الغيبة
تأليف: الشيخ الجليل أبي عبد الله محمد بن إبراهيم
بن جعفر الكاتب المعروف بـ(ابن أبي زينب النعماني)
المتوفى حدود سنة ٣٦٠ ه ق
تحقيق وتقديم: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
الطبعة الأولى: ١٤٤٣هـ
رقم الإصدار: ٢٦٣
الفهرس
مقدَّمة المركز..................٣
كتاب الغيبة في سطور..................٦
مميِّزات الكتاب..................٧
عملنا في الكتاب..................٧
مقدّمة المؤلِّف..................١١
باب (١): ما روي في صون سرِّ آل محمّد (عليهم السلام) عمَّن ليس من أهله، والنهي عن إذاعته لهم واطِّلاعهم..................٣١
باب (٢): في ذكر حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به وترك التفرُّق عنه بقوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾..................٤١
باب (٣): ما جاء في الإمامة والوصيَّة، وأنَّهما من الله (عزَّ وجلَّ) وباختياره، وأمانة يُؤدِّيها الإمام إلى الإمام بعده..................٥٩
باب (٤): ما روي في أنَّ الأئمَّة اثنا عشر إماماً، وأنَّهم من الله وباختياره..................٧١
فصل: فيما روي أنَّ الأئمَّة اثنا عشر من طريق العامَّة، وما يدلُّ عليه من القرآن والتوراة..................١٣٢
باب (٥): ما روي فيمن ادَّعى الإمامة ومن زعم أنَّه إمام وليس بإمام، وأنَّ كلَّ راية تُرفَع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت..................١٤٣
باب (٦): الحديث المروي عن طُرُق العامَّة..................١٥٣
ما روي عن عبد الله بن مسعود..................١٥٥
ما روي عن أنس بن مالك..................١٥٨
ما رواه جابر بن سمرة السُّوائي..................١٥٩
ما رواه أبو جحيفة..................١٦٦
ما روي عن سمرة بن جندب..................١٦٦
ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص..................١٦٧
باب (٧): ما روي فيمن شكَّ في واحد من الأئمَّة (صلَّى الله عليهم)، أو بات ليلة لا يعرف فيها إمامه، أو دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام منه..................١٦٩
باب (٨): ما روي في أنَّ الله لا يخلي أرضه بغير حجَّة..................١٨٩
باب (٩): ما روي في أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا اثنان لكان أحدهما الحجَّة..................١٩٩
باب (١٠): ما روي في غيبة الإمام المنتظر الثاني عشر (عليه السلام)، وذكر مولانا أمير المؤمنين والأئمَّة (عليهم السلام) بعده وإنذارهم بها..................٢٠٣
فصل: [روايات متفرِّقة في الغيبة]..................٢٢٤
فصل: [روايات في ذكر الغيبة والفترة والحيرة]..................٢٣٢
فصل: [روايات في شَبَه الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه) بالأنبياء (عليهم السلام)]..................٢٣٨
فصل: [روايات في أنَّ للإمام (عجَّل الله فرجه) غيبتين]..................٢٥٣
فصل: [روايات في ذكر الحيرة بعد غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه)]..................٢٨٣
باب (١١): ما روي فيما أُمِرَ به الشيعة من الصبر والكفِّ والانتظار للفرج، وترك الاستعجال بأمر الله وتدبيره..................٢٨٧
باب (١٢): ما يلحق الشيعة من التمحيص والتفرُّق والتشتُّت عند الغيبة حتَّى لا يبقى على حقيقة الأمر إلَّا الأقلّ الذي وصفه الأئمَّة (عليهم السلام)..................٣٠١
باب (١٣): ما روي في صفته وسيرته وفعله، وما نزل من القرآن فيه (عليه السلام)..................٣٢١
[كونه (عليه السلام)] ابن سبيَّة، ابن خيرة الإماء..................٣٤١
سيرته (عليه السلام)..................٣٤٥
حكمه (عليه السلام)..................٣٥٢
آياته وفعله (عليه السلام)..................٣٥٤
فضله (صلوات الله عليه)..................٣٥٦
ما نزل فيه (عليه السلام) من القرآن..................٣٥٧
ما يُعرَف به (عليه السلام)..................٣٥٩
في صفة قميصه (عليه السلام)..................٣٦٠
في صفة جنوده وخيله (عليه السلام)..................٣٦١
باب (١٤): ما جاء في العلامات التي تكون قبل قيام القائم (عليه السلام)، ويدلُّ على أنَّ ظهوره يكون بعدها كما قالت الأئمَّة (عليهم السلام)..................٣٦٧
باب (١٥): ما جاء في الشدَّة التي تكون قبل ظهور صاحب الحقِّ (عليه السلام)..................٤١٥
باب (١٦): ما جاء في المنع عن التوقيت والتسمية لصاحب الأمر (عليه السلام)..................٤٢٥
باب (١٧): ما جاء فيما يلقى القائم (عليه السلام) ويستقبل من جاهليَّة الناس، وما يلقاه الناس قبل قيامه من أهل بيته..................٤٣٩
باب (١٨): ما جاء في ذكر السفياني، وأنَّ أمره من المحتوم، وأنَّه قبل قيام القائم (عليه السلام)..................٤٤٥
باب (١٩): ما جاء في ذكر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّه لا ينشرها بعد يوم الجمل إلَّا القائم (عليه السلام)..................٤٥٧
باب (٢٠): ما جاء في ذكر جيش الغضب، وهم أصحاب القائم (عليه السلام)، وعدَّتهم وصفتهم، وما يبتلون به ويقاتلون..................٤٦٥
باب (٢١): ما جاء في ذكر أحوال الشيعة عند خروج القائم (عليه السلام) وقبله وبعده..................٤٧٥
باب (٢٢): ما روي أنَّ القائم (عليه السلام) يستأنف دعاءً جديداً، وأنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ..................٤٨٣
باب (٢٣): ما جاء في ذكر سنِّ الإمام القائم (عليه السلام)، وما جاءت به الرواية حين يُفضى إليه أمر الإمامة..................٤٨٩
باب (٢٤): في ذكر إسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام)، والدلالة على أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام)..................٤٩٥
باب (٢٥): ما جاء في أنَّ من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر..................٥٠٧
باب (٢٦): ما روي في مدَّة ملك القائم (عليه السلام) بعد قيامه..................٥١٥
المصادر والمراجع..................٥٢١
بسم الله الرحمن الرحیم
مقدَّمة المركز:
لا يخفى على ذي لُبٍّ ما للآثار العلميَّة من دور مهمٍّ في حفظ تاريخ الأُمَم، وفي نقل تجربة الماضين إلى اللَّاحقين، وفي ضرورتها في دفع عجلة التقدُّم العلمي، خصوصاً في ما يتعلَّق بعلوم الإسلام، إذ إنَّها تعتمد بالدرجة الأساس - بعد القرآن الكريم - على ما أُثِرَ عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام) من نصوص روائيَّة غطَّت المجالات المتعدِّدة للدِّين الإسلامي، من هنا نجد التأكيد الشديد منهم (عليهم السلام) على ضرورة حفظ الأحاديث وتدوينها ونقلها للأجيال، فقد روي عن المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ أنَّه قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «اُكْتُبْ وَبُثَّ عِلْمَكَ فِي إِخْوَانِكَ، فَإِنْ مِتَّ فَأَوْرِثْ كُتُبَكَ بَنِيكَ فَإِنَّهُ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانُ هَرْجٍ لَا يَأْنَسُونَ فِيهِ إِلَّا بِكُتُبِهِمْ»(١).
وقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «احْتَفِظُوا بِكُتُبِكُمْ فَإِنَّكُمْ سَوْفَ تَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا»(٢).
وقال (عليه السلام): «اُكْتُبُوا فَإِنَّكُمْ لَا تَحْفَظُونَ حَتَّى تَكْتُبُوا»(٣).
ولقد التزم شيعة أهل البيت (عليهم السلام) بأوامر أئمَّتهم، وعملوا على حفظ ما سمعوه منهم (عليهم السلام)، وحفظه من خلال التدوين، والنقل إلى الجيل اللَّاحق، وصولاً إلينا، والأُصول الأربعمائة، وبعدها الكُتُب الأربعة، شاهد صدق على
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) الكافي (ج ١/ ص ٥٢/ باب رواية الكُتُب والحديث.../ ح ١١).
(٢) الكافي (ج ١/ ص ٥٢/ باب رواية الكُتُب والحديث.../ ح ١٠).
(٣) الكافي (ج ١/ ص ٥٢/ باب رواية الكُتُب والحديث.../ ح ٩).
↑صفحة ٣↑
حجم الجهود الكبيرة والأوقات الطويلة التي بذلها علماؤنا في سبيل حفظ علوم أهل البيت (عليهم السلام)، خصوصاً في وقت كان ثمن الحبر والورق ممَّا لا يتوفَّر للكثير من العلماء، وفي وقت كان نسخ الكتاب يتطلَّب جهوداً جبَّارة، وفي وقت كان الظلمة يتتبَّعون شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ليستأصلوهم ويدفنوا معهم علومهم.
والشواهد على هذه الحقائق كثيرة، فقد ذكروا في حياة محمّد بن أبي عمير أنَّه فقد الكثير من كُتُبه العلميَّة إثر سجنه من قِبَل السلطة الظالمة، وخوف أُخته منهم، ممَّا دفعها إلى دفن كُتُبه، فأصابها الماء والرطوبة فأتلفها(٤).
وذكر ابن كثير الناصبي: (وكُبِسَت دار أبي جعفر الطوسي متكلِّم الشيعة،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤) قال عنه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٢٦ و٣٢٧/ الرقم ٨٨٧): (محمّد بن أبي عمير زياد بن عيسى أبو أحمد الأزدي من موالي المهلَّب بن أبي صفرة، وقيل: مولى بني أُميَّة. والأوَّل أصحّ. بغدادي الأصل والمقام، لقى أبا الحسن موسى (عليه السلام) وسمع منه أحاديث كنَّاه في بعضها فقال: يا أبا أحمد، وروى عن الرضا (عليه السلام)، جليل القدر عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين. الجاحظ يحكي عنه في كُتُبه، وقد ذكره في المفاخرة بين العدنانيَّة والقحطانيَّة، وقال في (البيان والتبيين): حدَّثني إبراهيم بن داحة، عن ابن أبي عمير، وكان وجهاً من وجوه الرافضة، وكان حُبِسَ في أيَّام الرشيد فقيل: ليلي القضاء، وقيل: إنَّه ولي بعد ذلك، وقيل: بل ليدلَّ على مواضع الشيعة وأصحاب موسى بن جعفر (عليه السلام)، وروي أنَّه ضُرِبَ أسواطاً بلغت منه، فكاد أنْ يقرَّ لعظم الألم، فسمع محمّد بن يونس بن عبد الرحمن وهو يقول: اتَّقِ الله يا محمّد بن أبي عمير، فصبر، ففرَّج الله، وروي أنَّه حبسه المأمون حتَّى ولَّاه قضاء بعض البلاد، وقيل: إنَّ أُخته دفنت كُتُبه في حال استتارها وكونه في الحبس أربع سنين فهلكت الكُتُب، وقيل: بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت، فحدَّث من حفظه، وممَّا كان سلف له في أيدي الناس، فلهذا أصحابنا يسكنون إلى مراسيله، وقد صنَّف كُتُباً كثيرة...، صنَّف محمّد بن أبي عمير أربعة وتسعين كتاب، منها المغازي...، مات محمّد بن أبي عمير سنة سبع عشرة ومائتين).
↑صفحة ٤↑
وأُحرقت كُتُبه ومآثره، ودفاتره التي كان يستعملها في ضلالته وبدعته، ويدعو إليها أهل ملَّته ونحلته، ولله الحمد)(٥).
وذكروا أنَّه عندما دخل (طغرل بك) بغداد عام (٤٤٧هـ)، أمر بإحراق مكتبة شيخ الطائفة العامرة بأُمَّهات الكُتُب الخطّيَّة الثمينة، والتي لا تُقدَّر بثمن، تلك المكتبة التي بذل أبو نصر سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة البويهي جهده العميم في إنشائها والاهتمام بها، في محلَّة بين السورين في الكرخ عام (٣٨١هـ) على غرار بيت الحكمة التي بناها هارون العبَّاسي.
يقول ياقوت الحموي في (معجم بلدانه): (إنَّ هذا الوزير قد جمع فيها أنفس الكُتُب والآثار القيِّمة...، ونافت كُتُبها على عشرة آلاف مجلَّد، وهي بحقٍّ من أعظم المكتبات العالميَّة، وكان فيها مائة مصحف بخطِّ ابن مقلة).
ولكن رغم ذلك، فقد بذل علماؤنا كلَّ حياتهم وأموالهم في حفظ التراث وإيصاله إلينا بطريقة وبأُخرى، حتَّى إنَّ بعضهم وُصِفَ بأنَّه لولاهم لضاع الدِّين، عن جميل بن درَّاج، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «بشِّر المخبتين بالجنَّة: بريد بن معاوية العجلي، وأبو بصير ليث بن البختري المرادي، ومحمّد بن مسلم، وزرارة، أربعة نجباء أُمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوَّة واندرست»(٦).
وقد ذكر النجاشي (رحمه الله) في ترجمة محمّد بن مسعود العيَّاشي (رحمه الله): (أنفق أبو النضر على العلم والحديث تركة أبيه سائرها، وكانت ثلاثمائة ألف دينار، وكانت داره كالمسجد بين ناسخ أو مقابل أو قارئ أو معلِّق مملوءة من الناس)(٧).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥) البداية والنهاية (ج ١٢/ ص ٩٠).
(٦) اختيار معرفة الرجال (ج ١/ ص ٣٩٨/ ح ٢٨٦).
(٧) رجال النجاشي (ص ٣٥١/ الرقم ٩٤٤).
↑صفحة ٥↑
وعلى كلِّ حالٍ، فأهمّيَّة التراث لا تخفى، وجهود علمائنا لا تغيب.
ومن القضايا المهمَّة التي أولاها أهل البيت (عليهم السلام) - وبتبعهم علماؤنا - أهمّيَّة قصوى، هي القضيَّة المهدويَّة، وما يتعلَّق بها من مفاهيم وخصائص وربط بالماضي واستشراف للمستقبل، وكثرة النصوص الواردة فيها شاهد صدق على ذلك.
ولقد كان للكتابة والتأليف فيها قصب السبق، يشهد بذلك كثرة المؤلَّفات - نسبيًّا - فيها، وقِدَم التأليف حولها، وقد ذكرنا في مقدَّمة كتاب (كمال الدِّين) أسماء العديد من المؤلِّفين الذين سبقوا الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الكتابة حولها، وذكرنا هناك أنَّ الشيخ الصدوق يُعتبَر من أوائل من كتبوا في هذه القضيَّة، وأنَّ كتابه مصدر مهمٌّ فيها، وأنَّه قد سبقه في ذلك الشيخ النعماني (رحمه الله) في كتاب (الغيبة)، وها نحن نُقدِّم هذا الكتاب للقارئ الكريم، بحلَّته الجديدة.
كتاب الغيبة في سطور:
ذكر المؤلَّف (رحمه الله) في مقدَّمته على الكتاب أنَّه قد رأى الكثير من الشيعة قد أخذت بهم الفتن والشُّبُهات مآخذ متعدِّدة، ما جعلتهم يبتعدون عن منهج أهل البيت (عليهم السلام)، وما أوجب ذلك من عدم ثبات بعضهم على المبدأ، خصوصاً فيما يتعلَّق بضرورة الصبر في زمن غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)، وأنَّ النصوص واضحة في دعوة الشيعة إلى الصبر والثبات زمن الغيبة.
ثمّ صرَّح بأنَّه عمل على جمع النصوص المتعلِّقة بالقضيَّة المهدويَّة ممَّا يساعد المؤمن على الثبات والصبر، خصوصاً ما يتعلَّق بالغيبة من أسبابها وما يلزم على المؤمن حين وقوعها، بالإضافة إلى ذكر نصوص عديدة في ما يتعلَّق بضرورة وجود الحجَّة على الأرض، ونُتَفاً من سيرته (عجَّل الله فرجه) وصفاته وصفات وجنوده وعلامات ظهوره وغيرها كثير، ضمن (٢٦) باباً تضمَّنت (٤٧٨) حديثاً.
↑صفحة ٦↑
مميِّزات الكتاب:
يمتاز كتاب الغيبة بالعديد من المميِّزات، أهمُّها أنَّه يُعتبَر من أوائل المصنَّفات في هذه القضيَّة، حيث إنَّ مؤلِّفه عاصر الغيبتين الصغرى والكبرى، بالإضافة إلى معاشرته للعديد من علماء تلك الفترة.
ويمتاز أيضاً بأنَّه جمع الكثير من الموضوعات المتعلِّقة بالقضيَّة المهدويَّة، جمعاً موضوعيًّا، وذكر النصوص الدالَّة على كلِّ موضوع منها، بحيث إنَّ العديد من العلماء أشاروا إلى أهمّيَّته وضرورته، ومنهم الشيخ المفيد (رحمه الله)، حيث قال: (وهذا طرف يسير ممَّا جاء في النصوص على الثاني عشر من الأئمَّة (عليهم السلام)، والروايات في ذلك كثيرة قد دوَّنها أصحاب الحديث من هذه العصابة وأثبتوها في كُتُبهم المصنَّفة، فممَّن أثبتها على الشرح والتفصيل محمّد بن إبراهيم المكنَّى أبا عبد الله النعماني في كتابه الذي صنَّفه في الغيبة، فلا حاجة بنا مع ما ذكرناه إلى إثباتها على التفصيل في هذا المكان)(٨).
هذا، وقد قال عنه الحرُّ العاملي (رحمه الله): (حسن جامع)(٩).
وقال الماحوزي (رحمه الله): (فيه فوائد كثيرة، وأحاديث غريبة)(١٠).
عملنا في الكتاب:
أوَّلاً: اعتمدنا في تحقيق الكتاب على النسخة المطبوعة في طهران سنة (١٣٩٧هـ) بتحقيق الفاضل عليّ أكبر الغفاري (رحمه الله)، وقد قوبلت على بعض النُّسَخ الخطيَّة، نذكرها كما ذكر ذلك المحقِّق الفاضل:
أ - النسخة المخطوطة الكاملة المحفوظة في خزانة مكتبة مَلِك في طهران،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٥٠).
(٩) أمل الآمل (ج ٢/ ص ٢٣٣/ الرقم ٦٩١).
(١٠) معراج أهل الكمال (ص ٥٥/ المقدَّمة).
↑صفحة ٧↑
بالرقم (٣٦١٧)، وقد كُتِبَت في (٢٢٦) صفحة بقياس (١٥×١٠ سم)، احتوت كلُّ صفحة (١٦) سطراً، كتبها محمّد مؤمن الگلپايگاني، فرغ من كتابتها يوم الخميس (٢١) شهر رمضان المبارك من شهور سنة سبع وسبعين بعد الألف، وعليها آثار مقابلة على نُسَخ أُخرى.
ب - النسخة المخطوطة المحفوظة في مكتبة مَلِك أيضاً في طهران، بالرقم (٢٦٧١)، ذُكِرَت هاتان النسختان في فهرس المكتبة (ج ١/ ص ٥٣٠)، وهي ناقصة صفحة من أوَّلها وآخرها وأثنائها، وهي نسخة نفيسة عتيقة، كُتِبَت في (٣١٢) صفحة بقياس (١٤×٢١ سم)، احتوت كلُّ صفحة (١٥) سطراً، يظهر من خطِّها أنَّها كُتِبَت قبل القرن العاشر أو في حدوده.
ج - نسخة مطبوعة قوبلت أسانيدها وبابان من آخرها بالنسخة المحفوظة في المكتبة الرضويَّة بمشهد بالرقم (١٨٧)، كُتِبَت في سنة (٥٧٧هـ).
كما قوبلت بعض أبواب الكتاب مع النسخة المحفوظة في مكتبة جامعة طهران بالرقم (٥٧٨)، والمذكورة في فهرس المكتبة (ج ٥/ ص ١٤٣٩)، وهي نسخة نفيسة كُتِبَت في (٥٧) صفحة بقياس (١٠×٢٥ سم)، احتوت كلُّ صفحة (٣٢) سطراً، وعليها حواشٍ تدلُّ على أنَّها قوبلت مع نُسَخ أُخرى، وعليها أيضاً خطُّ الميرزا حسين النوري صاحب (مستدرك الوسائل)، كتبها لنفسه سنة (١٢٨٩هـ).
ثانياً: تحريك الآيات القرآنيَّة على ضوء القرآن الكريم.
ثالثاً: الإتيان بالأحاديث محرَّكة لتسهيل القراءة على القارئ الكريم.
رابعاً: إضافة مصادر أُخرى في هامش الأحاديث الشريفة للكتاب.
خامساً: ضبط أسماء الأعلام والرواة اعتماداً على كُتُب الرجال، وترجمة بعضهم في المواضع الضروريَّة.
سادساً: شرح بعض المفردات اللغويَّة المبهمة.
↑صفحة ٨↑
سابعاً: الإتيان بشروح بعض الأحاديث من الكُتُب التالية:
١ - شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ت ٦٥٦هـ)/ تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم/ ط ١/ ١٣٧٨هـ/ دار إحياء الكُتُب العربيَّة.
٢ - شرح نهج البلاغة لابن ميثم البحراني (ت ٦٧٩هـ)/ ط ١/ ١٣٦٢ش/ مركز النشر مكتب الإعلام الإسلامي الحوزة العلميَّة/ قم.
٣ - شرح أُصول الكافي لصدر المتألِّهين (ت ١٠٥٠هـ)/ تحقيق: محمّد خواجوي/ ط ١/ ١٣٨٣ش/ مؤسسه مطالعات وتحقيقات فرهنگي/ طهران.
٤ - روضة المتَّقين في شرح من لا يحضره الفقيه لمحمّد تقي المجلسي (الأوَّل) (ت ١٠٧٠)/ تصحيح وتحقيق: السيِّد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي بناه الاشتهاردي/ طبع ونشر مؤسَّسة فرهنگي إسلامي كوشانبور/ قم/ ط ٢/ ١٤٠٦هـ.
٥ - شرح أُصول الكافي لمولى محمّد صالح المازندراني (ت ١٠٨١هـ)/ ضبط وتصحيح: السيِّد عليّ عاشور/ طبع ونشر دار إحياء التراث العربي/ ط ١/ ١٤٢١هـ.
٦ - الشافي في العقائد والأخلاق والأحكام للفيض الكاشاني (ت ١٠٩١هـ)/ تحقيق: مهدي أنصاري قمِّي/ ط ١/ ١٤٢٥هـ/ دار نشر اللوح المحفوظ/ طهران.
٧ - مرآة العقول في شرح أخبار الرسول للعلَّامة المجلسي (ت ١١١١)/ نشر دار الكُتُب الإسلاميَّة/ ط ٢/ ١٤٠٤هـ.
٨ - بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار للعلَّامة المجلسي (ت ١١١١)/ نشر مؤسَّسة الوفاء/ ط ٢/ ١٤٠٣هـ/ بيروت.
↑صفحة ٩↑
وأخيراً نحمده تعالى أنْ وفَّقنا لإتمام تحقيق هذا الكتاب الشريف، سائليه (عزَّ وجلَّ) أنْ يمنَّ علينا في تحقيق المزيد من ذخائر تراث أهل البيت (عليهم السلام)، إنَّه نعم المولى والمعين.
كما نسأله تعالى أنْ يُعجِّل في فرج مولانا صاحب العصر والزمان، ويجعلنا من أنصاره وأعوانه ومقوّية سلطانه.
مركز الدراسات التخصُّصيَّة
في الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)
↑صفحة ١٠↑
مقدّمة المؤلِّف
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه ثقتي
حدَّثنا الشيخ أبو الفرج محمّد بن عليِّ بن يعقوب بن أبي قرَّة القنانيُّ(١١) (رحمه الله)، قال: حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن عليٍّ البجليُّ الكاتب - واللفظ من أصله، وكتبت هذه النسخة وهو ينظر في أصله -، قال: حدَّثنا أبو عبد الله محمّد بن إبراهيم النعمانيُّ(١٢) بحلب:
الحمد لله ربِّ العالمين، الهادي من يشاء إلى صراط مستقيم، المستحقِّ الشكر من عباده بإخراجه إيَّاهم من العدم إلى الوجود، وتصويره إيَّاهم في أحسن الصور، وإسباغه عليهم النِّعَم ظاهرةً وباطنةً، لا يحصيها العدد على طول الأمد، كما قال (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ الله لَا تُحْصُوهَا﴾ [إبراهيم: ٣٤]، وبما
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١) القَناني - بفتح القاف ونونين بينهما ألف - نسبة إلى قنان بن سَلَمة بن وهب بن عبد الله ابن ربيعة ابن الحارث بن كعب بن مذحج كما في اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير (ج ٣/ ص ٥٧). والرجل عنونه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٩٨/ الرقم ١٠٦٦)، قائلاً: (محمّد بن عليِّ بن يعقوب بن إسحاق بن أبي قرَّة أبو الفرج، القنائي، الكاتب، كان ثقةً، وسمع كثيراً، وكتب كثيراً، وكان يورق لأصحابنا...).
(١٢) وفي نسخة أُخرى: (حدَّثني محمّد بن عليٍّ أبو الحسين الشجاعي الكاتب (حفظه الله)، قال: حدَّثني محمّد بن إبراهيم أبو عبد الله النعماني (رحمه الله تعالى) في ذي الحجَّة سنة اثنتين وأربعين وثلاثمائة، قال: الحمد لله ربِّ العالمين...) إلى آخره. وفي بعض النُّسَخ مكان (أبو الحسين): (أبو الحسن)، ولعلَّه هو الصواب.
↑صفحة ١١↑
دلَّهم عليه وأرشدهم إليه من العلم بربوبيَّته، والإقرار بوحدانيَّته، بالعقول الزكيَّة(١٣)، والحكمة البالغة، والصنعة المتقنة، والفطرة الصحيحة، والصبغة الحسنة، والآيات الباهرة، والبراهين الظاهرة، وشفعه ذلك ببعثه إليهم الخيرة من خلقه رُسُلاً مصطفين، مبشِّرين ومنذرين، دالِّين هادين، مذكِّرين ومحذِّرين، ومبلِّغين مؤدِّين، بالعلم ناطقين، وبروح القُدُس مؤيَّدين، وبالحُجَج غالبين، وبالآيات لأهل الباطل قاهرين، وبالمعجزات لعقول ذوي الألباب باهرين، أبانهم من خلقه بما أولاهم من كرامته، وأطلعهم على غيبه، ومكَّنهم فيه من قدرته، كما قال (جلَّ وعزَّ): ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً﴾ [الجنّ: ٢٦ و٢٧]، ترفُّعاً لأقدارهم، وتعظيماً لشأنهم، ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: ١٦٥]، ولتكون حجَّة الله عليهم تامَّة غير ناقصة.
والحمد لله الذي منَّ علينا بمحمّد سابق بريَّته إلى الإقرار بربوبيَّته، وخاتم أصفيائه إنذاراً برسالته، وأحبّ أحبَّائه إليه، وأكرم أنبيائه عليه، وأعلاهم رتبةً لديه، وأخصّهم منزلةً منه، أعطاه جميع ما أعطاهم، وزاده أضعافاً على ما آتاهم، وأحلَّه المنزلة التي أظهر بها فضله عليهم، فصيَّره إماماً لهم، إذ صلَّى في سمائه بجماعتهم، وشرَّف مقامه على كافَّتهم، وأعطاه الشفاعة دونهم، ورفعه مستسيراً إلى علوِّ ملكوته(١٤)، حتَّى كلَّمه في محلِّ جبروته بحيث جاز مراتب الملائكة المقرَّبين، ومقامات الكروبيِّين والحافِّين.
وأنزل عليه كتاباً جعله مهيمناً على كُتُبه المتقدِّمة، ومشتملاً على ما حوته من العلوم الجمَّة، وفاضلاً عليها بأنْ جعله كما قال تعالى: ﴿تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣) في بعض النُّسَخ: (المرضيَّة).
(١٤) في بعض النُّسَخ: (ورفعه له مستزيداً إلى علوِّ مملكته).
↑صفحة ١٢↑
[النحل: ٨٩]، لم يُفرِّط فيه من شيء، فهدانا الله (عزَّ وجلَّ) بمحمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الضلالة والعمى، وأنقذنا به من الجهالة والرَّدى، وأغنانا به وبما جاء به من الكتاب المبين - وما أكمله لنا من الدِّين، ودلَّنا عليه من ولاية الأئمَّة الطاهرين الهادين - عن الآراء والاجتهاد، ووفَّقنا(١٥) به وبهم(١٦) إلى سبيل الرشاد.
صلَّى الله عليه وعلى أخيه أمير المؤمنين تاليه في الفضل، ومؤازره في اللَّأواء(١٧) والأزل(١٨)، وسيف الله على أهل الكفر والجهل، ويده المبسوطة بالإحسان والعدل، والسالك نهجه في كلِّ حالٍ(١٩)، والزائل مع الحقِّ حيثما زال، والخازن علمه(٢٠)، والمستودع سرّه، الظاهر على مكنون أمره، وعلى الأئمَّة من آله الطاهرين الأخيار، الطيِّبين الأبرار، معادن الرحمة ومحلِّ النعمة، وبدور الظلام ونور الأنام، وبحور العلم، وباب السلام الذي ندب الله (عزَّ وجلَّ) خلقه إلى دخوله، وحذَّرهم النكوب عن سبيله حيث قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: ٢٠٨]، أفضل صلواته وأشرفها، وأذكاها وأنماها، وأتمّها وأعلاها وأسناها، وسلَّم تسليماً كثيراً كما هو أهله، وكما محمّد وآله (عليهم السلام) أهله منه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٥) في بعض النُّسَخ: (ورفعنا).
(١٦) الضمير المفرد فيه (به) راجع إلى الكتاب، أو النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). والضمير الجمع في (بهم) راجع إلى الأئمَّة (عليهم السلام).
(١٧) في لسان العرب (ج ١٥/ ص ٢٣٨/ مادَّة لأي): (اللَّأواء: الشدَّة وضيق المعيشة).
(١٨) في العين للفراهيدي (ج ٧/ ص ٣٨٥/ مادَّة أزل): (الأزل: شدَّة الزمان، يقال: هم في أزل من العيش والسنة، وأزل من شدائد البلوى).
(١٩) في بعض النُّسَخ: (على كلِّ حالٍ).
(٢٠) في بعض النُّسَخ: (والحاوي علمه).
↑صفحة ١٣↑
أمَّا بعد..
فإنَّا رأينا طوائف من العصابة المنسوبة إلى التشيُّع، المنتمية(٢١) إلى نبيِّها محمّد وآله (صلَّى الله عليهم) ممَّن يقول بالإمامة التي جعلها الله برحمته دين الحقِّ، ولسان الصدق، وزيناً لمن دخل فيها(٢٢)، ونجاةً وجمالاً لمن كان من أهلها، وفاز بذمَّتها، وتمسَّك بعقدتها، ووفى لها بشروطها، من المواظبة على الصلوات، وإيتاء الزكوات، والمسابقة إلى الخيرات، واجتناب الفواحش والمنكرات، والتنزُّه عن سائر المحظورات، ومراقبة الله (تقدَّس ذكره) في الملإ والخلوات، وتشغُّل القلوب وإتعاب الأنفس والأبدان في حيازة القربات، قد تفرَّقت كلمها(٢٣)، وتشعَّبت مذاهبها، واستهانت بفرائض الله (عزَّ وجلَّ)، وحنَّت(٢٤) إلى محارم الله تعالى، فطار بعضها علوًّا، وانخفض بعضها تقصيراً، وشكُّوا جميعاً إلَّا القليل في إمام زمانهم، ووليِّ أمرهم، وحجَّة ربِّهم التي اختارها بعلمه، كما قال (جلَّ وعزَّ): ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القَصص: ٦٨] من أمرهم، للمحنة الواقعة بهذه الغيبة التي سبق من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذكرها، وتقدَّم من أمير المؤمنين (عليه السلام) خبرها، ونطق في المأثور من خُطَبه والمرويِّ عنه من كلامه وحديثه، بالتحذير من فتنتها، وحمل أهل العلم والرواية عن الأئمَّة من ولده (عليهم السلام) واحداً بعد واحد أخبارها، حتَّى ما منهم أحدٌ إلَّا وقد قدَّم القول فيها، وحقَّق كونها، ووصف امتحان الله (تبارك وتعالى اسمه) خلقه بها بما أوجبته قبائح الأفعال ومساوي الأعمال، والشحُّ المطاع، والعاجل الفاني المؤثَر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢١) في خزانة الأدب (ج ٦/ص ٧٩): (الانتماء بمعنى الانتساب)، أي المنتسبة إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(٢٢) في بعض النُّسَخ: (زينة لمن دخل فيها).
(٢٣) (قد تفرَّقت) الجملة مفعول ثانٍ لـ (رأينا)، وما بينهما جملة معترضة.
(٢٤) كذا صحَّحناه، وفي النُّسَخ: (وخفت)، والمعنى: استخفَّت محارم الله تعالى.
↑صفحة ١٤↑
على الدائم الباقي، والشهوات المتَّبعة، والحقوق المضيَّعة التي اكتسبت سخط الله (عزَّ وتقدَّس)، فلم يزل الشكُّ والارتياب قادحين في قلوبهم - كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامه لكميل بن زياد في صفة طالبي العلم وحملته: «أَوْ مُنْقَاداً لِأَهْلِ الْحَقِّ لَا بَصِيرَةَ لَهُ، يَنْقَدِحُ الشَّكُّ فِي قَلْبِهِ(٢٥) لِأَوَّلِ عَارِضٍ مِنْ شُبْهَةٍ»(٢٦)،(٢٧) -، حتَّى أدَّاهم ذلك إلى التيه والحيرة والعمى والضلالة، ولم يبقَ منهم إلَّا القليل النُّزُر الذين ثبتوا على دين الله، وتمسَّكوا بحبل الله، ولم يحيدوا عن صراط الله المستقيم، وتحقَّق فيهم وصف الفرقة الثابتة على الحقِّ التي لا تزعزعها الرياح، ولا يضرُّها الفتن، ولا يغرُّها لمع السراب، ولم تدخل في دين الله بالرجال فتخرج منه بهم.
كما روينا عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) أنَّه قال: «مَنْ دَخَلَ فِي هَذَا الدِّينِ بِالرِّجَالِ أَخْرَجَهُ مِنْهُ الرِّجَالُ كَمَا أَدْخَلُوهُ فِيهِ، وَمَنْ دَخَلَ فِيهِ بِالْكِتَابِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٥) في لسان العرب (ج ٢/ ص ٥٥٤/ مادَّة قدح): (قدح الشيء في صدري: أثَّر).
(٢٦) نهج البلاغة (ص ٤٩٦/ ح ١٤٧) بتفاوت يسير؛ وراجع: المعيار والموازنة (ص ٨٠)، وقوت القلوب (ج ١/ ص ٢٤٢)، وحلية الأولياء (ج ١/ ص ٨٠)، والذريعة إلى مكارم الشريعة (ص ٢٤٧)، وإحياء علوم الدِّين (ج ١/ ص ١٢٢)، وسراج الملوك (ص ١٩٨)، وفرائد السمطين (ج ١/ ص ٣٩٨)، وتذكرة الحُفَّاظ (ج ١/ ص ١١)، وروضة الحبور (ص ٩٣)، وكنز العُمَّال (ج ١٠/ ص ٢٦٣/ ح ٢٩٣٩١).
(٢٧) قال ابن ميثم البحراني (رحمه الله) في شرح نهج البلاغة (ج ٥/ ص ٣٢٥): (أشار إلى كونه - أي المنقاد لأهل الحقِّ من غير بصيرة - غير صالح لحمله - أي ما عنده من العلم - من وجهين: أحدهما: كونه لا بصيرة له في جوانب العلم وتفاصيله. الثاني: كونه ينقدح الشكُّ في قلبه لأوَّل عارض من شبهة؛ وذلك لعدم العلم وثباته في نفسه بالبرهان والحجَّة الواضحة).
↑صفحة ١٥↑
وَالسُّنَّةِ زَالَتِ الْجِبَالُ قَبْلَ أَنْ يَزُولَ»(٢٨)،(٢٩).
ولعمري ما أُتي من تاه وتحيَّر وافتتن وانتقل عن الحقِّ وتعلَّق بمذاهب أهل الزخرف والباطل إلَّا من قلَّة الرواية والعلم وعدم الدراية والفهم، فإنَّهم الأشقياء، لم يهتمُّوا لطلب العلم، ولم يُتعِبوا أنفسهم في اقتنائه وروايته من معادنه الصافية، على أنَّهم لو رووا ثمّ لم يدروا لكانوا بمنزلة من لم يروِ، وقد قال جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام): «اعْرِفُوا مَنَازِلَ شِيعَتِنَا عِنْدَنَا عَلَى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ عَنَّا وَفَهْمِهِمْ مِنَّا»(٣٠)، فإنَّ الرواية تحتاج إلى الدراية، و«خبر تدريه خير من ألف خبر ترويه»(٣١).
وأكثر من دخل في هذه المذاهب إنَّما دخله على أحوال:
فمنهم من دخله بغير رويَّة ولا علم، فلمَّا اعترضه يسير الشبهة تاه.
ومنهم من أراده طلباً للدنيا وحطامها(٣٢)، فلمَّا أماله الغواة والدنياويُّون إليها مال مؤثِراً لها على الدِّين، مغترًّا مع ذلك بزخرف القول غروراً من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨) راجع: الكافي (ج ١/ ص ٧/ خطبة الكتاب)، وتصحيح اعتقادات الإماميَّة (ص ٧٢)، وروضة الواعظين (ص ٢٢)، وبشارة المصطفى (ص ٢٠٦ و٢٠٧/ ح ٣١)، ومتشابه القرآن ومختلفه (ج ١/ ص ٤٦).
(٢٩) قال صدر المتألِّهين في شرح أُصول الكافي (ج ١/ ص ٢٠٥ و٢٠٦): (المراد من (دخل فيه بالكتاب والسُّنَّة) ما يكون أخذه منهما على بصيرة وفهم ومع قوَّة له على الاستنباط منهما. والمراد من (دخل في هذا الدِّين بالرجال) ما يكون أخذه بمجرَّد التقليد وسماع اللفظ من غير تعلُّم وتفقُّه، وإلَّا فرُبَّ علم أُخِذَ من المعلِّم كان أحكم وأتقن ممَّا يستنبطه الإنسان بفهمه من الكتاب والسُّنَّة. وبالجملة ملاك الأمر هو صفاء القلب وجلاء البصيرة التي بها يتمكَّن أنْ يهتدي ويتنوَّر بنور القرآن والحديث هداية من الله).
