (عليه السلام): «اُكْتُبُوا فَإِنَّكُمْ لَا تَحْفَظُونَ حَتَّى تَكْتُبُوا»(٣).
ولقد التزم شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بأوامر أئمَّتهم، وعملوا على حفظ ما سمعوه منهم (عليهم السلام)، وحفظه من خلال التدوين، والنقل إلى الجيل اللَّاحق، وصولاً إلينا، والأُصول الأربعمائة، وبعدها الكُتُب الأربعة، شاهد صدق على

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) الكافي (ج ١/ ص ٥٢/ باب رواية الكُتُب والحديث.../ ح ١١).
(٢) الكافي (ج ١/ ص ٥٢/ باب رواية الكُتُب والحديث.../ ح ١٠).
(٣) الكافي (ج ١/ ص ٥٢/ باب رواية الكُتُب والحديث.../ ح ٩).

↑صفحة ٣↑

حجم الجهود الكبيرة والأوقات الطويلة التي بذلها علماؤنا في سبيل حفظ علوم أهل البيت (عليهم السلام)، خصوصاً في وقت كان ثمن الحبر والورق ممَّا لا يتوفَّر للكثير من العلماء، وفي وقت كان نسخ الكتاب يتطلَّب جهوداً جبَّارة، وفي وقت كان الظلمة يتتبَّعون شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ليستأصلوهم ويدفنوا معهم علومهم.
والشواهد على هذه الحقائق كثيرة، فقد ذكروا في حياة محمّد بن أبي عمير أنَّه فقد الكثير من كُتُبه العلميَّة إثر سجنه من قِبَل السلطة الظالمة، وخوف أُخته منهم، ممَّا دفعها إلى دفن كُتُبه، فأصابها الماء والرطوبة فأتلفها(٤).
وذكر ابن كثير الناصبي: (وكُبِسَت دار أبي جعفر الطوسي متكلِّم الشيعة،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤) قال عنه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٢٦ و٣٢٧/ الرقم ٨٨٧): (محمّد بن أبي عمير زياد بن عيسى أبو أحمد الأزدي من موالي المهلَّب بن أبي صفرة، وقيل: مولى بني أُميَّة. والأوَّل أصحّ. بغدادي الأصل والمقام، لقى أبا الحسن موسى (عليه السلام) وسمع منه أحاديث كنَّاه في بعضها فقال: يا أبا أحمد، وروى عن الرضا (عليه السلام)، جليل القدر عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين. الجاحظ يحكي عنه في كُتُبه، وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانيَّة والقحطانيَّة، وقال في (البيان والتبيين): حدَّثني إبراهيم بن داحة، عن ابن أبي عمير، وكان وجهاً من وجوه الرافضة، وكان حُبِسَ في أيَّام الرشيد فقيل: ليلي القضاء، وقيل: إنَّه ولي بعد ذلك، وقيل: بل ليدلَّ على مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر (عليه السلام)، وروي أنَّه ضُرِبَ أسواطاً بلغت منه، فكاد أنْ يقرَّ لعظم الألم، فسمع محمّد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول: اتَّقِ الله يا محمّد بن أبي عمير، فصبر، ففرَّج الله، وروي أنَّه حبسه المأمون حتَّى ولَّاه قضاء بعض البلاد، وقيل: إنَّ أُخته دفنت كُتُبه في حال استتارها وكونه في الحبس أربع سنين فهلكت الكُتُب، وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت، فحدَّث من حفظه، وممَّا كان سلف له في أيدي الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله، وقد صنَّف كُتُباً كثيرة...، صنَّف محمّد بن أبي عمير أربعة وتسعين كتاب، منها المغازي...، مات محمّد بن أبي عمير سنة سبع عشرة ومائتين).

↑صفحة ٤↑

وأُحرقت كُتُبه ومآثره، ودفاتره التي كان يستعملها في ضلالته وبدعته، ويدعو إليها أهل ملَّته ونحلته، ولله الحمد)(٥).
وذكروا أنَّه عندما دخل (طغرل بك) بغداد عام (٤٤٧هـ)، أمر بإحراق مكتبة شيخ الطائفة العامرة بأُمَّهات الكُتُب الخطّيَّة الثمينة، والتي لا تُقدَّر بثمن، تلك المكتبة التي بذل أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة البويهي جهده العميم في إنشائها والاهتمام بها، في محلَّة بين السورين في الكرخ عام (٣٨١هـ) على غرار بيت الحكمة التي بناها هارون العبَّاسي.
يقول ياقوت الحموي في (معجم بلدانه): (إنَّ هذا الوزير قد جمع فيها أنفس الكُتُب والآثار القيِّمة...، ونافت كُتُبها على عشرة آلاف مجلَّد، وهي بحقٍّ من أعظم المكتبات العالميَّة، وكان فيها مائة مصحف بخطِّ ابن مقلة).
ولكن رغم ذلك، فقد بذل علماؤنا كلَّ حياتهم وأموالهم في حفظ التراث وإيصاله إلينا بطريقة وبأُخرى، حتَّى إنَّ بعضهم وُصِفَ بأنَّه لولاهم لضاع الدِّين، عن جميل بن درَّاج، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «بشِّر المخبتين بالجنَّة: بريد بن معاوية العجلي، وأبو بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمّد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء أُمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوَّة واندرست»(٦).
وقد ذكر النجاشي (رحمه الله) في ترجمة محمّد بن مسعود العيَّاشي (رحمه الله): (أنفق أبو النضر على العلم والحديث تركة أبيه سائرها، وكانت ثلاثمائة ألف دينار، وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل أو قارئ أو معلِّق مملوءة من الناس)(٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥) البداية والنهاية (ج ١٢/ ص ٩٠).
(٦) اختيار معرفة الرجال (ج ١/ ص ٣٩٨/ ح ٢٨٦).
(٧) رجال النجاشي (ص ٣٥١/ الرقم ٩٤٤).

↑صفحة ٥↑

وعلى كلِّ حالٍ، فأهمّيَّة التراث لا تخفى، وجهود علمائنا لا تغيب.
ومن القضايا المهمَّة التي أولاها أهل البيت (عليهم السلام) - وبتبعهم علماؤنا - أهمّيَّة قصوى، هي القضيَّة المهدويَّة، وما يتعلَّق بها من مفاهيم وخصائص وربط بالماضي واستشراف للمستقبل، وكثرة النصوص الواردة فيها شاهد صدق على ذلك.
ولقد كان للكتابة والتأليف فيها قصب السبق، يشهد بذلك كثرة المؤلَّفات - نسبيًّا - فيها، وقِدَم التأليف حولها، وقد ذكرنا في مقدَّمة كتاب (كمال الدِّين) أسماء العديد من المؤلِّفين الذين سبقوا الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الكتابة حولها، وذكرنا هناك أنَّ الشيخ الصدوق يُعتبَر من أوائل من كتبوا في هذه القضيَّة، وأنَّ كتابه مصدر مهمٌّ فيها، وأنَّه قد سبقه في ذلك الشيخ النعماني (رحمه الله) في كتاب (الغيبة)، وها نحن نُقدِّم هذا الكتاب للقارئ الكريم، بحلَّته الجديدة.
كتاب الغيبة في سطور:
ذكر المؤلَّف (رحمه الله) في مقدَّمته على الكتاب أنَّه قد رأى الكثير من الشيعة قد أخذت بهم الفتن والشُّبُهات مآخذ متعدِّدة، ما جعلتهم يبتعدون عن منهج أهل البيت (عليهم السلام)، وما أوجب ذلك من عدم ثبات بعضهم على المبدأ، خصوصاً فيما يتعلَّق بضرورة الصبر في زمن غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وأنَّ النصوص واضحة في دعوة الشيعة إلى الصبر والثبات زمن الغيبة.
ثمّ صرَّح بأنَّه عمل على جمع النصوص المتعلِّقة بالقضيَّة المهدويَّة ممَّا يساعد المؤمن على الثبات والصبر، خصوصاً ما يتعلَّق بالغيبة من أسبابها وما يلزم على المؤمن حين وقوعها، بالإضافة إلى ذكر نصوص عديدة في ما يتعلَّق بضرورة وجود الحجَّة على الأرض، ونُتَفاً من سيرته (عجَّل الله فرجه) وصفاته وصفات وجنوده وعلامات ظهوره وغيرها كثير، ضمن (٢٦) باباً تضمَّنت (٤٧٨) حديثاً.

↑صفحة ٦↑

مميِّزات الكتاب:
يمتاز كتاب الغيبة بالعديد من المميِّزات، أهمُّها أنَّه يُعتبَر من أوائل المصنَّفات في هذه القضيَّة، حيث إنَّ مؤلِّفه عاصر الغيبتين الصغرى والكبرى، بالإضافة إلى معاشرته للعديد من علماء تلك الفترة.
ويمتاز أيضاً بأنَّه جمع الكثير من الموضوعات المتعلِّقة بالقضيَّة المهدويَّة، جمعاً موضوعيًّا، وذكر النصوص الدالَّة على كلِّ موضوع منها، بحيث إنَّ العديد من العلماء أشاروا إلى أهمّيَّته وضرورته، ومنهم الشيخ المفيد (رحمه الله)، حيث قال: (وهذا طرف يسير ممَّا جاء في النصوص على الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام)، والروايات في ذلك كثيرة قد دوَّنها أصحاب الحديث من هذه العصابة وأثبتوها في كُتُبهم المصنَّفة، فممَّن أثبتها على الشرح والتفصيل محمّد بن إبراهيم المكنَّى أبا عبد الله النعماني في كتابه الذي صنَّفه في الغيبة، فلا حاجة بنا مع ما ذكرناه إلى إثباتها على التفصيل في هذا المكان)(٨).
هذا، وقد قال عنه الحرُّ العاملي (رحمه الله): (حسن جامع)(٩).
وقال الماحوزي (رحمه الله): (فيه فوائد كثيرة، وأحاديث غريبة)(١٠).
عملنا في الكتاب:
أوَّلاً: اعتمدنا في تحقيق الكتاب على النسخة المطبوعة في طهران سنة (١٣٩٧هـ) بتحقيق الفاضل عليّ أكبر الغفاري (رحمه الله)، وقد قوبلت على بعض النُّسَخ الخطيَّة، نذكرها كما ذكر ذلك المحقِّق الفاضل:
أ - النسخة المخطوطة الكاملة المحفوظة في خزانة مكتبة مَلِك في طهران،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥٠).
(٩) أمل الآمل (ج ٢/ ص ٢٣٣/ الرقم ٦٩١).
(١٠) معراج أهل الكمال (ص ٥٥/ المقدَّمة).

↑صفحة ٧↑

بالرقم (٣٦١٧)، وقد كُتِبَت في (٢٢٦) صفحة بقياس (١٥×١٠ سم)، احتوت كلُّ صفحة (١٦) سطراً، كتبها محمّد مؤمن الگلپايگاني، فرغ من كتابتها يوم الخميس (٢١) شهر رمضان المبارك من شهور سنة سبع وسبعين بعد الألف، وعليها آثار مقابلة على نُسَخ أُخرى.
ب - النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة مَلِك أيضاً في طهران، بالرقم (٢٦٧١)، ذُكِرَت هاتان النسختان في فهرس المكتبة (ج ١/ ص ٥٣٠)، وهي ناقصة صفحة من أوَّلها وآخرها وأثنائها، وهي نسخة نفيسة عتيقة، كُتِبَت في (٣١٢) صفحة بقياس (١٤×٢١ سم)، احتوت كلُّ صفحة (١٥) سطراً، يظهر من خطِّها أنَّها كُتِبَت قبل القرن العاشر أو في حدوده.
ج - نسخة مطبوعة قوبلت أسانيدها وبابان من آخرها بالنسخة المحفوظة في المكتبة الرضويَّة بمشهد بالرقم (١٨٧)، كُتِبَت في سنة (٥٧٧هـ).
كما قوبلت بعض أبواب الكتاب مع النسخة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران بالرقم (٥٧٨)، والمذكورة في فهرس المكتبة (ج ٥/ ص ١٤٣٩)، وهي نسخة نفيسة كُتِبَت في (٥٧) صفحة بقياس (١٠×٢٥ سم)، احتوت كلُّ صفحة (٣٢) سطراً، وعليها حواشٍ تدلُّ على أنَّها قوبلت مع نُسَخ أُخرى، وعليها أيضاً خطُّ الميرزا حسين النوري صاحب (مستدرك الوسائل)، كتبها لنفسه سنة (١٢٨٩هـ).
ثانياً: تحريك الآيات القرآنيَّة على ضوء القرآن الكريم.
ثالثاً: الإتيان بالأحاديث محرَّكة لتسهيل القراءة على القارئ الكريم.
رابعاً: إضافة مصادر أُخرى في هامش الأحاديث الشريفة للكتاب.
خامساً: ضبط أسماء الأعلام والرواة اعتماداً على كُتُب الرجال، وترجمة بعضهم في المواضع الضروريَّة.
سادساً: شرح بعض المفردات اللغويَّة المبهمة.

↑صفحة ٨↑

سابعاً: الإتيان بشروح بعض الأحاديث من الكُتُب التالية:
١ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ت ٦٥٦هـ)/ تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم/ ط ١/ ١٣٧٨هـ/ دار إحياء الكُتُب العربيَّة.
٢ - شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني (ت ٦٧٩هـ)/ ط ١/ ١٣٦٢ش/ مركز النشر مكتب الإعلام الإسلامي الحوزة العلميَّة/ قم.
٣ - شرح أُصول الكافي لصدر المتألِّهين (ت ١٠٥٠هـ)/ تحقيق: محمّد خواجوي/ ط ١/ ١٣٨٣ش/ مؤسسه مطالعات وتحقيقات فرهنگي/ طهران.
٤ - روضة المتَّقين في شرح من لا يحضره الفقيه لمحمّد تقي المجلسي (الأوَّل) (ت ١٠٧٠)/ تصحيح وتحقيق: السيِّد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي بناه الاشتهاردي/ طبع ونشر مؤسَّسة فرهنگي إسلامي كوشانبور/ قم/ ط ٢/ ١٤٠٦هـ.
٥ - شرح أُصول الكافي لمولى محمّد صالح المازندراني (ت ١٠٨١هـ)/ ضبط وتصحيح: السيِّد عليّ عاشور/ طبع ونشر دار إحياء التراث العربي/ ط ١/ ١٤٢١هـ.
٦ - الشافي في العقائد والأخلاق والأحكام للفيض الكاشاني (ت ١٠٩١هـ)/ تحقيق: مهدي أنصاري قمِّي/ ط ١/ ١٤٢٥هـ/ دار نشر اللوح المحفوظ/ طهران.
٧ - مرآة العقول في شرح أخبار الرسول للعلَّامة المجلسي (ت ١١١١)/ نشر دار الكُتُب الإسلاميَّة/ ط ٢/ ١٤٠٤هـ.
٨ - بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار للعلَّامة المجلسي (ت ١١١١)/ نشر مؤسَّسة الوفاء/ ط ٢/ ١٤٠٣هـ/ بيروت.

↑صفحة ٩↑

وأخيراً نحمده تعالى أنْ وفَّقنا لإتمام تحقيق هذا الكتاب الشريف، سائليه (عزَّ وجلَّ) أنْ يمنَّ علينا في تحقيق المزيد من ذخائر تراث أهل البيت (عليهم السلام)، إنَّه نعم المولى والمعين.
كما نسأله تعالى أنْ يُعجِّل في فرج مولانا صاحب العصر والزمان، ويجعلنا من أنصاره وأعوانه ومقوّية سلطانه.

مركز الدراسات التخصُّصيَّة
في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)

↑صفحة ١٠↑

مقدّمة المؤلِّف
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه ثقتي

حدَّثنا الشيخ أبو الفرج محمّد بن عليِّ بن يعقوب بن أبي قرَّة القنانيُّ(١١) (رحمه الله)، قال: حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن عليٍّ البجليُّ الكاتب - واللفظ من أصله، وكتبت هذه النسخة وهو ينظر في أصله -، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم النعمانيُّ(١٢) بحلب:
الحمد لله ربِّ العالمين، الهادي من يشاء إلى صراط مستقيم، المستحقِّ الشكر من عباده بإخراجه إيَّاهم من العدم إلى الوجود، وتصويره إيَّاهم في أحسن الصور، وإسباغه عليهم النِّعَم ظاهرةً وباطنةً، لا يحصيها العدد على طول الأمد، كما قال (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ الله لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: ٣٤]، وبما

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١) القَناني - بفتح القاف ونونين بينهما ألف - نسبة إلى قنان بن سَلَمة بن وهب بن عبد الله ابن ربيعة ابن الحارث بن كعب بن مذحج كما في اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير (ج ٣/ ص ٥٧). والرجل عنونه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٩٨/ الرقم ١٠٦٦)، قائلاً: (محمّد بن عليِّ بن يعقوب بن إسحاق بن أبي قرَّة أبو الفرج، القنائي، الكاتب، كان ثقةً، وسمع كثيراً، وكتب كثيراً، وكان يورق لأصحابنا...).
(١٢) وفي نسخة أُخرى: (حدَّثني محمّد بن عليٍّ أبو الحسين الشجاعي الكاتب (حفظه الله)، قال: حدَّثني محمّد بن إبراهيم أبو عبد الله النعماني (رحمه الله تعالى) في ذي الحجَّة سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، قال: الحمد لله ربِّ العالمين...) إلى آخره. وفي بعض النُّسَخ مكان (أبو الحسين): (أبو الحسن)، ولعلَّه هو الصواب.

↑صفحة ١١↑

دلَّهم عليه وأرشدهم إليه من العلم بربوبيَّته، والإقرار بوحدانيَّته، بالعقول الزكيَّة(١٣)، والحكمة البالغة، والصنعة المتقنة، والفطرة الصحيحة، والصبغة الحسنة، والآيات الباهرة، والبراهين الظاهرة، وشفعه ذلك ببعثه إليهم الخيرة من خلقه رُسُلاً مصطفين، مبشِّرين ومنذرين، دالِّين هادين، مذكِّرين ومحذِّرين، ومبلِّغين مؤدِّين، بالعلم ناطقين، وبروح القُدُس مؤيَّدين، وبالحُجَج غالبين، وبالآيات لأهل الباطل قاهرين، وبالمعجزات لعقول ذوي الألباب باهرين، أبانهم من خلقه بما أولاهم من كرامته، وأطلعهم على غيبه، ومكَّنهم فيه من قدرته، كما قال (جلَّ وعزَّ): ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾ [الجنّ: ٢٦ و٢٧]، ترفُّعاً لأقدارهم، وتعظيماً لشأنهم، ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥]، ولتكون حجَّة الله عليهم تامَّة غير ناقصة.
والحمد لله الذي منَّ علينا بمحمّد سابق بريَّته إلى الإقرار بربوبيَّته، وخاتم أصفيائه إنذاراً برسالته، وأحبّ أحبَّائه إليه، وأكرم أنبيائه عليه، وأعلاهم رتبةً لديه، وأخصّهم منزلةً منه، أعطاه جميع ما أعطاهم، وزاده أضعافاً على ما آتاهم، وأحلَّه المنزلة التي أظهر بها فضله عليهم، فصيَّره إماماً لهم، إذ صلَّى في سمائه بجماعتهم، وشرَّف مقامه على كافَّتهم، وأعطاه الشفاعة دونهم، ورفعه مستسيراً إلى علوِّ ملكوته(١٤)، حتَّى كلَّمه في محلِّ جبروته بحيث جاز مراتب الملائكة المقرَّبين، ومقامات الكروبيِّين والحافِّين.
وأنزل عليه كتاباً جعله مهيمناً على كُتُبه المتقدِّمة، ومشتملاً على ما حوته من العلوم الجمَّة، وفاضلاً عليها بأنْ جعله كما قال تعالى: ﴿تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣) في بعض النُّسَخ: (المرضيَّة).
(١٤) في بعض النُّسَخ: (ورفعه له مستزيداً إلى علوِّ مملكته).

↑صفحة ١٢↑

[النحل: ٨٩]، لم يُفرِّط فيه من شيء، فهدانا الله (عزَّ وجلَّ) بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الضلالة والعمى، وأنقذنا به من الجهالة والرَّدى، وأغنانا به وبما جاء به من الكتاب المبين - وما أكمله لنا من الدِّين، ودلَّنا عليه من ولاية الأئمَّة الطاهرين الهادين - عن الآراء والاجتهاد، ووفَّقنا(١٥) به وبهم(١٦) إلى سبيل الرشاد.
صلَّى الله عليه وعلى أخيه أمير المؤمنين تاليه في الفضل، ومؤازره في اللَّأواء(١٧) والأزل(١٨)، وسيف الله على أهل الكفر والجهل، ويده المبسوطة بالإحسان والعدل، والسالك نهجه في كلِّ حالٍ(١٩)، والزائل مع الحقِّ حيثما زال، والخازن علمه(٢٠)، والمستودع سرّه، الظاهر على مكنون أمره، وعلى الأئمَّة من آله الطاهرين الأخيار، الطيِّبين الأبرار، معادن الرحمة ومحلِّ النعمة، وبدور الظلام ونور الأنام، وبحور العلم، وباب السلام الذي ندب الله (عزَّ وجلَّ) خلقه إلى دخوله، وحذَّرهم النكوب عن سبيله حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: ٢٠٨]، أفضل صلواته وأشرفها، وأذكاها وأنماها، وأتمّها وأعلاها وأسناها، وسلَّم تسليماً كثيراً كما هو أهله، وكما محمّد وآله (عليهم السلام) أهله منه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥) في بعض النُّسَخ: (ورفعنا).
(١٦) الضمير المفرد فيه (به) راجع إلى الكتاب، أو النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). والضمير الجمع في (بهم) راجع إلى الأئمَّة (عليهم السلام).
(١٧) في لسان العرب (ج ١٥/ ص ٢٣٨/ مادَّة لأي): (اللَّأواء: الشدَّة وضيق المعيشة).
(١٨) في العين للفراهيدي (ج ٧/ ص ٣٨٥/ مادَّة أزل): (الأزل: شدَّة الزمان، يقال: هم في أزل من العيش والسنة، وأزل من شدائد البلوى).
(١٩) في بعض النُّسَخ: (على كلِّ حالٍ).
(٢٠) في بعض النُّسَخ: (والحاوي علمه).

↑صفحة ١٣↑

أمَّا بعد..
فإنَّا رأينا طوائف من العصابة المنسوبة إلى التشيُّع، المنتمية(٢١) إلى نبيِّها محمّد وآله (صلَّى الله عليهم) ممَّن يقول بالإمامة التي جعلها الله برحمته دين الحقِّ، ولسان الصدق، وزيناً لمن دخل فيها(٢٢)، ونجاةً وجمالاً لمن كان من أهلها، وفاز بذمَّتها، وتمسَّك بعقدتها، ووفى لها بشروطها، من المواظبة على الصلوات، وإيتاء الزكوات، والمسابقة إلى الخيرات، واجتناب الفواحش والمنكرات، والتنزُّه عن سائر المحظورات، ومراقبة الله (تقدَّس ذكره) في الملإ والخلوات، وتشغُّل القلوب وإتعاب الأنفس والأبدان في حيازة القربات، قد تفرَّقت كلمها(٢٣)، وتشعَّبت مذاهبها، واستهانت بفرائض الله (عزَّ وجلَّ)، وحنَّت(٢٤) إلى محارم الله تعالى، فطار بعضها علوًّا، وانخفض بعضها تقصيراً، وشكُّوا جميعاً إلَّا القليل في إمام زمانهم، ووليِّ أمرهم، وحجَّة ربِّهم التي اختارها بعلمه، كما قال (جلَّ وعزَّ): ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القَصص: ٦٨] من أمرهم، للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذكرها، وتقدَّم من أمير المؤمنين (عليه السلام) خبرها، ونطق في المأثور من خُطَبه والمرويِّ عنه من كلامه وحديثه، بالتحذير من فتنتها، وحمل أهل العلم والرواية عن الأئمَّة من ولده (عليهم السلام) واحداً بعد واحد أخبارها، حتَّى ما منهم أحدٌ إلَّا وقد قدَّم القول فيها، وحقَّق كونها، ووصف امتحان الله (تبارك وتعالى اسمه) خلقه بها بما أوجبته قبائح الأفعال ومساوي الأعمال، والشحُّ المطاع، والعاجل الفاني المؤثَر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢١) في خزانة الأدب (ج ٦/ص ٧٩): (الانتماء بمعنى الانتساب)، أي المنتسبة إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(٢٢) في بعض النُّسَخ: (زينة لمن دخل فيها).
(٢٣) (قد تفرَّقت) الجملة مفعول ثانٍ لـ (رأينا)، وما بينهما جملة معترضة.
(٢٤) كذا صحَّحناه، وفي النُّسَخ: (وخفت)، والمعنى: استخفَّت محارم الله تعالى.

↑صفحة ١٤↑

على الدائم الباقي، والشهوات المتَّبعة، والحقوق المضيَّعة التي اكتسبت سخط الله (عزَّ وتقدَّس)، فلم يزل الشكُّ والارتياب قادحين في قلوبهم - كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامه لكميل بن زياد في صفة طالبي العلم وحملته: «أَوْ مُنْقَاداً لِأَهْلِ الْحَقِّ لَا بَصِيرَةَ لَهُ، يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ(٢٥) لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ»(٢٦)،(٢٧) -، حتَّى أدَّاهم ذلك إلى التيه والحيرة والعمى والضلالة، ولم يبقَ منهم إلَّا القليل النُّزُر الذين ثبتوا على دين الله، وتمسَّكوا بحبل الله، ولم يحيدوا عن صراط الله المستقيم، وتحقَّق فيهم وصف الفرقة الثابتة على الحقِّ التي لا تزعزعها الرياح، ولا يضرُّها الفتن، ولا يغرُّها لمع السراب، ولم تدخل في دين الله بالرجال فتخرج منه بهم.
كما روينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنَّه قال: «مَنْ دَخَلَ فِي هَذَا الدِّينِ بِالرِّجَالِ أَخْرَجَهُ مِنْهُ الرِّجَالُ كَمَا أَدْخَلُوهُ فِيهِ، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ بِالْكِتَابِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٥) في لسان العرب (ج ٢/ ص ٥٥٤/ مادَّة قدح): (قدح الشيء في صدري: أثَّر).
(٢٦) نهج البلاغة (ص ٤٩٦/ ح ١٤٧) بتفاوت يسير؛ وراجع: المعيار والموازنة (ص ٨٠)، وقوت القلوب (ج ١/ ص ٢٤٢)، وحلية الأولياء (ج ١/ ص ٨٠)، والذريعة إلى مكارم الشريعة (ص ٢٤٧)، وإحياء علوم الدِّين (ج ١/ ص ١٢٢)، وسراج الملوك (ص ١٩٨)، وفرائد السمطين (ج ١/ ص ٣٩٨)، وتذكرة الحُفَّاظ (ج ١/ ص ١١)، وروضة الحبور (ص ٩٣)، وكنز العُمَّال (ج ١٠/ ص ٢٦٣/ ح ٢٩٣٩١).
(٢٧) قال ابن ميثم البحراني (رحمه الله) في شرح نهج البلاغة (ج ٥/ ص ٣٢٥): (أشار إلى كونه - أي المنقاد لأهل الحقِّ من غير بصيرة - غير صالح لحمله - أي ما عنده من العلم - من وجهين: أحدهما: كونه لا بصيرة له في جوانب العلم وتفاصيله. الثاني: كونه ينقدح الشكُّ في قلبه لأوَّل عارض من شبهة؛ وذلك لعدم العلم وثباته في نفسه بالبرهان والحجَّة الواضحة).

↑صفحة ١٥↑

وَالسُّنَّةِ زَالَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ»(٢٨)،(٢٩).
ولعمري ما أُتي من تاه وتحيَّر وافتتن وانتقل عن الحقِّ وتعلَّق بمذاهب أهل الزخرف والباطل إلَّا من قلَّة الرواية والعلم وعدم الدراية والفهم، فإنَّهم الأشقياء، لم يهتمُّوا لطلب العلم، ولم يُتعِبوا أنفسهم في اقتنائه وروايته من معادنه الصافية، على أنَّهم لو رووا ثمّ لم يدروا لكانوا بمنزلة من لم يروِ، وقد قال جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام): «اعْرِفُوا مَنَازِلَ شِيعَتِنَا عِنْدَنَا عَلَى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا وَفَهْمِهِمْ مِنَّا»(٣٠)، فإنَّ الرواية تحتاج إلى الدراية، و«خبر تدريه خير من ألف خبر ترويه»(٣١).
وأكثر من دخل في هذه المذاهب إنَّما دخله على أحوال:
فمنهم من دخله بغير رويَّة ولا علم، فلمَّا اعترضه يسير الشبهة تاه.
ومنهم من أراده طلباً للدنيا وحطامها(٣٢)، فلمَّا أماله الغواة والدنياويُّون إليها مال مؤثِراً لها على الدِّين، مغترًّا مع ذلك بزخرف القول غروراً من

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٨) راجع: الكافي (ج ١/ ص ٧/ خطبة الكتاب)، وتصحيح اعتقادات الإماميَّة (ص ٧٢)، وروضة الواعظين (ص ٢٢)، وبشارة المصطفى (ص ٢٠٦ و٢٠٧/ ح ٣١)، ومتشابه القرآن ومختلفه (ج ١/ ص ٤٦).
(٢٩) قال صدر المتألِّهين في شرح أُصول الكافي (ج ١/ ص ٢٠٥ و٢٠٦): (المراد من (دخل فيه بالكتاب والسُّنَّة) ما يكون أخذه منهما على بصيرة وفهم ومع قوَّة له على الاستنباط منهما. والمراد من (دخل في هذا الدِّين بالرجال) ما يكون أخذه بمجرَّد التقليد وسماع اللفظ من غير تعلُّم وتفقُّه، وإلَّا فرُبَّ علم أُخِذَ من المعلِّم كان أحكم وأتقن ممَّا يستنبطه الإنسان بفهمه من الكتاب والسُّنَّة. وبالجملة ملاك الأمر هو صفاء القلب وجلاء البصيرة التي بها يتمكَّن أنْ يهتدي ويتنوَّر بنور القرآن والحديث هداية من الله).
(٣٠) راجع: اختيار معرفة الرجال (ج ١/ ص ٣ - ٦/ ح ١ - ٣).
(٣١) سيأتي تحت الرقم (١٣٥/٢)، وفيه: (خير من عشر ترويه).
(٣٢) في لسان العرب (ج ١٢/ ص ١٣٨/ مادَّة حطم): (حُطام الدنيا: كلُّ ما فيها من مال يفنى ولا يبقى).

↑صفحة ١٦↑

الشياطين الذين وصفهم الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه فقال: ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ [الأنعام: ١١٢]، والمغترُّ به فهو كصاحب السراب(٣٣) الذي ﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾ يلمعه عند ظمائه لمعة ماء، فـ﴿إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً﴾ [النور: ٣٩] كما قال الله (عزَّ وجلَّ).
ومنهم من تحلَّى بهذا الأمر للرياء، والتحسُّن بظاهره، وطلباً للرئاسة، وشهوة لها، وشغفاً بها(٣٤)، من غير اعتقاد للحقِّ، ولا إخلاص فيه، فسلب الله جماله، وغيَّر حاله، وأعدَّ له نكاله.
ومنهم من دان به على ضعف من إيمانه، ووهن من نفسه بصحَّة ما نطق به منه، فلمَّا وقعت هذه المحنة التي آذننا أولياء الله (صلَّى الله عليهم) بها مذ ثلاثمائة سنة تحيَّر ووقف، كما قال الله (عزَّ وجلَّ من قائل): ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [البقرة: ١٧]، وكما قال: ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ [البقرة: ٢٠].
ووجدنا الرواية قد أتت عن الصادقين (عليهم السلام) بما أمروا به مَنْ وهب الله (عزَّ وجلَّ) له حظًّا من العلم، وأوصله منه إلى ما لم يوصل إليه غيره من تبيين ما اشتبه على إخوانهم في الدِّين، وإرشادهم في الحيرة إلى سواء السبيل، وإخراجهم عن منزلة الشكِّ إلى نور اليقين.
فقصدت القربة إلى الله (عزَّ وجلَّ) بذكر ما جاء عن الأئمَّة الصادقين الطاهرين (عليهم السلام) من لدن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى آخر من روي عنه منهم في هذه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٣) كذا، ولعلَّ الصواب: (كطالب السراب).
(٣٤) في لسان العرب (ج ٩/ ص ١٧٩/ مادَّة شغف): (شُغِفَ بالشيء على صيغة ما لم يسم فاعله: أُولِعَ به).

↑صفحة ١٧↑

الغيبة التي عمي عن حقِّيَّتها(٣٥) ونورها مَنْ أبعده الله عن العلم بها، والهداية إلى ما أُوتي عنهم (عليهم السلام) فيها ما يُصحِّح لأهل الحقِّ حقيقة ما رووه ودانوا به، وتُؤكِّد حجَّتهم(٣٦) بوقوعها، ويُصدَّق ما آذنوا به منها.
وإذا تأمَّل من وهب الله تعالى له حسن الصورة، وفتح مسامع قلبه، ومنحه(٣٧) جودة(٣٨) القريحة(٣٩)، وأتحفه بالفهم وصحَّة الرواية بما جاء عن الهداة الطاهرين (صلوات الله عليهم) على قديم الأيَّام وحديثها من الروايات المتَّصلة فيها، الموجبة لحدوثها، المقتضية لكونها ممَّا قد أوردناه في هذا الكتاب حديثاً حديثاً، وروي فيه، وفكَّر فكراً منعماً(٤٠)، ولم يجعل قراءته ونظره فيه صفحاً دون شافي التأمُّل، ولم يطمح ببصره عن حديث منها يشبه ما تقدَّمه دون إمعان النظر فيه والتبيين له، ولما يحوي من زيادة المعاني بلفظه من كلام الإمام (عليه السلام) بحسب ما حمله واحدٌ من الرواة عنه، علم(٤١) أنَّ هذه الغيبة لو لم تكن ولم تحدث مع ذلك ومع ما روي على مرِّ الدهور فيها، لكان مذهب الإمامة باطلاً، لكنَّ الله تبارك

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٥) في بعض النُّسَخ: (عن حقيقتها).
(٣٦) أي قصدت بذكر ما جاء عنهم (عليهم السلام) - لإزالة الشُّبُهات - ما يُصحِّح لأهل الحقِّ ما رووه ودانوا به، ولتُؤكَّد بذلك حجَّتهم.
(٣٧) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٤٠٨/ مادَّة منح): (المنح: العطاء، منحه يَمْنَحه ويَمْنِحه، والاسم المِنحة - بالكسر -، وهي العطيَّة).
(٣٨) في لسان العرب (ج ٣/ ص ١٣٥/ مادَّة جود): (جاد الشيء جُودة وجَودة، أي صار جيِّداً).
(٣٩) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٣٩٦/ مادَّة قرح): (القريحة: أوَّل ما يُستنبط من البئر، ومنه قولهم: لفلان قريحة جيِّدة، يُراد استنباط العلم بجودة الطبع).
(٤٠) أي شافياً دقيقاً بالغاً. وفي بعض النُّسَخ: (ممعناً) من الإمعان.
(٤١) جواب قوله: (وإذا تأمَّل...) إلخ.

↑صفحة ١٨↑

وتعالى صدَّق إنذار الأئمَّة (عليهم السلام) بها، وصحَّح قولهم فيها في عصر بعد عصر، وألزم الشيعة التسليم والتصديق والتمسُّك بما هم عليه، وقوَّى اليقين في قلوبهم بصحَّة ما نقلوه، وقد حذَّر أولياء الله (صلوات الله عليهم) شيعتهم من أنْ تميل بهم الأهواء، أو تزيغ بهم [و]بقلوبهم الفتن واللأواء في أيَّامها، ووصفوا ما يشمل الله تعالى خلقه به من الابتلاء عند وقوعها بتراخي مدَّتها، وطول الأمد فيها، ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: ٤٢].
فإنَّه روي عنهم (عليهم السلام) مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيُّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ١٦]، فِي أَهْلِ زَمَانِ الْغِيبَةِ، ثُمَّ قَالَ (عزَّ وجلَّ): ﴿[اعْلَمُوا] أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الحديد: ١٧]»، وَقَالَ: «إِنَّمَا الْأَمَدُ أَمَدُ الْغِيبَةِ».
فإنَّه أراد (عزَّ وجلَّ): يا أُمَّة محمّد، أو يا معشر الشيعة، لا تكونوا كالذين أُوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد، فتأويل هذه الآية جاء في أهل زمان الغيبة وأيَّامها دون غيرهم من أهل الأزمنة، وإنَّ الله تعالى نهى الشيعة عن الشكِّ في حجَّة الله تعالى، أو أنْ يظنُّوا أنَّ الله تعالى يخلي أرضه منها طرفة عين، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامه لكميل بن زياد: «بَلَى اللَّهُمَّ لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ حُجَّةٍ لله، إِمَّا ظَاهِرٍ مَعْلُومٍ، أَوْ(٤٢) خَائِفٍ مَغْمُورٍ، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ الله وَبَيِّنَاتُهُ»(٤٣)، وحذَّرهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٢) في بعض النُّسَخ: (وإمَّا).
(٤٣) سيأتي تحت الرقم (١١٨/١)، فانتظر.

↑صفحة ١٩↑

من أنْ يشكُّوا أو يرتابوا، فيطول عليهم الأمد فتقسوا قلوبهم.
ثمّ قال (عليه السلام)(٤٤): «أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أَيْ يُحْيِيهَا اللهُ بِعَدْلِ الْقَائِمِ عِنْدَ ظُهُورِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا بِجَوْرِ أَئِمَّةِ الضَّلَالِ».
وتأويل كلِّ آية منها مصدِّق للآخر، وعلى أنَّ قولهم (صلوات الله عليهم) لابدَّ أنْ يصحَّ في شذوذ من يشذُّ، وفتنة من يفتتن، ونكوص من ينكص على عقبيه من الشيعة بالبلبلة(٤٥) والتمحيص(٤٦) والغربلة التي قد أوردنا ما ذكروه (عليهم السلام) منه بأسانيد في باب ما يلحق الشيعة من التمحيص والتفرُّق والفتنة، إلَّا أنَّا نذكر في هذا الموضع حديثاً أو حديثين من جملة ما أوردنا في ذلك الباب، لئلَّا يُنكِر منكر ما حدث من هذه الفِرَق العاملة بالأهواء، المؤثِرة للدنيا.
وَهُوَ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ - وهذا الرجل ممَّن لا يُطعَن عليه في الثقة، ولا في العلم بالحديث والرجال الناقلين له(٤٧) -، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ(٤٨) مِنْ تَيْمِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخَوَايَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٤) يعني أبا عبد الله (عليه السلام) في الحديث السابق.
(٤٥) في لسان العرب (ج ١١/ ص ٦٩/ مادَّة بلل): (البَلْبلة والبَلابل والبَلْبال: شدَّة الهمِّ والوسواس في الصدور وحديث النفس)، وأُريد بها هاهنا الاختبار والامتحان والابتلاء. وفي بعض النُّسَخ: (بالبليَّة).
(٤٦) في الصحاح للجوهري (ج ٣/ص ١٠٥٦/مادَّة محص): (التمحيص: الابتلاء والاختبار).
(٤٧) ستأتي ترجمته في أوَّل الباب الأوَّل من الكتاب (ص ٣٣)، فانتظر.
(٤٨) يعني به عليَّ بن الحسن بن عليِّ بن فضَّال، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٥٧ و٢٥٨/ الرقم ٦٧٦): (كان فقيه أصحابنا بالكوفة، ووجههم، وثقتهم، وعارفهم بالحديث، والمسموع قوله فيه، سمع منه شيئاً كثيراً، ولم يُعثَر له على زلَّة فيه ولا ما يشينه، وقلَّ ما روى عن ضعيف، وكان فطحيًّا). و(عليُّ بن الحسين) كما في بعض النُّسَخ تصحيف من النُّسَّاخ.

↑صفحة ٢٠↑

الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي كَهْمَسٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مِيثَمٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ ضَمْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) لِشِيعَتِهِ: «كُونُوا فِي النَّاسِ كَالنَّحْلِ فِي الطَّيْرِ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الطَّيْرِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَضْعِفُهَا، وَلَوْ يَعْلَمُ مَا فِي أَجْوَافِهَا لَمْ يَفْعَلْ بِهَا كَمَا يَفْعَلُ(٤٩). خَالِطُوا النَّاسَ بِأَبْدَانِكُمْ، وَزَايِلُوهُمْ بِقُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ(٥٠)، فَإِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ، وَهُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، أَمَا إِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا مَا تُحِبُّونَ وَمَا تَأْمُلُونَ - يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ - حَتَّى يَتْفُلَ بَعْضُكُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ، وَحَتَّى يُسَمِّيَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَذَّابِينَ، وَحَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ وَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ(٥١)، وَهُوَ أَقَلُّ الزَّادِ(٥٢).
وَسَأَضْرِبُ لَكُمْ فِي ذَلِكَ مَثَلاً، وَهُوَ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ لَهُ طَعَامٌ قَدْ ذَرَاهُ(٥٣) وَغَرْبَلَهُ وَنَقَّاهُ وَجَعَلَهُ فِي بَيْتٍ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ مَا شَاءَ الله، ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ عَنْهُ فَإِذَا السُّوسُ(٥٤) قَدْ وَقَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَنَقَّاهُ وَذَرَاهُ، ثُمَّ جَعَلَهُ فِي الْبَيْتِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ عَنْهُ فَإِذَا السُّوسُ قَدْ وَقَعَ فِيهِ، [وَأَخْرَجَهُ وَنَقَّاهُ وَذَرَاهُ، ثُمَّ جَعَلَهُ فِي الْبَيْتِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ بَعْدَ حِينٍ فَوَجَدَهُ قَدْ وَقَعَ فِيهِ السُّوسُ]، فَفَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ مِرَاراً حَتَّى بَقِيَتْ مِنْهُ رِزْمَةٌ كَرِزْمَةِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٩) أي لم يفعل بها كما يفعل من عدم التعرُّض لها.
(٥٠) هذا معنى قولهم: (كن في الناس ولا تكن مع الناس).
(٥١) التشبيه من حيث القلَّة، فكما أنَّ الملح في الطعام بالنسبة إلى موادِّه الأُخَر أقلّ كذلك أنتم بالنسبة إلى باقي الناس.
(٥٢) في بعض النُّسَخ: (أو قال: في الزاد) مكان (وهو أقلُّ الزاد).
(٥٣) في الصحاح للجوهري (ج ٦/ ص ٢٣٤٥/ مادَّة ذرا): (ذرت الريحُ الترابَ وغيره تذروه وتذريه ذرواً وذرياً، أي سفته. ومنه قولهم: ذرى الناس الحنطة).
(٥٤) في الصحاح للجوهري (ج ٣/ ص ٩٣٨/ مادَّة سوس): (السوس: دود يقع في الصوف والطعام).

↑صفحة ٢١↑

الْأَنْدَرِ(٥٥) [الَّذِي] لَا يَضُرُّهُ السُّوسُ شَيْئاً، وَكَذَلِكَ أَنْتُمْ تُمَحِّصُكُمُ الْفِتَنُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا عِصَابَةٌ لَا تَضُرُّهَا الْفِتَنُ شَيْئاً(٥٦)»(٥٧)،(٥٨).
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «وَالله لَتُمَحَّصُنَّ، وَالله لَتَطِيرُنَّ يَمِيناً وَشِمَالاً حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا كُلُّ امْرِئٍ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ، وَكَتَبَ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ».
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُمْ (عليهم السلام): «حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا الْأَنْدَرُ فَالْأَنْدَرُ».
وهذه العصابة التي تبقى على هذا الأمر وتثبت وتقيم على الحقِّ هي التي أُمِرَت بالصبر في حال الغيبة.
فمن ذلك مَا أَخْبَرَنَا بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ الْعَبَّاسِيِّ(٥٩)، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٥) في لسان العرب (ج ٥/ ص ٢٠٠/ مادَّة ندر): (الأندر: الكدس من القمح خاصَّة).
(٥٦) الظاهر أنَّ المراد بالفتنة الغيبة وطول مدَّتها مع تظاهر الزمان على معتقديها.
(٥٧) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٢٧/ ح ١٢٣).
(٥٨) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ١١٦): (قوله (عليه السلام): (كالنحل في الطير) أمر بالتقيَّة، أي لا تُظهِروا لهم ما في أجوافكم من دين الحقِّ كما أنَّ النحل لا يُظهِر ما في بطنها على الطيور وإلَّا لأفنوها. والرزمة - بالكسر -: ما شُدَّ في ثوب واحد. و الأندر: البيدر).
(٥٩) عبيد الله بن موسى العلوي من الأعلام الشاسعة في هذا الكتاب، وفي كثير من المواضع: (عبد الله) مكبَّراً، وكأنَّه عبيد الله بن موسى الروياني المعنون في تهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ٤٨) تحت عنوان: (تمييز)، وقال: (يُكنَّى أبا تراب، روى عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني...، وروى عنه عليُّ بن أحمد بن نصر البندنيجي). ولا يبعد أنْ يكون عبد الله بن موسى الهاشمي المعنون في جامع الرواة (ج ١/ ص ٥١٣) بعنوان: (عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب (عليهما السلام)). وذكر الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٥/ ص ٢١٨) عبد الله بن موسى الهاشمي من الذين رووا عن ابن عقدة. وابن عقدة وعليُّ بن أحمد البندنيجي في طبقة واحدة، غير أنَّه زاد في كثير من الموارد: (العلوي العبَّاسي)، وكأنَّ (العبَّاسي) نسخة بدل عن العلوي، فأوردهما الناسخ معاً.

 

↑صفحة ٢٢↑

مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليه السلام) فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠]، قَالَ: «اصْبِرُوا عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَصَابِرُوا عَدُوَّكُمْ، وَرَابِطُوا إِمَامَكُمُ المُنْتَظَرَ»(٦٠).
وهذه العصابة القليلة هي التي قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لها: «لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ مَنْ يَسْلُكُهُ»(٦١)، فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الله المُحَمَّدِيُّ مِنْ كِتَابِهِ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَرْحَبِيُّ - وَيُعْرَفُ بِشَعِرٍ -، قَالَ: حَدَّثَنَا مُخَوَّلٌ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَحْنَفَ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَا أَنْفُ الْإِيمَانِ، أَنَا أَنْفُ الْهُدَى وَعَيْنَاهُ.
أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ مَنْ يَسْلُكُهُ، إِنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَةٍ قَلِيلٍ شِبَعُهَا، كَثِيرٍ جُوعُهَا، وَاللهُ المُسْتَعانُ، وَإِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَالْغَضَبُ.
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ صَالِحٍ وَاحِدٌ فَأَصَابَهُمُ اللهُ بِعَذَابِهِ بِالرِّضَا لِفِعْلِهِ(٦٢)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٠) سيأتي تحت الرقم (٢٣٦/١٣)، فانتظر.
(٦١) كذا الأصوب، وفي النُّسَخ: (في طريق الهدى لقلتها).
(٦٢) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج ١٠/ ص ٢٦١ و٢٦٢): (الاستيحاش: ضدُّ الاستئناس، وكثيراً ما يُحدِثه التوحُّد وعدم الرفيق، فنهى (عليه السلام) عن الاستيحاش في طريق الهدى لأجل قلَّة أهله، فإنَّ المهتدي ينبغي أنْ يأنس بالهداية، فلا وحشة مع الحقِّ. وعنى بالمائدة الدنيا، لذَّتها قليلة، ونغصتها كثيرة، والوجود فيها زمان قصير جدًّا، والعدم عنها زمان طويل جدًّا. ثمّ قال: ليست العقوبة لمن اجترم ذلك الجرم بعينه، بل لمن اجترمه ومن رضى به وإنْ لم يباشره بنفسه، فإنَّ عاقر ناقة صالح إنَّما كان إنساناً واحداً، فعمَّ الله ثمود بالسخط لما كانوا راضين بذلك الفعل كلُّهم).

↑صفحة ٢٣↑

وَآيَةُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر: ٢٩ و٣٠]، وَقَالَ: ﴿فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ [الشمس: ١٤ و١٥]، أَلَا وَمَنْ سُئِلَ عَنْ قَاتِلِي فَزَعَمَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَقَدْ قَتَلَنِي.
أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ وَرَدَ المَاءَ، وَمَنْ حَادَ عَنْهُ وَقَعَ فِي التِّيهِ» ثُمَّ نَزَلَ.
وَرَوَاهُ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، جَمِيعاً عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نُوحٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيْمٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَحْنَفَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، وَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ»(٦٣).
وفي قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ وَرَدَ المَاءَ، وَمَنْ حَادَ عَنْهُ وَقَعَ فِي التَّيْهِ(٦٤)» بيان شافٍ لمن تأمَّله، ودليل على التمسُّك بنظام الأئمَّة(٦٥)، وتحذير

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٣) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٢٢/ ح ١١٧)؛ وراجع: الغارات (ج ٢/ ص ٥٨٤ و٥٨٥)، والمسترشد (ص ٤٠٧/ح ١٣٨)، ونهج البلاغة (ص ٣١٩/ح ٢٠١).
(٦٤) في لسان العرب (ج ١٣/ص ٤٨٢/مادَّة تيه): (التِّيه: المفازة يُتاه فيها، والجمع أَتْياه وأَتاوِيه).
(٦٥) في بعض النُّسَخ: (بنظام الإمامة).

↑صفحة ٢٤↑

من الوقوع في التيه بالعدول عنها والانقطاع عن سبيلها، ومن الشذوذ يميناً وشمالاً، والإصغاء إلى ما يزخرفه المفترون المفتونون في دينهم من القول الذي هو كالهباء المنثور، وكالسراب المضمحلِّ، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٢ و٣].
وَكَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَجِدَالَ كُلِّ مَفْتُونٍ فَإِنَّهُ مُلَقَّنٌ حُجَّتَهُ(٦٦) إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ أَلْهَبَتْهُ(٦٧) خَطِيئَتُهُ وَأَحْرَقَتْهُ(٦٨)»(٦٩).
أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ اِبْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ(٧٠)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٦) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢/ص ١٣١): (أي: يُلقِّنه الشيطان حجَّته).
(٦٧) في لسان العرب (ج ١/ ص ٧٤٣/ مادَّة لهب): (اللَّهَبُ واللَّهيبُ واللُّهابُ واللَّهَبَانُ: اشتعال النار إِذا خَلَصَ من الدُّخَانِ. وقيل: لَهِيبُ النار حَرُّها. وقد أَلْهَبها فالْتَهَبَتْ، ولَهَّبَها فَتَلَهَّبَتْ: أَوْقَدَها).
(٦٨) في بعض النُّسَخ: (ألهبته حجَّته وأحرقته).
(٦٩) راجع: تاريخ اليعقوبي (ج ٢/ ص ٩٣)، والتوحيد للصدوق (ص ٤٥٩/ ح ٢٥)، وعلل الشرائع (ج ٢/ ص ٥٩٩/ ح ٥١)، وفيهما: (أحرقته فتنته بالنار).
(٧٠) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٢٥/ الرقم ٥٩٠): (عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري، حليف الأنصار، سكن مزينة بالمدينة، فتارةً يقال: الغفاري، وتارةً يقال: الأنصاري، وأُخرى يقال: المزني).

↑صفحة ٢٥↑

وقد جمعت في هذا الكتاب ما وفَّق الله جمعه من الأحاديث التي رواها الشيوخ عن أمير المؤمنين والأئمَّة الصادقين (عليهم السلام) في الغيبة وغيرها ممَّا سبيله أنْ ينضاف إلى ما روي فيها بحسب ما حضر في الوقت، إذ لم يحضرني جميع ما رويته في ذلك لبعده عنِّي وأنَّ حفظي لم يشمل عليه، والذي رواه الناس من ذلك أكثر وأعظم ممَّا رويته، ويصغر ويقلُّ عنه ما عندي، وجعلته أبواباً صدَّرتها بذكر ما روي في صون سرِّ آل محمّد (عليهم السلام) عمَّن ليس من أهله، والتأدُّب بآداب أولياء الله في ستر ما أمروا بستره عن أعداء الدِّين والنُّصَّاب المخالفين وسائر الفِرَق من المبتدعين والشاكِّين والمعتزلة الدافعين لفضل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه وآله أجمعين)، المجيزين تقديم المأموم على الإمام، والناقص على التامِّ، خلافاً على الله (عزَّ وجلَّ) حيث يقول: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: ٣٥]، وإعجاباً بآرائهم المضلَّة وقلوبهم العميَّة، كما قال الله (جلَّ من قائل): ﴿فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحجّ: ٤٦]، وكما قال تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [الكهف: ١٠٣ و١٠٤]، الجاحدين فضل الأئمَّة الطاهرين وإمامتهم (عليهم السلام) المحلول في صدورهم لشقائهم ما قد تمكَّن فيها من العناد لهم بعد وجوب الحجَّة عليهم من الله بقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، ومن رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقوله في عترته: إنَّهم الهداة وسفينة النجاة، وإنَّهم أحد الثقلين اللذين أعلمنا تخليفه إيَّاهما علينا والتمسُّك بهما بقوله: «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ الله، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الله، طَرَفٌ بِيَدِ الله، وَطَرَفٌ بِأَيْدِيكُمْ، مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ

↑صفحة ٢٦↑

لَنْ تَضِلُّوا»(٧١).
خذلاناً من الله شملهم به استخفافهم ذلك وبما كسبت أيديهم، وبإيثارهم العمى على الهدى، كما قال (عزَّ وجلَّ): ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فُصِّلت: ١٧]، وكما قال: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الجاثية: ٢٣]، يريد (عزَّ وجلَّ) على علم لعناده للحقِّ(٧٢)، واسترخائه إيَّاه، وردِّه له، واستمرائه الباطل، وحلوله في قلبه وقبوله له، و﴿اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [يونس: ٤٤]، وهم المعاندون لشيعة الحقِّ، ومحبِّي أهل الصدق، والمنكرون لما رواه الثقات من المؤمنين عن أهل بيت رسول الله (صلَّى الله عليه وعليهم)، الرادُّون العائبون لهم بجهلهم وشقوتهم، القائلون بما رواه أعداؤهم، العاملون به، الجاعلون أئمَّتهم أهواءهم وعقولهم وآراءهم دون مَن اختاره الله بعلمه، حيث يقول: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الدخان: ٣٢]، ونصبه واصطفاه وانتجبه وارتضاه، المؤثِرون الملح الأُجاج على العذب النمير الفرات(٧٣)، فإنَّ صون دين الله وطيَّ علم خيرة الله [سبحانه] عن أعدائهم المستهزئين به أولى ما قُدِّم، وأمرهم بذلك أحقُّ ما امتُثِلَ.
ثمّ ابتدأنا بعد ذلك بذكر حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به وترك التفرُّق عنه بقوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، وما روي في ذلك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧١) حديث متواتر، متَّفق عليه بين الفريقين، لمعرفة مصادره ورواته راجع ما كتبه السيِّد عليٍّ الميلاني في كتابه القيِّم نفحات الأزهار (ج ١ - ٣).
(٧٢) في بعض النُّسَخ: (معناه عند ما علم عناده للحقِّ).
(٧٣) في لسان العرب (ج ٥/ ص ٢٣٦/ مادَّة نمر): (النَّمِرُ والنَّميرُ:، كلاهما: الماء الزاكي في الماشية... وقيل: الماء النمير: الكثير).

↑صفحة ٢٧↑

وأردفناه بذكر ما روي في الإمامة وأنَّها من الله (عزَّ وجلَّ) وباختياره، كما قال تبارك وتعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القَصص: ٦٨] من أمرهم، وأنَّها عهد من الله وأمانة يُؤدِّيها الإمام إلى الذي بعده.
ثمّ ما روي في أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر إماماً، وذكر ما يدلُّ عليه من القرآن والتوراة [والإنجيل] من ذلك، بعد نقل ما روي من طريق العامَّة في ذكر الأئمَّة الاثني عشر.
ثمّ ما روي فيمن ادَّعى الإمامة، ومَنْ زعم أنَّه إمام وليس(٧٤) بإمام، وأنَّ كلَّ راية تُرفَع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت.
[ثمّ الحديث المروي من طُرُق العامَّة](٧٥).
ثمّ ما روي فيمن شكَّ في واحد من الأئمَّة (صلَّى الله عليهم)، أو بات ليلة لا يعرف فيها إمامه، أو دان الله بغير إمام منه.
ثمّ ما روي في أنَّ الله تعالى لا يخلي أرضه من حجَّة.
ثمّ ما روي في أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا اثنان لكان أحدهما الحجَّة.
ثمّ ما روي في غيبة الإمام (عليه السلام)، وذكر أمير المؤمنين والأئمَّة (صلوات الله عليهم أجمعين) بعده لها، وإنذارهم بها.
ثمّ ما روي فيما أُمِرَ به الشيعة من الصبر والكفِّ والانتظار في حال الغيبة.
ثمّ ما روي فيما يلحق الشيعة من التمحيص والتفرُّق والتشتُّت عند الغيبة حتَّى لا يبقى على حقيقة الأمر إلَّا الأقلّ.
ثمّ ما روي في الشدَّة التي تكون قبل قيام القائم (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٤) في بعض النُّسَخ: (ومن ادُّعي له وليس).
(٧٥) ليس هذا الكلام الذي بين المعقوفتين في الأصل إنَّما أُضيف إليه بعد.

↑صفحة ٢٨↑

ثمّ ما روي في صفته (عليه السلام) وسيرته.
ثمّ ما نزل من القرآن فيه (عليه السلام).
ثمّ ما روي من العلامات التي تكون قبل ظهوره تدلُّ على قيامه وقرب أمره.
ثمّ ما جاء من المنع في التوقيت والتسمية لصاحب الأمر (عليه السلام).
ثمّ ما جاء في ما يلقى القائم منذ قيامه (عليه السلام) فيبتلي من جاهليَّة الناس.
ثمّ ما جاء في ذكر جيش الغضب وهم أصحاب القائم (عليه السلام)، وعدَّتهم.
ثمّ ما جاء في ذكر السفياني، وأنَّ أمره من المحتوم الكائن قبل قيام القائم (عليه السلام).
ثمّ ما جاء في ذكر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّه لا ينشرها بعد يوم الجمل إلَّا القائم (عليه السلام)، وصفتها.
ثمّ ما جاء في ذكر أحوال الشيعة عند خروج القائم (عليه السلام) وقبله وبعده.
ثمّ ما روي في أنَّ القائم (عليه السلام) يستأنف دعاءً جديداً، وأنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ.
ثمّ ما روي في مدَّة ملك القائم (عليه السلام) بعد ظهوره.
ثمّ ما روي في ذكر إسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام)، وبطلان ما يدَّعيه المبطلون الذين هم عن السمع والعلم معزولون.
ثمّ ما روي في أنَّ من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أم تأخَّر.
ونحن نسأل الله بوجهه الكريم وشأنه العظيم أنْ يُصلِّي على الصفوة المنتجبة(٧٦) من خلقه، والخيرة من بريَّته، وحبله المتين، وعروته الوثقى التي لا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٦) في بعض النُّسَخ: (المنتجبين).

↑صفحة ٢٩↑

انفصام لها، محمّد وآله الطاهرين، وأنْ يُثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأنْ يجعل محيانا ومماتنا وبعثنا على ما أنعم به علينا من دين الحقِّ وموالاة أهله الذين خصَّهم بكرامته، وجعلهم السفراء بينه وبين خلقه، والحجَّة على بريَّته، وأنْ يُوفِّقنا للتسليم لهم والعمل بما أمروا به، والانتهاء عمَّا نهوا عنه، ولا يجعلنا من الشاكِّين في شيء من قولهم، ولا المرتابين بصدقهم، وأنْ يجعلنا من أنصار دينه مع وليِّه، والصادقين في جهاد عدوِّه حتَّى يجعلنا بذلك معهم، ويكرمنا بمجاورتهم في جنَّات النعيم، ولا يُفرِّق بيننا وبينهم طرفة عين أبداً، ولا أقلَّ من ذلك ولا أكثر، إنَّه جواد كريم.

* * *

↑صفحة ٣٠↑

باب (١): ما روي في صون سرِّ آل محمّد (عليهم السلام) عمَّن ليس من أهله، والنهي عن إذاعته(٧٧) لهم واطِّلاعهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٧) في بعض النُّسَخ: (عمَّن ليس من أهله، والتأدُّب بآداب أولياء الله، وستره عن غير أهله من المعاندين، والنهي عن إذاعته).