(٣٠) راجع: اختيار معرفة الرجال (ج ١/ ص ٣ - ٦/ ح ١ - ٣).
(٣١) سيأتي تحت الرقم (١٣٥/٢)، وفيه: (خير من عشر ترويه).
(٣٢) في لسان العرب (ج ١٢/ ص ١٣٨/ مادَّة حطم): (حُطام الدنيا: كلُّ ما فيها من مال يفنى ولا يبقى).
↑صفحة ١٦↑
الشياطين الذين وصفهم الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه فقال: ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ [الأنعام: ١١٢]، والمغترُّ به فهو كصاحب السراب(٣٣) الذي ﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً﴾ يلمعه عند ظمائه لمعة ماء، فـ﴿إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً﴾ [النور: ٣٩] كما قال الله (عزَّ وجلَّ).
ومنهم من تحلَّى بهذا الأمر للرياء، والتحسُّن بظاهره، وطلباً للرئاسة، وشهوة لها، وشغفاً بها(٣٤)، من غير اعتقاد للحقِّ، ولا إخلاص فيه، فسلب الله جماله، وغيَّر حاله، وأعدَّ له نكاله.
ومنهم من دان به على ضعف من إيمانه، ووهن من نفسه بصحَّة ما نطق به منه، فلمَّا وقعت هذه المحنة التي آذننا أولياء الله (صلَّى الله عليهم) بها مذ ثلاثمائة سنة تحيَّر ووقف، كما قال الله (عزَّ وجلَّ من قائل): ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [البقرة: ١٧]، وكما قال: ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ [البقرة: ٢٠].
ووجدنا الرواية قد أتت عن الصادقين (عليهم السلام) بما أمروا به مَنْ وهب الله (عزَّ وجلَّ) له حظًّا من العلم، وأوصله منه إلى ما لم يوصل إليه غيره من تبيين ما اشتبه على إخوانهم في الدِّين، وإرشادهم في الحيرة إلى سواء السبيل، وإخراجهم عن منزلة الشكِّ إلى نور اليقين.
فقصدت القربة إلى الله (عزَّ وجلَّ) بذكر ما جاء عن الأئمَّة الصادقين الطاهرين (عليهم السلام) من لدن أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى آخر من روي عنه منهم في هذه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٣) كذا، ولعلَّ الصواب: (كطالب السراب).
(٣٤) في لسان العرب (ج ٩/ ص ١٧٩/ مادَّة شغف): (شُغِفَ بالشيء على صيغة ما لم يسم فاعله: أُولِعَ به).
↑صفحة ١٧↑
الغيبة التي عمي عن حقِّيَّتها(٣٥) ونورها مَنْ أبعده الله عن العلم بها، والهداية إلى ما أُوتي عنهم (عليهم السلام) فيها ما يُصحِّح لأهل الحقِّ حقيقة ما رووه ودانوا به، وتُؤكِّد حجَّتهم(٣٦) بوقوعها، ويُصدَّق ما آذنوا به منها.
وإذا تأمَّل من وهب الله تعالى له حسن الصورة، وفتح مسامع قلبه، ومنحه(٣٧) جودة(٣٨) القريحة(٣٩)، وأتحفه بالفهم وصحَّة الرواية بما جاء عن الهداة الطاهرين (صلوات الله عليهم) على قديم الأيَّام وحديثها من الروايات المتَّصلة فيها، الموجبة لحدوثها، المقتضية لكونها ممَّا قد أوردناه في هذا الكتاب حديثاً حديثاً، وروي فيه، وفكَّر فكراً منعماً(٤٠)، ولم يجعل قراءته ونظره فيه صفحاً دون شافي التأمُّل، ولم يطمح ببصره عن حديث منها يشبه ما تقدَّمه دون إمعان النظر فيه والتبيين له، ولما يحوي من زيادة المعاني بلفظه من كلام الإمام (عليه السلام) بحسب ما حمله واحدٌ من الرواة عنه، علم(٤١) أنَّ هذه الغيبة لو لم تكن ولم تحدث مع ذلك ومع ما روي على مرِّ الدهور فيها، لكان مذهب الإمامة باطلاً، لكنَّ الله تبارك
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٥) في بعض النُّسَخ: (عن حقيقتها).
(٣٦) أي قصدت بذكر ما جاء عنهم (عليهم السلام) - لإزالة الشُّبُهات - ما يُصحِّح لأهل الحقِّ ما رووه ودانوا به، ولتُؤكَّد بذلك حجَّتهم.
(٣٧) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٤٠٨/ مادَّة منح): (المنح: العطاء، منحه يَمْنَحه ويَمْنِحه، والاسم المِنحة - بالكسر -، وهي العطيَّة).
(٣٨) في لسان العرب (ج ٣/ ص ١٣٥/ مادَّة جود): (جاد الشيء جُودة وجَودة، أي صار جيِّداً).
(٣٩) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٣٩٦/ مادَّة قرح): (القريحة: أوَّل ما يُستنبط من البئر، ومنه قولهم: لفلان قريحة جيِّدة، يُراد استنباط العلم بجودة الطبع).
(٤٠) أي شافياً دقيقاً بالغاً. وفي بعض النُّسَخ: (ممعناً) من الإمعان.
(٤١) جواب قوله: (وإذا تأمَّل...) إلخ.
↑صفحة ١٨↑
وتعالى صدَّق إنذار الأئمَّة (عليهم السلام) بها، وصحَّح قولهم فيها في عصر بعد عصر، وألزم الشيعة التسليم والتصديق والتمسُّك بما هم عليه، وقوَّى اليقين في قلوبهم بصحَّة ما نقلوه، وقد حذَّر أولياء الله (صلوات الله عليهم) شيعتهم من أنْ تميل بهم الأهواء، أو تزيغ بهم [و]بقلوبهم الفتن واللأواء في أيَّامها، ووصفوا ما يشمل الله تعالى خلقه به من الابتلاء عند وقوعها بتراخي مدَّتها، وطول الأمد فيها، ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ﴾ [الأنفال: ٤٢].
فإنَّه روي عنهم (عليهم السلام) مَا حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيُّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: ﴿وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾ [الحديد: ١٦]، فِي أَهْلِ زَمَانِ الْغِيبَةِ، ثُمَّ قَالَ (عزَّ وجلَّ): ﴿[اعْلَمُوا] أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [الحديد: ١٧]»، وَقَالَ: «إِنَّمَا الْأَمَدُ أَمَدُ الْغِيبَةِ».
فإنَّه أراد (عزَّ وجلَّ): يا أُمَّة محمّد، أو يا معشر الشيعة، لا تكونوا كالذين أُوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد، فتأويل هذه الآية جاء في أهل زمان الغيبة وأيَّامها دون غيرهم من أهل الأزمنة، وإنَّ الله تعالى نهى الشيعة عن الشكِّ في حجَّة الله تعالى، أو أنْ يظنُّوا أنَّ الله تعالى يخلي أرضه منها طرفة عين، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلامه لكميل بن زياد: «بَلَى اللَّهُمَّ لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ حُجَّةٍ لله، إِمَّا ظَاهِرٍ مَعْلُومٍ، أَوْ(٤٢) خَائِفٍ مَغْمُورٍ، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ الله وَبَيِّنَاتُهُ»(٤٣)، وحذَّرهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٢) في بعض النُّسَخ: (وإمَّا).
(٤٣) سيأتي تحت الرقم (١١٨/١)، فانتظر.
↑صفحة ١٩↑
من أنْ يشكُّوا أو يرتابوا، فيطول عليهم الأمد فتقسوا قلوبهم.
ثمّ قال (عليه السلام)(٤٤): «أَلَا تَسْمَعُ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أَيْ يُحْيِيهَا اللهُ بِعَدْلِ الْقَائِمِ عِنْدَ ظُهُورِهِ بَعْدَ مَوْتِهَا بِجَوْرِ أَئِمَّةِ الضَّلَالِ».
وتأويل كلِّ آية منها مصدِّق للآخر، وعلى أنَّ قولهم (صلوات الله عليهم) لابدَّ أنْ يصحَّ في شذوذ من يشذُّ، وفتنة من يفتتن، ونكوص من ينكص على عقبيه من الشيعة بالبلبلة(٤٥) والتمحيص(٤٦) والغربلة التي قد أوردنا ما ذكروه (عليهم السلام) منه بأسانيد في باب ما يلحق الشيعة من التمحيص والتفرُّق والفتنة، إلَّا أنَّا نذكر في هذا الموضع حديثاً أو حديثين من جملة ما أوردنا في ذلك الباب، لئلَّا يُنكِر منكر ما حدث من هذه الفِرَق العاملة بالأهواء، المؤثِرة للدنيا.
وَهُوَ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ - وهذا الرجل ممَّن لا يُطعَن عليه في الثقة، ولا في العلم بالحديث والرجال الناقلين له(٤٧) -، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ(٤٨) مِنْ تَيْمِ الله، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخَوَايَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٤) يعني أبا عبد الله (عليه السلام) في الحديث السابق.
(٤٥) في لسان العرب (ج ١١/ ص ٦٩/ مادَّة بلل): (البَلْبلة والبَلابل والبَلْبال: شدَّة الهمِّ والوسواس في الصدور وحديث النفس)، وأُريد بها هاهنا الاختبار والامتحان والابتلاء. وفي بعض النُّسَخ: (بالبليَّة).
(٤٦) في الصحاح للجوهري (ج ٣/ص ١٠٥٦/مادَّة محص): (التمحيص: الابتلاء والاختبار).
(٤٧) ستأتي ترجمته في أوَّل الباب الأوَّل من الكتاب (ص ٣٣)، فانتظر.
(٤٨) يعني به عليَّ بن الحسن بن عليِّ بن فضَّال، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٥٧ و٢٥٨/ الرقم ٦٧٦): (كان فقيه أصحابنا بالكوفة، ووجههم، وثقتهم، وعارفهم بالحديث، والمسموع قوله فيه، سمع منه شيئاً كثيراً، ولم يُعثَر له على زلَّة فيه ولا ما يشينه، وقلَّ ما روى عن ضعيف، وكان فطحيًّا). و(عليُّ بن الحسين) كما في بعض النُّسَخ تصحيف من النُّسَّاخ.
↑صفحة ٢٠↑
الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي كَهْمَسٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مِيثَمٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ ضَمْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) لِشِيعَتِهِ: «كُونُوا فِي النَّاسِ كَالنَّحْلِ فِي الطَّيْرِ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الطَّيْرِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَضْعِفُهَا، وَلَوْ يَعْلَمُ مَا فِي أَجْوَافِهَا لَمْ يَفْعَلْ بِهَا كَمَا يَفْعَلُ(٤٩). خَالِطُوا النَّاسَ بِأَبْدَانِكُمْ، وَزَايِلُوهُمْ بِقُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ(٥٠)، فَإِنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا اكْتَسَبَ، وَهُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، أَمَا إِنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا مَا تُحِبُّونَ وَمَا تَأْمُلُونَ - يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ - حَتَّى يَتْفُلَ بَعْضُكُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ، وَحَتَّى يُسَمِّيَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَذَّابِينَ، وَحَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ وَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ(٥١)، وَهُوَ أَقَلُّ الزَّادِ(٥٢).
وَسَأَضْرِبُ لَكُمْ فِي ذَلِكَ مَثَلاً، وَهُوَ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ لَهُ طَعَامٌ قَدْ ذَرَاهُ(٥٣) وَغَرْبَلَهُ وَنَقَّاهُ وَجَعَلَهُ فِي بَيْتٍ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ مَا شَاءَ الله، ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ عَنْهُ فَإِذَا السُّوسُ(٥٤) قَدْ وَقَعَ فِيهِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَنَقَّاهُ وَذَرَاهُ، ثُمَّ جَعَلَهُ فِي الْبَيْتِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ فَتَحَ الْبَابَ عَنْهُ فَإِذَا السُّوسُ قَدْ وَقَعَ فِيهِ، [وَأَخْرَجَهُ وَنَقَّاهُ وَذَرَاهُ، ثُمَّ جَعَلَهُ فِي الْبَيْتِ وَأَغْلَقَ عَلَيْهِ الْبَابَ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ بَعْدَ حِينٍ فَوَجَدَهُ قَدْ وَقَعَ فِيهِ السُّوسُ]، فَفَعَلَ بِهِ كَمَا فَعَلَ مِرَاراً حَتَّى بَقِيَتْ مِنْهُ رِزْمَةٌ كَرِزْمَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٩) أي لم يفعل بها كما يفعل من عدم التعرُّض لها.
(٥٠) هذا معنى قولهم: (كن في الناس ولا تكن مع الناس).
(٥١) التشبيه من حيث القلَّة، فكما أنَّ الملح في الطعام بالنسبة إلى موادِّه الأُخَر أقلّ كذلك أنتم بالنسبة إلى باقي الناس.
(٥٢) في بعض النُّسَخ: (أو قال: في الزاد) مكان (وهو أقلُّ الزاد).
(٥٣) في الصحاح للجوهري (ج ٦/ ص ٢٣٤٥/ مادَّة ذرا): (ذرت الريحُ الترابَ وغيره تذروه وتذريه ذرواً وذرياً، أي سفته. ومنه قولهم: ذرى الناس الحنطة).
(٥٤) في الصحاح للجوهري (ج ٣/ ص ٩٣٨/ مادَّة سوس): (السوس: دود يقع في الصوف والطعام).
↑صفحة ٢١↑
الْأَنْدَرِ(٥٥) [الَّذِي] لَا يَضُرُّهُ السُّوسُ شَيْئاً، وَكَذَلِكَ أَنْتُمْ تُمَحِّصُكُمُ الْفِتَنُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا عِصَابَةٌ لَا تَضُرُّهَا الْفِتَنُ شَيْئاً(٥٦)»(٥٧)،(٥٨).
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «وَالله لَتُمَحَّصُنَّ، وَالله لَتَطِيرُنَّ يَمِيناً وَشِمَالاً حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا كُلُّ امْرِئٍ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ، وَكَتَبَ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ».
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُمْ (عليهم السلام): «حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ إِلَّا الْأَنْدَرُ فَالْأَنْدَرُ».
وهذه العصابة التي تبقى على هذا الأمر وتثبت وتقيم على الحقِّ هي التي أُمِرَت بالصبر في حال الغيبة.
فمن ذلك مَا أَخْبَرَنَا بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ الْعَبَّاسِيِّ(٥٩)، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٥) في لسان العرب (ج ٥/ ص ٢٠٠/ مادَّة ندر): (الأندر: الكدس من القمح خاصَّة).
(٥٦) الظاهر أنَّ المراد بالفتنة الغيبة وطول مدَّتها مع تظاهر الزمان على معتقديها.
(٥٧) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٢٧/ ح ١٢٣).
(٥٨) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ١١٦): (قوله (عليه السلام): (كالنحل في الطير) أمر بالتقيَّة، أي لا تُظهِروا لهم ما في أجوافكم من دين الحقِّ كما أنَّ النحل لا يُظهِر ما في بطنها على الطيور وإلَّا لأفنوها. والرزمة - بالكسر -: ما شُدَّ في ثوب واحد. و الأندر: البيدر).
(٥٩) عبيد الله بن موسى العلوي من الأعلام الشاسعة في هذا الكتاب، وفي كثير من المواضع: (عبد الله) مكبَّراً، وكأنَّه عبيد الله بن موسى الروياني المعنون في تهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ٤٨) تحت عنوان: (تمييز)، وقال: (يُكنَّى أبا تراب، روى عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني...، وروى عنه عليُّ بن أحمد بن نصر البندنيجي). ولا يبعد أنْ يكون عبد الله بن موسى الهاشمي المعنون في جامع الرواة (ج ١/ ص ٥١٣) بعنوان: (عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب (عليهما السلام)). وذكر الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٥/ ص ٢١٨) عبد الله بن موسى الهاشمي من الذين رووا عن ابن عقدة. وابن عقدة وعليُّ بن أحمد البندنيجي في طبقة واحدة، غير أنَّه زاد في كثير من الموارد: (العلوي العبَّاسي)، وكأنَّ (العبَّاسي) نسخة بدل عن العلوي، فأوردهما الناسخ معاً.
↑صفحة ٢٢↑
مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليه السلام) فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠]، قَالَ: «اصْبِرُوا عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَصَابِرُوا عَدُوَّكُمْ، وَرَابِطُوا إِمَامَكُمُ المُنْتَظَرَ»(٦٠).
وهذه العصابة القليلة هي التي قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لها: «لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ مَنْ يَسْلُكُهُ»(٦١)، فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الله المُحَمَّدِيُّ مِنْ كِتَابِهِ فِي المُحَرَّمِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْأَرْحَبِيُّ - وَيُعْرَفُ بِشَعِرٍ -، قَالَ: حَدَّثَنَا مُخَوَّلٌ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَحْنَفَ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ يَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَنَا أَنْفُ الْإِيمَانِ، أَنَا أَنْفُ الْهُدَى وَعَيْنَاهُ.
أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ مَنْ يَسْلُكُهُ، إِنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى مَائِدَةٍ قَلِيلٍ شِبَعُهَا، كَثِيرٍ جُوعُهَا، وَاللهُ المُسْتَعانُ، وَإِنَّمَا يَجْمَعُ النَّاسَ الرِّضَا وَالْغَضَبُ.
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا عَقَرَ نَاقَةَ صَالِحٍ وَاحِدٌ فَأَصَابَهُمُ اللهُ بِعَذَابِهِ بِالرِّضَا لِفِعْلِهِ(٦٢)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٠) سيأتي تحت الرقم (٢٣٦/١٣)، فانتظر.
(٦١) كذا الأصوب، وفي النُّسَخ: (في طريق الهدى لقلتها).
(٦٢) قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج ١٠/ ص ٢٦١ و٢٦٢): (الاستيحاش: ضدُّ الاستئناس، وكثيراً ما يُحدِثه التوحُّد وعدم الرفيق، فنهى (عليه السلام) عن الاستيحاش في طريق الهدى لأجل قلَّة أهله، فإنَّ المهتدي ينبغي أنْ يأنس بالهداية، فلا وحشة مع الحقِّ. وعنى بالمائدة الدنيا، لذَّتها قليلة، ونغصتها كثيرة، والوجود فيها زمان قصير جدًّا، والعدم عنها زمان طويل جدًّا. ثمّ قال: ليست العقوبة لمن اجترم ذلك الجرم بعينه، بل لمن اجترمه ومن رضى به وإنْ لم يباشره بنفسه، فإنَّ عاقر ناقة صالح إنَّما كان إنساناً واحداً، فعمَّ الله ثمود بالسخط لما كانوا راضين بذلك الفعل كلُّهم).
↑صفحة ٢٣↑
وَآيَةُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر: ٢٩ و٣٠]، وَقَالَ: ﴿فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا﴾ [الشمس: ١٤ و١٥]، أَلَا وَمَنْ سُئِلَ عَنْ قَاتِلِي فَزَعَمَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَقَدْ قَتَلَنِي.
أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ وَرَدَ المَاءَ، وَمَنْ حَادَ عَنْهُ وَقَعَ فِي التِّيهِ» ثُمَّ نَزَلَ.
وَرَوَاهُ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، جَمِيعاً عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نُوحٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيْمٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَحْنَفَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، وَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ أَهْلِهِ»(٦٣).
وفي قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «مَنْ سَلَكَ الطَّرِيقَ وَرَدَ المَاءَ، وَمَنْ حَادَ عَنْهُ وَقَعَ فِي التَّيْهِ(٦٤)» بيان شافٍ لمن تأمَّله، ودليل على التمسُّك بنظام الأئمَّة(٦٥)، وتحذير
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٣) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٢٢/ ح ١١٧)؛ وراجع: الغارات (ج ٢/ ص ٥٨٤ و٥٨٥)، والمسترشد (ص ٤٠٧/ح ١٣٨)، ونهج البلاغة (ص ٣١٩/ح ٢٠١).
(٦٤) في لسان العرب (ج ١٣/ص ٤٨٢/مادَّة تيه): (التِّيه: المفازة يُتاه فيها، والجمع أَتْياه وأَتاوِيه).
(٦٥) في بعض النُّسَخ: (بنظام الإمامة).
↑صفحة ٢٤↑
من الوقوع في التيه بالعدول عنها والانقطاع عن سبيلها، ومن الشذوذ يميناً وشمالاً، والإصغاء إلى ما يزخرفه المفترون المفتونون في دينهم من القول الذي هو كالهباء المنثور، وكالسراب المضمحلِّ، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: ٢ و٣].
وَكَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَجِدَالَ كُلِّ مَفْتُونٍ فَإِنَّهُ مُلَقَّنٌ حُجَّتَهُ(٦٦) إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّتِهِ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّتُهُ أَلْهَبَتْهُ(٦٧) خَطِيئَتُهُ وَأَحْرَقَتْهُ(٦٨)»(٦٩).
أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ اِبْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الْغِفَارِيِّ(٧٠)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٦) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢/ص ١٣١): (أي: يُلقِّنه الشيطان حجَّته).
(٦٧) في لسان العرب (ج ١/ ص ٧٤٣/ مادَّة لهب): (اللَّهَبُ واللَّهيبُ واللُّهابُ واللَّهَبَانُ: اشتعال النار إِذا خَلَصَ من الدُّخَانِ. وقيل: لَهِيبُ النار حَرُّها. وقد أَلْهَبها فالْتَهَبَتْ، ولَهَّبَها فَتَلَهَّبَتْ: أَوْقَدَها).
(٦٨) في بعض النُّسَخ: (ألهبته حجَّته وأحرقته).
(٦٩) راجع: تاريخ اليعقوبي (ج ٢/ ص ٩٣)، والتوحيد للصدوق (ص ٤٥٩/ ح ٢٥)، وعلل الشرائع (ج ٢/ ص ٥٩٩/ ح ٥١)، وفيهما: (أحرقته فتنته بالنار).
(٧٠) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٢٥/ الرقم ٥٩٠): (عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري، حليف الأنصار، سكن مزينة بالمدينة، فتارةً يقال: الغفاري، وتارةً يقال: الأنصاري، وأُخرى يقال: المزني).
↑صفحة ٢٥↑
وقد جمعت في هذا الكتاب ما وفَّق الله جمعه من الأحاديث التي رواها الشيوخ عن أمير المؤمنين والأئمَّة الصادقين (عليهم السلام) في الغيبة وغيرها ممَّا سبيله أنْ ينضاف إلى ما روي فيها بحسب ما حضر في الوقت، إذ لم يحضرني جميع ما رويته في ذلك لبعده عنِّي وأنَّ حفظي لم يشمل عليه، والذي رواه الناس من ذلك أكثر وأعظم ممَّا رويته، ويصغر ويقلُّ عنه ما عندي، وجعلته أبواباً صدَّرتها بذكر ما روي في صون سرِّ آل محمّد (عليهم السلام) عمَّن ليس من أهله، والتأدُّب بآداب أولياء الله في ستر ما أمروا بستره عن أعداء الدِّين والنُّصَّاب المخالفين وسائر الفِرَق من المبتدعين والشاكِّين والمعتزلة الدافعين لفضل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه وآله أجمعين)، المجيزين تقديم المأموم على الإمام، والناقص على التامِّ، خلافاً على الله (عزَّ وجلَّ) حيث يقول: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: ٣٥]، وإعجاباً بآرائهم المضلَّة وقلوبهم العميَّة، كما قال الله (جلَّ من قائل): ﴿فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحجّ: ٤٦]، وكما قال تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [الكهف: ١٠٣ و١٠٤]، الجاحدين فضل الأئمَّة الطاهرين وإمامتهم (عليهم السلام) المحلول في صدورهم لشقائهم ما قد تمكَّن فيها من العناد لهم بعد وجوب الحجَّة عليهم من الله بقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، ومن رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقوله في عترته: إنَّهم الهداة وسفينة النجاة، وإنَّهم أحد الثقلين اللذين أعلمنا تخليفه إيَّاهما علينا والتمسُّك بهما بقوله: «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ الله، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الله، طَرَفٌ بِيَدِ الله، وَطَرَفٌ بِأَيْدِيكُمْ، مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ
↑صفحة ٢٦↑
لَنْ تَضِلُّوا»(٧١).
خذلاناً من الله شملهم به استخفافهم ذلك وبما كسبت أيديهم، وبإيثارهم العمى على الهدى، كما قال (عزَّ وجلَّ): ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فُصِّلت: ١٧]، وكما قال: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ﴾ [الجاثية: ٢٣]، يريد (عزَّ وجلَّ) على علم لعناده للحقِّ(٧٢)، واسترخائه إيَّاه، وردِّه له، واستمرائه الباطل، وحلوله في قلبه وقبوله له، و﴿اللهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ [يونس: ٤٤]، وهم المعاندون لشيعة الحقِّ، ومحبِّي أهل الصدق، والمنكرون لما رواه الثقات من المؤمنين عن أهل بيت رسول الله (صلَّى الله عليه وعليهم)، الرادُّون العائبون لهم بجهلهم وشقوتهم، القائلون بما رواه أعداؤهم، العاملون به، الجاعلون أئمَّتهم أهواءهم وعقولهم وآراءهم دون مَن اختاره الله بعلمه، حيث يقول: ﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الدخان: ٣٢]، ونصبه واصطفاه وانتجبه وارتضاه، المؤثِرون الملح الأُجاج على العذب النمير الفرات(٧٣)، فإنَّ صون دين الله وطيَّ علم خيرة الله [سبحانه] عن أعدائهم المستهزئين به أولى ما قُدِّم، وأمرهم بذلك أحقُّ ما امتُثِلَ.
ثمّ ابتدأنا بعد ذلك بذكر حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به وترك التفرُّق عنه بقوله: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، وما روي في ذلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧١) حديث متواتر، متَّفق عليه بين الفريقين، لمعرفة مصادره ورواته راجع ما كتبه السيِّد عليٍّ الميلاني في كتابه القيِّم نفحات الأزهار (ج ١ - ٣).
(٧٢) في بعض النُّسَخ: (معناه عند ما علم عناده للحقِّ).
(٧٣) في لسان العرب (ج ٥/ ص ٢٣٦/ مادَّة نمر): (النَّمِرُ والنَّميرُ:، كلاهما: الماء الزاكي في الماشية... وقيل: الماء النمير: الكثير).
↑صفحة ٢٧↑
وأردفناه بذكر ما روي في الإمامة وأنَّها من الله (عزَّ وجلَّ) وباختياره، كما قال تبارك وتعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القَصص: ٦٨] من أمرهم، وأنَّها عهد من الله وأمانة يُؤدِّيها الإمام إلى الذي بعده.
ثمّ ما روي في أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) اثنا عشر إماماً، وذكر ما يدلُّ عليه من القرآن والتوراة [والإنجيل] من ذلك، بعد نقل ما روي من طريق العامَّة في ذكر الأئمَّة الاثني عشر.
ثمّ ما روي فيمن ادَّعى الإمامة، ومَنْ زعم أنَّه إمام وليس(٧٤) بإمام، وأنَّ كلَّ راية تُرفَع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت.
[ثمّ الحديث المروي من طُرُق العامَّة](٧٥).
ثمّ ما روي فيمن شكَّ في واحد من الأئمَّة (صلَّى الله عليهم)، أو بات ليلة لا يعرف فيها إمامه، أو دان الله بغير إمام منه.
ثمّ ما روي في أنَّ الله تعالى لا يخلي أرضه من حجَّة.
ثمّ ما روي في أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا اثنان لكان أحدهما الحجَّة.
ثمّ ما روي في غيبة الإمام (عليه السلام)، وذكر أمير المؤمنين والأئمَّة (صلوات الله عليهم أجمعين) بعده لها، وإنذارهم بها.
ثمّ ما روي فيما أُمِرَ به الشيعة من الصبر والكفِّ والانتظار في حال الغيبة.
ثمّ ما روي فيما يلحق الشيعة من التمحيص والتفرُّق والتشتُّت عند الغيبة حتَّى لا يبقى على حقيقة الأمر إلَّا الأقلّ.
ثمّ ما روي في الشدَّة التي تكون قبل قيام القائم (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٤) في بعض النُّسَخ: (ومن ادُّعي له وليس).
(٧٥) ليس هذا الكلام الذي بين المعقوفتين في الأصل إنَّما أُضيف إليه بعد.
↑صفحة ٢٨↑
ثمّ ما روي في صفته (عليه السلام) وسيرته.
ثمّ ما نزل من القرآن فيه (عليه السلام).
ثمّ ما روي من العلامات التي تكون قبل ظهوره تدلُّ على قيامه وقرب أمره.
ثمّ ما جاء من المنع في التوقيت والتسمية لصاحب الأمر (عليه السلام).
ثمّ ما جاء في ما يلقى القائم منذ قيامه (عليه السلام) فيبتلي من جاهليَّة الناس.
ثمّ ما جاء في ذكر جيش الغضب وهم أصحاب القائم (عليه السلام)، وعدَّتهم.
ثمّ ما جاء في ذكر السفياني، وأنَّ أمره من المحتوم الكائن قبل قيام القائم (عليه السلام).
ثمّ ما جاء في ذكر راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنَّه لا ينشرها بعد يوم الجمل إلَّا القائم (عليه السلام)، وصفتها.
ثمّ ما جاء في ذكر أحوال الشيعة عند خروج القائم (عليه السلام) وقبله وبعده.
ثمّ ما روي في أنَّ القائم (عليه السلام) يستأنف دعاءً جديداً، وأنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ.
ثمّ ما روي في مدَّة ملك القائم (عليه السلام) بعد ظهوره.
ثمّ ما روي في ذكر إسماعيل بن أبي عبد الله (عليه السلام)، وبطلان ما يدَّعيه المبطلون الذين هم عن السمع والعلم معزولون.
ثمّ ما روي في أنَّ من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أم تأخَّر.
ونحن نسأل الله بوجهه الكريم وشأنه العظيم أنْ يُصلِّي على الصفوة المنتجبة(٧٦) من خلقه، والخيرة من بريَّته، وحبله المتين، وعروته الوثقى التي لا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٦) في بعض النُّسَخ: (المنتجبين).
↑صفحة ٢٩↑
انفصام لها، محمّد وآله الطاهرين، وأنْ يُثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأنْ يجعل محيانا ومماتنا وبعثنا على ما أنعم به علينا من دين الحقِّ وموالاة أهله الذين خصَّهم بكرامته، وجعلهم السفراء بينه وبين خلقه، والحجَّة على بريَّته، وأنْ يُوفِّقنا للتسليم لهم والعمل بما أمروا به، والانتهاء عمَّا نهوا عنه، ولا يجعلنا من الشاكِّين في شيء من قولهم، ولا المرتابين بصدقهم، وأنْ يجعلنا من أنصار دينه مع وليِّه، والصادقين في جهاد عدوِّه حتَّى يجعلنا بذلك معهم، ويكرمنا بمجاورتهم في جنَّات النعيم، ولا يُفرِّق بيننا وبينهم طرفة عين أبداً، ولا أقلَّ من ذلك ولا أكثر، إنَّه جواد كريم.
* * *
↑صفحة ٣٠↑
باب (١): ما روي في صون سرِّ آل محمّد (عليهم السلام) عمَّن ليس من أهله، والنهي عن إذاعته(٧٧) لهم واطِّلاعهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٧) في بعض النُّسَخ: (عمَّن ليس من أهله، والتأدُّب بآداب أولياء الله، وستره عن غير أهله من المعاندين، والنهي عن إذاعته).
↑صفحة ٣١↑
[١/١] أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ(٧٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ النَّاشِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَبَلَةَ، عَنْ سَلَّامِ بْنِ أَبِي عُمَيْرَةِ(٧٩)، عَنْ مَعْرُوفِ اِبْنِ خَرَّبُوذَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ(٨٠)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٨) أبو العبَّاس أحمد بن محمّد بن سعيد بن عبد الرحمن، يُعرَف بابن عقدة، وُلِدَ سنة (٢٤٩هـ) وتُوفِّي (٣٣٢هـ)، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٩٤/ الرقم ٢٣٣): (هذا رجل جليل في أصحاب الحديث، مشهور بالحفظ، والحكايات تختلف عنه في الحفظ وعظمه، وكان كوفيًّا زيديًّا جاروديًّا على ذلك حتَّى مات، وذكره أصحابنا لاختلاطه بهم ومداخلته إيَّاهم وعظم محلِّه وثقته وأمانته).
وقال الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٥/ ص ٢١٨ و٢١٩/ الرقم ٢٦٨٠): (كان حافظاً عالماً مكثراً جمع التراجم والأبواب والمشيخة وأكثر الرواية وانتشر حديثه، وروى عنه الحُفَّاظ والأكابر...)، إلى أنْ قال: (وعقدة هو والد أبي العبَّاس، وإنَّما لُقِّب بذلك لعلمه بالتصريف والنحو، وكان يورق بالكوفة ويُعلِّم القرآن والأدب...)، إلى أنْ قال: (وكان عقدة زيديًّا، وكان ورعاً ناسكاً، وإنَّما سُمِّي عقدة لأجل تعقيده في التصريف، وكان ورَّاقاً جيِّد الخطِّ، وكان ابنه أبو العبَّاس أحفظ من كان في عصرنا للحديث).
(٧٩) في بعض النُّسَخ: (عمرة).
(٨٠) عامر بن واثلة أبو الطفيل الكناني الليثي، صحابي، قال ابن عدي في الكامل (ج ٥/ ص ٨٧/ الرقم ٢٩٦/١٢٦٤): (له صحبة من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد روى عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قريباً من عشرين حديثاً...)، إلى أنْ قال: (وليس برواياته بأس).
وقال العجلي في معرفة الثقات (ج ٢/ ص ١٥/ الرقم ٨٣٠): (مكِّي ثقة، نزل الكوفة مع عليٍّ، وكان من كبار التابعين، وقد رأى النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
↑صفحة ٣٣↑
«أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟ حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَأَمْسِكُوا عَمَّا يُنْكِرُونَ»(٨١).
[٢/٢] وَحَدَّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاوَرِيُّ(٨٢)، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ المُقْرِئُ السَّقَطِيُّ بِوَاسِطٍ(٨٣)، قَالَ: حَدَّثَنِي خَلَفٌ الْبَزَّازُ(٨٤)، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ(٨٥)، عَنْ حُمَيْدٍ(٨٦) الطَّوِيلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا تُحَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا لَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟».
[٣/٣] وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ(٨٧) بْنِ يَعْقُوبَ الْجُعْفِيُّ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨١) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١١٥/ ح ١١٠)؛ وراجع: صحيح البخاري (ج ١/ ص ١٠٨/ ح ١١٨)، وفيه: «حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟».
(٨٢) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (البارزي)، وفي بعضها: (البازي)، وفي نسخة: (الباردي).
(٨٣) يوسف بن يعقوب المقرئ الواسطي، عنونه الخطيب في تاريخ بغداد (ج ١٤/ ص ٣٢١/ الرقم ٧٦٤١)، ونقل عن ابن قانع أنَّه مات بواسط في سنة (٣١٤هـ).
(٨٤) في بعض النُّسَخ: (البزَّار).
(٨٥) يزيد بن هارون، يُكنَّى أبا خالد السلمي الواسطي، وهو أحد أعلام الحُفَّاظ المشاهير، وثَّقه غير واحد من الرجاليِّين من العامَّة كابن معين، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وأضرابهم. روى عن حميد ابن أبي حميد الطويل الذي وثَّقه العجلي وابن خراش وابن معين وأبو حاتم. وروى عنه خلف ابن هشام البزَّار الذي قال الدارقطني: (كان عابداً فاضلاً)، ووثَّقه النسائي كما في تهذيب التهذيب (ج ٣/ ص ١٣٥/ الرقم ٢٩٧).
(٨٦) في بعض النُّسَخ: (أحمد).
(٨٧) في بعض النُّسَخ: (يونس)، وهو تصحيف.
↑صفحة ٣٤↑
الله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليه السلام): «يَا عَبْدَ الْأَعْلَى، إِنَّ احْتِمَالَ أَمْرِنَا لَيْسَ مَعْرِفَتَهُ وَقَبُولَهُ، إِنَّ احْتِمَالَ أَمْرِنَا هُوَ صَوْنُهُ وَسَتْرُهُ عَمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَقْرِئْهُمُ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ الله - يَعْنِي الشِّيعَةَ -، وَقُلْ: قَالَ لَكُمْ: رَحِمَ اللهُ عَبْداً اسْتَجَرَّ مَوَدَّةَ النَّاسِ إِلَى نَفْسِهِ وَإِلَيْنَا بِأَنْ يُظْهِرَ لَهُمْ مَا يَعْرِفُونَ، وَيَكُفَّ عَنْهُمْ مَا يُنْكِرُونَ».
ثُمَّ قَالَ: «مَا النَّاصِبُ لَنَا حَرْباً بِأَشَدَّ مَئُونَةً مِنَ النَّاطِقِ عَلَيْنَا بِمَا نَكْرَهُهُ».
[٤/٤] وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ(٨٨) اِبْنُ عَبْدِ الله مِنْ كِتَابِهِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ(٨٩) وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ اِبْنِ فَضَّالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ مَعْرِفَةَ وَلَايَتِهُ فَقَطْ حَتَّى تَسْتُرَهُ عَمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ، وَبِحَسْبِكُمْ(٩٠) أَنْ تَقُولُوا مَا قُلْنَا، وَتَصْمُتُوا عَمَّا صَمَتْنَا، فَإِنَّكُمْ إِذَا قُلْتُمْ مَا نَقُولُ وَسَلَّمْتُمْ لَنَا فِيمَا سَكَتْنَا عَنْهُ فَقَدْ آمَنْتُمْ بِمِثْلِ مَا آمَنَّا بِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ [البقرة: ١٣٧]، قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام): حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَلَا تُحَمِّلُوهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ فَتَغُرُّونَهُمْ بِنَا».
[٥/٥] وَأَخْبَرَنَا(٩١) عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ المَوْصِلِيُّ(٩٢)، قَالَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٨) في بعض النُّسَخ: (محمّد).
(٨٩) كذا، وفيه سقط، لأنَّ أحمد بن محمّد بن سعيد وُلِدَ سنة (٢٤٩هـ). والأصل كما تقدَّم ويأتي (سنة ثمان وستِّين ومائتين). وجعفر بن عبد الله بن جعفر المحمّدي كان ثقةً في الرواية، وصُحِّف في النُّسَخ بـ(محمّد بن عبد الله).
(٩٠) أي: يكفيكم. وفي بعض النُّسَخ: (ويحسبكم).
(٩١) في بعض النُّسَخ: (قال: وحدَّثنا).
(٩٢) عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٣١/ ٦١٨٤/٢٧) فيمن لم يرو عن واحد من الأئمَّة (عليهم السلام)، قائلاً: (عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي، أخو عبد العزيز، يُكنَّى أبا القاسم، سمع منه التلعكبري سنة ستٍّ وعشرين وثلاثمائة، وذكر أنَّه كان ثقةً).
↑صفحة ٣٥↑
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ(٩٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): «إِنَّ احْتِمَالَ أَمْرِنَا لَيْسَ هُوَ التَّصْدِيقَ بِهِ وَالْقَبُولَ لَهُ فَقَطْ، إِنَّ مِنِ احْتِمَالِ أَمْرِنَا سَتْرَهُ وَصِيَانَتَهُ عَنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، فَأَقْرِئْهُمُ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ الله - يَعْنِي الشِّيعَةَ -، وَقُلْ لَهُمْ: يَقُولُ لَكُمْ: رَحِمَ اللهُ عَبْداً اسْتَجَرَّ(٩٤) مَوَدَّةَ النَّاسِ إِلَيَّ وَإِلَى نَفْسِهِ، يُحَدِّثُهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَ، وَيَسْتُرُ عَنْهُمْ مَا يُنْكِرُونَ».
ثُمَّ قَالَ لِي: «وَالله مَا النَّاصِبَةُ لَنَا حَرْباً أَشَدَّ مَئُونَةً عَلَيْنَا مِنَ النَّاطِقِ عَلَيْنَا بِمَا نَكْرَهُهُ...» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ(٩٥).
[٦/٦] وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ(٩٦)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ الْحَسَنِيِّ(٩٧)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٣) في بعض النُّسَخ: (وأخبرنا عبد الواحد بن عبد الله بن يونس الموصلي، قال: حدَّثنا محمّد ابن غياث...) إلخ، وفيه سقط.
(٩٤) في بعض النُّسَخ: (اجترَّ).
(٩٥) دعائم الإسلام (ج ١/ ص ٦١)، مختصر بصائر الدرجات (ص ١٠٠ و١٠١).
(٩٦) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٩٢/ الرقم ٢٢٩): (أحمد بن محمّد بن عليِّ بن عمر بن رباح القلاء السوَّاق، أبو الحسن...)، إلى أنْ قال: (وكان أبو الحسن أحمد بن محمّد ثقةً في الحديث).
(٩٧) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٤١/ الرقم ٩١٦): (محمّد بن عبَّاس بن عيسى، أبو عبد الله، كان يسكن بن غاضرة، ثقة، روى عن أبيه والحسن بن عليِّ بن أبي حمزة وعبد الله ابن جبلة). وفي نسخة: (الجبلي) بدل (الحسني).
↑صفحة ٣٦↑
حَمْزَةَ الْبَطَائِنِيِّ، عَنْ مُحَمَّدٍ الْخَزَّازِ(٩٨)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «مَنْ أَذَاعَ عَلَيْنَا حَدِيثَنَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ جَحَدَنَا حَقَّنَا»(٩٩)،(١٠٠).
[٧/٧] وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ السَّرِيِّ(١٠١)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «إِنِّي لَأُحَدِّثُ الرَّجُلَ الْحَدِيثَ فَيَنْطَلِقُ فَيُحَدِّثُ بِهِ عَنِّي كَمَا سَمِعَهُ فَأَسْتَحِلُّ بِهِ لَعْنَهُ وَالْبَرَاءَةَ مِنْهُ»(١٠٢).
يريد (عليه السلام) بذلك أنْ يُحدِّث به مَنْ لا يحتمله ولا يصلح أنْ يسمعه.
ويدلُّ قوله على أنَّه (عليه السلام) يريد أنْ يطوي من الحديث ما شأنه أنْ يُطوى ولا يظهر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٨) هو محمّد الخزَّاز الكوفي، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٩٩/ الرقم ٤٣٧٩/٤٠٤) من أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).
(٩٩) الكافي (ج ٢/ ص ٣٧٠/ باب الإذاعة/ ح ٢).
(١٠٠) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ١٠/ ص ٣٣): (المذيع والجاحد متشاركان في عدم الإيمان وبراءة الإمام منهما، وفعل ما يوجب لحوق الضرر، بل ضرر الإذاعة أقوى، لأنَّ ضرر الجحد يعود إلى الجاحد، وضرر الإذاعة يعود إلى المذيع وإلى المعصوم وإلى المؤمنين. واعلم أنَّه (عليه السلام) كان خائفاً من أعداء الدِّين على نفسه المقدَّسة وعلى شيعته، وكان في تقيَّة شديدة منهم، فلذلك نهى عن إذاعة خبر دالٍّ على إمامته وإمامة آبائه وأولاده الطاهرين، وعلى ذمِّ أعدائهم، بل عن إذاعة أخبارهم في الشرائع والأحكام والحدود، لكون أكثرها مخالفة لأحكام العامَّة المخترعة لأوهامهم الكاسدة وآرائهم الفاسدة، ولم يُجوِّز الإذاعة إلَّا إلى ثقة معتمد في دينه مأمون من الإذاعة، وبالغ في الزجر عنها تارةً بأنَّ المذيع كالجاحد، وتارةً بأنَّه قاتل، وتارةً بأنَّه ليس بمؤمن، وتارةً بأنَّه شاكٌّ، وتارةً بأنَّه عاصٍ، وتارةً بأنَّه مارق عن الدِّين وخارج عنه، لعلَّهم يحذرون).
(١٠١) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٧/ الرقم ٩٧): (الحسن بن السري الكاتب الكرخي، وأخوه عليٌّ، رويا عن أبي عبد الله (عليه السلام))، ووثَّقه العلَّامة (رحمه الله) في خلاصة الأقوال (ص ١٠٥/ الرقم ٢٣).
(١٠٢) تُحَف العقول (ص ٣٠٨).
↑صفحة ٣٧↑
[٨/٨] وَبِهِ(١٠٣)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْقَاسِمِ الصَّيْرَفِيِّ(١٠٤)، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ(١٠٥)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام)(١٠٦) يَقُولُ: «قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنِّي إِمَامُهُمْ، وَالله مَا أَنَا لَهُمْ بِإِمَامٍ، لَعَنَهُمُ اللهُ كُلَّمَا سَتَرْتُ سِتْراً هَتَكُوهُ، أَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُونَ: إِنَّمَا يَعْنِي كَذَا وَكَذَا، إِنَّمَا أَنَا إِمَامُ مَنْ أَطَاعَنِي»(١٠٧).
[٩/٩] وَبِهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ كَرَّامٍ الْخَثْعَمِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «أَمَا وَالله لَوْ كَانَتْ عَلَى أَفْوَاهِكُمْ أَوْكِيَةٌ(١٠٨) لَحَدَّثْتُ كُلَّ امْرِئٍ مِنْكُمْ بِمَا لَهُ، وَالله لَوْ وَجَدْتُ أَتْقِيَاءَ لَتَكَلَّمْتُ، وَاللهُ المُسْتَعانُ»(١٠٩).
يريد بـ(أتقياء) أي من يستعمل التقيَّة.
[١٠/١٠] وَبِهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ(١١٠)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «سِرٌّ أَسَرَّهُ اللهُ إِلَى جَبْرَئِيلَ، وَأَسَرَّهُ جَبْرَئِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَأَسَرَّهُ مُحَمَّدٌ إِلَى عَلِيٍّ، وَأَسَرَّهُ عَلِيٌّ إِلَى مَنْ شَاءَ اللهُ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، وَأَنْتُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِي الطُّرُقِ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٣) يعني بهذا الإسناد.
(١٠٤) الظاهر كونه القاسم بن عبد الرحمن الصريفي شريك المفضَّل بن عمر، كوفي، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٧١/ الرقم ٣٩٠٦/٩) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
(١٠٥) في اختيار معرفة الرجال: (عن ابن مسكان، عن قاسم الصيرفي، قال: سمعت...).
(١٠٦) في بعض النُّسَخ: (عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
(١٠٧) اختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٥٩٠/ ح ٥٣٩) بتفاوت يسير.
(١٠٨) جمع وكاء، وهو رباط القربة. راجع: العين للفراهيدي (ج ٥/ص ٤٢٢/مادَّة وكي).
(١٠٩) راجع: أمالي الطوسي (ص ١٩٧/ ح ٣٣٦/٣٨)، وبشارة المصطفى (ص ١٦٨ و١٦٩/ ح ١٣٦).
(١١٠) يعني بن يحيى بن القاسم - أبو أبي القاسم - الأسدي المكفوف، يُكنَّى أبا بصير، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٤١/ الرقم ١١٨٧): (ثقة، وجيه، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)...)، إلى أنْ قال: (ومات أبو بصير سنة خمسين ومائة).
↑صفحة ٣٨↑
[١١/١١] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامِ بْنِ سُهَيْلٍ(١١١)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ الْعَلَاءِ المَذَارِيُّ(١١٢)، قَالَ: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ(١١٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ شُيُوخِنَا، قَالَ: قَالَ المُفَضَّلُ: أَخَذْتُ بِيَدِكَ كَمَا أَخَذَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) بِيَدِي، وَقَالَ لِي: «يَا مُفَضَّلُ، إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَيْسَ بِالْقَوْلِ فَقَطْ، لَا وَالله حَتَّى يَصُونَهُ كَمَا صَانَهُ اللهُ، وَيُشَرِّفَهُ كَمَا شَرَّفَهُ اللهُ، وَيُؤَدِّيَ حَقَّهُ كَمَا أَمَرَ اللهُ»(١١٤).
[١٢/١٢] وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بِإِسْنَادِهِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ نَسِيبٍ فُرْعَانَ(١١٥)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَيَّامَ قَتْلِ المُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١١) قال الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ٢١٧/ الرقم ٦١٢/٢٧): (محمّد بن همَّام الإسكافي، يُكنَّى أبا عليٍّ، جليل القدر، ثقة، له روايات كثيرة)، وقال الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٤/ ص ١٣٦/ الرقم ١٧٩٦): (مات أبو عليٍّ محمّد بن همَّام بن سهيل بن بيزان الإسكافي في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائة، وكان يسكن في سوق العطش، ودُفِنَ في مقابر قريش).
(١١٢) المَذاري - بفتح الميم والذال وسكون الألف وفي آخرها راء -، والمذار قرية بأسفل أرض البصرة، وعبد الله بن العلاء المذاري كان ثقةً من وجوه أصحابنا كما في رجال النجاشي (ص ٢١٩/ الرقم ٥٧١). وفي بعض النُّسَخ: (المدائني).
(١١٣) كذا، ولعلَّ الصواب: (إدريس بن زياد الكفرتوثي)، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٠٣/ الرقم ٢٥٧): (إدريس بن زياد الكفرتوثي، أبو الفضل، ثقة، أدرك أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وروى عنهم).
(١١٤) هذا الحديث لا يوجد في بعض النُّسَخ.
(١١٥) كذا، وفي اختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٦٧٦/ ح ٧٠٩): (عن حفص الأبيض التمَّار، قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) أيَّام طلب المعلَّى بن خنيس...) وساق نحو الكلام مع زيادة، ولا يخفى اتِّحادهما، لاتِّحاد الخبر. والمعنون في الرجال: (حفص بن الأبيض التمَّار أو النيار). وفي بعض النُّسَخ المخطوطة: (حفص التمَّار). والظاهر كونه (حفص، نسيب بني عمَّار) الذي عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٨٩/الرقم ٢٣٣١/١٨٨) من أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).
↑صفحة ٣٩↑
مَوْلَاهُ، فَقَالَ لِي: «يَا حَفْصُ، حَدَّثْتُ المُعَلَّى بِأَشْيَاءَ فَأَذَاعَهَا فَابْتُلِيَ بِالْحَدِيدِ، إِنِّي قُلْتُ لَهُ: إِنَّ لَنَا حَدِيثاً مَنْ حَفِظَهُ عَلَيْنَا حَفِظَهُ اللهُ وَحَفِظَ عَلَيْهِ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ، وَمَنْ أَذَاعَهُ عَلَيْنَا سَلَبَهُ اللهُ دِينَهُ وَدُنْيَاهُ. يَا مُعَلَّى، إِنَّهُ مَنْ كَتَمَ الصَّعْبَ مِنْ حَدِيثِنَا جَعَلَهُ اللهُ نُوراً بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَرَزَقَهُ الْعِزَّ فِي النَّاسِ(١١٦)، وَمَنْ أَذَاعَ الصَّعْبَ مِنْ حَدِيثِنَا لَمْ يَمُتْ حَتَّى يَعَضَّهُ السِّلَاحُ، أَوْ يَمُوتَ مُتَحَيِّراً(١١٧)»(١١٨).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٦) في اختيار معرفة الرجال: (جعله الله نوراً بين عينيه وزوَّده القوَّة في الناس).
(١١٧) في بصائر الدرجات والاختصاص: (أو يموت كبلاً)، وفي لسان العرب ( ١١/ ص ٥٨١/ مادَّة كبل): (كَبَله يَكْبِله كَبْلاً وكَبَّلَه وكَبَله كبْلاً: حَبسه في سجن أو غيره، وأصله من الكَبْل).
وفي اختيار معرفة الرجال: (أو يموت بخبل)، وفي العين للفراهيدي (ج ٤/ ص ٢٧٢/ مادَّة خبل): (الخبل: جنون أو شبهه في القلب...، والخبل: فساد في القوائم حتَّى لا يدري كيف يمشي).
(١١٨) بصائر الدرجات (ص ٤٢٣/ ج ٨/ باب ١٣/ ح ٢)، دلائل الإمامة (ص ٢٨٥ و٢٨٦/ ح ٢٣٣/٦٩)، الاختصاص (ص ٣٢١)، اختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٦٧٦ و٦٧٧/ ح ٧٠٩).
↑صفحة ٤٠↑
باب (٢): في ذكر حبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به وترك التفرُّق عنه بقوله (١١٩): ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٩) في بعض النُّسَخ: (فيما جاء في تفسير قوله تعالى...).
↑صفحة ٤١↑
[١٣/١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ المُعَمَّرِ الطَّبَرَانِيُّ بِطَبَرِيَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ - وكان هذا الرجل من موالي يزيد بن معاوية، ومن النُّصَّاب(١٢٠) -، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ(١٢١) وَالْحُسَيْنُ بْنُ السَّكَنِ(١٢٢) مَعاً، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ(١٢٣)، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي(١٢٤)، عَنْ مِينَا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: وَفَدَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَهْلُ الْيَمَنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «جَاءَكُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ يَبُسُّونَ بَسِيساً(١٢٥)».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٠) في بعض النُّسَخ: (يوالي يزيد بن معاوية، ومن الثقات)، وهو تصحيف.
(١٢١) عليُّ بن هاشم بن بريد البريدي الخزَّاز، وثَّقه ابن معين، وقال أحمد بن حنبل والنسائي: (ليس به بأس)، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وكان غالياً في التشيُّع، وقال أبو حاتم: (يتشيَّع)، كما نقله ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ٣٤٢/ الرقم ٦٣٤).
(١٢٢) الحسين بن السكن القرشي كان بصريًّا سكن بغداد، عنونه الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٨/ ص ٤٩ و٥٠/ الرقم ٤١٠٩)، وقال: (مات سنة ٢٥٨هـ).
(١٢٣) عبد الرزَّاق بن همَّام بن نافع الحميري، من المشاهير، عنونه ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٦/ص ٢٧٨/الرقم ٦١١)، وأطال الكلام في ترجمته. وهو من رواة مينا بن أبي مينا الزهري الخزَّاز الذي قال ابن عدي عنه في الكامل (ج ٦/ص ٤٦٠/الرقم ٣١٨/١٩٣٩): (يبين على حديثه أنَّه يغلو في التشيُّع).
(١٢٤) زاد في بعض النُّسَخ: (عن أبيه).
(١٢٥) في لسان العرب (ج ٦/ ص ٢٧/ مادَّة بسس): (قوله: يُبِسُّون: هو أنْ يقال في زجر الدابَّة إِذا سُقْتَ حماراً أو غيره: بَسْ بَسْ وبِسْ بِسْ، بفتح الباء وكسرها، وأكثر ما يقال بالفتح، وهو صوت الزجر للسَّوْق، وهو من كلام أهل اليمن، وفيه لغتان: بَسَسْتُها وأَبْسَسْتُها إِذا سُقْتَها وزجَرْتها وقلت لها: بِسْ بِسْ، فيقال على هذا: يَبُسُّون ويُبِسِّون).
وفي بحار الأنوار: (يبشون بشيشاً) من البشاشة، أي طلاقة الوجه. راجع: الصحاح للجوهري (ج ٣/ ص ٩٩٦/ مادَّة بشش).
↑صفحة ٤٣↑
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ، رَاسِخٌ إِيمَانُهُمْ، وَمِنْهُمُ المَنْصُورُ(١٢٦)، يَخْرُجُ فِي سَبْعِينَ أَلْفاً يَنْصُرُ خَلَفِي وَخَلَفَ وَصِيِّي، حَمَائِلُ سُيُوفِهِمْ الْمِسْكُ(١٢٧)».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَنْ وَصِيُّكَ؟
فَقَالَ: «هُوَ الَّذِي أَمَرَكُمُ اللهُ بِالْاِعْتِصَامِ بِهِ، فَقَالَ (جلَّ وعزَّ): ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، بَيِّنْ لَنَا مَا هَذَا الْحَبْلُ.
فَقَالَ: «هُوَ قَوْلُ الله: ﴿إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ الله وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١١٢]، فَالْحَبْلُ مِنَ الله كِتَابُهُ، وَالْحَبْلُ مِنَ النَّاسِ وَصِيِّي».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، مَنْ وَصِيُّكَ؟
فَقَالَ: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ(١٢٨) اللهُ فِيهِ: ﴿أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله(١٢٩)﴾ [الزمر: ٥٦]».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا جَنْبُ الله هَذَا؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٦) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ١١٤): (المنصور هو الذي يخرج من اليمن قريباً من زمان القائم (عجَّل الله فرجه)).
(١٢٧) أي علائق سيوفهم الجلد. في لسان العرب (ج ١٠/ ص ٤٨٦/ مادَّة مسك): (المَسْك - بالفتح وسكون السين -: الجلد). وفي بعض النُّسَخ: (المسد) بالدال المهملة محرَّكة، حبل من ليف أو خوص. راجع: الصحاح للجوهري (ج ٢/ ص ٥٣٨/ مادَّة مسد).
(١٢٨) في بعض النُّسَخ: (قال).
(١٢٩) جنب الله أي حقُّه أو طاعته أو أمره، وأُوِّل بأمير المؤمنين (عليه السلام).
↑صفحة ٤٤↑
فَقَالَ: «هُوَ الَّذِي يَقُولُ اللهُ فِيهِ: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ(١٣٠) الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: ٢٧]، هُوَ وَصِيِّي، وَالسَّبِيلُ إِلَيَّ مِنْ بَعْدِي».
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله، بِالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا أَرِنَاهُ فَقَدِ اشْتَقْنَا إِلَيْهِ.
فَقَالَ: «هُوَ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ المُتَوَسِّمِينَ، فَإِنْ نَظَرْتُمْ إِلَيْهِ نَظَرَ مَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ عَرَفْتُمْ أَنَّهُ وَصِيِّي كَمَا عَرَفْتُمْ أَنِّي نَبِيُّكُمْ، فَتَخَلَّلُوا الصُّفُوفَ وَتَصَفَّحُوا الْوُجُوهَ، فَمَنْ أَهْوَتْ إِلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِنَّهُ هُوَ، لِأَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ [إبراهيم: ٣٧]، أَيْ إِلَيْهِ وَإِلَى ذُرِّيَّتِهِ (عليهم السلام)».
ثُمَّ قَالَ: فَقَامَ أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ فِي الْأَشْعَرِيِّينَ، وَأَبُو غِرَّةَ الْخَوْلَانِيُّ فِي الْخَوْلَانِيِّينَ، وَظَبْيَانُ، وَعُثْمَانُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَنِي قَيْسٍ، وَعُرَنَةُ(١٣١) الدَّوْسِيُّ فِي الدَّوْسِيِّينَ، وَلَاحِقُ بْنُ عِلَاقَةَ، فَتَخَلَّلُوا الصُّفُوفَ، وَتَصَفَّحُوا الْوُجُوهَ، وَأَخَذُوا بِيَدِ الْأَنْزَعِ الْأَصْلَعِ الْبَطِينِ، وَقَالُوا: إِلَى هَذَا أَهْوَتْ أَفْئِدَتُنَا، يَا رَسُولَ الله.
فَقَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «أَنْتُمْ نَجَبَةُ الله حِينَ عَرَفْتُمْ(١٣٢) وَصِيَّ رَسُولِ الله قَبْلَ أَنْ تُعَرَّفُوهُ، فَبِمَ عَرَفْتُمْ أَنَّهُ هُوَ؟».
فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ يَبْكُونَ وَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ الله، نَظَرْنَا إِلَى الْقَوْمِ فَلَمْ تَحِنَّ(١٣٣)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٠) العضُّ كناية عن الغيظ والتحسُّر.
(١٣١) في بعض النُّسَخ: (غرية)، وفي بعضها: (عزية).
(١٣٢) في بعض النُّسَخ: (أنتم بحمد الله عرفتم).
(١٣٣) في الصحاح للجوهري (ج ٥/ ص ٢١٠٤/ مادَّة حنن): (الحنين: الشوق وتوقان النفس، تقول منه: حنَّ إليه يحنُّ حنيناً فهو حانٌّ).
↑صفحة ٤٥↑
لَهُمْ قُلُوبُنَا، وَلَـمَّا رَأَيْنَاهُ رَجَفَتْ قُلُوبُنَا(١٣٤)، ثُمَّ اطْمَأَنَّتْ نُفُوسُنَا، وَانْجَاشَتْ(١٣٥) أَكْبَادُنَا، وَهَمَلَتْ(١٣٦) أَعْيُنُنَا، وَانْثَلَجَتْ(١٣٧) صُدُورُنَا، حَتَّى كَأَنَّهُ لَنَا أَبٌ وَنَحْنُ لَهُ بَنُونَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٧]، أَنْتُمْ مِنْهُمْ(١٣٨) بِالمَنْزِلَةِ الَّتِي سَبَقَتْ لَكُمْ بِهَا الْحُسْنَى، وَأَنْتُمْ عَنِ النَّارِ مُبْعَدُونَ».
قَالَ: فَبَقِيَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ المُسَمَّوْنَ حَتَّى شَهِدُوا مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) الْجَمَلَ وَصِفِّينَ، فَقُتِلُوا بِصِفِّينَ (رحمهم الله)، وَكَانَ النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بَشَّرَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ يَسْتَشْهِدُونَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام).
[١٤/٢] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامِ بْنِ سُهَيْلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِيُّ(١٣٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٤) في لسان العرب (ج ٩/ ص ١١٢/ مادَّة رجف): (الرَّجَفانُ: الاضْطِرابُ الشديدُ: رجَفَ الشيءُ يرجُف رَجْفاً ورُجوفاً ورجَفاناً ورَجِيفاً وأَرْجَفَ: خَفَقَ واضْطَرَبَ اضْطِراباً شَديداً). وفي بعض النُّسَخ: (رجعت).
(١٣٥) انجاشت: أي هاجت واضطربت. راجع: لسان العرب (ج ٦/ص ٣٥١/مادَّة نجش).
(١٣٦) في الصحاح للجوهري (ج ٥/ ص ١٨٥٤/ مادَّة همل): (الهَمْل - بالتسكين -: مصدر قولك: هَمَلتْ عينه تَهْمُل وتَهْمِل هَمْلاً وهَمَلاناً، أي فاضت. وانهملت مثله).
(١٣٧) انثلجت نفسي به: أي ارتاحت به وإليه. راجع: لسان العرب (ج ٢/ ص ٢٢٢/ مادَّة ثلج). وفي بعض النُّسَخ: (وتبلَّجت).
(١٣٨) في نسخة: (منه).
(١٣٩) الظاهر كونه جعفر بن محمّد بن الحسن بن جعفر بن الحسن المثنَّى الذي قال عنه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٢٢/ الرقم ٣١٤): (وجهاً في الطالبيِّين، متقدِّماً، وكان ثقةً في أصحابنا...)، إلى أنْ قال: (ومات في ذي القعدة سنة ثمان وثلاثمائة وله نيِّف وتسعون سنة).
↑صفحة ٤٦↑
الْحِمْيَرِيُّ(١٤٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام): «كَانَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذَاتَ يَوْمٍ جَالِساً وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي المَسْجِدِ، فَقَالَ: يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَسْأَلُ عَمَّا يَعْنِيهِ.
فَطَلَعَ رَجُلٌ طُوَالٌ يُشْبِهُ بِرِجَالِ مُضَرَ، فَتَقَدَّمَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَجَلَسَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي سَمِعْتُ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ فِيمَا أَنْزَلَ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، فَمَا هَذَا الْحَبْلُ الَّذِي أَمَرَنَا اللهُ بِالْاِعْتِصَامِ بِهِ، وَأَنْ لَا نَتَفَرَّقَ عَنْهُ؟
فَأَطْرَقَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مَلِيًّا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، وَقَالَ: هَذَا حَبْلُ الله الَّذِي مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ عُصِمَ بِهِ فِي دُنْيَاهُ، وَلَمْ يَضِلَّ بِهِ فِي آخِرَتِهِ.
فَوَثَبَ الرَّجُلُ إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام) فَاحْتَضَنَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: اعْتَصَمْتُ بِحَبْلِ الله وَحَبْلِ رَسُولِهِ، ثُمَّ قَامَ فَوَلَّى وَخَرَجَ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ النَّاسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَلْحَقُهُ فَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي؟
فَقَالَ رَسُولُ الله: إِذاً تَجِدُهُ مُوَفَّقاً(١٤١)».
فَقَالَ: «فَلَحِقَهُ الرَّجُلُ فَسَأَلَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ الله لَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَفَهِمْتَ مَا قَالَ لِي رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَمَا قُلْتُ لَهُ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٠) كذا في بعض النُّسَخ، وفي بعضها: (الخيبري)، والظاهر تصحيفهما، والصواب: (الأحمري)، وهو أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٩/ الرقم ٢١): (كان ضعيفاً في حديثه متهوماً)، وقال الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ٣٩/ الرقم ٩/٩): (كان ضعيفاً في حديثه، متَّهماً في دينه، وصنَّف كُتُباً جملتها قريبة من السداد)، وذكر في جملتها كتاب الغيبة.
(١٤١) في بعض النُّسَخ: (إذاً تجده مرفقاً).
↑صفحة ٤٧↑
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَإِنْ كُنْتَ مُتَمَسِّكاً بِذَلِكَ الْحَبْلِ يَغْفِرُ اللهُ لَكَ، وَإِلَّا فَلَا يَغْفِرُ اللهُ لَكَ(١٤٢)»(١٤٣).
ولو لم يدلّنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على حبل الله الذي أمرنا الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه بالاعتصام به وألَّا نتفرَّق عنه لاتَّسع للأعداء المعاندين التأوُّل فيه والعدول بتأويله وصرفه إلى غير من عنى الله به ودلَّ عليه رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عناداً وحسداً، لكنَّه قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في خطبته المشهورة التي خطبها في مسجد الخيف في حجَّة الوداع: «إِنِّي فَرَطُكُمْ(١٤٤)، وَإِنَّكُمْ وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ، حَوْضاً عَرْضُهُ مَا بَيْنَ بُصْرَى إِلَى صَنْعَاءَ، فِيهِ قِدْحَانٌ عَدَدَ نُجُومِ السَّمَاءِ، أَلَا وَإِنِّي مُخْلِفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: الثَّقَلُ الْأَكْبَرُ الْقُرْآنُ، وَالثَّقَلُ الْأَصْغَرُ عِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي، هُمَا حَبْلُ الله مَمْدُودٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الله (عزَّ وجلَّ)، مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا، سَبَبٌ مِنْهُ بِيَدِ الله، وَسَبَبٌ بِأَيْدِيكُمْ(١٤٥).
إِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ نَبَّأَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ كَإِصْبَعَيَّ هَاتَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتَيْهِ -، وَلَا أَقُولُ: كَهَاتَيْنِ - وَجَمَعَ بَيْنَ سَبَّابَتِهِ وَالْوُسْطَى - فَتَفْضُلَ هَذِهِ عَلَى هَذِهِ».
أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ المَوْصِلِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٢) في بعض النُّسَخ: (وإلَّا فلا غفر الله لك).
(١٤٣) الفضائل لابن شاذان (ص ١٢٥)، وفي آخره: (قال: فرجعت وسألته عن ذلك الرجل، فقال: هو أبو العبَّاس الخضر (عليه السلام)).
(١٤٤) فَرَطكم - بفتح الفاء والراي -، قال ابن الأثير في النهاية (ج ٣/ ص ٤٣٤): (أي متقدِّمكم إليه. يقال: فرط يفرط، فهو فارط وفرط، إذا تقدَّم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء، ويُهيِّئ لهم الدلاء والأرشية).
(١٤٥) وزاد في نسخة: (وفي رواية أُخرى: طرف بيد الله، وطرف بأيديكم).
↑صفحة ٤٨↑
عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ عَلِيٍّ (عليهم السلام)، قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...» وَذَكَرَ الْخُطْبَةَ بِطُولِهَا، وَفِيهَا هَذَا الْكَلَامُ.
وَأَخْبَرَنَا(١٤٦) عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، بِمِثْلِهِ.
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْحَسَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليهما السلام)، بِمِثْلِهِ.
فإنَّ القرآن مع العترة والعترة مع القرآن، وهما حبل الله المتين لا يفترقان كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفي ذلك دليلٌ لمن فتح الله مسامع قلبه ومنحه حسن البصيرة في دينه على أنَّ من التمس علم القرآن، والتأويل والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والحلال والحرام، والخاصَّ والعامَّ من عند غير من فرض الله طاعتهم، وجعلهم ولاة الأمر من بعد نبيِّه، وقرنهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأمر الله بالقرآن وقرن القرآن بهم دون غيرهم، واستودعهم الله علمه وشرائعه وفرائضه وسُنَنه، فقد تاه وضلَّ وهلك وأهلك.
والعترة (عليهم السلام) هم الذين ضرب بهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مثلاً لأُمَّته، فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ كَمِثْلِ سَفِينَةِ نُوحٍ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ»(١٤٧).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٦) في بعض النُّسَخ: (وبه، حدَّثنا).
(١٤٧) حديث مستفيض رواه الخاصَّة والعامَّة، راجع: كتاب سُلَيم بن قيس (ص ١٢٧)، وبصائر الدرجات (ص ٣١٧/ج ٦/باب ١٣/ح ٤)، ومناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لمحمّد بن سليمان الكوفي (ج ١/ ص ٢٩٦/ ح ٢٢٠، وج ٢/ ص ١٤٦/ ح ٦٢٤)، وفضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ٤٣ و٤٤/ ح ٣٧)، والمعجم الكبير للطبراني (ج ٣/ ص ٤٥ و٤٦/ ح ٢٦٣٦ - ٢٦٣٨، وج ١٢/ ص ٢٧)، والعسل المصفَّى (ج ١/ ص ٤٥٠/ ح ٢٧١ - ٢٧٣)، ومستدرك الحاكم (ج ٢/ ص ٣٤٣)، وقال: (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يُخرَّجاه)، إلى غير ذلك من مصادر الفريقين.
↑صفحة ٤٩↑
وَقَالَ: «مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِيكُمْ كَمَثَلِ بَابِ حِطَّةٍ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي مَنْ دَخَلَهُ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ وَاسْتَحَقَّ الرَّحْمَةَ والزِّيَادَةَ مِنْ خَالِقِهِ»، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٥٨].
وقال أمير المؤمنين وأصدق الصادقين (عليه السلام) في خطبته المشهورة التي رواها الموافق والمخالف: «أَلَا إِنَّ الْعِلْمَ الَّذِي هَبَطَ بِهِ آدَمُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ وَجَمِيعَ مَا فُضِّلَتْ بِهِ النَّبِيُّونَ إِلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ فِي عِتْرَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، فَأَيْنَ يُتَاهُ بِكُمْ، بَلْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ يَا مَنْ نُسِخَ مِنْ أَصْلَابِ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ هَذَا مَثَلُهَا فِيكُمْ، فَكَمَا نَجَا فِي هَاتِيكَ مَنْ نَجَا فَكَذَلِكَ يَنْجُو مِنْ هَذِهِ مَنْ يَنْجُو، وَيْلٌ لِمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ - يَعْنِي عَنِ الْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) -»(١٤٨)،(١٤٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٨) تفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ١٠٢ و١٠٣/ ح ٣٠٠)، الإرشاد (ج ١/ ص ٢٣٢ و٢٣٣)، الاحتجاج (ج ١/ ص ٣٩١).
(١٤٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢/ ص ١٠٤): ((فأين يُتاه بكم) من التيه بمعنى التحيُّر والضلال، أي أين يذهب الشيطان أو الناس بكم متحيِّرين؟ (بل أين تذهبون) إضراب عمَّا يُفهَم سابقاً من أنَّ الداعي لهم على ذلك غيرهم، وأنَّهم مجبورون على ذلك، أي بل أنتم باختياركم تذهبون عن الحقِّ إلى الباطل. (يا من نُسِخَ من أصلاب أصحاب السفينة) النسخ: الإزالة والتغيير، أي كنتم في أصلاب من ركب سفينة نوح فأُنزلتم عن تلك الأصلاب فاعتبروا بحال أجدادكم وتفكَّروا في كيفيَّة نجاتهم فإنَّ مثل أهل البيت كمثل سفينة نوح).
↑صفحة ٥٠↑
وَقَالَ: «إِنَّ مَثَلَنَا فِيكُمْ كَمَثَلِ الْكَهْفِ لِأَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَكَبَابِ حِطَّةٍ، وَهُوَ بَابُ السِّلْمِ، فَادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً».
وَقَالَ (عليه السلام) فِي خُطْبَتِهِ هَذِهِ: «وَلَقَدْ عَلِمَ المُسْتَحْفَظُونَ(١٥٠) مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي وَأَهْلَ بَيْتِي مُطَهَّرُونَ فَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا، وَلَا تَخَلَّفُوا عَنْهُمْ فَتَزِلُّوا(١٥١)، وَلَا تُخَالِفُوهُمْ فَتَجْهَلُوا، وَلَا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ، هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ صِغَاراً، وَأَعْلَمُ النَّاسِ كِبَاراً، فَاتَّبِعُوا الْحَقَّ وَأَهْلَهُ حَيْثُمَا كَانَ، وَزَايِلُوا الْبَاطِلَ وَأَهْلَهُ حَيْثُمَا كَانَ»(١٥٢).
فترك الناس من هذه صفتهم، وهذا المدح فيهم، وهذا الندب إليهم، وضربوا عنهم صفحاً(١٥٣)، وطووا دونهم كشحاً، واتَّخذوا أمر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هزواً، وجعلوا كلامه لغواً، فرفضوا مَنْ فرض الله تعالى على لسان نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) طاعته ومسألته والاقتباس منه بقوله: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]، وقوله: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، ودلَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على النجاة في التمسُّك به، والعمل بقوله، والتسليم لأمره، والتعليم منه، والاستضاءة بنوره، فادَّعوا(١٥٤) ذلك لسواهم، وعدلوا عنهم إلى غيرهم، ورضوا به بدلاً منهم، وقد أبعدهم الله عن العلم،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٥٠) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢٣/ ص ١٣٠): (المستحفَظون - بفتح الفاء -: أي الذين استودعهم الرسول الأحاديث وطلب منهم حفظها، وأوصاهم بتبليغها. وفي القاموس: استحفظه إيَّاه: سأله أنْ يحفظه. ومنهم من قرأ بكسر الفاء، أي الذين حفظوا الأحاديث طالبين لها. والأوَّل أظهر).
(١٥١) كذا، ويمكن أنْ يكون: (فتذلُّوا)، والأوَّل من الزلَّة.
(١٥٢) راجع: المسترشد (ص ٣٩٩ - ٤٠١/ ح ١٣٣).
(١٥٣) في بعض النُّسَخ: (وانصرفوا عنهم صفحاً).
(١٥٤) في بعض النُّسَخ: (وادَّعوا).
↑صفحة ٥١↑
وتأوَّل كلٌّ لنفسه هواه، وزعموا أنَّهم استغنوا بعقولهم وقياساتهم وآرائهم عن الأئمَّة (عليهم السلام) الذين نصبهم الله لخلقه هداة، فوكلهم الله (عزَّ وجلَّ) بمخالفتهم أمره، وعدولهم عن اختياره وطاعته، وطاعة مَن اختاره لنفسه، فولَّاهم إلى اختيارهم وآرائهم وعقولهم، فتاهوا وضلُّوا ضلالاً بعيداً، وهلكوا وأهلكوا، وهم عند أنفسهم كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [الكهف: ١٠٣ و١٠٤]، حتَّى كأنَّ الناس ما سمعوا قول الله (عزَّ وجلَّ) في كتابه حكايةً لقول الظالمين من هذه الأُمَّة في يوم القيامة عند ندمهم على فعلهم بعترة نبيِّهم وكتاب ربِّهم حيث يقول: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً﴾ [الفرقان: ٢٧ و٢٨]، فمن الرسول إلَّا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ ومن فلان هذا المكنَّى عن اسمه المذموم وخلَّته ومصاحبته ومرافقته في الاجتماع معه على الظلم؟
ثمّ قال: ﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي﴾ [الفرقان: ٢٩]، أي بعد الدخول في الإسلام والإقرار به، فما هذا الذكر الذي أضلَّه خليله عنه بعد إذ جاءه؟ أليس هو القرآن والعترة اللذين وقع التوازر والتظافر على الظلم بهم والنبذ لهما؟ فقد سمَّى الله تعالى رسوله ذكراً فقال: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَسُولاً﴾ [الطلاق: ١٠ و١١]، وقال: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]، فمن الذكر هاهنا إلَّا الرسول؟ ومن أهل الذكر إلَّا أهل بيته الذين هم محلُّ العلم؟
ثمّ قال (عزَّ وجلَّ): ﴿وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾ [الفرقان: ٢٩]، فجعل مصاحبة خليله - الذي أضلَّه عن الذكر في دار الدنيا وخذله في الآخرة ولم تنفعه خلَّته ومصاحبته إيَّاه حين تبرَّأ كلُّ واحدٍ من صاحبه - مصاحبة الشيطان.
↑صفحة ٥٢↑
ثمّ قال (عزَّ وجلَّ من قائل) حكايةً لما يقوله النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم القيامة عند ذلك: ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾ [الفرقان: ٣٠]، أي اتَّخذوا هذا القرآن الذي أمرتهم بالتمسُّك به وبأهل بيتي، وألَّا يتفرَّقوا عنهما مهجوراً.