↑صفحة ٣١↑

[١/١] أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ(٧٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ النَّاشِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَبَلَةَ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي عُمَيْرَةِ(٧٩)، عَنْ مَعْرُوفِ اِبْنِ خَرَّبُوذَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ(٨٠)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٨) أبو العبَّاس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن، يُعرَف بابن عقدة، وُلِدَ سنة (٢٤٩هـ) وتُوفِّي (٣٣٢هـ)، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٩٤/ الرقم ٢٣٣): (هذا رجل جليل في أصحاب الحديث، مشهور بالحفظ، والحكايات تختلف عنه في الحفظ وعظمه، وكان كوفيًّا زيديًّا جاروديًّا على ذلك حتَّى مات، وذكره أصحابنا لاختلاطه بهم ومداخلته إيَّاهم وعظم محلِّه وثقته وأمانته).
وقال الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٥/ ص ٢١٨ و٢١٩/ الرقم ٢٦٨٠): (كان حافظاً عالماً مكثراً جمع التراجم والأبواب والمشيخة وأكثر الرواية وانتشر حديثه، وروى عنه الحُفَّاظ والأكابر...)، إلى أنْ قال: (وعقدة هو والد أبي العبَّاس، وإنَّما لُقِّب بذلك لعلمه بالتصريف والنحو، وكان يورق بالكوفة ويُعلِّم القرآن والأدب...)، إلى أنْ قال: (وكان عقدة زيديًّا، وكان ورعاً ناسكاً، وإنَّما سُمِّي عقدة لأجل تعقيده في التصريف، وكان ورَّاقاً جيِّد الخطِّ، وكان ابنه أبو العبَّاس أحفظ من كان في عصرنا للحديث).
(٧٩) في بعض النُّسَخ: (عمرة).
(٨٠) عامر بن واثلة أبو الطفيل الكناني الليثي، صحابي، قال ابن عدي في الكامل (ج ٥/ ص ٨٧/ الرقم ٢٩٦/١٢٦٤): (له صحبة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد روى عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قريباً من عشرين حديثاً...)، إلى أنْ قال: (وليس برواياته بأس).
وقال العجلي في معرفة الثقات (ج ٢/ ص ١٥/ الرقم ٨٣٠): (مكِّي ثقة، نزل الكوفة مع عليٍّ، وكان من كبار التابعين، وقد رأى النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)).

↑صفحة ٣٣↑

«أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَأَمْسِكُوا عَمَّا يُنْكِرُونَ»(٨١).
[٢/٢] وَحَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاوَرِيُّ(٨٢)، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ المُقْرِئُ السَّقَطِيُّ بِوَاسِطٍ(٨٣)، قَالَ: حَدَّثَنِي خَلَفٌ الْبَزَّازُ(٨٤)، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ(٨٥)، عَنْ حُمَيْدٍ(٨٦) الطَّوِيلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا تُحَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا لَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟».
[٣/٣] وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ(٨٧) بْنِ يَعْقُوبَ الْجُعْفِيُّ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨١) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١١٥/ ح ١١٠)؛ وراجع: صحيح البخاري (ج ١/ ص ١٠٨/ ح ١١٨)، وفيه: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟».
(٨٢) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (البارزي)، وفي بعضها: (البازي)، وفي نسخة: (الباردي).
(٨٣) يوسف بن يعقوب المقرئ الواسطي، عنونه الخطيب في تاريخ بغداد (ج ١٤/ ص ٣٢١/ الرقم ٧٦٤١)، ونقل عن ابن قانع أنَّه مات بواسط في سنة (٣١٤هـ).
(٨٤) في بعض النُّسَخ: (البزَّار).
(٨٥) يزيد بن هارون، يُكنَّى أبا خالد السلمي الواسطي، وهو أحد أعلام الحُفَّاظ المشاهير، وثَّقه غير واحد من الرجاليِّين من العامَّة كابن معين، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وأضرابهم. روى عن حميد ابن أبي حميد الطويل الذي وثَّقه العجلي وابن خراش وابن معين وأبو حاتم. وروى عنه خلف ابن هشام البزَّار الذي قال الدارقطني: (كان عابداً فاضلاً)، ووثَّقه النسائي كما في تهذيب التهذيب (ج ٣/ ص ١٣٥/ الرقم ٢٩٧).
(٨٦) في بعض النُّسَخ: (أحمد).
(٨٧) في بعض النُّسَخ: (يونس)، وهو تصحيف.

↑صفحة ٣٤↑

الله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «يَا عَبْدَ الْأَعْلَى، إِنَّ احْتِمَالَ أَمْرِنَا لَيْسَ مَعْرِفَتَهُ وَقَبُولَهُ، إِنَّ احْتِمَالَ أَمْرِنَا هُوَ صَوْنُهُ وَسَتْرُهُ عَمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَقْرِئْهُمُ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ الله - يَعْنِي الشِّيعَةَ -، وَقُلْ: قَالَ لَكُمْ: رَحِمَ اللهُ عَبْداً اسْتَجَرَّ مَوَدَّةَ النَّاسِ إِلَى نَفْسِهِ وَإِلَيْنَا بِأَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ مَا يَعْرِفُونَ، وَيَكُفَّ عَنْهُمْ مَا يُنْكِرُونَ».
ثُمَّ قَالَ: «مَا النَّاصِبُ لَنَا حَرْباً بِأَشَدَّ مَئُونَةً مِنَ النَّاطِقِ عَلَيْنَا بِمَا نَكْرَهُهُ».
[٤/٤] وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ(٨٨) اِبْنُ عَبْدِ الله مِنْ كِتَابِهِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ(٨٩) وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ اِبْنِ فَضَّالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ مَعْرِفَةَ وَلَايَتِهُ فَقَطْ حَتَّى تَسْتُرَهُ عَمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَبِحَسْبِكُمْ(٩٠) أَنْ تَقُولُوا مَا قُلْنَا، وَتَصْمُتُوا عَمَّا صَمَتْنَا، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ مَا نَقُولُ وَسَلَّمْتُمْ لَنَا فِيمَا سَكَتْنَا عَنْهُ فَقَدْ آمَنْتُمْ بِمِثْلِ مَا آمَنَّا بِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ [البقرة: ١٣٧]، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام): حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَلَا تُحَمِّلُوهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ فَتَغُرُّونَهُمْ بِنَا».
[٥/٥] وَأَخْبَرَنَا(٩١) عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ المَوْصِلِيُّ(٩٢)، قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٨٨) في بعض النُّسَخ: (محمّد).
(٨٩) كذا، وفيه سقط، لأنَّ أحمد بن محمّد بن سعيد وُلِدَ سنة (٢٤٩هـ). والأصل كما تقدَّم ويأتي (سنة ثمان وستِّين ومائتين). وجعفر بن عبد الله بن جعفر المحمّدي كان ثقةً في الرواية، وصُحِّف في النُّسَخ بـ(محمّد بن عبد الله).
(٩٠) أي: يكفيكم. وفي بعض النُّسَخ: (ويحسبكم).
(٩١) في بعض النُّسَخ: (قال: وحدَّثنا).
(٩٢) عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٣١/ ٦١٨٤/٢٧) فيمن لم يرو عن واحد من الأئمَّة (عليهم السلام)، قائلاً: (عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي، أخو عبد العزيز، يُكنَّى أبا القاسم، سمع منه التلعكبري سنة ستٍّ وعشرين وثلاثمائة، وذكر أنَّه كان ثقةً).

↑صفحة ٣٥↑

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ(٩٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): «إِنَّ احْتِمَالَ أَمْرِنَا لَيْسَ هُوَ التَّصْدِيقَ بِهِ وَالْقَبُولَ لَهُ فَقَطْ، إِنَّ مِنِ احْتِمَالِ أَمْرِنَا سَتْرَهُ وَصِيَانَتَهُ عَنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، فَأَقْرِئْهُمُ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ الله - يَعْنِي الشِّيعَةَ -، وَقُلْ لَهُمْ: يَقُولُ لَكُمْ: رَحِمَ اللهُ عَبْداً اسْتَجَرَّ(٩٤) مَوَدَّةَ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِلَى نَفْسِهِ، يُحَدِّثُهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَيَسْتُرُ عَنْهُمْ مَا يُنْكِرُونَ».
ثُمَّ قَالَ لِي: «وَالله مَا النَّاصِبَةُ لَنَا حَرْباً أَشَدَّ مَئُونَةً عَلَيْنَا مِنَ النَّاطِقِ عَلَيْنَا بِمَا نَكْرَهُهُ...» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ(٩٥).
[٦/٦] وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ(٩٦)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحَسَنِيِّ(٩٧)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٣) في بعض النُّسَخ: (وأخبرنا عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي، قال: حدَّثنا محمّد ابن غياث...) إلخ، وفيه سقط.
(٩٤) في بعض النُّسَخ: (اجترَّ).
(٩٥) دعائم الإسلام (ج ١/ ص ٦١)، مختصر بصائر الدرجات (ص ١٠٠ و١٠١).
(٩٦) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٩٢/ الرقم ٢٢٩): (أحمد بن محمّد بن عليِّ بن عمر بن رباح القلاء السوَّاق، أبو الحسن...)، إلى أنْ قال: (وكان أبو الحسن أحمد بن محمّد ثقةً في الحديث).
(٩٧) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٤١/ الرقم ٩١٦): (محمّد بن عبَّاس بن عيسى، أبو عبد الله، كان يسكن بن غاضرة، ثقة، روى عن أبيه والحسن بن عليِّ بن أبي حمزة وعبد الله ابن جبلة). وفي نسخة: (الجبلي) بدل (الحسني).

↑صفحة ٣٦↑

حَمْزَةَ الْبَطَائِنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْخَزَّازِ(٩٨)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «مَنْ أَذَاعَ عَلَيْنَا حَدِيثَنَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَحَدَنَا حَقَّنَا»(٩٩)،(١٠٠).
[٧/٧] وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ السَّرِيِّ(١٠١)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «إِنِّي لَأُحَدِّثُ الرَّجُلَ الْحَدِيثَ فَيَنْطَلِقُ فَيُحَدِّثُ بِهِ عَنِّي كَمَا سَمِعَهُ فَأَسْتَحِلُّ بِهِ لَعْنَهُ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ»(١٠٢).
يريد (عليه السلام) بذلك أنْ يُحدِّث به مَنْ لا يحتمله ولا يصلح أنْ يسمعه.
ويدلُّ قوله على أنَّه (عليه السلام) يريد أنْ يطوي من الحديث ما شأنه أنْ يُطوى ولا يظهر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٩٨) هو محمّد الخزَّاز الكوفي، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٩٩/ الرقم ٤٣٧٩/٤٠٤) من أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).
(٩٩) الكافي (ج ٢/ ص ٣٧٠/ باب الإذاعة/ ح ٢).
(١٠٠) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ١٠/ ص ٣٣): (المذيع والجاحد متشاركان في عدم الإيمان وبراءة الإمام منهما، وفعل ما يوجب لحوق الضرر، بل ضرر الإذاعة أقوى، لأنَّ ضرر الجحد يعود إلى الجاحد، وضرر الإذاعة يعود إلى المذيع وإلى المعصوم وإلى المؤمنين. واعلم أنَّه (عليه السلام) كان خائفاً من أعداء الدِّين على نفسه المقدَّسة وعلى شيعته، وكان في تقيَّة شديدة منهم، فلذلك نهى عن إذاعة خبر دالٍّ على إمامته وإمامة آبائه وأولاده الطاهرين، وعلى ذمِّ أعدائهم، بل عن إذاعة أخبارهم في الشرائع والأحكام والحدود، لكون أكثرها مخالفة لأحكام العامَّة المخترعة لأوهامهم الكاسدة وآرائهم الفاسدة، ولم يُجوِّز الإذاعة إلَّا إلى ثقة معتمد في دينه مأمون من الإذاعة، وبالغ في الزجر عنها تارةً بأنَّ المذيع كالجاحد، وتارةً بأنَّه قاتل، وتارةً بأنَّه ليس بمؤمن، وتارةً بأنَّه شاكٌّ، وتارةً بأنَّه عاصٍ، وتارةً بأنَّه مارق عن الدِّين وخارج عنه، لعلَّهم يحذرون).
(١٠١) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٧/ الرقم ٩٧): (الحسن بن السري الكاتب الكرخي، وأخوه عليٌّ، رويا عن أبي عبد الله (عليه السلام))، ووثَّقه العلَّامة (رحمه الله) في خلاصة الأقوال (ص ١٠٥/ الرقم ٢٣).
(١٠٢) تُحَف العقول (ص ٣٠٨).

↑صفحة ٣٧↑

[٨/٨] وَبِهِ(١٠٣)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ الصَّيْرَفِيِّ(١٠٤)، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ(١٠٥)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام)(١٠٦) يَقُولُ: «قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنِّي إِمَامُهُمْ، وَالله مَا أَنَا لَهُمْ بِإِمَامٍ، لَعَنَهُمُ اللهُ كُلَّمَا سَتَرْتُ سِتْراً هَتَكُوهُ، أَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُونَ: إِنَّمَا يَعْنِي كَذَا وَكَذَا، إِنَّمَا أَنَا إِمَامُ مَنْ أَطَاعَنِي»(١٠٧).
[٩/٩] وَبِهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ كَرَّامٍ الْخَثْعَمِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «أَمَا وَالله لَوْ كَانَتْ عَلَى أَفْوَاهِكُمْ أَوْكِيَةٌ(١٠٨) لَحَدَّثْتُ كُلَّ امْرِئٍ مِنْكُمْ بِمَا لَهُ، وَالله لَوْ وَجَدْتُ أَتْقِيَاءَ لَتَكَلَّمْتُ، وَاللهُ المُسْتَعانُ»(١٠٩).
يريد بـ(أتقياء) أي من يستعمل التقيَّة.
[١٠/١٠] وَبِهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(١١٠)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «سِرٌّ أَسَرَّهُ اللهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ، وَأَسَرَّهُ جَبْرَئِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَأَسَرَّهُ مُحَمَّدٌ إِلَى عَلِيٍّ، وَأَسَرَّهُ عَلِيٌّ إِلَى مَنْ شَاءَ اللهُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، وَأَنْتُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِي الطُّرُقِ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٠٣) يعني بهذا الإسناد.
(١٠٤) الظاهر كونه القاسم بن عبد الرحمن الصريفي شريك المفضَّل بن عمر، كوفي، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٧١/ الرقم ٣٩٠٦/٩) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(١٠٥) في اختيار معرفة الرجال: (عن ابن مسكان، عن قاسم الصيرفي، قال: سمعت...).
(١٠٦) في بعض النُّسَخ: (عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
(١٠٧) اختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٥٩٠/ ح ٥٣٩) بتفاوت يسير.
(١٠٨) جمع وكاء، وهو رباط القربة. راجع: العين للفراهيدي (ج ٥/ص ٤٢٢/مادَّة وكي).
(١٠٩) راجع: أمالي الطوسي (ص ١٩٧/ ح ٣٣٦/٣٨)، وبشارة المصطفى (ص ١٦٨ و١٦٩/ ح ١٣٦).
(١١٠) يعني بن يحيى بن القاسم - أبو أبي القاسم - الأسدي المكفوف، يُكنَّى أبا بصير، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٤١/ الرقم ١١٨٧): (ثقة، وجيه، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)...)، إلى أنْ قال: (ومات أبو بصير سنة خمسين ومائة).

↑صفحة ٣٨↑

[١١/١١] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامِ بْنِ سُهَيْلٍ(١١١)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ الْعَلَاءِ المَذَارِيُّ(١١٢)، قَالَ: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ(١١٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ شُيُوخِنَا، قَالَ: قَالَ المُفَضَّلُ: أَخَذْتُ بِيَدِكَ كَمَا أَخَذَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) بِيَدِي، وَقَالَ لِي: «يَا مُفَضَّلُ، إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَ بِالْقَوْلِ فَقَطْ، لَا وَالله حَتَّى يَصُونَهُ كَمَا صَانَهُ اللهُ، وَيُشَرِّفَهُ كَمَا شَرَّفَهُ اللهُ، وَيُؤَدِّيَ حَقَّهُ كَمَا أَمَرَ اللهُ»(١١٤).
[١٢/١٢] وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ نَسِيبٍ فُرْعَانَ(١١٥)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَيَّامَ قَتْلِ المُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١١) قال الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ٢١٧/ الرقم ٦١٢/٢٧): (محمّد بن همَّام الإسكافي، يُكنَّى أبا عليٍّ، جليل القدر، ثقة، له روايات كثيرة)، وقال الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٤/ ص ١٣٦/ الرقم ١٧٩٦): (مات أبو عليٍّ محمّد بن همَّام بن سهيل بن بيزان الإسكافي في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وكان يسكن في سوق العطش، ودُفِنَ في مقابر قريش).
(١١٢) المَذاري - بفتح الميم والذال وسكون الألف وفي آخرها راء -، والمذار قرية بأسفل أرض البصرة، وعبد الله بن العلاء المذاري كان ثقةً من وجوه أصحابنا كما في رجال النجاشي (ص ٢١٩/ الرقم ٥٧١). وفي بعض النُّسَخ: (المدائني).
(١١٣) كذا، ولعلَّ الصواب: (إدريس بن زياد الكفرتوثي)، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٠٣/ الرقم ٢٥٧): (إدريس بن زياد الكفرتوثي، أبو الفضل، ثقة، أدرك أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وروى عنهم).
(١١٤) هذا الحديث لا يوجد في بعض النُّسَخ.
(١١٥) كذا، وفي اختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٦٧٦/ ح ٧٠٩): (عن حفص الأبيض التمَّار، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أيَّام طلب المعلَّى بن خنيس...) وساق نحو الكلام مع زيادة، ولا يخفى اتِّحادهما، لاتِّحاد الخبر. والمعنون في الرجال: (حفص بن الأبيض التمَّار أو النيار). وفي بعض النُّسَخ المخطوطة: (حفص التمَّار). والظاهر كونه (حفص، نسيب بني عمَّار) الذي عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٨٩/الرقم ٢٣٣١/١٨٨) من أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).

↑صفحة ٣٩↑

مَوْلَاهُ، فَقَالَ لِي: «يَا حَفْصُ، حَدَّثْتُ المُعَلَّى بِأَشْيَاءَ فَأَذَاعَهَا فَابْتُلِيَ بِالْحَدِيدِ، إِنِّي قُلْتُ لَهُ: إِنَّ لَنَا حَدِيثاً مَنْ حَفِظَهُ عَلَيْنَا حَفِظَهُ اللهُ وَحَفِظَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ، وَمَنْ أَذَاعَهُ عَلَيْنَا سَلَبَهُ اللهُ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ. يَا مُعَلَّى، إِنَّهُ مَنْ كَتَمَ الصَّعْبَ مِنْ حَدِيثِنَا جَعَلَهُ اللهُ نُوراً بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَرَزَقَهُ الْعِزَّ فِي النَّاسِ(١١٦)، وَمَنْ أَذَاعَ الصَّعْبَ مِنْ حَدِيثِنَا لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعَضَّهُ السِّلَاحُ، أَوْ يَمُوتَ مُتَحَيِّراً(١١٧)»(١١٨).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١٦) في اختيار معرفة الرجال: (جعله الله نوراً بين عينيه وزوَّده القوَّة في الناس).
(١١٧) في بصائر الدرجات والاختصاص: (أو يموت كبلاً)، وفي لسان العرب ( ١١/ ص ٥٨١/ مادَّة كبل): (كَبَله يَكْبِله كَبْلاً وكَبَّلَه وكَبَله كبْلاً: حَبسه في سجن أو غيره، وأصله من الكَبْل).
وفي اختيار معرفة الرجال: (أو يموت بخبل)، وفي العين للفراهيدي (ج ٤/ ص ٢٧٢/ مادَّة خبل): (الخبل: جنون أو شبهه في القلب...، والخبل: فساد في القوائم حتَّى لا يدري كيف يمشي).
(١١٨) بصائر الدرجات (ص ٤٢٣/ ج ٨/ باب ١٣/ ح ٢)، دلائل الإمامة (ص ٢٨٥ و٢٨٦/ ح ٢٣٣/٦٩)، الاختصاص (ص ٣٢١)، اختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٦٧٦ و٦٧٧/ ح ٧٠٩).

↑صفحة ٤٠↑

باب (٢): في ذكر حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به وترك التفرُّق عنه بقوله (١١٩): ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١١٩) في بعض النُّسَخ: (فيما جاء في تفسير قوله تعالى...).

↑صفحة ٤١↑

[١٣/١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ المُعَمَّرِ الطَّبَرَانِيُّ بِطَبَرِيَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ - وكان هذا الرجل من موالي يزيد بن معاوية، ومن النُّصَّاب(١٢٠) -، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ(١٢١) وَالْحُسَيْنُ بْنُ السَّكَنِ(١٢٢) مَعاً، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ(١٢٣)، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي(١٢٤)، عَنْ مِينَا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: وَفَدَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَهْلُ الْيَمَنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «جَاءَكُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ يَبُسُّونَ بَسِيساً(١٢٥)».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢٠) في بعض النُّسَخ: (يوالي يزيد بن معاوية، ومن الثقات)، وهو تصحيف.
(١٢١) عليُّ بن هاشم بن بريد البريدي الخزَّاز، وثَّقه ابن معين، وقال أحمد بن حنبل والنسائي: (ليس به بأس)، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وكان غالياً في التشيُّع، وقال أبو حاتم: (يتشيَّع)، كما نقله ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ٣٤٢/ الرقم ٦٣٤).
(١٢٢) الحسين بن السكن القرشي كان بصريًّا سكن بغداد، عنونه الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٨/ ص ٤٩ و٥٠/ الرقم ٤١٠٩)، وقال: (مات سنة ٢٥٨هـ).
(١٢٣) عبد الرزَّاق بن همَّام بن نافع الحميري، من المشاهير، عنونه ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٦/ص ٢٧٨/الرقم ٦١١)، وأطال الكلام في ترجمته. وهو من رواة مينا بن أبي مينا الزهري الخزَّاز الذي قال ابن عدي عنه في الكامل (ج ٦/ص ٤٦٠/الرقم ٣١٨/١٩٣٩): (يبين على حديثه أنَّه يغلو في التشيُّع).
(١٢٤) زاد في بعض النُّسَخ: (عن أبيه).
(١٢٥) في لسان العرب (ج ٦/ ص ٢٧/ مادَّة بسس): (قوله: يُبِسُّون: هو أنْ يقال في زجر الدابَّة إِذا سُقْتَ حماراً أو غيره: بَسْ بَسْ وبِسْ بِسْ، بفتح الباء وكسرها، وأكثر ما يقال بالفتح، وهو صوت الزجر للسَّوْق، وهو من كلام أهل اليمن، وفيه لغتان: بَسَسْتُها وأَبْسَسْتُها إِذا سُقْتَها وزجَرْتها وقلت لها: بِسْ بِسْ، فيقال على هذا: يَبُسُّون ويُبِسِّون).
وفي بحار الأنوار: (يبشون بشيشاً) من البشاشة، أي طلاقة الوجه. راجع: الصحاح للجوهري (ج ٣/ ص ٩٩٦/ مادَّة بشش).

↑صفحة ٤٣↑

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ، رَاسِخٌ إِيمَانُهُمْ، وَمِنْهُمُ المَنْصُورُ(١٢٦)، يَخْرُجُ فِي سَبْعِينَ أَلْفاً يَنْصُرُ خَلَفِي وَخَلَفَ وَصِيِّي، حَمَائِلُ سُيُوفِهِمْ الْمِسْكُ(١٢٧)».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَنْ وَصِيُّكَ؟
فَقَالَ: «هُوَ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللهُ بِالْاِعْتِصَامِ بِهِ، فَقَالَ (جلَّ وعزَّ): ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، بَيِّنْ لَنَا مَا هَذَا الْحَبْلُ.
فَقَالَ: «هُوَ قَوْلُ الله: ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٢]، فَالْحَبْلُ مِنَ الله كِتَابُهُ، وَالْحَبْلُ مِنَ النَّاسِ وَصِيِّي».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، مَنْ وَصِيُّكَ؟
فَقَالَ: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ(١٢٨) اللهُ فِيهِ: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله(١٢٩)﴾ [الزمر: ٥٦]».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا جَنْبُ الله هَذَا؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٢٦) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ١١٤): (المنصور هو الذي يخرج من اليمن قريباً من زمان القائم (عجَّل الله فرجه)).
(١٢٧) أي علائق سيوفهم الجلد. في لسان العرب (ج ١٠/ ص ٤٨٦/ مادَّة مسك): (المَسْك - بالفتح وسكون السين -: الجلد). وفي بعض النُّسَخ: (المسد) بالدال المهملة محرَّكة، حبل من ليف أو خوص. راجع: الصحاح للجوهري (ج ٢/ ص ٥٣٨/ مادَّة مسد).
(١٢٨) في بعض النُّسَخ: (قال).
(١٢٩) جنب الله أي حقُّه أو طاعته أو أمره، وأُوِّل بأمير المؤمنين (عليه السلام).

↑صفحة ٤٤↑

فَقَالَ: «هُوَ الَّذِي يَقُولُ اللهُ فِيهِ: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ(١٣٠) الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: ٢٧]، هُوَ وَصِيِّي، وَالسَّبِيلُ إِلَيَّ مِنْ بَعْدِي».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، بِالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا أَرِنَاهُ فَقَدِ اشْتَقْنَا إِلَيْهِ.
فَقَالَ: «هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ المُتَوَسِّمِينَ، فَإِنْ نَظَرْتُمْ إِلَيْهِ نَظَرَ مَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ عَرَفْتُمْ أَنَّهُ وَصِيِّي كَمَا عَرَفْتُمْ أَنِّي نَبِيُّكُمْ، فَتَخَلَّلُوا الصُّفُوفَ وَتَصَفَّحُوا الْوُجُوهَ، فَمَنْ أَهْوَتْ إِلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِنَّهُ هُوَ، لِأَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ [إبراهيم: ٣٧]، أَيْ إِلَيْهِ وَإِلَى ذُرِّيَّتِهِ (عليهم السلام)».
ثُمَّ قَالَ: فَقَامَ أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْأَشْعَرِيِّينَ، وَأَبُو غِرَّةَ الْخَوْلَانِيُّ فِي الْخَوْلَانِيِّينَ، وَظَبْيَانُ، وَعُثْمَانُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَنِي قَيْسٍ، وَعُرَنَةُ(١٣١) الدَّوْسِيُّ فِي الدَّوْسِيِّينَ، وَلَاحِقُ بْنُ عِلَاقَةَ، فَتَخَلَّلُوا الصُّفُوفَ، وَتَصَفَّحُوا الْوُجُوهَ، وَأَخَذُوا بِيَدِ الْأَنْزَعِ الْأَصْلَعِ الْبَطِينِ، وَقَالُوا: إِلَى هَذَا أَهْوَتْ أَفْئِدَتُنَا، يَا رَسُولَ الله.
فَقَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَنْتُمْ نَجَبَةُ الله حِينَ عَرَفْتُمْ(١٣٢) وَصِيَّ رَسُولِ الله قَبْلَ أَنْ تُعَرَّفُوهُ، فَبِمَ عَرَفْتُمْ أَنَّهُ هُوَ؟».
فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ الله، نَظَرْنَا إِلَى الْقَوْمِ فَلَمْ تَحِنَّ(١٣٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣٠) العضُّ كناية عن الغيظ والتحسُّر.
(١٣١) في بعض النُّسَخ: (غرية)، وفي بعضها: (عزية).
(١٣٢) في بعض النُّسَخ: (أنتم بحمد الله عرفتم).
(١٣٣) في الصحاح للجوهري (ج ٥/ ص ٢١٠٤/ مادَّة حنن): (الحنين: الشوق وتوقان النفس، تقول منه: حنَّ إليه يحنُّ حنيناً فهو حانٌّ).

↑صفحة ٤٥↑

لَهُمْ قُلُوبُنَا، وَلَـمَّا رَأَيْنَاهُ رَجَفَتْ قُلُوبُنَا(١٣٤)، ثُمَّ اطْمَأَنَّتْ نُفُوسُنَا، وَانْجَاشَتْ(١٣٥) أَكْبَادُنَا، وَهَمَلَتْ(١٣٦) أَعْيُنُنَا، وَانْثَلَجَتْ(١٣٧) صُدُورُنَا، حَتَّى كَأَنَّهُ لَنَا أَبٌ وَنَحْنُ لَهُ بَنُونَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٧]، أَنْتُمْ مِنْهُمْ(١٣٨) بِالمَنْزِلَةِ الَّتِي سَبَقَتْ لَكُمْ بِهَا الْحُسْنَى، وَأَنْتُمْ عَنِ النَّارِ مُبْعَدُونَ».
قَالَ: فَبَقِيَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ المُسَمَّوْنَ حَتَّى شَهِدُوا مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) الْجَمَلَ وَصِفِّينَ، فَقُتِلُوا بِصِفِّينَ (رحمهم الله)، وَكَانَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بَشَّرَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يَسْتَشْهِدُونَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام).
[١٤/٢] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامِ بْنِ سُهَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِيُّ(١٣٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٣٤) في لسان العرب (ج ٩/ ص ١١٢/ مادَّة رجف): (الرَّجَفانُ: الاضْطِرابُ الشديدُ: رجَفَ الشيءُ يرجُف رَجْفاً ورُجوفاً ورجَفاناً ورَجِيفاً وأَرْجَفَ: خَفَقَ واضْطَرَبَ اضْطِراباً شَديداً). وفي بعض النُّسَخ: (رجعت).
(١٣٥) انجاشت: أي هاجت واضطربت. راجع: لسان العرب (ج ٦/ص ٣٥١/مادَّة نجش).
(١٣٦) في الصحاح للجوهري (ج ٥/ ص ١٨٥٤/ مادَّة همل): (الهَمْل - بالتسكين -: مصدر قولك: هَمَلتْ عينه تَهْمُل وتَهْمِل هَمْلاً وهَمَلاناً، أي فاضت. وانهملت مثله).
(١٣٧) انثلجت نفسي به: أي ارتاحت به وإليه. راجع: لسان العرب (ج ٢/ ص ٢٢٢/ مادَّة ثلج). وفي بعض النُّسَخ: (وتبلَّجت).
(١٣٨) في نسخة: (منه).
(١٣٩) الظاهر كونه جعفر بن محمّد بن الحسن بن جعفر بن الحسن المثنَّى الذي قال عنه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٢٢/ الرقم ٣١٤): (وجهاً في الطالبيِّين، متقدِّماً، وكان ثقةً في أصحابنا...)، إلى أنْ قال: (ومات في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثمائة وله نيِّف وتسعون سنة).

↑صفحة ٤٦↑

الْحِمْيَرِيُّ(١٤٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام): «كَانَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَسْأَلُ عَمَّا يَعْنِيهِ.
فَطَلَعَ رَجُلٌ طُوَالٌ يُشْبِهُ بِرِجَالِ مُضَرَ، فَتَقَدَّمَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَجَلَسَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ فِيمَا أَنْزَلَ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، فَمَا هَذَا الْحَبْلُ الَّذِي أَمَرَنَا اللهُ بِالْاِعْتِصَامِ بِهِ، وَأَنْ لَا نَتَفَرَّقَ عَنْهُ؟
فَأَطْرَقَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مَلِيًّا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، وَقَالَ: هَذَا حَبْلُ الله الَّذِي مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ عُصِمَ بِهِ فِي دُنْيَاهُ، وَلَمْ يَضِلَّ بِهِ فِي آخِرَتِهِ.
فَوَثَبَ الرَّجُلُ إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام) فَاحْتَضَنَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: اعْتَصَمْتُ بِحَبْلِ الله وَحَبْلِ رَسُولِهِ، ثُمَّ قَامَ فَوَلَّى وَخَرَجَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَلْحَقُهُ فَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي؟
فَقَالَ رَسُولُ الله: إِذاً تَجِدُهُ مُوَفَّقاً(١٤١)».
فَقَالَ: «فَلَحِقَهُ الرَّجُلُ فَسَأَلَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ الله لَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَفَهِمْتَ مَا قَالَ لِي رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَمَا قُلْتُ لَهُ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤٠) كذا في بعض النُّسَخ، وفي بعضها: (الخيبري)، والظاهر تصحيفهما، والصواب: (الأحمري)، وهو أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٩/ الرقم ٢١): (كان ضعيفاً في حديثه متهوماً)، وقال الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ٣٩/ الرقم ٩/٩): (كان ضعيفاً في حديثه، متَّهماً في دينه، وصنَّف كُتُباً جملتها قريبة من السداد)، وذكر في جملتها كتاب الغيبة.
(١٤١) في بعض النُّسَخ: (إذاً تجده مرفقاً).

↑صفحة ٤٧↑

قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَإِنْ كُنْتَ مُتَمَسِّكاً بِذَلِكَ الْحَبْلِ يَغْفِرُ اللهُ لَكَ، وَإِلَّا فَلَا يَغْفِرُ اللهُ لَكَ(١٤٢)»(١٤٣).
ولو لم يدلّنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على حبل الله الذي أمرنا الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه بالاعتصام به وألَّا نتفرَّق عنه لاتَّسع للأعداء المعاندين التأوُّل فيه والعدول بتأويله وصرفه إلى غير من عنى الله به ودلَّ عليه رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عناداً وحسداً، لكنَّه قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في خطبته المشهورة التي خطبها في مسجد الخيف في حجَّة الوداع: «إِنِّي فَرَطُكُمْ(١٤٤)، وَإِنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ، حَوْضاً عَرْضُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى إِلَى صَنْعَاءَ، فِيهِ قِدْحَانٌ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ، أَلَا وَإِنِّي مُخْلِفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: الثَّقَلُ الْأَكْبَرُ الْقُرْآنُ، وَالثَّقَلُ الْأَصْغَرُ عِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، هُمَا حَبْلُ الله مَمْدُودٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الله (عزَّ وجلَّ)، مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، سَبَبٌ مِنْهُ بِيَدِ الله، وَسَبَبٌ بِأَيْدِيكُمْ(١٤٥).
إِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ نَبَّأَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَإِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ -، وَلَا أَقُولُ: كَهَاتَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتِهِ وَالْوُسْطَى - فَتَفْضُلَ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ».
أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ المَوْصِلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤٢) في بعض النُّسَخ: (وإلَّا فلا غفر الله لك).
(١٤٣) الفضائل لابن شاذان (ص ١٢٥)، وفي آخره: (قال: فرجعت وسألته عن ذلك الرجل، فقال: هو أبو العبَّاس الخضر (عليه السلام)).
(١٤٤) فَرَطكم - بفتح الفاء والراي -، قال ابن الأثير في النهاية (ج ٣/ ص ٤٣٤): (أي متقدِّمكم إليه. يقال: فرط يفرط، فهو فارط وفرط، إذا تقدَّم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء، ويُهيِّئ لهم الدلاء والأرشية).
(١٤٥) وزاد في نسخة: (وفي رواية أُخرى: طرف بيد الله، وطرف بأيديكم).

↑صفحة ٤٨↑

عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليهم السلام)، قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...» وَذَكَرَ الْخُطْبَةَ بِطُولِهَا، وَفِيهَا هَذَا الْكَلَامُ.
وَأَخْبَرَنَا(١٤٦) عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، بِمِثْلِهِ.
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْحَسَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليهما السلام)، بِمِثْلِهِ.
فإنَّ القرآن مع العترة والعترة مع القرآن، وهما حبل الله المتين لا يفترقان كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفي ذلك دليلٌ لمن فتح الله مسامع قلبه ومنحه حسن البصيرة في دينه على أنَّ من التمس علم القرآن، والتأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والحلال والحرام، والخاصَّ والعامَّ من عند غير من فرض الله طاعتهم، وجعلهم ولاة الأمر من بعد نبيِّه، وقرنهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأمر الله بالقرآن وقرن القرآن بهم دون غيرهم، واستودعهم الله علمه وشرائعه وفرائضه وسُنَنه، فقد تاه وضلَّ وهلك وأهلك.
والعترة (عليهم السلام) هم الذين ضرب بهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مثلاً لأُمَّته، فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ كَمِثْلِ سَفِينَةِ نُوحٍ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ»(١٤٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤٦) في بعض النُّسَخ: (وبه، حدَّثنا).
(١٤٧) حديث مستفيض رواه الخاصَّة والعامَّة، راجع: كتاب سُلَيم بن قيس (ص ١٢٧)، وبصائر الدرجات (ص ٣١٧/ج ٦/باب ١٣/ح ٤)، ومناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لمحمّد بن سليمان الكوفي (ج ١/ ص ٢٩٦/ ح ٢٢٠، وج ٢/ ص ١٤٦/ ح ٦٢٤)، وفضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ٤٣ و٤٤/ ح ٣٧)، والمعجم الكبير للطبراني (ج ٣/ ص ٤٥ و٤٦/ ح ٢٦٣٦ - ٢٦٣٨، وج ١٢/ ص ٢٧)، والعسل المصفَّى (ج ١/ ص ٤٥٠/ ح ٢٧١ - ٢٧٣)، ومستدرك الحاكم (ج ٢/ ص ٣٤٣)، وقال: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يُخرَّجاه)، إلى غير ذلك من مصادر الفريقين.

↑صفحة ٤٩↑

وَقَالَ: «مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ كَمَثَلِ بَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَاسْتَحَقَّ الرَّحْمَةَ والزِّيَادَةَ مِنْ خَالِقِهِ»، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٥٨].
وقال أمير المؤمنين وأصدق الصادقين (عليه السلام) في خطبته المشهورة التي رواها الموافق والمخالف: «أَلَا إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هَبَطَ بِهِ آدَمُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَجَمِيعَ مَا فُضِّلَتْ بِهِ النَّبِيُّونَ إِلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ فِي عِتْرَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ، بَلْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ يَا مَنْ نُسِخَ مِنْ أَصْلَابِ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ هَذَا مَثَلُهَا فِيكُمْ، فَكَمَا نَجَا فِي هَاتِيكَ مَنْ نَجَا فَكَذَلِكَ يَنْجُو مِنْ هَذِهِ مَنْ يَنْجُو، وَيْلٌ لِمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ - يَعْنِي عَنِ الْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) -»(١٤٨)،(١٤٩).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٤٨) تفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ١٠٢ و١٠٣/ ح ٣٠٠)، الإرشاد (ج ١/ ص ٢٣٢ و٢٣٣)، الاحتجاج (ج ١/ ص ٣٩١).
(١٤٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢/ ص ١٠٤): ((فأين يُتاه بكم) من التيه بمعنى التحيُّر والضلال، أي أين يذهب الشيطان أو الناس بكم متحيِّرين؟ (بل أين تذهبون) إضراب عمَّا يُفهَم سابقاً من أنَّ الداعي لهم على ذلك غيرهم، وأنَّهم مجبورون على ذلك، أي بل أنتم باختياركم تذهبون عن الحقِّ إلى الباطل. (يا من نُسِخَ من أصلاب أصحاب السفينة) النسخ: الإزالة والتغيير، أي كنتم في أصلاب من ركب سفينة نوح فأُنزلتم عن تلك الأصلاب فاعتبروا بحال أجدادكم وتفكَّروا في كيفيَّة نجاتهم فإنَّ مثل أهل البيت كمثل سفينة نوح).

↑صفحة ٥٠↑

وَقَالَ: «إِنَّ مَثَلَنَا فِيكُمْ كَمَثَلِ الْكَهْفِ لِأَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَكَبَابِ حِطَّةٍ، وَهُوَ بَابُ السِّلْمِ، فَادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً».
وَقَالَ (عليه السلام) فِي خُطْبَتِهِ هَذِهِ: «وَلَقَدْ عَلِمَ المُسْتَحْفَظُونَ(١٥٠) مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي وَأَهْلَ بَيْتِي مُطَهَّرُونَ فَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلَا تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ فَتَزِلُّوا(١٥١)، وَلَا تُخَالِفُوهُمْ فَتَجْهَلُوا، وَلَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ صِغَاراً، وَأَعْلَمُ النَّاسِ كِبَاراً، فَاتَّبِعُوا الْحَقَّ وَأَهْلَهُ حَيْثُمَا كَانَ، وَزَايِلُوا الْبَاطِلَ وَأَهْلَهُ حَيْثُمَا كَانَ»(١٥٢).
فترك الناس من هذه صفتهم، وهذا المدح فيهم، وهذا الندب إليهم، وضربوا عنهم صفحاً(١٥٣)، وطووا دونهم كشحاً، واتَّخذوا أمر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هزواً، وجعلوا كلامه لغواً، فرفضوا مَنْ فرض الله تعالى على لسان نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طاعته ومسألته والاقتباس منه بقوله: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]، وقوله: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، ودلَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على النجاة في التمسُّك به، والعمل بقوله، والتسليم لأمره، والتعليم منه، والاستضاءة بنوره، فادَّعوا(١٥٤) ذلك لسواهم، وعدلوا عنهم إلى غيرهم، ورضوا به بدلاً منهم، وقد أبعدهم الله عن العلم،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥٠) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢٣/ ص ١٣٠): (المستحفَظون - بفتح الفاء -: أي الذين استودعهم الرسول الأحاديث وطلب منهم حفظها، وأوصاهم بتبليغها. وفي القاموس: استحفظه إيَّاه: سأله أنْ يحفظه. ومنهم من قرأ بكسر الفاء، أي الذين حفظوا الأحاديث طالبين لها. والأوَّل أظهر).
(١٥١) كذا، ويمكن أنْ يكون: (فتذلُّوا)، والأوَّل من الزلَّة.
(١٥٢) راجع: المسترشد (ص ٣٩٩ - ٤٠١/ ح ١٣٣).
(١٥٣) في بعض النُّسَخ: (وانصرفوا عنهم صفحاً).
(١٥٤) في بعض النُّسَخ: (وادَّعوا).

↑صفحة ٥١↑

وتأوَّل كلٌّ لنفسه هواه، وزعموا أنَّهم استغنوا بعقولهم وقياساتهم وآرائهم عن الأئمَّة (عليهم السلام) الذين نصبهم الله لخلقه هداة، فوكلهم الله (عزَّ وجلَّ) بمخالفتهم أمره، وعدولهم عن اختياره وطاعته، وطاعة مَن اختاره لنفسه، فولَّاهم إلى اختيارهم وآرائهم وعقولهم، فتاهوا وضلُّوا ضلالاً بعيداً، وهلكوا وأهلكوا، وهم عند أنفسهم كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [الكهف: ١٠٣ و١٠٤]، حتَّى كأنَّ الناس ما سمعوا قول الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه حكايةً لقول الظالمين من هذه الأُمَّة في يوم القيامة عند ندمهم على فعلهم بعترة نبيِّهم وكتاب ربِّهم حيث يقول: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً﴾ [الفرقان: ٢٧ و٢٨]، فمن الرسول إلَّا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ ومن فلان هذا المكنَّى عن اسمه المذموم وخلَّته ومصاحبته ومرافقته في الاجتماع معه على الظلم؟
ثمّ قال: ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾ [الفرقان: ٢٩]، أي بعد الدخول في الإسلام والإقرار به، فما هذا الذكر الذي أضلَّه خليله عنه بعد إذ جاءه؟ أليس هو القرآن والعترة اللذين وقع التوازر والتظافر على الظلم بهم والنبذ لهما؟ فقد سمَّى الله تعالى رسوله ذكراً فقال: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً﴾ [الطلاق: ١٠ و١١]، وقال: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]، فمن الذكر هاهنا إلَّا الرسول؟ ومن أهل الذكر إلَّا أهل بيته الذين هم محلُّ العلم؟
ثمّ قال (عزَّ وجلَّ): ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾ [الفرقان: ٢٩]، فجعل مصاحبة خليله - الذي أضلَّه عن الذكر في دار الدنيا وخذله في الآخرة ولم تنفعه خلَّته ومصاحبته إيَّاه حين تبرَّأ كلُّ واحدٍ من صاحبه - مصاحبة الشيطان.

↑صفحة ٥٢↑

ثمّ قال (عزَّ وجلَّ من قائل) حكايةً لما يقوله النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم القيامة عند ذلك: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ [الفرقان: ٣٠]، أي اتَّخذوا هذا القرآن الذي أمرتهم بالتمسُّك به وبأهل بيتي، وألَّا يتفرَّقوا عنهما مهجوراً.
أليس هذا الخطاب كلُّه والذمُّ بأسره للقوم الذين نُزِّل القرآن على لسان الرسول إليهم، وإلى الخلق ممَّن سواهم، وهم الظالمون من هذه الأُمَّة لعترة نبيِّهم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، النابذون لكتاب الله، الذين يشهد عليهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم القيامة بأنَّهم نبذوا قوله في التمسُّك بالقرآن والعترة وهجروهما، واتَّبعوا أهواءهم، وآثروا عاجل الأمر والنهي، وزهرة الحياة الدنيا على دينهم شكًّا في محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما جاء به، وحسداً لأهل بيت نبيِّه (عليهم السلام) لما فضَّلهم الله به؟
أوَليس قد روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما لا يُنكِره أصحاب الحديث ممَّا هو موافق لما أنزله الله تعالى من هذه الآيات قوله: «إِنَّ قَوْماً مِنْ أَصْحَابِي يَخْتَلِجُونَ(١٥٥) دُونِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ذَاتِ الْيَمِينِ إِلَى ذَاتِ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي - وفي بعض الحديث: أَصْحَابِي أَصْحَابِي -، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: بُعْداً بُعْداً، سُحْقاً سُحْقاً(١٥٦)»(١٥٧)؟
ويُصدِّق ذلك ويشهد به قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥٥) قال ابن الأثير في النهاية (ج ٢/ ص ٥٩): («ليردنَّ على الحوض أقوام ثمّ ليختلجنَّ دوني» أي يجتذبون ويقتطعون).
(١٥٦) قال ابن الأثير في النهاية (ج ٢/ ص ٣٤٧): (في حديث الحوض: «فأقول لهم: سحقاً سحقاً» أي بعداً بعداً).
(١٥٧) رواه البخاري بألفاظ مختلفة في صحيحه (ج ١٠/ ص ١٧٣ و١٩٢ - ١٩٥/ ح ٥٨١٥ و٥٨٦٠ و٥٨٦٦ - ٥٨٦٩).

↑صفحة ٥٣↑

قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤]، وفي هذا القول(١٥٨) من الله (تبارك اسمه) أدلُّ دليل على أنَّ قوماً ينقلبون بعد مضيِّ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أعقابهم، وهم المخالفون أمر الله تعالى وأمر رسوله (عليه وآله السلام)، المفتونون الذين قال فيهم: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣]، يضاعف الله العذاب والخزي لهم، وأبعد وأسحق مَنْ ظلم آل محمّد (عليهم السلام)، وقطع ما أمر الله به أنْ يوصل فيهم ويدان بهم من مودَّتهم، والاقتداء بهم دون غيرهم، حيث يقول: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]، ويقول: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: ٣٥].
وليس بين الأُمَّة التي تستحي ولا تباهت(١٥٩)، وتزيغ(١٦٠) عن الكذب(١٦١) ولا تعاند، خلاف في أنَّ وصيَّ رسول الله أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يرشد الصحابة في كلِّ معضل ومشكل ولا يرشدونه إلى الحقِّ، ويهديهم ولا يهدي سواه، ويُفتقَر إليه ويستغني هو عن كافَّتهم، ويعلم العلم كلَّه ولا يعلمونه.
وقد فُعِلَ بفاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وعليها) ما دعاها إلى الوصيَّة بأنْ تُدفَن ليلاً ولا يُصلِّي عليها أحد من أُمَّة أبيها إلَّا من سمَّته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٥٨) في بعض النُّسَخ: (القرآن).
(١٥٩) أي لا تأتي بالبهتان والزور. في لسان العرب (ج ٢/ ص ١٣/ مادَّة بهت): (البُهْتانُ الباطلُ الذي يُتَحَيَّرُ من بُطْلانِه، وهو من البَهْتِ: التَّحَيُّر).
(١٦٠) في الصحاح للجوهري (ج ٤/ ص ١٣٢٠/ مادَّة زيغ): (الزيغ: الميل. وقد زاغ يزيغ. وزاغ البصر: أي كلَّ. وأزاغه عن الطريق: أي أماله. وزاغت الشمس: أي مالت).
(١٦١) في بعض النُّسَخ: (التي تستحي ولا تباهت ولا تزغ إلى الكذب).

↑صفحة ٥٤↑

فلو لم يكن في الإسلام مصيبةٌ ولا على أهله عارٌ ولا شنارٌ(١٦٢) ولا حجَّة فيه لمخالف لدين الإسلام إلَّا ما لحق فاطمة (عليها السلام) حتَّى مضت(١٦٣) غضبى على أُمَّة أبيها، ودعاها ما فُعِلَ بها إلى الوصيَّة بأنْ لا يُصلِّي عليها أحدٌ منهم فضلاً عمَّا سوى ذلك لكان عظيماً فظيعاً منبِّهاً لأهل الغفلة، إلَّا من قد طبع الله على قلبه وأعماه لا يُنكِر ذلك ولا يستعظمه ولا يراه شيئاً، بل يُزكِّي المضطهِد لها(١٦٤) إلى هذه الحالة، ويُفضِّله عليها وعلى بعلها وولدها، ويُعظِّم شأنه عليهم، ويرى أنَّ الذي فُعِلَ بها هو الحقُّ، ويعدُّه من محاسنه، وأنَّ الفاعل له بفعله إيَّاه من أفضل الأُمَّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحجّ: ٤٦].
فالعمى يستمرُّ على أعداء آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وظالميهم والموالين لهم إلى يوم الكشف الذي قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق: ٢٢]، و﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر: ٥٢].
ثمّ أعجب من هذا ادِّعاء هؤلاء الصمّ العمي أنَّه ليس في القرآن علم كلِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٢) في لسان العرب (ج ٤/ ص ٤٣٠/ مادَّة شنر): (الشَّنار: العيب والعار، وقيل: هو العيب الذي فيه عار، والشَّنار: أقبح العيب والعار). وفي بعض النُّسَخ: (ولا فيها شنار)، فالضمير المؤنَّث راجع إلى لفظ (المصيبة).
(١٦٣) في بعض النُّسَخ: (حتَّى قُبِضَت)، وفي بعضها: (لَـمَا قُبِضَت فاطمة (عليها السلام) غضبى على أُمَّة أبيها، ولَـمَا أوصت بأنْ لا يُصلِّي عليها أحد منهم فضلاً عمَّا سوى ذلك، وذلك منبِّه لأهل الغفلة).
(١٦٤) أي مؤذيها والقاهر لها. في لسان العرب (ج ٣/ ص ٢٦٦/ مادَّة ضهد): (ضهده يضهده ضهداً واضطهده، ظلمه وقهره. وأضهد به: جار عليه). والمضطهِد بصيغة الفاعل هو الذي قهر وآذى غيره.

↑صفحة ٥٥↑

شيء من صغير الفرائض وكبيرها، ودقيق الأحكام والسُّنَن وجليلها، وأنَّهم لـمَّا لم يجدوه فيه احتاجوا إلى القياس والاجتهاد في الرأي والعمل في الحكومة بهما، وافتروا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الكذب والزور بأنَّه أباحهم الاجتهاد، وأطلق لهم ما ادَّعوه عليه لقوله لمعاذ بن جبل(١٦٥)، والله يقول: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٨٩]، ويقول: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨]، ويقول: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ١٢]، ويقول: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً(١٦٦)﴾ [النبأ: ٢٩]، ويقول: قل: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأنعام: ٥٠]، ويقول: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ﴾ [المائدة: ٤٩]، فمن أنكر أنَّ شيئاً من أُمور الدنيا والآخرة وأحكام الدِّين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٥) روى أبو داود في سُنَنه (ج ٢/ ص ١٦٢/ ح ٣٥٩٢) مسنداً عن معاذ بن جبل أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لـمَّا بعثه إلى اليمن قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟»، قال: أقضي بكتاب الله، قال: «فإنْ لم تجد في كتاب الله؟»، قال: فبسُنَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «فإنْ لم تجد في سُنَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا في كتاب الله؟»، قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صدره وقال: «الحمد لله الذي وفَّق [رسول] رسول الله لما يُرضي من رسول الله».
وفي رواية قال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «فإنْ أشكل عليك أمر فسَلْ ولا تستحي، واستشر ثمّ اجتهد، فإنَّ الله إنْ يعلم منك الصدق يُوفِّقك، فإنِ التبس عليك فقف حتَّى تتبيَّنه أو تكتب إليَّ فيه، واحذر الهوى فإنَّه قائد الأشقياء إلى النار، وعليك بالرفق ». (المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك: ج ٤/ ص ٦ و٧).
قال الغفاري (رحمه الله): إنْ صحَّ هذا الكلام عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يدلُّ على مدَّعاهم، لاحتمال أنْ يكون المراد السعي والاجتهاد والفحص في تحصيل مدرك الحكم، بل هو الظاهر من قوله: «اجتهد» بعد قوله: «فسَلْ ولا تستحي واستشر»، فإنَّ من له قوَّة الاجتهاد بمعنى المتعارف لا يحتاج إلى السؤال والاستشارة، وهذا شأن المقلِّد دون المجتهد.
(١٦٦) أي مكتوباً في اللوح المحفوظ.

↑صفحة ٥٦↑

وفرائضه وسُنَنه وجميع ما يحتاج إليه أهل الشريعة ليس موجوداً في القرآن الذي قال الله تعالى فيه: ﴿تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، فهو رادٌّ على الله قوله، ومفتر على الله الكذب، وغير مصدِّق بكتابه.
ولعمري لقد صدقوا عن أنفسهم وأئمَّتهم الذين يقتدون بهم(١٦٧) في أنَّهم لا يجدون ذلك في القرآن، لأنَّهم ليسوا من أهله، ولا ممَّن أُوتي علمه، ولا جعل الله ولا رسوله لهم فيه نصيباً، بل خصَّ بالعلم كلِّه أهل بيت الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذين آتاهم العلم، ودلَّ عليهم، الذين أمر بمسألتهم(١٦٨)، ليدلُّوا على موضعه من الكتاب الذي هم خزنته(١٦٩) وورثته وتراجمته.
ولو امتثلوا أمر الله (عزَّ وجلَّ) في قوله: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ(١٧٠)﴾ [النساء: ٨٣]، وفي قوله: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]، لأوصلهم الله إلى نور الهدى، وعلَّمهم ما لم يكونوا يعلمون، وأغناهم عن القياس والاجتهاد بالرأي(١٧١)، وسقط الاختلاف الواقع في أحكام الدِّين الذي يدين به العباد، ويجيزونه بينهم، ويدَّعون على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الكذب أنَّه أطلقه وأجازه، والقرآن يحظره وينهى عنه حيث يقول (جلَّ وعزَّ): ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً﴾ [النساء: ٨٢]، ويقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٦٧) في بعض النُّسَخ: (الذين يفتنون بهم).
(١٦٨) في بعض النُّسَخ: (بتمسُّكهم).
(١٦٩) أي خزنة الكتاب وورثته، كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ (فاطر: ٣٢).
(١٧٠) أي يستخرجون تدبيره أو حكمه.
(١٧١) في بعض النُّسَخ: (في الرأي).

↑صفحة ٥٧↑

بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّناتُ﴾ [آل عمران: ١٠٥]، ويقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، وآيات الله في ذمِّ الاختلاف والفرقة أكثر من أنْ تُحصى، والاختلاف والفرقة في الدِّين هو الضلال، ويجيزونه ويدَّعون على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه أطلقه وأجازه افتراءً عليه، وكتاب الله (عزَّ وجلَّ) يحظره وينهى عنه بقوله: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا﴾.
فأيُّ بيان أوضح من هذا البيان؟ وأيُّ حجَّة للخلق على الله بعد هذا الإيضاح والإرشاد؟ نعوذ بالله من الخذلان، ومن أنْ يَكِلَنا إلى نفوسنا وعقولنا واجتهادنا وآرائنا في ديننا، ونسأله أنْ يُثبِّتنا على ما هدانا له(١٧٢)، ودلَّنا عليه، وأرشدنا إليه من دينه، والموالاة لأوليائه، والتمسُّك بهم، والأخذ عنهم، والعمل بما أمروا به، والانتهاء عمَّا نُهُوا عنه، حتَّى نلقاه (عزَّ وجلَّ) على ذلك، غير مبدِّلين ولا شاكِّين، ولا متقدِّمين لهم ولا متأخِّرين عنهم، فإنَّ من تقدَّم عليهم مرَق، ومن تخلَّف عنهم غرَق، ومن خالفهم مُحِقَ، ومن لزمهم لَحِقَ، وكذلك قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧٢) في بعض النُّسَخ: (أنْ يُثبِّتنا بالقول الثابت، ودلَّنا...) إلخ.

↑صفحة ٥٨↑

باب (٣): ما جاء في الإمامة والوصيَّة، وأنَّهما من الله (عزَّ وجلَّ) وباختياره، وأمانة يُؤدِّيها الإمام إلى الإمام بعده

↑صفحة ٥٩↑

[١٥/١] أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مستور الْأَشْجَعِيُّ(١٧٣) مِنْ كِتَابِهِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ الله الْحَلَبِيُّ(١٧٤)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) يَقُولُ - وَنَحْنُ عِنْدَهُ فِي الْبَيْتِ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ رَجُلاً - فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا وَقَالَ: «لَعَلَّكُمْ تَرَوْنَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي الْإِمَامَةِ إِلَى الرَّجُلِ مِنَّا يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، وَالله إِنَّهُ لَعَهْدٌ مِنَ الله نَزَلَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى رِجَالٍ مُسَمَّيْنَ رَجُلٍ فَرَجُلٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى صَاحِبِهَا»(١٧٥)،(١٧٦).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧٣) عدَّه الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٥/ ص ٢١٨/ الرقم ٢٦٨٠) من مشايخ أبي العبَّاس ابن عقدة.
(١٧٤) في بعض النُّسَخ: (محمّد بن عبد الله الحلبي)، وهو تصحيف.
(١٧٥) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٦/ ح ١٥٤)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٤٩٠/ ج ١٠/ باب ١)، وقرب الإسناد (ص ٣٥٢/ ح ١٢٦١)، والإمامة والتبصرة (ص ٣٧ و٣٨/ ح ١٨)، والكافي (ج ١/ ص ٢٧٧/ باب أنَّ الإمامة عهد من الله (عزَّ وجلَّ) معهود من واحد إلى واحد (عليهم السلام))، وكمال الدِّين (ص ٢٢٢/باب ٢٢/ح ١١).
(١٧٦) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٨٩ و٩٠): (أي ليس تعيين الوصيِّ موكولاً إلينا حتَّى نختار من نشاء، وما هو إلَّا إلى الله تعالى لأنَّ للإمام صفات باطنة لا يعلمها إلَّا هو...، وفيه ردٌّ على العامَّة حيث ذهبوا إلى أنَّ عقد الإمامة إمَّا باستخلاف المتولِّي كما فعل أبو بكر لعمر، أو بقول أهل الحلِّ والعقد كما لأبي بكر ويلزم سائر الناس حتَّى قال بعضهم: لا يلزم مباشرة كلَّ الناس، بل لو استخلف واحد واستقرَّ الأمر له وجب على جميع الناس متابعته...)، إلى أنْ قال: (وفيه دلالة على أنَّه لا يجتمع في عصر إمامان، وهو متَّفق عليه بين الخاصَّة والعامَّة، أمَّا عندنا فبالنصِّ وهو هذا وأمثاله، وأمَّا عندهم فإنَّهم لـمَّا لم يشترطوا العصمة في الإمام قالوا: لم يجز تعدُّده وإلَّا لوقع التشاجر والتنازع بينهما، ويوجب ذلك الهرج والمرج ويبطل الغرض من نصب الإمام وتعيينه، وفي رواياتهم أيضاً ما يدلُّ على ذلك...)، إلى أنْ قال: (العهد الميثاق والوصيَّة، وقد عهدت إليه: أي أوصيته، ومنه اُشْتُّقَ العهد الذي يُكتَب للولاة. قوله: «حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه) وهو مهديُّ هذه الأُمَّة الذي وقع الاتِّفاق على ظهوره بين الخاصَّة والعامَّة، إلَّا أنَّهم يقولون: سيُوجَد من نسل الحسين (عليه السلام)).

↑صفحة ٦١↑

[١٦/٢] وَأَخْبَرَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ اِبْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُعْفِيُّ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ جَمِيعاً، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ [النساء: ٥٨]، قَالَ: «هِيَ الْوَصِيَّةُ، يَدْفَعُهَا الرَّجُلُ مِنَّا إِلَى الرَّجُلِ»(١٧٧).
[١٧/٣] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ(١٧٨)، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «الْوَصِيَّةُ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كِتَاباً مَخْتُوماً(١٧٩)، وَلَمْ يُنْزَلْ عَلَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٧٧) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٨٦/ ح ١٨٣).
(١٧٨) يعني ابن فضَّال، وقد مرَّ ذكره في (ص ٢٠)، فراجع. وفي بعض النُّسَخ: (عليُّ بن الحسين) كما في الكافي، والظاهر تصحيفهما. وقد يُظَنُّ كون ما في الكافي عليُّ بن الحسين المسعودي صاحب (مروج الذهب)، ولكنَّه خطأ.
(١٧٩) أي مكتوباً بخطٍّ إلهي مشاهد من عالم الأمر، كما أنَّ جبرئيل (عليه السلام) كان ينزل عليه في صورة آدمي مشاهد من هناك. ولا يمكن لأحد أنْ يقرأ هذا الكتاب إلَّا من اختاره الله للنبوَّة أو الإمامة.