أليس هذا الخطاب كلُّه والذمُّ بأسره للقوم الذين نُزِّل القرآن على لسان الرسول إليهم، وإلى الخلق ممَّن سواهم، وهم الظالمون من هذه الأُمَّة لعترة نبيِّهم محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، النابذون لكتاب الله، الذين يشهد عليهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم القيامة بأنَّهم نبذوا قوله في التمسُّك بالقرآن والعترة وهجروهما، واتَّبعوا أهواءهم، وآثروا عاجل الأمر والنهي، وزهرة الحياة الدنيا على دينهم شكًّا في محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وما جاء به، وحسداً لأهل بيت نبيِّه (عليهم السلام) لما فضَّلهم الله به؟
أوَليس قد روي عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما لا يُنكِره أصحاب الحديث ممَّا هو موافق لما أنزله الله تعالى من هذه الآيات قوله: «إِنَّ قَوْماً مِنْ أَصْحَابِي يَخْتَلِجُونَ(١٥٥) دُونِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ذَاتِ الْيَمِينِ إِلَى ذَاتِ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أُصَيْحَابِي أُصَيْحَابِي - وفي بعض الحديث: أَصْحَابِي أَصْحَابِي -، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: بُعْداً بُعْداً، سُحْقاً سُحْقاً(١٥٦)»(١٥٧)؟
ويُصدِّق ذلك ويشهد به قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٥٥) قال ابن الأثير في النهاية (ج ٢/ ص ٥٩): («ليردنَّ على الحوض أقوام ثمّ ليختلجنَّ دوني» أي يجتذبون ويقتطعون).
(١٥٦) قال ابن الأثير في النهاية (ج ٢/ ص ٣٤٧): (في حديث الحوض: «فأقول لهم: سحقاً سحقاً» أي بعداً بعداً).
(١٥٧) رواه البخاري بألفاظ مختلفة في صحيحه (ج ١٠/ ص ١٧٣ و١٩٢ - ١٩٥/ ح ٥٨١٥ و٥٨٦٠ و٥٨٦٦ - ٥٨٦٩).
↑صفحة ٥٣↑
قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٤]، وفي هذا القول(١٥٨) من الله (تبارك اسمه) أدلُّ دليل على أنَّ قوماً ينقلبون بعد مضيِّ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أعقابهم، وهم المخالفون أمر الله تعالى وأمر رسوله (عليه وآله السلام)، المفتونون الذين قال فيهم: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣]، يضاعف الله العذاب والخزي لهم، وأبعد وأسحق مَنْ ظلم آل محمّد (عليهم السلام)، وقطع ما أمر الله به أنْ يوصل فيهم ويدان بهم من مودَّتهم، والاقتداء بهم دون غيرهم، حيث يقول: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]، ويقول: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: ٣٥].
وليس بين الأُمَّة التي تستحي ولا تباهت(١٥٩)، وتزيغ(١٦٠) عن الكذب(١٦١) ولا تعاند، خلاف في أنَّ وصيَّ رسول الله أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يرشد الصحابة في كلِّ معضل ومشكل ولا يرشدونه إلى الحقِّ، ويهديهم ولا يهدي سواه، ويُفتقَر إليه ويستغني هو عن كافَّتهم، ويعلم العلم كلَّه ولا يعلمونه.
وقد فُعِلَ بفاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وعليها) ما دعاها إلى الوصيَّة بأنْ تُدفَن ليلاً ولا يُصلِّي عليها أحد من أُمَّة أبيها إلَّا من سمَّته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٥٨) في بعض النُّسَخ: (القرآن).
(١٥٩) أي لا تأتي بالبهتان والزور. في لسان العرب (ج ٢/ ص ١٣/ مادَّة بهت): (البُهْتانُ الباطلُ الذي يُتَحَيَّرُ من بُطْلانِه، وهو من البَهْتِ: التَّحَيُّر).
(١٦٠) في الصحاح للجوهري (ج ٤/ ص ١٣٢٠/ مادَّة زيغ): (الزيغ: الميل. وقد زاغ يزيغ. وزاغ البصر: أي كلَّ. وأزاغه عن الطريق: أي أماله. وزاغت الشمس: أي مالت).
(١٦١) في بعض النُّسَخ: (التي تستحي ولا تباهت ولا تزغ إلى الكذب).
↑صفحة ٥٤↑
فلو لم يكن في الإسلام مصيبةٌ ولا على أهله عارٌ ولا شنارٌ(١٦٢) ولا حجَّة فيه لمخالف لدين الإسلام إلَّا ما لحق فاطمة (عليها السلام) حتَّى مضت(١٦٣) غضبى على أُمَّة أبيها، ودعاها ما فُعِلَ بها إلى الوصيَّة بأنْ لا يُصلِّي عليها أحدٌ منهم فضلاً عمَّا سوى ذلك لكان عظيماً فظيعاً منبِّهاً لأهل الغفلة، إلَّا من قد طبع الله على قلبه وأعماه لا يُنكِر ذلك ولا يستعظمه ولا يراه شيئاً، بل يُزكِّي المضطهِد لها(١٦٤) إلى هذه الحالة، ويُفضِّله عليها وعلى بعلها وولدها، ويُعظِّم شأنه عليهم، ويرى أنَّ الذي فُعِلَ بها هو الحقُّ، ويعدُّه من محاسنه، وأنَّ الفاعل له بفعله إيَّاه من أفضل الأُمَّة بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقد قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَإِنَّها لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [الحجّ: ٤٦].
فالعمى يستمرُّ على أعداء آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وظالميهم والموالين لهم إلى يوم الكشف الذي قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [ق: ٢٢]، و﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾ [غافر: ٥٢].
ثمّ أعجب من هذا ادِّعاء هؤلاء الصمّ العمي أنَّه ليس في القرآن علم كلِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٦٢) في لسان العرب (ج ٤/ ص ٤٣٠/ مادَّة شنر): (الشَّنار: العيب والعار، وقيل: هو العيب الذي فيه عار، والشَّنار: أقبح العيب والعار). وفي بعض النُّسَخ: (ولا فيها شنار)، فالضمير المؤنَّث راجع إلى لفظ (المصيبة).
(١٦٣) في بعض النُّسَخ: (حتَّى قُبِضَت)، وفي بعضها: (لَـمَا قُبِضَت فاطمة (عليها السلام) غضبى على أُمَّة أبيها، ولَـمَا أوصت بأنْ لا يُصلِّي عليها أحد منهم فضلاً عمَّا سوى ذلك، وذلك منبِّه لأهل الغفلة).
(١٦٤) أي مؤذيها والقاهر لها. في لسان العرب (ج ٣/ ص ٢٦٦/ مادَّة ضهد): (ضهده يضهده ضهداً واضطهده، ظلمه وقهره. وأضهد به: جار عليه). والمضطهِد بصيغة الفاعل هو الذي قهر وآذى غيره.
↑صفحة ٥٥↑
شيء من صغير الفرائض وكبيرها، ودقيق الأحكام والسُّنَن وجليلها، وأنَّهم لـمَّا لم يجدوه فيه احتاجوا إلى القياس والاجتهاد في الرأي والعمل في الحكومة بهما، وافتروا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الكذب والزور بأنَّه أباحهم الاجتهاد، وأطلق لهم ما ادَّعوه عليه لقوله لمعاذ بن جبل(١٦٥)، والله يقول: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ [النحل: ٨٩]، ويقول: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨]، ويقول: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: ١٢]، ويقول: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً(١٦٦)﴾ [النبأ: ٢٩]، ويقول: قل: ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ [الأنعام: ٥٠]، ويقول: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ﴾ [المائدة: ٤٩]، فمن أنكر أنَّ شيئاً من أُمور الدنيا والآخرة وأحكام الدِّين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٦٥) روى أبو داود في سُنَنه (ج ٢/ ص ١٦٢/ ح ٣٥٩٢) مسنداً عن معاذ بن جبل أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لـمَّا بعثه إلى اليمن قال: «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟»، قال: أقضي بكتاب الله، قال: «فإنْ لم تجد في كتاب الله؟»، قال: فبسُنَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «فإنْ لم تجد في سُنَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا في كتاب الله؟»، قال: أجتهد رأيي ولا آلو، فضرب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صدره وقال: «الحمد لله الذي وفَّق [رسول] رسول الله لما يُرضي من رسول الله».
وفي رواية قال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «فإنْ أشكل عليك أمر فسَلْ ولا تستحي، واستشر ثمّ اجتهد، فإنَّ الله إنْ يعلم منك الصدق يُوفِّقك، فإنِ التبس عليك فقف حتَّى تتبيَّنه أو تكتب إليَّ فيه، واحذر الهوى فإنَّه قائد الأشقياء إلى النار، وعليك بالرفق ». (المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك: ج ٤/ ص ٦ و٧).
قال الغفاري (رحمه الله): إنْ صحَّ هذا الكلام عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا يدلُّ على مدَّعاهم، لاحتمال أنْ يكون المراد السعي والاجتهاد والفحص في تحصيل مدرك الحكم، بل هو الظاهر من قوله: «اجتهد» بعد قوله: «فسَلْ ولا تستحي واستشر»، فإنَّ من له قوَّة الاجتهاد بمعنى المتعارف لا يحتاج إلى السؤال والاستشارة، وهذا شأن المقلِّد دون المجتهد.
(١٦٦) أي مكتوباً في اللوح المحفوظ.
↑صفحة ٥٦↑
وفرائضه وسُنَنه وجميع ما يحتاج إليه أهل الشريعة ليس موجوداً في القرآن الذي قال الله تعالى فيه: ﴿تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، فهو رادٌّ على الله قوله، ومفتر على الله الكذب، وغير مصدِّق بكتابه.
ولعمري لقد صدقوا عن أنفسهم وأئمَّتهم الذين يقتدون بهم(١٦٧) في أنَّهم لا يجدون ذلك في القرآن، لأنَّهم ليسوا من أهله، ولا ممَّن أُوتي علمه، ولا جعل الله ولا رسوله لهم فيه نصيباً، بل خصَّ بالعلم كلِّه أهل بيت الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذين آتاهم العلم، ودلَّ عليهم، الذين أمر بمسألتهم(١٦٨)، ليدلُّوا على موضعه من الكتاب الذي هم خزنته(١٦٩) وورثته وتراجمته.
ولو امتثلوا أمر الله (عزَّ وجلَّ) في قوله: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ(١٧٠)﴾ [النساء: ٨٣]، وفي قوله: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣]، لأوصلهم الله إلى نور الهدى، وعلَّمهم ما لم يكونوا يعلمون، وأغناهم عن القياس والاجتهاد بالرأي(١٧١)، وسقط الاختلاف الواقع في أحكام الدِّين الذي يدين به العباد، ويجيزونه بينهم، ويدَّعون على النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الكذب أنَّه أطلقه وأجازه، والقرآن يحظره وينهى عنه حيث يقول (جلَّ وعزَّ): ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ الله لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً﴾ [النساء: ٨٢]، ويقول: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٦٧) في بعض النُّسَخ: (الذين يفتنون بهم).
(١٦٨) في بعض النُّسَخ: (بتمسُّكهم).
(١٦٩) أي خزنة الكتاب وورثته، كما في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ (فاطر: ٣٢).
(١٧٠) أي يستخرجون تدبيره أو حكمه.
(١٧١) في بعض النُّسَخ: (في الرأي).
↑صفحة ٥٧↑
بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّناتُ﴾ [آل عمران: ١٠٥]، ويقول: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ الله جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، وآيات الله في ذمِّ الاختلاف والفرقة أكثر من أنْ تُحصى، والاختلاف والفرقة في الدِّين هو الضلال، ويجيزونه ويدَّعون على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه أطلقه وأجازه افتراءً عليه، وكتاب الله (عزَّ وجلَّ) يحظره وينهى عنه بقوله: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا﴾.
فأيُّ بيان أوضح من هذا البيان؟ وأيُّ حجَّة للخلق على الله بعد هذا الإيضاح والإرشاد؟ نعوذ بالله من الخذلان، ومن أنْ يَكِلَنا إلى نفوسنا وعقولنا واجتهادنا وآرائنا في ديننا، ونسأله أنْ يُثبِّتنا على ما هدانا له(١٧٢)، ودلَّنا عليه، وأرشدنا إليه من دينه، والموالاة لأوليائه، والتمسُّك بهم، والأخذ عنهم، والعمل بما أمروا به، والانتهاء عمَّا نُهُوا عنه، حتَّى نلقاه (عزَّ وجلَّ) على ذلك، غير مبدِّلين ولا شاكِّين، ولا متقدِّمين لهم ولا متأخِّرين عنهم، فإنَّ من تقدَّم عليهم مرَق، ومن تخلَّف عنهم غرَق، ومن خالفهم مُحِقَ، ومن لزمهم لَحِقَ، وكذلك قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٧٢) في بعض النُّسَخ: (أنْ يُثبِّتنا بالقول الثابت، ودلَّنا...) إلخ.
↑صفحة ٥٨↑
↑صفحة ٥٩↑
[١٥/١] أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مستور الْأَشْجَعِيُّ(١٧٣) مِنْ كِتَابِهِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ الله الْحَلَبِيُّ(١٧٤)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَشْعَثِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) يَقُولُ - وَنَحْنُ عِنْدَهُ فِي الْبَيْتِ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ رَجُلاً - فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا وَقَالَ: «لَعَلَّكُمْ تَرَوْنَ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي الْإِمَامَةِ إِلَى الرَّجُلِ مِنَّا يَضَعُهُ حَيْثُ يَشَاءُ، وَالله إِنَّهُ لَعَهْدٌ مِنَ الله نَزَلَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى رِجَالٍ مُسَمَّيْنَ رَجُلٍ فَرَجُلٍ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِلَى صَاحِبِهَا»(١٧٥)،(١٧٦).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٧٣) عدَّه الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٥/ ص ٢١٨/ الرقم ٢٦٨٠) من مشايخ أبي العبَّاس ابن عقدة.
(١٧٤) في بعض النُّسَخ: (محمّد بن عبد الله الحلبي)، وهو تصحيف.
(١٧٥) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٦/ ح ١٥٤)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٤٩٠/ ج ١٠/ باب ١)، وقرب الإسناد (ص ٣٥٢/ ح ١٢٦١)، والإمامة والتبصرة (ص ٣٧ و٣٨/ ح ١٨)، والكافي (ج ١/ ص ٢٧٧/ باب أنَّ الإمامة عهد من الله (عزَّ وجلَّ) معهود من واحد إلى واحد (عليهم السلام))، وكمال الدِّين (ص ٢٢٢/باب ٢٢/ح ١١).
(١٧٦) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٨٩ و٩٠): (أي ليس تعيين الوصيِّ موكولاً إلينا حتَّى نختار من نشاء، وما هو إلَّا إلى الله تعالى لأنَّ للإمام صفات باطنة لا يعلمها إلَّا هو...، وفيه ردٌّ على العامَّة حيث ذهبوا إلى أنَّ عقد الإمامة إمَّا باستخلاف المتولِّي كما فعل أبو بكر لعمر، أو بقول أهل الحلِّ والعقد كما لأبي بكر ويلزم سائر الناس حتَّى قال بعضهم: لا يلزم مباشرة كلَّ الناس، بل لو استخلف واحد واستقرَّ الأمر له وجب على جميع الناس متابعته...)، إلى أنْ قال: (وفيه دلالة على أنَّه لا يجتمع في عصر إمامان، وهو متَّفق عليه بين الخاصَّة والعامَّة، أمَّا عندنا فبالنصِّ وهو هذا وأمثاله، وأمَّا عندهم فإنَّهم لـمَّا لم يشترطوا العصمة في الإمام قالوا: لم يجز تعدُّده وإلَّا لوقع التشاجر والتنازع بينهما، ويوجب ذلك الهرج والمرج ويبطل الغرض من نصب الإمام وتعيينه، وفي رواياتهم أيضاً ما يدلُّ على ذلك...)، إلى أنْ قال: (العهد الميثاق والوصيَّة، وقد عهدت إليه: أي أوصيته، ومنه اُشْتُّقَ العهد الذي يُكتَب للولاة. قوله: «حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه) وهو مهديُّ هذه الأُمَّة الذي وقع الاتِّفاق على ظهوره بين الخاصَّة والعامَّة، إلَّا أنَّهم يقولون: سيُوجَد من نسل الحسين (عليه السلام)).
↑صفحة ٦١↑
[١٦/٢] وَأَخْبَرَنِي أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ اِبْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُعْفِيُّ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ جَمِيعاً، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ [النساء: ٥٨]، قَالَ: «هِيَ الْوَصِيَّةُ، يَدْفَعُهَا الرَّجُلُ مِنَّا إِلَى الرَّجُلِ»(١٧٧).
[١٧/٣] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ(١٧٨)، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «الْوَصِيَّةُ نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كِتَاباً مَخْتُوماً(١٧٩)، وَلَمْ يُنْزَلْ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٧٧) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٨٦/ ح ١٨٣).
(١٧٨) يعني ابن فضَّال، وقد مرَّ ذكره في (ص ٢٠)، فراجع. وفي بعض النُّسَخ: (عليُّ بن الحسين) كما في الكافي، والظاهر تصحيفهما. وقد يُظَنُّ كون ما في الكافي عليُّ بن الحسين المسعودي صاحب (مروج الذهب)، ولكنَّه خطأ.
(١٧٩) أي مكتوباً بخطٍّ إلهي مشاهد من عالم الأمر، كما أنَّ جبرئيل (عليه السلام) كان ينزل عليه في صورة آدمي مشاهد من هناك. ولا يمكن لأحد أنْ يقرأ هذا الكتاب إلَّا من اختاره الله للنبوَّة أو الإمامة.
↑صفحة ٦٢↑
رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كِتَابٌ مَخْتُومٌ إِلَّا الْوَصِيَّةُ.
فَقَالَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام): يَا مُحَمَّدُ، هَذِهِ وَصِيَّتُكَ فِي أُمَّتِكَ إِلَى أَهْلِ بَيْتِكَ(١٨٠).
فَقَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أَيُّ أَهْلِ بَيْتِي، يَا جَبْرَئِيلُ؟
فَقَالَ: نَجِيبُ الله مِنْهُمْ وَذُرِّيَّتُهُ(١٨١)، لِيُوَرِّثَكَ عِلْمَ النُّبُوَّةِ قَبْلَ إِبْرَاهِيمَ(١٨٢).
وَكَانَ عَلَيْهَا خَوَاتِيمُ، فَفَتَحَ عَلِيٌّ (عليه السلام) الْخَاتَمَ الْأَوَّلَ وَمَضَى لِمَا أُمِرَ فِيهِ(١٨٣)، ثُمَّ فَتَحَ الْحَسَنُ (عليه السلام) الْخَاتَمَ الثَّانِيَ وَمَضَى لِمَا أُمِرَ بِهِ، ثُمَّ فَتَحَ الْحُسَيْنُ (عليه السلام) الْخَاتَمَ الثَّالِثَ فَوَجَدَ فِيهِ: أَنْ قَاتِلْ وَاقْتُلْ وَتُقْتَلُ(١٨٤) وَاخْرُجْ بِقَوْمٍ لِلشَّهَادَةِ، لَا شَهَادَةَ لَهُمْ إِلَّا مَعَكَ، فَفَعَلَ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام) وَمَضَى، فَفَتَحَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْخَاتَمَ الرَّابِعَ فَوَجَدَ فِيهِ: أَنْ أَطْرِقْ وَاصْمُتْ لِمَا حُجِبَ الْعِلْمُ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، فَفَتَحَ الْخَاتَمَ الْخَامِسَ فَوَجَدَ فِيهِ: أَنْ فَسِّرْ كِتَابَ الله تَعَالَى وَصَدِّقْ أَبَاكَ وَوَرِّثِ ابْنَكَ الْعِلْمَ وَاصْطَنِعِ الْأُمَّةَ، وَقُلِ الْحَقَّ فِي الْخَوْفِ وَالْأَمْنِ، وَلَا تَخْشَ إِلَّا اللهَ، فَفَعَلَ، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى الَّذِي يَلِيهِ».
فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ كَثِيرٍ: فَقُلْتُ لَهُ: وَأَنْتَ هُوَ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٨٠) في الكافي: (عند أهل بيتك).
(١٨١) في بعض النُّسَخ: (وذرّيَّتك).
(١٨٢) كذا، وفي الكافي: (ليرثك علم النبوَّة كما ورثه إبراهيم (عليه السلام))، ولعلَّ (عليه السلام) زائد من النُّسَّاخ. والمراد بإبراهيم إبراهيم ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(١٨٣) على تضمين معنى الأداء ونحوه، أي مؤدِّياً لما أُمِرَ به فيه. والضمير المذكَّر باعتبار الكتاب، والمؤنَّث باعتبار لفظ (الوصيَّة).
(١٨٤) في بعض النُّسَخ: (أنْ قاتل إلى أنْ تُقتَل).
↑صفحة ٦٣↑
فَقَالَ: «مَا بِكَ فِي هَذَا إِلَّا أَنْ تَذْهَبَ - يَا مُعَاذُ - فَتَرْوِيَهُ عَنِّي(١٨٥)، نَعَمْ أَنَا هُوَ»، حَتَّى عَدَّدَ عَلَيَّ اثْنَيْ عَشَرَ اسْماً، ثُمَّ سَكَتَ، فَقُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟
فَقَالَ: «حَسْبُكَ»(١٨٦)،(١٨٧).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٨٥) أي ما بك بأس في إظهاري لك بأنِّي هو إلَّا مخافة أنْ تذهب وتروي ذلك عنِّي فأشتهر بذلك. وفي الكافي: (ما بي بأس)، وهو الأصوب. وفي نسخة: (فقال: شأنك في هذا إلَّا أنْ تذهب فتروي عنِّي).
(١٨٦) الكافي (ج ١/ ص ٢٧٩ و٢٨٠/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) لم يفعلوا شيئاً ولا يفعلون إلَّا بعهد من الله (عزَّ وجلَّ).../ ح ١).
(١٨٧) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٩٢ - ٩٤): قوله: (كتاباً) حال عن فاعل (نزلت)، أو تمييز للنسبة. قوله: (لم ينزل على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتاب مختوم) الظاهر أنَّ النفي راجع إلى المقيَّد، أو إلى القيد والمقيَّد جميعاً لا إلى القيد فقط. قوله: (إلَّا الوصيَّة) أوصيت له بشيء وأوصيت إليه أيضاً إذا جعلته وصيَّك، وكذلك وصَّيته توصيةً، والوصية والوصاية اسمان في معنى المصدر، منه قوله تعالى: ﴿حِينَ الْوَصِيَّةِ﴾ [المائدة: ١٠٦]، ثمّ سُمِّي الموصى به وصيَّة، ومنه قوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا﴾ [النساء: ١٢]. قوله: ( في أُمَّتك عند أهل بيتك) خبر بعد خبر، أو حال عن (الوصيَّة) على تقدير الجواب، والعامل معنى أُنبِّه أو أُشير. قوله: (أيُّ أهل بيتي) هذا السؤال مع علمه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بوصيَّته للاطمئنان، كما قال خليل الرحمن: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠]. قوله: (قال: نجيب الله منهم) أي من أهل بيتك، والنجيب الكريم السخي الفاضل البيِّن النجابة، وقد نجب ينجب نجابةً إذا كان فاضلاً نفيساً في نوعه، والمراد بها عليُّ بن أبي طالب (عليه السلام). والفاعل في قوله: (ليرثك) ضمير يعود إليه...، قوله: (كما ورثه إبراهيم) من الأنبياء السابقين، والتشبيه باعتبار أنَّ وراثته كان أظهر وأشهر لا باعتبار أنَّها كانت أقوى وأكمل. قوله: (وميراثه لعليٍّ) أي ميراث علم النبوَّة، أو ميراث إبراهيم (عليه السلام)، وفيه تصريح بما رمز إليه أوَّلاً. قوله: (فوجد فيها أنْ قاتل فاقتل وتُقتَل) الأمر للحتم والوجوب كسائر الواجبات، فلا يرد ما يقول الجهلة من الناس من أنَّه (عليه السلام) كان يعلم بقتله وقتل أصحابه فلِمَ ارتكبه وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: ١٩٥]؟ ولم يعلموا أنَّ الإلقاء إليها لا يجوز إذا لم يكن بأمر الله تعالى، وأمَّا إذا كان بأمره فهو جائز، بل واجب، كما أنَّه لا يجوز لأحدنا الفرار عن الزحف مع ضعف العدوِّ وإنْ غلب الهلاك، ولا شبهة في أنَّ تكليفهم فوق تكليفنا، فإذا أوجب الله تعالى عليهم القتال مع أضعاف العدوِّ لمصلحة منها أنْ لا يكون للخلق حجَّة على الله يوم القيامة بعدم وجدانهم داعياً إليه، فلا محالة وجب عليهم الإقدام، ولا يجوز لهم القعود. قوله: (أنِ اصمت وأطرق) من أطرق الرجل إذا سكت فلم يتكلَّم، فالعطف للتفسير، أو من أطرق إذا أرخى عينيه ينظر إلى الأرض كما يفعله المهموم المتفكِّر، وهو كناية عن الإعراض عن الناس. قوله: (لما حُجِبَ العلم) لما بفتح اللَّام وشدِّ الميم أو بكسر اللَّام، وما مصدريَّة، وهو على التقديرين تعليل للسكوت، وعدم إفشاء علم الشرائع، ودعوة الخلق إليه، لعدم انتفاعهم به، ولقتلهم إيَّاه مثل أبيه (عليهما السلام). قوله: (واصطنع الأُمَّة) أي ربِّهم تربية وأحسن إليهم إحساناً وأخرجهم من الجهل إلى العلم ومن الظلمة إلى النور، من اصطنعته ربَّيته وأخرجته. قوله: (وقم بحقِّ الله (عزَّ وجلَّ)) أي قم بإظهاره متشمِّراً مجتهداً فيه من غير فتور ولا توانٍ، يقال: قام بالأمر إذا اجتهد فيه وتجلَّد. وحقيقة القيام بالشيء هي الانتصاب له، وهو يدلُّ على الاعتناء به، وهو يستلزم التشمُّر والاجتهاد فيه من غير فتور، فأطلق القيام على هذا اللازم مجازاً. قوله: (ولا تخشَ إلَّا الله) فيه وعد له بالعصمة من الناس، وبشارة له بالقرب والعلم، إذ لا يخشاه إلَّا المقرَّبون، ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ [فاطر: ٢٨]. قوله: (فقال: ما بي إلَّا أنْ تذهب فتروي عليَّ) أي ما بي بأس أو خوف إلَّا أنْ تذهب يا معاذ فتروي عليَّ هذا مسلِّطاً للأعداء عليَّ، وفيه مبالغة في التوصية له بحفظه عن غير أهله، وإنْ كان من خواصِّ أصحابه وأهل سرِّه، ويمكن أنْ يكون تأبى بالتاء المثنَّاة الفوقانيَّة).
↑صفحة ٦٤↑
[١٨/٤] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيُّ(١٨٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٨٨) هو محمّد بن أحمد بن خاقان النهدي حمدان القلانسي، وثَّقه أبو النضر العيَّاشي وقال: (كوفي فقيه ثقة خيِّر) كما في اختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٨٢/ ح ١٠١٤)، وضعَّفه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٤١/ الرقم ٩١٤) بقوله: (مضطرب).
↑صفحة ٦٥↑
الْوَلِيدِ(١٨٩)، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ(١٩٠)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «دَفَعَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام) صَحِيفَةً مَخْتُومَةً بِاثْنَيْ عَشَرَ خَاتَماً، وَقَالَ لَهُ: فُضَّ(١٩١) الْأَوَّلَ وَاعْمَلْ بِهِ، وَادْفَعْ إِلَى الْحَسَنِ (عليه السلام) يَفُضُّ الثَّانِيَ وَيَعْمَلُ بِهِ، وَيَدْفَعُهَا إِلَى الْحُسَيْنِ (عليه السلام) يَفُضُّ الثَّالِثَ وَيَعْمَلُ بِمَا فِيهِ، ثُمَّ إِلَى وَاحِدٍ وَاحِدٍ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ (عليهم السلام)».
[١٩/٥] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ اِبْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ [النساء: ٥٨].
قَالَ: «أَمَرَ اللهُ الْإِمَامَ مِنَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْإِمَامَةَ إِلَى الْإِمَامِ بَعْدَهُ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يَزْوِيَهَا عَنْهُ(١٩٢)، أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ﴾؟ إِنَّهُم(١٩٣) الْحُكَّامُ، أَوَلَا تَرَى أَنَّهُ خَاطَبَ بِهَا الْحُكَّامَ؟»(١٩٤).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٨٩) هو محمّد بن الوليد البجلي الخزَّاز، أبو جعفر الكوفي، ثقة، عين، نقيُّ الحديث، كما في رجال النجاشي (ص ٣٤٥/ الرقم ٩٣١).
(١٩٠) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٤٦/ الرقم ١٢٠٧): (يونس بن يعقوب بن قيس، أبو عليٍّ الجلَّاب البجلي الدهني، أُمُّه منية بنت عمَّار بن أبي معاوية الدهني أُخت معاوية ابن عمَّار. اختصَّ بأبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، وكان يتوكَّل لأبي الحسن (عليه السلام)، ومات بالمدينة في أيَّام الرضا (عليه السلام)، فتولَّى أمره. وكان حظيًّا عندهم، موثَّقاً).
(١٩١) في لسان العرب (ج ٧/ ص ٢٠٦ و٢٠٧/ مادَّة فضض): (فَضَضْتُ الشيءَ أَفُضُّه فَضًّا، فهو مَفْضُوضٌ وفَضِيضٌ: كسرتُه وفَرَّقْتُه...، وفَضَّ الخاتَمَ والخَتْمَ إِذا كَسره وفَتَحه).
(١٩٢) في لسان العرب (ج ١٤/ ص ٣٦٣ و٣٦٤/ مادَّة زوي): (الزَّيُّ: مصدر زَوى الشيءَ يَزْويه زَيًّا وزُوِيًّا فانْزَوى، نَحَّاه فتَنَحَّى...، زويت عنِّي: أي صرفته عنِّي وقبضته).
(١٩٣) في بعض النُّسَخ: (هم).
(١٩٤) راجع: بصائر الدرجات (ص ٤٩٥/ ج ١٠/ باب ٤)، والكافي (ج ١/ ص ٢٧٦/ باب أنَّ الإمام (عليه السلام) يعرف الإمام الذي يكون من بعده...).
↑صفحة ٦٦↑
[٢٠/٦] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ اِبْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَا وَالله لَا يَدَعُ اللهُ هَذَا الْأَمْرَ إِلَّا وَلَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ إِلَى يَوْمِ تَقُومُ السَّاعَةُ».
[٢١/٧] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ عَلِيِّ اِبْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي المُفَضَّلُ بْنُ صَالِحٍ أَبُو جَمِيلَةَ، عَنْ أَبِي [عَبْدِ الله] عَبْدِ الرَّحْمَنِ(١٩٥)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ اللهَ (جَلَّ اسْمُهُ) أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى كُلِّ إِمَامٍ عَهْدَهُ وَمَا يَعْمَلُ بِهِ، وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ، فَيَفُضُّهُ وَيَعْمَلُ بِمَا فِيهِ».
وإنَّ في هذا - يا معشر الشيعة - لبلاغاً لقوم عابدين، وبياناً للمؤمنين، ومن أراد الله تعالى به الخير جعله من المصدِّقين المسلِّمين للأئمَّة الهادين بما منحهم الله من كرامته، وخصَّهم به من خيرته، وحباهم(١٩٦) به من خلافته على جميع بريَّته دون غيرهم من خلقه، إذ جعل طاعتهم طاعته بقوله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، وقوله: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾ [النساء: ٨٠]، فندب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الخلق إلى الأئمَّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٩٥) كذا، والظاهر كونه عبد الرحمن بن الحجَّاج المكنَّى بأبي عبد الله، وروى أبو جميلة عنه في التهذيبين في غير مورد، فإنْ كان ما بين المعقوفتين زيادة من النُّسَاخ كما خُطَّ عليه في بعض النُّسَخ، فالظاهر كونه أبا عبد الرحمن الحذَّاء، لكن لم أعثر على رواية أبي جميلة عنه. وزاد في بعض النُّسَخ: (عن أبيه).
(١٩٦) في الصحاح للجوهري (ج ٦/ ص ٢٣٠٨/ مادَّة حبا): (حباه يحبوه: أي أعطاه. والحباء: العطاء).
↑صفحة ٦٧↑
من ذرّيَّته الذين أمرهم الله تعالى بطاعتهم، ودلَّهم عليهم، وأرشدهم إليهم، بقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ: كِتَابَ الله، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الله، مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا».
وقال الله (عزَّ وجلَّ) محثًّا للخلق على طاعته(١٩٧)، ومحذِّراً لهم من عصيانه فيما يقوله ويأمر به: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣].
فلمَّا خولف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ونُبِذَ قوله، وعُصِيَ أمره فيهم (عليهم السلام)، واستبدُّوا بالأمر دونهم، وجحدوا حقَّهم، ومنعوا تراثهم، ووقع التمالؤ عليهم(١٩٨) بغياً وحسداً وظلماً وعدواناً، حقَّ على المخالفين أمره، والعاصين ذرّيَّته، وعلى التابعين لهم والراضين بفعلهم، ما توعَّدهم الله من الفتنة والعذاب الأليم، فعجَّل لهم الفتنة في الدِّين بالعمى عن سواء السبيل، والاختلاف في الأحكام والأهواء، والتشتُّت في الآراء، وخبط العشواء(١٩٩)، وأعدَّ لهم العذاب الأليم ليوم الحساب في المعاد.
وقد رأينا الله (عزَّ وجلَّ) ذكر في محكم كتابه ما عاقب به قوماً من خلقه حيث يقول: ﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [التوبة: ٧٧]، فجعل النفاق الذي أعقبهموه عقوبةً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٩٧) كذا، والقياس: (محثًّا الخلق على طاعته). وفي الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٢٧٨/ مادَّة حثث): (حثَّه على الشيء واستحثَّه بمعنى، أي حضَّه عليه، فاحتثَّ).
(١٩٨) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٧٣/ مادَّة ملا): (تمالؤوا على الأمر: اجتمعوا عليه).
(١٩٩) في الصحاح للجوهري (ج ٣/ ص ١١٢١/ مادَّة خبط): (خبط البعير الأرض بيده خبطاً: ضربها. ومنه قيل: خبط عشواء، وهي الناقة التي في بصرها ضعف، تخبط إذا مشت، لا تتوقَّى شيئاً).
↑صفحة ٦٨↑
ومجازاةً على إخلافهم الوعد، وسمَّاهم منافقين(٢٠٠)، ثمّ قال في كتابه: ﴿إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ [النساء: ١٤٥].
فإذا كانت هذه حال من أخلف الوعد في أنَّ عقابه النفاق المؤدِّي إلى الدرك الأسفل من النار، فماذا تكون حال من جاهر في الله (عزَّ وجلَّ) ورسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالخلاف عليهما، والردِّ لقولهما، والعصيان لأمرهما، والظلم والعناد لمن أمرهم الله بالطاعة لهم والتمسُّك بهم والكون معهم(٢٠١) حيث يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ [التوبة: ١١٩]؟ وهم الذين صدقوا ما عاهدوا الله (عزَّ وجلَّ) عليه من جهاد عدوِّه، وبذل أنفسهم في سبيله، ونصرة رسوله، وإعزاز دينه حيث يقول: ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾ [الأحزاب: ٢٣]، فشتَّان بين الصادق لله وعده، والموفي بعهده، والشاري نفسه له(٢٠٢)، والمجاهد في سبيله، والمعزِّ لدينه، الناصر لرسوله، وبين العاصي والمخالف رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والظالم عترته، ومن فعله أعظم من إخلاف الوعد المعقِّب للنفاق المؤدِّي إلى الدرك الأسفل من النار؟ نعوذ بالله منها.
وهذه (رحمكم الله) حال كلِّ من عدل عن واحد من الأئمَّة الذين اختارهم الله (عزَّ وجلَّ)، وجحد إمامته، وأقام غيره مقامه، وادَّعى الحقَّ لسواه، إذ كان أمر الوصيَّة والإمامة بعهد من الله تعالى وباختياره لا من خلقه ولا باختيارهم، فمن اختار غير مختار الله، وخالف أمر الله سبحانه، ورد مورد الظالمين والمنافقين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٠٠) في بعض النُّسَخ: (وسمَّاه نفاقاً).
(٢٠١) في بعض النُّسَخ: (لمن أمره الله بالطاعة له والتمسُّك به والكون معه).
(٢٠٢) إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ الله﴾ (البقرة: ٢٠٧).
↑صفحة ٦٩↑
الحالِّين في ناره بحيث وصفهم الله (عزَّ وجلَّ)، نعوذ بالله من خلافه وسخطه، وغضبه وعذابه، ونسأله التثبُّت على ما وهب لنا، وألَّا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا برحمته ورأفته(٢٠٣).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٠٣) في بعض النُّسَخ: (وعطفه).
↑صفحة ٧٠↑
باب (٤): ما روي في أنَّ الأئمَّة اثنا عشر إماماً(٢٠٤)، وأنَّهم من الله وباختياره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٠٤) في بعض النُّسَخ: (اثنا عشر إماماً، وذكر ما يدلُّ عليه من القرآن والتوراة من ذلك).
↑صفحة ٧١↑
[٢٢/١] أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ أَبِي هَرَاسَةَ الْبَاهِلِيُّ(٢٠٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِين وَمِائَتَيْنِ(٢٠٦)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ سَنَةَ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ، عَنِ المُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، يَرْفَعُهُ، قَالَ: أَتَى جَبْرَئِيلُ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يَأْمُرُكَ أَنْ تُزَوِّجَ فَاطِمَةَ مِنْ عَلِيٍّ أَخِيكَ».
فَأَرْسَلَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: «يَا عَلِيُّ، إِنِّي مُزَوِّجُكَ فَاطِمَةَ ابْنَتِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، وَأَحَبَّهُنَّ إِلَيَّ بَعْدَكَ، وَكَائِنٌ مِنْكُمَا سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَالشُّهَدَاءُ المُضَرَّجُونَ(٢٠٧) المَقْهُورُونَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِي، وَالنُّجَبَاءُ الزُّهْرُ الَّذِينَ يُطْفِئُ اللهُ بِهِمُ الظُّلْمَ، وَيُحْيِي بِهِمُ الْحَقَّ، وَيُمِيتُ بِهِمُ الْبَاطِلَ، عِدَّتُهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٠٥) عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٠٩ و٤١٠/ الرقم ٥٩٥٠/٣١) فيمن لم يرو عن واحد من الأئمَّة (عليهم السلام)، قائلاً: (أحمد بن نصر بن سعيد الباهلي، المعروف بابن أبي هراسة، يُلقَّب أبوه هوذة، سمع منه التلعكبري سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وله منه إجازة، مات في ذي الحجَّة سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة يوم التروية بجسر النهروان، ودُفِنَ بها).
وقال الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٥/ ص ٣٩١/ الرقم ٢٩٤٦): (أحمد بن نصر بن سعيد، أبو سليمان النهرواني، ويُعرَف بابن أبي هراسة، حدَّث عن إبراهيم بن إسحاق الأحمدي، شيخ من شيوخ الشيعة).
(٢٠٦) في بعض النُّسَخ: (ثلاث وتسعين ومائتين).
(٢٠٧) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٣٢٦/ مادَّة ضرج): (تضرَّج بالدم: أي تلطَّخ...، وضرَّجت الثوب تضريجاً، إذا صبغته بالحمرة)، والمراد: الملطَّخون بدمائهم.
↑صفحة ٧٣↑
عِدَّةُ أَشْهُرِ السَّنَةِ، آخِرُهُمْ يُصَلِّي عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) خَلْفَهُ»(٢٠٨).
[٢٣/٢] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ المَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ(٢٠٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)(٢١٠)، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: «أَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ) ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ (رضي الله عنه)، فَدَخَلَ المَسْجِدَ الْحَرَامَ فَجَلَسَ، إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْأَةِ وَاللِّبَاسِ، فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَجَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ.
قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِنْسَانِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ؟ وَعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَيَنْسَى؟ وَعَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ وَالْأَخْوَالَ؟
فَالْتَفَتَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) إِلَى الْحَسَنِ وَقَالَ: أَجِبْهُ، يَا أَبَا مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ (عليه السلام) لِلرَّجُلِ: أَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنْهُ عَنْ أَمْرِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ، فَإِنَّ رُوحَهُ مُعَلَّقَةٌ بِالرِّيحِ، وَالرِّيحُ بِالْهَوَاءِ مُعَلَّقَةٌ إِلَى وَقْتِ مَا يَتَحَرَّكُ صَاحِبُهَا بِالْيَقَظَةِ(٢١١)، فَإِذَا(٢١٢) أَذِنَ اللهُ تَعَالَى بِرَدِّ تِلْكَ الرُّوحِ عَلَى ذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٠٨) مقتضب الأثر (ص ٢٩).
(٢٠٩) محمّد بن جعفر القرشي كما صرَّح به المؤلِّف (رحمه الله) في باب من ادَّعى الإمامة، هو محمّد بن جعفر الأسدي، يُكنَّى أبا الحسين الرازي، كان أحد الأبواب، كما في رجال الطوسي (رحمه الله) (ص ٤٣٩/ الرقم ٦٢٧٨/٢٨).
(٢١٠) يعني به أبا جعفر الثاني الجواد (عليه السلام).
(٢١١) في بعض النُّسَخ: (لليقظة).
(٢١٢) في بعض النُّسَخ: (فإنَّ).
↑صفحة ٧٤↑
الْبَدَنِ(٢١٣) جَذَبَتْ تِلْكَ الرُّوحُ الرِّيحَ، وَجَذَبَتِ الرِّيحُ الْهَوَاءَ فَاسْتَكَنَتْ فِي بَدَنِ صَاحِبِهَا، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنِ اللهُ بِرَدِّ تِلْكَ الرُّوحِ عَلَى ذَلِكَ الْبَدَنِ جَذَبَ(٢١٤) الْهَوَاءُ الرِّيحَ، وَجَذَبَتِ الرِّيحُ الرُّوحَ، فَلَا تُرَدُّ عَلَى صَاحِبِهَا إِلَى وَقْتِ مَا يُبْعَثُ(٢١٥).
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ الذُّكْرِ وَالنِّسْيَانِ، فَإِنَّ قَلْبَ الْإِنْسَانِ فِي حُقٍّ، وَعَلَى الْحُقِّ طَبَقٌ، فَإِذَا هُوَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَاةً تَامَّةً انْكَشَفَ ذَلِكَ الطَّبَقُ عَنْ ذَلِكَ الْحُقِّ فَأَضَاءَ الْقَلْبُ وَذَكَرَ الرَّجُلُ مَا نَسِيَ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أَوِ انْتَقَصَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَأَغْضَى عَنْ بَعْضِهَا(٢١٦) انْطَبَقَ ذَلِكَ الطَّبَقُ عَلَى الْحُقِّ فَأَظْلَمَ الْقَلْبُ وَسَهَا الرَّجُلُ وَنَسِيَ مَا كَانَ يَذْكُرُهُ(٢١٧).
وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَمْرِ المَوْلُودِ يُشْبِهُ الْأَعْمَامَ وَالْأَخْوَالَ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا أَتَى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢١٣) في بعض النُّسَخ: (على بدن صاحبها).
(٢١٤) في بعض النُّسَخ: (جذبت ذلك).
(٢١٥) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٨/ ص ٣٨): ((فإنَّ روحه متعلِّقة بالريح) يحتمل أنْ يكون المراد بالروح الروح الحيوانيَّة، وبالريح النفس، وبالهواء الهواء الخارج المنجذب بالنفس، وأنْ يكون المراد بالروح النفس، مجرَّدة كانت أم مادّيَّة، وبالريح الروح الحيوانيَّة لشباهتها بالريح في لطافتها وتحرُّكها ونفوذها في مجاري البدن، وبالهواء النفس).
(٢١٦) أي سكت عن: (وآله)، من الإغضاء، في لسان العرب (ج ٧/ ص ١٩٧ و١٩٨/ مادَّة غضض): (غَضَّ طَرْفَه وبَصره يَغُضُّه غَضًّا...: كفَّه وخَفَضَه وكسره...، وغَضَّ منه يَغُضُّ أي وَضَعَ ونَقَصَ من قدره. وغَضَّه يَغُضُّه غَضًّا: نَقَصَه).
(٢١٧) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٧/ ص ٣٥٩): (فيه دلالة على أنَّ الصلوات على النبيِّ وآله (صلوات الله عليهم) والتوسُّل بهم سبب لإدراك الحقِّ وانكشافه على القلب، وتركها سبب لعدم إدراكه ونسيانه، وفي الأخبار تصريح بأنَّ العلوم الحقَّة كلَّها من جهة حضرته المقدَّسة).
↑صفحة ٧٥↑
أَهْلَهُ فَجَامَعَهَا بِقَلْبٍ سَاكِنٍ وَعُرُوقٍ هَادِئَةٍ(٢١٨) وَبَدَنٍ غَيْرِ مُضْطَرِبٍ اسْتَكَنَتْ تِلْكَ النُّطْفَةُ فِي جَوْفِ الرَّحِمِ فَخَرَجَ المَوْلُودُ يُشْبِهُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، وَإِنْ هُوَ أَتَى زَوْجَتَهُ بِقَلْبٍ غَيْرِ سَاكِنٍ وَعُرُوقٍ غَيْرِ هَادِئَةٍ وَبَدَنٍ مُضْطَرِبٍ اضْطَرَبَتْ تِلْكَ النُّطْفَةُ فَوَقَعَتْ فِي حَالِ اضْطِرَابِهَا عَلَى بَعْضِ الْعُرُوقِ، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِ الْأَعْمَامِ أَشْبَهَ المَوْلُودُ أَعْمَامَهُ، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عِرْقٍ مِنْ عُرُوقِ الْأَخْوَالِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ.
فَقَالَ الرَّجُلُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا وَأَقُولُهَا، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ، وَلَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا وَأَقُولُهَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) -، وَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ، وَلَمْ أَزَلْ أَقُولُهَا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْحَسَنِ (عليه السلام) -، وَأَشْهَدُ عَلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ وَصِيُّهُ وَالْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ، وَلَمْ أَزَلْ أَقُولُهَا، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى جَعْفَرٍ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى(٢١٩)، وَأَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ، وَأَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيٍّ، وَأَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ لَا يُسَمَّى وَلَا يُكَنَّى حَتَّى يُظْهِرَ اللهُ أَمْرَهُ، وَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ قَامَ فَمَضَى.
فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ لِلْحَسَنِ (عليهما السلام): يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، اتَّبِعْهُ فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢١٨) الهادئة: الساكنة غير مضطربة، في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٨٢/ مادَّة هدأ): (هدأ هدءاً وهدوءاً: سكن. وأهدأه: سكَّنه، يقال: هدَّأت الصبيَّ، إذا جعلت تضرب عليه بكفِّك وتُسكِّنه لينام، وأهدأته إهداءً).
(٢١٩) في بعض النُّسَخ: (أنَّه وليُّ موسى).
↑صفحة ٧٦↑
قَالَ: فَخَرَجْتُ فِي أَثَرِهِ، فَمَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجَ المَسْجِدِ حَتَّى مَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ، فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَأَعْلَمْتُهُ.
فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، تَعْرِفُهُ؟
قُلْتُ: لَا، وَاللهُ وَرَسُولُهُ وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ.
فَقَالَ: هُوَ الْخَضِرُ (عليه السلام)»(٢٢٠).
[٢٤/٣] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ رِجَالِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الله مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْحَرِيشِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام) أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: «إِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي كُلِّ سَنَةٍ(٢٢١)، وَإِنَّهُ يُنْزَلُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَمْرُ السَّنَةِ، وَمَا قُضِيَ فِيهَا، وَلِذَلِكَ الْأَمْرِ وُلَاةٌ بَعْدَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ هُمْ، يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟
فَقَالَ: «أَنَا وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ صُلْبِي، أَئِمَّةٌ مُحَدَّثُونَ(٢٢٢)»(٢٢٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢٠) راجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٠٦ - ١٠٨/ ح ٩٣)، والكافي (ج ١/ ص ٥٢٥ و٥٢٥/ باب ما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ١)، وإثبات الوصيَّة (ص ١٦٠ - ١٦٢)، وكمال الدِّين (ص ٣١٣ - ٣١٥/ باب ٢٩/ ح ١)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ٩٦ - ٩٨/ باب ٨٥/ ح ٦)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٦٧ - ٦٩/ ح ٣٥)، ودلائل الإمامة (ص ١٧٤ - ١٧٦/ ح ٩٥/٢٦)، والغيبة للطوسي (ص ١٥٤ و١٥٥/ ح ١١٤).
(٢٢١) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٣/ ص ٧٧): (لا خلاف بين الإماميَّة في أنَّ ليلة القدر وفضلها باقية بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى انقراض الدنيا، وفي كلٍّ منها يكون تنزل الملائكة والروح، وإليه ذهب أكثر العامَّة).
(٢٢٢) المحدَّث بصيغة اسم المفعول، من أُلقي في روعه.
(٢٢٣) الكافي (ج ١/ ص ٢٤٧/ باب في شأن إنَّا أنزلناه في ليلة القدر وتفسيرها/ ح ٢، وص ٥٣٢ و٥٣٣/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ١١)؛ وراجع: الخصال (ص ٤٧٩ و٤٨٠/ ح ٤٧)، وكمال الدِّين (ص ٣٠٤ و٣٠٥/ باب ٢٦/ ح ١٩)، وكفاية الأثر (ص ٢٢٠ و٢٢١)، ومقتضب الأثر (ص ٢٩ و٣٠)، والإرشاد (ج ٢/ ص ٣٤٦)، والاستنصار (ص ١٣ و١٤)، والغيبة للطوسي (ص ١٤١ و١٤٢/ ح ١٠٦).
↑صفحة ٧٧↑
[٢٥/٤] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الله(٢٢٤) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَابُوسَ(٢٢٥)، عَنْ مَنْصُورِ اِبْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ المُسْتَرِقِّ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ المُغِيرَةِ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: أَتَيْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيًّا (عليه السلام) ذَاتَ يَوْمٍ، فَوَجَدْتُهُ مُفَكِّراً يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، تَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ، أَرَغْبَةً مِنْكَ فِيهَا؟
فَقَالَ: «لَا، وَالله مَا رَغِبْتُ فِيهَا وَلَا فِي الدُّنْيَا سَاعَةً قَطُّ(٢٢٦)، وَلَكِنَّ فِكْرِي فِي مَوْلُودٍ يَكُونُ مِنْ ظَهْرِي(٢٢٧)، هُوَ المَهْدِيُّ الَّذِي يَمْلَأُهَا قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، تَكُونُ لَهُ حَيْرَةٌ وَغَيْبَةٌ يَضِلُّ فِيهَا أَقْوَامٌ وَيَهْتَدِي فِيهَا آخَرُونَ».
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَكَمْ تَكُونُ تِلْكَ الْحَيْرَةُ وَالْغَيْبَةُ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢٤) في بعض النُّسَخ: (أحمد).
(٢٢٥) كذا في النُّسَخ، لكن في الكافي: (عن منذر بن محمّد بن قابوس)، والظاهر أنَّه هو الصواب، لأنَّ في اختيار معرفة الرجال: (محمّد بن مسعود - يعني العيَّاشي -، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمّد بن خالد، قال: حدَّثنا منذر بن قابوس، وكان ثقةً...) إلخ.
(٢٢٦) في بعض النُّسَخ: (يوماً قطُّ).
(٢٢٧) في بعض نُّسَخ الحديث: (يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي)، فيحتاج إلى التوجيه والتكلُّف، بأنْ يقال: (من ولدي) نعت (مولود)، و(ظهر الحادي عشر) أي الإمام الحادي عشر، كما في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٤٣).
↑صفحة ٧٨↑
فَقَالَ: «سَبْتٌ مِنَ الدَّهْرِ(٢٢٨)».
فَقُلْتُ: إِنَّ هَذَا لَكَائِنٌ؟
فَقَالَ: «نَعَمْ، كَمَا أَنَّهُ مَخْلُوقٌ».
قُلْتُ: أُدْرِكُ ذَلِكَ الزَّمَانَ؟
فَقَالَ: «أَنَّى لَكَ يَا أَصْبَغُ بِهَذَا الْأَمْرِ؟ أُولَئِكَ خِيَارُ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ أَبْرَارِ هَذِهِ الْعِتْرَةِ».
فَقُلْتُ: ثُمَّ مَا ذَا يَكُونُ(٢٢٩) بَعْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: «ثُمَّ يَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ، فَإِنَّ لَهُ إِرَادَاتٍ وَغَايَاتٍ وَنِهَايَاتٍ(٢٣٠)»(٢٣١)،(٢٣٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٢٨) كذا، وفي الكافي: (فقال: ستَّة أيَّام، أو ستَّة أشهر، أو ستُّ سنين)، وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ١١٩): (لعلَّه مبنيٌّ على وقوع البداء فيه، ولذا ردَّد (عليه السلام) بين أُمور، وأشار إليه في آخر الخبر. ويمكن أنْ يقال: إنَّ السائل سأل عن الغيبة والحيرة معاً، فأجاب (عليه السلام) بأنَّ زمان مجموعهما أحد الأزمنة المذكورة وبعد ذلك تُرفَع الحيرة وتبقى الغيبة، فالترديد باعتبار اختلاف مراتب الحيرة إلى أنِ استقرَّ أمره (عليه السلام) في الغيبة. وقيل: المراد أنَّ آحاد زمان الغيبة هذا المقدار).
(٢٢٩) في بعض النُّسَخ: (قلت: نعم، ما يكون؟).
(٢٣٠) في الكافي: (فإنَّ له بداءات...) إلخ، قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٤٤): (أي يظهر من الله فيه (عليه السلام) أُمور بدائيَّة في امتداد غيبته وزمان ظهوره، ولا يظهر للخلق المحتوم من ذلك للمصالح الجليلة التي سيأتي ذكر بعضها).
(٢٣١) الكافي (ج ١ / ص ٣٣٨/ باب في الغيبة/ ح ٧)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٢٠ و١٢١/ ح ١١٥)، والهداية الكبرى (ص ٣٦٢)، وإثبات الوصيَّة (ص ٢٦٥ و٢٦٦ و٢٧٠)، وكمال الدِّين (ص ٢٢٨ و٢٢٩/ باب ٢٦/ ح ١)، وكفاية الأثر (ص ٢١٩ و٢٢٠)، ودلائل الإمامة (ص ٥٢٩ و٥٣٠/ ح ٥٠٤/١٠٨)، والاختصاص (ص ٢٠٩)، وتقريب المعارف (ص ٤٢٩)، والغيبة للطوسي (ص ١٦٤ - ١٦٦/ ح ١٢٧).
(٢٣٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٤٢ - ٤٤): (في النهاية: فيه: «بينا هو ينكت إذ انتبه» أي يُفكِّر ويُحدِّث نفسه. وأصله من النكت بالحصى، ونكت الأرض بالقضيب، وهو أنْ يُؤثِّر فيها بطرفه، فعل المفكَّر المهموم، ومنه الحديث: فجعل ينكت بقضيب، أي يضرب الأرض بطرفه، انتهى.
(أرغبة): أي تنكت لرغبة، وضمير (فيها) راجع إلى الأرض، ومعلوم أنَّه ليس هذا الفعل لرغبة في نفس الأرض، بل المعنى أنَّ اهتمامك وتفكُّرك لأنْ تملك الأرض وتصير والياً فيها، ويحتمل إرجاع الضمير إلى الخلافة، وربَّما يُحمَل الكلام على المطايبة...، العدل والقسط متقاربان، وكذا الظلم والجور، فالعطف فيهما للتفسير والتأكيد، والعدل نقيض الظلم، والقسط الإنصاف، وهو ضدُّ الجور. (له حيرة): لعلَّ المراد بها التحيُّر في المساكن، وأنَّه كلَّ زمان في بلدة وناحية. (يضلُّ فيها): أي في الغيبة والحيرة، وضلالتهم إنكارهم لوجود الإمام ورجوعهم عن مذهب الإماميَّة...، (كما أنَّه): أي هذا الأمر وهو الغيبة، (مخلوق): أي مقدَّر، أو الضمير راجع إلى المهدي (عليه السلام)، أي كما أنَّ خلقه محتوم فكذا غيبته. (وأنَّى لك بهذا الأمر) استفهام إنكار، وهو بمعنى أين أو بمعنى كيف، والباء زائدة، نحو: ﴿كَفَى بِالله شَهِيداً﴾ [النساء: ٧٩]، بقرينة ﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى﴾ [الدخان: ١٣]، والحاصل أنَّك لا تُدرِك هذا الأمر. (أُولئك): أي أنصار القائم (عليه السلام) أو رعيَّته الثابتون على القول بإمامته في غيبته، (مع خيار أبرار هذه العترة): أي أشارف أولاد الرسول وخيارهم، والجمعيَّة لعلَّها إشارة إلى رجعة سائر الأئمَّة (عليهم السلام)، وفي غيبة الطوسي والإكمال ليس لفظ (الخيار) في الأخير، وهو أظهر، وقيل: خيار هذه الأُمَّة إشارة إلى المؤمنين الراجعين في الرجعة، وخيار الأبرار إلى الأحياء الذين ينصرون أبرار العترة. (ثمّ ما يكون بعد ذلك): أي بعد وقوع الغيبة هل تُرفَع أم لا؟...، و(إرادات) في الإظهار والإخفاء والغيبة والظهور، (وغايات): أي علل ومنافع ومصالح في تلك الأُمور، (ونهايات) مختلفة لغيبته وظهوره بحسب ما يظهر للخلق من ذلك بسبب البداء).
↑صفحة ٧٩↑
[٢٦/٥] وَحَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْقُمِّيُّ أَبُو الْقَاسِمِ(٢٣٣) بِشِيرَازَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الله الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٣٣) هو ابن بنت سعد بن عبد الله الأشعري، وكان يسكن شيراز، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٠٧/ الرقم ١٠٧٩): (ثقة من أصحابنا، له كتاب الكمال في أبواب الشريعة).
↑صفحة ٨٠↑
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، قَالَ: «قَالَ أَبِي لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله الْأَنْصَارِيِّ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَمَتَى يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ أَخْلُوَ بِكَ فِيهَا فَأَسْأَلَكَ عَنْهَا؟
قَالَ جَابِرٌ: فِي أَيِّ الْأَوْقَاتِ أَحْبَبْتَ.
فَخَلَا بِهِ أَبِي يَوْماً، فَقَالَ لَهُ: يَا جَابِرُ، أَخْبِرْنِي عَنِ اللَّوْحِ الَّذِي رَأَيْتَهُ بِيَدِ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمَا)، وعَمَّا أَخْبَرَتْكَ أُمِّي فَاطِمَةُ بِهِ مِمَّا فِي ذَلِكَ اللَّوْحِ مَكْتُوبٌ.
فَقَالَ جَابِرٌ: أُشْهِدُ اللهَ لَا شَرِيكَ لَهُ أَنِّي دَخَلْتُ عَلَى أُمِّكَ فَاطِمَةَ (عليها السلام) فِي حَيَاةِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَهَنَّيْتُهَا بِوِلَادَةِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، وَرَأَيْتُ فِي يَدِهَا لَوْحاً أَخْضَرَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ مِنْ زُمُرُّدٍ، وَرَأَيْتُ فِيهِ كِتَابَةً بَيْضَاءَ شَبِيهَةً بِنُورِ الشَّمْسِ(٢٣٤)، فَقُلْتُ لَهَا: بِأَبِي أَنْتِ وَأُمِّي، مَا هَذَا اللَّوْحُ؟
فَقَالَتْ: هَذَا لَوْحٌ أَهْدَاهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِلَى رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فِيهِ اسْمُ أَبِي، وَاسْمُ بَعْلِي(٢٣٥)، وَاسْمُ وَلَدَيَّ، وَاسْمُ الْأَوْصِيَاءِ مِنْ وُلْدِي، أَعْطَانِيهِ أَبِي لِيُبَشِّرَنِي بِذَلِكَ(٢٣٦).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٣٤) قال الفيض (رحمه الله) في الشافي (ج ١/ ص ٣٠٩): (كأنَّه من عالم الملكوت البرزخي، وخضرته كناية عن توسُّطه بين بياض نور عالم الجبروت وسواد ظلمة عالم الشهادة، وإنَّما كان مكتوبه أبيض لأنَّه كان من العالم الأعلى النوري المحض). وفي بعض النُّسَخ: (رأيت فيه كتاباً أبيض شبيه نور الشمس)، وفي الكافي: (شبه لون الشمس)، وفي كمال الدِّين مثل ما في المتن.
(٢٣٥) في بعض النُّسَخ: (فيه اسمي واسم عليٍّ).
(٢٣٦) في الكافي: (ليسرَّني بذلك)، قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٦/ ص ٢٠٩): (فيه إشعار بحزنها قبل هذا بخبر قتل الحسين (عليه السلام))، كما جاء في خبر أبي خديجة سالم بن مكرم وابن الزيَّات عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الكافي (ج ١/ ص ٤٦٤/ باب مولد الحسين بن عليٍّ (عليهما السلام)/ ح ٣ و٤).
↑صفحة ٨١↑
قَالَ جَابِرٌ: فَدَفَعَتْهُ إِلَيَّ أُمُّكَ فَاطِمَةُ (عليها السلام)، فَقَرَأْتُهُ وَنَسَخْتُهُ.
فَقَالَ لَهُ أَبِي (عليه السلام): يَا جَابِرُ، فَهَلْ لَكَ أَنْ تَعْرِضَهُ عَلَيَّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
فَمَشَى مَعَهُ أَبِي إِلَى مَنْزِلِهِ، فَأَخْرَجَ أَبِي صَحِيفَةً مِنْ رَقٍّ، فَقَالَ: يَا جَابِرُ، انْظُرْ فِي كِتَابِكَ حَتَّى أَقْرَأَ أَنَا عَلَيْكَ.
فَقَرَأَهُ أَبِي عَلَيْهِ، فَمَا خَالَفَ حَرْفٌ حَرْفاً.
فَقَالَ جَابِرٌ: فَأُشْهِدُ اللهَ أَنِّي هَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي اللَّوْحِ مَكْتُوباً:
«بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنَ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ وَنُورِهِ وَحِجَابِهِ وَسَفِيرِهِ وَدَلِيلِهِ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
يَا مُحَمَّدُ، عَظِّمْ أَسْمَائِي، وَاشْكُرْ نَعْمَائِي، وَلَا تَجْحَدْ آلَائِي، إِنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا، قَاصِمُ الْجَبَّارِينَ، وَمُدِيلُ المَظْلُومِينَ، وَدَيَّانُ يَوْمِ الدِّينِ، وَإِنِّي أَنَا اللهُ لَا إِلهَ إِلَّا أَنَا، فَمَنْ رَجَا غَيْرَ فَضْلِي، أَوْ خَافَ غَيْرَ عَدْلِي، عَذَّبْتُهُ عَذاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ، فَإِيَّايَ فَاعْبُدْ، وَعَلَيَّ فَتَوَكَّلْ، إِنِّي لَمْ أَبْعَثْ نَبِيًّا فَأُكْمِلَتْ أَيَّامُهُ، وَانْقَضَتْ مُدَّتُهُ إِلَّا جَعَلْتُ لَهُ وَصِيًّا، وَإِنِّي فَضَّلْتُكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَفَضَّلْتُ وَصِيَّكَ عَلَى الْأَوْصِيَاءِ، وَأَكْرَمْتُكَ بِشِبْلَيْكَ وَسِبْطَيْكَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، فَجَعَلْتُ الْحَسَنَ مَعْدِنَ عِلْمِي بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ أَبِيهِ، وَجَعَلْتُ حُسَيْناً مَعْدِنَ وَحْيِي(٢٣٧)، فَأَكْرَمْتُهُ بِالشَّهَادَةِ، وَخَتَمْتُ لَهُ بِالسَّعَادَةِ، فَهُوَ أَفْضَلُ مَنِ اسْتُشْهِدَ فِيَّ، وَأَرْفَعُ الشُّهَدَاءِ دَرَجَةً عِنْدِي، جَعَلْتُ كَلِمَتِيَ التَّامَّةَ مَعَهُ(٢٣٨)، وَحُجَّتِيَ الْبَالِغَةَ عِنْدَهُ، بِعِتْرَتِهِ أُثِيبُ وَأُعَاقِبُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٣٧) كذا، وفي الكافي وكمال الدِّين: (وجعلت حسيناً خازن علمي).
(٢٣٨) أي جعلت الإمامة في عقبه، كما روى الصدوق (رحمه الله) في معاني الأخبار (ص ١٣١ و١٣٢/ باب معنى الكلمة الباقية في عقب إبراهيم (عليه السلام)/ ح ١) بسنده عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ﴾ [الزخرف: ٢٨]، قال: «هي الإمامة، جعلها الله (عزَّ وجلَّ) في عقب الحسين (عليه السلام) باقية إلى يوم القيامة».
↑صفحة ٨٢↑
أَوَّلُهُمْ عَلِيٌّ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ، وَزَيْنُ أَوْلِيَائِيَ المَاضِينَ، وَابْنُهُ سَمِيُّ جَدِّهِ المَحْمُودِ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ لِعِلْمِي، وَالمَعْدِنُ لِحِكْمَتِي، سَيَهْلِكُ المُرْتَابُونَ فِي جَعْفَرٍ، الرَّادُّ عَلَيْهِ كَالرَّادِّ عَلَيَّ، حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأُكْرِمَنَّ مَثْوَى جَعْفَرٍ، وَلَأَسُرَّنَّهُ فِي أَشْيَاعِهِ وَأَنْصَارِهِ وَأَوْلِيَائِهِ، أُتِيحَتْ(٢٣٩) بَعْدَهُ فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ حِنْدِسٌ، إِلَّا إِنَّ(٢٤٠) خَيْطَ فَرْضِي لَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٣٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٦/ ص ٢١٣): (النُّسَخ في كُتُب الحديث هنا مختلفة غاية الاختلاف، ففي أكثر نُسَخ الكتاب: (أُبيحت) بالباء الموحَّدة والحاء المهملة بمعنى أظهرت، يقال: باح بسرِّه وأباحه إذا أظهره، أو من الإباحة والإحلال، أي أباحوا هذا الإثم العظيم. وفي بعضها: (انتجب) بالنون والتاء المثنَّاة والجيم، فينبغي أنْ يُقرَأ على بناء المجهول إشارة إلى اهتمامهم بشأن تلك الفتنة، وقرأ بعضهم على بناء المعلوم، أي اختار بعده هداية الخلق بموسى في فتنة، فهي منصوبة بالظرفيَّة، ويرد عليه أنَّه على هذا كان الصواب (حندساً). وفي بعض نُسَخ الكتاب وغيره: (أُتيحت) بالتاء المثنَّاة الفوقانيَّة والحاء المهملة على بناء المفعول، من قولهم: تاح له الشيء وأُتيح له، أي قُدِّر وتهيَّأ، وهذه أظهر النُّسَخ. وفي إعلام الورى: (انتجبت بعده موسى، وانتجبت بعده فتنة عمياء حندس إلَّا أنَّ خيط فرضي...) إلخ. وفي بعض النُّسَخ: (أنبحت) بالنون والباء الموحَّدة والحاء المهملة، من نباح الكلب، وقوله: (لأنَّ خيط فرضي) إمَّا علَّة لانتجاب موسى كما في الإعلام، أو لما يدلُّ عليه الفتنة من كون ما ادَّعوه من الوقف باطلاً، والأظهر (إلَّا أنَّ) كما مرَّ في الإعلام بتشديد (إلَّا) أو تخفيفه، وفي كتاب غيبة النعماني أيضاً (إلَّا أنَّ)...، وقرأ بعض الأفاضل: (أُنيخت) بالنون والخاء المعجمة، وقال: الإناخة الإسقاط، ومنه يقال للأسد: المنيخ، لإسقاطه وكسره كلَّ صيد، موافقاً لما يجيء من قولهم، بهم أدفع كلَّ فتنة عمياء حندس، والباء للسببيَّة، والفتنة الضلال والإضلال، وقوله: لأنَّ، استدلال على سقوط الفتنة، انتهى).
إنَّما كانت الفتنة حينذاك عمياء لأنَّ خفاء أمر موسى بن جعفر (عليهما السلام) أكثر من خفاء أمر آبائه (عليهم السلام) لشدَّة التقيَّة، كما ورد في الكافي (ج ١/ ص ٣١٠/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن موسى (عليه السلام)/ ح ١٣) أنَّ أباه (عليه السلام) أوصى إلى خمسة: واحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمّد بن سليمان، وعبد الله، وموسى، وحميدة.
(٢٤٠) في بعض النُّسَخ: (لأنَّ).
↑صفحة ٨٣↑
يَنْقَطِعُ، وَحُجَّتِي لَا تَخْفَى، وَإِنَّ أَوْلِيَائِي بِالْكَأْسِ الْأَوْفَى يُسْقَوْنَ، أَبْدَالُ الْأَرْضِ(٢٤١)، أَلَا وَمَنْ جَحَدَ وَاحِداً مِنْهُمْ فَقَدْ جَحَدَنِي نِعْمَتِي، وَمَنْ غَيَّرَ آيَةً مِنْ كِتَابِي فَقَدِ افْتَرَى عَلَيَّ، وَيْلٌ لِلْمُفْتَرِينَ الْجَاحِدِينَ عِنْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ عَبْدِي مُوسَى وَحَبِيبِي وَخِيَرَتِي، إِنَّ المُكَذِّبَ بِهِ كَالمُكَذِّبِ بِكُلِّ أَوْلِيَائِي، وَهُوَ وَلِيِّي وَنَاصِرِي، وَمَنْ أَضَعُ عَلَيْهِ أَعْبَاءَ النُّبُوَّةِ، وَأَمْتَحِنُهُ بِالْاِضْطِلَاعِ بِهَا(٢٤٢)، وَبَعْدَهُ خَلِيفَتِي عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرِّضَا، يَقْتُلُهُ عِفْرِيتٌ مُسْتَكْبِرٌ، يُدْفَنُ فِي المَدِينَةِ الَّتِي بَنَاهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ ذُو الْقَرْنَيْنِ، خَيْرُ خَلْقِي يُدْفَنُ إِلَى جَنْبِ شَرِّ خَلْقِي، حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأُقِرَّنَّ عَيْنَهُ بِابْنِهِ مُحَمَّدٍ، وَخَلِيفَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَوَارِثِ عِلْمِهِ، وَهُوَ مَعْدِنُ عِلْمِي، وَمَوْضِعُ سِرِّي، وَحُجَّتِي عَلَى خَلْقِي، جَعَلْتُ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ، وَشَفَّعْتُهُ فِي سَبْعِينَ أَلْفاً مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ(٢٤٣) كُلُّهُمْ قَدِ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ، وَأَخْتِمُ بِالسَّعَادَةِ لِابْنِهِ عَلِيٍّ وَلِيِّي وَنَاصِرِي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٤١) في لسان العرب (ج ١١/ ص ٤٩/ مادَّة بدل): (الأبدال: قوم من الصالحين بهم يُقيم الله الأرض، أربعون في الشام وثلاثون في سائر البلاد، لا يموت منهم أحد إلَّا قام مكانه آخر، فلذلك سُمُّوا أَبدالاً، وواحد الأبدال العُبَّاد بِدْل وبَدَل، وقال ابن دريد: الواحد بَدِيل. وروى ابن شميل بسنده حديثاً عن عليٍّ (كرَّم الله وجهه) أَنَّه قال: «الأبدال بالشام، والنُّجَباء بمصر، والعصائب بالعراق»، قال ابن شميل: الأبدال خِيارٌ بَدَلٌ من خِيار، والعصائب عُصْبة وعصائب يجتمعون فيكون بينهم حرب، قال ابن السكِّيت: سُمِّي المُبَرِّزون في الصلاح أَبدالاً لأَنَّهم أُبْدِلوا من السلف الصالح، قال: والأبدال جمع بَدَل وبِدْل، وجَمْع بَدِيل بَدْلى، والأبدال: الأولياء والعُبَّاد، سُمُّوا بذلك لأَنهم كلَّما مات منهم واحد أُبدل بآخر).
وهذه الجملة ليس في الكافي وكمال الدِّين، وإنَّما كان في الأخير: (إنَّ أوليائي لا يشقون أبداً)، وقوله: (إنَّ أوليائي...) إلخ، تعليل للافتنان لشدَّة الابتلاء، فإنَّ الابتلاء كلَّما كان أشدّ كان جزاؤه أوفى وأجزل.
(٢٤٢) في بعض النُّسَخ: (وأمنحه الاطِّلاع بها).
(٢٤٣) في الكافي: (وحجَّتي على خلقي لا يؤمن به عبد إلَّا جعلت الجنَّة مثواه، وشفَّعته في سبعين من أهل بيته).
↑صفحة ٨٤↑
وَالشَّاهِدِ فِي خَلْقِي، وَأَمِينِي عَلَى وَحْيِي، أُخْرِجُ مِنْهُ الدَّاعِيَ إِلَى سَبِيلِي، وَالْخَازِنَ لِعِلْمِيَ الْحَسَنَ، ثُمَّ أُكْمِلُ ذَلِكَ بِابْنِهِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، عَلَيْهِ كَمَالُ مُوسَى، وَبَهَاءُ عِيسَى، وَصَبْرُ أَيُّوبَ، تُسْتَذَلُّ أَوْلِيَائِي فِي زَمَانِهِ(٢٤٤)، وَتُتَهَادَى رُءُوسُهُمْ كَمَا تُتَهَادَى رُءُوسُ التُّرْكِ وَالدَّيْلَمِ، فَيُقْتَلُونَ وَيُحْرَقُونَ، وَيَكُونُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ مَرْعُوبِينَ، تُصْبَغُ الْأَرْضُ مِنْ دِمَائِهِمْ، وَيَفْشُو الْوَيْلُ وَالرَّنَّةُ فِي نِسَائِهِمْ، أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي حَقًّا، وَحَقٌّ عَلَيَّ أَنْ أَرْفَعَ عَنْهُمْ كُلَّ عَمْيَاءَ حِنْدِسٍ(٢٤٥)، وَبِهِمْ أَكْشِفُ الزَّلَازِلَ، وَأَرْفَعُ عَنْهُمُ الْآصَارَ وَالْأَغْلَالَ، ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: ١٥٧]».
قَالَ أَبُو بَصِيرٍ: لَوْ لَمْ تَسْمَعْ فِي دَهْرِكَ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ لَكَفَاكَ، فَصُنْهُ إِلَّا عَنْ أَهْلِهِ(٢٤٦)،(٢٤٧).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٤٤) أي في زمان غيبته وخفائه (عجَّل الله فرجه) عن الناس.
(٢٤٥) في الكافي وكمال الدِّين: (بهم أدفع كلَّ فتنة عمياء حندس).
(٢٤٦) الكافي (ج ١/ ص ٥٢٧ و٥٢٨/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ٣)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٠٣ - ١٠٦/ ح ٩٢)، والهداية الكبرى (ص ٣٦٤ - ٣٦٦)، وإثبات الوصيَّة (ص ١٦٨ - ١٧٠)، وكمال الدِّين (ص ٣٠٨ - ٣١١/ باب ٢٨/ ح ١)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٤٨ - ٥٠/ ح ٢)، والاختصاص (ص ٢١٠ - ٢١٢)، والغيبة للطوسي (ص ١٤٣ - ١٤٦/ ح ١٠٨).
(٢٤٧) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ١٩٨ - ٢٠٠): (الرقُّ - بالفتح والكسر -: الجلد الرقيق الذي يُكتَب فيه...، والسفير: الرسول المصلح بين القوم، وأُطلق الحجاب عليه لأنَّه واسطة بين الله وبين الخلق كالحجاب الواسطة بين المحجوب والمحجوب عنه، أو لأنَّ له وجهين: وجهاً إلى الله، ووجهاً إلى الخلق. والمراد بالأسماء إمَّا أسماء ذاته المقدَّسة أو الأئمَّة (عليهم السلام)...، والنعماء مفرد بمعنى النعمة العظيمة، وهي النبوَّة وما يلزمها ويلحقها. وبالآلاء سائر النِّعَم والأوصياء (عليهم السلام)...، والإدالة: إعطاء الدولة والغلبة. والمظلومون: الأئمَّة وشيعتهم الذين ينصرهم الله في آخر الزمان. وديان الدِّين أي المجازي لكلِّ مكلَّف ما عمل من خير وشرٍّ يوم الدِّين. وفي القاموس: الدِّين - بالكسر -: الجزاء والإسلام والعبادة والطاعة والحساب والقهر والسلطان والحكم والقضاء، والديَّان: القهَّار والقاضي والحاكم والحاسب والمجازي. (فمن رجا غير فضلي): كأنَّ المعنى أنَّ كلَّ ما يرجوه العباد من ربِّهم فليس جزاء لأعمالهم بحيث يجب على الله ذلك، بل هو من فضله سبحانه، وأعمالهم لا تكافئ عشراً من أعشار ما أنعم عليهم قبلها، بل هي أيضاً من نِعَمه تعالى، وإنْ لزم عليه سبحانه إعطاء الثواب بمقتضى وعده، فبعده أيضاً من فضله. وذهب الأكثر إلى أنَّ المعنى: رجا فضل غيري، ولا يخفى بعده لفظاً ومعنًى، ويُؤيِّد ما ذكرنا قوله: (أو خاف غير عدلي) إذ العقوبات التي يخافها العباد إنَّما هي من عدله، وإنَّ من اعتقد أنَّها ظلم فقد كفر. (عذَّبته عذاباً): أي تعذيباً، ويجوز أنْ يُجعَل مفعولاً به على السعة. (لا أُعذِّبه) الضمير للمصدر، أو للعذاب إنْ أُريد به ما يُعذَّب به على حذف حرف الجرِّ كما ذكره البيضاوي. (بشبليك): أي ولديك تشبيهاً لهما بولد الأسد في الشجاعة، أو له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالأسد فيها، أو الأعمّ، أو المعنى: ولدي أسدك، تشبيهاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) بالأسد. وفي القاموس: الشبل - بالكسر -: ولد الأسد).