↑صفحة ٦٢↑

رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كِتَابٌ مَخْتُومٌ إِلَّا الْوَصِيَّةُ.
فَقَالَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام): يَا مُحَمَّدُ، هَذِهِ وَصِيَّتُكَ فِي أُمَّتِكَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِكَ(١٨٠).
فَقَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أَيُّ أَهْلِ بَيْتِي، يَا جَبْرَئِيلُ؟
فَقَالَ: نَجِيبُ الله مِنْهُمْ وَذُرِّيَّتُهُ(١٨١)، لِيُوَرِّثَكَ عِلْمَ النُّبُوَّةِ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ(١٨٢).
وَكَانَ عَلَيْهَا خَوَاتِيمُ، فَفَتَحَ عَلِيٌّ (عليه السلام) الْخَاتَمَ الْأَوَّلَ وَمَضَى لِمَا أُمِرَ فِيهِ(١٨٣)، ثُمَّ فَتَحَ الْحَسَنُ (عليه السلام) الْخَاتَمَ الثَّانِيَ وَمَضَى لِمَا أُمِرَ بِهِ، ثُمَّ فَتَحَ الْحُسَيْنُ (عليه السلام) الْخَاتَمَ الثَّالِثَ فَوَجَدَ فِيهِ: أَنْ قَاتِلْ وَاقْتُلْ وَتُقْتَلُ(١٨٤) وَاخْرُجْ بِقَوْمٍ لِلشَّهَادَةِ، لَا شَهَادَةَ لَهُمْ إِلَّا مَعَكَ، فَفَعَلَ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام) وَمَضَى، فَفَتَحَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخَاتَمَ الرَّابِعَ فَوَجَدَ فِيهِ: أَنْ أَطْرِقْ وَاصْمُتْ لِمَا حُجِبَ الْعِلْمُ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، فَفَتَحَ الْخَاتَمَ الْخَامِسَ فَوَجَدَ فِيهِ: أَنْ فَسِّرْ كِتَابَ الله تَعَالَى وَصَدِّقْ أَبَاكَ وَوَرِّثِ ابْنَكَ الْعِلْمَ وَاصْطَنِعِ الْأُمَّةَ، وَقُلِ الْحَقَّ فِي الْخَوْفِ وَالْأَمْنِ، وَلَا تَخْشَ إِلَّا اللهَ، فَفَعَلَ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ».
فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ كَثِيرٍ: فَقُلْتُ لَهُ: وَأَنْتَ هُوَ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٨٠) في الكافي: (عند أهل بيتك).
(١٨١) في بعض النُّسَخ: (وذرّيَّتك).
(١٨٢) كذا، وفي الكافي: (ليرثك علم النبوَّة كما ورثه إبراهيم (عليه السلام))، ولعلَّ (عليه السلام) زائد من النُّسَّاخ. والمراد بإبراهيم إبراهيم ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(١٨٣) على تضمين معنى الأداء ونحوه، أي مؤدِّياً لما أُمِرَ به فيه. والضمير المذكَّر باعتبار الكتاب، والمؤنَّث باعتبار لفظ (الوصيَّة).
(١٨٤) في بعض النُّسَخ: (أنْ قاتل إلى أنْ تُقتَل).

↑صفحة ٦٣↑

فَقَالَ: «مَا بِكَ فِي هَذَا إِلَّا أَنْ تَذْهَبَ - يَا مُعَاذُ - فَتَرْوِيَهُ عَنِّي(١٨٥)، نَعَمْ أَنَا هُوَ»، حَتَّى عَدَّدَ عَلَيَّ اثْنَيْ عَشَرَ اسْماً، ثُمَّ سَكَتَ، فَقُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟
فَقَالَ: «حَسْبُكَ»(١٨٦)،(١٨٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٨٥) أي ما بك بأس في إظهاري لك بأنِّي هو إلَّا مخافة أنْ تذهب وتروي ذلك عنِّي فأشتهر بذلك. وفي الكافي: (ما بي بأس)، وهو الأصوب. وفي نسخة: (فقال: شأنك في هذا إلَّا أنْ تذهب فتروي عنِّي).
(١٨٦) الكافي (ج ١/ ص ٢٧٩ و٢٨٠/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلَّا بعهد من الله (عزَّ وجلَّ).../ ح ١).
(١٨٧) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٩٢ - ٩٤): قوله: (كتاباً) حال عن فاعل (نزلت)، أو تمييز للنسبة. قوله: (لم ينزل على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتاب مختوم) الظاهر أنَّ النفي راجع إلى المقيَّد، أو إلى القيد والمقيَّد جميعاً لا إلى القيد فقط. قوله: (إلَّا الوصيَّة) أوصيت له بشيء وأوصيت إليه أيضاً إذا جعلته وصيَّك، وكذلك وصَّيته توصيةً، والوصية والوصاية اسمان في معنى المصدر، منه قوله تعالى: ﴿حِينَ الْوَصِيَّةِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، ثمّ سُمِّي الموصى به وصيَّة، ومنه قوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا﴾ [النساء: ١٢]. قوله: ( في أُمَّتك عند أهل بيتك) خبر بعد خبر، أو حال عن (الوصيَّة) على تقدير الجواب، والعامل معنى أُنبِّه أو أُشير. قوله: (أيُّ أهل بيتي) هذا السؤال مع علمه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بوصيَّته للاطمئنان، كما قال خليل الرحمن: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠]. قوله: (قال: نجيب الله منهم) أي من أهل بيتك، والنجيب الكريم السخي الفاضل البيِّن النجابة، وقد نجب ينجب نجابةً إذا كان فاضلاً نفيساً في نوعه، والمراد بها عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام). والفاعل في قوله: (ليرثك) ضمير يعود إليه...، قوله: (كما ورثه إبراهيم) من الأنبياء السابقين، والتشبيه باعتبار أنَّ وراثته كان أظهر وأشهر لا باعتبار أنَّها كانت أقوى وأكمل. قوله: (وميراثه لعليٍّ) أي ميراث علم النبوَّة، أو ميراث إبراهيم (عليه السلام)، وفيه تصريح بما رمز إليه أوَّلاً. قوله: (فوجد فيها أنْ قاتل فاقتل وتُقتَل) الأمر للحتم والوجوب كسائر الواجبات، فلا يرد ما يقول الجهلة من الناس من أنَّه (عليه السلام) كان يعلم بقتله وقتل أصحابه فلِمَ ارتكبه وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥]؟ ولم يعلموا أنَّ الإلقاء إليها لا يجوز إذا لم يكن بأمر الله تعالى، وأمَّا إذا كان بأمره فهو جائز، بل واجب، كما أنَّه لا يجوز لأحدنا الفرار عن الزحف مع ضعف العدوِّ وإنْ غلب الهلاك، ولا شبهة في أنَّ تكليفهم فوق تكليفنا، فإذا أوجب الله تعالى عليهم القتال مع أضعاف العدوِّ لمصلحة منها أنْ لا يكون للخلق حجَّة على الله يوم القيامة بعدم وجدانهم داعياً إليه، فلا محالة وجب عليهم الإقدام، ولا يجوز لهم القعود. قوله: (أنِ اصمت وأطرق) من أطرق الرجل إذا سكت فلم يتكلَّم، فالعطف للتفسير، أو من أطرق إذا أرخى عينيه ينظر إلى الأرض كما يفعله المهموم المتفكِّر، وهو كناية عن الإعراض عن الناس. قوله: (لما حُجِبَ العلم) لما بفتح اللَّام وشدِّ الميم أو بكسر اللَّام، وما مصدريَّة، وهو على التقديرين تعليل للسكوت، وعدم إفشاء علم الشرائع، ودعوة الخلق إليه، لعدم انتفاعهم به، ولقتلهم إيَّاه مثل أبيه (عليهما السلام). قوله: (واصطنع الأُمَّة) أي ربِّهم تربية وأحسن إليهم إحساناً وأخرجهم من الجهل إلى العلم ومن الظلمة إلى النور، من اصطنعته ربَّيته وأخرجته. قوله: (وقم بحقِّ الله (عزَّ وجلَّ)) أي قم بإظهاره متشمِّراً مجتهداً فيه من غير فتور ولا توانٍ، يقال: قام بالأمر إذا اجتهد فيه وتجلَّد. وحقيقة القيام بالشيء هي الانتصاب له، وهو يدلُّ على الاعتناء به، وهو يستلزم التشمُّر والاجتهاد فيه من غير فتور، فأطلق القيام على هذا اللازم مجازاً. قوله: (ولا تخشَ إلَّا الله) فيه وعد له بالعصمة من الناس، وبشارة له بالقرب والعلم، إذ لا يخشاه إلَّا المقرَّبون، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨]. قوله: (فقال: ما بي إلَّا أنْ تذهب فتروي عليَّ) أي ما بي بأس أو خوف إلَّا أنْ تذهب يا معاذ فتروي عليَّ هذا مسلِّطاً للأعداء عليَّ، وفيه مبالغة في التوصية له بحفظه عن غير أهله، وإنْ كان من خواصِّ أصحابه وأهل سرِّه، ويمكن أنْ يكون تأبى بالتاء المثنَّاة الفوقانيَّة).

↑صفحة ٦٤↑

[١٨/٤] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيُّ(١٨٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٨٨) هو محمّد بن أحمد بن خاقان النهدي حمدان القلانسي، وثَّقه أبو النضر العيَّاشي وقال: (كوفي فقيه ثقة خيِّر) كما في اختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٨٢/ ح ١٠١٤)، وضعَّفه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٤١/ الرقم ٩١٤) بقوله: (مضطرب).

↑صفحة ٦٥↑

الْوَلِيدِ(١٨٩)، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ(١٩٠)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «دَفَعَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام) صَحِيفَةً مَخْتُومَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ خَاتَماً، وَقَالَ لَهُ: فُضَّ(١٩١) الْأَوَّلَ وَاعْمَلْ بِهِ، وَادْفَعْ إِلَى الْحَسَنِ (عليه السلام) يَفُضُّ الثَّانِيَ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيَدْفَعُهَا إِلَى الْحُسَيْنِ (عليه السلام) يَفُضُّ الثَّالِثَ وَيَعْمَلُ بِمَا فِيهِ، ثُمَّ إِلَى وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ (عليهم السلام)».
[١٩/٥] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ اِبْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء: ٥٨].
قَالَ: «أَمَرَ اللهُ الْإِمَامَ مِنَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْإِمَامَةَ إِلَى الْإِمَامِ بَعْدَهُ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْوِيَهَا عَنْهُ(١٩٢)، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾؟ إِنَّهُم(١٩٣) الْحُكَّامُ، أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ خَاطَبَ بِهَا الْحُكَّامَ؟»(١٩٤).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٨٩) هو محمّد بن الوليد البجلي الخزَّاز، أبو جعفر الكوفي، ثقة، عين، نقيُّ الحديث، كما في رجال النجاشي (ص ٣٤٥/ الرقم ٩٣١).
(١٩٠) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٤٦/ الرقم ١٢٠٧): (يونس بن يعقوب بن قيس، أبو عليٍّ الجلَّاب البجلي الدهني، أُمُّه منية بنت عمَّار بن أبي معاوية الدهني أُخت معاوية ابن عمَّار. اختصَّ بأبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكان يتوكَّل لأبي الحسن (عليه السلام)، ومات بالمدينة في أيَّام الرضا (عليه السلام)، فتولَّى أمره. وكان حظيًّا عندهم، موثَّقاً).
(١٩١) في لسان العرب (ج ٧/ ص ٢٠٦ و٢٠٧/ مادَّة فضض): (فَضَضْتُ الشيءَ أَفُضُّه فَضًّا، فهو مَفْضُوضٌ وفَضِيضٌ: كسرتُه وفَرَّقْتُه...، وفَضَّ الخاتَمَ والخَتْمَ إِذا كَسره وفَتَحه).
(١٩٢) في لسان العرب (ج ١٤/ ص ٣٦٣ و٣٦٤/ مادَّة زوي): (الزَّيُّ: مصدر زَوى الشيءَ يَزْويه زَيًّا وزُوِيًّا فانْزَوى، نَحَّاه فتَنَحَّى...، زويت عنِّي: أي صرفته عنِّي وقبضته).
(١٩٣) في بعض النُّسَخ: (هم).
(١٩٤) راجع: بصائر الدرجات (ص ٤٩٥/ ج ١٠/ باب ٤)، والكافي (ج ١/ ص ٢٧٦/ باب أنَّ الإمام (عليه السلام) يعرف الإمام الذي يكون من بعده...).

↑صفحة ٦٦↑

[٢٠/٦] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ اِبْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَا وَالله لَا يَدَعُ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا وَلَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ إِلَى يَوْمِ تَقُومُ السَّاعَةُ».
[٢١/٧] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ عَلِيِّ اِبْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي المُفَضَّلُ بْنُ صَالِحٍ أَبُو جَمِيلَةَ، عَنْ أَبِي [عَبْدِ الله] عَبْدِ الرَّحْمَنِ(١٩٥)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اللهَ (جَلَّ اسْمُهُ) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى كُلِّ إِمَامٍ عَهْدَهُ وَمَا يَعْمَلُ بِهِ، وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ، فَيَفُضُّهُ وَيَعْمَلُ بِمَا فِيهِ».
وإنَّ في هذا - يا معشر الشيعة - لبلاغاً لقوم عابدين، وبياناً للمؤمنين، ومن أراد الله تعالى به الخير جعله من المصدِّقين المسلِّمين للأئمَّة الهادين بما منحهم الله من كرامته، وخصَّهم به من خيرته، وحباهم(١٩٦) به من خلافته على جميع بريَّته دون غيرهم من خلقه، إذ جعل طاعتهم طاعته بقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، وقوله: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾ [النساء: ٨٠]، فندب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الخلق إلى الأئمَّة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٩٥) كذا، والظاهر كونه عبد الرحمن بن الحجَّاج المكنَّى بأبي عبد الله، وروى أبو جميلة عنه في التهذيبين في غير مورد، فإنْ كان ما بين المعقوفتين زيادة من النُّسَاخ كما خُطَّ عليه في بعض النُّسَخ، فالظاهر كونه أبا عبد الرحمن الحذَّاء، لكن لم أعثر على رواية أبي جميلة عنه. وزاد في بعض النُّسَخ: (عن أبيه).
(١٩٦) في الصحاح للجوهري (ج ٦/ ص ٢٣٠٨/ مادَّة حبا): (حباه يحبوه: أي أعطاه. والحباء: العطاء).

↑صفحة ٦٧↑

من ذرّيَّته الذين أمرهم الله تعالى بطاعتهم، ودلَّهم عليهم، وأرشدهم إليهم، بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ الله، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الله، مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا».
وقال الله (عزَّ وجلَّ) محثًّا للخلق على طاعته(١٩٧)، ومحذِّراً لهم من عصيانه فيما يقوله ويأمر به: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣].
فلمَّا خولف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ونُبِذَ قوله، وعُصِيَ أمره فيهم (عليهم السلام)، واستبدُّوا بالأمر دونهم، وجحدوا حقَّهم، ومنعوا تراثهم، ووقع التمالؤ عليهم(١٩٨) بغياً وحسداً وظلماً وعدواناً، حقَّ على المخالفين أمره، والعاصين ذرّيَّته، وعلى التابعين لهم والراضين بفعلهم، ما توعَّدهم الله من الفتنة والعذاب الأليم، فعجَّل لهم الفتنة في الدِّين بالعمى عن سواء السبيل، والاختلاف في الأحكام والأهواء، والتشتُّت في الآراء، وخبط العشواء(١٩٩)، وأعدَّ لهم العذاب الأليم ليوم الحساب في المعاد.
وقد رأينا الله (عزَّ وجلَّ) ذكر في محكم كتابه ما عاقب به قوماً من خلقه حيث يقول: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧]، فجعل النفاق الذي أعقبهموه عقوبةً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١٩٧) كذا، والقياس: (محثًّا الخلق على طاعته). وفي الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٢٧٨/ مادَّة حثث): (حثَّه على الشيء واستحثَّه بمعنى، أي حضَّه عليه، فاحتثَّ).
(١٩٨) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٧٣/ مادَّة ملا): (تمالؤوا على الأمر: اجتمعوا عليه).
(١٩٩) في الصحاح للجوهري (ج ٣/ ص ١١٢١/ مادَّة خبط): (خبط البعير الأرض بيده خبطاً: ضربها. ومنه قيل: خبط عشواء، وهي الناقة التي في بصرها ضعف، تخبط إذا مشت، لا تتوقَّى شيئاً).

↑صفحة ٦٨↑

ومجازاةً على إخلافهم الوعد، وسمَّاهم منافقين(٢٠٠)، ثمّ قال في كتابه: ﴿إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: ١٤٥].
فإذا كانت هذه حال من أخلف الوعد في أنَّ عقابه النفاق المؤدِّي إلى الدرك الأسفل من النار، فماذا تكون حال من جاهر في الله (عزَّ وجلَّ) ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالخلاف عليهما، والردِّ لقولهما، والعصيان لأمرهما، والظلم والعناد لمن أمرهم الله بالطاعة لهم والتمسُّك بهم والكون معهم(٢٠١) حيث يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: ١١٩]؟ وهم الذين صدقوا ما عاهدوا الله (عزَّ وجلَّ) عليه من جهاد عدوِّه، وبذل أنفسهم في سبيله، ونصرة رسوله، وإعزاز دينه حيث يقول: ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب: ٢٣]، فشتَّان بين الصادق لله وعده، والموفي بعهده، والشاري نفسه له(٢٠٢)، والمجاهد في سبيله، والمعزِّ لدينه، الناصر لرسوله، وبين العاصي والمخالف رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والظالم عترته، ومن فعله أعظم من إخلاف الوعد المعقِّب للنفاق المؤدِّي إلى الدرك الأسفل من النار؟ نعوذ بالله منها.
وهذه (رحمكم الله) حال كلِّ من عدل عن واحد من الأئمَّة الذين اختارهم الله (عزَّ وجلَّ)، وجحد إمامته، وأقام غيره مقامه، وادَّعى الحقَّ لسواه، إذ كان أمر الوصيَّة والإمامة بعهد من الله تعالى وباختياره لا من خلقه ولا باختيارهم، فمن اختار غير مختار الله، وخالف أمر الله سبحانه، ورد مورد الظالمين والمنافقين

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٠٠) في بعض النُّسَخ: (وسمَّاه نفاقاً).
(٢٠١) في بعض النُّسَخ: (لمن أمره الله بالطاعة له والتمسُّك به والكون معه).
(٢٠٢) إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله﴾ (البقرة: ٢٠٧).

↑صفحة ٦٩↑

الحالِّين في ناره بحيث وصفهم الله (عزَّ وجلَّ)، نعوذ بالله من خلافه وسخطه، وغضبه وعذابه، ونسأله التثبُّت على ما وهب لنا، وألَّا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا برحمته ورأفته(٢٠٣).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٠٣) في بعض النُّسَخ: (وعطفه).

↑صفحة ٧٠↑

باب (٤): ما روي في أنَّ الأئمَّة اثنا عشر إماماً(٢٠٤)، وأنَّهم من الله وباختياره

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٠٤) في بعض النُّسَخ: (اثنا عشر إماماً، وذكر ما يدلُّ عليه من القرآن والتوراة من ذلك).

↑صفحة ٧١↑

[٢٢/١] أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ أَبِي هَرَاسَةَ الْبَاهِلِيُّ(٢٠٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِين وَمِائَتَيْنِ(٢٠٦)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ سَنَةَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ، عَنِ المُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، يَرْفَعُهُ، قَالَ: أَتَى جَبْرَئِيلُ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يَأْمُرُكَ أَنْ تُزَوِّجَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ أَخِيكَ».
فَأَرْسَلَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ، إِنِّي مُزَوِّجُكَ فَاطِمَةَ ابْنَتِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، وَأَحَبَّهُنَّ إِلَيَّ بَعْدَكَ، وَكَائِنٌ مِنْكُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالشُّهَدَاءُ المُضَرَّجُونَ(٢٠٧) المَقْهُورُونَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِي، وَالنُّجَبَاءُ الزُّهْرُ الَّذِينَ يُطْفِئُ اللهُ بِهِمُ الظُّلْمَ، وَيُحْيِي بِهِمُ الْحَقَّ، وَيُمِيتُ بِهِمُ الْبَاطِلَ، عِدَّتُهُمْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٠٥) عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٠٩ و٤١٠/ الرقم ٥٩٥٠/٣١) فيمن لم يرو عن واحد من الأئمَّة (عليهم السلام)، قائلاً: (أحمد بن نصر بن سعيد الباهلي، المعروف بابن أبي هراسة، يُلقَّب أبوه هوذة، سمع منه التلعكبري سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وله منه إجازة، مات في ذي الحجَّة سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة يوم التروية بجسر النهروان، ودُفِنَ بها).
وقال الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٥/ ص ٣٩١/ الرقم ٢٩٤٦): (أحمد بن نصر بن سعيد، أبو سليمان النهرواني، ويُعرَف بابن أبي هراسة، حدَّث عن إبراهيم بن إسحاق الأحمدي، شيخ من شيوخ الشيعة).
(٢٠٦) في بعض النُّسَخ: (ثلاث وتسعين ومائتين).
(٢٠٧) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٣٢٦/ مادَّة ضرج): (تضرَّج بالدم: أي تلطَّخ...، وضرَّجت الثوب تضريجاً، إذا صبغته بالحمرة)، والمراد: الملطَّخون بدمائهم.

↑صفحة ٧٣↑

عِدَّةُ أَشْهُرِ السَّنَةِ، آخِرُهُمْ يُصَلِّي عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) خَلْفَهُ»(٢٠٨).
[٢٣/٢] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ المَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ(٢٠٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)(٢١٠)، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: «أَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ) ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ (رضي الله عنه)، فَدَخَلَ المَسْجِدَ الْحَرَامَ فَجَلَسَ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْأَةِ وَاللِّبَاسِ، فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ.
قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِنْسَانِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ؟ وَعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَيَنْسَى؟ وَعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ وَالْأَخْوَالَ؟
فَالْتَفَتَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِلَى الْحَسَنِ وَقَالَ: أَجِبْهُ، يَا أَبَا مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) لِلرَّجُلِ: أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ عَنْ أَمْرِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ، فَإِنَّ رُوحَهُ مُعَلَّقَةٌ بِالرِّيحِ، وَالرِّيحُ بِالْهَوَاءِ مُعَلَّقَةٌ إِلَى وَقْتِ مَا يَتَحَرَّكُ صَاحِبُهَا بِالْيَقَظَةِ(٢١١)، فَإِذَا(٢١٢) أَذِنَ اللهُ تَعَالَى بِرَدِّ تِلْكَ الرُّوحِ عَلَى ذَلِكَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٠٨) مقتضب الأثر (ص ٢٩).
(٢٠٩) محمّد بن جعفر القرشي كما صرَّح به المؤلِّف (رحمه الله) في باب من ادَّعى الإمامة، هو محمّد بن جعفر الأسدي، يُكنَّى أبا الحسين الرازي، كان أحد الأبواب، كما في رجال الطوسي (رحمه الله) (ص ٤٣٩/ الرقم ٦٢٧٨/٢٨).
(٢١٠) يعني به أبا جعفر الثاني الجواد (عليه السلام).
(٢١١) في بعض النُّسَخ: (لليقظة).
(٢١٢) في بعض النُّسَخ: (فإنَّ).

↑صفحة ٧٤↑

الْبَدَنِ(٢١٣) جَذَبَتْ تِلْكَ الرُّوحُ الرِّيحَ، وَجَذَبَتِ الرِّيحُ الْهَوَاءَ فَاسْتَكَنَتْ فِي بَدَنِ صَاحِبِهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ اللهُ بِرَدِّ تِلْكَ الرُّوحِ عَلَى ذَلِكَ الْبَدَنِ جَذَبَ(٢١٤) الْهَوَاءُ الرِّيحَ، وَجَذَبَتِ الرِّيحُ الرُّوحَ، فَلَا تُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا إِلَى وَقْتِ مَا يُبْعَثُ(٢١٥).
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ الذُّكْرِ وَالنِّسْيَانِ، فَإِنَّ قَلْبَ الْإِنْسَانِ فِي حُقٍّ، وَعَلَى الْحُقِّ طَبَقٌ، فَإِذَا هُوَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَاةً تَامَّةً انْكَشَفَ ذَلِكَ الطَّبَقُ عَنْ ذَلِكَ الْحُقِّ فَأَضَاءَ الْقَلْبُ وَذَكَرَ الرَّجُلُ مَا نَسِيَ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَوِ انْتَقَصَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَأَغْضَى عَنْ بَعْضِهَا(٢١٦) انْطَبَقَ ذَلِكَ الطَّبَقُ عَلَى الْحُقِّ فَأَظْلَمَ الْقَلْبُ وَسَهَا الرَّجُلُ وَنَسِيَ مَا كَانَ يَذْكُرُهُ(٢١٧).
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ المَوْلُودِ يُشْبِهُ الْأَعْمَامَ وَالْأَخْوَالَ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَتَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢١٣) في بعض النُّسَخ: (على بدن صاحبها).
(٢١٤) في بعض النُّسَخ: (جذبت ذلك).
(٢١٥) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٨/ ص ٣٨): ((فإنَّ روحه متعلِّقة بالريح) يحتمل أنْ يكون المراد بالروح الروح الحيوانيَّة، وبالريح النفس، وبالهواء الهواء الخارج المنجذب بالنفس، وأنْ يكون المراد بالروح النفس، مجرَّدة كانت أم مادّيَّة، وبالريح الروح الحيوانيَّة لشباهتها بالريح في لطافتها وتحرُّكها ونفوذها في مجاري البدن، وبالهواء النفس).
(٢١٦) أي سكت عن: (وآله)، من الإغضاء، في لسان العرب (ج ٧/ ص ١٩٧ و١٩٨/ مادَّة غضض): (غَضَّ طَرْفَه وبَصره يَغُضُّه غَضًّا...: كفَّه وخَفَضَه وكسره...، وغَضَّ منه يَغُضُّ أي وَضَعَ ونَقَصَ من قدره. وغَضَّه يَغُضُّه غَضًّا: نَقَصَه).
(٢١٧) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٧/ ص ٣٥٩): (فيه دلالة على أنَّ الصلوات على النبيِّ وآله (صلوات الله عليهم) والتوسُّل بهم سبب لإدراك الحقِّ وانكشافه على القلب، وتركها سبب لعدم إدراكه ونسيانه، وفي الأخبار تصريح بأنَّ العلوم الحقَّة كلَّها من جهة حضرته المقدَّسة).

↑صفحة ٧٥↑

أَهْلَهُ فَجَامَعَهَا بِقَلْبٍ سَاكِنٍ وَعُرُوقٍ هَادِئَةٍ(٢١٨) وَبَدَنٍ غَيْرِ مُضْطَرِبٍ اسْتَكَنَتْ تِلْكَ النُّطْفَةُ فِي جَوْفِ الرَّحِمِ فَخَرَجَ المَوْلُودُ يُشْبِهُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، وَإِنْ هُوَ أَتَى زَوْجَتَهُ بِقَلْبٍ غَيْرِ سَاكِنٍ وَعُرُوقٍ غَيْرِ هَادِئَةٍ وَبَدَنٍ مُضْطَرِبٍ اضْطَرَبَتْ تِلْكَ النُّطْفَةُ فَوَقَعَتْ فِي حَالِ اضْطِرَابِهَا عَلَى بَعْضِ الْعُرُوقِ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِ الْأَعْمَامِ أَشْبَهَ المَوْلُودُ أَعْمَامَهُ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِ الْأَخْوَالِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا وَأَقُولُهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا وَأَقُولُهَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) -، وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ، وَلَمْ أَزَلْ أَقُولُهَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْحَسَنِ (عليه السلام) -، وَأَشْهَدُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ وَصِيُّهُ وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ، وَلَمْ أَزَلْ أَقُولُهَا، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى جَعْفَرٍ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى(٢١٩)، وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ لَا يُسَمَّى وَلَا يُكَنَّى حَتَّى يُظْهِرَ اللهُ أَمْرَهُ، وَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ قَامَ فَمَضَى.
فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ لِلْحَسَنِ (عليهما السلام): يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، اتَّبِعْهُ فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢١٨) الهادئة: الساكنة غير مضطربة، في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٨٢/ مادَّة هدأ): (هدأ هدءاً وهدوءاً: سكن. وأهدأه: سكَّنه، يقال: هدَّأت الصبيَّ، إذا جعلت تضرب عليه بكفِّك وتُسكِّنه لينام، وأهدأته إهداءً).
(٢١٩) في بعض النُّسَخ: (أنَّه وليُّ موسى).

↑صفحة ٧٦↑

قَالَ: فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ، فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجَ المَسْجِدِ حَتَّى مَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَأَعْلَمْتُهُ.
فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، تَعْرِفُهُ؟
قُلْتُ: لَا، وَاللهُ وَرَسُولُهُ وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ.
فَقَالَ: هُوَ الْخَضِرُ (عليه السلام)»(٢٢٠).
[٢٤/٣] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ رِجَالِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الله مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحَرِيشِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ(٢٢١)، وَإِنَّهُ يُنْزَلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَمْرُ السَّنَةِ، وَمَا قُضِيَ فِيهَا، وَلِذَلِكَ الْأَمْرِ وُلَاةٌ بَعْدَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ هُمْ، يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟
فَقَالَ: «أَنَا وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ صُلْبِي، أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ(٢٢٢)»(٢٢٣).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٢٠) راجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٠٦ - ١٠٨/ ح ٩٣)، والكافي (ج ١/ ص ٥٢٥ و٥٢٥/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ١)، وإثبات الوصيَّة (ص ١٦٠ - ١٦٢)، وكمال الدِّين (ص ٣١٣ - ٣١٥/ باب ٢٩/ ح ١)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ٩٦ - ٩٨/ باب ٨٥/ ح ٦)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٦٧ - ٦٩/ ح ٣٥)، ودلائل الإمامة (ص ١٧٤ - ١٧٦/ ح ٩٥/٢٦)، والغيبة للطوسي (ص ١٥٤ و١٥٥/ ح ١١٤).
(٢٢١) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٣/ ص ٧٧): (لا خلاف بين الإماميَّة في أنَّ ليلة القدر وفضلها باقية بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى انقراض الدنيا، وفي كلٍّ منها يكون تنزل الملائكة والروح، وإليه ذهب أكثر العامَّة).
(٢٢٢) المحدَّث بصيغة اسم المفعول، من أُلقي في روعه.
(٢٢٣) الكافي (ج ١/ ص ٢٤٧/ باب في شأن إنَّا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها/ ح ٢، وص ٥٣٢ و٥٣٣/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ١١)؛ وراجع: الخصال (ص ٤٧٩ و٤٨٠/ ح ٤٧)، وكمال الدِّين (ص ٣٠٤ و٣٠٥/ باب ٢٦/ ح ١٩)، وكفاية الأثر (ص ٢٢٠ و٢٢١)، ومقتضب الأثر (ص ٢٩ و٣٠)، والإرشاد (ج ٢/ ص ٣٤٦)، والاستنصار (ص ١٣ و١٤)، والغيبة للطوسي (ص ١٤١ و١٤٢/ ح ١٠٦).

↑صفحة ٧٧↑

[٢٥/٤] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الله(٢٢٤) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَابُوسَ(٢٢٥)، عَنْ مَنْصُورِ اِبْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ المُسْتَرِقِّ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ المُغِيرَةِ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيًّا (عليه السلام) ذَاتَ يَوْمٍ، فَوَجَدْتُهُ مُفَكِّراً يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، تَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، أَرَغْبَةً مِنْكَ فِيهَا؟
فَقَالَ: «لَا، وَالله مَا رَغِبْتُ فِيهَا وَلَا فِي الدُّنْيَا سَاعَةً قَطُّ(٢٢٦)، وَلَكِنَّ فِكْرِي فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِي(٢٢٧)، هُوَ المَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، تَكُونُ لَهُ حَيْرَةٌ وَغَيْبَةٌ يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ».
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَكَمْ تَكُونُ تِلْكَ الْحَيْرَةُ وَالْغَيْبَةُ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٢٤) في بعض النُّسَخ: (أحمد).
(٢٢٥) كذا في النُّسَخ، لكن في الكافي: (عن منذر بن محمّد بن قابوس)، والظاهر أنَّه هو الصواب، لأنَّ في اختيار معرفة الرجال: (محمّد بن مسعود - يعني العيَّاشي -، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمّد بن خالد، قال: حدَّثنا منذر بن قابوس، وكان ثقةً...) إلخ.
(٢٢٦) في بعض النُّسَخ: (يوماً قطُّ).
(٢٢٧) في بعض نُّسَخ الحديث: (يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي)، فيحتاج إلى التوجيه والتكلُّف، بأنْ يقال: (من ولدي) نعت (مولود)، و(ظهر الحادي عشر) أي الإمام الحادي عشر، كما في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٤٣).

↑صفحة ٧٨↑

فَقَالَ: «سَبْتٌ مِنَ الدَّهْرِ(٢٢٨)».
فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟
فَقَالَ: «نَعَمْ، كَمَا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ».
قُلْتُ: أُدْرِكُ ذَلِكَ الزَّمَانَ؟
فَقَالَ: «أَنَّى لَكَ يَا أَصْبَغُ بِهَذَا الْأَمْرِ؟ أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ أَبْرَارِ هَذِهِ الْعِتْرَةِ».
فَقُلْتُ: ثُمَّ مَا ذَا يَكُونُ(٢٢٩) بَعْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: «ثُمَّ يَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ، فَإِنَّ لَهُ إِرَادَاتٍ وَغَايَاتٍ وَنِهَايَاتٍ(٢٣٠)»(٢٣١)،(٢٣٢).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٢٨) كذا، وفي الكافي: (فقال: ستَّة أيَّام، أو ستَّة أشهر، أو ستُّ سنين)، وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ١١٩): (لعلَّه مبنيٌّ على وقوع البداء فيه، ولذا ردَّد (عليه السلام) بين أُمور، وأشار إليه في آخر الخبر. ويمكن أنْ يقال: إنَّ السائل سأل عن الغيبة والحيرة معاً، فأجاب (عليه السلام) بأنَّ زمان مجموعهما أحد الأزمنة المذكورة وبعد ذلك تُرفَع الحيرة وتبقى الغيبة، فالترديد باعتبار اختلاف مراتب الحيرة إلى أنِ استقرَّ أمره (عليه السلام) في الغيبة. وقيل: المراد أنَّ آحاد زمان الغيبة هذا المقدار).
(٢٢٩) في بعض النُّسَخ: (قلت: نعم، ما يكون؟).
(٢٣٠) في الكافي: (فإنَّ له بداءات...) إلخ، قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٤٤): (أي يظهر من الله فيه (عليه السلام) أُمور بدائيَّة في امتداد غيبته وزمان ظهوره، ولا يظهر للخلق المحتوم من ذلك للمصالح الجليلة التي سيأتي ذكر بعضها).
(٢٣١) الكافي (ج ١ / ص ٣٣٨/ باب في الغيبة/ ح ٧)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٢٠ و١٢١/ ح ١١٥)، والهداية الكبرى (ص ٣٦٢)، وإثبات الوصيَّة (ص ٢٦٥ و٢٦٦ و٢٧٠)، وكمال الدِّين (ص ٢٢٨ و٢٢٩/ باب ٢٦/ ح ١)، وكفاية الأثر (ص ٢١٩ و٢٢٠)، ودلائل الإمامة (ص ٥٢٩ و٥٣٠/ ح ٥٠٤/١٠٨)، والاختصاص (ص ٢٠٩)، وتقريب المعارف (ص ٤٢٩)، والغيبة للطوسي (ص ١٦٤ - ١٦٦/ ح ١٢٧).
(٢٣٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٤٢ - ٤٤): (في النهاية: فيه: «بينا هو ينكت إذ انتبه» أي يُفكِّر ويُحدِّث نفسه. وأصله من النكت بالحصى، ونكت الأرض بالقضيب، وهو أنْ يُؤثِّر فيها بطرفه، فعل المفكَّر المهموم، ومنه الحديث: فجعل ينكت بقضيب، أي يضرب الأرض بطرفه، انتهى.
(أرغبة): أي تنكت لرغبة، وضمير (فيها) راجع إلى الأرض، ومعلوم أنَّه ليس هذا الفعل لرغبة في نفس الأرض، بل المعنى أنَّ اهتمامك وتفكُّرك لأنْ تملك الأرض وتصير والياً فيها، ويحتمل إرجاع الضمير إلى الخلافة، وربَّما يُحمَل الكلام على المطايبة...، العدل والقسط متقاربان، وكذا الظلم والجور، فالعطف فيهما للتفسير والتأكيد، والعدل نقيض الظلم، والقسط الإنصاف، وهو ضدُّ الجور. (له حيرة): لعلَّ المراد بها التحيُّر في المساكن، وأنَّه كلَّ زمان في بلدة وناحية. (يضلُّ فيها): أي في الغيبة والحيرة، وضلالتهم إنكارهم لوجود الإمام ورجوعهم عن مذهب الإماميَّة...، (كما أنَّه): أي هذا الأمر وهو الغيبة، (مخلوق): أي مقدَّر، أو الضمير راجع إلى المهدي (عليه السلام)، أي كما أنَّ خلقه محتوم فكذا غيبته. (وأنَّى لك بهذا الأمر) استفهام إنكار، وهو بمعنى أين أو بمعنى كيف، والباء زائدة، نحو: ﴿كَفَى بِالله شَهِيداً﴾ [النساء: ٧٩]، بقرينة ﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى﴾ [الدخان: ١٣]، والحاصل أنَّك لا تُدرِك هذا الأمر. (أُولئك): أي أنصار القائم (عليه السلام) أو رعيَّته الثابتون على القول بإمامته في غيبته، (مع خيار أبرار هذه العترة): أي أشارف أولاد الرسول وخيارهم، والجمعيَّة لعلَّها إشارة إلى رجعة سائر الأئمَّة (عليهم السلام)، وفي غيبة الطوسي والإكمال ليس لفظ (الخيار) في الأخير، وهو أظهر، وقيل: خيار هذه الأُمَّة إشارة إلى المؤمنين الراجعين في الرجعة، وخيار الأبرار إلى الأحياء الذين ينصرون أبرار العترة. (ثمّ ما يكون بعد ذلك): أي بعد وقوع الغيبة هل تُرفَع أم لا؟...، و(إرادات) في الإظهار والإخفاء والغيبة والظهور، (وغايات): أي علل ومنافع ومصالح في تلك الأُمور، (ونهايات) مختلفة لغيبته وظهوره بحسب ما يظهر للخلق من ذلك بسبب البداء).

↑صفحة ٧٩↑

[٢٦/٥] وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُمِّيُّ أَبُو الْقَاسِمِ(٢٣٣) بِشِيرَازَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الله الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٣٣) هو ابن بنت سعد بن عبد الله الأشعري، وكان يسكن شيراز، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٠٧/ الرقم ١٠٧٩): (ثقة من أصحابنا، له كتاب الكمال في أبواب الشريعة).

↑صفحة ٨٠↑

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، قَالَ: «قَالَ أَبِي لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الْأَنْصَارِيِّ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَمَتَى يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فِيهَا فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا؟
قَالَ جَابِرٌ: فِي أَيِّ الْأَوْقَاتِ أَحْبَبْتَ.
فَخَلَا بِهِ أَبِي يَوْماً، فَقَالَ لَهُ: يَا جَابِرُ، أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّوْحِ الَّذِي رَأَيْتَهُ بِيَدِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمَا)، وعَمَّا أَخْبَرَتْكَ أُمِّي فَاطِمَةُ بِهِ مِمَّا فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ مَكْتُوبٌ.
فَقَالَ جَابِرٌ: أُشْهِدُ اللهَ لَا شَرِيكَ لَهُ أَنِّي دَخَلْتُ عَلَى أُمِّكَ فَاطِمَةَ (عليها السلام) فِي حَيَاةِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَهَنَّيْتُهَا بِوِلَادَةِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَرَأَيْتُ فِي يَدِهَا لَوْحاً أَخْضَرَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ زُمُرُّدٍ، وَرَأَيْتُ فِيهِ كِتَابَةً بَيْضَاءَ شَبِيهَةً بِنُورِ الشَّمْسِ(٢٣٤)، فَقُلْتُ لَهَا: بِأَبِي أَنْتِ وَأُمِّي، مَا هَذَا اللَّوْحُ؟
فَقَالَتْ: هَذَا لَوْحٌ أَهْدَاهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَى رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فِيهِ اسْمُ أَبِي، وَاسْمُ بَعْلِي(٢٣٥)، وَاسْمُ وَلَدَيَّ، وَاسْمُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي، أَعْطَانِيهِ أَبِي لِيُبَشِّرَنِي بِذَلِكَ(٢٣٦).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٣٤) قال الفيض (رحمه الله) في الشافي (ج ١/ ص ٣٠٩): (كأنَّه من عالم الملكوت البرزخي، وخضرته كناية عن توسُّطه بين بياض نور عالم الجبروت وسواد ظلمة عالم الشهادة، وإنَّما كان مكتوبه أبيض لأنَّه كان من العالم الأعلى النوري المحض). وفي بعض النُّسَخ: (رأيت فيه كتاباً أبيض شبيه نور الشمس)، وفي الكافي: (شبه لون الشمس)، وفي كمال الدِّين مثل ما في المتن.
(٢٣٥) في بعض النُّسَخ: (فيه اسمي واسم عليٍّ).
(٢٣٦) في الكافي: (ليسرَّني بذلك)، قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٦/ ص ٢٠٩): (فيه إشعار بحزنها قبل هذا بخبر قتل الحسين (عليه السلام))، كما جاء في خبر أبي خديجة سالم بن مكرم وابن الزيَّات عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الكافي (ج ١/ ص ٤٦٤/ باب مولد الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)/ ح ٣ و٤).

↑صفحة ٨١↑

قَالَ جَابِرٌ: فَدَفَعَتْهُ إِلَيَّ أُمُّكَ فَاطِمَةُ (عليها السلام)، فَقَرَأْتُهُ وَنَسَخْتُهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبِي (عليه السلام): يَا جَابِرُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَعْرِضَهُ عَلَيَّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَمَشَى مَعَهُ أَبِي إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأَخْرَجَ أَبِي صَحِيفَةً مِنْ رَقٍّ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، انْظُرْ فِي كِتَابِكَ حَتَّى أَقْرَأَ أَنَا عَلَيْكَ.
فَقَرَأَهُ أَبِي عَلَيْهِ، فَمَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفاً.
فَقَالَ جَابِرٌ: فَأُشْهِدُ اللهَ أَنِّي هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي اللَّوْحِ مَكْتُوباً:
«بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنَ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَنُورِهِ وَحِجَابِهِ وَسَفِيرِهِ وَدَلِيلِهِ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
يَا مُحَمَّدُ، عَظِّمْ أَسْمَائِي، وَاشْكُرْ نَعْمَائِي، وَلَا تَجْحَدْ آلَائِي، إِنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا، قَاصِمُ الْجَبَّارِينَ، وَمُدِيلُ المَظْلُومِينَ، وَدَيَّانُ يَوْمِ الدِّينِ، وَإِنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا، فَمَنْ رَجَا غَيْرَ فَضْلِي، أَوْ خَافَ غَيْرَ عَدْلِي، عَذَّبْتُهُ عَذاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ، وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيًّا فَأُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ، وَانْقَضَتْ مُدَّتُهُ إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَصِيًّا، وَإِنِّي فَضَّلْتُكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَفَضَّلْتُ وَصِيَّكَ عَلَى الْأَوْصِيَاءِ، وَأَكْرَمْتُكَ بِشِبْلَيْكَ وَسِبْطَيْكَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَجَعَلْتُ الْحَسَنَ مَعْدِنَ عِلْمِي بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَبِيهِ، وَجَعَلْتُ حُسَيْناً مَعْدِنَ وَحْيِي(٢٣٧)، فَأَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ، وَخَتَمْتُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مَنِ اسْتُشْهِدَ فِيَّ، وَأَرْفَعُ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةً عِنْدِي، جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ التَّامَّةَ مَعَهُ(٢٣٨)، وَحُجَّتِيَ الْبَالِغَةَ عِنْدَهُ، بِعِتْرَتِهِ أُثِيبُ وَأُعَاقِبُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٣٧) كذا، وفي الكافي وكمال الدِّين: (وجعلت حسيناً خازن علمي).
(٢٣٨) أي جعلت الإمامة في عقبه، كما روى الصدوق (رحمه الله) في معاني الأخبار (ص ١٣١ و١٣٢/ باب معنى الكلمة الباقية في عقب إبراهيم (عليه السلام)/ ح ١) بسنده عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨]، قال: «هي الإمامة، جعلها الله (عزَّ وجلَّ) في عقب الحسين (عليه السلام) باقية إلى يوم القيامة».

↑صفحة ٨٢↑

أَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، وَزَيْنُ أَوْلِيَائِيَ المَاضِينَ، وَابْنُهُ سَمِيُّ جَدِّهِ المَحْمُودِ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ لِعِلْمِي، وَالمَعْدِنُ لِحِكْمَتِي، سَيَهْلِكُ المُرْتَابُونَ فِي جَعْفَرٍ، الرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيَّ، حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأُكْرِمَنَّ مَثْوَى جَعْفَرٍ، وَلَأَسُرَّنَّهُ فِي أَشْيَاعِهِ وَأَنْصَارِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، أُتِيحَتْ(٢٣٩) بَعْدَهُ فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ حِنْدِسٌ، إِلَّا إِنَّ(٢٤٠) خَيْطَ فَرْضِي لَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٣٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٦/ ص ٢١٣): (النُّسَخ في كُتُب الحديث هنا مختلفة غاية الاختلاف، ففي أكثر نُسَخ الكتاب: (أُبيحت) بالباء الموحَّدة والحاء المهملة بمعنى أظهرت، يقال: باح بسرِّه وأباحه إذا أظهره، أو من الإباحة والإحلال، أي أباحوا هذا الإثم العظيم. وفي بعضها: (انتجب) بالنون والتاء المثنَّاة والجيم، فينبغي أنْ يُقرَأ على بناء المجهول إشارة إلى اهتمامهم بشأن تلك الفتنة، وقرأ بعضهم على بناء المعلوم، أي اختار بعده هداية الخلق بموسى في فتنة، فهي منصوبة بالظرفيَّة، ويرد عليه أنَّه على هذا كان الصواب (حندساً). وفي بعض نُسَخ الكتاب وغيره: (أُتيحت) بالتاء المثنَّاة الفوقانيَّة والحاء المهملة على بناء المفعول، من قولهم: تاح له الشيء وأُتيح له، أي قُدِّر وتهيَّأ، وهذه أظهر النُّسَخ. وفي إعلام الورى: (انتجبت بعده موسى، وانتجبت بعده فتنة عمياء حندس إلَّا أنَّ خيط فرضي...) إلخ. وفي بعض النُّسَخ: (أنبحت) بالنون والباء الموحَّدة والحاء المهملة، من نباح الكلب، وقوله: (لأنَّ خيط فرضي) إمَّا علَّة لانتجاب موسى كما في الإعلام، أو لما يدلُّ عليه الفتنة من كون ما ادَّعوه من الوقف باطلاً، والأظهر (إلَّا أنَّ) كما مرَّ في الإعلام بتشديد (إلَّا) أو تخفيفه، وفي كتاب غيبة النعماني أيضاً (إلَّا أنَّ)...، وقرأ بعض الأفاضل: (أُنيخت) بالنون والخاء المعجمة، وقال: الإناخة الإسقاط، ومنه يقال للأسد: المنيخ، لإسقاطه وكسره كلَّ صيد، موافقاً لما يجيء من قولهم، بهم أدفع كلَّ فتنة عمياء حندس، والباء للسببيَّة، والفتنة الضلال والإضلال، وقوله: لأنَّ، استدلال على سقوط الفتنة، انتهى).
إنَّما كانت الفتنة حينذاك عمياء لأنَّ خفاء أمر موسى بن جعفر (عليهما السلام) أكثر من خفاء أمر آبائه (عليهم السلام) لشدَّة التقيَّة، كما ورد في الكافي (ج ١/ ص ٣١٠/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن موسى (عليه السلام)/ ح ١٣) أنَّ أباه (عليه السلام) أوصى إلى خمسة: واحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمّد بن سليمان، وعبد الله، وموسى، وحميدة.
(٢٤٠) في بعض النُّسَخ: (لأنَّ).

↑صفحة ٨٣↑

يَنْقَطِعُ، وَحُجَّتِي لَا تَخْفَى، وَإِنَّ أَوْلِيَائِي بِالْكَأْسِ الْأَوْفَى يُسْقَوْنَ، أَبْدَالُ الْأَرْضِ(٢٤١)، أَلَا وَمَنْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ جَحَدَنِي نِعْمَتِي، وَمَنْ غَيَّرَ آيَةً مِنْ كِتَابِي فَقَدِ افْتَرَى عَلَيَّ، وَيْلٌ لِلْمُفْتَرِينَ الْجَاحِدِينَ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ عَبْدِي مُوسَى وَحَبِيبِي وَخِيَرَتِي، إِنَّ المُكَذِّبَ بِهِ كَالمُكَذِّبِ بِكُلِّ أَوْلِيَائِي، وَهُوَ وَلِيِّي وَنَاصِرِي، وَمَنْ أَضَعُ عَلَيْهِ أَعْبَاءَ النُّبُوَّةِ، وَأَمْتَحِنُهُ بِالْاِضْطِلَاعِ بِهَا(٢٤٢)، وَبَعْدَهُ خَلِيفَتِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، يَقْتُلُهُ عِفْرِيتٌ مُسْتَكْبِرٌ، يُدْفَنُ فِي المَدِينَةِ الَّتِي بَنَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ ذُو الْقَرْنَيْنِ، خَيْرُ خَلْقِي يُدْفَنُ إِلَى جَنْبِ شَرِّ خَلْقِي، حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأُقِرَّنَّ عَيْنَهُ بِابْنِهِ مُحَمَّدٍ، وَخَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَوَارِثِ عِلْمِهِ، وَهُوَ مَعْدِنُ عِلْمِي، وَمَوْضِعُ سِرِّي، وَحُجَّتِي عَلَى خَلْقِي، جَعَلْتُ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ، وَشَفَّعْتُهُ فِي سَبْعِينَ أَلْفاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ(٢٤٣) كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ، وَأَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ لِابْنِهِ عَلِيٍّ وَلِيِّي وَنَاصِرِي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٤١) في لسان العرب (ج ١١/ ص ٤٩/ مادَّة بدل): (الأبدال: قوم من الصالحين بهم يُقيم الله الأرض، أربعون في الشام وثلاثون في سائر البلاد، لا يموت منهم أحد إلَّا قام مكانه آخر، فلذلك سُمُّوا أَبدالاً، وواحد الأبدال العُبَّاد بِدْل وبَدَل، وقال ابن دريد: الواحد بَدِيل. وروى ابن شميل بسنده حديثاً عن عليٍّ (كرَّم الله وجهه) أَنَّه قال: «الأبدال بالشام، والنُّجَباء بمصر، والعصائب بالعراق»، قال ابن شميل: الأبدال خِيارٌ بَدَلٌ من خِيار، والعصائب عُصْبة وعصائب يجتمعون فيكون بينهم حرب، قال ابن السكِّيت: سُمِّي المُبَرِّزون في الصلاح أَبدالاً لأَنَّهم أُبْدِلوا من السلف الصالح، قال: والأبدال جمع بَدَل وبِدْل، وجَمْع بَدِيل بَدْلى، والأبدال: الأولياء والعُبَّاد، سُمُّوا بذلك لأَنهم كلَّما مات منهم واحد أُبدل بآخر).
وهذه الجملة ليس في الكافي وكمال الدِّين، وإنَّما كان في الأخير: (إنَّ أوليائي لا يشقون أبداً)، وقوله: (إنَّ أوليائي...) إلخ، تعليل للافتنان لشدَّة الابتلاء، فإنَّ الابتلاء كلَّما كان أشدّ كان جزاؤه أوفى وأجزل.
(٢٤٢) في بعض النُّسَخ: (وأمنحه الاطِّلاع بها).
(٢٤٣) في الكافي: (وحجَّتي على خلقي لا يؤمن به عبد إلَّا جعلت الجنَّة مثواه، وشفَّعته في سبعين من أهل بيته).

↑صفحة ٨٤↑

وَالشَّاهِدِ فِي خَلْقِي، وَأَمِينِي عَلَى وَحْيِي، أُخْرِجُ مِنْهُ الدَّاعِيَ إِلَى سَبِيلِي، وَالْخَازِنَ لِعِلْمِيَ الْحَسَنَ، ثُمَّ أُكْمِلُ ذَلِكَ بِابْنِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، عَلَيْهِ كَمَالُ مُوسَى، وَبَهَاءُ عِيسَى، وَصَبْرُ أَيُّوبَ، تُسْتَذَلُّ أَوْلِيَائِي فِي زَمَانِهِ(٢٤٤)، وَتُتَهَادَى رُءُوسُهُمْ كَمَا تُتَهَادَى رُءُوسُ التُّرْكِ وَالدَّيْلَمِ، فَيُقْتَلُونَ وَيُحْرَقُونَ، وَيَكُونُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ مَرْعُوبِينَ، تُصْبَغُ الْأَرْضُ مِنْ دِمَائِهِمْ، وَيَفْشُو الْوَيْلُ وَالرَّنَّةُ فِي نِسَائِهِمْ، أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي حَقًّا، وَحَقٌّ عَلَيَّ أَنْ أَرْفَعَ عَنْهُمْ كُلَّ عَمْيَاءَ حِنْدِسٍ(٢٤٥)، وَبِهِمْ أَكْشِفُ الزَّلَازِلَ، وَأَرْفَعُ عَنْهُمُ الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ، ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٧]».
قَالَ أَبُو بَصِيرٍ: لَوْ لَمْ تَسْمَعْ فِي دَهْرِكَ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ لَكَفَاكَ، فَصُنْهُ إِلَّا عَنْ أَهْلِهِ(٢٤٦)،(٢٤٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٤٤) أي في زمان غيبته وخفائه (عجَّل الله فرجه) عن الناس.
(٢٤٥) في الكافي وكمال الدِّين: (بهم أدفع كلَّ فتنة عمياء حندس).
(٢٤٦) الكافي (ج ١/ ص ٥٢٧ و٥٢٨/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ٣)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٠٣ - ١٠٦/ ح ٩٢)، والهداية الكبرى (ص ٣٦٤ - ٣٦٦)، وإثبات الوصيَّة (ص ١٦٨ - ١٧٠)، وكمال الدِّين (ص ٣٠٨ - ٣١١/ باب ٢٨/ ح ١)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٤٨ - ٥٠/ ح ٢)، والاختصاص (ص ٢١٠ - ٢١٢)، والغيبة للطوسي (ص ١٤٣ - ١٤٦/ ح ١٠٨).
(٢٤٧) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ١٩٨ - ٢٠٠): (الرقُّ - بالفتح والكسر -: الجلد الرقيق الذي يُكتَب فيه...، والسفير: الرسول المصلح بين القوم، وأُطلق الحجاب عليه لأنَّه واسطة بين الله وبين الخلق كالحجاب الواسطة بين المحجوب والمحجوب عنه، أو لأنَّ له وجهين: وجهاً إلى الله، ووجهاً إلى الخلق. والمراد بالأسماء إمَّا أسماء ذاته المقدَّسة أو الأئمَّة (عليهم السلام)...، والنعماء مفرد بمعنى النعمة العظيمة، وهي النبوَّة وما يلزمها ويلحقها. وبالآلاء سائر النِّعَم والأوصياء (عليهم السلام)...، والإدالة: إعطاء الدولة والغلبة. والمظلومون: الأئمَّة وشيعتهم الذين ينصرهم الله في آخر الزمان. وديان الدِّين أي المجازي لكلِّ مكلَّف ما عمل من خير وشرٍّ يوم الدِّين. وفي القاموس: الدِّين - بالكسر -: الجزاء والإسلام والعبادة والطاعة والحساب والقهر والسلطان والحكم والقضاء، والديَّان: القهَّار والقاضي والحاكم والحاسب والمجازي. (فمن رجا غير فضلي): كأنَّ المعنى أنَّ كلَّ ما يرجوه العباد من ربِّهم فليس جزاء لأعمالهم بحيث يجب على الله ذلك، بل هو من فضله سبحانه، وأعمالهم لا تكافئ عشراً من أعشار ما أنعم عليهم قبلها، بل هي أيضاً من نِعَمه تعالى، وإنْ لزم عليه سبحانه إعطاء الثواب بمقتضى وعده، فبعده أيضاً من فضله. وذهب الأكثر إلى أنَّ المعنى: رجا فضل غيري، ولا يخفى بعده لفظاً ومعنًى، ويُؤيِّد ما ذكرنا قوله: (أو خاف غير عدلي) إذ العقوبات التي يخافها العباد إنَّما هي من عدله، وإنَّ من اعتقد أنَّها ظلم فقد كفر. (عذَّبته عذاباً): أي تعذيباً، ويجوز أنْ يُجعَل مفعولاً به على السعة. (لا أُعذِّبه) الضمير للمصدر، أو للعذاب إنْ أُريد به ما يُعذَّب به على حذف حرف الجرِّ كما ذكره البيضاوي. (بشبليك): أي ولديك تشبيهاً لهما بولد الأسد في الشجاعة، أو له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالأسد فيها، أو الأعمّ، أو المعنى: ولدي أسدك، تشبيهاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالأسد. وفي القاموس: الشبل - بالكسر -: ولد الأسد).

↑صفحة ٨٥↑

[٢٧/٦] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ شَيْبَانَ(٢٤٨) مِنْ كِتَابِهِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ(٢٤٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ(٢٥٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إِنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي اثْنَا عَشَرَ مُحَدَّثاً».
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الله بْنُ زَيْدٍ(٢٥١)، وَكَانَ أَخَا عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٤٨) عنونه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٤٢/ الرقم ١١٩٠)، قائلاً: (أبو عبد الله، الكندي، العلَّاف، الشيخ، الثقة، الصدوق، لا يُطعَن عليه).
(٢٤٩) في بعض النُّسَخ: (ثلاث عشرة ومائتين).
(٢٥٠) في بعض النُّسَخ: (حدَّثنا عليُّ بن أبي يوسف، عن ابن عمرو).
(٢٥١) في بعض النُّسَخ: (عبد الله بن يوسف).

↑صفحة ٨٦↑

مِنَ الرَّضَاعَةِ(٢٥٢): سُبْحَانَ الله مُحَدَّثاً! كَالمُنْكِرِ لِذَلِكَ.
قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: «أَمَا وَالله إِنَّ ابْنَ أُمِّكَ كَانَ كَذَلِكَ - يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام) -»(٢٥٣).
[٢٨/٧] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي وَعَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) اخْتَارَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئاً، اخْتَارَ مِنَ الْأَرْضِ مَكَّةَ، وَاخْتَارَ مِنْ مَكَّةَ المَسْجِدَ، وَاخْتَارَ مِنَ المَسْجِدِ المَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْكَعْبَةُ، وَاخْتَارَ مِنَ الْأَنْعَامِ إِنَاثَهَا، وَمِنَ الْغَنَمِ الضَّأْنَ، وَاخْتَارَ مِنَ الْأَيَّامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاخْتَارَ مِنَ الشُّهُورِ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَمِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَاخْتَارَ مِنَ النَّاسِ بَنِي هَاشِمٍ، وَاخْتَارَنِي وَعَلِيًّا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَاخْتَارَ مِنِّي وَمِنْ عَلِيٍّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ(٢٥٤)، وَيُكْمِلُهُ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ، تَاسِعُهُمْ بَاطِنُهُمْ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٥٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٣/ ص ١٦٣): (أمَّا كون عبد الله أخا عليِّ ابن الحسين (عليه السلام) لأُمِّه فهو ممَّا ذكره العامَّة في كُتُبهم، ففي مختصر تهذيب الكمال: عليُّ بن الحسين أُمُّه أُمُّ ولد اسمها غزالة، خلف عليها بعد الحسين زيد مولى للحسين بن عليٍّ، فولدت له عبد الله بن زيد، انتهى. والحقُّ أنَّه لم يكن أخاه حقيقةً، بل قيل: إنَّ أُمَّ عبد الله كانت أرضعته (عليه السلام)، فكان أخاً رضاعيًّا له (عليه السلام)، وقال ابن داود: عبد الله كان أُمُّه وشيكة ظئر عليِّ بن الحسين (عليه السلام)، وكان يدعوها أُمًّا، وهي التي زوَّجها فعابه عبد المَلِك بن مروان بأنَّه زوَّج أُمَّه توهُّماً أنَّها والدته، وكانت والدته شهربانويه، وقد تُوفّيت وهو طفل).
(٢٥٣) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٢ و١٥٣/ ح ١٤٨) صدره؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٣٤٠/ ج ٧/ باب ٥/ ح ٤)، والكافي (ج ١/ ص ٢٧٠/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) محدَّثون مفهَّمون/ ح ٢).
(٢٥٤) في بعض النُّسَخ بعد قوله: (ليلة القدر) هكذا: (واختار من الناس الأنبياء، واختار من الأنبياء الرُّسُل، واختارني من الرُّسُل، واختار منِّي عليًّا، واختار من عليٍّ الحسن والحسين والأوصياء [من ولده] ينفون عن التنزيل تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين).