↑صفحة ٨٥↑
[٢٧/٦] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ شَيْبَانَ(٢٤٨) مِنْ كِتَابِهِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ(٢٤٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ(٢٥٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إِنَّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي اثْنَا عَشَرَ مُحَدَّثاً».
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الله بْنُ زَيْدٍ(٢٥١)، وَكَانَ أَخَا عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٤٨) عنونه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٤٢/ الرقم ١١٩٠)، قائلاً: (أبو عبد الله، الكندي، العلَّاف، الشيخ، الثقة، الصدوق، لا يُطعَن عليه).
(٢٤٩) في بعض النُّسَخ: (ثلاث عشرة ومائتين).
(٢٥٠) في بعض النُّسَخ: (حدَّثنا عليُّ بن أبي يوسف، عن ابن عمرو).
(٢٥١) في بعض النُّسَخ: (عبد الله بن يوسف).
↑صفحة ٨٦↑
مِنَ الرَّضَاعَةِ(٢٥٢): سُبْحَانَ الله مُحَدَّثاً! كَالمُنْكِرِ لِذَلِكَ.
قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: «أَمَا وَالله إِنَّ ابْنَ أُمِّكَ كَانَ كَذَلِكَ - يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام) -»(٢٥٣).
[٢٨/٧] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي وَعَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) اخْتَارَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئاً، اخْتَارَ مِنَ الْأَرْضِ مَكَّةَ، وَاخْتَارَ مِنْ مَكَّةَ المَسْجِدَ، وَاخْتَارَ مِنَ المَسْجِدِ المَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْكَعْبَةُ، وَاخْتَارَ مِنَ الْأَنْعَامِ إِنَاثَهَا، وَمِنَ الْغَنَمِ الضَّأْنَ، وَاخْتَارَ مِنَ الْأَيَّامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاخْتَارَ مِنَ الشُّهُورِ شَهْرَ رَمَضَانَ، وَمِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَاخْتَارَ مِنَ النَّاسِ بَنِي هَاشِمٍ، وَاخْتَارَنِي وَعَلِيًّا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَاخْتَارَ مِنِّي وَمِنْ عَلِيٍّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ(٢٥٤)، وَيُكْمِلُهُ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ، تَاسِعُهُمْ بَاطِنُهُمْ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٥٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٣/ ص ١٦٣): (أمَّا كون عبد الله أخا عليِّ ابن الحسين (عليه السلام) لأُمِّه فهو ممَّا ذكره العامَّة في كُتُبهم، ففي مختصر تهذيب الكمال: عليُّ بن الحسين أُمُّه أُمُّ ولد اسمها غزالة، خلف عليها بعد الحسين زيد مولى للحسين بن عليٍّ، فولدت له عبد الله بن زيد، انتهى. والحقُّ أنَّه لم يكن أخاه حقيقةً، بل قيل: إنَّ أُمَّ عبد الله كانت أرضعته (عليه السلام)، فكان أخاً رضاعيًّا له (عليه السلام)، وقال ابن داود: عبد الله كان أُمُّه وشيكة ظئر عليِّ بن الحسين (عليه السلام)، وكان يدعوها أُمًّا، وهي التي زوَّجها فعابه عبد المَلِك بن مروان بأنَّه زوَّج أُمَّه توهُّماً أنَّها والدته، وكانت والدته شهربانويه، وقد تُوفّيت وهو طفل).
(٢٥٣) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٢ و١٥٣/ ح ١٤٨) صدره؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٣٤٠/ ج ٧/ باب ٥/ ح ٤)، والكافي (ج ١/ ص ٢٧٠/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) محدَّثون مفهَّمون/ ح ٢).
(٢٥٤) في بعض النُّسَخ بعد قوله: (ليلة القدر) هكذا: (واختار من الناس الأنبياء، واختار من الأنبياء الرُّسُل، واختارني من الرُّسُل، واختار منِّي عليًّا، واختار من عليٍّ الحسن والحسين والأوصياء [من ولده] ينفون عن التنزيل تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين).
↑صفحة ٨٧↑
وَهُوَ ظَاهِرُهُمْ، وَهُوَ أَفْضَلُهُمْ، وَهُوَ قَائِمُهُمْ(٢٥٥)».
قَالَ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ فِي حَدِيثِهِ: «يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ».
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنِ الْحَسَنِ اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ(٢٥٦)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) اخْتَارَنِي...» الْحَدِيثَ(٢٥٧).
[٢٩/٨] وَمِنْ كِتَابِ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ(٢٥٨)، مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٥٥) كذا، وفي كمال الدِّين هكذا: (تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم، وهو باطنهم). قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٢٥٦): (قوله: (وهو ظاهرهم) أي يظهر ويغلب على الأعادي، (وهو باطنهم) أي يبطن ويغيب عنهم زماناً).
(٢٥٦) كذا، وفي كمال الدِّين: (عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام)).
(٢٥٧) راجع: الهداية الكبرى (ص ٣٦٣)، وإثبات الوصيَّة (ص ٢٦٦ و٢٦٨)، وكمال الدِّين (ص ٢٨١/ باب ٢٤/ ح ٣٢)، ودلائل الإمامة (ص ٤٥٣ و٤٥٤/ ح ٤٣٢٣٦)، ومقتضب الأثر (ص ٩ و١٠)، والاستنصار (ص ٨ و٩)، والغيبة للطوسي (ص ١٤٢ و١٤٣/ ح ١٠٧).
(٢٥٨) قال العلَّامة (رحمه الله) في خلاصة الأقوال (ص ١٦٢/ الرقم ١): (قال السيِّد عليُّ بن أحمد العقيقي: كان سُلَيم بن قيس من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، طلبه الحجَّاج ليقتله فهرب وآوى إلى أبان بن أبي عيَّاش، فلمَّا حضرته الوفاة قال لأبان: إنَّ لك عليَّ حقًّا، وقد حضرني الموت. يا بن أخي، إنَّه كان من الأمر بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كيت وكيت، وأعطاه كتاباً، فلم يرو عن سُلَيم أحد من الناس سوى أبان بن أبي عيَّاش).
وقال المولى المازندراني في شرح أُصول الكافي (ج ٢/ ص ٢٠٨ و٢٠٩): (أقول: وممَّا يدلُّ على حسن حاله وعدالته وصحَّة كتابه وعقيدته وجلالة شأنه وصحبته لأمير المؤمنين (عليه السلام) ما روى عنه محمّد بن عليِّ بن بابويه في كتاب الاعتقادات من حديث طويل في باب الاعتقاد في الحديثين المختلفين، أنَّه قال: قلت لأمير المؤمنين (عليه السلام): إنِّي سمعت من سلمان ومقداد وأبي ذرٍّ شيئاً من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبيِّ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غير ما في أيدي الناس، وسمعت منك تصديق ما سمعت منهم...).
↑صفحة ٨٨↑
سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ(٢٥٩) وَمُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامِ بْنِ سُهَيْلٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ ابْنَا عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ المَوْصِلِيِّ، عَنْ رِجَالِهِمْ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ(٢٦٠)، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ.
وَأَخْبَرَنَا بِهِ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الطُّرُقِ هَارُونُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ الله بْنِ جَعْفَرِ بْنِ المُعَلَّى الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَمْرُو بْنُ جَامِعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرْبٍ الْكِنْدِيُّ(٢٦١)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ المُبَارَكِ شَيْخٌ لَنَا كُوفِيٌّ ثِقَةٌ(٢٦٢)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ شَيْخُنَا، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٥٩) في بعض النُّسَخ: (ممَّا رواه أحمد بن محمّد بن سعيد).
(٢٦٠) معمر بن راشد الأزدي، مولاهم، أبو عروة البصري، عنونه ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٢٠٢/ الرقم ٦٨٣٣)، وقال: (ثقة ثبت فاضل).
(٢٦١) لم نعثر في كُتُب الرجال على عنوان لهؤلاء الثلاثة.
(٢٦٢) عبد الله بن المبارك، عنونه ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٥/ ص ٣٣٤/ الرقم ٦٥٧)، ونقل عن جماعة من الأعلام كونه عالماً فقيهاً عابداً زاهداً شيخاً شجاعاً كيِّساً مثبتاً ثقةً، وقال ابن معين: (وكان عالماً صحيح الحديث، وكانت كُتُبه التي حدَّث بها عشرين ألفاً أو إحدى وعشرين ألفاً).
وعنونه الخطيب في تاريخ بغداد (ج ١٠/ ص ١٥٢/ الرقم ٥٣٠٦) وأطال الكلام في شأنه، وقال: (وكان من الربَّانيِّين في العلم، الموصوفين بالحفظ، ومن المذكورين بالزهد)، لكن عدَّ عبد الرزَّاق من رواته، ولعلَّه غيره.
↑صفحة ٨٩↑
وَذَكَرَ أَبَانٌ أَنَّهُ سَمِعَهُ أَيْضاً عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ.
قَالَ مَعْمَرٌ: وَذَكَرَ أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ أَنَّهُ سَمِعَهُ أَيْضاً عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ سُلَيْمٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَـمَّا دَعَا أَبَا الدَّرْدَاءِ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَنَحْنُ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عليه السلام) بِصِفِّينَ، فَحَمَّلَهُمَا الرِّسَالَةَ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عليه السلام)، وَأَدَّيَاهَا إِلَيْهِ، قَالَ: «قَدْ بَلَّغْتُمَانِي مَا أَرْسَلَكُمَا بِهِ مُعَاوِيَةُ، فَاسْتَمِعَا مِنِّي وَأَبْلِغَاهُ عَنِّي كَمَا بَلَّغْتُمَانِي».
قَالَا: نَعَمْ.
فَأَجَابَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام) الْجَوَابَ بِطُولِهِ حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى ذِكْرِ نَصْبِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِيَّاهُ بِغَدِيرِ خُمٍّ بِأَمْرِ الله تَعَالَى، قَالَ: «لَـمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [المائدة: ٥٥]، فَقَالَ النَّاسُ: يَا رَسُولَ الله، أَخَاصَّةٌ لِبَعْضِ المُؤْمِنِينَ أَمْ عَامَّةٌ لِجَمِيعِهِمْ؟
فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنْ يُعَلِّمَهُمْ وَلَايَةَ مَنْ أَمَرَهُمُ اللهُ بِوَلَايَتِهِ(٢٦٣)، وَأَنْ يُفَسِّرَ لَهُمْ مِنَ الْوَلَايَةِ مَا فُسِّرَ لَهُمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَزَكَاتِهِمْ وَصَوْمِهِمْ وَحَجِّهِمْ».
قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «فَنَصَبَنِي رَسُولُ الله بِغَدِيرِ خُمٍّ، وَقَالَ: إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ ضَاقَ بِهَا صَدْرِي، وَظَنَنْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبُونِي، فَأَوْعَدَنِي لَأُبَلِّغَنَّهَا أَوْ لَيُعَذِّبَنِي. قُمْ يَا عَلِيُّ، ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ أَنْ يُنَادَى بِالصَّلَاةَ جَامِعَةً، فَصَلَّى بِهِمُ الظُّهْرَ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ مَوْلَايَ، وَأَنَا مَوْلَى المُؤْمِنِينَ، وَأَنَا أَوْلَى بِهِمْ مِنْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ، وعَادِ مَنْ عَادَاهُ(٢٦٤).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٦٣) في بعض النُّسَخ: (أنْ يعلمهم من أمر الله بولايتهم).
(٢٦٤) زاد في كتاب سُلَيم: (وانصر من نصره، واخذل من خذله).
↑صفحة ٩٠↑
فَقَامَ إِلَيْهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، وَلَاءُ مَاذَا(٢٦٥)؟
فَقَالَ: مَنْ كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَعَلِيٌّ أَوْلَى بِهِ مِنْ نَفْسِهِ.
فَأَنْزَلَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ [المائدة: ٣].
فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: يَا رَسُولَ الله، أَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِي عَلِيٍّ خَاصَّة؟
قَالَ: بَلْ فِيهِ وَفِي أَوْصِيَائِي(٢٦٦) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، بَيِّنْهُمْ لِي(٢٦٧).
قَالَ: عَلِيٌّ أَخِي وَوَصِيِّي، وَوَارِثِي(٢٦٨)، وَخَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي، وَوَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، وَأَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً مِنْ وُلْدِي، أَوَّلُهُمْ ابْنِي حَسَنٌ، ثُمَّ ابْنِي حُسَيْنٌ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، هُمْ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَهُمْ، لَا يُفَارِقُونَهُ وَلَا يُفَارِقُهُمْ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ».
فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مِنَ الْبَدْرِيِّينَ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَمَا قُلْتَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ سَوَاءً، لَمْ تُزَدْ وَلَمْ تُنْقَصْ.
وَقَالَ بَقِيَّةُ الْبَدْرِيِّينَ(٢٦٩) الَّذِينَ شَهِدُوا مَعَ عَلِيٍّ صِفِّينَ: قَدْ حَفِظْنَا جُلَّ مَا قُلْتَ وَلَمْ نَحْفَظْ كُلَّهُ، وَهَؤُلَاءِ الِاثْنَا عَشَرَ خِيَارُنَا وَأَفَاضِلُنَا.
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «صَدَقْتُمْ، لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَحْفَظُ، وَبَعْضُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٦٥) في كتاب سُلَيم: (يا رسول الله، ولاؤه كماذا؟ فقال: ولاؤه كولايتي، من كنت أُولى به...) إلخ.
(٢٦٦) في بعض النُّسَخ: (أوليائي).
(٢٦٧) في بعض النُّسَخ: (سمِّهم لي)، وفي كتاب سُلَيم: (بيِّنهم لنا).
(٢٦٨) في بعض النُّسَخ: (وصيِّي وصنوي ووارثي)، وفي بعضها: (ووزيري) مكان (ووارثي).
(٢٦٩) في بعض النُّسَخ: (بقيَّة السبعين).
↑صفحة ٩١↑
بَعْضٍ(٢٧٠)».
وَقَامَ مِنَ الِاثْنَيْ عَشَرَ أَرْبَعَةٌ: أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ(٢٧١)، وَأَبُو أَيُّوبَ(٢٧٢)، وَعَمَّارٌ(٢٧٣)، وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ(٢٧٤)، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّا قَدْ حَفِظْنَا قَوْلَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَوْمَئِذٍ، وَالله إِنَّهُ لَقَائِمٌ وَعَلِيٌّ (عليه السلام) قَائِمٌ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْصِبَ لَكُمْ إِمَاماً يَكُونُ وَصِيِّي فِيكُمْ، وَخَلِيفَتِي فِي أَهْلِ بَيْتِي وَفِي أُمَّتِي مِنْ بَعْدِي، وَالَّذِي فَرَضَ اللهُ طَاعَتَهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ فِي كِتَابِهِ، وَأَمَرَكُمْ فِيهِ بِوَلَايَتِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَشِيتُ(٢٧٥) طَعْنَ أَهْلِ النِّفَاقِ وَتَكْذِيبَهُمْ، فَأَوْعَدَنِي لَأُبَلِّغَنَّهَا أَوْ لَيُعَاقِبُنِي.
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَمَرَكُمْ فِي كِتَابِهِ بِالصَّلَاةِ، وَقَدْ بَيَّنْتُهَا لَكُمْ وَسَنَنْتُهَا لَكُمْ، وَالزَّكَاةَ والصَّوْمَ فَبَيَّنْتُهُمَا لَكُمْ وَفَسَّرْتُهُمَا، وَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ بِالْوَلَايَةِ، وَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ - أَيُّهَا النَّاسُ - أَنَّهَا خَاصَّةٌ لِهَذَا وَلِأَوْصِيَائِي مِنْ وُلْدِي وَوُلْدِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٧٠) في كتاب سُلَيم: (وبعضهم أحفظ من بعض).
(٢٧١) أبو الهيثم مالك بن التيِّهان كان من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن النقباء، شهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المشاهد كلَّها، وقُتِلَ مع عليٍّ (عليه السلام) بصفِّين.
(٢٧٢) أبو أيُّوب خالد بن زيد الأنصاري الخزرجي هو الذي نزل النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عنده حين دخل المدينة، شهد بدراً والمشاهد كلَّها معه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مات بأرض الروم غازياً سنة (٥٢هـ)، ودُفِنَ إلى حصن بالقسطنطينيَّة، وأهل الروم يستسقون به.
(٢٧٣) عمَّار بن ياسر بن عامر، أبو اليقظان، مولى بني مخزوم، فهو صحابي جليل، شهد بدراً وأُحُداً والمشاهد كلَّها، وقُتِلَ بصفِّين وهو مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، قتلته الفئة الباغية أتباع معاوية.
(٢٧٤) خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، فهو الذي جعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شهادته شهادة رجلين، شهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدراً وأُحُداً، وشهد صفِّين مع أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقُتِلَ يومئذٍ بعد عمَّار (رحمهما الله).
(٢٧٥) كذا، والقياس: (أخشى).
↑صفحة ٩٢↑
أَوَّلُهُمُ ابْنِيَ الْحَسَنُ، ثُمَّ الْحُسَيْنُ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ، لَا يُفَارِقُونَ الْكِتَابَ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ أَعْلَمْتُكُمْ مَفْزَعَكُمْ بَعْدِي، وَإِمَامَكُمْ وَوَلِيَّكُمْ وَهَادِيَكُمْ بَعْدِي، وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخِي، وَهُوَ فِيكُمْ بِمَنْزِلَتِي، فَقَلِّدُوهُ دِينَكُمْ، وَأَطِيعُوهُ فِي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ، فَإِنَّ عِنْدَهُ جَمِيعَ مَا عَلَّمَنِي اللهُ (عزَّ وجلَّ)، أَمَرَنِي اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ أُعَلِّمَهُ إِيَّاهُ(٢٧٦) وَأَنْ أُعَلِّمَكُمْ أَنَّهُ عِنْدَهُ، فَسَلُوهُ وَتَعَلَّمُوا مِنْهُ وَمِنْ أَوْصِيَائِهِ، وَلَا تُعَلِّمُوهُمْ، وَلَا تَتَقَدَّمُوا عَلَيْهِمْ، وَلَا تَتَخَلَّفُوا عَنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ مَعَ الْحَقِّ وَالْحَقُّ مَعَهُمْ، لَا يُزَايِلُهُمْ وَلَا يُزَايِلُونَهُ».
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ) لِأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ حَوْلَهُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً﴾ [الأحزاب: ٣٣]، فَجَمَعَنِي رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَفَاطِمَةَ وَالحَسَنَ وَالحُسَيْنَ فِي كِسَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَحِبَّتِي وَعِتْرَتِي وَثَقَلِي وَخَاصَّتِي(٢٧٧) وَأَهْلُ بَيْتِي، فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً.
فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: وَأَنَا.
فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَهَا: وَأَنْتِ إِلَى خَيْرٍ، إِنَّمَا أُنْزِلَتْ فِيَّ، وَفِي أَخِي عَلِيٍّ، وَفِي ابْنَتِي فَاطِمَةَ، وَفِي ابْنَيَّ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ، وَفِي تِسْعَةٍ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ خَاصَّةً، لَيْسَ فِيهَا مَعَنَا أَحَدٌ غَيْرُنَا؟».
فَقَامَ جُلُّ النَّاسِ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْنَا بِذَلِكَ، فَسَأَلْنَا رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَحَدَّثَنَا كَمَا حَدَّثَتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَنْزَلَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ: ﴿يَا أَيُّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٧٦) في بعض النُّسَخ: (أنْ أُعلِّمه جميع ما علَّمني الله (عزَّ وجلَّ)).
(٢٧٧) في بعض النُّسَخ: (وحامتي) مكان (وخاصَّتي).
↑صفحة ٩٣↑
الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي الله حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ [الحجّ: ٧٧ و٧٨].
فَقَامَ سَلْمَانُ (رضي الله عنه) عِنْدَ نُزُولِهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَنْتَ شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ وَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى النَّاسِ الَّذِينَ اجْتَبَاهُمُ اللهُ وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةِ أَبِيهِمْ إِبْرَاهِيمَ؟
فَقَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): عَنَى اللهُ تَعَالَى بِذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ إِنْسَاناً: أَنَا، وَأَخِي عَلِيًّا، وَأَحَدَ عَشَرَ مِنْ وُلْدِهِ؟».
فَقَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «أَنْشُدُكُمْ بِالله أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَامَ خَطِيباً ثُمَّ لَمْ يَخْطُبْ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ(٢٧٨) لَنْ تَضِلُّوا مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ الله (عزَّ وجلَّ)، وَأَهْلَ بَيْتِي، فَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ قَدْ أَخْبَرَنِي وَعَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا(٢٧٩) حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ؟».
فَقَالُوا: نَعَمْ، اللَّهُمَّ قَدْ شَهِدْنَا(٢٨٠) ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مِنَ الْجَمَاعَةِ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّ رَسُولَ الله حِينَ خَطَبَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ شِبْهَ المُغْضَبِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، لِكُلِّ أَهْلِ بَيْتِكَ؟
فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنْ لِأَوْصِيَائِي مِنْهُمْ: عَلِيٌّ أَخِي، وَوَزِيرِي، وَوَارِثِي،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٧٨) في بعض النُّسَخ: (فيكم الثقلين).
(٢٧٩) في بعض النُّسَخ: (لا يفترقان).
(٢٨٠) في بعض النُّسَخ: (فقالوا: اللَّهُمَّ نعم قد شهدنا).
↑صفحة ٩٤↑
وَخَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي، وَوَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، وَهُوَ أَوَّلُهُمْ وَخَيْرُهُمْ، ثُمَّ وَصِيُّهُ بَعْدَهُ ابْنِي هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ -، ثُمَّ وَصِيُّهُ ابْنِي هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى الْحُسَيْنِ -، ثُمَّ وَصِيُّهُ ابْنِي بَعْدَهُ سَمِيُّ أَخِي، ثُمَّ وَصِيُّهُ بَعْدَهُ سَمِيِّي، ثُمَّ سَبْعَةٌ مِنْ وُلْدِهِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ الْحَوْضَ، شُهَدَاءُ الله فِي أَرْضِهِ، وَحُجَجُهُ عَلَى خَلْقِهِ، مَنْ أَطَاعَهُمْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللهَ».
فَقَامَ السَّبْعُونَ الْبَدْرِيُّونَ وَنَحْوُهُمْ مِنَ المُهَاجِرِينَ فَقَالُوا: ذَكَّرْتُمُونَا مَا كُنَّا نَسِينَاهُ، نَشْهَدُ أَنَّا قَدْ كُنَّا سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فَانْطَلَقَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَحَدَّثَا مُعَاوِيَةَ بِكُلِّ مَا قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام) وَمَا اسْتُشْهِدَ عَلَيْهِ، وَمَا رَدَّ عَلَيْهِ النَّاسُ وَشَهِدُوا بِهِ(٢٨١).
[٣٠/٩] وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: لَـمَّا أَقْبَلْنَا مِنْ صِفِّينَ مَعَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) نَزَلَ قَرِيباً مِنْ دَيْرِ نَصْرَانِيٍّ(٢٨٢)، إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا شَيْخٌ مِنَ الدَّيْرِ جَمِيلُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الْهَيْأَةِ وَالسَّمْتِ(٢٨٣)، مَعَهُ كِتَابٌ، حَتَّى أَتَى أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي مِنْ نَسْلِ حَوَارِيِّ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، وَكَانَ أَفْضَلَ حَوَارِيِّ عِيسَى الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَأَحَبَّهُمْ إِلَيْهِ، وَآثَرَهُمْ عِنْدَهُ(٢٨٤)، وَإِنَّ عِيسَى أَوْصَى إِلَيْهِ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ كُتُبَهُ، وَعَلَّمَهُ حِكْمَتَهُ(٢٨٥)، فَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ هَذَا الْبَيْتِ عَلَى دِينِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨١) كتاب سُلَيم بن قيس (ص ٢٩٥ - ٣٠٠)؛ وراجع: كمال الدِّين (ص ٢٧٤ - ٢٧٩/ باب ٢٤/ ح ٢٥).
(٢٨٢) في بعض النُّسَخ: (من دير نصارى).
(٢٨٣) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٢٥٤/ مادَّة سمت): (السمت: هيأة أهل الخير، يقال: ما أحسن سمته، أي هديه).
(٢٨٤) في بحار الأنوار: (وأبرَّهم عنده).
(٢٨٥) في بعض النُّسَخ: (وعلمه وحكمته).
↑صفحة ٩٥↑
مُتَمَسِّكِينَ بِمِلَّتِهِ(٢٨٦)، لَمْ يَكْفُرُوا وَلَمْ يَرْتَدُّوا وَلَمْ يُغَيِّرُوا، وَتِلْكَ الْكُتُبُ عِنْدِي إِمْلَاءُ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ وَخَطُّ أَبِينَا بِيَدِهِ، فِيهَا كُلُّ شَيْءٍ يَفْعَلُ النَّاسُ مِنْ بَعْدِهِ، وَاسْمُ مَلِكٍ مَلِكٍ مِنْ بَعْدِهِ مِنْهُمْ، وَأَنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَبْعَثُ رَجُلاً مِنَ الْعَرَبِ مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الله، مِنْ أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا: تِهَامَةُ، مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: مَكَّةُ، يُقَالُ لَهُ: أَحْمَدُ، لَهُ اثْنَا عَشَرَ اسْماً، وَذَكَرَ مَبْعَثَهُ، وَمَوْلِدَهُ، وَمُهَاجَرَتَهُ، وَمَنْ يُقَاتِلُهُ، وَمَنْ يَنْصُرُهُ، وَمَنْ يُعَادِيهِ، وَمَا يَعِيشُ، وَمَا تَلْقَى أُمَّتُهُ بَعْدَهُ إِلَى أَنْ يَنْزِلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ مِنَ السَّمَاءِ، وَفِي ذَلِكَ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ وُلْدِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الله مِنْ خَيْرِ خَلْقِ الله، وَمِنْ أَحَبِّ خَلْقِ الله إِلَيْهِ، وَاللهُ وَلِيٌّ لِمَنْ وَالَاهُمْ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاهُمْ، مَنْ أَطَاعَهُمُ اهْتَدَى، وَمَنْ عَصَاهُمْ ضَلَّ، طَاعَتُهُمْ لله طَاعَةٌ، وَمَعْصِيَتُهُمْ لله مَعْصِيَةٌ، مَكْتُوبَةٌ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَنْسَابُهُمْ وَنُعُوتُهُمْ، وَكَمْ يَعِيشُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، وَكَمْ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَسْتَتِرُ بِدِينِهِ وَيَكْتُمُهُ مِنْ قَوْمِهِ، وَمِنَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُمْ وَيَنْقَادُ لَهُ النَّاسُ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) عَلَى آخِرِهِمْ فَيُصَلِّيَ عِيسَى خَلْفَهُ، وَيَقُولُ: إِنَّكُمْ لَأَئِمَّةٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَقَدَّمَكُمْ، فَيَتَقَدَّمُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ وَعِيسَى خَلْفَهُ فِي الصَّفِّ، أَوَّلَهُمْ وَخَيْرَهُمْ وَأَفْضَلَهُمْ، وَلَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ وَأُجُورِ مَنْ أَطَاعَهُمْ وَاهْتَدَى بِهِمْ. رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اسْمُهُ: مُحَمَّدٌ، وَعَبْدُ الله، وَيس، وَالْفَتَّاحُ، وَالْخَاتَمُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْعَاقِبُ، وَالمَاحِي، وَالْقَائِدُ، وَنَبِيُّ الله، وَصَفِيُّ الله، وَحَبِيبُ الله(٢٨٧)، وَإِنَّهُ يُذْكَرُ إِذَا ذُكِرَ، مِنْ أَكْرَمِ خَلْقِ الله عَلَى الله(٢٨٨)، وَأَحَبِّهِمْ إِلَى الله، لَمْ يَخْلُقِ اللهُ مَلَكاً مُكْرَّماً(٢٨٩) وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلاً مِنْ آدَمَ فَمَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٨٦) في بعض النُّسَخ: (متمسِّكين عليه).
(٢٨٧) في بعض النُّسَخ: (وجنب الله).
(٢٨٨) في بعض النُّسَخ: (وهو أكرم خلق الله عليه).
(٢٨٩) في بعض النُّسَخ: (مَلَكاً مقرَّباً).
↑صفحة ٩٦↑
سِوَاهُ خَيْراً عِنْدَ الله وَلَا أَحَبَّ إِلَى الله مِنْهُ، يُقْعِدُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى عَرْشِهِ، وَيُشَفِّعُهُ فِي كُلِّ مَنْ يَشْفَعُ فِيهِ(٢٩٠)، بِاسْمِهِ جَرَى الْقَلَمُ(٢٩١) فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، وَبِصَاحِبِ اللِّوَاءِ يَوْمَ الْحَشْرِ الْأَكْبَرِ أَخِيهِ وَوَصِيِّهِ وَوَزِيرِهِ وَخَلِيفَتِهِ فِي أُمَّتِهِ، وَمِنْ أَحَبِّ خَلْقِ الله إِلَى الله بَعْدَهُ، عَلِيٌّ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَوَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدَهُ، ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ وُلْدِ مُحَمَّدٍ وَوُلْدِهِ، أَوَّلُهُمْ يُسَمَّى بِاسْمِ ابْنَيْ هَارُونَ(٢٩٢) شَبَّراً وَشَبِيراً، وَتِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ أَصْغَرِهِمَا وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ، آخِرُهُمُ الَّذِي يُصَلِّي عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ خَلْفَهُ...» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ(٢٩٣).
[٣١/١٠] وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبَانٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِعَلِيٍّ (عليه السلام): إِنِّي سَمِعْتُ مِنْ سَلْمَانَ وَمِنَ الْمِقْدَادِ وَمِنْ أَبِي ذَرٍّ أَشْيَاءَ مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمِنَ الْأَحَادِيْثِ(٢٩٤) عَنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) غَيْرَ مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ، ثُمَّ سَمِعْتُ مِنْكَ تَصْدِيقاً لِمَا سَمِعْتُ مِنْهُمْ، وَرَأَيْتُ فِي أَيْدِي النَّاسِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يُخَالِفُونَهُمْ فِيهَا، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ(٢٩٥) كَانَ كُلُّهُ بَاطِلاً، أَفَتَرَى أَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُتَعَمِّدِينَ، وَيُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِآرَائِهِمْ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٩٠) في بعض النُّسَخ: (في كلِّ من شفع فيه).
(٢٩١) في بحار الأنوار: (صرَّح القلم).
(٢٩٢) كذا في النُّسَخ، والأصوب: (من ولد محمّد، أُولاهما يسمُّون باسم ابني هارون).
(٢٩٣) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٩ - ١٦١/ ح ١٥٩)؛ وراجع: كتاب سُلَيم ابن قيس (ص ٢٥٢ - ٢٥٤)، والفضائل لابن شاذان (ص ١٤٢ - ١٤٥)، وإرشاد القلوب (ج ٢/ ص ٢٩٨ و٢٩٩)، وبحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٢١٠ - ٢١٢/ ح ١٣).
(٢٩٤) في بعض النُّسَخ: (الرواية).
(٢٩٥) في بعض النُّسَخ: (ومن الأحاديث عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون أنَّ ذلك)، وفي الخصال هكذا أيضاً.
↑صفحة ٩٧↑
قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلِيٌّ (عليه السلام) وَقَالَ: «قَدْ سَأَلْتَ فَافْهَمِ الْجَوَابَ، إِنَّ فِي أَيْدِي النَّاسِ حَقًّا وَبَاطِلاً، وَصِدْقاً وَكَذِباً، وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً، وَخَاصًّا وَعَامًّا، وَمُحْكَماً وَمُتَشَابِهاً، وَحِفْظاً وَوَهَماً، وَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَلَى عَهْدِهِ حَتَّى قَامَ خَطِيباً فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ الْكِذَابَةُ(٢٩٦)، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، ثُمَّ كُذِبَ عَلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةٌ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ:
رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِلْإِيمَانِ، مُتَصَنِّعٌ لِلْإِسْلَامِ بِاللِّسَانِ، لَا يَتَأَثَّمُ وَلَا يَتَحَرَّجُ أَنْ يَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُتَعَمِّداً، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ(٢٩٧) أَنَّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ مَا قَبِلُوا مِنْهُ، وَلَمْ يُصَدِّقُوهُ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا قَدْ صَحِبَ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَقَدْ رَآهُ، وَسَمِعَ مِنْهُ، [وَأَخَذُوا عَنْهُ، وَهُمْ لَا يَعْرِفُونَ حَالَهُ](٢٩٨)، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللهُ عَنِ المُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ(٢٩٩)، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ، فَقَالَ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ [المنافقون: ٤]، ثُمَّ بَقُوا بَعْدَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَتَقَرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلَالِ وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ، حَتَّى وَلَّوْهُمُ الْأَعْمَالَ، وَحَمَلُوهُمْ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ(٣٠٠)، وَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٢٩٦) الكِذَابة بكسر الكاف وتخفيف الذال: مصدر كذب يكذب، أي كثرت عليَّ كذبة الكذَّابين.
(٢٩٧) في بعض النُّسَخ: (فلو علم المسلمون)، والمتن موافق للكافي والخصال.
(٢٩٨) ما بين المعقوفتين كان في بعض النُّسَخ دون بعض، ولكنَّه موجود في الخصال والكافي.
(٢٩٩) كذا في نهج البلاغة أيضاً، وفي الخصال والكافي: (وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره).
(٣٠٠) قد افتُعِلَ في أيَّام بني أُميَّة لاسيّما زمان معاوية بن أبي سفيان حديث كثير على هذا الوجه جدًّا، جلُّها في مناقب الخلفاء وولائجهم، وبعضها في الطعن على أهل الحقِّ الذين تحزَّبوا عن أهل الباطل ولجأوا إلى الحصن الحصين أمير المؤمنين (عليه السلام).
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة (ج ١١/ ص ٤٦): (وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه وهو من أكابر المحدِّثين وأعلامهم في تاريخه... وقال: إنَّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتُعِلَت في أيَّام بني أُميَّة تقرُّباً إليهم بما يظنُّون أنَّهم يرغمون به أُنوف بني هاشم).
↑صفحة ٩٨↑
النَّاسُ مَعَ المُلُوكِ وَالدُّنْيَا إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، فَهَذَا(٣٠١) أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ.
وَرَجُلٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شَيْئاً وَلَمْ يَحْفَظْهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَوَهِمَ فِيهِ، وَلَمْ يَتَعَمَّدْ كَذِباً، فَهُوَ فِي يَدَيْهِ وَيَقُولُ بِهِ وَيَعْمَلُ بِهِ وَيَرْوِيهِ وَيَقُولُ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَلَوْ عَلِمَ المُسْلِمُونَ أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ، وَلَوْ عَلِمَ هُوَ أَنَّهُ وَهَمٌ لَرَفَضَهُ.
وَرَجُلٌ ثَالِثٌ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شَيْئاً أَمَرَ بِهِ ثُمَّ نَهَى عَنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، أَوْ سَمِعَهُ يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَحَفِظَ المَنْسُوخَ وَلَمْ يَحْفَظِ النَّاسِخَ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضَهُ، وَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ إِذَا سَمِعُوا مِنْهُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لَرَفَضُوهُ(٣٠٢).
وَرَجُلٌ رَابِعٌ لَمْ يَكْذِبْ عَلَى الله وَلَا عَلَى رَسُولِهِ، بُغْضاً لِلْكَذِبِ، وَخَوْفاً مِنَ الله (عزَّ وجلَّ)، وَتَعْظِيماً لِرَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَلَمْ يَسْهُ(٣٠٣)، بَلْ حَفِظَ الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهِهِ، فَجَاءَ بِهِ كَمَا سَمِعَهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ، وَحَفِظَ النَّاسِخَ وَالمَنْسُوخَ، فَعَمِلَ بِالنَّاسِخِ وَرَفَضَ المَنْسُوخَ.
وَإِنَّ أَمْرَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَنَهْيَهُ مِثْلُ الْقُرْآنِ، لَهُ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ، وَعَامٌّ وَخَاصٌّ، وَمُحْكَمٌ وَمُتَشَابِهٌ، قَدْ كَانَ يَكُونُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الْكَلَامُ لَهُ وَجْهَانِ: كَلَامٌ عَامٌّ، وَكَلَامٌ خَاصٌّ(٣٠٤) مِثْلُ الْقُرْآنِ، قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) فِي كِتَابِهِ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٠١) في بعض النُّسَخ: (فهو).
(٣٠٢) المنسوخ ما رُفِعَ حكمه الشرعي بدليل شرعي آخر متأخِّر عنه. وإنَّما النسخ يكون في الأحاديث الواردة عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فحسب دون أوصيائه، إذ لا معنى لنسخ حكم من الأحكام بعده (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(٣٠٣) في بعض النُّسَخ: (ولم يتوهَّم).
(٣٠٤) في بعض النُّسَخ: (وجهان عامٌّ وخاصٌّ).
↑صفحة ٩٩↑
الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [الحشر: ٧]، يَسْمَعُهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ وَلَمْ يَدْرِ(٣٠٥) مَا عَنَى اللهُ (عزَّ وجلَّ)، وَلَا مَا عَنَى بِهِ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَلَيْسَ كُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَانَ يَسْأَلُهُ عَنِ الشَّيْءِ فَيَفْهَمُ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْأَلُهُ وَلَا يَسْتَفْهِمُ، حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا لَيُحِبُّونَ أَنْ يَجِيءَ الْأَعْرَابِيُّ أَوِ الطَّارِيُّ فَيَسْأَلَ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَتَّى يَسْمَعُوا، وَقَدْ كُنْتُ أَنَا أَدْخُلُ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كُلَّ يَوْمٍ دَخْلَةً وَكُلَّ لَيْلَةٍ دَخْلَةً، فَيُخْلِينِي فِيهَا خَلْوَةً أَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ، وَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرِي، فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي بَيْتِي، يَأْتِينِي رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي بَيْتِي، وَكُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ عَلَيْهِ بَعْضَ مَنَازِلِهِ أَخْلَانِي، وَأَقَامَ عَنِّي نِسَاءَهُ، فَلَا يَبْقَى عِنْدَهُ غَيْرِي، وَإِذَا أَتَانِي لِلْخَلْوَةِ مَعِي فِي مَنْزِلِي لَمْ تَقُمْ عَنِّي فَاطِمَةُ وَلَا أَحَدٌ مِنَ ابْنَيَّ، وَكُنْتُ إِذَا ابْتَدَأْتُ أَجَابَنِي، وَإِذَا سَكَتُّ عَنْهُ وَفَنِيَتْ مَسَائِلِي ابْتَدَأَنِي، وَدَعَا اللهَ أَنْ يُحَفِّظَنِي وَيُفَهِّمُنِي، فَمَا نَسِيتُ شَيْئاً قَطُّ مُذْ دَعَا لِي، وَإِنِّي قُلْتُ لِرَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يَا نَبِيَّ الله، إِنَّكَ مُنْذُ دَعَوْتَ اللهَ لِي بِمَا دَعَوْتَ لَمْ أَنْسَ مِمَّا عَلَّمْتَنِي شَيْئاً وَمَا تُمْلِيهِ عَلَيَّ، فَلِمَ تَأْمُرْنِي بِكَتْبِهِ؟ أَتَتَخَوَّفُ عَلَيَّ النِّسْيَانَ؟
فَقَالَ: يَا أَخِي، لَسْتُ أَتَخَوَّفُ عَلَيْكَ(٣٠٦) النِّسْيَانَ، وَلَا الْجَهْلَ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنَّهُ قَدِ اسْتَجَابَ لِي فِيكَ وَفِي شُرَكَائِكَ الَّذِينَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكَ، وَإِنَّمَا تَكْتُبُهُ لَهُمْ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، وَمَنْ شُرَكَائِي؟
قَالَ: الَّذِينَ قَرَنَهُمُ اللهُ بِنَفْسِهِ وَبِي فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، فَإِنْ خِفْتُمْ تَنَازُعاً فِي شَيْءٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٠٥) كذا، وفي الكافي والخصال: (فيشتبه على من لا يعرف ولم يدرِ).
(٣٠٦) في الخصال والكافي: (لست أخاف عليك).
↑صفحة ١٠٠↑
فَرُدُّوهُ(٣٠٧) إِلَى الله وَإِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ(٣٠٨).
فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله، وَمَنْ هُمْ؟
قَالَ: الْأَوْصِيَاءُ إِلَى أَنْ يَرِدُوا عَلَيَّ حَوْضِي، كُلُّهُمْ هَادٍ مُهْتَدٍ، لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ، هُمْ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَهُمْ، لَا يُفَارِقُونَهُ وَلَا يُفَارِقُهُمْ، بِهِمْ تُنْصَرُ أُمَّتِي وَيُمْطَرُونَ، وَيُدْفَعُ عَنْهُمْ بِمُسْتَجَابَاتِ(٣٠٩) دَعَوَاتِهِمْ.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله، سَمِّهِمْ لِي.
فَقَالَ: ابْنِي هَذَا - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْحَسَنِ -، ثُمَّ ابْنِي هَذَا - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْحُسَيْنِ -، ثُمَّ ابْنٌ لَهُ عَلَى اسْمِكَ يَا عَلِيُّ، ثُمَّ ابْنٌ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْحُسَيْنِ وَقَالَ: سَيُولَدُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ فِي حَيَاتِكَ، فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ، ثُمَّ تَكْمِلَةُ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً.
قُلْتُ: يَا نَبِيَّ الله، سَمِّهِمْ لِي، فَسَمَّاهُمْ رَجُلاً رَجُلاً، مِنْهُمْ وَالله يَا أَخَا بَنِي هِلَالٍ مَهْدِيُّ هَذِهِ الْأُمَّةِ(٣١٠)، الَّذِي يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(٣١١)،(٣١٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٠٧) في بعض النُّسَخ: (فارجعوه).
(٣٠٨) كذا، وهذا مضمون مأخوذ من الآية لا لفظها.
(٣٠٩) في بعض النُّسَخ: (بعظائم).
(٣١٠) في بعض النُّسَخ: (مهدي أُمَّة محمّد).
(٣١١) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٦١ - ١٦٤/ ح ١٦٠)؛ وراجع: كتاب سُلَيم بن قيس: (ص ١٨١ - ١٨٤)، وتفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ٢٥٣ و٢٥٤/ ح ١٧٧)، والكافي (ج ١/ ص ٦٢ - ٦٤/ باب اختلاف الحديث/ ح ١)، والمسترشد (ص ٢٣١ - ٢٣٦/ ح ٦٧)، وكمال الدِّين (ص ٢٨٤ و٢٨٥/ باب ٢٤/ ح ٣٧)، والخصال (ص ٢٥٥ - ٢٥٧/ ح ١٣١)، والاستنصار (ص ١٠ - ١٣)، وتُحَف العقول (ص ١٩٣ - ١٩٦)، ونهج البلاغة (ص ٣٢٥ - ٣٢٨/ الخطبة ٢١٠).
معه في كلِّ ما يخوض فيه من المعارف، وكنت أُوافقه في كلِّ ما يتكلَّم فيه، وأفهم مراده).
(٣١٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢/ ص ٢٣١ - ٢٣٣): (قوله (عليه السلام): ←
↑صفحة ١٠١↑
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→«حقًّا وباطلاً وصدقاً وكذباً» ذكر الصدق والكذب بعد الحقِّ والباطل من قبيل ذكر الخاصِّ بعد العامِّ، لأنَّ الصدق والكذب من خواصِّ الخبر، والحقُّ والباطل يصدقان على الأفعال أيضاً، وقيل: الحقُّ والباطل هنا من خواصِّ الرأي والاعتقاد، والصدق والكذب من خواصِّ النقل والرواية. قوله (عليه السلام): «محكماً ومتشابهاً» المحكم في اللغة هو المضبوط المتقن، ويُطلَق في الاصطلاح على ما اتَّضح معناه، وعلى ما كان محفوظاً من النسخ أو التخصيص أو منهما معاً، وعلى ما كان نظمه مستقيماً خالياً عن الخلل، وما لا يحتمل من التأويل إلَّا وجهاً واحداً، ويقابله بكلٍّ من هذه المعاني المتشابه.
قوله (عليه السلام): «ووهماً» - بفتح الهاء - مصدر قولك: وهمت - بالكسر - أي غلطت وسهوت، وقد روي وهْماً - بالتسكين - مصدر وهمت - بالفتح - إذا ذهب وهمك إلى شيء وأنت تريد غيره، والمعنى متقارب. قوله (عليه السلام): «فليتبوَّأ» صيغة الأمر، ومعناه الخبر، كقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا﴾ (مريم: ٧٥). قوله (عليه السلام): «متصنِّع بالإسلام»: أي متكلِّف له ومتدلِّس به غير متَّصف به في نفس الأمر.
قوله (عليه السلام): «لا يتأثَّم» أي لا يكفُّ نفسه عن موجب الإثم، أو لا يعدُّ نفسه آثماً بالكذب عليه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكذا قوله: «لا يتحرَّج» من الحرج، بمعنى الضيق. قوله (عليه السلام): «وقد أخبر الله (عزَّ وجلَّ) عن المنافقين» أي كان ظاهرهم ظاهراً حسناً، وكلامهم كلاماً مزيَّفاً مدلَّساً يوجب اغترار الناس بهم وتصديقهم فيما ينقلونه عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويرشد إلى ذلك أنَّه سبحانه خاطب نبيَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ﴾ أي لصباحتهم وحسن منظرهم، ﴿وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ﴾ أي تصغي إليهم لذلاقة ألسنتهم. قوله (عليه السلام): «فولَّوهم الأعمال» أي أئمَّة الضلال بسبب وضع الأخبار أعطوا هؤلاء المنافقين الولايات وسلَّطوهم على رقاب الناس، ويحتمل العكس أيضاً، أي بسبب مفتريات هؤلاء المنافقين صاروا والين على الناس وصنعوا ما شاءوا وابتدعوا ما أرادوا، ولكنَّه بعيد. قوله (عليه السلام): «ناسخ ومنسوخ» قال الشيخ البهائي (رحمه الله): خبر ثان لأنَّ، أو خبر مبتدأ محذوف، أي بعضه ناسخ وبعضه منسوخ ، أو بدل من (مثل) وجرُّه على البدليَّة من القرآن ممكن، فإنَّ قيام البدل مقام المبدل منه غير لازم عند كثير من المحقِّقين. قوله (عليه السلام): «وقد كان يكون» اسم (كان) ضمير الشأن، و(يكون) تامَّة وهي مع اسمها الخبر،←
↑صفحة ١٠٢↑
[٣٢/١١] وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّ عَلِيًّا (عليه السلام) قَالَ لِطَلْحَةَ - فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عِنْدَ ذِكْرِ تَفَاخُرِ المُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِمَنَاقِبِهِمْ وَفَضَائِلِهِمْ -: «يَا طَلْحَةُ، أَلَيْسَ قَدْ شَهِدْتَ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حِينَ دَعَانَا بِالْكَتِفِ لِيَكْتُبَ فِيهَا مَا لَا تَضِلُّ الْأُمَّةُ بَعْدَهُ وَلَا تَخْتَلِفُ، فَقَالَ صَاحِبُكَ مَا قَالَ: إِنَّ رَسُولَ الله يَهْجُرُ، فَغَضِبَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَتَرَكَهَا؟».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ وله وجهان: نعت للكلام لأنَّه في حكم النكرة، أو حال منه، وإنْ جعلت (يكون) ناقصة فهو خبرها. قوله (عليه السلام): «وقال الله» لعلَّ المراد أنَّهم لـمَّا سمعوا هذه الآية علموا وجوب اتِّباعه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولـمَّا اشتبه عليهم مراده عملوا بما فهموا منه وأخطأوا فيه، فهذا بيان لسبب خطأ الطائفة الثانية والثالثة، ويحتمل أنْ يكون ذكر الآية لبيان أنَّ هذه الفرقة الرابعة المحقَّة إنَّما تتبَّعوا جميع ما صدر عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الناسخ والمنسوخ والعامِّ والخاصِّ، لأنَّ الله تعالى أمرهم باتِّباعه في كلِّ ما يصدر عنه. قوله (عليه السلام): «فيشتبه» متفرِّع على ما قبل الآية، أي كان يشتبه كلام الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على من لا يعرف، ويحتمل أنْ يكون المراد أنَّ الله تعالى إنَّما أمرهم بمتابعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيما يأمرهم به من اتِّباع أهل بيته والرجوع إليهم فإنَّهم كانوا يعرفون كلامه ويعلمون مرامه فاشتبه ذلك على من لم يعرف مراد الله تعالى وظنُّوا أنَّه يجوز لهم العمل بما سمعوا منه بعده (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من غير رجوع إلى أهل بيته. قوله (عليه السلام): «ما عنى الله به» الموصول مفعول (لم يدرِ)، ويحتمل أنْ يكون فاعل (يشتبه). قوله (عليه السلام): «ولا يستفهمه»: أي إعظاماً له. قوله (عليه السلام): «والطاري»: أي الغريب الذي أتاه عن قريب من غير أُنس به وبكلامه. وإنَّما كانوا يُحِبُّون قدومهما إمَّا لاستفهامهم وعدم استعظامهم إيَّاه، أو لأنَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يتكلَّم على وفق عقولهم، فيُوضِّحه حتَّى يفهم غيرهم. قوله (عليه السلام): «فيخليني فيها» من الخلوة، يقال: استخلى الملك فأخلاه، أي سأله أنْ يجتمع به في خلوة ففعل، أو من التخلية، أي يتركني أدور معه. قوله (عليه السلام): «أدور معه حيثما دار»: أي لا أُمنع عن شيء من خلواته، أدخل معه أيَّ مدخل يدخل فيه، وأسير معه أينما سار، أو المراد أنِّي كنت محرماً لجميع أسراره، قابلاً لعلومه، أخوض معه في كلِّ ما يخوض فيه من المعارف، وكنت أُوافقه في كلِّ ما يتكلَّم فيه، وأفهم مراده).
↑صفحة ١٠٣↑
قَالَ: بَلَى قَدْ شَهِدْتُهُ.
قَالَ: «فَإِنَّكُمْ لَـمَّا خَرَجْتُمْ أَخْبَرَنِي رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِالَّذِي أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِيهَا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ الْعَامَّةَ، وَأَنَّ جَبْرَئِيلَ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ أَنَّ الْأُمَّةَ سَتَخْتَلِفُ وَتَفْتَرِقُ، ثُمَّ دَعَا بِصَحِيفَةٍ فَأَمْلَى عَلَيَّ مَا أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ فِي الْكَتِفِ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ ثَلَاثَةَ رَهْطٍ: سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ، وَأَبَا ذَرٍّ، وَالْمِقْدَادَ، وَسَمَّى مَنْ يَكُونُ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى الَّذِينَ أَمَرَ المُؤْمِنِينَ بِطَاعَتِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَسَمَّانِي أَوَّلَهُمْ، ثُمَّ ابْنِي هَذَا حَسَنٌ، ثُمَّ ابْنِي هَذَا حُسَيْنٌ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ ابْنِي هَذَا حُسَيْنٍ، كَذَلِكَ يَا أَبَا ذَرٍّ، وَأَنْتَ يَا مِقْدَادُ؟».
قَالَا: نَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فَقَالَ طَلْحَةُ: وَالله لَقَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ لِأَبِي ذَرٍّ: «مَا أَقَلَّتِ(٣١٣) الْغَبْرَاءُ، وَلَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ(٣١٤) ذَا لَهْجَةٍ(٣١٥) أَصْدَقَ وَلَا أَبَرَّ مِنْ أَبِي ذَرٍّ»، وَأَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَنْتَ أَصْدَقُ وَأَبَرُّ عِنْدِي مِنْهُمَا(٣١٦).
[٣٣/١٢] وَبِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بْنِ هَمَّامٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام): «مَرَرْتُ يَوْماً بِرَجُلٍ - سَمَّاهُ لِي -، فَقَالَ: مَا مَثَلُ مُحَمَّدٍ إِلَّا كَمَثَلِ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِي كبَاةٍ(٣١٧).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣١٣) في لسان العرب (ج ١١/ ص ٥٦٥/ مادَّة قلل): (يقال: أقلَّ الشيء يقلُّه واستقلَّه: حمله ورفعه).
(٣١٤) في لسان العرب (ج ٤/ص ٢٤٥/مادَّة خضر): (الخضراء: السماء، والغبراء: الأرض).
(٣١٥) في بعض النُّسَخ: (على ذي لهجة).
(٣١٦) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٦ و١٥٧/ ح ١٥٥)؛ وراجع: كتاب سُلَيم بن قيس (ص ٢١١ و٢١٢)، والاحتجاج (ج ١/ ص ٢٢٣ و٢٢٤).
(٣١٧) في النهاية لابن الأثير (ج ٤/ ص ١٤٦): (في حديث العبَّاس: قال: يا رسول الله، إنَّ قريشاً جعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض. قال شمر: لم نسمع الكبوة، ولكنَّا سمعنا: الكبا والكبة، وهي الكناسة والتراب الذي يُكنَس من البيت. وقال غيره: الكبة من الأسماء الناقصة أصلها كبوة، مثل قلة وثبة أصلهما قلوة وثبوة، ويقال للربوة: كبوة بالضمِّ. وقال الزمخشري: الكبا: الكناسة، وجمعه أكباء، والكبة بوزن قلة وظبة ونحوهما، وأصلها كبوة، وعلى الأصل جاء الحديث إلَّا أنَّ المحدِّث لم يضبط الكلمة فجعلها كبوة بالفتح، فإنْ صحَّت الرواية بها فوجهه أنْ تُطلَق الكبوة وهي المرَّة الواحدة من الكسح على الكساحة والكناسة، ومنه الحديث أنَّ ناساً من الأنصار قالوا له: إنَّا نسمع من قومك: إنَّما مثل محمّد كمثل نخلة تنبت في كبا، هي بالكسر والقصر: الكناسة، وجمعها أكباء).
↑صفحة ١٠٤↑
فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَغَضِبَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَخَرَجَ مُغْضَباً وَأَتَى الْمِنْبَرَ، فَفَزِعَتِ(٣١٨) الْأَنْصَارُ إِلَى السِّلَاحِ لِمَا رَأَوْا مِنْ غَضَبِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قَالَ: فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يُعَيِّرُونِي بِقَرَابَتِي وَقَدْ سَمِعُونِي أَقُولُ فِيهِمْ مَا أَقُولُ مِنْ تَفْضِيلِ الله تَعَالَى إِيَّاهُمْ وَمَا اخْتَصَّهُمْ بِهِ مِنْ إِذْهَابِ الرِّجْسِ عَنْهُمْ وَتَطْهِيرِ الله إِيَّاهُمْ؟ وَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْتُهُ فِي فَضْلِ أَهْلِ بَيْتِي وَوَصِيِّي، وَمَا أَكْرَمَهُ اللهُ بِهِ وَخَصَّهُ وَفَضَّلَهُ، مِنْ سَبْقِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ، وَبَلَائِهِ فِيهِ، وَقَرَابَتِهِ مِنِّي، وَأَنَّهُ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى، ثُمَّ يَمُرُّ بِهِ فَزَعَمَ أَنَّ مَثَلِي فِي أَهْلِ بَيْتِي كَمَثَلِ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِي أَصْلِ حَشٍّ(٣١٩)؟
أَلَا إِنَّ اللهَ خَلَقَ خَلْقَهُ وَفَرَّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ الْفِرْقَتَيْنِ، وَفَرَّقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣١٨) في لسان العرب (ج ٨/ص ٢٥٢/مادَّة فزع): (فزع إلى القوم: استغاثهم...، وفزع إليه: لجأ).
(٣١٩) في لسان العرب (ج ٦/ ص ٢٨٦/ مادَّة حشش): (الحَشُّ والحُشُّ: جماعة النخل، وقال ابن دريد: هما النخل المجتمع. والحشُّ أيضاً: البستان...، والحشُّ: المُتَوَضَّأُ، سُمِّي به لأنَّهم كانوا يذهبون عند قضاء الحاجة إِلى البساتين).
↑صفحة ١٠٥↑
الْفِرْقَةَ ثَلَاثَ شُعَبٍ، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا شَعْباً، وَخَيْرِهَا قَبِيلَةً، ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتاً، فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهَا بَيْتاً، حَتَّى خَلَصْتُ فِي أَهْلِ بَيْتِي وَعِتْرَتِي وَبَنِي أَبِي(٣٢٠)، أَنَا وَأَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، نَظَرَ اللهُ سُبْحَانَهُ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ نَظْرَةً وَاخْتَارَنِي مِنْهُمْ، ثُمَّ نَظَرَ نَظْرَةً فَاخْتَارَ عَلِيًّا أَخِي، وَوَزِيرِي، وَوَارِثِي، وَوَصِيِّي، وَخَلِيفَتِي فِي أُمَّتِي، وَوَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي، مَنْ وَالَاهُ فَقَدْ وَالَى اللهَ، وَمَنْ عَادَاهُ فَقَدْ عَادَى اللهَ(٣٢١)، وَمَنْ أَحَبَّهُ أَحَبَّهُ اللهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُ أَبْغَضَهُ اللهُ، لَا يُحِبُّهُ إِلَّا كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَلَا يُبْغِضُهُ إِلَّا كُلُّ كَافِرٍ، هُوَ زِرُّ الْأَرْضِ(٣٢٢) بَعْدِي وَسَكَنِهَا، وَهُوَ كَلِمَةُ التَّقْوَى، وَعُرْوَةُ الله الْوُثْقَى، ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ﴾ [التوبة: ٣٢]، يُرِيدُ أَعْدَاءُ الله أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ أَخِي، وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ.
أَيُّهَا النَّاسُ، لِيُبَلِّغْ مَقَالَتِي شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ، اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ إِنَّ اللهَ نَظَرَ نَظْرَةً ثَالِثَةً فَاخْتَارَ مِنْ أَهْلَ بَيْتِي بَعْدِي، وَهُمْ خِيَارُ أُمَّتِي، أَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً بَعْدَ أَخِي وَاحِداً بَعْدَ وَاحِدٍ، كُلَّمَا هَلَكَ وَاحِدٌ قَامَ وَاحِدٌ، مِثْلَهُمْ فِي أُمَّتِي(٣٢٣) كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ، كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ، إِنَّهُمْ أَئِمَّةٌ هُدَاةٌ مَهْدِيُّونَ، لَا يَضُرُّهُمْ كَيْدُ مَنْ كَادَهُمْ، وَلَا خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ، بَلْ يُضِرُّ اللهُ بِذَلِكَ مَنْ كَادَهُمْ وَخَذَلَهُمْ، هُمْ حُجَجُ الله فِي أَرْضِهِ، وَشُهَدَاؤُهُ عَلَى خَلْقِهِ(٣٢٤)، مَنْ أَطَاعَهُمْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَاهُمْ عَصَى اللهَ، هُمْ مَعَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مَعَهُمْ لَا يُفَارِقُهُمْ وَلَا يُفَارِقُونَهُ حَتَّى يَرِدُوا عَلَيَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٢٠) يعني به جدَّه عبد المطَّلب.
(٣٢١) في بعض النُّسَخ: (من والاه والاه الله، ومن عاداه عاداه الله).
(٣٢٢) في النهاية لابن الأثير (ج ٢/ ص ٣٠٠): (أي قوامها، وأصله من زرِّ القلب، وهو عظم صغير يكون قوام القلب به).
(٣٢٣) في بعض النُّسَخ وفي بحار الأنوار (ج ٣٦/ص ٢٧٨ و٢٧٩/ح ٩٨): (في أهل بيتي).
(٣٢٤) في بعض النُّسَخ: (هم حُجَج الله على خلقه في أرضه وشهداؤه عليهم).
↑صفحة ١٠٦↑
حَوْضِي، وَأَوَّلُ الْأَئِمَّةِ أَخِي عَلِيٌّ خَيْرُهُمْ، ثُمَّ ابْنِي حَسَنٌ، ثُمَّ ابْنِي حُسَيْنٌ، ثُمَّ تِسْعَةٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ...» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ(٣٢٥).
[٣٤/١٣] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ المَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ(٣٢٦)، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): مَا مَعْنَى قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً﴾ [الفرقان: ١١]؟
قَالَ لِي: «إِنَّ اللهَ خَلَقَ السَّنَةَ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْراً، وَجَعَلَ اللَّيْلَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَجَعَلَ النَّهَارَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً(٣٢٧)، وَمِنَّا اثْنَيْ عَشَرَ مُحَدَّثاً، وَكَانَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مِنْ تِلْكَ السَّاعَاتِ».
[٣٥/١٤] وَبِهِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ ثَابِتِ بْنِ شُرَيْحٍ(٣٢٨)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (عليهما السلام)(٣٢٩) يَقُولُ: «مِنَّا اثْنَا(٣٢٥) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٨ و١٥٩/ ح ١٥٨)؛ وراجع: كتاب سُلَيم بن قيس (ص ٢٣٥ و٢٣٦).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٢٦) هو الحسن بن أيُّوب بن أبي عقيلة الذي ذكره الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ١٠١/ الرقم ١٧٩/١٩)، وقال: (له كتاب النوادر، رويناه بالإسناد الأوَّل عن حميد، عن أحمد ابن عليٍّ الحموي الصيدي، عنه)، وكأنَّ (الحموي) تصحيف (الحميري).
(٣٢٧) فإنَّ مجموع ساعات الليل والنهار أربع وعشرون ساعة، ففي أوَّل الربيع وأوَّل الخريف يكون كلُّ واحد من الليل والنهار اثنتي عشرة ساعة، وهذا هو المعدّل لهما وملاكهما حكماً في الأمكنة التي يكون اختلافهما فيها كثيراً كالقطبين. وفي قوله (عليه السلام): (وجعل) إشعار بذلك حيث لم يقل: (وخلق).
(٣٢٨) في بعض النُّسَخ والبحار(ج ٣٦/ ص ٣٩٩/ ح ٧): (سمعت جعفر بن محمّد (عليهما السلام)).
(٣٢٩) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١١٦/ الرقم ٢٩٧): (ثابت بن شريح أبو إسماعيل الصائغ الأنباري، مولى الأزد، ثقة).
↑صفحة ١٠٧↑
عَشَرَ مُحَدَّثاً».
[٣٦/١٥] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ(٣٣٠)، عَنْ أَبِي السَّائِبِ(٣٣١)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): «اللَّيْلُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، وَالنَّهَارُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، وَالشُّهُورُ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً، وَالْأَئِمَّةُ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً، وَالنُّقَبَاءُ اثْنَا عَشَرَ نَقِيباً، وَإِنَّ عَلِيًّا سَاعَةٌ مِنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَهُوَ قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً﴾ [الفرقان: ١١]»(٣٣٢).
[٣٧/١٦] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(٣٣٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ بِقُمَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ(٣٣٤)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ(٣٣٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٣٠) الظاهر أنَّ المراد بـ(ابن سنان) محمّد بن سنان الزاهري المعنون في الرجال.
(٣٣١) الظاهر أنَّ المراد بـ(أبي السائب) عطاء بن السائب، المكنَّى بأبي السائب ظاهراً، وهو رجل عامِّي، راجع: تهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ١٨٣/ الرقم ٣٨٦). وفي بعض النُّسَخ: (عن ابن السائب)، وفي بعضها: (عن أبي صامت).
(٣٣٢) تفسير القمِّي (ج ٢/ ص ١١٢) بتفاوت.
(٣٣٣) ستأتي الإشارة في الحديث (٣٧٩/٥) أنَّه عليُّ بن بابويه المعروف.
(٣٣٤) في النُّسَخ: (محمّد بن الحسين أو محمّد بن الحسن)، والصواب ما في المتن، وهو أبو عبد الله الزينبي، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٣٨/ الرقم ٩٠٣): (يُعرَف ويُنكَر بين بين، يروي عن الضعفاء كثيراً).
(٣٣٥) يعني بـ(محمّد بن عليٍّ) أبا سمينة الصيرفي، ذكره الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ٢٢٣/ الرقم ٦٢٤/٣٩).
↑صفحة ١٠٨↑
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ: وَحَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ سِنَانٍ، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ؟
قَالَ: «إِنَّ فَضْلَ أَوَّلِنَا يَلْحَقُ فَضْلَ آخِرِنَا، وَفَضْلَ آخِرِنَا يَلْحَقُ فَضْلَ أَوَّلِنَا(٣٣٦)، فَكُلٌّ لَهُ فَضْلٌ».
قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَسِّعْ عَلَيَّ فِي الْجَوَابِ فَإِنِّي وَالله مَا أَسْأَلُكَ إِلَّا مُرْتَاداً(٣٣٧).
فَقَالَ: «نَحْنُ مِنْ شَجَرَةٍ بَرَأَنَا اللهُ مِنْ طِينَةٍ وَاحِدَةٍ، فَضْلُنَا مِنَ الله، وَعِلْمُنَا مِنْ عِنْدِ الله، وَنَحْنُ أُمَنَاءُ الله عَلَى خَلْقِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ، وَالْحُجَّابُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، أَزِيدُكَ يَا زَيْدُ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: «خَلْقُنَا وَاحِدٌ، وَعِلْمُنَا وَاحِدٌ، وَفَضْلُنَا وَاحِدٌ، وَكُلُّنَا وَاحِدٌ عِنْدَ الله(عزَّ وجلَّ)».
فَقُلْتُ: أَخْبِرْنِي بِعِدَّتِكُمْ.
فَقَالَ: «نَحْنُ اثْنَا عَشَرَ - هَكَذَا - حَوْلَ عَرْشِ رَبِّنَا (جَلَّ وَعَزَّ) فِي مُبْتَدَإِ خَلْقِنَا، أَوَّلُنَا مُحَمَّدٌ، وَأَوْسَطُنَا مُحَمَّدٌ، وَآخِرُنَا مُحَمَّدٌ».
[٣٨/١٧] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ فُضَيْلٍ الرَّسَّانِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٣٦) في بعض النُّسَخ: (وفضل آخرنا كفضل أوَّلنا).
(٣٣٧) أي طالباً للحقِّ، في لسان العرب (ج ٣/ ص ١٨٧/ مادَّة رود): (راد الكلأَ يَرُدوه رَوْداً ورِياداً وارتاده ارتياداً بمعنى أي طلبه).
↑صفحة ١٠٩↑
الْبَاقِرِ (عليهما السلام) ذَاتَ يَوْمٍ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ قَالَ لِي: «يَا أَبَا حَمْزَةَ، مِنَ المَحْتُومِ الَّذِي لَا تَبْدِيلَ لَهُ عِنْدَ الله قِيَامُ قَائِمِنَا، فَمَنْ شَكَّ فِيمَا أَقُولُ لَقِيَ اللهَ سُبْحَانَهُ وَهُوَ بِهِ كَافِرٌ وَلَهُ جَاحِدٌ».
ثُمَّ قَالَ: «بِأَبِي وَأُمِّي المُسَمَّى بِاسْمِي، وَالمُكَنَّى بِكُنْيَتِي، السَّابِعُ مِنْ بَعْدِي، بِأَبِي مَنْ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً».
ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا حَمْزَةَ، مَنْ أَدْرَكَهُ فَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ فَمَا سَلَّمَ لِمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ (عليهما السلام)، وَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَمَأْواهُ النَّارُ، وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ».
وأوضح من هذا بحمد الله وأنور وأبين وأزهر لمن هداه الله وأحسن إليه قول الله (عزَّ وجلَّ) في محكم كتابه: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: ٣٦]، ومعرفة الشهور - المحرَّم وصفر وربيع وما بعده، والحُرُم منها هي: رجب(٣٣٨) وذو القعدة وذو الحجَّة والمحرَّم - لا تكون ديناً قيِّماً، لأنَّ اليهود والنصارى والمجوس وسائر المِلَل والناس جميعاً من الموافقين والمخالفين يعرفون هذه الشهور ويعدُّونها بأسمائها، وإنَّما هم الأئمَّة (عليهم السلام) والقوَّامون بدين الله، والحُرُم منها أمير المؤمنين عليٌّ الذي اشتقَّ الله تعالى له اسماً من اسمه العليِّ، كما اشتقَّ لرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اسماً من اسمه المحمود، وثلاثة من ولده أسماؤهم عليٌّ: عليُّ بن الحسين، وعليُّ بن موسى، وعليُّ بن محمد، فصار لهذا الاسم المشتقِّ من اسم الله (عزَّ وجلَّ) حرمة به، وصلوات الله على محمّد وآله المكرَّمين المتحرَّمين به(٣٣٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٣٨) في بعض النُّسَخ: (جمادى).
(٣٣٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٣٩٤ و٣٩٥): (إنَّما كُنِّي عنهم بالشهور لأنَّ بهم دارت السماوات واستقرَّت الأركان، وبوجودهم جرت الأعوام والأزمان، وببركتهم ينتظم نظام عالم الإمكان، فاستُعير لهم هذا الاسم بتلك المناسبات في بطن القرآن. وأيضاً لاشتهارهم بين أهل الدهور سُمُّوا بالشهور. وأيضاً لكون أنوارهم فائضة على الممكنات وعلومهم مشرقة على الخلق بقدر الاستعدادات والقابليَّات، فأُشبهوا الأهلَّة والشهور في اختلاف إفاضة النور، فبالنظر إلى بصائر المخالفين كالمحاق، وبالنظر إلى القاصرين كالأهلَّة، وبالنظر إلى أصحاب اليقين كالبدور، وعلى كلِّ حالٍ فأنوارهم مقتبسة من شمس عالم الوجود ورسول المَلِك المعبود، وكلُّ الأنوار مقتبسة من نور الأنوار).
↑صفحة ١١٠↑
[٣٩/١٨] أَخْبَرَنَا سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ(٣٤٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ المَعْرُوفُ بِالْحَاجِيِّ(٣٤١)، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ الْقَاسِمِ الْعَلَوِيُّ الْعَبَّاسِيُّ الرَّازِيُّ(٣٤٢)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ كَثِيرٍ(٣٤٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ مُوسَى الْأَسَدِيُّ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) بِالمَدِينَةِ، فَقَالَ لِي: «مَا الَّذِي أَبْطَأَ بِكَ يَا دَاوُدُ عَنَّا؟».
فَقُلْتُ: حَاجَةٌ عَرَضَتْ بِالْكُوفَةِ.
فَقَالَ: «مَنْ خَلَّفْتَ بِهَا؟».
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، خَلَّفْتُ بِهَا عَمَّكَ زَيْداً، تَرَكْتُهُ رَاكِباً عَلَى فَرَسٍ مُتَقَلِّداً سَيْفاً(٣٤٤)، يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ: سَلُونِي سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، فَبَيْنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٤٠) عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٢٧/ الرقم ٦١٣٩/٤) فيمن لم يرو عن واحد من الأئمَّة (عليهم السلام)، قائلاً: (سلامة بن محمّد بن إسماعيل الأرزني، نزيل بغداد، سمع منه التلعكبري سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، وله منه إجازة، يُكنَّى أبا الحسن).
(٣٤١) لم أعثر عليه بهذا العنوان في كُتُب الرجال.
(٣٤٢) هو من أحفاد العبَّاس بن عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٤٠/ الرقم ٣٦٤): (ثقة، جليل القدر، من أصحابنا، كثير الحديث، له كتاب).
(٣٤٣) في بعض النُّسَخ: (محمّد بن كثير).
(٣٤٤) في بعض النُّسَخ: (مصحفاً).
↑صفحة ١١١↑
جَوَانِحِي عِلْمٌ جَمٌّ، قَدْ عَرَفْتُ النَّاسِخَ مِنَ المَنْسُوخِ، وَالمَثَانِيَ وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، وَإِنِّي الْعَلَمُ بَيْنَ الله وَبَيْنَكُمْ.
فَقَالَ لِي: «يَا دَاوُدُ، لَقَدْ ذَهَبَتْ بِكَ المَذَاهِبُ»، ثُمَّ نَادَى: «يَا سَمَاعَةَ بْنَ مِهْرَانَ، ائتِنِي بِسَلَّةِ الرُّطَبِ».
فَأَتَاهُ بِسَلَّةٍ فِيهَا رُطَبٌ، فَتَنَاوَلَ مِنْهَا رُطَبَةً فَأَكَلَهَا، وَاسْتَخْرَجَ النَّوَاةَ مِنْ فِيهِ فَغَرَسَهَا فِي الْأَرْضِ، فَفَلَقَتْ وَأَنْبَتَتْ وَأَطْلَعَتْ وَأَغْدَقَتْ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ إِلَى بُسْرَةٍ مِنْ عَذْقٍ فَشَقَّهَا وَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا رَقًّا(٣٤٥) أَبْيَضَ فَفَضَّهُ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ، وَقَالَ: «اقْرَأْهُ».
فَقَرَأْتُهُ، وَإِذَا فِيهِ سَطْرَانِ السَّطْرُ الْأَوَّلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، وَالثَّانِي: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ الله يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [التوبة: ٣٦]، أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، عَلِيُّ بْنُ مُوسَى، مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، الْخَلَفُ الْحُجَّةُ.
ثُمَّ قَالَ: «يَا دَاوُدُ، أَتَدْرِي مَتَى كُتِبَ هَذَا فِي هَذَا؟».
قُلْتُ: اللهُ أَعْلَمُ، وَرَسُولُهُ، وَأَنْتُمْ.
فَقَالَ: «قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ اللهُ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ»(٣٤٦).
[٤٠/١٩] أَخْبَرَنَا سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّيَّارِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ. قَالَ: وَحَدَّثَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٤٥) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٤٠١): (الظاهر أنَّ هذا الرقَّ كان مكتوباً قبل آدم بألفي عام، فجعله الله لإظهار إعجازه (عليه السلام) بين تلك البسرة في هذه الساعة).
(٣٤٦) مقتضب الأثر (ص ٣٠ و٣١)، ومناقب آل أبي طالب (ج ١/ ص ٢٦٤ و٢٦٥).
↑صفحة ١١٢↑
عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ الله الخبائيُّ(٣٤٧)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ مَيْمُونٍ الشَّعِيرِيِّ(٣٤٨)، عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِّ(٣٤٩)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) يَقُولُ: «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) خَلَقَ بَيْتاً مِنْ نُورٍ جَعَلَ قَوَائِمَهُ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ، [كَتَبَ عَلَيْهَا أَرْبَعَةَ أَسْمَاءٍ](٣٥٠): تَبَارَكَ، وَسُبْحَانَ، وَالْحَمْدَ، وَاللهَ(٣٥١). ثُمَّ خَلَقَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ أَرْبَعَةً وَمِنَ الْأَرْبَعَةِ أَرْبَعَةً(٣٥٢)، ثُمَّ قَالَ (جَلَّ وَعَزَّ): ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ الله اثْنَا عَشَرَ شَهْراً﴾ [التوبة: ٣٦]»(٣٥٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٤٧) هو عليُّ بن أبي القاسم عبد الله بن عمران البرقي المعروف أبوه بماجيلويه، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٦١/ الرقم ٦٨٣): (يُكنَّى أبا الحسن، ثقة، فاضل، فقيه، أديب، رأى أحمد بن محمّد البرقي وتأدَّب عليه، وهو ابن بنته).
(٣٤٨) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (عن أُميَّة بنت ميمون)، وفي بعضها: (عن أُميَّة، عن ميمون الشعيري)، ولعلَّ الصواب: (أُميَّة بن عمرو بن ميمون).
(٣٤٩) هو زياد بن مروان القندي الواقفي المعنون في رجال النجاشي (ص ١٧١/الرقم ٤٥٠)، وغيره من كُتُب الرجال.
(٣٥٠) ما جُعِلَ بين المعقوفتين هو ما كان في بعض النُّسَخ دون بعض، وكذا في جلِّ ما تقدَّم أو يأتي، غير أنَّ في بعض الموارد هو ما أضفناه ليستقيم المعنى، لكنَّه يكون في غير متن الحديث مع الإشارة إليه في الهامش.
(٣٥١) في بعض النُّسَخ عكس هذا الترتيب.
(٣٥٢) في بعض النُّسَخ: (ثمّ خلق أربعة من أربعة، ومن أربعة أربعة).