↑صفحة ٨٧↑

وَهُوَ ظَاهِرُهُمْ، وَهُوَ أَفْضَلُهُمْ، وَهُوَ قَائِمُهُمْ(٢٥٥)».
قَالَ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ فِي حَدِيثِهِ: «يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ».
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ(٢٥٦)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) اخْتَارَنِي...» الْحَدِيثَ(٢٥٧).
[٢٩/٨] وَمِنْ كِتَابِ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ(٢٥٨)، مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٥٥) كذا، وفي كمال الدِّين هكذا: (تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم، وهو باطنهم). قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٢٥٦): (قوله: (وهو ظاهرهم) أي يظهر ويغلب على الأعادي، (وهو باطنهم) أي يبطن ويغيب عنهم زماناً).
(٢٥٦) كذا، وفي كمال الدِّين: (عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
(٢٥٧) راجع: الهداية الكبرى (ص ٣٦٣)، وإثبات الوصيَّة (ص ٢٦٦ و٢٦٨)، وكمال الدِّين (ص ٢٨١/ باب ٢٤/ ح ٣٢)، ودلائل الإمامة (ص ٤٥٣ و٤٥٤/ ح ٤٣٢٣٦)، ومقتضب الأثر (ص ٩ و١٠)، والاستنصار (ص ٨ و٩)، والغيبة للطوسي (ص ١٤٢ و١٤٣/ ح ١٠٧).
(٢٥٨) قال العلَّامة (رحمه الله) في خلاصة الأقوال (ص ١٦٢/ الرقم ١): (قال السيِّد عليُّ بن أحمد العقيقي: كان سُلَيم بن قيس من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، طلبه الحجَّاج ليقتله فهرب وآوى إلى أبان بن أبي عيَّاش، فلمَّا حضرته الوفاة قال لأبان: إنَّ لك عليَّ حقًّا، وقد حضرني الموت. يا بن أخي، إنَّه كان من الأمر بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كيت وكيت، وأعطاه كتاباً، فلم يرو عن سُلَيم أحد من الناس سوى أبان بن أبي عيَّاش).
وقال المولى المازندراني في شرح أُصول الكافي (ج ٢/ ص ٢٠٨ و٢٠٩): (أقول: وممَّا يدلُّ على حسن حاله وعدالته وصحَّة كتابه وعقيدته وجلالة شأنه وصحبته لأمير المؤمنين (عليه السلام) ما روى عنه محمّد بن عليِّ بن بابويه في كتاب الاعتقادات من حديث طويل في باب الاعتقاد في الحديثين المختلفين، أنَّه قال: قلت لأمير المؤمنين (عليه السلام): إنِّي سمعت من سلمان ومقداد وأبي ذرٍّ شيئاً من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبيِّ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غير ما في أيدي الناس، وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم...).

↑صفحة ٨٨↑

سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ(٢٥٩) وَمُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامِ بْنِ سُهَيْلٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ ابْنَا عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ المَوْصِلِيِّ، عَنْ رِجَالِهِمْ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ(٢٦٠)، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ.
وَأَخْبَرَنَا بِهِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطُّرُقِ هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ الله بْنِ جَعْفَرِ بْنِ المُعَلَّى الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَمْرُو بْنُ جَامِعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرْبٍ الْكِنْدِيُّ(٢٦١)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ المُبَارَكِ شَيْخٌ لَنَا كُوفِيٌّ ثِقَةٌ(٢٦٢)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ شَيْخُنَا، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٥٩) في بعض النُّسَخ: (ممَّا رواه أحمد بن محمّد بن سعيد).
(٢٦٠) معمر بن راشد الأزدي، مولاهم، أبو عروة البصري، عنونه ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٢٠٢/ الرقم ٦٨٣٣)، وقال: (ثقة ثبت فاضل).
(٢٦١) لم نعثر في كُتُب الرجال على عنوان لهؤلاء الثلاثة.
(٢٦٢) عبد الله بن المبارك، عنونه ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٥/ ص ٣٣٤/ الرقم ٦٥٧)، ونقل عن جماعة من الأعلام كونه عالماً فقيهاً عابداً زاهداً شيخاً شجاعاً كيِّساً مثبتاً ثقةً، وقال ابن معين: (وكان عالماً صحيح الحديث، وكانت كُتُبه التي حدَّث بها عشرين ألفاً أو إحدى وعشرين ألفاً).
وعنونه الخطيب في تاريخ بغداد (ج ١٠/ ص ١٥٢/ الرقم ٥٣٠٦) وأطال الكلام في شأنه، وقال: (وكان من الربَّانيِّين في العلم، الموصوفين بالحفظ، ومن المذكورين بالزهد)، لكن عدَّ عبد الرزَّاق من رواته، ولعلَّه غيره.

↑صفحة ٨٩↑

وَذَكَرَ أَبَانٌ أَنَّهُ سَمِعَهُ أَيْضاً عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَذَكَرَ أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ أَنَّهُ سَمِعَهُ أَيْضاً عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سُلَيْمٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَـمَّا دَعَا أَبَا الدَّرْدَاءِ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَنَحْنُ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عليه السلام) بِصِفِّينَ، فَحَمَّلَهُمَا الرِّسَالَةَ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وَأَدَّيَاهَا إِلَيْهِ، قَالَ: «قَدْ بَلَّغْتُمَانِي مَا أَرْسَلَكُمَا بِهِ مُعَاوِيَةُ، فَاسْتَمِعَا مِنِّي وَأَبْلِغَاهُ عَنِّي كَمَا بَلَّغْتُمَانِي».
قَالَا: نَعَمْ.
فَأَجَابَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام) الْجَوَابَ بِطُولِهِ حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى ذِكْرِ نَصْبِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِيَّاهُ بِغَدِيرِ خُمٍّ بِأَمْرِ الله تَعَالَى، قَالَ: «لَـمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [المائدة: ٥٥]، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ الله، أَخَاصَّةٌ لِبَعْضِ المُؤْمِنِينَ أَمْ عَامَّةٌ لِجَمِيعِهِمْ؟
فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنْ يُعَلِّمَهُمْ وَلَايَةَ مَنْ أَمَرَهُمُ اللهُ بِوَلَايَتِهِ(٢٦٣)، وَأَنْ يُفَسِّرَ لَهُمْ مِنَ الْوَلَايَةِ مَا فُسِّرَ لَهُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَزَكَاتِهِمْ وَصَوْمِهِمْ وَحَجِّهِمْ».
قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «فَنَصَبَنِي رَسُولُ الله بِغَدِيرِ خُمٍّ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ ضَاقَ بِهَا صَدْرِي، وَظَنَنْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبُونِي، فَأَوْعَدَنِي لَأُبَلِّغَنَّهَا أَوْ لَيُعَذِّبَنِي. قُمْ يَا عَلِيُّ، ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ أَنْ يُنَادَى بِالصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَصَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ مَوْلَايَ، وَأَنَا مَوْلَى المُؤْمِنِينَ، وَأَنَا أَوْلَى بِهِمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وعَادِ مَنْ عَادَاهُ(٢٦٤).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٦٣) في بعض النُّسَخ: (أنْ يعلمهم من أمر الله بولايتهم).
(٢٦٤) زاد في كتاب سُلَيم: (وانصر من نصره، واخذل من خذله).

↑صفحة ٩٠↑

فَقَامَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، وَلَاءُ مَاذَا(٢٦٥)؟
فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِيٌّ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ.
فَأَنْزَلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ [المائدة: ٣].
فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ الله، أَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي عَلِيٍّ خَاصَّة؟
قَالَ: بَلْ فِيهِ وَفِي أَوْصِيَائِي(٢٦٦) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، بَيِّنْهُمْ لِي(٢٦٧).
قَالَ: عَلِيٌّ أَخِي وَوَصِيِّي، وَوَارِثِي(٢٦٨)، وَخَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي، وَوَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، وَأَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً مِنْ وُلْدِي، أَوَّلُهُمْ ابْنِي حَسَنٌ، ثُمَّ ابْنِي حُسَيْنٌ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، هُمْ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَهُمْ، لَا يُفَارِقُونَهُ وَلَا يُفَارِقُهُمْ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ».
فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مِنَ الْبَدْرِيِّينَ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَمَا قُلْتَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ سَوَاءً، لَمْ تُزَدْ وَلَمْ تُنْقَصْ.
وَقَالَ بَقِيَّةُ الْبَدْرِيِّينَ(٢٦٩) الَّذِينَ شَهِدُوا مَعَ عَلِيٍّ صِفِّينَ: قَدْ حَفِظْنَا جُلَّ مَا قُلْتَ وَلَمْ نَحْفَظْ كُلَّهُ، وَهَؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ خِيَارُنَا وَأَفَاضِلُنَا.
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «صَدَقْتُمْ، لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَحْفَظُ، وَبَعْضُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٦٥) في كتاب سُلَيم: (يا رسول الله، ولاؤه كماذا؟ فقال: ولاؤه كولايتي، من كنت أُولى به...) إلخ.
(٢٦٦) في بعض النُّسَخ: (أوليائي).
(٢٦٧) في بعض النُّسَخ: (سمِّهم لي)، وفي كتاب سُلَيم: (بيِّنهم لنا).
(٢٦٨) في بعض النُّسَخ: (وصيِّي وصنوي ووارثي)، وفي بعضها: (ووزيري) مكان (ووارثي).
(٢٦٩) في بعض النُّسَخ: (بقيَّة السبعين).

↑صفحة ٩١↑

بَعْضٍ(٢٧٠)».
وَقَامَ مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَرْبَعَةٌ: أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ(٢٧١)، وَأَبُو أَيُّوبَ(٢٧٢)، وَعَمَّارٌ(٢٧٣)، وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ(٢٧٤)، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّا قَدْ حَفِظْنَا قَوْلَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَوْمَئِذٍ، وَالله إِنَّهُ لَقَائِمٌ وَعَلِيٌّ (عليه السلام) قَائِمٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْصِبَ لَكُمْ إِمَاماً يَكُونُ وَصِيِّي فِيكُمْ، وَخَلِيفَتِي فِي أَهْلِ بَيْتِي وَفِي أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، وَالَّذِي فَرَضَ اللهُ طَاعَتَهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِهِ، وَأَمَرَكُمْ فِيهِ بِوَلَايَتِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَشِيتُ(٢٧٥) طَعْنَ أَهْلِ النِّفَاقِ وَتَكْذِيبَهُمْ، فَأَوْعَدَنِي لَأُبَلِّغَنَّهَا أَوْ لَيُعَاقِبُنِي.
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَمَرَكُمْ فِي كِتَابِهِ بِالصَّلَاةِ، وَقَدْ بَيَّنْتُهَا لَكُمْ وَسَنَنْتُهَا لَكُمْ، وَالزَّكَاةَ والصَّوْمَ فَبَيَّنْتُهُمَا لَكُمْ وَفَسَّرْتُهُمَا، وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ بِالْوَلَايَةِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّهَا خَاصَّةٌ لِهَذَا وَلِأَوْصِيَائِي مِنْ وُلْدِي وَوُلْدِهِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٧٠) في كتاب سُلَيم: (وبعضهم أحفظ من بعض).
(٢٧١) أبو الهيثم مالك بن التيِّهان كان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن النقباء، شهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المشاهد كلَّها، وقُتِلَ مع عليٍّ (عليه السلام) بصفِّين.
(٢٧٢) أبو أيُّوب خالد بن زيد الأنصاري الخزرجي هو الذي نزل النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عنده حين دخل المدينة، شهد بدراً والمشاهد كلَّها معه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مات بأرض الروم غازياً سنة (٥٢هـ)، ودُفِنَ إلى حصن بالقسطنطينيَّة، وأهل الروم يستسقون به.
(٢٧٣) عمَّار بن ياسر بن عامر، أبو اليقظان، مولى بني مخزوم، فهو صحابي جليل، شهد بدراً وأُحُداً والمشاهد كلَّها، وقُتِلَ بصفِّين وهو مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، قتلته الفئة الباغية أتباع معاوية.
(٢٧٤) خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، فهو الذي جعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شهادته شهادة رجلين، شهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدراً وأُحُداً، وشهد صفِّين مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقُتِلَ يومئذٍ بعد عمَّار (رحمهما الله).

(٢٧٥) كذا، والقياس: (أخشى).

↑صفحة ٩٢↑

أَوَّلُهُمُ ابْنِيَ الْحَسَنُ، ثُمَّ الْحُسَيْنُ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ، لَا يُفَارِقُونَ الْكِتَابَ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ أَعْلَمْتُكُمْ مَفْزَعَكُمْ بَعْدِي، وَإِمَامَكُمْ وَوَلِيَّكُمْ وَهَادِيَكُمْ بَعْدِي، وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخِي، وَهُوَ فِيكُمْ بِمَنْزِلَتِي، فَقَلِّدُوهُ دِينَكُمْ، وَأَطِيعُوهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ، فَإِنَّ عِنْدَهُ جَمِيعَ مَا عَلَّمَنِي اللهُ (عزَّ وجلَّ)، أَمَرَنِي اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ أُعَلِّمَهُ إِيَّاهُ(٢٧٦) وَأَنْ أُعَلِّمَكُمْ أَنَّهُ عِنْدَهُ، فَسَلُوهُ وَتَعَلَّمُوا مِنْهُ وَمِنْ أَوْصِيَائِهِ، وَلَا تُعَلِّمُوهُمْ، وَلَا تَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِمْ، وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَهُمْ، لَا يُزَايِلُهُمْ وَلَا يُزَايِلُونَهُ».
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ) لِأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ حَوْلَهُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب: ٣٣]، فَجَمَعَنِي رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ فِي كِسَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَحِبَّتِي وَعِتْرَتِي وَثَقَلِي وَخَاصَّتِي(٢٧٧) وَأَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً.
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا.
فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَهَا: وَأَنْتِ إِلَى خَيْرٍ، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِيَّ، وَفِي أَخِي عَلِيٍّ، وَفِي ابْنَتِي فَاطِمَةَ، وَفِي ابْنَيَّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَفِي تِسْعَةٍ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ خَاصَّةً، لَيْسَ فِيهَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرُنَا؟».
فَقَامَ جُلُّ النَّاسِ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْنَا بِذَلِكَ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَحَدَّثَنَا كَمَا حَدَّثَتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَنْزَلَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ: ﴿يَا أَيُّهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٧٦) في بعض النُّسَخ: (أنْ أُعلِّمه جميع ما علَّمني الله (عزَّ وجلَّ)).
(٢٧٧) في بعض النُّسَخ: (وحامتي) مكان (وخاصَّتي).

↑صفحة ٩٣↑

الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [الحجّ: ٧٧ و٧٨].
فَقَامَ سَلْمَانُ (رضي الله عنه) عِنْدَ نُزُولِهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْتَ شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ وَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ اجْتَبَاهُمُ اللهُ وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةِ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ؟
فَقَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): عَنَى اللهُ تَعَالَى بِذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ إِنْسَاناً: أَنَا، وَأَخِي عَلِيًّا، وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ؟».
فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «أَنْشُدُكُمْ بِالله أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَامَ خَطِيباً ثُمَّ لَمْ يَخْطُبْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ(٢٧٨) لَنْ تَضِلُّوا مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ الله (عزَّ وجلَّ)، وَأَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ أَخْبَرَنِي وَعَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا(٢٧٩) حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ؟».
فَقَالُوا: نَعَمْ، اللَّهُمَّ قَدْ شَهِدْنَا(٢٨٠) ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مِنَ الْجَمَاعَةِ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ الله حِينَ خَطَبَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ شِبْهَ المُغْضَبِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، لِكُلِّ أَهْلِ بَيْتِكَ؟
فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنْ لِأَوْصِيَائِي مِنْهُمْ: عَلِيٌّ أَخِي، وَوَزِيرِي، وَوَارِثِي،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٧٨) في بعض النُّسَخ: (فيكم الثقلين).
(٢٧٩) في بعض النُّسَخ: (لا يفترقان).
(٢٨٠) في بعض النُّسَخ: (فقالوا: اللَّهُمَّ نعم قد شهدنا).

↑صفحة ٩٤↑

وَخَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي، وَوَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، وَهُوَ أَوَّلُهُمْ وَخَيْرُهُمْ، ثُمَّ وَصِيُّهُ بَعْدَهُ ابْنِي هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ -، ثُمَّ وَصِيُّهُ ابْنِي هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى الْحُسَيْنِ -، ثُمَّ وَصِيُّهُ ابْنِي بَعْدَهُ سَمِيُّ أَخِي، ثُمَّ وَصِيُّهُ بَعْدَهُ سَمِيِّي، ثُمَّ سَبْعَةٌ مِنْ وُلْدِهِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ، شُهَدَاءُ الله فِي أَرْضِهِ، وَحُجَجُهُ عَلَى خَلْقِهِ، مَنْ أَطَاعَهُمْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللهَ».
فَقَامَ السَّبْعُونَ الْبَدْرِيُّونَ وَنَحْوُهُمْ مِنَ المُهَاجِرِينَ فَقَالُوا: ذَكَّرْتُمُونَا مَا كُنَّا نَسِينَاهُ، نَشْهَدُ أَنَّا قَدْ كُنَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فَانْطَلَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَحَدَّثَا مُعَاوِيَةَ بِكُلِّ مَا قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام) وَمَا اسْتُشْهِدَ عَلَيْهِ، وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ وَشَهِدُوا بِهِ(٢٨١).
[٣٠/٩] وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: لَـمَّا أَقْبَلْنَا مِنْ صِفِّينَ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) نَزَلَ قَرِيباً مِنْ دَيْرِ نَصْرَانِيٍّ(٢٨٢)، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا شَيْخٌ مِنَ الدَّيْرِ جَمِيلُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الْهَيْأَةِ وَالسَّمْتِ(٢٨٣)، مَعَهُ كِتَابٌ، حَتَّى أَتَى أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي مِنْ نَسْلِ حَوَارِيِّ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، وَكَانَ أَفْضَلَ حَوَارِيِّ عِيسَى الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَأَحَبَّهُمْ إِلَيْهِ، وَآثَرَهُمْ عِنْدَهُ(٢٨٤)، وَإِنَّ عِيسَى أَوْصَى إِلَيْهِ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ كُتُبَهُ، وَعَلَّمَهُ حِكْمَتَهُ(٢٨٥)، فَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ هَذَا الْبَيْتِ عَلَى دِينِهِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٨١) كتاب سُلَيم بن قيس (ص ٢٩٥ - ٣٠٠)؛ وراجع: كمال الدِّين (ص ٢٧٤ - ٢٧٩/ باب ٢٤/ ح ٢٥).
(٢٨٢) في بعض النُّسَخ: (من دير نصارى).
(٢٨٣) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٢٥٤/ مادَّة سمت): (السمت: هيأة أهل الخير، يقال: ما أحسن سمته، أي هديه).
(٢٨٤) في بحار الأنوار: (وأبرَّهم عنده).
(٢٨٥) في بعض النُّسَخ: (وعلمه وحكمته).

↑صفحة ٩٥↑

مُتَمَسِّكِينَ بِمِلَّتِهِ(٢٨٦)، لَمْ يَكْفُرُوا وَلَمْ يَرْتَدُّوا وَلَمْ يُغَيِّرُوا، وَتِلْكَ الْكُتُبُ عِنْدِي إِمْلَاءُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ وَخَطُّ أَبِينَا بِيَدِهِ، فِيهَا كُلُّ شَيْءٍ يَفْعَلُ النَّاسُ مِنْ بَعْدِهِ، وَاسْمُ مَلِكٍ مَلِكٍ مِنْ بَعْدِهِ مِنْهُمْ، وَأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْعَثُ رَجُلاً مِنَ الْعَرَبِ مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الله، مِنْ أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: تِهَامَةُ، مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: مَكَّةُ، يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ، لَهُ اثْنَا عَشَرَ اسْماً، وَذَكَرَ مَبْعَثَهُ، وَمَوْلِدَهُ، وَمُهَاجَرَتَهُ، وَمَنْ يُقَاتِلُهُ، وَمَنْ يَنْصُرُهُ، وَمَنْ يُعَادِيهِ، وَمَا يَعِيشُ، وَمَا تَلْقَى أُمَّتُهُ بَعْدَهُ إِلَى أَنْ يَنْزِلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ، وَفِي ذَلِكَ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الله مِنْ خَيْرِ خَلْقِ الله، وَمِنْ أَحَبِّ خَلْقِ الله إِلَيْهِ، وَاللهُ وَلِيٌّ لِمَنْ وَالَاهُمْ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاهُمْ، مَنْ أَطَاعَهُمُ اهْتَدَى، وَمَنْ عَصَاهُمْ ضَلَّ، طَاعَتُهُمْ لله طَاعَةٌ، وَمَعْصِيَتُهُمْ لله مَعْصِيَةٌ، مَكْتُوبَةٌ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ وَنُعُوتُهُمْ، وَكَمْ يَعِيشُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَكَمْ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَسْتَتِرُ بِدِينِهِ وَيَكْتُمُهُ مِنْ قَوْمِهِ، وَمِنَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُمْ وَيَنْقَادُ لَهُ النَّاسُ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) عَلَى آخِرِهِمْ فَيُصَلِّيَ عِيسَى خَلْفَهُ، وَيَقُولُ: إِنَّكُمْ لَأَئِمَّةٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَقَدَّمَكُمْ، فَيَتَقَدَّمُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ وَعِيسَى خَلْفَهُ فِي الصَّفِّ، أَوَّلَهُمْ وَخَيْرَهُمْ وَأَفْضَلَهُمْ، وَلَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ وَأُجُورِ مَنْ أَطَاعَهُمْ وَاهْتَدَى بِهِمْ. رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اسْمُهُ: مُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ الله، وَيس، وَالْفَتَّاحُ، وَالْخَاتَمُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْعَاقِبُ، وَالمَاحِي، وَالْقَائِدُ، وَنَبِيُّ الله، وَصَفِيُّ الله، وَحَبِيبُ الله(٢٨٧)، وَإِنَّهُ يُذْكَرُ إِذَا ذُكِرَ، مِنْ أَكْرَمِ خَلْقِ الله عَلَى الله(٢٨٨)، وَأَحَبِّهِمْ إِلَى الله، لَمْ يَخْلُقِ اللهُ مَلَكاً مُكْرَّماً(٢٨٩) وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلاً مِنْ آدَمَ فَمَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٨٦) في بعض النُّسَخ: (متمسِّكين عليه).
(٢٨٧) في بعض النُّسَخ: (وجنب الله).
(٢٨٨) في بعض النُّسَخ: (وهو أكرم خلق الله عليه).
(٢٨٩) في بعض النُّسَخ: (مَلَكاً مقرَّباً).

↑صفحة ٩٦↑

سِوَاهُ خَيْراً عِنْدَ الله وَلَا أَحَبَّ إِلَى الله مِنْهُ، يُقْعِدُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى عَرْشِهِ، وَيُشَفِّعُهُ فِي كُلِّ مَنْ يَشْفَعُ فِيهِ(٢٩٠)، بِاسْمِهِ جَرَى الْقَلَمُ(٢٩١) فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، وَبِصَاحِبِ اللِّوَاءِ يَوْمَ الْحَشْرِ الْأَكْبَرِ أَخِيهِ وَوَصِيِّهِ وَوَزِيرِهِ وَخَلِيفَتِهِ فِي أُمَّتِهِ، وَمِنْ أَحَبِّ خَلْقِ الله إِلَى الله بَعْدَهُ، عَلِيٌّ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَوَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدَهُ، ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ وُلْدِ مُحَمَّدٍ وَوُلْدِهِ، أَوَّلُهُمْ يُسَمَّى بِاسْمِ ابْنَيْ هَارُونَ(٢٩٢) شَبَّراً وَشَبِيراً، وَتِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ أَصْغَرِهِمَا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، آخِرُهُمُ الَّذِي يُصَلِّي عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ خَلْفَهُ...» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ(٢٩٣).
[٣١/١٠] وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ (عليه السلام): إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ سَلْمَانَ وَمِنَ الْمِقْدَادِ وَمِنْ أَبِي ذَرٍّ أَشْيَاءَ مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمِنَ الْأَحَادِيْثِ(٢٩٤) عَنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غَيْرَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، ثُمَّ سَمِعْتُ مِنْكَ تَصْدِيقاً لِمَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ، وَرَأَيْتُ فِي أَيْدِي النَّاسِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُخَالِفُونَهُمْ فِيهَا، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ(٢٩٥) كَانَ كُلُّهُ بَاطِلاً، أَفَتَرَى أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُتَعَمِّدِينَ، وَيُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِآرَائِهِمْ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٩٠) في بعض النُّسَخ: (في كلِّ من شفع فيه).
(٢٩١) في بحار الأنوار: (صرَّح القلم).
(٢٩٢) كذا في النُّسَخ، والأصوب: (من ولد محمّد، أُولاهما يسمُّون باسم ابني هارون).
(٢٩٣) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٩ - ١٦١/ ح ١٥٩)؛ وراجع: كتاب سُلَيم ابن قيس (ص ٢٥٢ - ٢٥٤)، والفضائل لابن شاذان (ص ١٤٢ - ١٤٥)، وإرشاد القلوب (ج ٢/ ص ٢٩٨ و٢٩٩)، وبحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٢١٠ - ٢١٢/ ح ١٣).
(٢٩٤) في بعض النُّسَخ: (الرواية).
(٢٩٥) في بعض النُّسَخ: (ومن الأحاديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أنَّ ذلك)، وفي الخصال هكذا أيضاً.

↑صفحة ٩٧↑

قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلِيٌّ (عليه السلام) وَقَالَ: «قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ، إِنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقًّا وَبَاطِلاً، وَصِدْقاً وَكَذِباً، وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً، وَخَاصًّا وَعَامًّا، وَمُحْكَماً وَمُتَشَابِهاً، وَحِفْظاً وَوَهَماً، وَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَلَى عَهْدِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ الْكِذَابَةُ(٢٩٦)، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةٌ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ:
رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلْإِيمَانِ، مُتَصَنِّعٌ لِلْإِسْلَامِ بِاللِّسَانِ، لَا يَتَأَثَّمُ وَلَا يَتَحَرَّجُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُتَعَمِّداً، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ(٢٩٧) أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ مَا قَبِلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا قَدْ صَحِبَ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَقَدْ رَآهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، [وَأَخَذُوا عَنْهُ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ حَالَهُ](٢٩٨)، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللهُ عَنِ المُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ(٢٩٩)، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ، فَقَالَ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ [المنافقون: ٤]، ثُمَّ بَقُوا بَعْدَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَتَقَرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلَالِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ، حَتَّى وَلَّوْهُمُ الْأَعْمَالَ، وَحَمَلُوهُمْ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ(٣٠٠)، وَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٢٩٦) الكِذَابة بكسر الكاف وتخفيف الذال: مصدر كذب يكذب، أي كثرت عليَّ كذبة الكذَّابين.
(٢٩٧) في بعض النُّسَخ: (فلو علم المسلمون)، والمتن موافق للكافي والخصال.
(٢٩٨) ما بين المعقوفتين كان في بعض النُّسَخ دون بعض، ولكنَّه موجود في الخصال والكافي.
(٢٩٩) كذا في نهج البلاغة أيضاً، وفي الخصال والكافي: (وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره).
(٣٠٠) قد افتُعِلَ في أيَّام بني أُميَّة لاسيّما زمان معاوية بن أبي سفيان حديث كثير على هذا الوجه جدًّا، جلُّها في مناقب الخلفاء وولائجهم، وبعضها في الطعن على أهل الحقِّ الذين تحزَّبوا عن أهل الباطل ولجأوا إلى الحصن الحصين أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج ١١/ ص ٤٦): (وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدِّثين وأعلامهم في تاريخه... وقال: إنَّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتُعِلَت في أيَّام بني أُميَّة تقرُّباً إليهم بما يظنُّون أنَّهم يرغمون به أُنوف بني هاشم).

↑صفحة ٩٨↑

النَّاسُ مَعَ المُلُوكِ وَالدُّنْيَا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، فَهَذَا(٣٠١) أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ.
وَرَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شَيْئاً وَلَمْ يَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَوَهِمَ فِيهِ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً، فَهُوَ فِي يَدَيْهِ وَيَقُولُ بِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيَرْوِيهِ وَيَقُولُ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَلَوْ عَلِمَ المُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ وَهَمٌ لَرَفَضَهُ.
وَرَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شَيْئاً أَمَرَ بِهِ ثُمَّ نَهَى عَنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَحَفِظَ المَنْسُوخَ وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ، وَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ إِذَا سَمِعُوا مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ(٣٠٢).
وَرَجُلٌ رَابِعٌ لَمْ يَكْذِبْ عَلَى الله وَلَا عَلَى رَسُولِهِ، بُغْضاً لِلْكَذِبِ، وَخَوْفاً مِنَ الله (عزَّ وجلَّ)، وَتَعْظِيماً لِرَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَلَمْ يَسْهُ(٣٠٣)، بَلْ حَفِظَ الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهِهِ، فَجَاءَ بِهِ كَمَا سَمِعَهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ، وَحَفِظَ النَّاسِخَ وَالمَنْسُوخَ، فَعَمِلَ بِالنَّاسِخِ وَرَفَضَ المَنْسُوخَ.
وَإِنَّ أَمْرَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَنَهْيَهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ، لَهُ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ، وَعَامٌّ وَخَاصٌّ، وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ، قَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الْكَلَامُ لَهُ وَجْهَانِ: كَلَامٌ عَامٌّ، وَكَلَامٌ خَاصٌّ(٣٠٤) مِثْلُ الْقُرْآنِ، قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي كِتَابِهِ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٠١) في بعض النُّسَخ: (فهو).
(٣٠٢) المنسوخ ما رُفِعَ حكمه الشرعي بدليل شرعي آخر متأخِّر عنه. وإنَّما النسخ يكون في الأحاديث الواردة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فحسب دون أوصيائه، إذ لا معنى لنسخ حكم من الأحكام بعده (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(٣٠٣) في بعض النُّسَخ: (ولم يتوهَّم).
(٣٠٤) في بعض النُّسَخ: (وجهان عامٌّ وخاصٌّ).

↑صفحة ٩٩↑

الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، يَسْمَعُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ وَلَمْ يَدْرِ(٣٠٥) مَا عَنَى اللهُ (عزَّ وجلَّ)، وَلَا مَا عَنَى بِهِ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَانَ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْءِ فَيَفْهَمُ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْأَلُهُ وَلَا يَسْتَفْهِمُ، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الْأَعْرَابِيُّ أَوِ الطَّارِيُّ فَيَسْأَلَ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَتَّى يَسْمَعُوا، وَقَدْ كُنْتُ أَنَا أَدْخُلُ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كُلَّ يَوْمٍ دَخْلَةً وَكُلَّ لَيْلَةٍ دَخْلَةً، فَيُخْلِينِي فِيهَا خَلْوَةً أَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ، وَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي، فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْتِي، يَأْتِينِي رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي بَيْتِي، وَكُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ مَنَازِلِهِ أَخْلَانِي، وَأَقَامَ عَنِّي نِسَاءَهُ، فَلَا يَبْقَى عِنْدَهُ غَيْرِي، وَإِذَا أَتَانِي لِلْخَلْوَةِ مَعِي فِي مَنْزِلِي لَمْ تَقُمْ عَنِّي فَاطِمَةُ وَلَا أَحَدٌ مِنَ ابْنَيَّ، وَكُنْتُ إِذَا ابْتَدَأْتُ أَجَابَنِي، وَإِذَا سَكَتُّ عَنْهُ وَفَنِيَتْ مَسَائِلِي ابْتَدَأَنِي، وَدَعَا اللهَ أَنْ يُحَفِّظَنِي وَيُفَهِّمُنِي، فَمَا نَسِيتُ شَيْئاً قَطُّ مُذْ دَعَا لِي، وَإِنِّي قُلْتُ لِرَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يَا نَبِيَّ الله، إِنَّكَ مُنْذُ دَعَوْتَ اللهَ لِي بِمَا دَعَوْتَ لَمْ أَنْسَ مِمَّا عَلَّمْتَنِي شَيْئاً وَمَا تُمْلِيهِ عَلَيَّ، فَلِمَ تَأْمُرْنِي بِكَتْبِهِ؟ أَتَتَخَوَّفُ عَلَيَّ النِّسْيَانَ؟
فَقَالَ: يَا أَخِي، لَسْتُ أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ(٣٠٦) النِّسْيَانَ، وَلَا الْجَهْلَ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنَّهُ قَدِ اسْتَجَابَ لِي فِيكَ وَفِي شُرَكَائِكَ الَّذِينَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكَ، وَإِنَّمَا تَكْتُبُهُ لَهُمْ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، وَمَنْ شُرَكَائِي؟
قَالَ: الَّذِينَ قَرَنَهُمُ اللهُ بِنَفْسِهِ وَبِي فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، فَإِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعاً فِي شَيْءٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٠٥) كذا، وفي الكافي والخصال: (فيشتبه على من لا يعرف ولم يدرِ).
(٣٠٦) في الخصال والكافي: (لست أخاف عليك).

↑صفحة ١٠٠↑

فَرُدُّوهُ(٣٠٧) إِلَى الله وَإِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ(٣٠٨).
فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله، وَمَنْ هُمْ؟
قَالَ: الْأَوْصِيَاءُ إِلَى أَنْ يَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي، كُلُّهُمْ هَادٍ مُهْتَدٍ، لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ، هُمْ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَهُمْ، لَا يُفَارِقُونَهُ وَلَا يُفَارِقُهُمْ، بِهِمْ تُنْصَرُ أُمَّتِي وَيُمْطَرُونَ، وَيُدْفَعُ عَنْهُمْ بِمُسْتَجَابَاتِ(٣٠٩) دَعَوَاتِهِمْ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، سَمِّهِمْ لِي.
فَقَالَ: ابْنِي هَذَا - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْحَسَنِ -، ثُمَّ ابْنِي هَذَا - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ -، ثُمَّ ابْنٌ لَهُ عَلَى اسْمِكَ يَا عَلِيُّ، ثُمَّ ابْنٌ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْحُسَيْنِ وَقَالَ: سَيُولَدُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فِي حَيَاتِكَ، فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، ثُمَّ تَكْمِلَةُ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً.
قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله، سَمِّهِمْ لِي، فَسَمَّاهُمْ رَجُلاً رَجُلاً، مِنْهُمْ وَالله يَا أَخَا بَنِي هِلَالٍ مَهْدِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ(٣١٠)، الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(٣١١)،(٣١٢).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٠٧) في بعض النُّسَخ: (فارجعوه).
(٣٠٨) كذا، وهذا مضمون مأخوذ من الآية لا لفظها.
(٣٠٩) في بعض النُّسَخ: (بعظائم).
(٣١٠) في بعض النُّسَخ: (مهدي أُمَّة محمّد).
(٣١١) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٦١ - ١٦٤/ ح ١٦٠)؛ وراجع: كتاب سُلَيم بن قيس: (ص ١٨١ - ١٨٤)، وتفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ٢٥٣ و٢٥٤/ ح ١٧٧)، والكافي (ج ١/ ص ٦٢ - ٦٤/ باب اختلاف الحديث/ ح ١)، والمسترشد (ص ٢٣١ - ٢٣٦/ ح ٦٧)، وكمال الدِّين (ص ٢٨٤ و٢٨٥/ باب ٢٤/ ح ٣٧)، والخصال (ص ٢٥٥ - ٢٥٧/ ح ١٣١)، والاستنصار (ص ١٠ - ١٣)، وتُحَف العقول (ص ١٩٣ - ١٩٦)، ونهج البلاغة (ص ٣٢٥ - ٣٢٨/ الخطبة ٢١٠).
معه في كلِّ ما يخوض فيه من المعارف، وكنت أُوافقه في كلِّ ما يتكلَّم فيه، وأفهم مراده).

(٣١٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢/ ص ٢٣١ - ٢٣٣): (قوله (عليه السلام): ←

↑صفحة ١٠١↑

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

«حقًّا وباطلاً وصدقاً وكذباً» ذكر الصدق والكذب بعد الحقِّ والباطل من قبيل ذكر الخاصِّ بعد العامِّ، لأنَّ الصدق والكذب من خواصِّ الخبر، والحقُّ والباطل يصدقان على الأفعال أيضاً، وقيل: الحقُّ والباطل هنا من خواصِّ الرأي والاعتقاد، والصدق والكذب من خواصِّ النقل والرواية. قوله (عليه السلام): «محكماً ومتشابهاً» المحكم في اللغة هو المضبوط المتقن، ويُطلَق في الاصطلاح على ما اتَّضح معناه، وعلى ما كان محفوظاً من النسخ أو التخصيص أو منهما معاً، وعلى ما كان نظمه مستقيماً خالياً عن الخلل، وما لا يحتمل من التأويل إلَّا وجهاً واحداً، ويقابله بكلٍّ من هذه المعاني المتشابه.
قوله (عليه السلام): «ووهماً» - بفتح الهاء - مصدر قولك: وهمت - بالكسر - أي غلطت وسهوت، وقد روي وهْماً - بالتسكين - مصدر وهمت - بالفتح - إذا ذهب وهمك إلى شيء وأنت تريد غيره، والمعنى متقارب. قوله (عليه السلام): «فليتبوَّأ» صيغة الأمر، ومعناه الخبر، كقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا﴾ (مريم: ٧٥). قوله (عليه السلام): «متصنِّع بالإسلام»: أي متكلِّف له ومتدلِّس به غير متَّصف به في نفس الأمر.
قوله (عليه السلام): «لا يتأثَّم» أي لا يكفُّ نفسه عن موجب الإثم، أو لا يعدُّ نفسه آثماً بالكذب عليه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكذا قوله: «لا يتحرَّج» من الحرج، بمعنى الضيق. قوله (عليه السلام): «وقد أخبر الله (عزَّ وجلَّ) عن المنافقين» أي كان ظاهرهم ظاهراً حسناً، وكلامهم كلاماً مزيَّفاً مدلَّساً يوجب اغترار الناس بهم وتصديقهم فيما ينقلونه عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويرشد إلى ذلك أنَّه سبحانه خاطب نبيَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾ أي لصباحتهم وحسن منظرهم، ﴿وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ أي تصغي إليهم لذلاقة ألسنتهم. قوله (عليه السلام): «فولَّوهم الأعمال» أي أئمَّة الضلال بسبب وضع الأخبار أعطوا هؤلاء المنافقين الولايات وسلَّطوهم على رقاب الناس، ويحتمل العكس أيضاً، أي بسبب مفتريات هؤلاء المنافقين صاروا والين على الناس وصنعوا ما شاءوا وابتدعوا ما أرادوا، ولكنَّه بعيد. قوله (عليه السلام): «ناسخ ومنسوخ» قال الشيخ البهائي (رحمه الله): خبر ثان لأنَّ، أو خبر مبتدأ محذوف، أي بعضه ناسخ وبعضه منسوخ ، أو بدل من (مثل) وجرُّه على البدليَّة من القرآن ممكن، فإنَّ قيام البدل مقام المبدل منه غير لازم عند كثير من المحقِّقين. قوله (عليه السلام): «وقد كان يكون» اسم (كان) ضمير الشأن، و(يكون) تامَّة وهي مع اسمها الخبر،←

↑صفحة ١٠٢↑

[٣٢/١١] وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّ عَلِيًّا (عليه السلام) قَالَ لِطَلْحَةَ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عِنْدَ ذِكْرِ تَفَاخُرِ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِمَنَاقِبِهِمْ وَفَضَائِلِهِمْ -: «يَا طَلْحَةُ، أَلَيْسَ قَدْ شَهِدْتَ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حِينَ دَعَانَا بِالْكَتِفِ لِيَكْتُبَ فِيهَا مَا لَا تَضِلُّ الْأُمَّةُ بَعْدَهُ وَلَا تَخْتَلِفُ، فَقَالَ صَاحِبُكَ مَا قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله يَهْجُرُ، فَغَضِبَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَتَرَكَهَا؟».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وله وجهان: نعت للكلام لأنَّه في حكم النكرة، أو حال منه، وإنْ جعلت (يكون) ناقصة فهو خبرها. قوله (عليه السلام): «وقال الله» لعلَّ المراد أنَّهم لـمَّا سمعوا هذه الآية علموا وجوب اتِّباعه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولـمَّا اشتبه عليهم مراده عملوا بما فهموا منه وأخطأوا فيه، فهذا بيان لسبب خطأ الطائفة الثانية والثالثة، ويحتمل أنْ يكون ذكر الآية لبيان أنَّ هذه الفرقة الرابعة المحقَّة إنَّما تتبَّعوا جميع ما صدر عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الناسخ والمنسوخ والعامِّ والخاصِّ، لأنَّ الله تعالى أمرهم باتِّباعه في كلِّ ما يصدر عنه. قوله (عليه السلام): «فيشتبه» متفرِّع على ما قبل الآية، أي كان يشتبه كلام الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على من لا يعرف، ويحتمل أنْ يكون المراد أنَّ الله تعالى إنَّما أمرهم بمتابعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيما يأمرهم به من اتِّباع أهل بيته والرجوع إليهم فإنَّهم كانوا يعرفون كلامه ويعلمون مرامه فاشتبه ذلك على من لم يعرف مراد الله تعالى وظنُّوا أنَّه يجوز لهم العمل بما سمعوا منه بعده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من غير رجوع إلى أهل بيته. قوله (عليه السلام): «ما عنى الله به» الموصول مفعول (لم يدرِ)، ويحتمل أنْ يكون فاعل (يشتبه). قوله (عليه السلام): «ولا يستفهمه»: أي إعظاماً له. قوله (عليه السلام): «والطاري»: أي الغريب الذي أتاه عن قريب من غير أُنس به وبكلامه. وإنَّما كانوا يُحِبُّون قدومهما إمَّا لاستفهامهم وعدم استعظامهم إيَّاه، أو لأنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يتكلَّم على وفق عقولهم، فيُوضِّحه حتَّى يفهم غيرهم. قوله (عليه السلام): «فيخليني فيها» من الخلوة، يقال: استخلى الملك فأخلاه، أي سأله أنْ يجتمع به في خلوة ففعل، أو من التخلية، أي يتركني أدور معه. قوله (عليه السلام): «أدور معه حيثما دار»: أي لا أُمنع عن شيء من خلواته، أدخل معه أيَّ مدخل يدخل فيه، وأسير معه أينما سار، أو المراد أنِّي كنت محرماً لجميع أسراره، قابلاً لعلومه، أخوض معه في كلِّ ما يخوض فيه من المعارف، وكنت أُوافقه في كلِّ ما يتكلَّم فيه، وأفهم مراده).

↑صفحة ١٠٣↑

قَالَ: بَلَى قَدْ شَهِدْتُهُ.
قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَـمَّا خَرَجْتُمْ أَخْبَرَنِي رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِالَّذِي أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهَا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ الْعَامَّةَ، وَأَنَّ جَبْرَئِيلَ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَخْتَلِفُ وَتَفْتَرِقُ، ثُمَّ دَعَا بِصَحِيفَةٍ فَأَمْلَى عَلَيَّ مَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْكَتِفِ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةَ رَهْطٍ: سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ، وَأَبَا ذَرٍّ، وَالْمِقْدَادَ، وَسَمَّى مَنْ يَكُونُ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى الَّذِينَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِطَاعَتِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَسَمَّانِي أَوَّلَهُمْ، ثُمَّ ابْنِي هَذَا حَسَنٌ، ثُمَّ ابْنِي هَذَا حُسَيْنٌ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ ابْنِي هَذَا حُسَيْنٍ، كَذَلِكَ يَا أَبَا ذَرٍّ، وَأَنْتَ يَا مِقْدَادُ؟».
قَالَا: نَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فَقَالَ طَلْحَةُ: وَالله لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ لِأَبِي ذَرٍّ: «مَا أَقَلَّتِ(٣١٣) الْغَبْرَاءُ، وَلَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ(٣١٤) ذَا لَهْجَةٍ(٣١٥) أَصْدَقَ وَلَا أَبَرَّ مِنْ أَبِي ذَرٍّ»، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ أَصْدَقُ وَأَبَرُّ عِنْدِي مِنْهُمَا(٣١٦).
[٣٣/١٢] وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام): «مَرَرْتُ يَوْماً بِرَجُلٍ - سَمَّاهُ لِي -، فَقَالَ: مَا مَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَثَلِ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِي كبَاةٍ(٣١٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣١٣) في لسان العرب (ج ١١/ ص ٥٦٥/ مادَّة قلل): (يقال: أقلَّ الشيء يقلُّه واستقلَّه: حمله ورفعه).
(٣١٤) في لسان العرب (ج ٤/ص ٢٤٥/مادَّة خضر): (الخضراء: السماء، والغبراء: الأرض).
(٣١٥) في بعض النُّسَخ: (على ذي لهجة).
(٣١٦) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٦ و١٥٧/ ح ١٥٥)؛ وراجع: كتاب سُلَيم بن قيس (ص ٢١١ و٢١٢)، والاحتجاج (ج ١/ ص ٢٢٣ و٢٢٤).
(٣١٧) في النهاية لابن الأثير (ج ٤/ ص ١٤٦): (في حديث العبَّاس: قال: يا رسول الله، إنَّ قريشاً جعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض. قال شمر: لم نسمع الكبوة، ولكنَّا سمعنا: الكبا والكبة، وهي الكناسة والتراب الذي يُكنَس من البيت. وقال غيره: الكبة من الأسماء الناقصة أصلها كبوة، مثل قلة وثبة أصلهما قلوة وثبوة، ويقال للربوة: كبوة بالضمِّ. وقال الزمخشري: الكبا: الكناسة، وجمعه أكباء، والكبة بوزن قلة وظبة ونحوهما، وأصلها كبوة، وعلى الأصل جاء الحديث إلَّا أنَّ المحدِّث لم يضبط الكلمة فجعلها كبوة بالفتح، فإنْ صحَّت الرواية بها فوجهه أنْ تُطلَق الكبوة وهي المرَّة الواحدة من الكسح على الكساحة والكناسة، ومنه الحديث أنَّ ناساً من الأنصار قالوا له: إنَّا نسمع من قومك: إنَّما مثل محمّد كمثل نخلة تنبت في كبا، هي بالكسر والقصر: الكناسة، وجمعها أكباء).

↑صفحة ١٠٤↑

فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَغَضِبَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَخَرَجَ مُغْضَباً وَأَتَى الْمِنْبَرَ، فَفَزِعَتِ(٣١٨) الْأَنْصَارُ إِلَى السِّلَاحِ لِمَا رَأَوْا مِنْ غَضَبِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قَالَ: فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يُعَيِّرُونِي بِقَرَابَتِي وَقَدْ سَمِعُونِي أَقُولُ فِيهِمْ مَا أَقُولُ مِنْ تَفْضِيلِ الله تَعَالَى إِيَّاهُمْ وَمَا اخْتَصَّهُمْ بِهِ مِنْ إِذْهَابِ الرِّجْسِ عَنْهُمْ وَتَطْهِيرِ الله إِيَّاهُمْ؟ وَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْتُهُ فِي فَضْلِ أَهْلِ بَيْتِي وَوَصِيِّي، وَمَا أَكْرَمَهُ اللهُ بِهِ وَخَصَّهُ وَفَضَّلَهُ، مِنْ سَبْقِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَبَلَائِهِ فِيهِ، وَقَرَابَتِهِ مِنِّي، وَأَنَّهُ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، ثُمَّ يَمُرُّ بِهِ فَزَعَمَ أَنَّ مَثَلِي فِي أَهْلِ بَيْتِي كَمَثَلِ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِي أَصْلِ حَشٍّ(٣١٩)؟
أَلَا إِنَّ اللهَ خَلَقَ خَلْقَهُ وَفَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ الْفِرْقَتَيْنِ، وَفَرَّقَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣١٨) في لسان العرب (ج ٨/ص ٢٥٢/مادَّة فزع): (فزع إلى القوم: استغاثهم...، وفزع إليه: لجأ).
(٣١٩) في لسان العرب (ج ٦/ ص ٢٨٦/ مادَّة حشش): (الحَشُّ والحُشُّ: جماعة النخل، وقال ابن دريد: هما النخل المجتمع. والحشُّ أيضاً: البستان...، والحشُّ: المُتَوَضَّأُ، سُمِّي به لأنَّهم كانوا يذهبون عند قضاء الحاجة إِلى البساتين).

↑صفحة ١٠٥↑

الْفِرْقَةَ ثَلَاثَ شُعَبٍ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا شَعْباً، وَخَيْرِهَا قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتاً، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا بَيْتاً، حَتَّى خَلَصْتُ فِي أَهْلِ بَيْتِي وَعِتْرَتِي وَبَنِي أَبِي(٣٢٠)، أَنَا وَأَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، نَظَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ نَظْرَةً وَاخْتَارَنِي مِنْهُمْ، ثُمَّ نَظَرَ نَظْرَةً فَاخْتَارَ عَلِيًّا أَخِي، وَوَزِيرِي، وَوَارِثِي، وَوَصِيِّي، وَخَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي، وَوَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، مَنْ وَالَاهُ فَقَدْ وَالَى اللهَ، وَمَنْ عَادَاهُ فَقَدْ عَادَى اللهَ(٣٢١)، وَمَنْ أَحَبَّهُ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُ أَبْغَضَهُ اللهُ، لَا يُحِبُّهُ إِلَّا كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَلَا يُبْغِضُهُ إِلَّا كُلُّ كَافِرٍ، هُوَ زِرُّ الْأَرْضِ(٣٢٢) بَعْدِي وَسَكَنِهَا، وَهُوَ كَلِمَةُ التَّقْوَى، وَعُرْوَةُ الله الْوُثْقَى، ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ﴾ [التوبة: ٣٢]، يُرِيدُ أَعْدَاءُ الله أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ أَخِي، وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ.
أَيُّهَا النَّاسُ، لِيُبَلِّغْ مَقَالَتِي شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ نَظَرَ نَظْرَةً ثَالِثَةً فَاخْتَارَ مِنْ أَهْلَ بَيْتِي بَعْدِي، وَهُمْ خِيَارُ أُمَّتِي، أَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً بَعْدَ أَخِي وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، كُلَّمَا هَلَكَ وَاحِدٌ قَامَ وَاحِدٌ، مِثْلَهُمْ فِي أُمَّتِي(٣٢٣) كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ، كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ، إِنَّهُمْ أَئِمَّةٌ هُدَاةٌ مَهْدِيُّونَ، لَا يَضُرُّهُمْ كَيْدُ مَنْ كَادَهُمْ، وَلَا خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ، بَلْ يُضِرُّ اللهُ بِذَلِكَ مَنْ كَادَهُمْ وَخَذَلَهُمْ، هُمْ حُجَجُ الله فِي أَرْضِهِ، وَشُهَدَاؤُهُ عَلَى خَلْقِهِ(٣٢٤)، مَنْ أَطَاعَهُمْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللهَ، هُمْ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَهُمْ لَا يُفَارِقُهُمْ وَلَا يُفَارِقُونَهُ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٢٠) يعني به جدَّه عبد المطَّلب.
(٣٢١) في بعض النُّسَخ: (من والاه والاه الله، ومن عاداه عاداه الله).
(٣٢٢) في النهاية لابن الأثير (ج ٢/ ص ٣٠٠): (أي قوامها، وأصله من زرِّ القلب، وهو عظم صغير يكون قوام القلب به).
(٣٢٣) في بعض النُّسَخ وفي بحار الأنوار (ج ٣٦/ص ٢٧٨ و٢٧٩/ح ٩٨): (في أهل بيتي).
(٣٢٤) في بعض النُّسَخ: (هم حُجَج الله على خلقه في أرضه وشهداؤه عليهم).

↑صفحة ١٠٦↑

حَوْضِي، وَأَوَّلُ الْأَئِمَّةِ أَخِي عَلِيٌّ خَيْرُهُمْ، ثُمَّ ابْنِي حَسَنٌ، ثُمَّ ابْنِي حُسَيْنٌ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ...» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ(٣٢٥).
[٣٤/١٣] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ المَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ(٣٢٦)، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): مَا مَعْنَى قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً﴾ [الفرقان: ١١]؟
قَالَ لِي: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ السَّنَةَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً، وَجَعَلَ اللَّيْلَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَجَعَلَ النَّهَارَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً(٣٢٧)، وَمِنَّا اثْنَيْ عَشَرَ مُحَدَّثاً، وَكَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مِنْ تِلْكَ السَّاعَاتِ».
[٣٥/١٤] وَبِهِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ ثَابِتِ بْنِ شُرَيْحٍ(٣٢٨)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (عليهما السلام)(٣٢٩) يَقُولُ: «مِنَّا اثْنَا(٣٢٥) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٨ و١٥٩/ ح ١٥٨)؛ وراجع: كتاب سُلَيم بن قيس (ص ٢٣٥ و٢٣٦).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٢٦) هو الحسن بن أيُّوب بن أبي عقيلة الذي ذكره الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ١٠١/ الرقم ١٧٩/١٩)، وقال: (له كتاب النوادر، رويناه بالإسناد الأوَّل عن حميد، عن أحمد ابن عليٍّ الحموي الصيدي، عنه)، وكأنَّ (الحموي) تصحيف (الحميري).
(٣٢٧) فإنَّ مجموع ساعات الليل والنهار أربع وعشرون ساعة، ففي أوَّل الربيع وأوَّل الخريف يكون كلُّ واحد من الليل والنهار اثنتي عشرة ساعة، وهذا هو المعدّل لهما وملاكهما حكماً في الأمكنة التي يكون اختلافهما فيها كثيراً كالقطبين. وفي قوله (عليه السلام): (وجعل) إشعار بذلك حيث لم يقل: (وخلق).
(٣٢٨) في بعض النُّسَخ والبحار(ج ٣٦/ ص ٣٩٩/ ح ٧): (سمعت جعفر بن محمّد (عليهما السلام)).
(٣٢٩) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١١٦/ الرقم ٢٩٧): (ثابت بن شريح أبو إسماعيل الصائغ الأنباري، مولى الأزد، ثقة).

↑صفحة ١٠٧↑

عَشَرَ مُحَدَّثاً».
[٣٦/١٥] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ(٣٣٠)، عَنْ أَبِي السَّائِبِ(٣٣١)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): «اللَّيْلُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، وَالنَّهَارُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، وَالشُّهُورُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، وَالْأَئِمَّةُ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، وَالنُّقَبَاءُ اثْنَا عَشَرَ نَقِيباً، وَإِنَّ عَلِيًّا سَاعَةٌ مِنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَهُوَ قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً﴾ [الفرقان: ١١]»(٣٣٢).
[٣٧/١٦] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(٣٣٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ بِقُمَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ(٣٣٤)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ(٣٣٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٣٠) الظاهر أنَّ المراد بـ(ابن سنان) محمّد بن سنان الزاهري المعنون في الرجال.
(٣٣١) الظاهر أنَّ المراد بـ(أبي السائب) عطاء بن السائب، المكنَّى بأبي السائب ظاهراً، وهو رجل عامِّي، راجع: تهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ١٨٣/ الرقم ٣٨٦). وفي بعض النُّسَخ: (عن ابن السائب)، وفي بعضها: (عن أبي صامت).
(٣٣٢) تفسير القمِّي (ج ٢/ ص ١١٢) بتفاوت.
(٣٣٣) ستأتي الإشارة في الحديث (٣٧٩/٥) أنَّه عليُّ بن بابويه المعروف.
(٣٣٤) في النُّسَخ: (محمّد بن الحسين أو محمّد بن الحسن)، والصواب ما في المتن، وهو أبو عبد الله الزينبي، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٣٨/ الرقم ٩٠٣): (يُعرَف ويُنكَر بين بين، يروي عن الضعفاء كثيراً).
(٣٣٥) يعني بـ(محمّد بن عليٍّ) أبا سمينة الصيرفي، ذكره الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ٢٢٣/ الرقم ٦٢٤/٣٩).

↑صفحة ١٠٨↑

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ: وَحَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ سِنَانٍ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ؟
قَالَ: «إِنَّ فَضْلَ أَوَّلِنَا يَلْحَقُ فَضْلَ آخِرِنَا، وَفَضْلَ آخِرِنَا يَلْحَقُ فَضْلَ أَوَّلِنَا(٣٣٦)، فَكُلٌّ لَهُ فَضْلٌ».
قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَسِّعْ عَلَيَّ فِي الْجَوَابِ فَإِنِّي وَالله مَا أَسْأَلُكَ إِلَّا مُرْتَاداً(٣٣٧).
فَقَالَ: «نَحْنُ مِنْ شَجَرَةٍ بَرَأَنَا اللهُ مِنْ طِينَةٍ وَاحِدَةٍ، فَضْلُنَا مِنَ الله، وَعِلْمُنَا مِنْ عِنْدِ الله، وَنَحْنُ أُمَنَاءُ الله عَلَى خَلْقِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ، وَالْحُجَّابُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، أَزِيدُكَ يَا زَيْدُ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: «خَلْقُنَا وَاحِدٌ، وَعِلْمُنَا وَاحِدٌ، وَفَضْلُنَا وَاحِدٌ، وَكُلُّنَا وَاحِدٌ عِنْدَ الله(عزَّ وجلَّ)».
فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعِدَّتِكُمْ.
فَقَالَ: «نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ - هَكَذَا - حَوْلَ عَرْشِ رَبِّنَا (جَلَّ وَعَزَّ) فِي مُبْتَدَإِ خَلْقِنَا، أَوَّلُنَا مُحَمَّدٌ، وَأَوْسَطُنَا مُحَمَّدٌ، وَآخِرُنَا مُحَمَّدٌ».
[٣٨/١٧] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ فُضَيْلٍ الرَّسَّانِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٣٦) في بعض النُّسَخ: (وفضل آخرنا كفضل أوَّلنا).
(٣٣٧) أي طالباً للحقِّ، في لسان العرب (ج ٣/ ص ١٨٧/ مادَّة رود): (راد الكلأَ يَرُدوه رَوْداً ورِياداً وارتاده ارتياداً بمعنى أي طلبه).

↑صفحة ١٠٩↑

الْبَاقِرِ (عليهما السلام) ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ قَالَ لِي: «يَا أَبَا حَمْزَةَ، مِنَ المَحْتُومِ الَّذِي لَا تَبْدِيلَ لَهُ عِنْدَ الله قِيَامُ قَائِمِنَا، فَمَنْ شَكَّ فِيمَا أَقُولُ لَقِيَ اللهَ سُبْحَانَهُ وَهُوَ بِهِ كَافِرٌ وَلَهُ جَاحِدٌ».
ثُمَّ قَالَ: «بِأَبِي وَأُمِّي المُسَمَّى بِاسْمِي، وَالمُكَنَّى بِكُنْيَتِي، السَّابِعُ مِنْ بَعْدِي، بِأَبِي مَنْ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَنْ أَدْرَكَهُ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ فَمَا سَلَّمَ لِمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ (عليهما السلام)، وَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَمَأْواهُ النَّارُ، وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ».
وأوضح من هذا بحمد الله وأنور وأبين وأزهر لمن هداه الله وأحسن إليه قول الله (عزَّ وجلَّ) في محكم كتابه: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: ٣٦]، ومعرفة الشهور - المحرَّم وصفر وربيع وما بعده، والحُرُم منها هي: رجب(٣٣٨) وذو القعدة وذو الحجَّة والمحرَّم - لا تكون ديناً قيِّماً، لأنَّ اليهود والنصارى والمجوس وسائر المِلَل والناس جميعاً من الموافقين والمخالفين يعرفون هذه الشهور ويعدُّونها بأسمائها، وإنَّما هم الأئمَّة (عليهم السلام) والقوَّامون بدين الله، والحُرُم منها أمير المؤمنين عليٌّ الذي اشتقَّ الله تعالى له اسماً من اسمه العليِّ، كما اشتقَّ لرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اسماً من اسمه المحمود، وثلاثة من ولده أسماؤهم عليٌّ: عليُّ بن الحسين، وعليُّ بن موسى، وعليُّ بن محمد، فصار لهذا الاسم المشتقِّ من اسم الله (عزَّ وجلَّ) حرمة به، وصلوات الله على محمّد وآله المكرَّمين المتحرَّمين به(٣٣٩).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٣٨) في بعض النُّسَخ: (جمادى).
(٣٣٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٣٩٤ و٣٩٥): (إنَّما كُنِّي عنهم بالشهور لأنَّ بهم دارت السماوات واستقرَّت الأركان، وبوجودهم جرت الأعوام والأزمان، وببركتهم ينتظم نظام عالم الإمكان، فاستُعير لهم هذا الاسم بتلك المناسبات في بطن القرآن. وأيضاً لاشتهارهم بين أهل الدهور سُمُّوا بالشهور. وأيضاً لكون أنوارهم فائضة على الممكنات وعلومهم مشرقة على الخلق بقدر الاستعدادات والقابليَّات، فأُشبهوا الأهلَّة والشهور في اختلاف إفاضة النور، فبالنظر إلى بصائر المخالفين كالمحاق، وبالنظر إلى القاصرين كالأهلَّة، وبالنظر إلى أصحاب اليقين كالبدور، وعلى كلِّ حالٍ فأنوارهم مقتبسة من شمس عالم الوجود ورسول المَلِك المعبود، وكلُّ الأنوار مقتبسة من نور الأنوار).
 

↑صفحة ١١٠↑

[٣٩/١٨] أَخْبَرَنَا سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ(٣٤٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ المَعْرُوفُ بِالْحَاجِيِّ(٣٤١)، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْقَاسِمِ الْعَلَوِيُّ الْعَبَّاسِيُّ الرَّازِيُّ(٣٤٢)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ كَثِيرٍ(٣٤٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) بِالمَدِينَةِ، فَقَالَ لِي: «مَا الَّذِي أَبْطَأَ بِكَ يَا دَاوُدُ عَنَّا؟».
فَقُلْتُ: حَاجَةٌ عَرَضَتْ بِالْكُوفَةِ.
فَقَالَ: «مَنْ خَلَّفْتَ بِهَا؟».
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، خَلَّفْتُ بِهَا عَمَّكَ زَيْداً، تَرَكْتُهُ رَاكِباً عَلَى فَرَسٍ مُتَقَلِّداً سَيْفاً(٣٤٤)، يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ: سَلُونِي سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، فَبَيْنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٤٠) عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٢٧/ الرقم ٦١٣٩/٤) فيمن لم يرو عن واحد من الأئمَّة (عليهم السلام)، قائلاً: (سلامة بن محمّد بن إسماعيل الأرزني، نزيل بغداد، سمع منه التلعكبري سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وله منه إجازة، يُكنَّى أبا الحسن).
(٣٤١) لم أعثر عليه بهذا العنوان في كُتُب الرجال.
(٣٤٢) هو من أحفاد العبَّاس بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٤٠/ الرقم ٣٦٤): (ثقة، جليل القدر، من أصحابنا، كثير الحديث، له كتاب).
(٣٤٣) في بعض النُّسَخ: (محمّد بن كثير).
(٣٤٤) في بعض النُّسَخ: (مصحفاً).

↑صفحة ١١١↑

جَوَانِحِي عِلْمٌ جَمٌّ، قَدْ عَرَفْتُ النَّاسِخَ مِنَ المَنْسُوخِ، وَالمَثَانِيَ وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، وَإِنِّي الْعَلَمُ بَيْنَ الله وَبَيْنَكُمْ.
فَقَالَ لِي: «يَا دَاوُدُ، لَقَدْ ذَهَبَتْ بِكَ المَذَاهِبُ»، ثُمَّ نَادَى: «يَا سَمَاعَةَ بْنَ مِهْرَانَ، ائتِنِي بِسَلَّةِ الرُّطَبِ».
فَأَتَاهُ بِسَلَّةٍ فِيهَا رُطَبٌ، فَتَنَاوَلَ مِنْهَا رُطَبَةً فَأَكَلَهَا، وَاسْتَخْرَجَ النَّوَاةَ مِنْ فِيهِ فَغَرَسَهَا فِي الْأَرْضِ، فَفَلَقَتْ وَأَنْبَتَتْ وَأَطْلَعَتْ وَأَغْدَقَتْ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى بُسْرَةٍ مِنْ عَذْقٍ فَشَقَّهَا وَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا رَقًّا(٣٤٥) أَبْيَضَ فَفَضَّهُ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، وَقَالَ: «اقْرَأْهُ».
فَقَرَأْتُهُ، وَإِذَا فِيهِ سَطْرَانِ السَّطْرُ الْأَوَّلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، وَالثَّانِي: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [التوبة: ٣٦]، أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، الْخَلَفُ الْحُجَّةُ.
ثُمَّ قَالَ: «يَا دَاوُدُ، أَتَدْرِي مَتَى كُتِبَ هَذَا فِي هَذَا؟».
قُلْتُ: اللهُ أَعْلَمُ، وَرَسُولُهُ، وَأَنْتُمْ.
فَقَالَ: «قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ»(٣٤٦).
[٤٠/١٩] أَخْبَرَنَا سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّيَّارِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٤٥) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٤٠١): (الظاهر أنَّ هذا الرقَّ كان مكتوباً قبل آدم بألفي عام، فجعله الله لإظهار إعجازه (عليه السلام) بين تلك البسرة في هذه الساعة).
(٣٤٦) مقتضب الأثر (ص ٣٠ و٣١)، ومناقب آل أبي طالب (ج ١/ ص ٢٦٤ و٢٦٥).

↑صفحة ١١٢↑

عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ الله الخبائيُّ(٣٤٧)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ مَيْمُونٍ الشَّعِيرِيِّ(٣٤٨)، عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِّ(٣٤٩)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) خَلَقَ بَيْتاً مِنْ نُورٍ جَعَلَ قَوَائِمَهُ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ، [كَتَبَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةَ أَسْمَاءٍ](٣٥٠): تَبَارَكَ، وَسُبْحَانَ، وَالْحَمْدَ، وَاللهَ(٣٥١). ثُمَّ خَلَقَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ أَرْبَعَةً وَمِنَ الْأَرْبَعَةِ أَرْبَعَةً(٣٥٢)، ثُمَّ قَالَ (جَلَّ وَعَزَّ): ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْراً﴾ [التوبة: ٣٦]»(٣٥٣).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٤٧) هو عليُّ بن أبي القاسم عبد الله بن عمران البرقي المعروف أبوه بماجيلويه، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٦١/ الرقم ٦٨٣): (يُكنَّى أبا الحسن، ثقة، فاضل، فقيه، أديب، رأى أحمد بن محمّد البرقي وتأدَّب عليه، وهو ابن بنته).
(٣٤٨) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (عن أُميَّة بنت ميمون)، وفي بعضها: (عن أُميَّة، عن ميمون الشعيري)، ولعلَّ الصواب: (أُميَّة بن عمرو بن ميمون).
(٣٤٩) هو زياد بن مروان القندي الواقفي المعنون في رجال النجاشي (ص ١٧١/الرقم ٤٥٠)، وغيره من كُتُب الرجال.
(٣٥٠) ما جُعِلَ بين المعقوفتين هو ما كان في بعض النُّسَخ دون بعض، وكذا في جلِّ ما تقدَّم أو يأتي، غير أنَّ في بعض الموارد هو ما أضفناه ليستقيم المعنى، لكنَّه يكون في غير متن الحديث مع الإشارة إليه في الهامش.
(٣٥١) في بعض النُّسَخ عكس هذا الترتيب.
(٣٥٢) في بعض النُّسَخ: (ثمّ خلق أربعة من أربعة، ومن أربعة أربعة).
(٣٥٣) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٤١٠ و٤١١): (الظاهر بقرينة الأخبار الأُخَر الواردة في تفسير الآية أنَّ الغرض تطبيقه على عدد الأئمَّة، وهو من الرموز والمتشابهات التي لا يعلمها إلَّا الله والراسخون في العلم، ويمكن أنْ يقال على وجه الاحتمال: إنَّ أسماءه تعالى منها ما يدلُّ على الذات، ومنها ما يدلُّ على صفات الذات، ومنها ما يدلُّ على التنزيه، ومنها ما يدلُّ على صفات الفعل، فالله يدلُّ على الذات، والحمد على ما يستحقُّ عليه الحمد من الصفات الكماليَّة الذاتيَّة، وسبحان على الصفات التنزيهيَّة، وتبارك لكونه من البركة والنماء على صفات الفعل، أو تبارك على صفات الذات لكونه من البروك والثبات، والحمد على صفات الفعل لكونه على النِّعَم الاختياريَّة. ويتشعب منها أربعة لأنَّه يتشعَّب من اسم الذات ما يدلُّ على توحيده وعدم التكثير فيه، ولذا بدأ الله تعالى به بعد (الله) فقال: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١]، ويتشعَّب من الأحد الصمد، لأنَّ كونه غنيًّا عمَّا سواه وكون ما سواه محتاجاً إليه من لوازم أحديَّته وتفرُّده بذلك، ولذا ثُنِّي به في سورة التوحيد بعد ذكر الأحد. وأمَّا صفات الذات فيتشعَّب أوَّلاً منها القدير، ولـمَّا كانت من القدرة الكاملة يستلزم العلم الكامل تشعَّب منه العليم، وسائر صفات الذات ترجع إليهما عند التحقيق، ويحتمل العكس أيضاً بأنْ يقال: يتشعَّب القدرة من العلم كما لا يخفى على المتأمِّل. وأمَّا ما يدلُّ على التنزيه فيتشعَّب منها أوَّلاً السبُّوح الدالُّ على تنزيه الذات، ثمّ القدُّوس الدالُّ على تنزيه الصفات. وأمَّا صفات الفعل فيتشعَّب منها أوَّلاً الخالق، ولـمَّا كان الخلق مستلزماً للرزق أو التربية تشعَّب منه ثانياً الرازق أو الربُّ، ولـمَّا كانت تلك الصفات الكماليَّة دعت إلى بعثة الأنبياء ونصب الحُجَج (عليهم السلام) فبيت النور الذي هو بيت الإمامة كما بُيِّن في آية النور مبنيَّة على تلك القوائم، أو أنَّه تعالى لـمَّا حلاهم بصفاته وجعلهم مظهر آيات جلاله وعبَّر عنهم بأسمائه وكلماته فهم متخلِّقون بأخلاق الرحمن، وبيت نورهم وكمالهم مبنيٌّ على تلك الأركان، وبسط القول فيه يفضي إلى ما لا تقبله العقول والأذهان، ولا يجرى في تحريره الأقلام بالبنان، فهذا جملة ممَّا خطر بالبال في حلِّ هذه الرواية، والله وليُّ التوفيق والهداية).

↑صفحة ١١٣↑

[٤١/٢٠] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: ١٠ و١١].
قَالَ: «نَطَقَ اللهُ بِهَا يَوْمَ ذَرَأَ الْخَلْقَ فِي الْمِيثَاقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ بِأَلْفَيْ عَامٍ».
فَقُلْتُ: فَسِّرْ لِي ذَلِكَ.
فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ (جلَّ وعزَّ) لَـمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ خَلَقَهُمْ مِنْ طِينٍ، وَرَفَعَ

↑صفحة ١١٤↑

لَهُمْ نَاراً، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَهَا مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَتِسْعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِمَامٌ بَعْدَ إِمَامٍ، ثُمَّ أَتْبَعَهُمْ بِشِيعَتِهِمْ، فَهُمْ وَالله السَّابِقُونَ».
[٤٢/٢١] حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ عَمَّارٍ الْكُوفِيُّ(٣٥٤)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ هِشَامٍ اللُّؤْلُؤِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْخِيِّ(٣٥٥)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، فَإِنِّي عِنْدَهُ جَالِسٌ إِذْ دَخَلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى وَهُوَ غُلَامٌ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقَبَّلْتُهُ وَجَلَسْتُ.
فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «يَا إِبْرَاهِيمُ، أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُكَ مِنْ بَعْدِي، أَمَا لَيَهْلِكَنَّ فِيهِ أَقْوَامٌ وَيَسْعَدُ آخَرُونَ، فَلَعَنَ اللهُ قَاتِلَهُ وَضَاعَفَ عَلَى رُوحِهِ الْعَذَابَ، أَمَا لَيُخْرِجَنَّ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مِنْ صُلْبِهِ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي زَمَانِهِ، سَمِيَّ جَدِّهِ، وَوَارِثَ عِلْمِهِ وَأَحْكَامِهِ وَقَضَايَاهُ، وَمَعْدِنَ الْإِمَامَةِ، وَرَأْسَ الْحِكْمَةِ، يَقْتُلُهُ جَبَّارُ بَنِي فُلَانٍ بَعْدَ عَجَائِبَ طَرِيفَةٍ حَسَداً لَهُ، وَلَكِنَ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ، يُخْرِجُ اللهُ مِنْ صُلْبِهِ تَكْمِلَةَ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً مَهْدِيًّا، اخْتَصَّهُمُ اللهُ بِكَرَامَتِهِ، وَأَحَلَّهُمْ دَارَ قُدْسِهِ، المُنْتَظِرُ لِلثَّانِي عَشَرَ، الشَّاهِرُ سَيْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَانَ كَالشَّاهِرِ سَيْفَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَذُبُّ عَنْهُ».
وَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ فَانْقَطَعَ الْكَلَامُ، فَعُدْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَحَدَ عَشَرَ مَرَّةً أُرِيدُ أَنْ يَسْتَتِمَّ الْكَلَامَ فَمَا قَدَرْتُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ قَابِلُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٥٤) الظاهر أنَّه أحمد بن محمّد بن عمَّار الكوفي الذي قال عنه الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ٧٥/ الرقم ٨٨/٢٦): (شيخ من أصحابنا، ثقة، جليل القدر، كثير الحديث والأُصول).
(٣٥٥) هو إبراهيم بن أبي زياد الكرخي الذي روى عنه الحسن بن محبوب، وروايته هذه تدلُّ على كونه إماميًّا خالصاً حسن العقيدة، كما يظهر من كلامه في ذيل الخبر، وإنْ لم يتعرَّض أحد من الرجاليِّين له بمدح ولا قدح.

↑صفحة ١١٥↑

- السَّنَةِ الثَّانِيَةِ - دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَقَالَ: «يَا إِبْرَاهِيمُ، هُوَ المُفَرِّجُ لِلْكَرْبِ عَنْ شِيعَتِهِ بَعْدَ ضَنْكٍ شَدِيدٍ، وَبَلَاءٍ طَوِيلٍ، وَجَوْرٍ(٣٥٦) وَخَوْفٍ، فَطُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ، حَسْبُكَ يَا إِبْرَاهِيمُ».
قَالَ: فَمَا رَجَعْتُ بِشَيْءٍ أَسَرَّ إِلَيَّ مِنْ هَذَا لِقَلْبِي، وَلَا أَقَرَّ لِعَيْنِي(٣٥٧).
[٤٣/٢٢] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحُسَيْنُ(٣٥٨) بْنُ مُحَمَّدٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ جَعْفَرٍ الرُّمَّانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ ابْنِ أُخْتِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيِّ(٣٥٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ(٣٦٠)، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى حُمْرَانَ فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: «يَا حُمْرَانُ، عَجَباً لِلنَّاسِ كَيْفَ غَفَلُوا، أَمْ نَسُوا، أَمْ تَنَاسَوْا فَنَسُوا قَوْلَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حِينَ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّاسُ يَعُودُونَهُ وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا غَصَّ بِأَهْلِهِ الْبَيْتُ(٣٦١) جَاءَ عَلِيٌّ (عليه السلام) فَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَخَطَّاهُمْ(٣٦٢) إِلَيْهِ وَلَمْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٥٦) في بعض النُّسَخ: (جوع).
(٣٥٧) كمال الدِّين (ص ٣٣٤ و٣٣٥/ باب ٣٣/ ح ٥، وص ٦٤٧/ باب ٥٥/ ح ٨).
(٣٥٨) في بعض النُّسَخ: (جعفر).
(٣٥٩) في بعض النُّسَخ: (خالد بن محمّد القطواني)، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وخالد بن مخلد مشهور في كُتُب العامَّة.
(٣٦٠) عبد الوهَّاب الثقفي هو عبد الوهَّاب بن عبد المجيد الثقفي المعنون في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٦٢٦/ الرقم ٤٢٧٥)، وتهذيب التهذيب (ج ٦/ ص ٣٩٧/ الرقم ٨٣٧).
ورجال صدر السند غير مذكورين، ومهملين.
(٣٦١) في لسان العرب (ج ٧/ ص ٦١/ مادَّة غصص): (غصَّ المكان بأهله: ضاق، والمنزلُ غاصٌّ بالقوم أي ممتلئ بهم).
(٣٦٢) في لسان العرب (ج ١٤/ ص ٢٣٢/ مادَّة خطا): (تَخَطَّى الناسَ واخْتَطاهم: رَكِبَهم وجاوزَهم).

↑صفحة ١١٦↑

الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذَلِكَ رَفَعَ مِخَدَّتَهُ(٣٦٣) وَقَالَ: إِلَيَّ يَا عَلِيُّ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ زَحَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَأَفْرَجُوا حَتَّى تَخَطَّاهُمْ، وَأَجْلَسَهُ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى جَانِبِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا أَنْتُمْ تَفْعَلُونَ بِأَهْلِ بَيْتِي فِي حَيَاتِي مَا أَرَى، فَكَيْفَ بَعْدَ وَفَاتِي؟! وَالله لَا تَقْرُبُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي قُرْبَةً إِلَّا قَرُبْتُمْ مِنَ الله مَنْزِلَةً، وَلَا تَبَاعَدُونَ عَنْهُمْ خُطْوَةً وَتُعْرِضُونَ عَنْهُمْ إِلَّا أَعْرَضَ اللهُ عَنْكُمْ.
ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ، أَلَا إِنَّ الرِّضَا وَالرِّضْوَانَ وَالْجَنَّةَ(٣٦٤) لِمَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا وَتَوَلَّاهُ، وَائْتَمَّ بِهِ وَبِفَضْلِهِ، وَبِأَوْصِيَائِي بَعْدَهُ، وَحَقٌّ عَلَى رَبِّي أَنْ يَسْتَجِيبَ لِي فِيهِمْ، إِنَّهُمْ اثْنَا عَشَرَ وَصِيًّا، وَمَنْ تَبِعَهُ(٣٦٥) فَإِنَّهُ مِنِّي، إِنِّي مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمُ مِنِّي، وَدِينِي دِينُهُ وَدِينُهُ دِينِي، وَنِسْبَتُهُ نِسْبَتِي وَنِسْبَتِي نِسْبَتُهُ(٣٦٦)، وَفَضْلِي فَضْلُهُ وَأَنَا أَفْضَلُ مِنْهُ وَلَا فَخْرَ، يُصَدِّقُ قَوْلِي قَوْلُ رَبِّي: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٣٤]».
[٤٤/٢٣] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْقُوهِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَدْرُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ بَدْرٍ الْأَنْمَاطِيُّ فِي سُوقِ اللَّيْلِ بِمَكَّةَ - وَكَانَ شَيْخاً نَفِيساً مِنْ إِخْوَانِنَا الْفَاضِلِينَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ قَزْوِينَ - فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ بَدْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي بَدْرُ اِبْنُ عِيسَى(٣٦٧)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عِيسَى بْنُ مُوسَى - وَكَانَ رَجُلاً مَهِيباً -، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ أَدْرَكْتَ مِنَ التَّابِعِينَ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٦٣) في بعض النُّسَخ: (رفع فخذيه).
(٣٦٤) في بعض النُّسَخ: (والرضوان والحبُّ).
(٣٦٥) في بعض نُسَخ الكتاب والبحار (ج ٣٦/ ص ٢٧٩ و٢٨٠/ ح ٩٩): (ومن تبعني).
(٣٦٦) في بعض النُّسَخ: (وسُنَّتي سُنَّته، ونسبي نسبه)، وفي بعضها: (ونسبي نسبه ونسبه نسبي).
(٣٦٧) لم أعثر على هؤلاء في ما عندي من كُتُب الرجال، ولا عنوانهم في فهرست رجال التدوين.

↑صفحة ١١٧↑

فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ لِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ بِالْكُوفَةِ، فَسَمِعْتُ شَيْخاً فِي جَامِعِهَا يَتَحَدَّثُ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ) يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَا عَلِيُّ، الْأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ المُهْتَدُونَ المَعْصُومُونَ(٣٦٨) مِنْ وُلْدِكَ أَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً، وَأَنْتَ أَوَّلُهُمْ، آخِرُهُمُ اسْمُهُ اسْمِي، يَخْرُجُ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، يَأْتِيهِ الرَّجُلُ وَالمَالُ كُدْسٌ، فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ، أَعْطِنِي، فَيَقُولُ: خُذْ»(٣٦٩).
[٤٥/٢٤] حَدَّثَنَا أَبُو الْحَارِثِ عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ سَهْلٍ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الله الدَّسْتُوَائِيُّ(٣٧٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ(٣٧١)، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليهما السلام)، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَوْحَى إِلَيَّ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ خَلَّفْتَ فِي الْأَرْضِ فِي(٣٧٢) أُمَّتِكَ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ -؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٦٨) في بعض النُّسَخ: (الراشدون المهديُّون المغصوبون حقوقهم).
(٣٦٩) الغيبة للطوسي (ص ١٣٥ و١٣٦/ ح ٩٩) مختصراً.
(٣٧٠) الظاهر أنَّه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، واسم أبيه سنبر - وزان جعفر -، وهو ثقة ثبت كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٢٦٧/ الرقم ٧٣٢٥).
(٣٧١) مشترك، ولم أتحقَّق من هو. وفي بعض النُّسَخ: ( عليُّ بن عليٍّ)، وهو إمَّا عليُّ بن عليِّ بن نجاد المعنون في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٧٠٠/ الرقم ٤٧٨٩)، وكان ثقة. أو عليُّ ابن عليِّ بن رزين أخو دعبل الخزاعي، راجع ما ذكره النجاشي (رحمه الله) في ترجمة ابنه (ص ٣٢/ الرقم ٦٩). والمظنون أنَّه عليُّ بن حمَّاد المنقري الكوفي، وصُحِّف في النُّسَخ بـ(عليِّ بن محمّد) أو (عليِّ بن عليٍّ).
(٣٧٢) في بعض النُّسَخ: (على).

↑صفحة ١١٨↑

قُلْتُ: يَا رَبِّ، أَخِي.
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ.
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي اطَّلَعْتُ إِلَى الْأَرْضِ اطِّلَاعَةً فَاخْتَرْتُكَ مِنْهَا، فَلَا أُذْكَرُ حَتَّى تُذْكَرُ مَعِي، فَأَنَا المَحْمُودُ وَأَنْتَ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ إِنِّي اطَّلَعْتُ إِلَى الْأَرْضِ اطِّلَاعَةً أُخْرَى فَاخْتَرْتُ مِنْهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَجَعَلْتُهُ وَصِيَّكَ، فَأَنْتَ سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ وَعَلِيٌّ سَيِّدُ الْأَوْصِيَاءِ، ثُمَّ شَقَقْتُ لَهُ اسْماً مِنْ أَسْمَائِي، فَأَنَا الْأَعْلَى وَهُوَ عَلِيٌّ.
يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي خَلَقْتُ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَالْأَئِمَّةَ مِنْ نُورٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ عَرَضْتُ وَلَايَتَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ، فَمَنْ قَبِلَهَا كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ، وَمَنْ جَحَدَهَا كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ.
يَا مُحَمَّدُ، لَوْ أَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِي عَبَدَنِي حَتَّى يَنْقَطِعَ ثُمَّ لَقِيَنِي جَاحِداً لِوَلَايَتِهِمْ أَدْخَلْتُهُ نَارِي.
ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهُمْ؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: تَقَدَّمْ أَمَامَكَ.
فَتَقَدَّمْتُ أَمَامِي فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْحُجَّةُ الْقَائِمُ كَأَنَّهُ الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ فِي وَسْطِهِمْ.
فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟
قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ، وَهَذَا الْقَائِمُ مُحَلِّلٌ حَلَالِي، وَمُحَرِّمٌ حَرَامِي، وَيَنْتَقِمُ مِنْ

↑صفحة ١١٩↑

أَعْدَائِي. يَا مُحَمَّدُ، أَحْبِبْهُ فَإِنِّي أُحِبُّهُ وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُ»(٣٧٣).
[٤٦/٢٥] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، قَالَ: «يَكُونُ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ(٣٧٤)»(٣٧٥).
[٤٧/٢٦] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ كَرَّامٍ(٣٧٦)، قَالَ: حَلَفْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي أَلَّا آكُلَ طَعَاماً بِنَهَارٍ أَبَداً حَتَّى يَقُومَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِكَ جَعَلَ لله عَلَيْهِ أَلَّا يَأْكُلَ طَعَاماً بِنَهَارٍ أَبَداً حَتَّى يَقُومَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ: «صُمْ يَا كَرَّامُ، وَلَا تَصُمِ الْعِيدَيْنِ، وَلَا ثَلَاثَةَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَا إِذَا كُنْتَ مُسَافِراً(٣٧٧)، فَإِنَّ الْحُسَيْنَ (عليه السلام) لَـمَّا قُتِلَ عَجَّتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهِمَا وَالمَلَائِكَةُ، فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا، أَتَأْذَنُ لَنَا(٣٧٨) فِي هَلَاكِ الْخَلْقِ حَتَّى نَجُذَّهُمْ مِنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٧٣) مقتضب الأثر (ص ٢٦ و٢٧).
(٣٧٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٦/ ص ٢٣١): (قائمهم: يعني يقوم بالسيف ويجاهد حتَّى يغلب الحقُّ وأهله على الباطل وأهله).
(٣٧٥) الكافي (ج ١/ ص ٥٣٣/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ١٥)؛ وراجع: الخصال (ص ٤١٩/ ح ١٢، وص ٤٨٠/ ح ٥٠)، وتقريب المعارف (ص ٤٢٥)، والغيبة للطوسي (ص ١٤٠/ ح ١٠٤)، ومناقب آل أبي طالب (ج ١/ ص ٢٥٥).
(٣٧٦) كرَّام إمَّا بكسر الكاف وتخفيف المهملة، أو بفتح الكاف وتشديد الراء، وهو كرَّام بن عمرو عبد الكريم، قال الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج ٢/ ص ٨٣٠/ الرقم ١٠٤٩): (حمدويه، قال: سمعت أشياخي يقولون: إنَّ كرَّاماً هو عبد الكريم بن عمرو، واقفي).
(٣٧٧) زاد في الكافي: (ولا مريضاً).
(٣٧٨) في الكافي: (يا ربَّنا ائذن لنا).

↑صفحة ١٢٠↑

جَدِيدِ الْأَرْضِ بِمَا اسْتَحَلُّوا حُرْمَتَكَ وَقَتَلُوا صَفْوَتَكَ؟ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِمْ: يَا مَلَائِكَتِي، وَيَا سَمَائِي، وَيَا أَرْضِي، اسْكُنُوا. ثُمَّ كَشَفَ حِجَاباً مِنَ الْحُجُبِ، فَإِذَا خَلْفَهُ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَاثْنَا عَشَرَ وَصِيًّا لَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِ فُلَانٍ مِنْ بَيْنِهِمْ، فَقَالَ: يَا مَلَائِكَتِي، وَيَا سَمَاوَاتِي، وَيَا أَرْضِي، بِهَذَا أَنْتَصِرُ مِنْهُمْ لِهَذَا - قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -».
وَجَاءَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيِّ: «بِهَذَا أَنْتَصِرُ مِنْهُمْ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ»(٣٧٩)،(٣٨٠).
[٤٨/٢٧] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٧٩) الكافي (ج ١/ ص ٥٣٤/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ١٩)؛ وراجع صدره في: الكافي (ج ٤/ ص ١٤١/ باب من جعل على نفسه صوماً معلوماً.../ ح ١)، ومن لا يحضره الفقيه (ج ٢/ ص ١٢٧/ ح ١٩٢٥)، وتهذيب الأحكام (ج ٤/ ص ١٨٣/ ح ٥١٠/١١)، والاستبصار (ج ٢/ ص ٧٩ و٨٠/ ح ٢٤٢/٩).
(٣٨٠) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٧/ ص ٣٨١ و٣٨٢): (قوله: (أنْ لا آكل طعاماً بنهار أبداً) كناية عن حلف صوم الدهر، والمراد بالحلف فيما بينه وبين نفسه عدم إظهاره لأحد، ولو حُمِلَ على الحلف النفسي لم يكن الوفاء به واجباً بل مستحبٌّ. قوله: (حتَّى نجليهم عن جديد الأرض) جلوا عن أوطانهم وجلوتهم إذا أخرجتهم يتعدَّى ولا يتعدَّى، وجديد الأرض وجهها، وفي بعض النُّسَخ: (حتَّى نجدَّهم) أي نقطعهم من جددت الشيء أجدُّه بالضمِّ قطعته. قوله: (وأخذ بيد فلان) أي أخذ جبرئيل أو مَلَك من الملائكة أو رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأمره تعالى، ونسبة الأخذ إليه تعالى مجاز من باب نسبة الفعل إلى الآمر به، أو أخذ يده كناية عن وضع علامة عرفوه بها. قوله: (قالها ثلاث مرَّات) أي قال الله تعالى هذه الكلمة ثلاث مرَّات، أو قالها الصادق (عليه السلام). والغرض من قوله (عليه السلام): «فإنَّ الحسين (عليه السلام) لـمَّا قُتِلَ...» إلى آخر الحديث هو التصريح بما هو المقصود من هذا الباب من أنَّ الأوصياء اثني عشر مع الإتيان بما هو حجَّة على كرَّام، لعلمه (عليه السلام) بأنَّه سيصير واقفيًّا).

↑صفحة ١٢١↑

سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ جَعْفَرٍ الطَّيَّارَ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ أَنَا وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ الله بْنُ عَبَّاسٍ وَعُمَرُ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَجَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ كَلَامٌ، فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «أَنَا أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ عَلِيٌّ فَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ ابْنِيَ الْحُسَيْنُ مِنْ بَعْدِهِ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ فَابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ - وَسَتُدْرِكُهُ يَا عَلِيُّ -، ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ - وَسَتُدْرِكُهُ يَا حُسَيْنُ -، ثُمَّ تُكَمِّلُهُ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً تِسْعَةً مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ».
قَالَ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ: فَاسْتَشْهَدْتُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَعَبْدَ الله بْنَ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ ابْنَ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَشَهِدُوا.
قَالَ سُلَيْمٌ: وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَالْمِقْدَادِ وَأَبِي ذَرٍّ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)،(٣٨١)،(٣٨٢).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٨١) الكافي (ج ١/ ص ٥٢٩/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ٤)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١١٠ و١١١/ ح ٩٧)، وكمال الدِّين (ص ٢٧٠/ باب ٢٤/ ح ١٥)، والخصال (ص ٤٧٧/ ح ٤١)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٥٢ و٥٣/ ح ٨)، وتقريب المعارف (ص ٤٢٠)، والغيبة للطوسي (ص ١٣٧ و١٣٨/ ح ١٠١).
(٣٨٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٦/ ص ٢١٦ و٢١٧): (قوله: (كنَّا عند معاوية)، قال بعض الأفاضل: حكاية لما وقع في زمان أحد الثلاثة، لأنَّ عمر بن أُمِّ سَلَمة قُتِلَ بصفِّين، انتهى. ولا يخفى ما فيه، لأنَّه ذكر ابن عبد البرِّ وغيره عمر بن أبي سَلَمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر القرشي المخزومي ربيب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أُمُّه أُمُّ سَلَمة المخزوميَّة أُمُّ المؤمنين، يُكنَّى أبا حفص، وُلِدَ في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة، وشهد مع عليٍّ (عليه السلام) يوم الجمل، واستعمله على فارس وعلى البحرين، وتُوفِّي بالمدينة في خلافة عبد المَلِك بن مروان سنة ثلاث وثمانين. وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «وستُدرِكه يا عليُّ» كان لعليِّ بن الحسين عند شهادة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) سنتان، لأنَّ شهادته كانت في سنة الأربعين من الهجرة، وولادة عليِّ بن الحسين في سنة ثمان وثلاثين. وكان للباقر عند شهادة الحسين (عليه السلام) أربع سنين تقريباً، لأنَّ الشهادة كانت في سنة إحدى وستِّين وولادة الباقر (عليه السلام) في سنة سبع وخمسين على ما ذكره المصنِّف - أي الكليني - (رحمه الله). وقوله: (ثمّ تكملة) كلام عبد الله بن جعفر، والتكملة التتمَّة، أي ثمّ ذكرت عند معاوية تتمَّتهم تفصيلاً، أو هو من كلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أي ثمّ تكملتهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والأوَّل أظهر. وفي بعض النُّسَخ بالياء على صيغة المضارع، أي ثمّ يكمل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثني عشر يُسمِّيهم).

↑صفحة ١٢٢↑

[٤٩/٢٨] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدِ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصِيرٍ وَمَعَنَا مَوْلًى لِأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «مِنَّا اثْنَا عَشَرَ مُحَدَّثاً، السَّابِعُ مِنْ بَعْدِي وُلْدِي الْقَائِمُ».
فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُهُ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وقال أبو الحسن الشجاعي (رحمه الله): هذان الحديثان ممَّا استدركهما أبو عبد الله (رحمه الله) بعد فراغه ونسخي الكتاب.
[٥٠/٢٩] أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَيْسِ بْنِ رُمَّانَةَ الْأَشْعَرِيُّ(٣٨٣) مِنْ كِتَابِهِ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٨٣) هذا الرجل معنون في رجال النجاشي (ص ٣٤٠/ الرقم ٩١١)، وقال: (ثقة، من أصحابنا الكوفيِّين، ذكره أبو العبَّاس...، وله كتاب مجالس الأئمَّة).

↑صفحة ١٢٣↑

قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مِهْزَمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَاقَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخَزَّازُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ أَبِي يَحْيَى المَدَنِيِّ(٣٨٤)، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، قَالَ: قَالَا: شَهِدْنَا الصَّلَاةَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ حِينَ مَاتَ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ قُعُودٌ حَوْلَ عُمَرَ وَقَدْ بُويِعَ إِذْ جَاءَهُ فَتًى يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ المَدِينَةِ كَانَ أَبُوهُ عَالِمَ الْيَهُودِ بِالمَدِينَةِ، وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْ وُلْدِ هَارُونَ، فَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَيُّكُمْ أَعْلَمُ بِكِتَابِكُمْ وَسَنَةِ نَبِيِّكُمْ؟
فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) - وَقَالَ: هَذَا أَعْلَمُنَا بِكِتَابِنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا.
فَقَالَ الْفَتَى: أَخْبِرْنِي أَأَنْتَ كَذَا؟
قَالَ: «نَعَمْ، سَلْنِي عَنْ حَاجَتِكَ».
فَقَالَ: إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثٍ وَوَاحِدَةٍ.
قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «أَفَلَا تَقُولُ: أَسْأَلُكَ عَنْ سَبْعٍ؟».
فَقَالَ الْفَتَى: لَا، وَلَكِنْ أَسْأَلُكَ عَنِ الثَّلَاثِ، فَإِنْ أَصَبْتَ فِيهِنَّ سَأَلْتُكَ عَنِ الثَّلَاثِ الْأُخَرِ، فَإِنْ أَصَبْتَ فِيهِنَّ سَأَلْتُكَ عَنِ الْوَاحِدَةِ، فَإِنْ لَمْ تُصِبْ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ سَكَتُّ وَلَمْ أَسْأَلْكَ عَنْ شَيْءٍ.
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «يَا يَهُودِيُّ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ بِالصَّوَابِ وَبِالْحَقِّ تَعْلَمُ أَنِّي أَخْطَأْتُ أَوْ أَصَبْتُ؟».
قَالَ: نَعَمْ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٨٤) خاقان بن سليمان لم أعثر على عنوانه في كُتُب الرجال من الخاصَّة والعامَّة، وكذا إبراهيم ابن أبي يحيى. والخبر رواه الكليني والصدوق (رحمهما الله) بسندين آخرين في الكافي وكمال الدِّين، وفي الأوَّل: (عن إبراهيم، عن أبي يحيى)، وفي الثاني: (إبراهيم بن يحيى الأسلمي المديني). والمظنون أنَّ خاقان تصحيف جعفر، وهو الضبعي ظاهراً.

↑صفحة ١٢٤↑

قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «فَبِالله لَئِنْ أَصَبْتُ فِيمَا تَسْأَلُنِي عَنْهُ لَتُسْلِمَنَّ وَلَتَدَعَنَّ الْيَهُودِيَّةَ؟».
قَالَ: نَعَمْ، لَكَ اللهُ عَلَيَّ لَئِنْ أَصَبْتَ لَأُسْلِمَنَّ وَلَأَدَعَنَّ الْيَهُودِيَّةَ.
قَالَ: «فَاسْأَلْ عَنْ حَاجَتِكَ».
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَأَوَّلِ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ فِي الْأَرْضِ، وَأَوَّلِ عَيْنٍ أُنْبِعَتْ فِي الْأَرْضِ.
قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «يَا يَهُودِيُّ، أَمَّا أَوَّلُ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَإِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ: الصَّخْرَةُ الَّتِي فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، وَكَذَبُوا، وَلَكِنَّهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، نَزَلَ بِهِ آدَمُ (عليه السلام) مِنَ الْجَنَّةِ، فَوَضَعَهُ فِي الرُّكْنِ، وَالمُؤْمِنُونَ يَسْتَلِمُونَهُ لِيُجَدِّدُوا الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ لله (عزَّ وجلَّ) بِالْوَفَاءِ.
وَأَمَّا قَوْلُكَ: أَوَّلُ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ: الزَّيْتُونَةُ، وَكَذَبُوا، وَلَكِنَّهَا النَّخْلَةُ الْعَجْوَةُ، نَزَلَ بِهَا آدَمُ (عليه السلام) مِنَ الْجَنَّةِ وَبِالْفَحْلِ، فَأَصْلُ الثَّمَرَةِ كُلِّهَا الْعَجْوَةُ(٣٨٥).
وَأَمَّا الْعَيْنُ، فَإِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ بِأَنَّهَا الْعَيْنُ تَحْتَ الصَّخْرَةِ، وَكَذَبُوا، وَلَكِنَّهَا عَيْنُ الْحَيَاةِ الَّتِي لَا يَغْمِسُ فِيهَا مَيِّتٌ إِلَّا حَيَّ، وَهِيَ عَيْنُ مُوسَى الَّتِي نَسِيَ عِنْدَهَا السَّمَكَةَ المَمْلُوحَةَ، فَلَمَّا مَسَّهَا المَاءُ عَاشَتْ وَانْسَرَبَتْ فِي الْبَحْرِ، فَاتَّبَعَهَا مُوسَى وَفَتَاهَ حِينَ لَقِيَا الْخَضِرَ».
فَقَالَ الْفَتَى: أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ صَدَقْتَ وَقُلْتَ الْحَقَّ، وَهَذَا كِتَابٌ وَرِثْتُهُ عَنْ آبَائِي إِمْلَاءُ مُوسَى (عليه السلام) وَخَطُّ هَارُونَ (عليه السلام) بِيَدِهِ، وَفِيهِ هَذه الْخِصَالُ السَّبْعُ، وَالله لَئِنْ أَصَبْتَ فِي بَقِيَّةِ السَّبْعِ لَأَدَعَنَّ دِينِي وَأَتَّبِعَنَّ دِينَكَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٨٥) في كمال الدِّين: (وبالفحل، فأصل النخلة كلُّه من العجوة)، والفحل ذَكَر النخل.

↑صفحة ١٢٥↑

فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «سَلْ».
فَقَالَ: أَخْبِرْنِي كَمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا مِنْ إِمَامِ هُدًى لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ؟ وَأَخْبِرْنِي عَنْ مَوْضِعِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَنَّةِ أَيُّ مَوْضِعٍ هُوَ؟ وَكَمْ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي مَنْزِلَتِهِ(٣٨٦)؟
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «يَا يَهُودِيُّ، لِهَذِهِ الْأُمَّةِ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً مَهْدِيًّا، كُلُّهُمْ هَادٍ مَهْدِيٌّ، لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ. وَمَوْضِعُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي أَفْضَلِ مَنَازِلِ جَنَّةِ عَدْنٍ وَأَقْرَبِهَا مِنَ الله وَأَشْرَفِهَا. وَأَمَّا الَّذِي مَعَ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي مَنْزِلَتِهِ فَالاثْنَا عَشَرَ الْأَئِمَّةُ المَهْدِيُّونَ».
قَالَ الْيَهُودِيُّ: وَأَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ صَدَقْتَ وَقُلْتَ الْحَقَّ، لَئِنْ أَصَبْتَ فِي الْوَاحِدَةِ كَمَا أَصَبْتَ فِي السِّتَّةِ وَالله لَأُسْلِمَنَّ السَّاعَةَ عَلَى يَدِكَ وَلَأَدَعَنَّ الْيَهُودِيَّةَ.
قَالَ لَهُ: «اسْأَلْ».
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ خَلِيفَةِ مُحَمَّدٍ كَمْ يَعِيشُ بَعْدَهُ، وَيَمُوتُ مَوْتاً أَوْ يُقْتَلُ قَتْلاً؟
قَالَ: «يَعِيشُ بَعْدَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، ويُخْضَبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ - وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَأَوْمَأَ إِلَى رَأْسِهِ -».
فَقَالَ الْفَتَى: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَأَنَّكَ خَلِيفَةُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَلَى الْأُمَّةِ، وَمَنْ تَقَدَّمَ كَانَ مُفْتَرٍ. ثُمَّ خَرَجَ(٣٨٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٨٦) كذا، والصواب: (وأخبرني من يسكن معه في منزله).
(٣٨٧) الكافي (ج ١/ ص ٥٣١ و٥٣٢/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ٨)؛ وراجع: إثبات الوصيَّة (ص ٢٩٦)، وكمال الدِّين (ص ٢٩٤ - ٣٠٢/ باب ٢٦/ ح ٣ و٥ و٦ - ٨)، والخصال: (ص ٤٧٦ و٤٧٧/ ح ٤٠)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٥٦ و٥٧/ ح ١٩)، ومقتضب الأثر (ص ١٤ - ١٨)، والغيبة للطوسي (ص ١٥٢ - ١٥٤/ ح ١١٣).

↑صفحة ١٢٦↑

[٥١/٣٠] وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ اِبْنُ زِيَادٍ مِنْ كِتَابِهِ وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ(٣٨٨)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الْبَصْرِيِّ(٣٨٩)، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ المُؤَدِّبِ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ مُؤَدِّباً لِبَعْضِ وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) -، قَالَ: قَالَ: لَـمَّا تُوُفِّيَ(٣٩٠) رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دَخَلَ المَدِينَةَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ دَاوُدَ عَلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ، فَرَأَى السِّكَكَ خَالِيَةً، فَقَالَ لِبَعْضِ أَهْلِ المَدِينَةِ: مَا حَالُكُمْ؟
فَقِيلَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: أَمَا إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِي كِتَابِنَا، ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ النَّاسُ؟
فَقِيلَ لَهُ: فِي المَسْجِدِ.
فَأَتَى المَسْجِدَ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَالنَّاسُ قَدْ غَصَّ المَسْجِدُ بِهِمْ، فَقَالَ: أَوْسِعُوا حَتَّى أَدْخُلَ، وَأَرْشِدُونِي إِلَى الَّذِي خَلَّفَهُ نَبِيُّكُمْ.
فَأَرْشَدُوهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّنِي مِنْ وُلْدِ دَاوُدَ عَلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ، وَقَد جِئْتُ لِأَسْأَلَ عَنْ أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ، فَإِنْ خَبَّرْتَ بِهَا أَسْلَمْتُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٨٨) في رجال ابن الغضائري (ص ٤٧/ الرقم ٢٥/٤): (جعفر بن إسماعيل المنقري، كوفي، روى عنه حميد بن زياد وابن رباح. وكان غالياً كذَّاباً)، وقال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٢٠/ الرقم ٣٠٨): (له كتاب النوادر)، وذكر طريقه إليه.
(٣٨٩) لعلَّه أبو عليٍّ أو أبو عبد الله البصري المعنون في جامع الرواة (ج ١/ ص ٩٩). وفي بعض النُّسَخ: (عليُّ بن إسماعيل)، فالظاهر أنَّه أبو الحسن الميثمي الذي له كُتُب في الإمامة، وهو أوَّل من تكلَّم في الإمامة على مذهب الإماميَّة.
(٣٩٠) هذا الخبر مقطوع لم يسنده إلى المعصوم (عليه السلام).

↑صفحة ١٢٧↑

فَقَالُوا لَهُ: انْتَظِرْ قَلِيلاً.
وَأَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) مِنْ بَعْضِ أَبْوَابِ المَسْجِدِ، فَقَالُوا لَهُ: عَلَيْكَ بِالْفَتَى.
فَقَامَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ: أَنْتَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: «أَنْتَ فُلَانُ بْنُ فُلَانِ بْنِ دَاوُدَ؟».
قَالَ: نَعَمْ.
فَأَخَذَ عَلِيٌّ يَدَهُ وَجَاءَ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنِّي سَأَلْتُ هَؤُلَاءِ عَنْ أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ فَأَرْشَدُونِي إِلَيْكَ لِأَسْأَلَكَ.
قَالَ: «اسْأَلْ».
قَالَ: مَا أَوَّلُ حَرْفٍ كَلَّمَ اللهُ بِهِ نَبِيَّكُمْ لَـمَّا أُسْرِيَ بِهِ وَرَجَعَ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ؟ وَخَبِّرْنِي عَنِ المَلَكِ الَّذِي زَحَمَ(٣٩١) نَبِيَّكُمْ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَخَبِّرْنِي عَنِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ كَشَفَ عَنْهُمْ مَالِكٌ طَبَقاً مِنَ النَّارِ وَكَلَّمُوا نَبِيَّكُمْ، وَخَبِّرْنِي عَنْ مِنْبَرِ نَبِيِّكُمْ أَيُّ مَوْضِعٍ هُوَ مِنَ الْجَنَّةِ؟
قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «أَوَّلُ مَا كَلَّمَ اللهُ بِهِ نَبِيَّنَا (عليه السلام) قَوْلُ الله تَعَالَى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥]».
قَالَ: لَيْسَ هَذَا أَرَدْتُ.
قَالَ: «فَقَوْلُ رَسُولِ الله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِالله﴾ [البقرة: ٢٨٥]».
قَالَ: لَيْسَ هَذَا أَرَدْتُ.
قَالَ: «اتْرُكِ الْأَمْرَ مَسْتُوراً».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٩١) في لسان العرب (ج ١٢/ ص ٢٦٢/ مادَّة زحم): (الزَّحْمُ: أَن يَزْحَمَ القومُ بعضهم بعضاً من كثرة الزحام إذا ازدحموا. والزَّحْمةُ: الزِّحامُ. وزَحَمَ القومُ بعضهم بعضاً يَزْحَمُونَهُمْ زَحْماً وزِحاماً: ضايقوهم. وازْدَحَمُوا وزاحموا: تضايقوا).

↑صفحة ١٢٨↑

قَالَ: لَتُخْبِرُنِي أَوْ لَسْتَ أَنْتَ هُوَ.
فَقَالَ: «أَمَّا إِذْ أَبَيْتَ فَإِنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَـمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ وَالْحُجُبُ تُرْفَعُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إِلَى مَوْضِعِ جَبْرَئِيلَ نَادَاهُ مَلَكٌ: يَا أَحْمَدُ، قَالَ: لَبَّيْكَ، قَالَ: إِنَّ اللهَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: اقْرَأْ عَلَى السَّيِّدِ الْوَلِيِّ مِنَّا السَّلَامَ، فَقَالَ رَسُولُ الله: مَنِ السَّيِّدُ الْوَلِيُّ؟ فَقَالَ المَلَكُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ».
قَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ، وَالله إِنِّي لَأَجِدُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ أَبِي.
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «أَمَّا المَلَكُ الَّذِي زَحَمَ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَمَلَكُ المَوْتِ، جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ جَبَّارٍ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا قَدْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ عَظِيمٍ، فَغَضِبَ اللهُ، فَزَحَمَ رَسُولَ الله وَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ: يَا مَلَكَ المَوْتِ، هَذَا رَسُولُ الله أَحْمَدُ، حَبِيبُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَلَصِقَ بِهِ وَاعْتَذَرَ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أَتَيْتُ مَلِكاً جَبَّاراً قَدْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ عَظِيمٍ، فَغَضِبْتُ وَلَمْ أَعْرِفْكَ، فَعَذَّرَهُ.
وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ كَشَفَ عَنْهُمْ مَالِكٌ طَبَقاً مِنَ النَّارِ، فَإِنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مَرَّ بِمَالِكٍ وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ خُلِقَ قَطُّ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ: يَا مَالِكُ، هَذَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّدٌ، فَتَبَسَّمَ فِي وَجْهِهِ وَلَمْ يَتَبَسَّمْ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مُرْهُ أَنْ يَكْشِفَ طَبَقاً مِنَ النَّارِ، فَكَشَفَ فَإِذَا قَابِيلُ وَنُمْرُودُ وَفِرْعَوْنُ وَهَامَانُ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، اسْأَلْ رَبَّكَ أَنْ يَرُدَّنَا إِلَى دَارِ الدُّنْيَا حَتَّى نَعْمَلَ صَالِحاً، فَغَضِبَ جَبْرَئِيلُ فَقَامَ(٣٩٢) بِرِيشَةٍ مِنْ رِيشِ جَنَاحِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ طَبَقَ النَّارِ.
وَأَمَّا مِنْبَرُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَإِنَّ مَسْكَنَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهِيَ جَنَّةٌ خَلَقَهَا اللهُ بِيَدِهِ، وَمَعَهُ فِيهَا اثْنَا عَشَرَ وَصِيًّا، وَفَوْقَهَا قُبَّةٌ يُقَالُ لَهَا: قُبَّةُ الرِّضْوَانِ، وَفَوْقَ قُبَّةِ الرِّضْوَانِ مَنْزِلٌ يُقَالُ لَهُ: الْوَسِيلَةُ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلٌ يُشْبِهُهُ، وَهُوَ مِنْبَرُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٩٢) في بعض النُّسَخ: (فقال)، أي أشار، وفي معنى القول توسُّع.

↑صفحة ١٢٩↑

قَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ، وَالله إِنَّهُ لَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ يَتَوَارَثُونَهُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى صَارَ إِلَيَّ، ثُمَّ أَخْرَجَ كِتَاباً فِيهِ مَا ذَكَرَهُ مَسْطُوراً بِخَطِّ دَاوُدَ، ثُمَّ قَالَ: مُدَّ يَدَكَ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ مُوسَى (عليه السلام)، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ عَالِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَوَصِيُّ رَسُولِ الله.
قَالَ: فَعَلَّمَهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) شَرَائِعَ الدِّينِ(٣٩٣).
فتأمَّلوا - يا معشر الشيعة - (رحمكم الله) ما نطق به كتاب الله (عزَّ وجلَّ)، وما جاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعن أمير المؤمنين والأئمَّة (عليهم السلام) واحد بعد واحد في ذكر الأئمَّة الاثني عشر وفضلهم وعدَّتهم من طُرُق رجال الشيعة الموثَّقين عند الأئمَّة، فانظروا إلى اتِّصال ذلك ووروده متواتراً، فإنَّ تأمُّل ذلك يجلو القلوب من العمى، وينفي الشكَّ ويزيل الارتياب عمَّن أراد الله به الخير، ووفَّقه لسلوك طريق الحقِّ، ولم يجعل لإبليس على نفسه سبيلاً بالإصغاء إلى زخارف المموِّهين وفتنة المفتونين.
وليس بين جميع الشيعة ممَّن حمل العلم ورواه عن الأئمَّة (عليهم السلام) خلاف في أنَّ كتاب سُلَيم بن قيس الهلاليِّ أصل من أكبر كُتُب الأُصول التي رواها أهل العلم من حملة حديث أهل البيت (عليهم السلام) وأقدمها، لأنَّ جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل إنَّما هو عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذرٍّ ومن جرى مجراهم ممَّن شهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وسمع منهما، وهو من الأُصول التي ترجع الشيعة إليها ويُعوَّل عليها، وإنَّما أوردنا بعض ما اشتمل عليه الكتاب وغيره من وصف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأئمَّة الاثني عشر ودلالته عليهم وتكريره ذكر عدَّتهم، وقوله: «إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ تِسْعَةٌ تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ، ظَاهِرُهُمْ بَاطِنُهُمْ، وَهُوَ أَفْضَلُهُمْ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٩٣) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ٤٦ - ٤٩/ ح ٤٢).

↑صفحة ١٣٠↑

وفي ذلك قطع لكلِّ عذر، وزوال لكلِّ شبهة، ودفع لدعوى كلِّ مبطل، وزخرف كلِّ مبتدع، وضلالة كلِّ مموِّه، ودليل واضح على صحَّة أمر هذه العدَّة من الأئمَّة لا يتهيَّأ لأحد من أهل الدعاوي الباطلة - المنتمين إلى الشيعة وهم منهم براء - أنْ يأتوا على صحَّة دعاويهم وآرائهم بمثله، ولا يجدونه في شيء من كُتُب الأُصول التي ترجع إليها الشيعة، ولا في الروايات الصحيحة، والحمد لله ربِّ العالمين.

* * *

↑صفحة ١٣١↑

فصل: فيما روي أنَّ الأئمَّة اثنا عشر من طريق العامَّة، وما يدلُّ عليه من القرآن والتوراة (٣٩٤)

ثمّ إنَّا وجدنا أصحاب الحديث من العامَّة بعد هذا قد رووا في كُتُبها من طُرُق شتَّى ذكر الاثني عشر إماماً، أوردناها في هذا الباب على حسب ما انتهى إلينا منه زيادة في تأكيد الحجَّة على المخالفين والشاكِّين، على أنَّا لا نُعوِّل إلَّا على رواية الخاصَّة، ولعلَّ كلَّ ما تضمَّن هذا الباب من الكتاب أنْ يطرق سمع بعض الناس ممَّن له عقل وتمييز فيعرف الحقَّ ويعمل به.
وَمِنْ ذَلِكَ:
[٥٢/٣١] مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَلَّانٍ الدُّهْنِيُّ الْبَغْدَادِيُّ بِدِمَشْقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ(٣٩٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ(٣٩٦)، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ(٣٩٧)، عَنْ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ(٣٩٨)، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٩٤) العنوان ليس في النُّسَخ إنَّما أضفناه تسهيلاً للقُرَّاء.
(٣٩٥) أبو بكر بن زهير بن حرب، روى النسائي عنه، عن أبيه زهير، والظاهر أنَّ اسمه أحمد، لكن لم نعثر على عنوانه بهذا الاسم في التراجم.
(٣٩٦) عليُّ بن الجعد بن عبيد الجوهري البغدادي، صدوق عند النسائي، وموثَّق عند الجوزجاني، وثقة عند ابن معين، وُلِدَ سنة (١٣٦هـ)، ومات سنة (٢٣٠هـ).
(٣٩٧) زهير بن معاوية بن حديج، أبو خيثمة الكوفي، أحد الأعلام الحُفَّاظ كما في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص ١٢٣)، وثقة ثبت كما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٣١٧/ الرقم ٢٠٥٦)، مات سنة (١٧٣هـ).
(٣٩٨) هو زياد بن خيثمة الجعفي، قال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٣١٩/ الرقم ٢٠٧٦): (كوفي، ثقة).

↑صفحة ١٣٢↑

الْهَمْدَانِيِّ(٣٩٩)، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ(٤٠٠) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا لَهُ: ثُمَّ يَكُونُ مَا ذَا؟
قَالَ: «ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ».
[٥٣/٣٢] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ(٤٠١) وَسِمَاكِ اِبْنِ حَرْبٍ(٤٠٢) وَحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ(٤٠٣)، كُلُّهُمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلْتُ الْقَوْمَ، فَقَالُوا: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٥٤/٣٣] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ(٤٠٤)، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٣٩٩) هو الأسود بن سعيد الهمداني الكوفي، قال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ١٠١/ الرقم ٥٠٢): (كوفي، صدوق).
(٤٠٠) جابر بن سمرة - بفتح السين المهملة وضمِّ الميم - ابن جنادة السوائي - بضمِّ المهملة -، صحابي ابن صحابي، نزل الكوفة ومات بها، قال الذهبي في الكاشف (ج ١/ ص ٢٨٧/ الرقم ٧٢٩): (مات سنة (٧٢هـ)).
(٤٠١) زياد بن علاقة الثعلبي، يُكنَّى أبا مالك الكوفي، مات سنة (١٢٥هـ)، وثَّقه ابن معين.
(٤٠٢) سماك بن حرب بن أوس، أبو المغيرة الكوفي، أحد الأعلام التابعين، وثَّقه ابن حاتم وابن عين كما في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص ١٥٥).
(٤٠٣) حصين بن عبد الرحمن، أبو الهذيل السلمي الكوفي ابن عمِّ منصور بن المعتمر، وثَّقه جلُّ أرباب الجرح والتعديل.
(٤٠٤) الظاهر كونه ابن أبي خيثمة المتقدِّم ذكره، يروي عن عبيد الله بن عمر القواريري أبو سعيد البصري الذي وثَّقه ابن معين، وتُوفِّي في ذي الحجَّة سنة (٢٣٥هـ)، كما في تهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ٣٦/ الرقم ٧٢)، والكاشف (ج ١/ ص ٦٨٥/ الرقم ٣٥٧٧). وفي بعض النُّسَخ: (عبد الله بن عمر)، وكأنَّه تصحيف.

↑صفحة ١٣٣↑

الله بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ(٤٠٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ(٤٠٦)، عَنِ الشَّعْبِيِّ(٤٠٧)، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ هَذَا الدِّينِ يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ نَاوَاهُمْ إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً»، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُومُونَ وَيَقْعُدُونَ، وَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا، فَقُلْتُ لِأَبِي أَوْ آخَرَ: أَيَّ شَيْءٍ قَالَ؟
قَالَ: فَقَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٥٥/٣٤] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُعِينٍ(٤٠٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ صَالِحٍ(٤٠٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٠٥) سليمان بن مهران الأعمش، ثقة ثبت كما قاله العجلي في معرفة الثقات (ج ١/ ص ٤٣٢/ الرقم ٦٧٦)، وحافظ عارف بالقراءة ورع كما قاله ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٣٩٢/ الرقم ٢٦٢٣). وما في النُّسَخ من (سليمان بن أحمر) أو (سليمان بن أحمد) فمن تصحيف النُّسَاخ.
(٤٠٦) عبد الله بن عون الخزَّاز البصري، يُكنَّى بأبي عون أيضاً، أحد الأعلام كما في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص ٢٠٩)، وقال: (قال ابن مهدي: ما أحد أعلم بالسُّنَّة بالعراق من ابن عون، وقال روح بن عبادة: ما رأيت أعبد منه، قال يحيى القطَّان: مات سنة (١٥١هـ)).
(٤٠٧) هو عامر بن شراحيل الحميري، أبو عمرو الكوفي، الإمام العلم، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، وقال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٤٦١/ الرقم ٣١٠٣): (أبو عمرو ثقة مشهور فقيه...، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين).
(٤٠٨) يحيى بن معين، أبو زكريَّا البغدادي، عنونه الخزرجي الأنصاري في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص ٤٢٨)، وقال: (الحافظ الإمام العلم)، وعنونه ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٣١٦/ الرقم ٧٦٧٩)، وقال: (إمام الجرح والتعديل)، مات بالمدينة سنة (٢٣٣هـ).
(٤٠٩) عبد الله بن صالح أبو صالح المصري، كاتب الليث بن سعد، قال أبو حاتم في الجرح والتعديل (ج ٥/ ص ٨٦/ الرقم ٣٩٨): (... سمعت أبا الأسود النضر بن عبد الجبَّار وسعيد بن عفير يثنيان على كاتب الليث)، وقال أيضاً: (... سمعت عبد المَلِك بن شعيب ابن الليث يقول: أبو صالح كاتب الليث ثقة مأمون).

↑صفحة ١٣٤↑

اِبْنُ سَعْدٍ(٤١٠)، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ(٤١١)، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ(٤١٢)، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ(٤١٣)، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ(٤١٤)، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرو(٤١٥) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ خَلْفِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً».
[٥٦/٣٥] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ(٤١٦) وَيَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّالَحِينِيُّ(٤١٧)، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ(٤١٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤١٠) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، مولاهم، الإمام، عالم مصر وفقيهها ورئيسها، قال ابن بكير: (هو أفقه من مالك)، ووثَّقه يحيى بن معين وغيره.
(٤١١) خالد بن يزيد الجمحي، أبو عبد الرحيم، فقيه عالم، ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال أبو زرعة والنسائي: (ثقة)، تُوفِّي سنة (١٣٩هـ) كما في تهذيب التهذيب (ج ٣/ ص ١١١/ الرقم ٢٣٥).
(٤١٢) سعيد بن أبي هلال الليثي، أبو العلاء المصري، نزيل المدينة، وقيل: كان مدني الأصل، صدوق، وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٤/ص ٨٣/الرقم ١٥٩): (موثَّق).
(٤١٣) ربيعة بن سيف بن ماتع المعافري الإسكندراني، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ١/ ص ٢٩٦/ الرقم ١٩١١): (صدوق).
(٤١٤) شفي بن ماتع الأصبحي، يُكنَّى أبا عثمان أو أبا سهل، قال العجلي: (تابعي ثقة)، كما في تهذيب التهذيب (ج ٤/ ص ٣١٥/ الرقم ٦١٦). وما في بعض النُّسَخ من (سيف الأصبحي) فهو تصحيف النُّسَّاخ.
(٤١٥) عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل، قيل فيه: أحد السابقين المكثرين من الصحابة.
(٤١٦) عفَّان بن مسلم بن عبد الله، أبو عثمان البصري، كما قال العجلي في معرفة الثقات (ج ٢/ ص ١٤٠/ الرقم ١٢٥٦): (ثبت).
(٤١٧) يحيى بن إسحاق السالحيني أو السيلحيني كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٢٩٦/ الرقم ٧٥٢٦) في ضبطه، يُكنَّى أبا زكريَّا، شيخ صالح ثقة صدوق كما نُقِلَ عن أحمد بن حنبل.
(٤١٨) يُعَدُّ من الأبدال، وثَّقه ابن معين، وأجمع أهل العلم على عدالته وأمانته.

↑صفحة ١٣٥↑

الله بْنُ عُثْمَانَ(٤١٩)، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ الله بْنُ عَمْرو: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ، اُعْدُدْ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، ثُمَّ يَكُونُ النَّقْفُ وَالنِّقَافُ.
[٥٧/٣٦] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا المُقَدَّمِيُّ(٤٢٠)، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مِقْدَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي(٤٢١)، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ(٤٢٢)، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ(٤٢٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ ظَاهِراً لَا يَضُرُّهُ مَنْ نَاوَاهُ حَتَّى يَكُونَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٥٨/٣٧] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ(٤٢٤)،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤١٩) عبد الله بن عثمان بن خيثم، أبو عثمان المكِّي، حليف بني زهرة، قال ابن معين: (ثقة حجَّة)، وقال ابن سعد: (تُوفِّي في آخر خلافة أبي العبَّاس أو أوَّل خلافة أبي جعفر المنصور، وكان ثقةً) كما في تهذيب التهذيب (ج ٥/ ص ٢٧٥/ الرقم ٥٣٦).
(٤٢٠) محمّد بن أبي بكر بن عليِّ بن عطاء بن مقدم، أبا عبد الله البصري، وثَّقه ابن زرعة ويحيى ابن معين.
(٤٢١) هو عمر بن عليِّ بن مقدام الثقفي المقدَّمي، أبو حفص البصري، قال ابن سعد: (ثقة يُدلِّس)، وقال عفَّان: (لم أكن أقبل منه حتَّى يقول: حدَّثنا)، وقال ابنه عاصم: (مات أبي سنة (١٩٠هـ)).
(٤٢٢) فطر بن خليفة القرشي، أبو بكر الحنَّاط الكوفي، عنونه ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٨/ ص ٢٧٠/ الرقم ٥٥٠) وقال: (قال العجلي: كوفي ثقة حسن الحديث، وكان فيه تشيُّع قليل، وقال أبو حاتم: صالح الحديث).
(٤٢٣) أبو خالد الوالبي كوفي، اسمه هرمز، ويقال: هرم، قال أبو حاتم: (صالح الحديث)، وذكره ابن حبِّان في الثقات، وابن سعد في الطبقة الأُولى من أهل الكوفة، كما في تهذيب التهذيب (ج ١٢/ ص ٧٤/ الرقم ٨٤٠٩).
(٤٢٤) عبد الله بن جعفر بن غيلان الرقِّي، يُكنَّى أبا عبد الرحمن، قال ابن حجر (ج ٥/ ص ١٥١/ الرقم ٢٩٦): (قال أبو حاتم وابن معين: ثقة).

↑صفحة ١٣٦↑

قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ(٤٢٥)، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ(٤٢٦)، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ(٤٢٧)، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَحَدَّثَكُمْ نَبِيُّكُمْ كَمْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، فَإِنَّكَ لَأَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا، سَمِعْتُهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي عِدَّةُ نُقَبَاءِ مُوسَى (عليه السلام)».
[٥٩/٣٨] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ(٤٢٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا فِطْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْوَالِبِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ السُّوَائِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا يَضُرُّ هَذَا الدِّينَ مَنْ نَاوَاهُ حَتَّى يَمْضِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(٤٢٩).
والروايات بهذا المعنى من طُرُق العامَّة كثيرة(٤٣٠)، تدلُّ على أنَّ مراد رسول

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٢٥) عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، يُكنَّى أبا عمرو، وثَّقه غير واحد من الأعلام، وتُوفِّي سنة (١٨٧هـ) أو (١٩٠هـ).
(٤٢٦) مجالد بن سعيد، أبو عمرو، ويقال: أبو سعيد الكوفي، واختُلِفَ فيه، ضعَّفه طائفة وجماعة قالوا: ليس بقويٍّ، وحكى ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ١٠/ ص ٣٦/ الرقم ٦٥) عن النسائي توثيقه تارةً في موضع، وفي موضع آخر قال: ليس بقويٍّ، وقال ابن عدي: له عن الشعبي عن جابر أحاديث صالحة.
(٤٢٧) مسروق هو ابن الأجدع بن مالك الهمداني، أبو عائشة الكوفي، قال ابن معين: (ثقة لا يُسئَل عن مثله)، كما في تهذيب التهذيب (ج ١٠/ ص ١٠٠/ الرقم ٢٠٦).
(٤٢٨) الفضل بن دُكين الكوفي، واسم دُكين عمرو بن حمَّاد بن زهير التيمي، مولاهم الأحول، مشهور بكنيته، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٨/ ص ٢٤٣/ الرقم ٥٠٥): (الحافظ العلم)، وحكى عن أحمد بن حنبل أنَّه قال: ثقة يقظان عارف، مات سنة (٢١٩هـ).
(٤٢٩) اعلم أنَّا نقلنا ترجمة هؤلاء الرجال من مصادر أهل السُّنَّة لتكون أقوى للحجَّة.
(٤٣٠) من الأحاديث المتواترة عند عموم المسلمين حديث (الخلفاء الاثنا عشر)، فقد روى هذا الحديث من طُرُق الشيعة العشرات من الرواة وبمئات الطُّرُق، أمَّا من طُرُق أهل السُّنَّة فقد رواه أكثر من خمسة عشر راوٍ وبطُرُق كثيرة زادت عن المائة طريق. وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات في نصوص هذا الحديث، إلَّا أنَّ هناك قاسم مشترك بينهما وهو عدد (الاثنا عشر)، لكنَّ الخلاف وقع بين المسلمين في تعيين أسماء هؤلاء الخلفاء، فأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عندهم الأمر واضح، إذ إنَّهم يُعيِّنون الأسماء بأئمَّتهم الاثني عشر (عليهم السلام)، ابتداءً بالإمام عليٍّ (عليه السلام)، وانتهاءً بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه). أمَّا أتباع مدرسة الخلفاء فلم نقف لهم على رأي واحد يتَّفقون عليه في تعيين أسمائهم.
راجع لمعرفة مصادر الحديث ورواته ما كتبه الدكتور الشيخ جعفر الباقري في كتابه القيِّم (الخلفاء الاثنا عشر).

↑صفحة ١٣٧↑

الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذكر الاثني عشر وأنَّهم خلفاؤه، وفي قوله في آخر الحديث الأوَّل: «ثمّ الهرج» أدلُّ دليل على ما جاءت به الروايات متَّصلة من وقوع الهرج بعد مضيِّ القائم (عليه السلام) خمسين سنة، وعلى أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يرد بذكره الاثني عشر خليفة إلَّا الأئمَّة الذين هم خلفاؤه، إذ كان قد مضى من عدد الملوك الذين ملكوا بعده منذ كون أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى هذا الوقت أكثر من اثني عشر واثني عشر، فإنَّما معنى قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الاثني عشر النصُّ على الأئمَّة الاثني عشر الخلفاء الذين هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه حتَّى يردوا عليه حوضه.
والحمد لله على إظهار حجَّة الحقِّ وإقامته على البراهين النيِّرة حمداً يكافئ نِعَمه، وله الشكر على طيب المولد والهداية إلى نوره بما يستحقُّ من الشكر أبداً حتَّى يرضى.
ويزيد بإذن الله تعالى هذا الباب دلالةً وبرهاناً وتوكيداً تجب به الحجَّة على كلِّ مخالف معاند وشاكٍّ ومتحيِّر بذكر ما ندب إليه في التوراة وغيرها من ذكر الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)، ليعلم القارئ لهذا الكتاب أنَّ الحقَّ كلَّما شُرِحَ أضاءت سرجه، وزهرت مصابيحه، وبهر نوره.

↑صفحة ١٣٨↑

فممَّا ثبت في التوراة ممَّا يدلُّ على الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) ما ذكره في السِّفر الأوَّل فيها من قصَّة إسماعيل بعد انقضاء قصَّة سارة، وما خاطب الله تعالى به إبراهيم (عليه السلام) في أمرها وولدها قوله (عزَّ وجلَّ): «وقد أجبت دعاءك في إسماعيل، وقد سمعتك ما باركته، وسأُكثِّره جدًّا جدًّا، وسيلد اثني عشر عظيماً أجعلهم أئمَّة كشعب عظيم».
أقرأني عبد الحليم بن الحسين السمري (رحمه الله) ما أملاه عليه رجل من اليهود بأرَّجان(٤٣١) يقال له: الحسين بن سليمان من علماء اليهود بها(٤٣٢) من أسماء الأئمَّة (عليهم السلام) بالعبرانيَّة وعدَّتهم، وقد أثبته على لفظه، وكان فيما قرأه أنَّه يُبعَث من ولد إسماعيل في التوراة أشموعيل يُسمَّى: مامد(٤٣٣)، يعني محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يكون سيِّداً، ويكون من آله اثنا عشر رجلاً أئمَّة وسادة يُقتدى بهم، وأسماؤهم: (تقوبيت، فيذوا، ذبيرا، مفسورا، مسموعا، دوموه، مثبو، هذار، يثمو، بطور، نوقس، قيدموا)(٤٣٤).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٣١) أرَّجان - بشدِّ الراء المهملة -، في مراصد الاطِّلاع (ج ١/ ص ٥٢): (هي مدينة كبيرة، كثيرة الخير، بها نخل وزيتون وفواكه الجروم والصرود، وهي برّيَّة بحريَّة سهليَّة جبليَّة، بينها وبين البحر مرحلة، وهي من كورة فارس).
(٤٣٢) أي بأرَّجان.
(٤٣٣) في بعض النُّسَخ: (مابد).
(٤٣٤) النُّسَخ في ضبط هذه الأسماء مختلفة، وفي مقتضب الأثر (ص ٢٨ و٢٩): (قلت - أي أبو عامر هاشم الدستوائي -: [فانعت] لي هذه النعوت لأعلم علمها، قال: نعم فعِهْ عنِّي وصنه إلَّا عن أهله وموضعه إنْ شاء الله تعالى. أمَّا تقويث فهو أوَّل الأوصياء ووصىُّ آخر الأنبياء، وأمَّا قيذوا فهو ثاني الأوصياء وأوَّل العترة الأصفياء، وأمَّا دبيرا فهو ثاني العترة وسيِّد الشهداء، وأمَّا مفسورا فهو سيِّد من عبد الله من عباده، وأمَّا مسموعا فهو وارث علم الأوَّلين والآخرين، وأمَّا دوموه فهو المدرة الناطق عن الله الصادق، وأمَّا مشيو فهو خير المسجونين في سجن الظالمين، وأمَّا هذا فهو المنخوع بحقِّه النازح الأوطان الممنوع، وأمَّا يثمو فهو القصير العمر الطويل الأثر، وأمَّا بطور فهو رابع اسمه، وأمَّا نوقس فهو سميُّ عمِّه، وأمَّا قيذمو فهو المفقود من أبيه وأُمِّه، الغائب بأمر الله وعلمه، والقائم بحكمه).

↑صفحة ١٣٩↑

وسُئِلَ هذا اليهودي عن هذه الأسماء في أيِّ سورة هي؟ فذكر أنَّها في مشلى سليمان يعني في قصَّة سليمان (عليه السلام)، وقرأ منها أيضاً قوله: «وليشمعيل، سمعتيخا، هنِّيي، برختي، أوتو، وهيفرتي، أوتو، وهيريتي، أتو، بمئد مئد، شنيم، عاسار، نسيئيم، يولد ونتتّيو لغوي غادل».
وقال: تفسير هذا الكلام: أنَّه يخرج من صلب إسماعيل ولد مبارك، عليه صلاتي وعليه رحمتي، يلد من آله اثنا عشر رجلاً يرتفعون ويُبجَّلون(٤٣٥)، ويرتفع اسم هذا الرجل ويجلُّ ويعلو ذكره.
وقُرِءَ هذا الكلام والتفسير على موسى بن عمران بن زكريَّا اليهودي فصحَّحه، وقال فيه إسحاق بن إبراهيم بن بختويه اليهودي الفسوي مثل ذلك، وقال سليمان بن داود النوبنجاني مثل ذلك.
فما بعد شهادة كتاب الله (عزَّ وجلَّ)، ورواية الشيعة عن نبيِّها وأئمَّتها، ورواية العامَّة من طُرُقها عن رجالها، وشهادة الكُتُب المتقدِّمة وأهلها بصحَّة أمر الأئمَّة الاثني عشر - لمسترشد مرتاد طالب، أو معاند جاحد - من حجَّة تجب، وبرهان يظهر، وحقٍّ يُلزَم. إنَّ في هذا لكفايةً ومقنعاً ومعتبراً ودليلاً وبرهاناً لمن هداه الله إلى نوره، ودلَّه على دينه الذي ارتضاه وأكرم به أولياءه وحرَّمه أعداءه بمعاندتهم من اصطفاه وإيثار كلِّ امرئ هواه وإقامته عقله إماماً وهادياً ومرشداً دون الأئمَّة الهادين الذين ذكرهم الله في كتابه لنبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: ٧]، في كلِّ زمان إمام يهدي به الله من اتَّبعه واقتدى به دون

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٣٥) في لسان العرب (ج ١١/ص ٤٤/مادَّة بجل): (التَّبجيل: التعظيم. بَجَّل الرجلَ : عَظَّمَه).

↑صفحة ١٤٠↑

من خالفه وجحده واعتمد على عقله ورأيه وقياسه وأنَّه موكول إليها بإيثاره لها، جعلنا الله بما يرتضيه عاملين، وبحُجَجه معتصمين، ولهم متَّبعين، ولقولهم مسلِّمين، وإليهم رادِّين، ومنهم مستنبطين، وعنهم آخذين، ومعهم محشورين، وفي مداخلهم مدخلين، إنَّه جواد كريم.
[٦٠/٣٩] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيِّ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الطَّوِيلُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَيْرٍ(٤٣٦)، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنِ الْفُضَيْلِ(٤٣٧)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، قَالَ: «كُلُّ إِمَامٍ هَادٍ لِلْقَرْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِمْ»(٤٣٨)،(٤٣٩).
[٦١/٤٠] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٣٦) كذا في النُّسَخ، وهو تصحيف، والصواب إمَّا النضر بن سويد، أو حنان بن سدير، وكلاهما في طريق هذه الرواية، راجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠/ ج ١/ باب ١٣/ ح ٥ و٦)، وتفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ٢٠٤/ ح ٧)، والكافي (ج ١/ ص ١٩١/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) هم الهداة/ ح ١).
(٤٣٧) يعني الفضيل بن يسار النهدي، أبو القاسم، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٠٩/ الرقم ٨٤٦): (عربي، بصري، صميم، ثقة).
(٤٣٨) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٩٥/ ح ١٩٦).
(٤٣٩) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٦٧): (قوله: (كلُّ إمام هادٍ للقرن الذي هو فيهم)، القرن: أهل كلِّ زمان، وإمامهم معاهد لأذهانهم في قبول أنوار الله، ومرشد لنفوسهم إلى سلوك سبيل الله، ومنه الهداية إلى القوانين الشرعيَّة والدِّراية للنواميس الكلّيَّة والجزئيَّة، وبإعداده يُفاض على النفوس هداها، وبإعطائه ينكشف عن العقول عماها).

↑صفحة ١٤١↑

وَمِائَتَيْنِ(٤٤٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ رِبَاطٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، قَالَ: «رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المُنْذِرُ، وَعَلِيٌّ الْهَادِي، أَمَا وَالله مَا ذَهَبَتْ مِنَّا، وَمَا زَالَتْ فِينَا إِلَى السَّاعَةِ»(٤٤١)،(٤٤٢).
جعلنا الله لما يرضيه عاملين(٤٤٣).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٤٠) كذا في النُّسَخ، وكأنَّه تصحيف، والصواب: (سنة إحدى وثمانين ومائتين) كما في السند السابق، لكون ميلاد ابن عقدة كما ذكره الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٥/ ص ٢٢٥/ الرقم ٢٦٨٠) ليلة النصف من المحرَّم سنة (٢٤٩هـ)، فيكون سنة إحدى وستِّين ابن اثنتي عشرة سنة، ولا يتحمَّل في مثل هذا السنِّ غالباً، وسيأتي تحت الرقم (٤٥٩/١) روايته عن جعفر بن عبد الله المحمّدي في سنة (٢٦٨هـ).
(٤٤١) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٩٦/ ح ١٩٧)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠/ ج ١/ باب ١٣/ ح ٧)، والكافي (ج ١/ ص ١٩٢/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) هم الهداة/ ح ٤).
(٤٤٢) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٦٨): (قوله: (ما ذهبت) أي الهداية، أو هذه الآية. قوله: (وما زالت فينا) يعني ثبوت منصب الهداية، أو تلك الآية فينا مستمرَّة إلى ساعة القيامة، لأنَّ علَّة احتياج الناس إلى الهادي بعد الرسول مستمرَّة إلى قيام الساعة).
(٤٤٣) لم ترد هذه الجملة في بعض النُّسَخ.

↑صفحة ١٤٢↑

باب (٥): ما روي فيمن ادَّعى الإمامة ومن زعم أنَّه إمام وليس بإمام، وأنَّ كلَّ راية تُرفَع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت

↑صفحة ١٤٣↑

 [٦٢/١] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شَيْخٌ بِمِصْرَ يُقَالُ لَهُ: الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ المُقْرِئُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٦٠](٤٤٤)، قَالَ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِمَامٌ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ».
[٦٣/٢] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ اِبْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ مَرْزُبَانَ الْقُمِّيِّ، عَنْ عِمْرَانَ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِمَامٌ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ، وَمَنْ زَعَمَ فِي إِمَامٍ حَقٍّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِمَامٍ وَهُوَ إِمَامٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٤٤) الآية عامَّة في جميع أفراد الكذب على الله سبحانه، وما في الخبر تعيُّن أحد أفراده أو مصداقه الأجلى.

↑صفحة ١٤٥↑

[٦٤/٣] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ المُسْتَرِقِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ الصَّائِغِ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: مَنِ ادَّعَى مِنَ الله إِمَامَةً لَيْسَتْ لَهُ، وَمَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ الله، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً»(٤٤٥).
[٦٥/٤] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ اِبْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله اِبْنُ جَبَلَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ تَمَّامٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): إِنَّ فُلَاناً يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: اضْمَنْ لِيَ الشَّفَاعَةَ.
فَقَالَ: «أَمِنْ مَوَالِينَا؟».
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «أَمْرُهُ أَرْفَعُ مِنْ ذَلِكَ».
قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُ رَجُلٌ يُوَالِي عَلِيًّا، وَلَمْ يَعْرِفْ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ.
قَالَ: «ضَالٌّ».
قُلْتُ: أَقَرَّ بِالْأَئِمَّةِ جَمِيعاً وَجَحَدَ الْآخِرَ.
قَالَ: «هُوَ كَمَنْ أَقَرَّ بِعِيسَى وَجَحَدَ بِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أَوْ أَقَرَّ بِمُحَمَّدٍ وَجَحَدَ بِعِيسَى».
نعوذ بالله من جحد حجَّة من حُجَجه.
فليحذر من قرأ هذا الحديث وبلغه هذا الكتاب أنْ يجحد إماماً من الأئمَّة، أو يُهلِك نفسه بالدخول في حال تكون منزلته فيها منزلة من جحد محمّداً أو عيسى (صلَّى الله عليهما) نبوَّتهما.
[٦٦/٥] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبَاحٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِي المَغْرَا(٤٤٦)، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ(٤٤٧)، عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٤٥) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٣ و٣٧٤/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٤ و١٢)؛ وراجع: الخصال (ص ١٠٦/ ح ٦٩).
(٤٤٦) هو حميد بن المثنَّى العجلي الصيرفي، وثَّقه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٣٣/ الرقم ٣٤٠)، والطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ١٥٤/ الرقم ٢٣٦).
(٤٤٧) في بعض النُّسَخ: (أبي سالم).

↑صفحة ١٤٦↑

الْبَاقِرِ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٦٠]، قَالَ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِمَامٌ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ».
قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ عَلَوِيًّا فَاطِمِيًّا؟
قَالَ: «وَإِنْ كَانَ عَلَوِيًّا فَاطِمِيًّا»(٤٤٨)،(٤٤٩).
[٦٧/٦] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ النَّاشِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله اِبْنُ جَبَلَةَ، عَنْ عِمْرَانَ(٤٥٠) بْنِ فطر(٤٥١)، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام): هَلْ كَانَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَعْرِفُ الْأَئِمَّةَ (عليهم السلام)؟
قَالَ: «قَدْ كَانَ نُوحٌ (عليه السلام) يَعْرِفُهُمْ، الشَّاهِدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾ [الشورى: ١٣](٤٥٢)»، قَالَ: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ - يَا مَعْشَرَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٤٨) راجع: الكافي (ج ١/ ص ٣٧٢/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٣)، والاعتقادات (ص ١١٣)، وثواب الأعمال (ص ٢١٤)، ومناقب آل أبي طالب (ج ١/ ص ٢٢٢ و٢٢٣).
(٤٤٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ١٩٢): (ذكر العلوي بعد الفاطمي للتأكيد، ولبيان أنَّه لا ينفعه شيء من الشرفين المجتمعين فيه، ولو كان بالعكس كان الثاني مقيِّداً ومخصِّصاً للأوَّل كما ورد في سائر الأخبار).
(٤٥٠) في بعض النُّسَخ: (عبد الله).
(٤٥١) كذا في النُّسَخ، وذكره تحت عنوان (عمران بن قطن) النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٩٢/ الرقم ٧٨٨)، وقال: (روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) كتابه)، وعدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٥٧/ الرقم ٣٦٣٧/٥٤٦) من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، وقال: (كوفي).
(٤٥٢) وبقيَّه الآية: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾. قوله: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ﴾ أي شرع لكم من الدِّين دين نوح ومحمّد (عليهما السلام) ومن بينهما من أرباب الشرائع، وهو الأصل المشترك فيما بينهم المفسَّر بقوله: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾، وهو الإيمان بما يجب تصديقه والاعتقاد به. ﴿وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ أي لا تختلفوا في هذا الأمر المشترك بين الجميع، فإنَّ اللَّام في ﴿الدِّينَ﴾ للعهد، أي أقيموا هذا الدِّين المشروع لكم. فالمعنى أنَّ هذا الدِّين المشروع لكم هو الذي وصَّى به نوحاً (عليه السلام) ومحمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن بينهما من أرباب الشرائع الإلهيَّة من التوحيد والحشر والولاية ونحوها ممَّا لا تختلف الشرائع فيه بقرينة قوله: ﴿وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾، فما كنتم مكلَّفين به من الاعتقاد هو الذي كلَّف به نوح (عليه السلام).

↑صفحة ١٤٧↑

الشِّيعَةِ - مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً».
[٦٨/٧] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ اِبْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ المَكْفُوفِ(٤٥٣)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «يَنْبَغِي لِمَنِ ادَّعَى هَذَا الْأَمْرَ فِي السِّرِّ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ بِبُرْهَانٍ فِي الْعَلَانِيَةِ».
قُلْتُ: وَمَا هَذَا الْبُرْهَانُ الَّذِي يَأْتِي فِي الْعَلَانِيَةِ؟
قَالَ: «يُحِلُّ حَلَالَ الله، وَيُحَرِّمُ حَرَامَ الله، وَيَكُونُ لَهُ ظَاهِرٌ يُصَدِّقُ بَاطِنَهُ»(٤٥٤).
[٦٩/٨] وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ المَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ المَعْرُوفُ بِالرَّزَّازِ الْكُوفِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٥٣) لم أجده بهذا العنوان في كُتُب الرجال، والظاهر بقرينة قوله: (عن بعض أصحابه) أنَّ له أصلاً أو كتاباً، والمكفوف هو الذي ذهب بصره، وجاء في الفهرست للطوسي (رحمه الله) (ص ١٨٠/ الرقم ٤٩٠/٤) بعنوان: (عمرو بن خالد الأعشى)، وقال: (له كتاب)، وذكر السيِّد التفرشي (رحمه الله) في نقد الرجال (ج ٥/ ص ١٥٣/ ذيل الرقم ٥٩٨٩) أنَّ أبا خالد كنية لجماعة، منهم: عمرو بن خالد هذا.
(٤٥٤) الظاهر كون الخبر أجنبيًّا عن الباب، لأنَّ المراد بـ(الأمر) التشيُّع لا الإمامة.

↑صفحة ١٤٨↑

وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٦٠]، قَالَ: «مَنْ قَالَ: إِنِّي إِمَامٌ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ».
قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ عَلَوِيًّا فَاطِمِيًّا؟
قَالَ: «وَإِنْ كَانَ عَلَوِيًّا فَاطِمِيًّا».
قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؟
قَالَ: «وَإِنْ كَانَ مِنْ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(٤٥٥)».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، مِثْلَهُ سَوَاءً(٤٥٦).
[٧٠/٩] وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عِيسَى الْحُسَيْنِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَعْيَنَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ رَايَةِ الْقَائِمِ (عليه السلام) صَاحِبُهَا طَاغُوتٌ(٤٥٧)»(٤٥٨).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٥٥) لعلَّ إعادة السؤال لرفع توهُّم كون المراد بالعلوي من ينتسب إليه (عليه السلام) من مواليه أو شيعته.
(٤٥٦) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٢/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ١).
(٤٥٧) في الصحاح للجوهري (ج ٦/ ص ٢٤١٣/ مادَّة طغا): (الطاغوت: الكاهن والشيطان، وكلُّ رأس في الضلالة، قد يكون واحداً، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: ٦٠]، وقد يكون جميعاً، قال الله تعالى: ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٥٧]، وطاغوت وإنْ جاء على وزن لاهوت فهو مقلوب لأنَّه من طغا، ولاهوت غير مقلوب لأنَّه من لاه، بمنزلة الرغبوت والرهبوت، والجمع الطواغيت).
(٤٥٨) الكافي (ج ٨/ ص ٢٩٥/ ح ٤٥٢).

↑صفحة ١٤٩↑

[٧١/١٠] وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنِ ابْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ أَبَانٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ(٤٥٩)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرٌ (عليه السلام): «مَنِ ادَّعَى مَقَامَنَا - يَعْنِي الْإِمَامَةَ(٤٦٠) - فَهُوَ كَافِرٌ - أَوْ قَالَ: مُشْرِكٌ -».
[٧٢/١١] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ بِقُمَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ(٤٦١)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَعْيَنَ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ (عليه السلام) صَاحِبُهَا طَاغُوتٌ».
[٧٣/١٢] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ المُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَعْيَنَ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ - أَوْ قَالَ: تَخْرُجُ - قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ (عليه السلام) صَاحِبُهَا طَاغُوتٌ».
[٧٤/١٣] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «مَنْ خَرَجَ يَدْعُو النَّاسَ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ(٤٦٢)، وَمَنِ ادَّعَى الْإِمَامَةَ مِنَ الله وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فَهُوَ كَافِرٌ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٥٩) في بعض النُّسَخ: (عن أبي الفضل، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام)).
(٤٦٠) في بعض النُّسَخ: (من ادَّعى مقاماً ليس له - يعني الإمامة -).
(٤٦١) في بعض النُّسَخ: (محمّد بن الحسن الرازي)، وفي بعضها: (محمّد بن الحسين الرازي).
(٤٦٢) الخبر ذُكِرَ في بحار الأنوار (ج ٢٥/ ص ١١٥/ ح ١٨) إلى هنا، والبقيَّة في هامش بعض النُّسَخ. وقوله: (يدعو الناس) أي إلى نفسه بالإمامة لهم.

↑صفحة ١٥٠↑

فماذا يكون الآن - ليت شعري - حال من ادَّعى إمامة إمام ليس من الله ولا منصوصاً عليه، ولا هو من أهل الإمامة، ولا هو موضعاً لها بعد قولهم (عليهم السلام): «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ: مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ إِمَامٌ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ، وَمَنْ جَحَدَ إِمَامَةَ إِمَامٍ حَقٍّ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً»، وبعد إيجابهم على مدَّعي هذه المنزلة والمرتبة وعلى من يدَّعيها له الكفر والشرك؟ نعوذ بالله منهما ومن العمى، ولكنَّ الناس إنَّما أتوا من قلَّة الرواية والدراية عن أهل البيت المطهَّرين الهادين، نسأل الله (عزَّ وجلَّ) الزيادة من فضله، وألَّا يقطع عنَّا موادَّ إحسانه وعلمه، ونقول - كما أدَّب الله (عزَّ وجلَّ) نبيَّه في كتابه -: ربَّنا زدنا علماً، واجعل ما مننت به علينا مستقرًّا ثابتاً، ولا تجعله مستودعاً مستعاراً، برحمتك وطولك.

* * *

↑صفحة ١٥١↑

باب (٦): الحديث المروي عن طُرُق العامَّة (٤٦٣)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٦٣) في بعض النُّسَخ: (ما روي أنَّ الأئمَّة اثنا عشر إماماً، وذكر ما يدلُّ عليه القرآن والتوراة). وهذا الباب مع أخباره غير موجود في بعض النُّسَخ، وكأنَّه أُضيف إليه بعد إملاء المؤلِّف (رحمه الله).

↑صفحة ١٥٣↑

[مِنْ ذَلِكَ](٤٦٤):
ما روي عن عبد الله بن مسعود:
[٧٥/١] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الدُّهْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَحَدَّثَكُمْ نَبِيُّكُمْ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَمْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَا سَأَلَنِي أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَإِنَّكَ لَأَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي عِدَّةُ نُقَبَاءِ مُوسَى (عليه السلام)»(٤٦٥).
[٧٦/٢] وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ(٤٦٦) وَعَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَشَجِّ(٤٦٧) وَأَبِي كُرَيْبٍ(٤٦٨) وَمَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ(٤٦٩) وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ(٤٧٠) وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٦٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في بعض النُّسَخ.
(٤٦٥) تقدَّم تحت الرقم (٥٨/٣٧)، فراجع.
(٤٦٦) هو عثمان بن محمّد بن إبراهيم بن أبي شيبة الكوفي، ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٨/ص ٤٥٤).
(٤٦٧) عبد الله بن عمر بن سعيد الأشجّ، عنونه ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٥/ ص ٢٠٨/ الرقم ٤١١) بعنوان: (عبد الله بن سعيد الأشجّ)، وقال: (كوفي ثقة، مات سنة (٢٥٧هـ)).
(٤٦٨) هو محمّد بن العلاء بن كريب الهمداني المعنون في تهذيب التهذيب (ج ٩/ ص ٣٤٢/ الرقم ٦٣٦)، وقال: (كوفي حافظ أحد الأثبات المكثرين).
(٤٦٩) محمود بن غيلان، أبو أحمد المروزي العدوي، مولاهم، وكان ثقةً حافظاً، مات سنة (٢٣٩هـ)، كما في تهذيب التهذيب (ج ١٠/ ص ٥٨/ الرقم ١٠٩).
(٤٧٠) يُراد بعليِّ بن محمّد إمَّا الطنافسي الكوفي الصدوق الثقة، وإمَّا الهاشمي الكوفي الوشَّاء الذي ذكره ابن حبَّان في الثقات، وكلاهما في طبقة واحدة، ومن رواة حمَّاد بن زيد أبي أُسامة.

↑صفحة ١٥٥↑

سَعِيدٍ(٤٧١)، قَالُوا جَمِيعاً: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ(٤٧٢)، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَحَدَّثَكُمْ نَبِيُّكُمْ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَمْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَمَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَإِنَّكَ لَأَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا، قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي عِدَّةُ نُقَبَاءِ مُوسَى (عليه السلام)»(٤٧٣).
[٧٧/٣] أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَشْعَثُ(٤٧٤)، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَلْ سَأَلْتُمْ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَمْ يَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ مِنْ خَلِيفَةٍ بَعْدَهُ؟
فَقَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ قَدِمْتُ الْعِرَاقَ، نَعَمْ سَأَلْنَا رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «اثْنَا عَشَرَ عِدَّةُ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
[٧٨/٤] وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي أَحْمَدَ(٤٧٥) وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٧١) إبراهيم بن سعيد، أبو إسحاق الجوهري الطبري، حافظ ثقة ثبت، كما ذكره الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٦/ ص ٩٠/ الرقم ٣١٢٧).
(٤٧٢) هو حمَّاد بن أُسامة بن زيد القرشي، مولاهم، المشهور بكنيته، ثقة ثبت، كما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٢٣٦ و٢٣٧/ الرقم ١٤٩٢)، وقال: (مات سنة إحدى ومائتين، وهو ابن ثمانين سنة)، ووثَّقه العجلي وأحمد.
(٤٧٣) روى الخبر أحمد بن حنبل في مسنده (ج ٦/ ص ٣٢١/ ح ٣٧٨١)، وليس في سنده: (عن عمِّه)، وفيه: (كعدَّة نقباء بني إسرائيل).
(٤٧٤) الأشعث بن سوار الكندي النجَّار الكوفي، مولى ثقيف، صاحب التوابيت، ضعيف عند أكثر أرباب الجرح والتعديل.
(٤٧٥) المراد به محمود بن غيلان المروزي المتقدِّم ذكره.

↑صفحة ١٥٦↑

الْقَطَّانِ(٤٧٦) وَسُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ(٤٧٧)، قَالُوا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ(٤٧٨)، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَمِّهِ قَيْسِ بْنِ عَبْدٍ(٤٧٩)، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَأَتَى عَبْدَ الله بْنَ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: فِيكُمْ عَبْدُ الله بْنُ مَسْعُودٍ؟ فَأَشَارُوا إِلَيْهِ.
قَالَ لَهُ: عَبْدُ الله قَدْ وَجَدْتَهُ، فَمَا حَاجَتُكَ؟
قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ إِنْ كُنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَنَبِّئْنَا بِهِ، أَحَدَّثَكُمْ نَبِيُّكُمْ كَمْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنْ خَلِيفَةٍ؟
قَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْ هَذَا أَحَدٌ مُنْذُ قَدِمْتُ الْعِرَاقَ، نَعَمْ، قَالَ: «الْخُلَفَاءُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ»(٤٨٠).
[٧٩/٥] وَعَنْ مُسَدِّدِ بْنِ مُسْتَوْرِدٍ(٤٨١)، قَالَ: حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٧٦) يوسف بن موسى، أبو يعقوب القطَّان الكوفي، قال الخطيب في تاريخ بغداد (ج ١٤/ ص ٣٠٦/ الرقم ٧٦١٥): (كان أصله من الأهواز، ومتجره بالريِّ، ثمّ سكن بغداد وحدَّث بها عن جرير بن عبد الحميد...)، إلى أنْ قال: (وصفه غير واحد من الأئمَّة بالثقة)، وذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٩/ ص ٢٨٢).
(٤٧٧) سفيان بن وكيع ضعَّفه غير واحد، وقالوا: ليس بثقة.
(٤٧٨) هو جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد الله الرازي، وكان ثقةً يُرحَل إليه، وفي المحكي عن ابن عمَّار الموصلي أنَّه حجَّة كانت كُتُبه صحاحاً، وعن النسائي والعجلي أنَّه ثقة، مات سنة (١٨٨هـ)، كما في تهذيب التهذيب (ج ٢/ ص ٦٥/ الرقم ١١٦).
(٤٧٩) في نسخة: (قيس بن عبيد).
(٤٨٠) قد تكرَّر في الباب أنَّ عدد خلفاء النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عدد نقباء بني إسرائيل، أو نقباء موسى (عليه السلام)، والمراد اثنا عشر حيث قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ (المائدة: ١٢)، والنقيب هو الآمر والسيِّد والشاهد، ونقيب القوم: سيِّدهم وأميرهم.
(٤٨١) هومسدِّد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد الأسدي البصري، أبو الحسن، كان ثقةً حافظاً، كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ١٧٥/ الرقم ٦٦١٩).

↑صفحة ١٥٧↑

مُجَالِدٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ المَغْرِبِ وَهُوَ يُعَلِّمُ الْقُرْآنَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَسَأَلْتَ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَمْ يَكُونُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ خَلِيفَةٍ؟
فَقَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ قَدِمْتُ الْعِرَاقَ، نَعَمْ، وَقَالَ: «خُلَفَاؤُكُمُ اثْنَا عَشَرَ عِدَّةُ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
ما روي عن أنس بن مالك (٤٨٢):
[٨٠/٦] مَا رَوَاهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ هَاشِمٍ الْبَزَّارُ(٤٨٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ مَوْلَى بَنِي مُجَاشِعٍ(٤٨٤)، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ(٤٨٥)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَنْ يَزَالَ هَذَا الْأَمْرُ قَائِماً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ قَيِّماً مِنْ قُرَيْشٍ...» ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ(٤٨٦).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٨٢) أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مات سنة اثنتين ومائة، وقيل: ثلاث وتسعين، وقد جاوز المائة، كما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ١١١/ الرقم ٥٦٦).
(٤٨٣) لم أعثر عليه بهذا العنوان، ويمكن أنْ يكون تصحيف عبد السلام بن عاصم الجعفي، وهو مقبول الرواية. ويحتمل أنْ يكون عبد السلام بن أبي حازم البصري، فإنَّ جلَّ من روى عن يزيد الرقاشي أحاديثه بصريُّون.
(٤٨٤) الظاهر أنَّه عبد الله بن سليمان بن جنادة بن بني أُميَّة، ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٨/ ص ٣٣٧).
(٤٨٥) يزيد بن أبان الرقاشي، كان قاصًّا، ولم يكن من الثقات، إنَّما كان من خيار عباد الله، معروفاً بأبي عمرو البصري الزاهد، وله أخبار في المواعظ والخوف والبكاء، وليس بقويٍّ. راجع: تهذيب التهذيب (ج ١١/ ص ٢٧٠/ الرقم ٤٩٨).
(٤٨٦) روى الساروي هذا الخبر بإسناده عن عبد الله بن أبي أُميَّة، عن الرقاشي، وزاد في آخره: (فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها).

↑صفحة ١٥٨↑

ما رواه جابر بن سمرة السُّوائي:
وهو ابن أُخت سعد بن أبي وقَّاص، بعد ما في الأصل.
[٨١/٧] عَمْرُو بْنُ خَالِدِ بْنِ فَرُّوخٍ الْحَرَّانِيُّ(٤٨٧)، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مُسْتَقِيماً أَمْرُهَا، ظَاهِرَةً عَلَى عَدُوِّهَا، حَتَّى يَمْضِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ وُفُودُ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُ: ثُمَّ يَكُونُ مَا ذَا؟
قَالَ: «يَكُونُ الْهَرْجُ».
وَقَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ(٤٨٨)، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَذَكَرَ مِثْلَهُ.
[٨٢/٨] عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ(٤٨٩)، قَالَ: حَدَّثَنِي جَرِيرٌ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَقُومُ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً».
قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْمَعْهُ، فَسَأَلْتُ الْقَوْمَ، وَسَأَلْتُ أَبِي، وَكَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٨٧) عمرو بن خالد، أبو الحسن الحرَّاني الجزري، نزيل مصر، قال العجلي: (ثبت ثقة)، وقال أبو حاتم: (صدوق)، كما في تهذيب التهذيب (ج ٨/ ص ٢٣/ الرقم ٤٠).
(٤٨٨) هو عبد المَلِك بن عبد العزيز بن جريج - بالجيم أوَّله وآخره -، قال ابن حجر تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٦١٧/ الرقم ٤٢٠٧): (كان ثقةً فاضلاً).
(٤٨٩) السند معلَّق على ما تقدَّم تحت الرقم (٧٦/٢)، وكذا سند الحديث الآتي.

↑صفحة ١٥٩↑

[٨٣/٩] عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ(٤٩٠)، عَنْ مُهَاجِرِ اِبْنِ مِسْمَارٍ(٤٩١)، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ(٤٩٢)، قَالَ: كَتَبْتُ مَعَ غُلَامِي نَافِعٍ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ عَشِيَّةَ جُمُعَةٍ رُجِمَ الْأَسْلَمِيُّ(٤٩٣): «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِماً حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ يَكُونُ عَلَى النَّاسِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ...» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ(٤٩٤).
وعَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ(٤٩٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٩٠) حاتم بن إسماعيل، أبو إسماعيل المدني الحارثي، قال ابن سعد في طبقاته (ج ٥/ ص ٤٢٥): (كان أصله من الكوفة، ولكنَّه انتقل إلى المدينة فنزلها حتَّى مات بها سنة (١٨٦هـ)...، وكان ثقةً مأموناً، كثير الحديث).
(٤٩١) مهاجر بن مسمار الزهري، مولى سعد، مدني، ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٧/ص ٤٨٦).
(٤٩٢) عامر بن سعد بن أبي وقَّاص الزهري المدني، قال ابن سعد في طبقاته (ج ٥/ ص ١٦٧): (كان ثقةً كثير الحديث)، وذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٥/ ص ١٨٦).
(٤٩٣) هو ماعز بن مالك الأسلمي، وقصَّته كما في صحيح مسلم (ج ٥/ ص ١١٨) أنَّه أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: إنِّي أصبت فاحشة فأقمه عليَّ، فردَّه النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مراراً، ثمّ سأل قومه: هل به جنون؟ فقالوا: ما نعلم به بأساً، فأمر برجمه، فانطلقوا به إلى بقيع الغرقد ورجموه... إلى آخره.
(٤٩٤) تتمَّة الخبر كما في صحيح مسلم (ج ٦/ ص ٤): وسمعته يقول: «عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى - أو آل كسرى -»، وسمعته يقول: «إنَّ بين يدي الساعة كذَّابين فاحذروهم»، وسمعته يقول: «إذا أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهل بيته»، وسمعته يقول: «أنا الفرط على الحوض».
(٤٩٥) عبَّاد بن يعقوب الأسدي الرواجني، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٥/ ص ٩٥/ الرقم ١٨٣): (قال الحاكم: كان ابن خزيمة يقول: حدَّثنا الثقة في روايته، المتَّهم في دينه عبَّاد بن يعقوب...، قال ابن عدي: وعبَّاد فيه غلوٌّ في التشيُّع).

↑صفحة ١٦٠↑

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ(٤٩٦)، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ(٤٩٧)، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ(٤٩٨)، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ.
[٨٤/١٠] وَعَنْ غُنْدَرٍ(٤٩٩)، عَنْ شُعْبَةَ(٥٠٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ(٥٠١)، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ مُسْتَقِيماً حَتَّى يَقُومَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»، ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أَفْهَمْهَا، فَسَأَلْتُ أَبِي، فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٨٥/١١] وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدٍ(٥٠٢)، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ اِبْنُ عِلَاقَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ السُّوَائِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً»، ثُمَّ أَخْفَى صَوْتَهُ، فَسَأَلْتُ أَبِي، فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٤٩٦) محمّد بن عبد الله بن عبد الحَكَم، أبو عبد الله المصري، فقيه ثقة، راجع: تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٩٦/ الرقم ٦٠٤٧).
(٤٩٧) هو محمّد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك، قال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٥٦/ الرقم ٥٧٥٤): (صدوق).
(٤٩٨) هو محمّد بن عبد الرحمن، المكنَّى بابن أبي ذئب، ثقة فقيه فاضل، كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ١٠٥/ الرقم ٦١٠٢).
(٤٩٩) هو محمّد بن جعفر المدني البصري، ثقة صدوق صحيح الكتاب، راجع: تهذيب التهذيب (ج ٩/ ص ٨٤/ الرقم ١٢٩).
(٥٠٠) شعبة بن الحجَّاج بن الورد العتكي، أبو بسطام الواسطي ثمّ البصري، كان ثقةً حافظاً متقناً، قال الثوري: هو أمير المؤمنين في الحديث، على ما في تهذيب التهذيب (ج ٤/ ص ٢٩٧/ الرقم ٥٩٠).
(٥٠١) هو وضَّاح بن عبد الله اليشكري البزَّاز، مشهور بكنيته، كان ثقةً ثبتاً، كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٢٨٢/ الرقم ٧٤٣٤).
(٥٠٢) كذا، ومثله في الخصال وبحار الأنوار، ولم أجده بهذا العنوان.

↑صفحة ١٦١↑

[٨٦/١٢] وَعَنْ خَلَفِ بْنِ الْوَلِيدِ اللُّؤْلُؤِيِّ(٥٠٣)، عَنْ إِسْرَائِيلَ(٥٠٤)، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «يَقُومُ بَعْدَهُ - أَوْ مِنْ بَعْدِهِ - اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً»، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا، فَسَأَلْتُ الْقَوْمَ: مَا قَالَ؟ فَقَالُوا: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٨٧/١٣] وَمِنْ حَدِيثِ خَلَفِ بْنِ هِشَامٍ الْبَزَّارِ(٥٠٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ، قَالَ: خَطَبَ بِنَا رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَوِيًّا عَزِيزاً ظَاهِراً عَلَى مَنْ نَاوَاهُ(٥٠٦)، لَا يَضُرُّهُ مَنْ فَارَقَهُ أَوْ خَالَفَهُ حَتَّى يَمْلِكَ اثْنَا عَشَرَ».
قَالَ: وَتَكَلَّمَ النَّاسُ، فَلَمْ أَفْهَمْ، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ، أَرَأَيْتَ قَوْلَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «كُلُّهُمْ»، مَا هُوَ؟
قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
وَمِنْ حَدِيثِ النَّفِيليِّ الْحَرَّانِيِّ(٥٠٧)، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٠٣) هو خلف بن الوليد الجوهري، أبو الوليد البغدادي، عنونه الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٨/ ص ٣١٧/ الرقم ٤٤١٥)، وقال: (... سمعت يحيى بن معين يقول: خلف بن الوليد ثقة).
(٥٠٤) إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، أبو يوسف الكوفي، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ١/ ص ٢٢٩/ الرقم ٤٩٦): (قال أبو حاتم: ثقة صدوق).
(٥٠٥) خلف بن هشام بن ثعلب البزَّار - بالراء آخراً -، أبو محمّد المقرئ البغدادي، أحد الأعلام، وثَّقه ابن معين والنسائي، كما في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص ١٠٦).
(٥٠٦) ظاهراً: أي غالباً. وقال الجوهري في الصحاح (ج ١/ ص ٧٩/ مادَّة نوأ): (ناوأت الرجل مناوأةً ونواءً: عاديته)، وفي (ج ٦/ ص ٢٥١٧/ مادَّة نوى): (وناواه: أي عاداه، وأصله الهمز، لأنَّه من النوء وهو النهوض).
(٥٠٧) هو عبد الله بن محمّد بن عليِّ بن نفيل، ثقة حافظ، كما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٥٣١/ الرقم ٣٦٠٥).

↑صفحة ١٦٢↑

زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مُسْتَقِيماً أَمْرُهَا، ظَاهِرَةً عَلَى عَدُوِّهَا، حَتَّى يَمْضِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ وُفُودُ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُ: ثُمَّ يَكُونُ مَا ذَا؟
قَالَ: «يَكُونُ الْهَرْجُ»(٥٠٨).
[٨٨/١٤] وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ وَسِمَاكٍ وَحُصَيْنٍ، كُلُّهُمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً - غَيْرَ أَنَّ حُصَيْنَ قَالَ: اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً -»، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيثِهِ: فَسَأَلْتُ أَبِي.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَسَأَلْتُ الْقَوْمَ.
فَقَالُوا: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مُسْتَقِيماً أَمْرُهَا، ظَاهِرَةً عَلَى عَدُوِّهَا، حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»(٥٠٩).
[٨٩/١٥] وَمِنْ حَدِيثِ مُعَمَّرِ بْنِ سُلَيْمَانَ(٥١٠)، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٠٨) تقدَّم تحت الرقم (٨١/٧)، فراجع.
(٥٠٩) تقدَّم مع زيادة تحت الرقم (٨١/٧)، فراجع.
(٥١٠) معمَّر - بتشديد الميم - ابن سليمان النخعي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة فاضل، كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٢٠٣/ الرقم ٦٨٣٩)، ولا يبعد أنْ يكون معتمر بن سليمان التيمي البصري الثقة.

↑صفحة ١٦٣↑

أَبِي خَالِدٍ(٥١١) يَرْوِي عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ ظَاهِراً لَا يَضُرُّهُ مَنْ نَاوَاهُ حَتَّى يَمْضِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»، ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أَفْهَمْهَا، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٩٠/١٦] وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ(٥١٢) وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا الْإِسْلَامُ عَزِيزاً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً»، ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أَفْهَمْهَا، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٩١/١٧] وَمِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ(٥١٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: خَطَبَ بِنَا رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ عَزِيزاً مَنِيعاً ظَاهِراً [عَلَى](٥١٤) مَنْ نَاوَاهُ حَتَّى يَمْلِكَ اثْنَا عَشَرَ كُلُّهُمْ»، ثُمَّ لَغَطَ الْقَوْمُ وَتَكَلَّمُوا، فَلَمْ أَفْهَمْ قَوْلَهُ بَعْدَ: «كُلُّهُمْ»، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتَاهْ، مَا قَالَ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥١١) إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي، مولاهم، قال أحمد بن حنبل: هو أصحُّ الناس حديثاً، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وكان طحَّاناً، وقال أبو حاتم: لا أُقدِّم عليه أحداً من أصحاب الشعبي، كما في تهذيب التهذيب (ج ١/ ص ٢٥٤/ الرقم ٥٤٣).
(٥١٢) يزيد بن سنان بن يزيد القزَّاز البصري، يُكنَّى أبا خالد، نزيل مصر، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال ابن يونس: قَدِمَ مصر تاجراً وكتب بها الحديث وحدَّث، وكانت وفاته بمصر أوَّل يوم من جمادى الأُولى سنة (٢٦٤هـ)، وكان ثقةً نبيلاً، وخرج مسند حديثه، وكان كثير الفائدة، وفيها أرَّخه ابن عقدة. راجع: تهذيب التهذيب (ج ١١/ ص ٢٩٢/ الرقم ٥٤٠).
(٥١٣) هو سليمان بن داود العتكي البصري، نزيل بغداد، ثقة، كما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٣٨٥/ الرقم ٢٥٦٤).
(٥١٤) أضفناه لاقتضاء السياق.

↑صفحة ١٦٤↑

بَعْدَ: «كُلُّهُمْ»؟ قَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٩٢/١٨] وَمِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مُوسَى(٥١٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ عَمْرٍو(٥١٦)، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ اِبْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَنْ تَزَالَ الْأُمَّةُ عَلَى هَذَا مُتَمَسِّكِينَ حَتَّى يَقُومَ اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً - أَوِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً -»، قَالَ: وَخَافَتَ بِكَلِمَةٍ، وَكَانَ أَبِي أَدْنَى مِنِّي، فَلَمَّا خَرَجْتُ قُلْتُ: مَا الَّذِي خَافَتَ بِهِ؟ قَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٩٣/١٩] وَمِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ(٥١٧)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَقُومُ فِي أُمَّتِي بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً»، قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْمَعْهُ، قَالَ: فَسَأَلْتُ الْقَوْمَ، وَسَأَلْتُ أَبِي، وَكَانَ أَقْرَبَ مِنِّي، فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٩٤/٢٠] وَعَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُهَاجِرِ اِبْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ سَمُرَةَ: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِماً حَتَّى يَكُونَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً مِنْ قُرَيْشٍ...» وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥١٥) لم أعثر على ذكره بهذا العنوان، والمظنون تصحيفه.
(٥١٦) عبيد الله بن عمرو بن الوليد الأسدي، مولاهم الرقِّي، وثَّقه ابن معين والنسائي، كما في تهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ٣٨/ الرقم ٧٤).
(٥١٧) الحسن بن عمر بن شقيق، أبو عليٍّ البصري البلخي، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٢/ ص ٢٦٦/ الرقم ٥٣٤): (سكن الريَّ، وكان يتَّجر إلى بلخ، فعُرِفَ بالبلخي...، قال البخاري وأبو حاتم: صدوق، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وذكره ابن حبَّان في الثقات).

↑صفحة ١٦٥↑

ما رواه أبو جحيفة (٥١٨):
[٩٥/٢١] وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ أَبُو عَتَّابٍ الدَّلَّالُ(٥١٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ(٥٢٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ(٥٢١)، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَهُوَ يَخْطُبُ وَعَمِّي جَالِسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي صَالِحاً حَتَّى يَمْضِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
ما روي عن سمرة بن جندب:
رَوَى عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ(٥٢٢)، عَنْ دَاوُدَ(٥٢٣)، عَنْ أَبِيهِ(٥٢٤)، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ(٥٢٥)، عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نَحْوُ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الَّذِي رَوَيْنَاهُ

(٥١٨) هو وهب بن عبد الله السوائي، نسبة إلى سواءة بن عامر بن صعصعة، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ١١/ ص ١٤٥/ الرقم ٢٨١): (يقال له: وهب الخير، قيل: مات النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل أنْ يبلغ الحلم...، وقال أبو نعيم: كان على شرطة عليٍّ، واستعمله على خُمُس المتاع).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥١٩) سهل بن حمَّاد الدلَّال، أبو عتاب البصري، صدوق، ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٨/ ص ٢٩٠).
(٥٢٠) يونس بن وقدان أبي يعفور العبدي الكوفي، ضعيف عند جماعة، وقال أبو حاتم: صدوق، كما في تهذيب التهذيب (ج ١١/ ص ٣٩٧/ الرقم ٧٧١).
(٥٢١) عون بن أبي جحيفة، ثقة عند أبي حاتم والنسائي وابن معين، كما في تهذيب التهذيب (ج ٨/ ص ١٥١/ الرقم ٣٠٧).
(٥٢٢) عبد الوهَّاب بن عبد المجيد، أبو محمّد الثقفي البصري، ثقة، تغيَّر قبل موته بثلاث سنين، كما في تهذيب التهذيب (ج ٦/ ص ٣٩٧/ الرقم ٨٣٧).
(٥٢٣) داود بن أبي هند، أبو بكر أو أبو محمّد البصري، ثقة متقن، كما في تهذيب التهذيب (ج ٣/ ص ١٧٧/ الرقم ٣٨٨).
(٥٢٤) هو أبو هند، واسمه دينار، مهمل.
(٥٢٥) سمرة بن جندب حليف الأنصار، صحابي مات بالبصرة سنة (٥٨هـ).

↑صفحة ١٦٦↑

فِي صَدْرِ الْبَابِ(٥٢٦)، رَوَاهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ هَاشِمٍ الْبَزَّارُ، [قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ مَوْلَى بَنِي مُجَاشِعٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَنْ يَزَالَ هَذَا الدِّيِنُ قَائِماً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ...» ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ](٥٢٧).
ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص:
[٩٦/٢٢] وَمِنْ حَدِيثِ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ(٥٢٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ(٥٢٩)، عَنْ هِشَامٍ(٥٣٠)، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ(٥٣١)، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ(٥٣٢)، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو: لَا جَرَمَ(٥٣٣) مَكْتُومٌ فِي كِتَابِ الله (عزَّ وجلَّ) اثْنَا عَشَرَ يَمْلِكُونَ النَّاسَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٢٦) في بعض النُّسَخ: (صدر هذا الكتاب)، وقد تقدَّم تحت الرقم (٨٠/٦).
(٥٢٧) ما بين المعقوفتين لا يوجد في بعض النُّسَخ.
(٥٢٨) سويد بن سعيد، أبو محمّد الحدثاني الهروي الأنباري، صالح صدوق مضطرب الحفظ، قال البرذعي: رأيت أبا زرعة يسيء القول فيه، فقلت له: فأيُّ شيء حاله؟ قال: أمَّا كُتُبه فصحاح، وكنت أتتبَّع أُصوله فأكتب منها، وأمَّا ما حدَّث من حفظه فلا. راجع: تهذيب التهذيب (ج ٤/ ص ٢٣٩/ الرقم ٤٨١).
(٥٢٩) معتمر بن سليمان التيمي، أبو محمّد البصري، يُلقَّب بالطفيل، ثقة، كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ١٩٩/ الرقم ٦٨٠٩).
(٥٣٠) هشام بن حسَّان الأزدي القردوسي، أبو عبد الله البصري، ثقة، كما في تقريب التذهيب (ج ٢/ ص ٢٦٦/ الرقم ٧٣١٥).
(٥٣١) هو محمّد بن سيرين، ثقة، كان إمام وقته، كما في تهذيب التهذيب (ج ٩/ ص ١٩٠/ الرقم ٣٣٨).
(٥٣٢) هو مرثد بن عبد الله اليزني المصري، فقيه، قيل: إنَّه مفتي أهل مصر في زمانه، وثَّقه غير واحد من الرجاليِّين. راجع: تهذيب التهذيب (ج ١٠/ ص ٧٤/ الرقم ١٤٣).
(٥٣٣) كذا في النُّسَخ متَّصلاً بدون البياض، وفيها: (لأحدهم) بدل (لا جرم). والعبارة مضطربة لا تخلو من نقص.

↑صفحة ١٦٧↑

[٩٧/٢٣] مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الدُّهْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ خَلْفِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»(٥٣٤).
[٩٨/٢٤] وَعَنِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَيَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِينِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ، اعْدُدْ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، ثُمَّ يَكُونُ النَّقْفُ وَالنِّقَافُ(٥٣٥).
والروايات في هذا المعنى من طُرُق العامَّة كثيرة تدلُّ على أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يذكر الاثني عشر وأنَّهم خلفاؤه.

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٣٤) تقدَّم تحت الرقم (٥٥/٣٤)، فراجع.
(٥٣٥) تقدَّم تحت الرقم (٥٦/٣٥)، فراجع.

↑صفحة ١٦٨↑

باب (٧): ما روي فيمن شكَّ في واحد من الأئمَّة (صلَّى الله عليهم)، أو بات ليلة لا يعرف فيها إمامه، أو دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام منه

↑صفحة ١٦٩↑

[٩٩/١] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ بِنَهَاوَنْدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الله(٥٣٦)، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): «يَا يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الله، مَنْ بَاتَ لَيْلَةً لَا يَعْرِفُ فِيهَا إِمَامَهُ(٥٣٧) مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
[١٠٠/٢] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَشْعَرِيُّ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ(٥٣٨) وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ(٥٣٩) وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيُّ(٥٤٠)، قَالُوا جَمِيعاً: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ الزَّرَّادُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (عليهما السلام) يَقُولُ: «كُلُّ مَنْ دَانَ اللهَ بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَهُ وَلَا إِمَامَ لَهُ مِنَ الله تَعَالَى فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَهُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ، وَاللهُ شَانِئٌ لِأَعْمَالِهِ، وَمَثَلُهُ كَمَثَلِ شَاةٍ مِنَ الْأَنْعَامِ ضَلَّتْ عَنْ رَاعِيهَا أَوْ قَطِيعِهَا، فَتَاهَتْ ذَاهِبَةً

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٣٦) يعني به يحيى بن عبد الله بن محض، صاحب الديلم، عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٩) من أصحاب أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
(٥٣٧) في بعض النُّسَخ: (إمام زمانه).
(٥٣٨) لم أجده بهذا العنوان.
(٥٣٩) معنون في رجالنا بعنوان: أحمد بن الحسين بن عبد المَلِك، أبو جعفر الأودي - أو الأزدي -، كوفي، ثقة، مرجوع إليه. راجع: رجال النجاشي (ص ٨٠/ الرقم ١٩٣)، والفهرست (ص ٦٧/ الرقم ٧١/٩).
(٥٤٠) كذا ذُكِرَ في تاريخ بغداد (ج ٥/ ص ٢١٨) في مشايخ ابن عقدة، ولم أعثر على ترجمة له، وفي كفاية الأثر (ص ٢٨) في طريق له: (محمّد بن أحمد الصفواني).

↑صفحة ١٧١↑

وَجَائِيَةً، وَحَارَتْ يَوْمَهَا، فَلَمَّا جَنَّهَا(٥٤١) اللَّيْلُ بَصُرَتْ بِقَطِيعِ غَنَمٍ مَعَ رَاعِيهَا، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَاغْتَرَّتْ بِهَا، فَبَاتَتْ مَعَهَا فِي رَبَضَتِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ وَسَاقَ الرَّاعِي قَطِيعَهُ أَنْكَرَتْ رَاعِيَهَا وَقَطِيعَهَا، فَهَجَمَتْ مُتَحَيِّرَةً تَطْلُبُ رَاعِيَهَا وَقَطِيعَهَا، فَبَصُرَتْ بِسَرْحِ غَنَمٍ آخَرَ مَعَ رَاعِيهَا، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَاغْتَرَّتْ بِهَا، فَصَاحَ بِهَا رَاعِي الْقَطِيعِ(٥٤٢): أَيَّتُهَا الشَّاةُ الضَّالَّةُ المُتَحَيِّرَةُ، الْحَقِي بِرَاعِيكِ وَقَطِيعِكِ، فَإِنَّكِ تَائِهَةٌ مُتَحَيِّرَةٌ قَدْ ضَلَلْتِ عَنْ رَاعِيكِ وَقَطِيعِكِ، فَهَجَمَتْ ذَعِرَةً مُتَحَيِّرَةً تَائِهَةً لَا رَاعِيَ لَهَا يُرْشِدُهَا إِلَى مَرْعَاهَا، أَوْ يَرُدُّهَا إِلَى مَرْبِضِهَا، فَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا اغْتَنَمَ الذِّئْبُ ضَيْعَتَهَا(٥٤٣)، فَأَكَلَهَا.
وَهَكَذَا وَالله - يا بن مُسْلِمٍ - مَنْ أَصْبَحَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ الله (عزَّ وجلَّ) أَصْبَحَ تَائِهاً، مُتَحَيِّراً، ضَالًّا، إِنْ مَاتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مَاتَ مِيتَةَ كُفْرٍ وَنِفَاقٍ. وَاعْلَمْ - يَا مُحَمَّدُ - أَنَّ أَئِمَّةَ الْحَقِّ وَأَتْبَاعَهُمْ هُمُ الَّذِينَ عَلَى دِينِ الله، وَأَنَّ أَئِمَّةَ الْجَوْرِ لَمَعْزُولُونَ عَنْ دِينِ الله وَعَنِ الْحَقِّ، فَقَدْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا، فَأَعْمَالُهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا ﴿كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ [إبراهيم: ١٨]».
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ وَجَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، بِمِثْلِهِ فِي لَفْظِهِ(٥٤٤)،(٥٤٥).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٤١) في بعض النُّسَخ: (جاءها).
(٥٤٢) في بعض النُّسَخ: (الغنم).
(٥٤٣) في بعض النُّسَخ: (ضياعها).
(٥٤٤) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٤٨/ ح ١٤٠)؛ وراجع: الكافي (ج ١/ ص ١٨٣ و١٨٤/ باب معرفة الإمام والردِّ إليه/ ح ٨، وص ٣٧٤ و٣٧٥/ باب فيمن دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام من الله (جلَّ جلاله)/ ح ٢).
(٥٤٥) قال المولى المازندراني في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٤١ - ١٤٤): (قوله : (كلُّ ←

↑صفحة ١٧٢↑

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ مَن دان الله بعبادة): أي أطاعه بها، والدِّين الطاعة. قوله: (يُجهِد فيها نفسه) في المغرب: جهده حمله فوق طاقته، من باب منع وأجهد لغة قليلة، والجهد: المشقَّة، والمعنى يُكلِّف نفسه مشقَّة في العبادة وتحمُّلها. قوله: (ولا إمام له من الله) أي من قِبَل الله تعالى واختياره، سواء كان له إمام باختيارهم أم لم يكن. قوله: (فسعيه غير مقبول) لأنَّ العمل لله تعالى لا يُتصوَّر إلَّا بتوسُّط هادٍ مرشد إلى دين الله وشرائطه وكيفيَّة العمل به، والعامل المعتمد برأيه أو بإمام اختاره لنفسه وإنْ قصد الصلاح في عمله واجتهد فيه فإنَّه يقع في الباطل فيحصل انحراف من الدِّين وضلال عن الحقِّ فيضيع العمل ويخسر الكدح كدأب الخوارج والعامَّة العادلين عن العترة الطاهرين، وإليهم يشير قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ الآية [الكهف: ١٠٣ و١٠٤]. قوله: (والله شانئ لأعماله) أي مبغض لها لوقوعها لا على وجه أراد. والشناءة مثل الشناعة: البغض، وشُنِىءَ الرَّجل فهو مشنوءٌ أي مبغض، ومعنى بغضه تعالى للعمل عدم قبوله مع ذمِّ عامله وطرده عن رحمته وثوابه الموعود له. قوله: (ومثله كمثل شاة) انطباق هذا التمثيل على الممثَّل له ظاهر فإنَّ هذا الرَّجل ضلَّ عن راعيه وقطيعه وهو الإمام الحقِّ ومَن تبعه فتحيَّر وحنَّ في ظلمة الشُّبُهات إلى قطيعٍ وراعٍ وزعم أنَّه راعيه الحقُّ، فلمَّا أنْ ساق هذا الرَّاعي قطيعه في صبح يوم القيامة إلى النار عرف هذا الرَّجل أنَّه ليس براعيه الحقِّ فيتحيَّر ويريد أنْ يلحق بكلِّ فرقة حُشِرَت مع الإمام الحقِّ يقال له: أنت تائه الحقِّ براعيك الذي حننت إليه وهو متردِّد تائه حتَّى تأخذه الزَّبانية وتجرَّه إلى جهنَّم...، قوله: (واغترَّت بها) أي غفلت بها عن طلب راعيها أو خُدِعَت بها، والغِرَّة - بالكسر -: الغفلة، تقول منه: اغتررت بالرجل، وتقول أيضاً: اغترَّ بالشيء إذا خُدِعَ به، ووجه الغفلة والخدعة أنَّها لم تُفرِّق في ظلمة الليل بين راعيها وراعي هذا القطيع. قوله: (فلمَّا أنْ ساق الرَّاعي قطيعه أنكرت راعيها) أي فلمَّا أنْ ساق الرَّاعي عند طلوع الفجر وانكشاف الظلمة قطيعه عرفت أنَّه ليس راعياً لها. قوله: (ذَعِرةً) أي خائفة من الذُّعر - بالضمِّ - وهو الخوف والفزغ. قوله: (وبينا هي كذلك إذا اغتنم الذِّئب) قال في النهاية: أصل (بينا) بين فأُشبعت الفتحة فصارت ألفاً، يقال: بينا وبينما، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة، ويُضافان إلى جملة من ←

↑صفحة ١٧٣↑

[١٠١/٣] وَبِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنْكُمْ مَا حَالُهُ؟
فَقَالَ: «مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ الله(٥٤٦) وَبَرِئَ مِنْهُ وَمِنْ دِينِهِ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ عَنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ فعل وفاعل ومبتدأ وخبر، ويحتاجان إلى جواب يتمُّ به المعنى، والأفصحُّ في جوابهما أنْ لا يكون فيه إذ وإذا، وقد جاء في الجواب كثيراً يقول: بينا زيد جالس دخل عليه عمرو، وإذ دخل عليه، وإذا دخل عليه. قوله: (ضيعتها) الضيعة بالفتح والسكون: الهلاك ، تقول: ضاع الشيء يضيع ضيعة أي هلك...، قوله: (ميتة كفر ونفاق) أمَّا الكفر فلأنَّه لم يؤمن ومَن لم يؤمن فهو كافر والإسلام لا ينافيه، وأمَّا النفاق فلأنَّه أقرَّ لسانه بجميع ما جاء به الرَّسول وأنكر قلبه أعظمه، مضمون هذا الحديث متَّفق عليه بين الأُمَّة ولكن لبعضهم مزخرفات يُضحِك منها شفاه الأيَّام ويستنكف عن تحريرها لسان الأقلام. قوله: (قد ضلُّوا وأضلُّوا) أي ضاعوا وهلكوا لعدولهم عن طريق الحقِّ، وأضاعوا وأهلكوا مَن تبعهم إلى يوم القيامة لإخراجهم عنه، فعليهم وزرهم ووزر مَن تبعهم مع أنَّه لا ينقص من أوزار التابعين شيء. قوله: (فأعمالهم) تضمين للآية الكريمة وهي قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ...﴾ الآية [إبراهيم: ١٨]، يعني أعمالهم التي يعملونها مثل الصوم والصلاة والصدقة وصلة الرَّحم وإغاثة الملهوف وغير ذلك مثل رماد اشتدَّت به الرِّيح وحملته وطيَّرته في يوم عاصف أي شديدة ريحه، ووصف اليوم بالعصف وهو اشتداد الرِّيح للمبالغة كقولهم: نهاره صائم، لا يقدرون يوم القيامة ممَّا كسبوا من أعمالهم على شيء لحبوطه فلا يرون له أثراً من الثواب، وذلك يعني ضلالهم مع حسبانهم أنَّهم يحسنون هو الضلال البعيد لكونهم في غاية البعد عن طريق الحقِّ فقد شبَّه أعمالهم في سقوطها وحبوطها لبنائها على غير أساس من الإيمان بالله وبرسوله وبالأئمَّة (عليهم السلام) بالرَّماد المذكور في عدم إمكان ردِّه بعد ما طيَّرته الرِّياح العاصفة).
(٥٤٦) قال المجلسي الأوَّل (رحمه الله) في روضة المتَّقين (ج ١٠/ ص ٣٠٩): ((فقال من جحد إماماً من الله): وظاهره أنَّه لا فرق بين العالم والجاهل، ويدلُّ على كفر أهل الخلاف وعلى قبول توبتهم بعد الاستبصار، أمَّا إذا كان أوَّلاً مؤمناً ثمَّ ارتدَّ وصار مخالفاً ففي قبول توبته خلاف، ويظهر من قبول أمير المؤمنين (عليه السلام) توبة الخوارج قبوله، إلَّا أنْ يقال باختلاف الحكم بين مبادي الإسلام والآن).

↑صفحة ١٧٤↑

الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْإِمَامَ مِنَ الله، وَدِينَهُ مِنْ دِينِ الله، وَمَنْ بَرِئَ مِنْ دِينِ الله فَدَمُهُ مُبَاحٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ أَوْ يَتُوبَ إِلَى الله تَعَالَى مِمَّا قَالَ»(٥٤٧).
[١٠٢/٤] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ شَيْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنِ الْأَئِمَّةِ (عليهم السلام).
فَقَالَ: «مَنْ أَنْكَرَ وَاحِداً مِنَ الْأَحْيَاءِ فَقَدْ أَنْكَرَ الْأَمْوَاتَ»(٥٤٨).

[١٠٣/٥] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ المُعَلَّى، عَنِ ابْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ الشَّيْخَ (عليه السلام)(٥٤٩) عَنِ الْأَئِمَّةِ (عليهم السلام).
قَالَ: «مَنْ أَنْكَرَ وَاحِداً مِنَ الْأَحْيَاءِ فَقَدْ أَنْكَرَ الْأَمْوَاتَ»(٥٥٠)،(٥٥١).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٤٧) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٠ و١٥١/ ح ١٤٥)؛ وراجع: من لا يحضره الفقيه (ج ٤/ ص ١٠٤/ ح ٥١٩٢)، والاختصاص (ص ٢٥٩).
(٥٤٨) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٠/ ح ١٤٤).
(٥٤٩) يعني به الصادق (عليه السلام) كما نصَّ عليه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين وبعض نُسَخ الكتاب، ويمكن أنْ يكون المراد موسى بن جعفر (عليهما السلام) كما استظهره العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ١٩٦)، وعُبِّر عنه بهذا خوفاً أنْ يُرفَع ذلك إلى الوالي. وفي بعض النُّسَخ بدون لفظ (عليه السلام).
(٥٥٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٣/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٨)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ٩٠/ ح ٧٩)، وكمال الدِّين (ص ٤١٠/ باب ٣٩/ ح ١ و٢). وهذا الخبر لا يوجد في بعض النُّسَخ، لكن نقله العلَّامة المجلسي (رحمه الله) عن المؤلِّف في بحار الأنوار (ج ٢٣/ ص ٩٥/ ح ١).
(٥٥١) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٤٧): (قوله: (سألت الشيخ) أراد به الكاظم (عليه السلام). قوله: (من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات) فالزيديَّة والجاروديَّة والإسماعيليَّة والفطحيَّة والواقفيَّة وغيرهم من فِرَق الشيعة الباطلة كانوا كالمنكرين لخلافة عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، بل لنبوَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)).

↑صفحة ١٧٥↑

[١٠٤/٦] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ(٥٥٢) مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ مَاتَ لَا(٥٥٣) يَعْرِفُ إِمَامَهُ(٥٥٤) مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً(٥٥٥)»(٥٥٦).
[١٠٥/٧] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله﴾ [القَصص: ٥٠]، قَالَ: «يَعْنِي مَنِ اتَّخَذَ دِينَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٥٢) هو عليُّ بن الحسن بن فضَّال المعروف، وقد مرَّ ذكره في (ص ٢٠)، فراجع.
(٥٥٣) في بعض النُّسَخ: (ولم).
(٥٥٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٢٢٠): ((لا يعرف إمامه): أي إمام زمانه، أو أحد من أئمَّته).
(٥٥٥) قال ابن الأثير في النهاية (ج ١/ ص ٣٢٣): (قد تكرَّر ذكرها - أي الجاهليَّة - في الحديث، وهي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدِّين، والمفاخرة بالأنساب، والكبر والتجبُّر وغير ذلك)، فالمعنى أنَّه مات على ما مات عليه الكُفَّار من الضلال والجهل والعمى. وفي بعض النُّسَخ: (لا يعرف إمام زمانه).
(٥٥٦) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٤٦/ ح ١٣٧)؛ وراجع: المحاسن للبرقي (ج ١/ ص ١٥٣ و١٥٤/ ح ٧٨)، وتفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ٢٥٢/ ح ١٧٥)، والإمامة والتبصرة (ص ٦٣/ ح ٥٠)، والكافي (ج ٢/ ص ١٩ - ٢١/ باب دعائم الإسلام/ ح ٦)، واختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٧٢٣ و٧٢٤/ ح ٧٩٩).

↑صفحة ١٧٦↑

رَأْيَهُ بِغَيْرِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى»(٥٥٧)،(٥٥٨).
[١٠٦/٨] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ(٥٥٩)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «مَنْ أَشْرَكَ مَعَ إِمَامٍ إِمَامَتُهُ مِنْ عِنْدِ الله مَنْ لَيْسَتْ إِمَامَتُهُ مِنَ الله كَانَ مُشْرِكاً»(٥٦٠)،(٥٦١).
[١٠٧/٩] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): رَجُلٌ قَالَ لِيَ: اعْرِفِ الْآخِرَ(٥٦٢) مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَلَا يَضُرُّكَ أَلَّا تَعْرِفَ الْأَوَّلَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٥٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٤/ باب فيمن دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام من الله (جلَّ جلاله)/ ح ١)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٣٣/ ج ١/ باب ٨)، وقرب الإسناد (ص ٣٥٠/ ح ١٢٦٠).
(٥٥٨) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٢١٣ و٢١٤): ((من اتَّخذ دينه): أي عقائده أو عبادته، وهو مفعول أوَّل لقوله: (اتَّخذ)، و(رأيه) مفعول ثانٍ، وهو تفسير لـ (هواه)، يعني أنَّ المراد بهواه ظنونه الفاسدة في تعيين الإمام وسائر أُصول الدِّين، أو قياساته، أو استحساناته في الفروع. (بغير إمام): تفسير لقوله: ﴿بِغَيْرِ هُدًى﴾، لبيان أنَّ الهداية من الله لا يكون إلَّا من جهة الإمام).
(٥٥٩) في الكافي: (عن طلحة بن زيد) بدل (عن بعض رجاله).
(٥٦٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٣/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٦)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ٩١/ ح ٨٠).
(٥٦١) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ١٩٥): ((كان مشركاً) لأنَّ من أشرك مع إمام الحقِّ غيره فقد شارك الله في نصب الإمام فإنَّه لا يكون إلَّا من الله وإنْ تبع في ذلك غيره فقد جعل شريكاً لله، بل كلُّ من تابع غير من أمر الله بمتابعته في كلِّ ما يكون فهو مشرك، لقوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ الله﴾ [التوبة: ٣١]، وقد سمَّى الله طاعة الشيطان عبادة حيث قال: ﴿لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ [يس: ٦٠]).
(٥٦٢) في بعض النُّسَخ: (الأخير)، وكذا في الموضع الآتي.

↑صفحة ١٧٧↑

قَالَ: فَقَالَ: «لَعَنَ اللهُ هَذَا، فَإِنِّي أُبْغِضُهُ وَلَا أَعْرِفُهُ، وَهَلْ عُرِفَ الْآخِرُ إِلَّا بِالْأَوَّلِ؟»(٥٦٣)،(٥٦٤).
[١٠٨/١٠] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُهُ - يَعْنِي أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) - عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٨]، قَالَ: فَقَالَ: «هَلْ رَأَيْتَ أَحَداً زَعَمَ أَنَّ اللهَ أَمَرَهُ بِالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ المَحَارِمِ؟».
فَقُلْتُ: لَا.
قَالَ: «فَمَا هَذِهِ الْفَاحِشَةُ الَّتِي يَدَّعُونَ أَنَّ اللهَ أَمَرَهُمْ بِهَا؟».
قُلْتُ: اللهُ أَعْلَمُ، وَوَلِيُّهُ.
قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا فِي أَوْلِيَاءِ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، ادَّعَوْا أَنَّ اللهَ أَمَرَهُمْ بِالْاِئتِمَامِ بِقَوْمٍ لَمْ يَأْمُرْهُمُ اللهُ بِالْاِئتِمَامِ بِهِمْ، فَرَدَّ اللهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا عَلَيْهِ الْكَذِبَ،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٦٣) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٣/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٧).
(٥٦٤) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٤٧): (قوله: (قال لي: اعرف الآخر)، ذهب هذا الرجل إلى أنَّه لا يجب معرفة الأئمَّة كلِّهم والتصديق بجميعهم، ولا ينفع معرفة الأوَّل بدون معرفة الآخر وينفع العكس وهو معرفة الآخر بدون معرفة الأوَّل، لتحقُّق حسن الخاتمة، وهو أصل في نيل الدرجات والخلاص من الدركات والاتِّصاف بالسعادات. وأجاب (عليه السلام) بأنَّ هذا الرجل ملعون مبغوض خارج عن دين الله، لوجوب معرفة الأئمَّة جميعهم، ولا ينفع معرفة الآخر بدون معرفة الأوَّل، ولا يُعقَل ذلك، لأنَّ الآخر فرع الأوَّل وثابت بنصِّه، ولا يُعقَل القول بالفرع مع إنكار الأصل).

↑صفحة ١٧٨↑

وَسَمَّى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَاحِشَةً»(٥٦٥)،(٥٦٦).
[١٠٩/١١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْداً صَالِحاً (سَلَامُ الله عَلَيْهِ)(٥٦٧) عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأعراف: ٣٣]، قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ الْقُرْآنَ لَهُ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ(٥٦٨)، فَجَمِيعُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا هُوَ فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٦٥) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٣/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٩)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٤/ ج ١/ باب ١٦/ ح ٤)، وتفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ١٢/ ح ١٥).
(٥٦٦) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٤٧ و٣٤٨): (قوله: (قال: فقال: هل رأيت أحداً زعم أنَّ الله أمر بالزنا)، فيه مناقشة من وجهين: أحدهما أنَّ هذا دلَّ على أنَّ أحداً لم يزعم أنَّ الله أمر بالفحشاء، وقد مرَّ في باب الجبر والقدر أنَّ الأشاعرة القائلين بأنَّ أفعال العباد مخلوقة له تعالى قائلون بأنَّ الله تعالى أمر بالفحشاء. وثانيهما: أنَّ هذا دلَّ على أنَّ التابعين لأئمَّة الجور يقولون بأنَّ الله تعالى أمر باتِّباعهم، وأنَّ النصَّ دلَّ على ذلك، وهذا خلاف ما هو معروف عندهم من أنَّ الخلافة للثلاثة غير مستفادة من النصِّ. ويمكن دفع الأُولى بأنَّ الأشاعرة لم يقولوا صريحاً بأنَّ الله تعالى يأمر بالفحشاء، وإنَّما يلزمهم ذلك بناءً على مذهبهم، فإنَّ الأمر تابع للإرادة، وإرادة الفحشاء متحقِّقة عندهم، فيلزمهم تحقُّق الأمر أيضاً، والفرق بين الأمرين واضح. ويمكن دفع الثانية أيضاً بأنَّهم وإنْ لم يقولوا بأنَّ ثبوت أصل الخلافة بالنصِّ صريحاً لكنَّهم قالوا بأنَّه تعالى رضي بمتابعتهم وأمر بها في ضمن القواعد الكلّيَّة مثل آية وجوب متابعة الإجماع وغيرها. قوله: (ادَّعوا أنَّ الله أمرهم بالائتمام بقوم) المراد بقوم أئمَّة الجور، وضمير (ادَّعوا) لأتباعهم).
(٥٦٧) يعني به الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام).
(٥٦٨) في الكافي: (إنَّ القرآن له ظهر وبطن).

↑صفحة ١٧٩↑

الظَّاهِرِ، وَالْبَاطِنُ مِنْ ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْجَوْرِ، وَجَمِيعُ مَا أَحَلَّ اللهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ فَهُوَ حَلَالٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالْبَاطِنُ مِنْ ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْحَقِّ(٥٦٩)»(٥٧٠)،(٥٧١).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٦٩) في بعض النُّسَخ: (الهدى).
(٥٧٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٤/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ١٠)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٣ و٥٤/ ج ١/ باب ١٦/ ح ٢)، وتفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ١٦/ ح ٣٦).
(٥٧١) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ١٩٧ - ١٩٩): (﴿الْفَوَاحِشَ﴾ أي المعاصي والقبائح كلُّها. ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾: قيل: أي سرُّها وعلانيتها، فإنَّهم كانوا لا يرون بالزنا في السرِّ بأساً ويمنعون منه علانية، فنهى الله سبحانه عنه في الحالتين، وقيل: ما ظهر: أفعال الجوارح، وما بطن: أفعال القلوب. وظاهر الخبر أنَّ المراد بما ظهر المعاصي التي دلَّ ظاهر القرآن علي تحريمه، وبما بطن ما بيَّن أئمَّة الهدى (عليهم السلام) من تأويل الفواحش في بطن القرآن، وهو ولاية أئمَّة الجور ومتابعتهم، فإنَّها أفحش الفواحش، وهي الداعية إلى جميعها. والحاصل أنَّ كلَّ ما ورد في القرآن من ذكر الفواحش والخبائث والمحرَّمات والمنهيَّات والعقوبات المترتِّبة عليها، فتأويله وباطنه أئمَّة الجور، ومن اتَّبعهم يعني دعوتهم للناس إلى أنفسهم من عند أنفسهم وتأمُّرهم عليهم وإضلالهم إيَّاهم، ثمّ إجابة الناس لهم وتديُّنهم بدينهم وطاعتهم إيَّاهم ومحبَّتهم لهم إلى غير ذلك. وكلُّ ما ورد فيه من ذكر الصالحات والطيِّبات والمحلَّلات والأوامر والمثوبات المترتِّبة عليها فتأويله وباطنه أئمَّة الحقِّ ومن اتَّبعهم يعني دعوتهم للناس إلى أنفسهم بأمر ربِّهم وإرشادهم لهم وهدايتهم إيَّاهم، ثمّ إجابة الناس لهم وتديُّنهم بدينهم وطاعتهم إيَّاهم ومحبَّتهم لهم إلى غير ذلك، كما ورد عنهم في كثير من الآيات مفصَّلاً. وجملة القول في ذلك أنَّ الله تعالى أمر بالإيمان والإسلام واليقين والتقوى والورع والصلاة والزكاة والحجِّ والصوم وسائر الطاعات، ونهى عن الكفر والنفاق والشرك والزنا وشرب الخمر وقتل النفس وأمثالها من الفواحش، وخلق أئمَّة داعين إلى جميع الخيرات، عاملين بها، ناهين عن جميع المنكرات، منتهين عنها، فهم أصل جميع الخيرات، وكملت فيهم بحيث اتَّحدت بهم، بل صارت كأنَّها روح لهم كالصلاة فإنَّها كملت في أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) حتَّى صارت له بمنزلة الروح من الجسد، وصار آمراً بها معلِّماً لها غيره، داعياً إليها. فبهذه الجهات يُستعمَل لفظ الصلاة فيه (عليه السلام) كما ورد في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، إنَّ الصلاة أمير المؤمنين والأئمَّة من ولده (عليهم السلام)، ولا ينافي ظاهر الآية، فكلاهما مرادان منها ظهراً وبطناً. وقال: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ [النحل: ٩٠]، فهم العدل والإحسان في بطن القرآن بهذه الجهات المتقدِّمة، ولا ينافي ظاهرها. وخلق سبحانه أئمَّة يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ فهم أصل جميع الفواحش والكفر والشرك والمعاصي، وكملت فيهم حتَّى صارت فيهم بمنزلة الروح من الجسد، وهم الداعون إليها، وموالاتهم سبب للإتيان بها، فبتلك الجهات أطلق عليهم الشرك والكفر والفواحش في بطن القرآن، وظاهرها أيضاً مراد).

↑صفحة ١٨٠↑

[١١٠/١٢] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ اِبْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ الله أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله﴾ [البقرة: ١٦٥]، قَالَ: «هُمْ وَالله أَوْلِيَاءُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ اتَّخَذُوهُمْ أَئِمَّةً دُونَ الْإِمَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً، وَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لله جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة: ١٦٥ - ١٦٧]».
ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «هُمْ وَالله يَا جَابِرُ أَئِمَّةُ الظُّلْمِ وَأَشْيَاعُهُمْ(٥٧٢)»(٥٧٣)،(٥٧٤).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٧٢) في الكافي: (أئمَّة الظلمة وأشياعهم).
(٥٧٣) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٤/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ١١)؛ وراجع: تفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ٧٢/ ح ١٤٢)، والاختصاص (ص ٣٣٤).
(٥٧٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢٣/ ص ٣٥٩ و٣٦٠): (بيان: المشهور بين المفسِّرين أنَّ المراد بالأنداد الأوثان، وقال السُّدِّي: هم رؤساؤهم الذين يطيعونهم طاعة الأرباب، كما فسَّره (عليه السلام). ويُؤيِّده ضمير ﴿يُحِبُّونَهُمْ﴾. قال الطبرسي: وقوله: ﴿يُحِبُّونَهُمْ﴾ على هذا القول الأخير أدلّ، لأنَّه يبعد أنْ يُحِبُّوا الأوثان كحبِّ الله مع علمهم بأنَّها لا تضرُّ ولا تنفع، ويدلُّ أيضاً عليه قوله: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا﴾. والإمام (عليه السلام) إنَّما استشهد بهذا الوجه لأنَّه قد يقع إرجاع ضمير ذوي العقول على الأصنام وإنْ كان على خلاف الأصل. وقال الطبرسي: معنى حبِّهم حبُّ عبادتهم، أو القرب إليهم، أو الانقياد لهم، أو جميع ذلك كحبِّ الله، أو كحبِّ المؤمنين لله، أو كحبِّ المشركين له، أو كالحبِّ الواجب عليهم لله. وبعد ذلك في القرآن: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله﴾، قال: يعني حبُّ المؤمنين فوق حقِّ هؤلاء، لإخلاصهم العبادة من الشرك، ولعلمهم بأنَّه المنعم عليهم والمربِّي لهم، ولعلمهم بالصفات العلى والأسماء الحسنى، وأنَّه الحكيم الخبير الذي لا مثل له ولا نظير. أقول: على تفسيره (عليه السلام) يحتمل أنْ يكون المراد كحبِّ أولياء الله وخلفائه، وكذا قوله: ﴿أَشَدُّ حُبًّا لله﴾ لما ورد في الأخبار أنَّ الله خلطهم بنفسه فجعل طاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ونسب إلى نفسه سبحانه ما يُنسَب إليهم. ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي يبصروا، وقيل: يعلموا، وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب بالتاء، فالخطاب عامٌّ. ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لله جَمِيعاً﴾ سادٌّ مسدَّ مفعولي ﴿يَرَى﴾ وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف، وقيل: هو متعلَّق الجواب، والمفعولان محذوفان، والتقدير: ولو يرى الذين ظلموا أندادهم لا تنفع لعلموا أنَّ القوَّة لله جميعاً. وأقول: يحتمل أنْ يكون المراد أنَّ القوة لأولياء الله كما مرَّ. ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا﴾ بدل من ﴿إِذْ يَرَوْنَ﴾، و﴿رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ حال بإضمار (قد)، و﴿الْأَسْبَابُ﴾ الوصل الذي كانت بينهم من الاتِّباع والإنفاق في الدِّين والأغراض الداعية إلى ذلك. ﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ أي رجعة إلى الدنيا، وهو للتمنِّي. ﴿حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ﴾ أي ندامات، ويدلُّ الخبر على كفر المخالفين وخلودهم في النار).

↑صفحة ١٨١↑

[١١١/١٣] وَبِهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ حَبِيبٍ السِّجِسْتَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): لَأُعَذِّبَنَّ كُلَّ رَعِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ دَانَتْ بِوَلَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ الله وَإِنْ كَانَتِ الرَّعِيَّةُ فِي أَعْمَالِهَا بَرَّةً تَقِيَّةً، وَلَأَعْفُوَنَّ عَنْ كُلِّ رَعِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ دَانَتْ بِوَلَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ الله وَإِنْ

↑صفحة ١٨٢↑

كَانَتِ الرَّعِيَّةُ فِي أَعْمَالِهَا(٥٧٥) ظَالِمَةً مُسِيئَةً»(٥٧٦)،(٥٧٧).
[١١٢/١٤] وَبِهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله اِبْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): إِنِّي أُخَالِطُ النَّاسَ فَيَكْثُرُ عَجَبِي مِنْ أَقْوَامٍ لَا يَتَوَلَّوْنَكُمْ وَيَتَوَلَّوْنَ(٥٧٨) فُلَاناً وَفُلَاناً لَهُمْ أَمَانَةٌ وَصِدْقٌ وَوَفَاءٌ، وَأَقْوَامٍ يَتَوَلَّوْنَكُمْ لَيْسَ لَهُمْ تِلْكَ الْأَمَانَةُ وَلَا الْوَفَاءُ وَلَا الصِّدْقُ.
قَالَ: فَاسْتَوَى أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) جَالِساً، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ كَالمُغْضَبِ(٥٧٩)، ثُمَّ قَالَ:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٧٥) كذا، وفي الكافي: (في أنفسها).
(٥٧٦) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٦/ باب فيمن دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام من الله (جلَّ جلاله)/ ح ٤)؛ وراجع: المحاسن للبرقي (ج ١/ ص ٩٤/ ح ٥١)، وتفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ١٣٩/ ح ٤٦٢)، وفضائل الشيعة للصدوق (ص ١٢/ ح ١٢)، والاختصاص (ص ٢٥٩ و٢٦٠)، وأمالي الطوسي (ص ٦٣٤/ ح ١٣٠٨/١٠).
(٥٧٧) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٢١٨): (سجستان بكسر السين والجيم معرب سيستان، والرعيَّة قوم تولَّوا إماماً برًّا كان أو فاجراً. (في الإسلام) نعت لرعيَّة، أي في ظاهر الإسلام. (دانت): أي اعتقدت واتَّخذها ديناً أو عبدت الله متلبِّساً. (بولاية كلِّ إمام جائر): أي أيّ إمام جائر كان لا جميعهم، وقيل: هو مبنيٌّ على أنَّ من تولَّى جائراً فكأنَّما تولَّى كلَّ جائر. (برَّة): أي محسنة. (تقيَّة): أي محرَّرة عن سائر المعاصي. (بولاية كلِّ إمام عادل): أي أيّ إمام حقٍّ كان في أيِّ زمان أو جميعهم، بأنْ يصدق بأنَّه لم يخلُ ولا يخلو زمان عن إمام مفروض الطاعة، عالم بجميع أُمور الدِّين، سواء كان نبيًّا أو وصيًّا من لدن آدم إلى انقراض التكليف. (في أنفسها): أي لا يتجاوز ظلمهم وإساءتهم إلى الغير، بأنْ تكون ظالمة على نفسها، أو المعنى عدم تعدِّي ظلمها إلى الإمام بإنكار حقِّه وإلى النبيِّ بإنكار ما جاء به، بل يكون ظلمهم على أنفسهم أو بعضهم على بعض. وربَّما يُحمَل على عدم الإصرار على الكبيرة أو على أنَّه يُوفَّق للتوبة أو غيرهما ممَّا مرَّ، أو المعنى احتمال العفو لا تحتُّمه).
(٥٧٨) في بعض النُّسَخ: (لا يتوالونكم ويتوالون)، والمعنى واحد.
(٥٧٩) كذا، وفي الكافي: (كالغضبان).

↑صفحة ١٨٣↑

«لَا دِينَ لِمَنْ دَانَ بِوَلَايَةِ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ الله، وَلَا عَتْبَ عَلَى مَنْ دَانَ بِوَلَايَةِ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ الله».
قُلْتُ: لَا دِينَ لِأُولَئِكَ، وَلَا عَتْبَ عَلَى هَؤُلَاءِ؟!
قَالَ: «نَعَمْ، لَا دِينَ لِأُولَئِكَ، وَلَا عَتْبَ عَلَى هَؤُلَاءِ»، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا تَسْمَعُ لِقَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ يَعْنِي مِنْ ظُلُمَاتِ الذُّنُوبِ إِلَى نُورِ التَّوْبَةِ وَالمَغْفِرَةِ، لِوَلَايَتِهِمْ كُلَّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ الله، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾، فَأَيُّ نُورٍ يَكُونُ لِلْكَافِرِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ؟ إِنَّمَا عَنَى بِهَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى نُورِ الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا تَوَلَّوْا كُلَّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ الله خَرَجُوا بِوَلَايَتِهِمْ إِيَّاهُمْ مِنْ نُورِ الْإِسْلَامِ إِلَى ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ، فَأَوْجَبَ اللهُ لَهُمُ النَّارَ مَعَ الْكُفَّارِ، فَقَالَ: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٧]»(٥٨٠)،(٥٨١).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٨٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٥ و٣٧٦/ باب فيمن دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام من الله (جلَّ جلاله)/ ح ٣)؛ وراجع: تفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ١٣٨/ ح ٤٦٠).
(٥٨١) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٥٢ و٣٥٣): (قوله: (فيكثر عجبي) لعظم ذلك عندي، وإنَّما يتعجَّب الإنسان من الشيء إذا عظم موقعه وخفي عليه سببه فيُخبِر ليعلم موقع هذا الشيء عنده. قوله: (لا دين لمن دان الله) أي لمن أطاعه وعبده وأذلَّ نفسه له. قوله: (ولا عتب) العتب الموجدة والغضب من باب ضرب، والعتاب مخاطبة الأراذل ومذاكرة الموجدة. قوله: (قال: لا دين لأُولئك ولا عتب على هؤلاء؟) قال ذلك استبعاداً، ولا استبعاد فيه، لأنَّ أُولئك من أهل الإيمان وأُصولهم مستحكمة والنقص إنَّما هو في الفروع بل في العمل بها بخلاف هؤلاء، فإنَّ أُصولهم فاسدة لعدم إيمانهم وإنْ جدُّوا في العمل بالفروع، فالنسبة بينهما كالنسبة بين المؤمن وغيره، وبين الموحِّد والمشرك، وبين المعترف بالنبوَّة ومنكرها. قوله: ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾ أي الشياطين أو أئمَّة الجور، والتعميم أولى. قوله: (خرجوا بولايتهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر) يُشعِر بأنَّ نفس ولايتهم ظلمة الكفر).

↑صفحة ١٨٤↑

[١١٣/١٥] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يُعَذِّبَ أُمَّةً دَانَتْ بِإِمَامٍ لَيْسَ مِنَ الله وَإِنْ كَانَتْ فِي أَعْمَالِهَا بَرَّةً تَقِيَّةً، وَإِنَّ اللهَ يَسْتَحْيِي أَنْ يُعَذِّبَ أُمَّةً دَانَتْ بِإِمَامٍ مِنَ الله وَإِنْ كَانَتْ فِي أَعْمَالِهَا ظَالِمَةً مُسِيئَةً»(٥٨٢)،(٥٨٣).
[١١٤/١٦] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): رَجُلٌ يَتَوَلَّاكُمْ، وَيَبْرَأُ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَيُحَلِّلُ حَلَالَكُمْ، وَيُحَرِّمُ حَرَامَكُمْ، وَيَزْعُمُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيكُمْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْكُمْ إِلَى غَيْرِكُمْ، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُمُ الْأَئِمَّةُ الْقَادَةُ، وَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: هَذَا، قُلْنَا: هَذَا.
فَقَالَ (عليه السلام): «إِنْ مَاتَ عَلَى هَذَا فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
[١١٥/١٧] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَعْدَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): رَجُلٌ يَتَوَالَى عَلِيًّا، وَيَتَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّهِ، وَيَقُولُ كُلَّ شَيْءٍ يَقُولُ إِلَّا أَنَّهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٨٢) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٦/ باب فيمن دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام من الله (جلَّ جلاله)/ ح ٥).
(٥٨٣) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٥٣): (قوله: (إنَّ الله لا يستحيي أنْ يُعذِّب) أي لا يترك عذابه ترك من يستحيي أنْ يُعذِّب. والحياء قيل: هو انقباض النفس عن القبيح مخافة الذمِّ، وهو الوسط بين الوقاحة التي هي الجرأة على القبائح وعدم المبالاة بها، والخجل الذي هو انحصار النفس من الفعل مطلقاً، وإذا نُسِبَ إلى الله تعالى يُراد به الترك اللازم للانقباض، كما يُراد بالرحمة والغضب إصابة المعروف والمكروه اللازمين لمعناها الحقيقي الممتنع في حقِّه تعالى).

↑صفحة ١٨٥↑

يَقُولُ: إِنَّهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ، وَهُمُ الْأَئِمَّةُ الْقَادَةُ، فَلَسْتُ أَدْرِي أَيُّهُمُ الْإِمَامُ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ أَخَذْتُ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِمْ.
قَالَ: «إِنْ مَاتَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، ثُمَّ قَالَ: «لِلْقُرْآنِ تَأْوِيلٌ يَجْرِي كَمَا يَجْرِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَكَمَا تَجْرِي الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَإِذَا جَاءَ تَأْوِيلُ شَيْءٍ مِنْهُ وَقَعَ، فَمِنْهُ مَا قَدْ جَاءَ، وَمِنْهُ مَا لَمْ يَجِئْ»(٥٨٤).
[١١٦/١٨] وَأَخْبَرَنَا سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «مَنْ دَانَ اللهَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ مِنْ عَالِمٍ صَادِقٍ أَلْزَمَهُ اللهُ التَّيْهَ إِلَى الْعَنَاءِ(٥٨٥)، وَمَنِ ادَّعَى سَمَاعاً مِنْ غَيْرِ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ اللهُ لِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ بِهِ، وَذَلِكَ الْبَابُ هُوَ الْأَمِينُ المَأْمُونُ عَلَى سِرِّ الله المَكْنُونِ».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ الله الْحَسَنِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «مَنْ دَانَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ مِنْ صَادِقٍ...» وَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً(٥٨٦)،(٥٨٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٨٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢٣/ ص ٧٩): (قوله (عليه السلام): «للقرآن تأويل» لعلَّ المعنى أنَّ ما نعلمه من بطون القرآن وتأويلاته لابدَّ من وقوع كلٍّ منها في وقته، فمن ذلك اجتماع الناس على إمام واحد في زمان القائم وليس هذا أوانه، أو أنَّه دلَّ القرآن على عدم خلوِّ الزمان من الإمام ، ولابدَّ من وقوع ذلك، فمنهم من مضى، ومنهم من يأتي).
(٥٨٥) في بعض النُّسَخ: (ألزمه الله البتَّة إلى العناء).
(٥٨٦) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٧/ باب من مات وليس له إمام من أئمَّة الهدى.../ ح ٤)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٣٣ و٣٤/ ج ١/ باب ٨/ ح ١) مختصراً، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ٢/ ص ١٢/ ح ٢٢).

(٥٨٧) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٥٦): (قوله: (ألزمه الله البتَّة إلى العناء) العناء - بالفتح -: المشقَّة اسم من عنَّاه يُعنِّيه، والمراد بها المشقَّة الأُخرويَّة والشقاوة الأبديَّة، وفي لفظ (البتَّة) إشعار بأنَّ الإلزام مقطوع به لا رجعة فيه. قوله: (فهو مشرك) لأنَّ من جعل للإمام شريكاً كان كمن جعل للنبيِّ شريكاً، ومن جعل للنبيِّ شريكاً كان كمن جعل لله تعالى شريكاً، وأيضاً من ردَّ إمام الله تعالى وأخذ إماماً آخر فقد ضادَّ الله تعالى في أمره، ومن ضادَّه فهو مشرك، وأيضاً من اتَّخذ إماماً آخر فكأنَّه اتَّخذ إلهاً فهو مشرك. قوله: (وذلك الباب المأمون): (ذلك) إشارة إلى الباب الذي فتحه الله تعالى، وهو مبتدأ و(الباب المأمون) خبره، ويحتمل أنْ يكون (ذلك الباب) مبتدأ و(المأمون ) خبره، والجملة كالتعليل للسابق).

↑صفحة ١٨٦↑

[١١٧/١٩] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيا بن شَيْبَانَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ أَنَّهُ قَالَ: وَصَفْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) رَجُلاً يَتَوَالَى أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، وَيَتَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّهِ، وَيَقُولُ كُلَّ شَيْءٍ يَقُولُ إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُمُ الْأَئِمَّةُ الْقَادَةُ، وَلَسْتُ أَدْرِي أَيُّهُمُ الْإِمَامُ، وَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ(٥٨٨) وَاحِدٍ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِمْ (رَحِمَهُمُ اللهُ جَمِيعاً).
فَقَالَ: «إِنْ مَاتَ هَذَا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، مِثْلَهُ(٥٨٩).
فليتأمَّل متأمِّل من ذوي الألباب والعقول والمعتقدين لولاية الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السلام) هذا المنقول عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، فيمن شكَّ في واحد من الأئمَّة (عليهم السلام)، أو بات ليلة لا يعرف فيها إمامه،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٨٨) في بعض النُّسَخ: (وجه).
(٥٨٩) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٤٦ و١٤٧/ ح ١٣٨).

↑صفحة ١٨٧↑

ونسبتهم إيَّاه إلى الكفر والنفاق والشرك، وأنَّه إنْ مات على ذلك مات ميتة جاهليَّة نعوذ بالله منها، وقولهم: «إنَّ من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات».
ولينظر ناظر بمن يأتمُّ، ولا تغويه الأباطيل والزخارف ويميل به الهوى عن طريق الحقِّ، فإنَّ من مال به الهوى هوى وانكسر انكساراً لا انجبار له، وليعلم من يُقلِّد دينه، ومن يكون سفيره بينه وبين خالقه، فإنَّه واحد ومن سواه شياطين مبطلون مغرُّون فاتنون، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ [الأنعام: ١١٢].
أعاذنا الله وإخواننا من الزيغ عن الحقِّ، والنكوب عن الهدى، والاقتحام في غمرات الضلالة والردى بإحسانه، إنَّه كان بالمؤمنين رحيماً.

* * *

↑صفحة ١٨٨↑

باب (٨): ما روي في أنَّ الله لا يـخلي أرضه بغير حجَّة

↑صفحة ١٨٩↑

مِنْ ذَلِكَ:
[١١٨/١] مَا رُوِيَ مِنْ كَلَامِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عليه السلام) لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ المَشْهُورِ حَيْثُ قَالَ: أَخَذَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ) بِيَدِي وَأَخْرَجَنِي إِلَى الْجَبَّانِ، فَلَمَّا أَصْحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ(٥٩٠)، ثُمَّ قَالَ... وَذَكَرَ الْكَلَامَ بِطُولِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ بَلَى وَلَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ حُجَّةٍ قَائِمٍ لله بِحُجَّتِهِ، إِمَّا ظَاهِرٍ مَعْلُومٍ، وَإِمَّا خَائِفٍ مَغْمُورٍ، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ الله وَبَيِّنَاتُهُ...» فِي تَمَامِ الْكَلَامِ(٥٩١)،(٥٩٢).
أليس في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام): «ظاهر معلوم» بيان أنَّه يريد المعلوم الشخص والموضع، وقوله: «وإمَّا خائف مغمور» أنَّه الغائب الشخص، المجهول الموضع؟ والله المستعان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٩٠) في لسان العرب (ج ٣/ ص ٢٥٣/ مادَّة صعد): (الصُّعَداءُ - بالضمِّ والمدِّ -: تنفُّس ممدود. وتصَعَّدَ النَّفَسُ: صَعُبَ مَخْرَجُه، وهو الصُّعَداءُ. وقيل: الصُّعَداءُ النفَسُ إِلى فوق ممدود، وقيل: هو النفَسُ بتوجُّع، وهو يَتَنَفَّسُ الصُّعَداء ويتنفَّس صُعُداً).
(٥٩١) راجع: الغارات (ج ١/ ص ١٤٨ - ١٥٤)، وتاريخ اليعقوبي (ج ٢/ ص ٢٠٥ و٢٠٦)، والعقد الفريد (ج ٢/ ص ٨١ و٨٢)، وشرح الأخبار (ج ٢/ ص ٣٦٩ - ٣٧١/ ح ٧٣٢)، ونهج البلاغة (ص ٤٩٥ - ٤٩٧/ ح ١٤٧)، وخصائص الأئمَّة (ص ١٠٥ و١٠٦)، والإرشاد (ج ١/ ص ٢٢٧ و٢٢٨).
(٥٩٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ١/ ص ١٨٩ - ١٩٣): (الجبَّان والجبَّانة بالتشديد: الصحراء، وتُسمَّى بهما المقابر أيضاً. وأصحر: أي أخرج إلى الصحراء...، والإمام الظاهر المشهور كأمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، والخائف المغمور كالقائم في زماننا وكباقي الأئمَّة المستورين للخوف والتقيَّة، ويحتمل أنْ يكون باقي الأئمَّة (عليهم السلام) داخلين في الظاهر المشهور).

↑صفحة ١٩١↑

[١١٩/٢] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ اِبْنُ المُفَضَّلِ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَطْوَانِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مَنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالْكُوفَةِ طَوِيلَةٍ ذَكَرَهَا:
«اللَّهُمَّ فَلَابُدَّ لَكَ مِنْ حُجَجٍ فِي أَرْضِكَ حُجَّةٍ بَعْدَ حُجَّةٍ عَلَى خَلْقِكَ، يَهْدُونَهُمْ إِلَى دِينِكَ، وَيُعَلِّمُونَهُمْ عِلْمَكَ، لِكَيْلَا يَتَفَرَّقَ أَتْبَاعُ أَوْلِيَائِكَ(٥٩٣)، ظَاهِرٍ غَيْرِ مُطَاعٍ، أَوْ مُكْتَتِمٍ خَائِفٍ يُتَرَقَّبُ، إِنْ غَابَ عَنِ النَّاسِ شَخْصُهُمْ فِي حَالِ هُدْنَتِهِمْ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ، فَلَنْ يَغِيبَ عَنْهُمْ مَبْثُوثُ عِلْمِهِمْ، وَآدَابُهُمْ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ مُثْبَتَةٌ، وهُمْ بِهَا عَامِلُونَ، يَأْنَسُونَ بِمَا يَسْتَوْحِشُ مِنْهُ المُكَذِّبُونَ، وَيَأْبَاهُ المُسْرِفُونَ، بِالله كَلَامٌ يُكَالُ بِلَا ثَمَنٍ(٥٩٤) لَوْ كَانَ مَنْ يَسْمَعُهُ بِعَقْلِهِ فَيَعْرِفُهُ ويُؤْمِنُ بِهِ ويَتَّبِعُهُ ويَنْهَجُ نَهْجَه، فَيُفْلِحُ بِهِ(٥٩٥)، ثُمَّ يَقُولُ: فَمَنْ هَذَا؟ وَلِهَذَا يَأْرِزُ الْعِلْمُ(٥٩٦)، إِذْ لَمْ يُوجَدْ حَمَلَةٌ يَحْفَظُونَهُ وَيُؤَدُّونَهُ كَمَا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الْعَالِمِ».
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ: «اللَّهُمَّ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَأْرِزُ(٥٩٧) كُلُّهُ، وَلَا يَنْقَطِعُ مَوَادُّهُ، فَإِنَّكَ لَا تُخْلِي أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ عَلَى خَلْقِكَ إِمَّا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٩٣) في بعض النُّسَخ: (لئلَّا...) إلخ. وفي بعضها: (أتباع أُولئك).
(٥٩٤) يعني أنا أكيل لكم العلم كيلاً وأُعطيكم ولا أطلب منكم ثمناً.
(٥٩٥) في بعض النُّسَخ: (فيصلح به).
(٥٩٦) قال ابن الأثير في النهاية (ج ١/ ص ٣٧): (إنَّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيَّة إلى جحرها، أي ينضمُّ إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها).
(٥٩٧) في بعض النُّسَخ: (ينفد).

↑صفحة ١٩٢↑

ظَاهِرٍ مُطَاعُ، أَوْ خَائِفٍ مَغْمُورٍ لَيْسَ بِمُطَاعٍ، لِكَيْلَا تَبْطُلَ حُجَّتُكَ وَيَضِلَّ أَوْلِيَاؤُكَ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَهُمْ...» ثُمَّ تَمَامُ الْخُطْبَةِ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَغَيْرُهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ، قَالَ: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ) تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ وَحَفِظَهُ عَنْهُ حِينَ خَطَبَ بِهِ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: «اللَّهُمَّ...» وذَكَرَ مِثْلَهُ(٥٩٨)،(٥٩٩).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٥٩٨) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٤٥ و١٤٦/ ح ١٣٦)، الكافي (ج ١/ ص ٣٣٩/ باب في الغيبة/ ح ١٣).
(٥٩٩) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٢): (قوله: (حجَّة بعد حجَّة) بيان لقوله: (حُجَج)، وتفسير له، ودفع احتمال الاجتماع، وقد مرَّ أنَّه لا يجتمع في الأرض حجَّتان إلَّا وأحدهما صامت. قوله: (يهدونهم إلى دينك) الجملة حال عن الحُجَج، وكونه استينافاً لبيان سبب الاحتياج إليهم بعيد بالنظر إلى المقام، والمراد بالهداية هنا الدلالة إلى ما يوصل إلى المطلوب، وبالدِّين جميع ما جاء به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). قوله: (ظاهر غير مطاع أو مكتتم يترقَّب) أي يترقَّب ظهوره، وهو صاحب الزمان (عليه السلام)، وأمَّا غيره من الأئمَّة فهو مندرج في الأوَّل، لظهورهم بين الخلق وعدم إطاعة الخلق لهم، ولا ينتقض بأمير المؤمنين (عليه السلام) في أيَّام خلافته، لأنَّه أيضاً لم يكن مطاعاً على وجه الكمال كما دلَّت عليه الأخبار والآثار. و(ظاهر) إمَّا مجرور على أنَّه صفة لـ (حجَّة)، أو مرفوع على أنَّه خبر لمبتدأ محذوف. قوله: (إنْ غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مثبوت علمهم)، الهدنة الاسم من المهادنة، وهي المصاحبة. والمثبوت من ثبَّته بمعنى أثبته، وثبت جاء لازماً ومتعدّياً. وإضافة القديم إلى المثبوت والمثبوت إلى العلم من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، يعني إنْ غاب من الخلق شخصهم بالانزواء والاعتزال في حال مصالحتهم مع الأعداء المتغلِّبة وعدم اقتدارهم على الظهور وإجراء الأحكام خوفاً منهم وممَّن تابعهم لم يغب عمَّن تابعهم علمهم المثبوت القديمي الذي نقله الرواة الثقات، وكأنَّه (عليه السلام) أخبر عن أمثال زماننا هذا فإنَّ علمهم مع غيبتهم شائع بين أصحاب الإيمان أرباب العرفان بنقل السابقين إلى التابعين وهكذا يُنقَل إلى ما شاء الله...، قوله: (وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبَّتة) الظاهر أنَّ (آدابهم) مبتدأ و(مثبَّتة) خبره، والجملة حال عن ضمير (عنهم)، والمراد بالآداب الأخلاق المرضيَّة والأطوار السنيَّة بقرينة مقابلته مع العلم المراد به علم الأحكام النبويَّة والمعارف الإلهيَّة، وإنَّما قلت: الظاهر ذلك لاحتمال أنْ يكون (آدابهم) عطفاً على (علمهم)، و(مثبَّتة) حالاً عنهما، و(في) متعلِّقاً بمثبَّتة، وتخصيص قلوب المؤمنين بالذكر لأنَّها القابلة لقبول علمهم وآدابهم دون غيرها. قوله: (فهم بها عاملون) تقديم الظرف يفيد الحصر، يعني أنَّهم عاملون بعلوم الأئمَّة (عليهم السلام) لا بغيرها من الأقيسة والاستحسانات المخترعة والآراء المبتدعة كما هو شأن أهل الخلاف وأرباب الضلال، وفيه أيضاً دلالة على أنَّ العمل بدون العلم ليس بعمل، وهو كذلك، لأنَّ العلم أصل والعمل فرع ولا يُعقَل وجود الفرع بدون الأصل. قوله: (فيمن هذا) في بعض النسخ: (فمن هذا)، وفيه إشارة إلى قلَّة وجوده، وهو الحقُّ الذي لا ريب فيه، لأنَّ المؤمن العالم العامل الخالص عزيز الوجود).

↑صفحة ١٩٣↑

[١٢٠/٣] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ وَسَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ(٦٠٠) كَيْمَا إِنْ(٦٠١) زَادَ المُؤْمِنُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ، وَإِنْ نَقَصُوا شَيْئاً أَتَمَّهُ لَهُمْ»(٦٠٢)،(٦٠٣).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٠٠) كذا، وفي الكافي: (وفيها إمام).
(٦٠١) في بصائر الدرجات: (كلَّما).
(٦٠٢) الكافي (ج ١/ ص ١٧٨/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ٢)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٣٥١/ ج ٧/ باب ١٠/ ح ٢)، وكمال الدِّين (ص ٢٢١/ باب ٢٢/ ح ٦)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ١٩٩/ باب ١٥٣/ ح ٢٣).
(٦٠٣) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٣): (قوله: (كيما إنْ زاد المؤمنون شيئاً ردَّهم) الظاهر أنَّ المراد بالمؤمنين كلُّهم، ففيه دلالة على أنَّ إجماعهم حجَّة وإلَّا لزم أنْ يترك الإمام ما وجب عليه، وهو باطلٌ قطعاً).

↑صفحة ١٩٤↑

[١٢١/٤] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ المُسْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَا زَالَتِ الْأَرْضُ إِلَّا وَلله فِيهَا حُجَّةٌ يَعْرِفُ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى سَبِيلِ الله»(٦٠٤)،(٦٠٥).
[١٢٢/٥] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟
قَالَ: «لَا»(٦٠٦)،(٦٠٧).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٠٤) الكافي (ج ١/ ص ١٧٨/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ٣)؛ وراجع: المحاسن للبرقي (ج ١/ ص ٢٣٦/ ح ٢٠٢)، وبصائر الدرجات (ص ٥٠٤/ ج ١٠/ باب ١٠/ ح ١)، وكمال الدِّين (ص ٢٢٩/ باب ٢٢/ ح ٢٤).
(٦٠٥) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٣): (قوله: (ما زالت الأرض إلَّا ولله فيها الحجَّة...) إلخ، أي ما زالت الأرض من حال إلى حال وما مضى عصر من الأعصار أو ما زال أهلها إلَّا والحال أنَّ لله تعالى فيه حجَّة، والغرض أنَّ له تعالى في الأرض بعد نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى وقت زوالها حجَّة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله ويجذبهم إلى طاعته وانقياد أمره ونهيه كيلا يقولوا يوم القيامة: ﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢]).
(٦٠٦) الكافي (ج ١/ ص ١٧٨/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ٤).
(٦٠٧) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٢/ ص ٢٩٦): ((تبقى الأرض بغير إمام): أي تبقى صالحة معمورة، أو تبقى مقرًّا للناس، فأجاب (عليه السلام) بنفي البقاء حينئذٍ لفقد ما هو المقصود من الخلق من العبادة والمعرفة حينئذٍ مع فقد الزواجر عن الفساد المنجرِّ إلى الخراب والهلاك، وقيل: (تبقى) فعل ناقص بمعنى تكون).

↑صفحة ١٩٥↑

[١٢٣/٦] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)(٦٠٨) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَدَعِ الْأَرْضَ بِغَيْرِ عَالِمٍ، وَلَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يُعْرَفِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ»(٦٠٩)،(٦١٠).
[١٢٤/٧] وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «وَالله مَا تَرَكَ اللهُ أَرْضَهُ مُنْذُ قَبَضَ اللهُ آدَمَ إِلَّا وَفِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدَى بِهِ إِلَى الله، وَهُوَ حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَلَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ حُجَّةً لله عَلَى عِبَادِهِ»(٦١١).
[١٢٥/٨] وَبِهِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): أَتَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٠٨) كذا، وفي الكافي: (عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام)).
(٦٠٩) الكافي (ج ١/ ص ١٧٥/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ٥)؛ وراجع: كمال الدِّين (ص ٢٠٣ و٢٠٤/ باب ٢١/ ح ١٢).
(٦١٠) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٤): (قوله: (لم يُعرَف الحقُّ من الباطل) الظهور إلف النفس بالمحسوسات والوهميَّات والمتخيَّلات المؤدّية إلى الباطل والشُّبُهات فلو لم يكن أُستادٌ مرشدٌ مؤيَّدٌ من عند الله تعالى بالعصمة عن الخطأ والغلط في العقائد والأقوال والأعمال من جميع الوجوه لمال كلُّ نفس إلى هواها والتبس عليه الحقُّ والباطل، فربَّما يعتقد أنَّ الحقَّ باطلٌ والباطلَ حقٌّ كما ترى في كثير من المتَّكلين بعقولهم من الحكماء والمتكلِّمين، هذا على فرض بقاء الأرض وأهلها بغير إمام وإلَّا فالحقُّ الثابت أنَّه لا بقاء لهما بدونه طرفة عين).
(٦١١) الكافي (ج ١/ ص ١٧٨ و١٧٩/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ٨)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٥/ ج ١٠/ باب ١٠/ ح ٤)، والإمامة والتبصرة (ص ٢٩/ ح ١٠)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ١٩٧/ باب ١٥٣/ ح ١١).

↑صفحة ١٩٦↑

فَقَالَ: «لَوْ بَقِيَتِ الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَتْ(٦١٢)»(٦١٣).
[١٢٦/٩] وَبِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنِ الرِّضَا (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَتَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟
قَالَ: «لَا».

قُلْتُ: فَإِنَّا نَرْوِي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهَا لَا تَبْقَى بِغَيْرِ إِمَامٍ إِلَّا أَنْ يَسْخَطَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ - أَوْ قَالَ: عَلَى الْعِبَادِ -.
فَقَالَ: «لَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ، وَلَوْ بَقِيَتْ إِذاً لَسَاخَتْ»(٦١٤)،(٦١٥).
[١٢٧/١٠] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦١٢) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٦): (قوله: (لساخت) أي لغاصت في الماء وغابت، ولعلَّه كناية عن هلاك البشر وفنائهم. ويحتمل أنْ يريد الحقيقة، لأنَّ الغرض الأصلي من انكشاف بعض الأرض هو أنْ يكون مسكناً لهم، وكونه مسكناً لغيرهم من الحيوانات المتنفِّسة إنَّما هو بالعرض، فإذا فات الغرض الأصلي عاد إلى وضعه الطبيعي).
(٦١٣) الكافي (ج ١/ ص ١٧٩/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ١٠)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٨/ ج ١٠/ باب ١٢/ ح ٢)، والإمامة والتبصرة (ص ٣٠/ ح ١٢)، وكمال الدِّين (ص ٢٠١/ باب ٢١/ ح ١)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ١٩٦ و١٩٨/ باب ١٥٣/ ح ٥ و١٦).
(٦١٤) الكافي (ج ١/ ص ١٧٩/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ١١)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٨ و٥٠٩/ ج ١٠/ باب ١٢/ ح ١ و٦)، وكمال الدِّين (ص ٢٠٢/ باب ٢١/ ح ٢)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ١٩٧ و١٩٨/ باب ١٥٣/ ح ١٥ و١٩)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٢٤٦/ ح ٢).
(٦١٥) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٧): (قوله: ( أو على العباد) الشكُّ من ابن فضيل، أو ممَّن روى عنه. قوله: (قال: لا، لا تبقى إذاً لساخت) نفى بـ(لا) ما يُفهَم من كلام الراوي من أنَّ الأرض تبقى بغير إمام وأهلها مبغوضين، ثمَّ بيَّن الأمر بأنَّها لا تبقى بغير إمام بل تغوص في الماء).

↑صفحة ١٩٧↑

عِيسَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله المُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي هَرَاسَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ رُفِعَ مِنَ الْأَرْضِ سَاعَةً لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا، وَمَاجَتْ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ بِأَهْلِهِ(٦١٦)»(٦١٧)،(٦١٨).
[١٢٨/١١] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (عليه السلام): هَلْ تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟

قَالَ: «لَا».
قُلْتُ: إِنَّا نَرْوِي أَنَّهَا لَا تَبْقَى إِلَّا أَنْ يَسْخَطَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَى الْعِبَادِ.
قَالَ: «لَا تَبْقَى إِذاً لَسَاخَتْ»(٦١٩).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦١٦) في الكافي: (لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله).
(٦١٧) الكافي (ج ١/ ص ١٧٩/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ١٢)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٨/ ج ١٠/ باب ١٢/ ح ٣)، وكمال الدِّين (ص ٢٠٢ و٢٠٣/ باب ٢١ ح ٣ و٩)، ودلائل الإمامة (ص ٤٣٥/ ح ٤٠٣/٧).
(٦١٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٧): (قوله: (لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله) ماج البحر يموج موجاً: اضطربت أمواجه، وكذلك الناس يموجون. شبَّه اضطراب الأرض وأهلها بموج البحر وأهله للإيضاح، وكنَّى به عن زوالها وزوال أهلها، لأنَّ الاضطراب المذكور يستلزمها. والباء في الموضعين للتعدية، أو بمعنى مع).
(٦١٩) الكافي (ج ١/ ص ١٧٩/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ١٣)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٩/ ج ١٠/ باب ١٢/ ح ٧)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ١٩٨/ باب ١٥٣/ ح ٢٠)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٢٤٦/ ح ٣).

↑صفحة ١٩٨↑

باب (٩): ما روي في أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الحجَّة

↑صفحة ١٩٩↑

[١٢٩/١] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عُمَارَةَ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ لَكَانَ الثَّانِي مِنْهُمَا الْحُجَّةَ».
[١٣٠/٢] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ رِجَالِهِ وَأَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى جَمِيعاً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عُمَارَةَ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «لَوْ بَقِيَ فِي الْأَرْضِ اثْنَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ(٦٢٠) عَلَى صَاحِبِهِ».
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، مِثْلَهُ(٦٢١).
[١٣١/٣] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ كَرَّامٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٢٠) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٢/ ص ٢٩٨): (قوله: (لكان أحدهما الحجَّة) نظيره من طُرُق العامَّة ما رواه مسلم عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان»، وذلك لأنَّه كما يحتاج الناس إلى الحجَّة من حيث الاجتماع لأمر له مدخل في نظامهم ومعاشهم، كذلك يحتاجون إليه من حيث الانفراد لأمر له مدخل في معرفة مبدئهم ومعادهم وعباداتهم، وأيضاً الحكمة الداعية إلى الأمر بالاجتماع وسدِّ باب الاختلاف المؤدِّي إلى الفساد جارية هاهنا، وإنَّما تتمُّ بحجّيَّة أحدهما، ووجوب إطاعة الآخر له).
(٦٢١) الكافي (ج ١/ ص ١٧٩/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا رجلان لكان أحدهما الحجَّة/ ح ٢)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٧ و٥٠٨/ ج ١٠/ باب ١١/ ح ٣).

↑صفحة ٢٠١↑

الله (عليه السلام): «لَوْ كَانَ النَّاسُ رَجُلَيْنِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْإِمَامَ»، وَقَالَ: «إِنَّ آخِرَ مَنْ يَمُوتُ(٦٢٢) الْإِمَامُ، لِئَلَّا يَحْتَجَّ أَحَدٌ عَلَى الله (عزَّ وجلَّ)(٦٢٣) أَنَّهُ تَرَكَهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لله عَلَيْهِ»(٦٢٤).
[١٣٢/٤] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ رِجَالِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ - أَوِ الثَّانِي الْحُجَّةَ -»، الشَّكُّ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(٦٢٥).
[١٣٣/٥] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْإِمَامَ»(٦٢٦).

* * *

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٢٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٢/ ص ٢٩٩): (وآخر من يموت إمَّا القائم (عليه السلام)، أو أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجعته، لما ورد أنَّه دابَّة الأرض).
(٦٢٣) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٨): (قوله: (لئلَّا يحتجَّ أحد على الله (عزَّ وجلَّ)) إشارة إلى أنَّ الدَّليل على ذلك قوله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ﴾ [النساء: ١٦٥]، إذ كما أنَّ للكثير حجَّة على الله تعالى على تقدير عدم الإمام كذلك للواحد حجَّة عليه على هذا التقدير).
(٦٢٤) الكافي (ج ١/ ص ١٨٠/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا رجلان لكان أحدهما الحجَّة / ح ٣)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ٣٠ و٣١/ ح ١٣)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ١٩٦/ باب ١٥٣/ ح ٦).
(٦٢٥) الكافي (ج ١/ ص ١٨٠/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا رجلان لكان أحدهما الحجَّة/ ح ٤).
(٦٢٦) الكافي (ج ١/ ص ١٨٠/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا رجلان لكان أحدهما الحجَّة/ ح ٥)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٧/ ج ١٠/ باب ١١/ ح ٢).

↑صفحة ٢٠٢↑

باب (١٠): ما روي في غيبة الإمام المنتظر الثاني عشر (عليه السلام)، وذكر مولانا أمير المؤمنين والأئمَّة (عليهم السلام) بعده وإنذارهم بها

↑صفحة ٢٠٣↑

 [١٣٤/١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ خَارِجَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَحْنَفَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: «زَادَ الْفُرَاتُ عَلَى عَهْدِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَرَكِبَ هُوَ وَابْنَاهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (عليهما السلام)، فَمَرَّ بِثَقِيفٍ، فَقَالُوا: قَدْ جَاءَ عَلِيٌّ يَرُدُّ المَاءَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): أَمَا وَالله، لَأُقْتَلَنَّ أَنَا وَابْنَايَ هَذَانِ، وَلَيَبْعَثَنَّ اللهُ رَجُلاً مِنْ وُلْدِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُطَالِبُ بِدِمَائِنَا، وَلَيَغِيبَنَّ عَنْهُمْ تَمْيِيزاً لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ: مَا لله فِي آلِ مُحَمَّدٍ مِنْ حَاجَةٍ»(٦٢٧).
[١٣٥/٢] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «خَبَرٌ تَدْرِيهِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرٍ تَرْوِيهِ، إِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً، وَلِكُلِّ صَوَابٍ نُوراً»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّا وَالله لَا نَعُدُّ الرَّجُلَ مِنْ شِيعَتِنَا فَقِيهاً حَتَّى يُلْحَنَ لَهُ(٦٢٨) فَيَعْرِفَ اللَّحْنَ، إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَناً مُظْلِمَةً عَمْيَاءَ مُنْكَسِفَةً لَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا النُّوَمَةُ(٦٢٩).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٢٧) دلائل الإمامة (ص ٥٣٤ و٥٣٥/ ح ٥١٧/١٢١) ذيله.
(٦٢٨) أي يتكلَّم معه بالرمز والإيماء والتعريض على جهة التقيَّة والمصلحة فيفهم المراد، قال ابن الأثير في النهاية (ج ٤/ ص ٢٤١): (يقال: لحنت لفلان، إذا قلت له قولاً يفهمه ويخفى على غيره، لأنَّك تميله بالتورية عن الواضح المفهوم. ومنه قالوا: لحن الرجل فهو لحن، إذا فهم وفطن لما لا يفطن له غيره).
(٦٢٩) قال ابن الأثير في النهاية (ج ٥/ ص ١٣١): (في حديث عليٍّ أنَّه ذكر آخر الزمان والفتن، ثمّ قال: «خير أهل ذلك الزمان كلُّ مؤمن نومة»، النومة بوزن الهمزة: الخامل الذكر الذي لا يُؤبَه له. وقيل: الغامض في الناس الذي لا يعرف الشرَّ وأهله. وقيل: النومة - بالتحريك -: الكثير النوم. وأمَّا الخامل الذي لا يُؤبَه له فهو بالتسكين. ومن الأوَّل حديث ابن عبَّاس أنَّه قال لعليٍّ: ما النومة؟ قال: «الذي يسكت في الفتنة، فلا يبدو منه شيء»).

↑صفحة ٢٠٥↑

قِيلَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَمَا النُّوَمَةُ؟
قَالَ: «الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسَ وَلَا يَعْرِفُونَهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ لله (عزَّ وجلَّ)، وَلَكِنَّ اللهَ سَيُعْمِي خَلْقَهُ عَنْهَا بِظُلْمِهِمْ وَجَوْرِهِمْ(٦٣٠) وَإِسْرَافِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ خَلَتِ الْأَرْضُ سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْ حُجَّةٍ لله لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا، وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ يَعْرِفُ النَّاسَ وَلَا يَعْرِفُونَهُ، كَمَا كَانَ يُوسُفُ يَعْرِفُ النَّاسَ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ»، ثُمَّ تَلَا: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾ [يس: ٣٠].
[١٣٦/٣] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ، عَنْ عَمِيرَةَ بِنْتِ أَوْسٍ، قَالَتْ: حَدَّثَنِي جَدِّي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ(٦٣١)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو اِبْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ يَوْماً لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: «يَا حُذَيْفَةُ، لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ فَيَطْغَوْا وَيَكْفُرُوا، إِنَّ مِنَ الْعِلْمِ صَعْباً شَدِيداً مَحْمِلُهُ لَوْ حَمَّلْتَهُ الْجِبَالَ عَجَزَتْ عَنْ حَمْلِهِ، إِنَّ عِلْمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٣٠) في بعض النُّسَخ: (وجهلهم).
(٦٣١) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (عن غمرة بنت أوس، قالت: حدَّثني جدِّي الحصين، عن عبد الرحمن، عن أبيه...) إلخ. ولم أعرفها غمرة كانت أو عميرة، والظاهر أنَّ جدَّها حصين ابن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ الأشهلي المعنون في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٢٢١/ الرقم ١٣٧٤).

↑صفحة ٢٠٦↑

سَيُنْكَرُ وَيُبْطَلُ، وَتُقْتَلُ رُوَاتُهُ، وَيُسَاءُ(٦٣٢) إِلَى مَنْ يَتْلُوهُ بَغْياً وَحَسَداً لِمَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ عِتْرَةَ الْوَصِيِّ - وَصِيِّ النَّبِيِّ(٦٣٣) (صلّى الله عليه وآله وسلّم) -.
يَا بْنَ الْيَمَانِ، إِنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تَفَلَ فِي فَمِي وَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِ خَلِيفَتِي وَوَصِيِّي، وَقَاضِيَ دَيْنِي، وَمُنْجِزَ وَعْدِي وَأَمَانَتِي، وَوَلِيِّي(٦٣٤) ونَاصِرِي عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّي، وَمُفَرِّجَ الْكَرْبِ عَنْ وَجْهِي مَا أَعْطَيْتَ آدَمَ مِنَ الْعِلْمِ، وَمَا أَعْطَيْتَ نُوحاً مِنَ الْحِلْمِ، وَإِبْرَاهِيمَ مِنَ الْعِتْرَةِ الطَّيِّبَةِ وَالسَّمَاحَةِ، وَمَا أَعْطَيْتَ أَيُّوبَ مِنَ الصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَمَا أَعْطَيْتَ دَاوُدَ مِنَ الشِدَّةِ عِنْدَ مُنَازَلَةِ الْأَقْرَانِ، وَمَا أَعْطَيْتَ سُلَيْمَانَ مِنَ الْفَهْمِ. اللَّهُمَّ لَا تُخْفِ عَنْ عَلِيٍّ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تَجْعَلَهَا كُلَّهَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِثْلَ المَائِدَةِ الصَّغِيرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ. اللَّهُمَّ أَعْطِهِ جَلَادَةَ مُوسَى، وَاجْعَلْ فِي نَسْلِهِ شَبِيهَ عِيسَى (عليه السلام). اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلِيفَتِي عَلَيْهِ وَعَلَى عِتْرَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ الطَّيِّبَةِ المُطَهَّرَةِ الَّتِي أَذْهَبْتَ عَنْهَا الرِّجْسَ وَالنِّجْسَ، وَصَرَفْتَ عَنْهَا مُلَامَسَةَ الشَّيَاطِينِ(٦٣٥). اللَّهُمَّ إِنْ بَغَتْ قُرَيْشٌ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَتْ غَيْرَهُ عَلَيْهِ، فَاجْعَلْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِذْ غَابَ عَنْهُ مُوسَى. ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عَلِيُّ، كَمْ فِي وُلْدِكَ مِنْ وَلَدٍ فَاضِلٍ يُقْتَلُ وَالنَّاسُ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ لَا يُغَيِّرُونَ! فَقَبُحَتْ أُمَّةٌ تَرَى أَوْلَادَ نَبِيِّهَا يُقْتَلُونَ ظُلْماً وَهُمْ لَا يُغَيِّرُونَ(٦٣٦)، إِنَّ الْقَاتِلَ وَالْآمِرَ وَالشَّاهِدَ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ كُلُّهُمْ فِي الْإِثْمِ وَاللِّعَانِ سَوَاءٌ مُشْتَرِكُونَ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٣٢) بصيغة المجهول. وفي بعض النُّسَخ: (ويوشي)، في لسان العرب (ج ١٥/ ص ٣٩٣/ مادَّة وشي): (وَشى به وَشْياً ووِشايةً : نَمَّ به، ووَشى به إِلى السلطان وِشايةً: أَي سَعَى).
(٦٣٣) في بعض النُّسَخ: (رسول الله).
(٦٣٤) في بعض النُّسَخ: (منجز وعدي، وأبا ابنيَّ، ووليَّ حوضي).
(٦٣٥) في بعض النُّسَخ: (الشيطان).
(٦٣٦) في بعض النُّسَخ: (لا ينصرون).

↑صفحة ٢٠٧↑

يا بن الْيَمَانِ، إِنَّ قُرَيْشاً لَا تَنْشَرِحُ صُدُورُهَا، وَلَا تَرْضَى قُلُوبُهَا، وَلَا تَجْرِي أَلْسِنَتُهَا، بِبَيْعَةِ عَلِيٍّ وَمُوَالاتِهِ إِلَّا عَلَى الْكُرْهِ وَالْعَمَى وَالصَّغَارِ(٦٣٧).
يا بن الْيَمَانِ، سَتُبَايِعُ قُرَيْشٌ عَلِيًّا، ثُمَّ تَنْكُثُ عَلَيْهِ وَتُحَارِبُهُ وَتُنَاضِلُهُ وَتَرْمِيهِ بِالْعَظَائِمِ، وَبَعْدَ عَلِيٍّ يَلِي الْحَسَنُ وَسَيُنْكَثُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَلِي الْحُسَيْنُ فَتَقْتُلُهُ أُمَّةُ جَدِّهِ، فَلُعِنَتْ أُمَّةٌ تَقْتُلُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّهَا وَلَا تَعِزُّ مِنْ أُمَّةٍ، وَلُعِنَ الْقَائِدُ لَهَا وَالمُرَتِّبُ لِفَاسِقِهَا.
فَوَ الَّذِي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ، لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بَعْدَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ ابْنِي فِي ضَلَالٍ وَظُلْمَةٍ وَعَسْفٍ وَجَوْرٍ وَاخْتِلَافٍ فِي الدِّينِ، وَتَغْيِيرٍ وَتَبْدِيلٍ لِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَإِظْهَارِ الْبِدَعِ، وَإِبْطَالِ السُّنَنِ، وَاخْتِلَالٍ وَقِيَاسِ مُشْتَبِهَاتٍ(٦٣٨)، وَتَرْكِ مُحْكَمَاتٍ حَتَّى تَنْسَلِخَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَتَدْخُلَ فِي الْعَمَى وَالتَّلَدُّدِ وَالتَّسَكُّعِ(٦٣٩).
مَا لَكِ يَا بَنِي أُمَيَّةَ، لَا هُدِيتِ يَا بَنِي أُمَيَّةَ، وَمَا لَكِ يَا بَنِي الْعَبَّاسِ، لَكِ الْإِتْعَاسُ، فَمَا فِي بَنِي أُمَيَّةَ(٦٤٠) إِلَّا ظَالِمٌ، وَلَا فِي بَنِي الْعَبَّاسِ إِلَّا مُعْتَدٍ مُتَمَرِّدٌ عَلَى الله بِالمَعَاصِي، قَتَّالٌ لِوَلَدِي، هَتَّاكٌ لِسِتْرِي وَحُرْمَتِي، فَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ جَبَّارِينَ يَتَكَالَبُونَ عَلَى حَرَامِ الدُّنْيَا، مُنْغَمِسِينَ فِي بِحَارِ الْهَلَكَاتِ وَفِي أَوْدِيَةِ الدِّمَاءِ، حَتَّى إِذَا غَابَ المُتَغَيِّبُ مِنْ وُلْدِي عَنْ عُيُونِ النَّاسِ، وَمَاجَ النَّاسُ بِفَقْدِهِ أَوْ بِقَتْلِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ(٦٤١)، أَطْلَعَتِ الْفِتْنَةُ، وَنَزَلَتِ الْبَلِيَّةُ، وَالْتَحَمَتْ(٦٤٢) الْعَصَبِيَّةُ، وَغَلَا النَّاسُ فِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٣٧) في بعض النُّسَخ: (والطغيان).
(٦٣٨) في بعض النُّسَخ: (واحتيال وقياس مشتبه).
(٦٣٩) في بعض النُّسَخ: (التكسُّع)، أي الضلالة.
(٦٤٠) في بعض النُّسَخ: (فلان).
(٦٤١) قوله: (ماج الناس) أي اختلفوا فبعض يقول: فُقِدَ، وبعض يقول: قُتِلَ، وبعض يقول: مات.
(٦٤٢) قوله: (التحمت) أي تلاءمت بعد أنْ كان متفرِّقاً، والتحمت الحرب: اشتبكت، والثاني أنسب.

↑صفحة ٢٠٨↑

دِينِهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ ذَاهِبَةٌ، وَالْإِمَامَةَ بَاطِلَةٌ، وَيَحُجُّ حَجِيجُ النَّاسِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ وَنَوَاصِبِهِ(٦٤٣) لِلتَّحَسُّسِ وَالتَّجَسُّسِ عَنْ خَلَفِ الْخَلَفِ(٦٤٤)، فَلَا يُرَى لَهُ أَثَرٌ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ خَبَرٌ، وَلَا خَلَفٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ سُبَّتْ شِيعَةُ عَلِيٍّ، سَبَّهَا أَعْدَاؤُهَا(٦٤٥)، وَظَهَرَتْ(٦٤٦) عَلَيْهَا الْأَشْرَارُ وَالْفُسَّاقُ بِاحْتِجَاجِهَا، حَتَّى إِذَا بَقِيَتِ الْأُمَّةُ حَيَارَى، وَتَدَلَّهَتْ وَأَكْثَرَتْ فِي قَوْلِهَا(٦٤٧): إِنَّ الْحُجَّةَ هَالِكَةٌ، وَالْإِمَامَةَ بَاطِلَةٌ، فَوَ رَبِّ عَلِيٍّ إِنَّ حُجَّتَهَا عَلَيْهَا قَائِمَةٌ مَاشِيَةٌ فِي طُرُقِهَا(٦٤٨)، دَاخِلَةٌ فِي دُورِهَا وَقُصُورِهَا، جَوَّالَةٌ فِي شَرْقِ هَذِهِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا، تَسْمَعُ الْكَلَامَ، وَتُسَلِّمَ عَلَى الْجَمَاعَةِ، تَرَى وَلَا تُرَى إِلَى الْوَقْتِ وَالْوَعْدِ، وَنِدَاءِ المُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ، أَلَا ذَلِكَ يَوْمٌ فِيهِ سُرُورُ وُلْدِ عَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ»(٦٤٩)،(٦٥٠).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٤٣) في بعض النُّسَخ: (وتواصيهم التجسُّس والتحسُّس) من الوصيَّة، والتحسُّس بمعنى التجسُّس.
(٦٤٤) في بعض النُّسَخ: (عن خلف الخلفاء).
(٦٤٥) في بعض النُّسَخ: (سُبَّت الشيعة سبَّها أعداؤها).
(٦٤٦) قوله: (ظهرت) أي غلبت.
(٦٤٧) قوله: (وأكثرت في قولها) أي قالته كثيراً.
(٦٤٨) في بعض النُّسَخ: (طُرُقاتها).
(٦٤٩) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ٦٧ - ٦٩/ ح ٦٨).
(٦٥٠) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢٨/ ص ٧٢ و٧٣): ((محملة) على بناء المجهول من باب الإفعال أو التفعيل، أي لا يمكن حمله إلَّا بإعانة من الله تعالى وإلَّا بمشقَّة، قال في القاموس: تحامل في الأمر وبه، تكلَّفه على مشقَّة، عليه كلَّفه ما لا يطيقه، وأحمله الحمل أعانه عليه، وحمله فعل ذلك به، انتهى. والمعنى أنَّه يحتمل وجوهاً من التأويل. قوله (عليه السلام): «ببيعة عليٍّ» هذا الفصل وما بعده إمَّا من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً جرى على وجه الالتفات، أو من كلام الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لحذيفة في وقت آخر، فألحقه بهذا الخبر. وقال الجوهري: فلان يتلدَّد أي يلتفت يميناً وشمالاً، ورجل ألدّ بيِّن اللدد، وهو الشديد الخصومة، وقال: التسكُّع التمادي في الباطل. وقال: التعس الهلاك، انتهى...، ويقال: يتكالبون على كذا، أي يتواثبون عليه. قوله (عليه السلام): «ويحجُّ حجيج الناس»: أي تذهب الشيعة والنواصب في تلك السنة إلى الحجِّ لتفحُّص الحجَّة والتمكُّن منه، فالتمكُّن والتجسُّس نشر على خلاف اللفِّ. وقوله: «سبَّها أعداؤها» إمَّا مصدر، أي يسبُّ المخالفون الشيعة كما كانت الشيعة يسبُّونهم، أو فعل و(أعداؤها) مرفوع. وغلبة الأشرار عليهم بالاحتجاج أُريد بها الغلبة عند العوامِّ، لأنَّهم يحتجُّون عليهم بأنَّكم تدَّعون عدم خلوِّ الزمان من الحجَّة، وفي هذا الزمان لا تعرفون حجَّتكم، ولذا ينسبونهم بالبطلان والكذب والافتراء. والتدلُّه: ذهاب العقل من الهوى، ويقال: دلَّهه الحبُّ، أي حيَّره وأدهشه فتدلَّه).

↑صفحة ٢٠٩↑

وفي هذا الحديث عجائب وشواهد على حقّيَّة ما تعتقده الإماميَّة وتدين به، والحمد لله.
فمن ذلك قول أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): «حَتَّى إِذَا غَابَ المُتَغَيِّبُ مِنْ وُلْدِي عَنْ عُيُونِ النَّاسِ»، أليس هذا موجباً(٦٥١) لهذه الغيبة، وشاهداً على صحَّة قول من يعترف بهذا، ويدين بإمامة صاحبها؟
ثمّ قوله (عليه السلام): «وَمَاجَ النَّاسُ بِفَقْدِهِ أَوْ بِقَتْلِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ... وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ ذَاهِبَةٌ، وَالْإِمَامَةَ بَاطِلَةٌ»، أليس هذا موافقاً لما عليه كافَّة الناس الآن من تكذيب قول الإماميَّة في وجود صاحب الغيبة؟ وهي محقَّقة في وجوده وإنْ لم ترَه.
وقوله (عليه السلام): «وَيَحُجُّ حَجِيجُ النَّاسِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلتَّجَسُّسِ»، وقد فعلوا ذلك ولم يروا له أثراً.
وقوله: «فَعِنْدَ ذَلِكَ سُبَّتْ شِيعَةُ عَلِيٍّ، سَبَّهَا أَعْدَاؤُهَا، وَظَهَرَتْ عَلَيْهَا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٥١) كذا، ويمكن أنْ يكون تصحيفاً وصوابه: (مومياً).

↑صفحة ٢١٠↑

الْأَشْرَارُ وَالْفُسَّاقُ بِاحْتِجَاجِهَا»، يعني باحتجاجها عليها في الظاهر، وقولها: فأين إمامكم؟ دلُّونا عليه، وسبّهم لهم ونسبتهم إيَّاهم إلى النقص والعجز والجهل لقولهم بالمفقود العين، وإحالتهم على الغائب الشخص، وهو السبُّ، فهم في الظاهر عند أهل الغفلة والعمى محجوجون(٦٥٢). وهذا القول من أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا الموضع شاهد لهم(٦٥٣) بالصدق، وعلى مخالفيهم بالجهل والعناد للحقِّ.
ثمّ حلفه (عليه السلام) مع ذلك بربِّه (عزَّ وجلَّ) بقوله: «فَوَ رَبِّ عَلِيٍّ إِنَّ حُجَّتَهَا عَلَيْهَا قَائِمَةٌ مَاشِيَةٌ فِي طُرُقِهَا(٦٥٤)، دَاخِلَةٌ فِي دُورِهَا وَقُصُورِهَا، جَوَّالَةٌ فِي شَرْقِ هَذِهِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا، تَسْمَعُ الْكَلَامَ، وَتُسَلِّمَ عَلَى الْجَمَاعَةِ، تَرَى وَلَا تُرَى»، أليس ذلك مزيلاً للشكِّ في أمره (عليه السلام)؟ وموجباً لوجوده ولصحَّة ما ثبت في الحديث الذي هو قبل هذا الحديث من قوله: «إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ لله، وَلَكِنَّ اللهَ سَيُعْمِي خَلْقَهُ عَنْهَا بِظُلْمِهِمْ وَجَوْرِهِمْ(٦٥٥) وَإِسْرَافِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ»، ثمّ ضرب لهم المثل في يوسف (عليه السلام). إنَّ الإمام (عليه السلام) موجود العين والشخص إلَّا أنَّه في وقته هذا يَرى ولا يُرى، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ وَالْوَعْدِ، وَنِدَاءِ المُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ».
اللَّهُمَّ لك الحمد والشكر على نِعَمك التي لا تُحصى، وعلى أياديك التي لا تُجازى، ونسألك الثبات على ما منحتنا من الهدى برحمتك.
[١٣٧/٤] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٥٢) المحجوج: المغلوب في الاحتجاج.
(٦٥٣) في بعض النُّسَخ: (وهذا القول يدلُّ على أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) شاهد لهم).
(٦٥٤) في بعض النُّسَخ: (طُرُقاتها).
(٦٥٥) في بعض النُّسَخ: (وجرمهم).

↑صفحة ٢١١↑

الدِّينَوَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ(٦٥٦)، قَالَ: حَدَّثْتَنَا عَمِيرَةُ(٦٥٧) بِنْتُ أَوْسٍ، قَالَتْ: حَدَّثَنِي جَدِّي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ ضَمْرَةَ(٦٥٨)، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ(٦٥٩) أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ حُشِرَ الْخَلْقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ رُكْبَانٌ، وَصِنْفٌ عَلَى أَقْدَامِهِمْ يَمْشُونَ، وَصِنْفٌ مُكِبُّونَ، وَصِنْفٌ عَلَى وُجُوهِهِمْ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، وَلَا يُكَلِّمُونَ، وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ.
فَقِيلَ لَهُ: يَا كَعْبُ، مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ، وَهَذِهِ الْحَالُ حَالُهُمْ؟
فَقَالَ كَعْبٌ: أُولَئِكَ كَانُوا عَلَى الضَّلَالِ وَالْاِرْتِدَادِ وَالنَّكْثِ، فَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ إِذَا لَقُوا اللهَ بِحَرْبِ خَلِيفَتِهِمْ وَوَصِيِّ نَبِيِّهِمْ وَعَالِمِهِمْ وَسَيِّدِهِمْ وَفَاضِلِهِمْ وَحَامِلِ اللِّوَاءِ وَوَلِيِّ الْحَوْضِ وَالمُرْتَجَى وَالرَّجَا دُونَ هَذَا الْعَالَمِ، وَهُوَ الْعَلَمُ الَّذِي لَا يُجْهَلُ(٦٦٠)، وَالمَحَجَّةُ الَّتِي(٦٦١) مَنْ زَالَ عَنْهَا عَطِبَ(٦٦٢)، وَفِي النَّارِ هَوَى،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٥٦) الظاهر أنَّه ابن فضَّال التيملي المعروف، وقد مرَّ ذكره في (ص ٢٠)، فراجع.
(٦٥٧) في بعض النُّسَخ: (غمرة)، وفي بحار الأنوار: (عمرة)، ولم أجدها بهذه العناوين.
(٦٥٨) عبد الله بن ضمرة السلولي، وثَّقه العجلي على ما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٥٠٣/ الرقم ٣٤٠٧).
(٦٥٩) هو كعب بن ماتع الحميري، يُكنَّى أبا إسحاق، ثقة، كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٤٣/ الرقم ٥٦٦٦).
(٦٦٠) في بعض النُّسَخ: (والمرتجى دون العالمين، وهو العالم الذي لا يجهل).
(٦٦١) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٢٥ و٢٢٦/ ح ٨٩): (الحجَّة التي)، والمحجَّة: جادَّة الطريق، كما في النهاية لابن الأثير (ج ٤/ ص ٣٠١).
(٦٦٢) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ١٨٤/ مادَّة عطب): (العطب: الهلاك).

↑صفحة ٢١٢↑

ذَاكَ عَلِيٌّ وَرَبِّ كَعْبٍ، أَعْلَمُهُمْ عِلْماً، وَأَقْدَمُهُمْ سِلْماً(٦٦٣)، وَأَوْفَرُهُمْ حِلْماً، عَجِبَ كَعْبٌ مِمَّنْ قَدَّمَ عَلَى عَلِيٍّ غَيْرَهُ.
وَمِنْ نَسْلِ عَلِيٍّ الْقَائِمُ(٦٦٤) المَهْدِيُّ الَّذِي يُبَدِّلُ الْأَرْضَ غَيْرَ الْأَرْضِ، وَبِهِ يَحْتَجُّ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) عَلَى نَصَارَى الرُّومِ وَالصِّينِ، إِنَّ الْقَائِمَ المَهْدِيَّ مِنْ نَسْلِ عَلِيٍّ، أَشْبَهُ النَّاسِ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ خَلْقاً وَخُلُقاً وَسَمْتاً(٦٦٥) وَهَيْبَةً، يُعْطِيهِ اللهُ (جلَّ وعزَّ) مَا أَعْطَى الْأَنْبِيَاءَ وَيَزِيدُهُ وَيُفَضِّلُهُ، إِنَّ الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ (عليه السلام) لَهُ غَيْبَةٌ كَغَيْبَةِ يُوسُفَ، وَرَجْعَةٌ كَرَجْعَةِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، ثُمَّ يَظْهَرُ بَعْدَ غَيْبَتِهِ مَعَ طُلُوعِ النَّجْمِ الْأَحْمَرِ، وَخَرَابِ الزَّوْرَاءِ - وَهِيَ الرَّيُّ -، وَخَسْفِ المُزَوَّرَةِ - وَهِيَ بَغْدَادُ -، وَخُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ، وَحَرْبِ وُلْدِ الْعَبَّاسِ مَعَ فِتْيَانٍ أَرْمِينِيَّةٍ وَآذَرْبِيجَانَ، تِلْكَ حَرْبٌ يُقْتَلُ فِيهَا أُلُوفٌ وَأُلُوفٌ، كُلٌّ يَقْبِضُ عَلَى سَيْفٍ مُحَلَّى، تَخْفِقُ عَلَيْهِ رَايَاتٌ سُودٌ، تِلْكَ حَرْبٌ يَشُوبُهَا المَوْتُ الْأَحْمَرُ، وَالطَّاعُونُ الْأَغْبَرُ(٦٦٦)»(٦٦٧).
[١٣٨/٥] وَبِهِ، عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ(٦٦٨)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام):

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٦٣) أي أقدمهم إسلاماً، ولا ريب أنَّه (عليه السلام) أوَّل من أسلم من الرجال عند جميع المؤرِّخين والمحدِّثين، غير أنَّ بعض المخالفين استشكل بأنَّه حينذاك لم يبلغ الحلم، وإيمانه ليس بمثابة إيمان الرجال. وهو قول من تجاهل، أو من له غرض سياسي، أو سفيه.
(٦٦٤) في بعض النُّسَخ وبحار الأنوار: (ومن يُشكِّك في القائم)، وكأنَّه تصحيف.
(٦٦٥) في بعض النُّسَخ: (وسيماء). أقول: لعلَّ هذا الحديث ينفرد بتشبيه المهدي في خلقه بعيسى (عليهما السلام)، والوارد في روايات الفريقين أنَّه شبيه بجدِّه النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(٦٦٦) في بعض النُّسَخ والبحار: (تلك حرب يستبشر فيها الموت الأحمر والطاعون الأكبر).
(٦٦٧) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٠٣ و١٠٤/ ح ١٠١).
(٦٦٨) تقدَّم أنَّه عمرو بن سعد بن معاذ الأشهلي، وحيث إنَّ نسخة العلَّامة المجلسي (رحمه الله) مصحَّفة وفيها: (عمر بن سعد) ظَّن شارحه (رحمه الله) أنَّه عمر بن سعد بن أبي وقَّاص، وقال بعد نقله في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٢٦ و٢٢٧/ ح ٩٠): (إنَّما أوردت هذا الخبر مع كونه مصحَّفاً مغلوطاً، وكون سنده منتهياً إلى شرِّ خلق الله عمر بن سعد (لعنه الله)، لاشتماله على الإخبار بالقائم (عليه السلام)، ليُعلَم تواطؤ المخالف والمؤالف عليه (صلوات الله عليه))، مع أنَّ عمر بن سعد في ذلك الوقت طفل صغير لم يبلغ عشراً، ولا يكون قابلاً لهذا الخطاب. وقد يُعبِّر عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر في زمان خلافته بالجرو.

↑صفحة ٢١٣↑

«لَا تَقُومُ الْقِيَامَةُ(٦٦٩) حَتَّى تُفْقَأَ عَيْنُ الدُّنْيَا، وَتَظْهَرَ الْحُمْرَةُ فِي السَّمَاءِ، وَتِلْكَ دُمُوعُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، حَتَّى يَظْهَرَ فِيهِمْ عِصَابَةٌ(٦٧٠) لَا خَلَاقَ لَهُمْ، يَدْعُونَ لِوَلَدِي وَهُمْ بِرَاءٍ مِنْ وَلَدِي، تِلْكَ عِصَابَةٌ رَدِيئَةٌ لَا خَلَاقَ لَهُمْ، عَلَى الْأَشْرَارِ مُسَلَّطَةٌ، وَلِلْجَبَابِرَةِ مُفَتِّنَةٌ، وَلِلْمُلُوكِ مُبِيرَةٌ(٦٧١)، تَظْهَرُ فِي سَوَادِ الْكُوفَةِ، يَقْدُمُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ اللَّوْنِ وَالْقَلْبِ، رَثُّ(٦٧٢) الدِّينِ، لَا خَلَاقَ لَهُ(٦٧٣)، مُهَجَّنٌ(٦٧٤) زَنِيمٌ(٦٧٥) عُتُلٌّ(٦٧٦)، تَدَاوَلَتْهُ أَيْدِي الْعَوَاهِرِ مِنَ الْأُمَّهَاتِ(٦٧٧)، مِنْ شَرِّ نَسْلٍ لَا سَقَاهَا اللهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٦٩) في بعض النُّسَخ: (لا يقوم القائم).
(٦٧٠) في بعض النُّسَخ: (أقوام).
(٦٧١) المبيرة: المهلكة، في العين للفراهيدي (ج ٨/ص ٢٨٥/مادَّة بور): (البوار: الهلاك).
(٦٧٢) يعني ساقط الدِّين، في لسان العرب (ج ٢/ ص ١٥١/ مادَّة رثث): (الرَّثُّ والرِّثَّةُ والرَّثيثُ: الخَلَق الخَسيسُ البالي من كلِّ شيء، تقول: ثوبٌ رَثٌّ، وحَبْلٌ رَثٌّ، ورجل رَثُّ الهيأةِ في لُبْسه. وأَكثر ما يُستعمَل فيما يُلبَس، والجمع رِثاثٌ).
(٦٧٣) في لسان العرب (ج ١٠/ ص ٩٢/ مادَّة خلق): (الخَلاقُ: الحَظُّ والنَّصِيب من الخير والصلاح، يقال: لا خَلاق له في الآخرة، ورجل لا خلاق له، أي لا رَغْبة له في الخير ولا في الآخرة ولا صَلاح في الدِّين).
(٦٧٤) المهجن: غير الأصيل في النَّسَب. راجع: لسان العرب (ج ١٣/ ص ٤٣١/ مادَّة هجن).
(٦٧٥) في لسان العرب (ج ١٢/ ص ٢٧٧/ مادَّة زنم): (الزَّنِيمُ الذي يُعْرَفُ بالشرِّ واللُّؤْم).
(٦٧٦) في الصحاح للجوهري (ج ٥/ ص ١٧٥٨/ مادَّة عتل): (العتلُّ: الغليظ الجافي).
(٦٧٧) العواهر: جمع عاهر، وهي الفاجرة الزانية. راجع: لسان العرب (ج ٤/ص ٦١١/مادَّة عهر).

↑صفحة ٢١٤↑

المَطَرَ(٦٧٨)، فِي سَنَةِ إِظْهَارِ غَيْبَةِ المُتَغَيِّبِ مِنْ وَلَدِي صَاحِبِ الرَّايَةِ الْحَمْرَاءِ وَالْعَلَمِ الْأَخْضَرِ، أَيُّ يَوْمٍ لِلْمُخَيَّبِينَ(٦٧٩) بَيْنَ الْأَنْبَارِ وَهِيتَ، ذَلِكَ يَوْمٌ فِيهِ صَيْلَمُ(٦٨٠) الْأَكْرَادِ وَالشُّرَاةِ(٦٨١)، وَخَرَابُ دَارِ الْفَرَاعِنَةِ، وَمَسْكَنِ الْجَبَابِرَةِ، وَمَأْوَى الْوُلَاةِ الظَّلَمَةِ، وَأُمِّ الْبِلَادِ، وَأُخْتِ الْعَارِ(٦٨٢)، تِلْكَ وَرَبِّ عَلِيٍّ يَا عَمْرَو بْنَ سَعْدٍ بَغْدَادُ، أَلَا لَعْنَةُ الله عَلَى الْعُصَاةِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ(٦٨٣) الْخَوَنَةِ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الطَّيِّبِينَ مِنْ وُلْدِي، وَلَا يُرَاقِبُونَ فِيهِمْ ذِمَّتِي، وَلَا يَخَافُونَ اللهَ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ بِحُرْمَتِي، إِنَّ لِبَنِي الْعَبَّاسِ يَوْماً كَيَوْمِ الطَّمُوحِ(٦٨٤)، وَلَهُمْ فِيهِ صَرْخَةٌ كَصَرْخَةِ الْحُبْلَى، الْوَيْلُ لِشِيعَةِ وُلْدِ الْعَبَّاسِ مِنَ الْحَرْبِ الَّتِي سَنَحَ(٦٨٥) بَيْنَ نَهَاوَنْدَ وَالدِّينَوَرِ، تِلْكَ حَرْبُ صَعَالِيكِ شِيعَةِ عَلِيٍّ، يَقْدُمُهُمْ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ اسْمُهُ عَلَى اسْمِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مَنْعُوتٌ مَوْصُوفٌ بِاعْتِدَالِ الْخَلْقِ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَنَضَارَةِ اللَّوْنِ، لَهُ فِي صَوْتِهِ ضِجَاجٌ(٦٨٦)، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ(٦٨٧)، وَفِي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٧٨) هذه الجملة دعاء عليهم.
(٦٧٩) في بعض النُّسَخ وبحار الأنوار: (للمخبتين)، وقد تُقرَأ: (للمجيبين).
(٦٨٠) في لسان العرب (ج ١٢/ ص ٣٤٠/ مادَّة صلم): (الصَّيلم: الداهية).
(٦٨١) في لسان العرب (ج ١٤/ ص ٤٢٩/ مادَّة شري): (الشُّراةُ الخَوارِجُ ، سَمَّوْا أَنفسهم شُراةً لأَنَّهم أرادوا أنَّهم باعُوا أَنفسهم لله، وقيل: سُمُّوا بذلك لقولهم: إنَّا شَرَيْنا أَنفسنا في طاعةِ الله، أي بعناها بالجنَّة حين فارَقْنا الأَئِمَّةَ الجائِرة، والواحد شارٍ، ويقال: منه: تَشَرَّى الرجلُ).
(٦٨٢) في بعض النُّسَخ: (العاد).
(٦٨٣) في بعض النُّسَخ: (العصابة من بني أُميَّة وبني فلان).
(٦٨٤) أي يوم شديد تشخص فيه الأبصار، والعرب ربَّما تُعبِّر عن الشدَّة باليوم.
(٦٨٥) في بعض النُّسَخ: (يفتح من نهاوند)، وفي بعضها: (منح)، وفي بعضها: (تنتح).
(٦٨٦) في صوته ضجاج: أي فزع. راجع: لسان العرب (ج ٢/ ص ٣١٢/ مادَّة ضجج).
(٦٨٧) في العين للفراهيدي (ج ٧/ ص ٤٥٨/ مادَّة وطف): (الوطف: كثرة شعر الحاجبين والأشفار، واسترخاؤه).

↑صفحة ٢١٥↑

عُنُقِهِ سَطَعٌ(٦٨٨)، أَفْرَقُ الشَّعْرِ، مُفَلَّجُ الثَّنَايَا(٦٨٩)، عَلَى فَرَسِهِ كَبَدْرٍ تَمَامٍ إِذَا تَجَلَّى عِنْدَ الظَّلَامِ(٦٩٠)، يَسِيرُ بِعِصَابَةٍ خَيْرِ عِصَابَةٍ أَوَتْ وَتَقَرَّبَتْ وَدَانَتْ لله بِدِينِ تِلْكَ الْأَبْطَالِ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ يَلْحَقُونَ(٦٩١) حَرْبَ الْكَرِيهَةِ، وَالدَّبْرَةُ(٦٩٢) يَوْمَئِذٍ عَلَى الْأَعْدَاءِ، إِنَّ لِلْعَدُوِّ يَوْمَذَاكَ الصَّيْلَمَ وَالْاِسْتِئْصَالَ»(٦٩٣).
وفي هذين الحديثين من ذكر الغيبة وصاحبها ما فيه كفاية وشفاء للطالب المرتاد، وحجَّة على أهل الجحد والعناد، وفي الحديث الثاني إشارة إلى ذكر عصابة لم تكن تُعرَف فيما تقدَّم، وإنَّما يُبعَث في سنة ستِّين ومائتين ونحوها، وهي كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «سنة إظهار غيبة المتغيِّب»، وهي كما وصفها ونعتها ونعت الظاهر برايتها، وإذا تأمَّل اللبيب الذي له قلب - كما قال الله تعالى: ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: ٣٧] - هذا التلويح(٦٩٤) اكتفى به عن التصريح، نسأل الله الرحيم توفيقاً للصواب برحمته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٨٨) في الصحاح للجوهري (ج ٣/ ص ١٢٢٩/ مادَّة سطع): (السَّطَع - بالتحريك -: طول العنق).
(٦٨٩) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٣٣٥/ مادَّة فلج): (الفلج أيضاً في الأسنان: تباعد ما بين الثنايا والرباعيَّات...، ورجل مفلَّج الثنايا: أي منفرجها، وهو خلاف المتراصِّ الأسنان).
(٦٩٠) في بعض النُّسَخ: (إذا انجلى عنه الغمام).
(٦٩١) في بعض النُّسَخ: (يلقحون).
(٦٩٢) في الصحاح للجوهري (ج ٢/ ص ٦٥٣/ مادَّة دبر): (الدبرة - بالإسكان والتحريك أيضاً -: الهزيمة في القتال، وهو اسم من الإدبار). وفي بعض النُّسَخ: (والديرة)، وفي بعضها: (والدائرة).
(٦٩٣) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٢٨ و١٢٩/ ح ١٢٥).
(٦٩٤) التلويح: الإشارة من بعيد مطلقاً بأيِّ شيء كان، ومنه سُمِّيت الكناية الكثيرة الوسائط: تلويحاً.

↑صفحة ٢١٦↑

[١٣٩/٦] أَخْبَرَنَا سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليهما السلام): مَا مَعْنَى قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٥]؟
فَقَالَ: «يَا أُمَّ هَانِئٍ، إِمَامٌ يَخْنِسُ نَفْسَهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنِ النَّاسِ عِلْمُهُ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَاقِدِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ ذَلِكِ الزَّمَانَ قَرَّتْ عَيْنُكِ».
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ شَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الرَّبِيعِ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «يَظْهَرُ كَالشِّهَابِ يَتَوَقَّدُ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ زَمَانَهُ قَرَّتْ عَيْنُكِ»(٦٩٥).
[١٤٠/٧] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ رِجَالِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الرَّبِيعِ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (عليهما السلام) فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٥ و١٦].
فَقَالَ: «الْخُنَّسُ إِمَامٌ يَخْنِسُ نَفْسَهُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ انْقِطَاعٍ مِنْ عِلْمِهِ عِنْدَ النَّاسِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَاقِدِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، فَإِنْ أَدْرَكْتِهِ(٦٩٦) قَرَّتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٩٥) الكافي (ج ١/ ص ٣٤١/ باب في الغيبة/ ح ٢٢).
(٦٩٦) في بعض النُّسَخ: (فإذا أدركتِ ذلك).

↑صفحة ٢١٧↑

عَيْنُكِ»(٦٩٧)،(٦٩٨).
[١٤١/٨] مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَابُنْدَاذَ(٦٩٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ اِبْنُ مَالِكٍ(٧٠٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنِ الْكَاهِلِيِّ(٧٠١)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «تَوَاصَلُوا وَتَبَارُّوا وَتَرَاحَمُوا، فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْكُمْ وَقْتٌ لَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ لِدِينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مَوْضِعاً»، يعني لا يجد عند ظهور القائم (عليه السلام) موضعاً يصرفه فيه، لاستغناء الناس جميعاً بفضل الله وفضل وليِّه(٧٠٢).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٦٩٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٤١/ باب في الغيبة/ ح ٢٣)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١١٩/ ح ١١٣)، وكمال الدِّين (ص ٣٢٤ و٣٢٥/ باب ٣٢/ ح ١)، والغيبة للطوسي (ص ١٥٩/ ح ١١٦).
(٦٩٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٧ و٢٦٨): (قوله: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾، قالوا: الخُنَّس جمع خانس، وهي الكواكب، لأنَّها تغيب بالنهار وتظهر بالليل، وقيل: هي الكواكب الخمسة السيَّارة: زحل، والمشتري، والمرِّيخ، والزهرة، وعطارد، يريد به مسيرها ورجوعها، لقوله: ﴿الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾، ولا يرجع من الكواكب غيرها. والكُنَّس جمع كانس، وهي الكواكب التي تغيب وترجع، من كنس الظبي إذا تغيَّب واستتر في كناسة، وهو الموضع الذي يأوي إليه، وفسَّره (عليه السلام) بإمام يخنس أي يغيب سنة ستِّين ومائتين، وهي سنة مات أبوه (عليه السلام)، ثمّ يظهر ويرجع من أُفُق الحقِّ كالشهاب المتوقِّد في الليلة الظلماء يعرف كلُّ أحد أنَّه الإمام العادل. وإرادة الواحد من الجمع إمَّا للتعظيم، أو لأجل أنَّه داخل فيه ومن آحاده، لأنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) كلُّهم موصوفون بهذه الصفة سيّما على القول بالرجعة).
(٦٩٩) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (محمّد بن مابندار).
(٧٠٠) كأنَّه جعفر بن محمّد بن مالك. وفي بعض النُّسَخ: (أحمد بن هلال) مكان (محمّد بن مالك).
(٧٠١) يعني عبد الله بن يحيى الكاهلي، كما صرَّح به في الكافي (ج ٢/ ص ١٧٥/ باب التراحم والتعاطف/ ح ٣).
(٧٠٢) من قوله: (يعني) إلى هنا من كلام المؤلِّف. والمراد بفضل وليِّه تقسيمه بيت المال على وجه لا يكون لأحد من الفقراء والمستحقِّين فقر في ما احتاجوا في أمر المعيشة إليه، وكلُّ واحد منهم واجد لضروريَّاته الحياتيَّة واستغنى عن الناس. ويحتمل أنْ يكون معنى كلام الإمام (عليه السلام) وصف زمان الغيبة لا الظهور، بمعنى أنَّ الصدق والوفاء والأمانة رُفِعَت من بين الناس، ولا يوجد مؤتمن يصدق في قوله بفقر غيره، ولا فقير لا يكذب بفقره.

↑صفحة ٢١٨↑

فَقُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ؟
فَقَالَ: «عِنْدَ فَقْدِكُمْ إِمَامَكُمْ، فَلَا تَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَطْلُعَ عَلَيْكُمْ كَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ آيَسَ مَا تَكُونُونَ، فَإِيَّاكُمْ وَالشَّكَّ وَالْاِرْتِيَابَ، وَانْفُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الشُّكُوكَ، وَقَدْ حَذَّرْتُكُمْ(٧٠٣) فَاحْذَرُوا. أَسْأَلُ اللهَ تَوْفِيقَكُمْ وَإِرْشَادَكُمْ».
فلينظر الناظر إلى هذا النهي عن الشكِّ في صحَّة غيبة الغائب (عليه السلام)، وفي صحَّة ظهوره، وإلى قوله بعقب النهي عن الشكِّ فيه: «وقد حذَّرتكم فاحذروا»، يعني من الشكِّ، نعوذ بالله من الشكِّ والارتياب، ومن سلوك جادَّة الطريق الموردة إلى الهلكة، ونسأله الثبات على الهدى وسلوك الطريقة المثلى التي توصلنا إلى كرامته مع المصطفين من خيرته، بمنِّه وقدرته.
[١٤٢/٩] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِصَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي المُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي مَجْلِسِهِ وَمَعِي غَيْرِي، فَقَالَ لَنَا: «إِيَّاكُمْ وَالتَّنْوِيهَ - يَعْنِي بِاسْمِ الْقَائِمِ (عليه السلام) -».
وَكُنْتُ أَرَاهُ يُرِيدُ غَيْرِي، فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا عَبْدِ الله، إِيَّاكُمْ وَالتَّنْوِيهَ، وَالله لَيَغِيبَنَّ سَبْتاً مِنَ الدَّهْرِ، وَلَيَخْمُلَنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٠٣) في بعض النُّسَخ وبحار الأنوار (ج ٥١/ ص ١٤٦ و١٤٧/ ح ١٧): (وقد حُذِّرتم)، وكذا في الموضع التالي.

↑صفحة ٢١٩↑

وَلَتَفِيضَنَّ عَلَيْهِ أَعْيُنُ المُؤْمِنِينَ، وَلَيُكْفَأَنَّ كَتَكَفُّؤِ السَّفِينَةِ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ حَتَّى لَا يَنْجُوَ إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ، وَكَتَبَ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَلَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُعْرَفُ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ».
قَالَ المُفَضَّلُ: فَبَكَيْتُ.
فَقَالَ لِي: «مَا يُبْكِيكَ؟».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، كَيْفَ لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَقُولُ: «تُرْفَعُ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُعْرَفُ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ»؟
قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى كَوَّةٍ فِي الْبَيْتِ الَّتِي تَطْلُعُ فِيهَا الشَّمْسُ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ: «أَهَذِهِ الشَّمْسُ مُضِيئَةٌ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: «وَالله لَأَمْرُنَا أَضْوَأُ مِنْهَا».
[١٤٣/١٠] مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدُ الله اِبْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَعَبْدُ الله بْنُ عَامِرٍ الْقَصَبَانِيُّ جَمِيعاً، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ مُسَاوِرٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ - يَعْنِي أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) - يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَالتَّنْوِيهَ، أَمَا وَالله لَيَغِيبَنَّ سَبْتاً مِنْ دَهْرِكُمْ، وَلَيَخْمُلَنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ وَلَتَدْمَعَنَّ عَلَيْهِ عُيُونُ المُؤْمِنِينَ، وَلَيُكْفَأَنَّ تَكَفُّؤَ السَّفِينَةِ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ، فَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ، وَكَتَبَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانَ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَلَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ».
قَالَ: فَبَكَيْتُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ نَصْنَعُ؟
فَقَالَ: «يَا أَبَا عَبْدِ الله - ثُمَّ نَظَرَ إِلَى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي الصُّفَةِ -، أَتَرَى هَذِهِ الشَّمْسَ؟».

↑صفحة ٢٢٠↑

فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: «وَالله لَأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ الشَّمْسِ».
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسَاوِرٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: «وَلَيَغِيبَنَّ سِنِينَ مِنْ دَهْرِكُمْ»(٧٠٤)،(٧٠٥).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٠٤) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٦/ باب في الغيبة/ ح ٣)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٢٥ و١٢٦/ ح ١٢٥)، وكمال الدِّين (ص ٣٤٧/ باب ٣٣/ ح ٣٥)، ودلائل الإمامة (ص ٥٣٢ و٥٣٣/ح ٥١٢/١١٦)، والغيبة للطوسي (ص ٣٣٧ و٣٣٨/ح ٢٨٥).
(٧٠٥) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٥١ و٢٥٢): (قوله: (إيَّاكم والتنويه) لعلَّ المراد تنويه أمره وغيبته وتشهيرها عند المخالفين. قوله: (ولتمحِّصنَّ) محَّصت الذهب بالنار إذا أخلصته ممَّا يشوبه من الغشِّ، والتمحيص بالصاد المهملة الابتلاء والاختبار، والمقصود أنَّكم تُختبَرون بغيبته ليتميَّز الخبيث من الطيِّب. قوله: (حتَّى يقال: مات) الظاهر أنَّ هذا قول الشيعة المفتونين بطول الغيبة، أو أنَّ ما نزل عليهم من البؤس والقنوط ومشقَّة انتظار الفرج وإصابة البلاء والشدَّة وبعد رجاء الخلاص منه بظهور المنتظَر. وفيه إشارة إلى ما يقع في آخر الزمان عند قرب ظهور الحجَّة من الهرج والمرج وانتشار الظلم والجور والسبي والنهب والقتل والغارة وارتفاع الشبهة عن الخلق. قوله: (ولتكفأنَّ) يقال: كفأت الإناء، أي كببته وقلبته فهو مكفوء، وقيل: جاء اكفأت، والتشبيه من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس لزيادة الإيضاح. قوله: (فلا ينجو إلَّا من أخذ الله ميثاقه) فإنَّ من قبل ولايته وإمامته عند أخذ العهد والميثاق ينجو من أمواج بحار الفتن ويبقى على دينه ويصبر على الشدائد بعون الله. قوله: (وكتب في قلبه الإيمان) أي أثبته فيه حتَّى صار مستقرًّا لا يزول بالشُّبُهات ونزول النوائب والبليَّات، بخلاف الإيمان المستودع فإنَّه كثيراً ما يزول بتوارد الشكوك والتدليسات. قوله: (وأيَّده بروح منه) الضمير راجع إلى الله تعالى، والمراد بالروح المَلَك الموكَّل بالقلب، أو نوره، وهو نور إلهي يرى به صور المعقولات الحسنة والقبيحة فيتَّبع الأُولى ويجتنَّب عن الثانية، فلا تزلُّ قدمه بعد ثبوتها، أو القرآن فإنَّه روح القلب وحياته، يتميَّز به بين الحقِّ والباطل، أو البصيرة على ما ينفع وما يضرُّ، ويحتمل أنْ يعود الضمير إلى (الإيمان) فإنَّه سبب لحياة القلب، ولذلك سمَّاه روحه. قوله: (ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية) هذا من علامات ظهور القائم (عليه السلام)، وعند هذه يقع الفساد في الخلق وانقطاع نظامهم بالكلّيَّة، وتضيق الأُمور عليهم. ولعلَّ المراد باشتباه تلك الرايات ادِّعاء صاحب كلِّ واحد أنَّه حقٌّ وغيره باطل، فيقع الاشتباه فيها ويتحيَّر الخلائق في أمر دينهم ودنياهم حتَّى لا يُدرى أيُّ رجل من أيِّ راية لتبدُّد النظام فيهم وانقطاع عنان الاجتماع وسلسلة الانضمام عنهم. ويحتمل أنْ يُراد باشتباهها تداخل بعضها على بعض حتَّى لا يُدرى أيُّ راية من أيِّ رجل، والله أعلم. قوله: (فكيف نصنع) عند ارتفاع تلك الرايات؟ وبِمَ نُميِّز بين المحقِّ والمبطل؟ فأجاب (عليه السلام) بأنَّ أمرنا عند ظهور الدولة القاهرة أظهر من الشمس، أو في قلوب المؤمنين، فلا يقع الالتباس بين الحقِّ والباطل كما لا يقع الالتباس بين النور والظلمة، فالعارفون عارفون بحقِّنا إيماناً وتصديقاً، والمنكرون منكرون لحقِّنا حسداً وعناداً).

↑صفحة ٢٢١↑

أمَا ترون - زادكم الله هدًى - هذا النهي عن التنويه باسم الغائب (عليه السلام) وذكره بقوله (عليه السلام): «إيَّاكم والتنويه»، وإلى قوله: «ليغيبنَّ سبتاً من دهركم، وليخملنَّ حتَّى يقال: مات، هلك، بأيِّ وادٍ سلك؟ ولتفيضنَّ عليه أعين المؤمنين، وليكفأنَّ كتكفُّؤ السفينة في أمواج البحر»؟ يريد (عليه السلام) بذلك ما يعرض للشيعة في أمواج الفتن المضلَّة المهولة، وما يتشعَّب من المذاهب الباطلة المتحيِّرة المتلدِّدة، وما يُرفَع من الرايات المشتبهة يعني للمدَّعين للإمامة من آل أبي طالب والخارجين منهم طلباً للرئاسة في كلِّ زمانٍ، فإنَّه لم يقل: مشتبهة إلَّا ممَّن كان من هذه الشجرة ممَّن يدَّعي ما ليس له من الإمامة ويشتبه على الناس أمره بنسبه، ويظنُّ ضعفاء الشيعة وغيرهم أنَّهم على حقٍّ إذا كانوا من أهل بيت الحقِّ والصدق، وليس كذلك، لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قصر هذا الأمر - الذي تتلف نفوس ممَّن ليس له ولا هو من أهله ممَّن عصى الله في طلبه من أهل البيت، ونفوس من

↑صفحة ٢٢٢↑

يتبعهم على الظنِّ والغرور - على صاحب الحقِّ ومعدن الصدق الذي جعله الله له، لا يشركه فيه أحد، وليس لخلق من العالم ادِّعاؤه دونه، فثبَّت اللهُ المؤمنين مع وقوع الفتن وتشعُّب المذاهب وتكفُّؤ القلوب واختلاف الأقوال وتشتُّت الآراء ونكوب الناكبين عن الصراط المستقيم على نظام الإمامة وحقيقة الأمر وضيائه غير مغترِّين بلمع السراب والبروق الخوالب، ولا مائلين مع الظنون الكواذب حتَّى يُلحِق الله منهم من يلحق بصاحبه (عليه السلام) غير مبدِّل ولا مغيِّر، ويتوفَّى من قضى نحبه منهم قبل ذلك غير شاكٍّ ولا مرتاب، ويُوفِّي كلًّا منهم منزلته ويحلُّه مرتبته في عاجله وآجله، والله (جلَّ اسمه) نسأل الثبات، ونستزيده علماً، فإنَّه أجود المعطين، وأكرم المسؤولين.

* * *

↑صفحة ٢٢٣↑

فصل: [روايات متفرِّقة في الغيبة]

[١٤٤/١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ (رحمه الله)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا فُقِدَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ فَاللهَ اللهَ فِي أَدْيَانِكُمْ، لَا يُزِيلَنَّكُمْ عَنْهَا، فَإِنَّهُ لَابُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ، إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ الله يَمْتَحِنُ اللهُ بِهَا خَلْقَهُ، وَلَوْ عَلِمَ آبَاؤُكُمْ وَأَجْدَادُكُمْ دِيناً أَصَحَّ مِنْ هَذَا الدِّينِ لَاتَّبَعُوهُ».
قَالَ: قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، مَنِ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ؟
فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، عُقُولُكُمْ تَصْغُرُ(٧٠٦) عَنْ هَذَا، وَأَحْلَامُكُمْ تَضِيقُ عَنْ حَمْلِهِ، وَلَكِنْ إِنْ تَعِيشُوا فَسَوْفَ تُدْرِكُونَهُ»(٧٠٧)،(٧٠٨).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(٧٠٦) في بعض النُّسَخ: (تضعف).
(٧٠٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٦/ باب في الغيبة/ ح ٢)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١١٣/ ح ١٠٠)، والهداية الكبرى (ص ٣٦١)، وإثبات الوصيَّة (ص ٢٦٥ و٢٧٠ و٢٧١)، وكمال الدِّين (ص ٣٥٩ و٣٦٠/ باب ٣٤/ ح ١)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ٢٤٤ و٢٤٥/ باب ١٧٨/ ح ٤)، ودلائل الإمامة (ص ٥٣٤/ ح ٥١٦/١٢٠)، وكفاية الأثر (ص ٢٦٨ و٢٦٩)، والغيبة للطوسي (ص ١٦٦ و١٦٧/ ح ١٢٨).
(٧٠٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٥٠ و٢٥١): (قوله: (فالله الله في أديانكم): (الله) منصوب بفعل مضمر، والتكرير للتأكيد، أي احفظوا الله، أو أطيعوا في طاعتكم أو في أُموركم أو في سُبُلكم وطرائقكم، لأنَّ كلَّ ما جاء به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ←

↑صفحة ٢٢٤↑

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

→ فهو سبيل وطريق إلى الله تعالى، و(الدِّين) يُطلَق على كلِّ واحدٍ كما يُطلَق على المجموع، والمقصود هو الأمر برعاية جانب الله (عزَّ شأنه) فيها وطلب رضاه. ثمّ أكَّده بقوله: (لا يزيلكم عنها أحد) من شياطين الجنِّ والإنس بالخدعة والمكر والوعيد وإلقاء الشُّبُهات وأنواع التدليسات والتلبيسات. قوله: (يا بَنِيَّ) بفتح الباء وكسر النون على صيغة الجمع بقرينة قوله: (ولو علم آباؤكم) وهو خطاب مع أولاده، وليس على صيغة الإفراد خطاباً مع أخيه عليِّ بن جعفر، لإباء السياق، وعدم صحَّته بدون التجوُّز. قوله: (إنَّما هي محنة) المحنة بكسر الميم واحدة المِحَن التي يُمتحَن بها الإنسان من بليَّة وشدَّة محنة، وامتحنته أي اختبرته، والاسم المحنة، وقد جرت كلمة الله تعالى على اختبار الناس بأنواع المِحَن والبلايا ليُميِّز الجيِّد من الردي ويظهر الصابر وغيره، كما قال (جلَّ شأنه): ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله﴾ [البقرة: ٢١٤]، وقال: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. فإنْ قلت: حقيقة الاختبار طلب الخبر بالشيء ومعرفته لمن لا يكون عارفاً به، والله سبحانه عالم بمضمرات القلوب وخفيَّات الغيوب، فالمطيع في علمه متميِّز من العاصي، فما معنى الاختبار في حقِّه؟ قلنا: اختباره تعالى ليس إلَّا ليعلم غيره من خلقه طاعة من يطيع وعصيان من يعصي، ويتميَّز ذلك عنده، فهو من باب الكناية، لأنَّ التميُّز من لوازم الاختبار وعوارضه فأُطلق الملزوم وأُريد به اللازم، كما هو شأن الكناية. أو قلنا: اختباره تعالى استعارة بتشبيه فعله هذا ليُثيب المطيع ثواباً جزيلاً ويُعذِّب العاصي عذاباً وبيلاً باختبار الإنسان لعبيده ليتميَّز عنده المطيع والعاصي ليُثيب المطيع ويكرمه ويُعذِّب العاصي ويهينه، فأُطلق على فعله تعالى الاختبار مجازاً. قوله: (ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحَّ من هذا لاتَّبعوه) دلَّ على أنَّ هذا الدِّين أصحّ الأديان، وليس دين أصحّ منه وإلَّا لاتَّبعه الصالحون المطهَّرون الذين شأنهم طلب الأصحّ والأفضل واتِّباع الأشرف والأكمل. ولعلَّ التفضُّل هنا مجرَّد عن معناه، فلا يلزم ثبوت الصحَّة لغير هذا الدِّين، وفيه حثٌّ على التمسُّك به وعدم مفارقته، وتأكيد لما مرَّ من قوله: (لا يزيلكم عنها أحد). قوله: (قال: فقلت) فاعل الفعلين عليُّ بن جعفر. قوله: ←

↑صف