(٣٥٣) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٤١٠ و٤١١): (الظاهر بقرينة الأخبار الأُخَر الواردة في تفسير الآية أنَّ الغرض تطبيقه على عدد الأئمَّة، وهو من الرموز والمتشابهات التي لا يعلمها إلَّا الله والراسخون في العلم، ويمكن أنْ يقال على وجه الاحتمال: إنَّ أسماءه تعالى منها ما يدلُّ على الذات، ومنها ما يدلُّ على صفات الذات، ومنها ما يدلُّ على التنزيه، ومنها ما يدلُّ على صفات الفعل، فالله يدلُّ على الذات، والحمد على ما يستحقُّ عليه الحمد من الصفات الكماليَّة الذاتيَّة، وسبحان على الصفات التنزيهيَّة، وتبارك لكونه من البركة والنماء على صفات الفعل، أو تبارك على صفات الذات لكونه من البروك والثبات، والحمد على صفات الفعل لكونه على النِّعَم الاختياريَّة. ويتشعب منها أربعة لأنَّه يتشعَّب من اسم الذات ما يدلُّ على توحيده وعدم التكثير فيه، ولذا بدأ الله تعالى به بعد (الله) فقال: ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١]، ويتشعَّب من الأحد الصمد، لأنَّ كونه غنيًّا عمَّا سواه وكون ما سواه محتاجاً إليه من لوازم أحديَّته وتفرُّده بذلك، ولذا ثُنِّي به في سورة التوحيد بعد ذكر الأحد. وأمَّا صفات الذات فيتشعَّب أوَّلاً منها القدير، ولـمَّا كانت من القدرة الكاملة يستلزم العلم الكامل تشعَّب منه العليم، وسائر صفات الذات ترجع إليهما عند التحقيق، ويحتمل العكس أيضاً بأنْ يقال: يتشعَّب القدرة من العلم كما لا يخفى على المتأمِّل. وأمَّا ما يدلُّ على التنزيه فيتشعَّب منها أوَّلاً السبُّوح الدالُّ على تنزيه الذات، ثمّ القدُّوس الدالُّ على تنزيه الصفات. وأمَّا صفات الفعل فيتشعَّب منها أوَّلاً الخالق، ولـمَّا كان الخلق مستلزماً للرزق أو التربية تشعَّب منه ثانياً الرازق أو الربُّ، ولـمَّا كانت تلك الصفات الكماليَّة دعت إلى بعثة الأنبياء ونصب الحُجَج (عليهم السلام) فبيت النور الذي هو بيت الإمامة كما بُيِّن في آية النور مبنيَّة على تلك القوائم، أو أنَّه تعالى لـمَّا حلاهم بصفاته وجعلهم مظهر آيات جلاله وعبَّر عنهم بأسمائه وكلماته فهم متخلِّقون بأخلاق الرحمن، وبيت نورهم وكمالهم مبنيٌّ على تلك الأركان، وبسط القول فيه يفضي إلى ما لا تقبله العقول والأذهان، ولا يجرى في تحريره الأقلام بالبنان، فهذا جملة ممَّا خطر بالبال في حلِّ هذه الرواية، والله وليُّ التوفيق والهداية).
↑صفحة ١١٣↑
[٤١/٢٠] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ [الواقعة: ١٠ و١١].
قَالَ: «نَطَقَ اللهُ بِهَا يَوْمَ ذَرَأَ الْخَلْقَ فِي الْمِيثَاقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ بِأَلْفَيْ عَامٍ».
فَقُلْتُ: فَسِّرْ لِي ذَلِكَ.
فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ (جلَّ وعزَّ) لَـمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ خَلَقَهُمْ مِنْ طِينٍ، وَرَفَعَ
↑صفحة ١١٤↑
لَهُمْ نَاراً، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَهَا مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَأَمِيرُ المُؤْمِنِينَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَتِسْعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِمَامٌ بَعْدَ إِمَامٍ، ثُمَّ أَتْبَعَهُمْ بِشِيعَتِهِمْ، فَهُمْ وَالله السَّابِقُونَ».
[٤٢/٢١] حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ عَمَّارٍ الْكُوفِيُّ(٣٥٤)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ هِشَامٍ اللُّؤْلُؤِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْكَرْخِيِّ(٣٥٥)، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، فَإِنِّي عِنْدَهُ جَالِسٌ إِذْ دَخَلَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى وَهُوَ غُلَامٌ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقَبَّلْتُهُ وَجَلَسْتُ.
فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «يَا إِبْرَاهِيمُ، أَمَا إِنَّهُ صَاحِبُكَ مِنْ بَعْدِي، أَمَا لَيَهْلِكَنَّ فِيهِ أَقْوَامٌ وَيَسْعَدُ آخَرُونَ، فَلَعَنَ اللهُ قَاتِلَهُ وَضَاعَفَ عَلَى رُوحِهِ الْعَذَابَ، أَمَا لَيُخْرِجَنَّ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مِنْ صُلْبِهِ خَيْرَ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي زَمَانِهِ، سَمِيَّ جَدِّهِ، وَوَارِثَ عِلْمِهِ وَأَحْكَامِهِ وَقَضَايَاهُ، وَمَعْدِنَ الْإِمَامَةِ، وَرَأْسَ الْحِكْمَةِ، يَقْتُلُهُ جَبَّارُ بَنِي فُلَانٍ بَعْدَ عَجَائِبَ طَرِيفَةٍ حَسَداً لَهُ، وَلَكِنَ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ، يُخْرِجُ اللهُ مِنْ صُلْبِهِ تَكْمِلَةَ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً مَهْدِيًّا، اخْتَصَّهُمُ اللهُ بِكَرَامَتِهِ، وَأَحَلَّهُمْ دَارَ قُدْسِهِ، المُنْتَظِرُ لِلثَّانِي عَشَرَ، الشَّاهِرُ سَيْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَانَ كَالشَّاهِرِ سَيْفَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَذُبُّ عَنْهُ».
وَدَخَلَ رَجُلٌ مِنْ مَوَالِي بَنِي أُمَيَّةَ فَانْقَطَعَ الْكَلَامُ، فَعُدْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَحَدَ عَشَرَ مَرَّةً أُرِيدُ أَنْ يَسْتَتِمَّ الْكَلَامَ فَمَا قَدَرْتُ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ قَابِلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٥٤) الظاهر أنَّه أحمد بن محمّد بن عمَّار الكوفي الذي قال عنه الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ٧٥/ الرقم ٨٨/٢٦): (شيخ من أصحابنا، ثقة، جليل القدر، كثير الحديث والأُصول).
(٣٥٥) هو إبراهيم بن أبي زياد الكرخي الذي روى عنه الحسن بن محبوب، وروايته هذه تدلُّ على كونه إماميًّا خالصاً حسن العقيدة، كما يظهر من كلامه في ذيل الخبر، وإنْ لم يتعرَّض أحد من الرجاليِّين له بمدح ولا قدح.
↑صفحة ١١٥↑
- السَّنَةِ الثَّانِيَةِ - دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ، فَقَالَ: «يَا إِبْرَاهِيمُ، هُوَ المُفَرِّجُ لِلْكَرْبِ عَنْ شِيعَتِهِ بَعْدَ ضَنْكٍ شَدِيدٍ، وَبَلَاءٍ طَوِيلٍ، وَجَوْرٍ(٣٥٦) وَخَوْفٍ، فَطُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ، حَسْبُكَ يَا إِبْرَاهِيمُ».
قَالَ: فَمَا رَجَعْتُ بِشَيْءٍ أَسَرَّ إِلَيَّ مِنْ هَذَا لِقَلْبِي، وَلَا أَقَرَّ لِعَيْنِي(٣٥٧).
[٤٣/٢٢] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله الْحُسَيْنُ(٣٥٨) بْنُ مُحَمَّدٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ جَعْفَرٍ الرُّمَّانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ ابْنِ أُخْتِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيِّ(٣٥٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ(٣٦٠)، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) أَنَّهُ نَظَرَ إِلَى حُمْرَانَ فَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: «يَا حُمْرَانُ، عَجَباً لِلنَّاسِ كَيْفَ غَفَلُوا، أَمْ نَسُوا، أَمْ تَنَاسَوْا فَنَسُوا قَوْلَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حِينَ مَرِضَ فَأَتَاهُ النَّاسُ يَعُودُونَهُ وَيُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا غَصَّ بِأَهْلِهِ الْبَيْتُ(٣٦١) جَاءَ عَلِيٌّ (عليه السلام) فَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَتَخَطَّاهُمْ(٣٦٢) إِلَيْهِ وَلَمْ يُوَسِّعُوا لَهُ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٥٦) في بعض النُّسَخ: (جوع).
(٣٥٧) كمال الدِّين (ص ٣٣٤ و٣٣٥/ باب ٣٣/ ح ٥، وص ٦٤٧/ باب ٥٥/ ح ٨).
(٣٥٨) في بعض النُّسَخ: (جعفر).
(٣٥٩) في بعض النُّسَخ: (خالد بن محمّد القطواني)، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وخالد بن مخلد مشهور في كُتُب العامَّة.
(٣٦٠) عبد الوهَّاب الثقفي هو عبد الوهَّاب بن عبد المجيد الثقفي المعنون في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٦٢٦/ الرقم ٤٢٧٥)، وتهذيب التهذيب (ج ٦/ ص ٣٩٧/ الرقم ٨٣٧).
ورجال صدر السند غير مذكورين، ومهملين.
(٣٦١) في لسان العرب (ج ٧/ ص ٦١/ مادَّة غصص): (غصَّ المكان بأهله: ضاق، والمنزلُ غاصٌّ بالقوم أي ممتلئ بهم).
(٣٦٢) في لسان العرب (ج ١٤/ ص ٢٣٢/ مادَّة خطا): (تَخَطَّى الناسَ واخْتَطاهم: رَكِبَهم وجاوزَهم).
↑صفحة ١١٦↑
الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذَلِكَ رَفَعَ مِخَدَّتَهُ(٣٦٣) وَقَالَ: إِلَيَّ يَا عَلِيُّ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ ذَلِكَ زَحَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَأَفْرَجُوا حَتَّى تَخَطَّاهُمْ، وَأَجْلَسَهُ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى جَانِبِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَذَا أَنْتُمْ تَفْعَلُونَ بِأَهْلِ بَيْتِي فِي حَيَاتِي مَا أَرَى، فَكَيْفَ بَعْدَ وَفَاتِي؟! وَالله لَا تَقْرُبُونَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي قُرْبَةً إِلَّا قَرُبْتُمْ مِنَ الله مَنْزِلَةً، وَلَا تَبَاعَدُونَ عَنْهُمْ خُطْوَةً وَتُعْرِضُونَ عَنْهُمْ إِلَّا أَعْرَضَ اللهُ عَنْكُمْ.
ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ، أَلَا إِنَّ الرِّضَا وَالرِّضْوَانَ وَالْجَنَّةَ(٣٦٤) لِمَنْ أَحَبَّ عَلِيًّا وَتَوَلَّاهُ، وَائْتَمَّ بِهِ وَبِفَضْلِهِ، وَبِأَوْصِيَائِي بَعْدَهُ، وَحَقٌّ عَلَى رَبِّي أَنْ يَسْتَجِيبَ لِي فِيهِمْ، إِنَّهُمْ اثْنَا عَشَرَ وَصِيًّا، وَمَنْ تَبِعَهُ(٣٦٥) فَإِنَّهُ مِنِّي، إِنِّي مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَإِبْرَاهِيمُ مِنِّي، وَدِينِي دِينُهُ وَدِينُهُ دِينِي، وَنِسْبَتُهُ نِسْبَتِي وَنِسْبَتِي نِسْبَتُهُ(٣٦٦)، وَفَضْلِي فَضْلُهُ وَأَنَا أَفْضَلُ مِنْهُ وَلَا فَخْرَ، يُصَدِّقُ قَوْلِي قَوْلُ رَبِّي: ﴿ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٣٤]».
[٤٤/٢٣] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عِيسَى الْقُوهِسْتَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَدْرُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ بَدْرٍ الْأَنْمَاطِيُّ فِي سُوقِ اللَّيْلِ بِمَكَّةَ - وَكَانَ شَيْخاً نَفِيساً مِنْ إِخْوَانِنَا الْفَاضِلِينَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ قَزْوِينَ - فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي إِسْحَاقُ بْنُ بَدْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَدِّي بَدْرُ اِبْنُ عِيسَى(٣٦٧)، قَالَ: سَأَلْتُ أَبِي عِيسَى بْنُ مُوسَى - وَكَانَ رَجُلاً مَهِيباً -، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ أَدْرَكْتَ مِنَ التَّابِعِينَ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٦٣) في بعض النُّسَخ: (رفع فخذيه).
(٣٦٤) في بعض النُّسَخ: (والرضوان والحبُّ).
(٣٦٥) في بعض نُسَخ الكتاب والبحار (ج ٣٦/ ص ٢٧٩ و٢٨٠/ ح ٩٩): (ومن تبعني).
(٣٦٦) في بعض النُّسَخ: (وسُنَّتي سُنَّته، ونسبي نسبه)، وفي بعضها: (ونسبي نسبه ونسبه نسبي).
(٣٦٧) لم أعثر على هؤلاء في ما عندي من كُتُب الرجال، ولا عنوانهم في فهرست رجال التدوين.
↑صفحة ١١٧↑
فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ لِي، وَلَكِنِّي كُنْتُ بِالْكُوفَةِ، فَسَمِعْتُ شَيْخاً فِي جَامِعِهَا يَتَحَدَّثُ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ) يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَا عَلِيُّ، الْأَئِمَّةُ الرَّاشِدُونَ المُهْتَدُونَ المَعْصُومُونَ(٣٦٨) مِنْ وُلْدِكَ أَحَدَ عَشَرَ إِمَاماً، وَأَنْتَ أَوَّلُهُمْ، آخِرُهُمُ اسْمُهُ اسْمِي، يَخْرُجُ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً، يَأْتِيهِ الرَّجُلُ وَالمَالُ كُدْسٌ، فَيَقُولُ: يَا مَهْدِيُّ، أَعْطِنِي، فَيَقُولُ: خُذْ»(٣٦٩).
[٤٥/٢٤] حَدَّثَنَا أَبُو الْحَارِثِ عَبْدُ الله بْنُ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ سَهْلٍ الطَّبَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنَّى الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الله الدَّسْتُوَائِيُّ(٣٧٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ(٣٧١)، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليهما السلام)، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) أَوْحَى إِلَيَّ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ خَلَّفْتَ فِي الْأَرْضِ فِي(٣٧٢) أُمَّتِكَ - وَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ -؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٦٨) في بعض النُّسَخ: (الراشدون المهديُّون المغصوبون حقوقهم).
(٣٦٩) الغيبة للطوسي (ص ١٣٥ و١٣٦/ ح ٩٩) مختصراً.
(٣٧٠) الظاهر أنَّه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، واسم أبيه سنبر - وزان جعفر -، وهو ثقة ثبت كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٢٦٧/ الرقم ٧٣٢٥).
(٣٧١) مشترك، ولم أتحقَّق من هو. وفي بعض النُّسَخ: ( عليُّ بن عليٍّ)، وهو إمَّا عليُّ بن عليِّ بن نجاد المعنون في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٧٠٠/ الرقم ٤٧٨٩)، وكان ثقة. أو عليُّ ابن عليِّ بن رزين أخو دعبل الخزاعي، راجع ما ذكره النجاشي (رحمه الله) في ترجمة ابنه (ص ٣٢/ الرقم ٦٩). والمظنون أنَّه عليُّ بن حمَّاد المنقري الكوفي، وصُحِّف في النُّسَخ بـ(عليِّ بن محمّد) أو (عليِّ بن عليٍّ).
(٣٧٢) في بعض النُّسَخ: (على).
↑صفحة ١١٨↑
قُلْتُ: يَا رَبِّ، أَخِي.
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ؟
قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَبِّ.
قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي اطَّلَعْتُ إِلَى الْأَرْضِ اطِّلَاعَةً فَاخْتَرْتُكَ مِنْهَا، فَلَا أُذْكَرُ حَتَّى تُذْكَرُ مَعِي، فَأَنَا المَحْمُودُ وَأَنْتَ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ إِنِّي اطَّلَعْتُ إِلَى الْأَرْضِ اطِّلَاعَةً أُخْرَى فَاخْتَرْتُ مِنْهَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَجَعَلْتُهُ وَصِيَّكَ، فَأَنْتَ سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ وَعَلِيٌّ سَيِّدُ الْأَوْصِيَاءِ، ثُمَّ شَقَقْتُ لَهُ اسْماً مِنْ أَسْمَائِي، فَأَنَا الْأَعْلَى وَهُوَ عَلِيٌّ.
يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي خَلَقْتُ عَلِيًّا وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَالْأَئِمَّةَ مِنْ نُورٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ عَرَضْتُ وَلَايَتَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ، فَمَنْ قَبِلَهَا كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ، وَمَنْ جَحَدَهَا كَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ.
يَا مُحَمَّدُ، لَوْ أَنَّ عَبْداً مِنْ عِبَادِي عَبَدَنِي حَتَّى يَنْقَطِعَ ثُمَّ لَقِيَنِي جَاحِداً لِوَلَايَتِهِمْ أَدْخَلْتُهُ نَارِي.
ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهُمْ؟
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: تَقَدَّمْ أَمَامَكَ.
فَتَقَدَّمْتُ أَمَامِي فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ، وَعَلِيُّ بْنُ مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْحُجَّةُ الْقَائِمُ كَأَنَّهُ الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ فِي وَسْطِهِمْ.
فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، مَنْ هَؤُلَاءِ؟
قَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ، وَهَذَا الْقَائِمُ مُحَلِّلٌ حَلَالِي، وَمُحَرِّمٌ حَرَامِي، وَيَنْتَقِمُ مِنْ
↑صفحة ١١٩↑
أَعْدَائِي. يَا مُحَمَّدُ، أَحْبِبْهُ فَإِنِّي أُحِبُّهُ وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُ»(٣٧٣).
[٤٦/٢٥] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، قَالَ: «يَكُونُ تِسْعَةُ أَئِمَّةٍ بَعْدَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ(٣٧٤)»(٣٧٥).
[٤٧/٢٦] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَمُّونٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ كَرَّامٍ(٣٧٦)، قَالَ: حَلَفْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي أَلَّا آكُلَ طَعَاماً بِنَهَارٍ أَبَداً حَتَّى يَقُومَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: رَجُلٌ مِنْ شِيعَتِكَ جَعَلَ لله عَلَيْهِ أَلَّا يَأْكُلَ طَعَاماً بِنَهَارٍ أَبَداً حَتَّى يَقُومَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ.
فَقَالَ: «صُمْ يَا كَرَّامُ، وَلَا تَصُمِ الْعِيدَيْنِ، وَلَا ثَلَاثَةَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَلَا إِذَا كُنْتَ مُسَافِراً(٣٧٧)، فَإِنَّ الْحُسَيْنَ (عليه السلام) لَـمَّا قُتِلَ عَجَّتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْهِمَا وَالمَلَائِكَةُ، فَقَالُوا: يَا رَبَّنَا، أَتَأْذَنُ لَنَا(٣٧٨) فِي هَلَاكِ الْخَلْقِ حَتَّى نَجُذَّهُمْ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٧٣) مقتضب الأثر (ص ٢٦ و٢٧).
(٣٧٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٦/ ص ٢٣١): (قائمهم: يعني يقوم بالسيف ويجاهد حتَّى يغلب الحقُّ وأهله على الباطل وأهله).
(٣٧٥) الكافي (ج ١/ ص ٥٣٣/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ١٥)؛ وراجع: الخصال (ص ٤١٩/ ح ١٢، وص ٤٨٠/ ح ٥٠)، وتقريب المعارف (ص ٤٢٥)، والغيبة للطوسي (ص ١٤٠/ ح ١٠٤)، ومناقب آل أبي طالب (ج ١/ ص ٢٥٥).
(٣٧٦) كرَّام إمَّا بكسر الكاف وتخفيف المهملة، أو بفتح الكاف وتشديد الراء، وهو كرَّام بن عمرو عبد الكريم، قال الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج ٢/ ص ٨٣٠/ الرقم ١٠٤٩): (حمدويه، قال: سمعت أشياخي يقولون: إنَّ كرَّاماً هو عبد الكريم بن عمرو، واقفي).
(٣٧٧) زاد في الكافي: (ولا مريضاً).
(٣٧٨) في الكافي: (يا ربَّنا ائذن لنا).
↑صفحة ١٢٠↑
جَدِيدِ الْأَرْضِ بِمَا اسْتَحَلُّوا حُرْمَتَكَ وَقَتَلُوا صَفْوَتَكَ؟ فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِمْ: يَا مَلَائِكَتِي، وَيَا سَمَائِي، وَيَا أَرْضِي، اسْكُنُوا. ثُمَّ كَشَفَ حِجَاباً مِنَ الْحُجُبِ، فَإِذَا خَلْفَهُ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَاثْنَا عَشَرَ وَصِيًّا لَهُ، فَأَخَذَ بِيَدِ فُلَانٍ مِنْ بَيْنِهِمْ، فَقَالَ: يَا مَلَائِكَتِي، وَيَا سَمَاوَاتِي، وَيَا أَرْضِي، بِهَذَا أَنْتَصِرُ مِنْهُمْ لِهَذَا - قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ -».
وَجَاءَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيِّ: «بِهَذَا أَنْتَصِرُ مِنْهُمْ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ»(٣٧٩)،(٣٨٠).
[٤٨/٢٧] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٧٩) الكافي (ج ١/ ص ٥٣٤/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ١٩)؛ وراجع صدره في: الكافي (ج ٤/ ص ١٤١/ باب من جعل على نفسه صوماً معلوماً.../ ح ١)، ومن لا يحضره الفقيه (ج ٢/ ص ١٢٧/ ح ١٩٢٥)، وتهذيب الأحكام (ج ٤/ ص ١٨٣/ ح ٥١٠/١١)، والاستبصار (ج ٢/ ص ٧٩ و٨٠/ ح ٢٤٢/٩).
(٣٨٠) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٧/ ص ٣٨١ و٣٨٢): (قوله: (أنْ لا آكل طعاماً بنهار أبداً) كناية عن حلف صوم الدهر، والمراد بالحلف فيما بينه وبين نفسه عدم إظهاره لأحد، ولو حُمِلَ على الحلف النفسي لم يكن الوفاء به واجباً بل مستحبٌّ. قوله: (حتَّى نجليهم عن جديد الأرض) جلوا عن أوطانهم وجلوتهم إذا أخرجتهم يتعدَّى ولا يتعدَّى، وجديد الأرض وجهها، وفي بعض النُّسَخ: (حتَّى نجدَّهم) أي نقطعهم من جددت الشيء أجدُّه بالضمِّ قطعته. قوله: (وأخذ بيد فلان) أي أخذ جبرئيل أو مَلَك من الملائكة أو رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأمره تعالى، ونسبة الأخذ إليه تعالى مجاز من باب نسبة الفعل إلى الآمر به، أو أخذ يده كناية عن وضع علامة عرفوه بها. قوله: (قالها ثلاث مرَّات) أي قال الله تعالى هذه الكلمة ثلاث مرَّات، أو قالها الصادق (عليه السلام). والغرض من قوله (عليه السلام): «فإنَّ الحسين (عليه السلام) لـمَّا قُتِلَ...» إلى آخر الحديث هو التصريح بما هو المقصود من هذا الباب من أنَّ الأوصياء اثني عشر مع الإتيان بما هو حجَّة على كرَّام، لعلمه (عليه السلام) بأنَّه سيصير واقفيًّا).
↑صفحة ١٢١↑
سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ جَعْفَرٍ الطَّيَّارَ يَقُولُ: كُنَّا عِنْدَ مُعَاوِيَةَ أَنَا وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَعَبْدُ الله بْنُ عَبَّاسٍ وَعُمَرُ ابْنُ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَجَرَى بَيْنِي وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ كَلَامٌ، فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «أَنَا أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ أَخِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ عَلِيٌّ فَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ثُمَّ ابْنِيَ الْحُسَيْنُ مِنْ بَعْدِهِ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا اسْتُشْهِدَ فَابْنُهُ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ - وَسَتُدْرِكُهُ يَا عَلِيُّ -، ثُمَّ ابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ - وَسَتُدْرِكُهُ يَا حُسَيْنُ -، ثُمَّ تُكَمِّلُهُ اثْنَيْ عَشَرَ إِمَاماً تِسْعَةً مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ».
قَالَ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ: فَاسْتَشْهَدْتُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَعَبْدَ الله بْنَ عَبَّاسٍ وَعُمَرَ ابْنَ أُمِّ سَلَمَةَ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَشَهِدُوا.
قَالَ سُلَيْمٌ: وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَالْمِقْدَادِ وَأَبِي ذَرٍّ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)،(٣٨١)،(٣٨٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٨١) الكافي (ج ١/ ص ٥٢٩/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ٤)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١١٠ و١١١/ ح ٩٧)، وكمال الدِّين (ص ٢٧٠/ باب ٢٤/ ح ١٥)، والخصال (ص ٤٧٧/ ح ٤١)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٥٢ و٥٣/ ح ٨)، وتقريب المعارف (ص ٤٢٠)، والغيبة للطوسي (ص ١٣٧ و١٣٨/ ح ١٠١).
(٣٨٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٦/ ص ٢١٦ و٢١٧): (قوله: (كنَّا عند معاوية)، قال بعض الأفاضل: حكاية لما وقع في زمان أحد الثلاثة، لأنَّ عمر بن أُمِّ سَلَمة قُتِلَ بصفِّين، انتهى. ولا يخفى ما فيه، لأنَّه ذكر ابن عبد البرِّ وغيره عمر بن أبي سَلَمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر القرشي المخزومي ربيب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أُمُّه أُمُّ سَلَمة المخزوميَّة أُمُّ المؤمنين، يُكنَّى أبا حفص، وُلِدَ في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة، وشهد مع عليٍّ (عليه السلام) يوم الجمل، واستعمله على فارس وعلى البحرين، وتُوفِّي بالمدينة في خلافة عبد المَلِك بن مروان سنة ثلاث وثمانين. وقوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «وستُدرِكه يا عليُّ» كان لعليِّ بن الحسين عند شهادة أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) سنتان، لأنَّ شهادته كانت في سنة الأربعين من الهجرة، وولادة عليِّ بن الحسين في سنة ثمان وثلاثين. وكان للباقر عند شهادة الحسين (عليه السلام) أربع سنين تقريباً، لأنَّ الشهادة كانت في سنة إحدى وستِّين وولادة الباقر (عليه السلام) في سنة سبع وخمسين على ما ذكره المصنِّف - أي الكليني - (رحمه الله). وقوله: (ثمّ تكملة) كلام عبد الله بن جعفر، والتكملة التتمَّة، أي ثمّ ذكرت عند معاوية تتمَّتهم تفصيلاً، أو هو من كلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أي ثمّ تكملتهم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، والأوَّل أظهر. وفي بعض النُّسَخ بالياء على صيغة المضارع، أي ثمّ يكمل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اثني عشر يُسمِّيهم).
↑صفحة ١٢٢↑
[٤٩/٢٨] مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدِ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصِيرٍ وَمَعَنَا مَوْلًى لِأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، فَقَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «مِنَّا اثْنَا عَشَرَ مُحَدَّثاً، السَّابِعُ مِنْ بَعْدِي وُلْدِي الْقَائِمُ».
فَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو بَصِيرٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُهُ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.
وقال أبو الحسن الشجاعي (رحمه الله): هذان الحديثان ممَّا استدركهما أبو عبد الله (رحمه الله) بعد فراغه ونسخي الكتاب.
[٥٠/٢٩] أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَيْسِ بْنِ رُمَّانَةَ الْأَشْعَرِيُّ(٣٨٣) مِنْ كِتَابِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٨٣) هذا الرجل معنون في رجال النجاشي (ص ٣٤٠/ الرقم ٩١١)، وقال: (ثقة، من أصحابنا الكوفيِّين، ذكره أبو العبَّاس...، وله كتاب مجالس الأئمَّة).
↑صفحة ١٢٣↑
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مِهْزَمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَاقَانُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْخَزَّازُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ أَبِي يَحْيَى المَدَنِيِّ(٣٨٤)، عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَعَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ، قَالَ: قَالَا: شَهِدْنَا الصَّلَاةَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ حِينَ مَاتَ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ قُعُودٌ حَوْلَ عُمَرَ وَقَدْ بُويِعَ إِذْ جَاءَهُ فَتًى يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ المَدِينَةِ كَانَ أَبُوهُ عَالِمَ الْيَهُودِ بِالمَدِينَةِ، وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْ وُلْدِ هَارُونَ، فَسَلَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَيُّكُمْ أَعْلَمُ بِكِتَابِكُمْ وَسَنَةِ نَبِيِّكُمْ؟
فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا - وَأَشَارَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) - وَقَالَ: هَذَا أَعْلَمُنَا بِكِتَابِنَا وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا.
فَقَالَ الْفَتَى: أَخْبِرْنِي أَأَنْتَ كَذَا؟
قَالَ: «نَعَمْ، سَلْنِي عَنْ حَاجَتِكَ».
فَقَالَ: إِنِّي أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثٍ وَوَاحِدَةٍ.
قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «أَفَلَا تَقُولُ: أَسْأَلُكَ عَنْ سَبْعٍ؟».
فَقَالَ الْفَتَى: لَا، وَلَكِنْ أَسْأَلُكَ عَنِ الثَّلَاثِ، فَإِنْ أَصَبْتَ فِيهِنَّ سَأَلْتُكَ عَنِ الثَّلَاثِ الْأُخَرِ، فَإِنْ أَصَبْتَ فِيهِنَّ سَأَلْتُكَ عَنِ الْوَاحِدَةِ، فَإِنْ لَمْ تُصِبْ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ سَكَتُّ وَلَمْ أَسْأَلْكَ عَنْ شَيْءٍ.
قَالَ لَهُ عَلِيٌّ (عليه السلام): «يَا يَهُودِيُّ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ بِالصَّوَابِ وَبِالْحَقِّ تَعْلَمُ أَنِّي أَخْطَأْتُ أَوْ أَصَبْتُ؟».
قَالَ: نَعَمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٨٤) خاقان بن سليمان لم أعثر على عنوانه في كُتُب الرجال من الخاصَّة والعامَّة، وكذا إبراهيم ابن أبي يحيى. والخبر رواه الكليني والصدوق (رحمهما الله) بسندين آخرين في الكافي وكمال الدِّين، وفي الأوَّل: (عن إبراهيم، عن أبي يحيى)، وفي الثاني: (إبراهيم بن يحيى الأسلمي المديني). والمظنون أنَّ خاقان تصحيف جعفر، وهو الضبعي ظاهراً.
↑صفحة ١٢٤↑
قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «فَبِالله لَئِنْ أَصَبْتُ فِيمَا تَسْأَلُنِي عَنْهُ لَتُسْلِمَنَّ وَلَتَدَعَنَّ الْيَهُودِيَّةَ؟».
قَالَ: نَعَمْ، لَكَ اللهُ عَلَيَّ لَئِنْ أَصَبْتَ لَأُسْلِمَنَّ وَلَأَدَعَنَّ الْيَهُودِيَّةَ.
قَالَ: «فَاسْأَلْ عَنْ حَاجَتِكَ».
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ أَوَّلِ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَأَوَّلِ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ فِي الْأَرْضِ، وَأَوَّلِ عَيْنٍ أُنْبِعَتْ فِي الْأَرْضِ.
قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «يَا يَهُودِيُّ، أَمَّا أَوَّلُ حَجَرٍ وُضِعَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَإِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ: الصَّخْرَةُ الَّتِي فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، وَكَذَبُوا، وَلَكِنَّهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ، نَزَلَ بِهِ آدَمُ (عليه السلام) مِنَ الْجَنَّةِ، فَوَضَعَهُ فِي الرُّكْنِ، وَالمُؤْمِنُونَ يَسْتَلِمُونَهُ لِيُجَدِّدُوا الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ لله (عزَّ وجلَّ) بِالْوَفَاءِ.
وَأَمَّا قَوْلُكَ: أَوَّلُ شَجَرَةٍ نَبَتَتْ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ: الزَّيْتُونَةُ، وَكَذَبُوا، وَلَكِنَّهَا النَّخْلَةُ الْعَجْوَةُ، نَزَلَ بِهَا آدَمُ (عليه السلام) مِنَ الْجَنَّةِ وَبِالْفَحْلِ، فَأَصْلُ الثَّمَرَةِ كُلِّهَا الْعَجْوَةُ(٣٨٥).
وَأَمَّا الْعَيْنُ، فَإِنَّ الْيَهُودَ يَقُولُونَ بِأَنَّهَا الْعَيْنُ تَحْتَ الصَّخْرَةِ، وَكَذَبُوا، وَلَكِنَّهَا عَيْنُ الْحَيَاةِ الَّتِي لَا يَغْمِسُ فِيهَا مَيِّتٌ إِلَّا حَيَّ، وَهِيَ عَيْنُ مُوسَى الَّتِي نَسِيَ عِنْدَهَا السَّمَكَةَ المَمْلُوحَةَ، فَلَمَّا مَسَّهَا المَاءُ عَاشَتْ وَانْسَرَبَتْ فِي الْبَحْرِ، فَاتَّبَعَهَا مُوسَى وَفَتَاهَ حِينَ لَقِيَا الْخَضِرَ».
فَقَالَ الْفَتَى: أَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ صَدَقْتَ وَقُلْتَ الْحَقَّ، وَهَذَا كِتَابٌ وَرِثْتُهُ عَنْ آبَائِي إِمْلَاءُ مُوسَى (عليه السلام) وَخَطُّ هَارُونَ (عليه السلام) بِيَدِهِ، وَفِيهِ هَذه الْخِصَالُ السَّبْعُ، وَالله لَئِنْ أَصَبْتَ فِي بَقِيَّةِ السَّبْعِ لَأَدَعَنَّ دِينِي وَأَتَّبِعَنَّ دِينَكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٨٥) في كمال الدِّين: (وبالفحل، فأصل النخلة كلُّه من العجوة)، والفحل ذَكَر النخل.
↑صفحة ١٢٥↑
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «سَلْ».
فَقَالَ: أَخْبِرْنِي كَمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا مِنْ إِمَامِ هُدًى لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ؟ وَأَخْبِرْنِي عَنْ مَوْضِعِ مُحَمَّدٍ فِي الْجَنَّةِ أَيُّ مَوْضِعٍ هُوَ؟ وَكَمْ مَعَ مُحَمَّدٍ فِي مَنْزِلَتِهِ(٣٨٦)؟
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «يَا يَهُودِيُّ، لِهَذِهِ الْأُمَّةِ اثْنَا عَشَرَ إِمَاماً مَهْدِيًّا، كُلُّهُمْ هَادٍ مَهْدِيٌّ، لَا يَضُرُّهُمْ خِذْلَانُ مَنْ خَذَلَهُمْ. وَمَوْضِعُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي أَفْضَلِ مَنَازِلِ جَنَّةِ عَدْنٍ وَأَقْرَبِهَا مِنَ الله وَأَشْرَفِهَا. وَأَمَّا الَّذِي مَعَ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فِي مَنْزِلَتِهِ فَالاثْنَا عَشَرَ الْأَئِمَّةُ المَهْدِيُّونَ».
قَالَ الْيَهُودِيُّ: وَأَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ صَدَقْتَ وَقُلْتَ الْحَقَّ، لَئِنْ أَصَبْتَ فِي الْوَاحِدَةِ كَمَا أَصَبْتَ فِي السِّتَّةِ وَالله لَأُسْلِمَنَّ السَّاعَةَ عَلَى يَدِكَ وَلَأَدَعَنَّ الْيَهُودِيَّةَ.
قَالَ لَهُ: «اسْأَلْ».
قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ خَلِيفَةِ مُحَمَّدٍ كَمْ يَعِيشُ بَعْدَهُ، وَيَمُوتُ مَوْتاً أَوْ يُقْتَلُ قَتْلاً؟
قَالَ: «يَعِيشُ بَعْدَهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً، ويُخْضَبُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ - وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ وَأَوْمَأَ إِلَى رَأْسِهِ -».
فَقَالَ الْفَتَى: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَأَنَّكَ خَلِيفَةُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَلَى الْأُمَّةِ، وَمَنْ تَقَدَّمَ كَانَ مُفْتَرٍ. ثُمَّ خَرَجَ(٣٨٧).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٨٦) كذا، والصواب: (وأخبرني من يسكن معه في منزله).
(٣٨٧) الكافي (ج ١/ ص ٥٣١ و٥٣٢/ باب فيما جاء في الاثني عشر والنصِّ عليهم (عليهم السلام)/ ح ٨)؛ وراجع: إثبات الوصيَّة (ص ٢٩٦)، وكمال الدِّين (ص ٢٩٤ - ٣٠٢/ باب ٢٦/ ح ٣ و٥ و٦ - ٨)، والخصال: (ص ٤٧٦ و٤٧٧/ ح ٤٠)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٥٦ و٥٧/ ح ١٩)، ومقتضب الأثر (ص ١٤ - ١٨)، والغيبة للطوسي (ص ١٥٢ - ١٥٤/ ح ١١٣).
↑صفحة ١٢٦↑
[٥١/٣٠] وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ اِبْنُ زِيَادٍ مِنْ كِتَابِهِ وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ(٣٨٨)، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ الْبَصْرِيِّ(٣٨٩)، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ المُؤَدِّبِ، عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ مُؤَدِّباً لِبَعْضِ وُلْدِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) -، قَالَ: قَالَ: لَـمَّا تُوُفِّيَ(٣٩٠) رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) دَخَلَ المَدِينَةَ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ دَاوُدَ عَلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ، فَرَأَى السِّكَكَ خَالِيَةً، فَقَالَ لِبَعْضِ أَهْلِ المَدِينَةِ: مَا حَالُكُمْ؟
فَقِيلَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: أَمَا إِنَّهُ تُوُفِّيَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي هُوَ فِي كِتَابِنَا، ثُمَّ قَالَ: فَأَيْنَ النَّاسُ؟
فَقِيلَ لَهُ: فِي المَسْجِدِ.
فَأَتَى المَسْجِدَ، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَالنَّاسُ قَدْ غَصَّ المَسْجِدُ بِهِمْ، فَقَالَ: أَوْسِعُوا حَتَّى أَدْخُلَ، وَأَرْشِدُونِي إِلَى الَّذِي خَلَّفَهُ نَبِيُّكُمْ.
فَأَرْشَدُوهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّنِي مِنْ وُلْدِ دَاوُدَ عَلَى دِينِ الْيَهُودِيَّةِ، وَقَد جِئْتُ لِأَسْأَلَ عَنْ أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ، فَإِنْ خَبَّرْتَ بِهَا أَسْلَمْتُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٨٨) في رجال ابن الغضائري (ص ٤٧/ الرقم ٢٥/٤): (جعفر بن إسماعيل المنقري، كوفي، روى عنه حميد بن زياد وابن رباح. وكان غالياً كذَّاباً)، وقال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٢٠/ الرقم ٣٠٨): (له كتاب النوادر)، وذكر طريقه إليه.
(٣٨٩) لعلَّه أبو عليٍّ أو أبو عبد الله البصري المعنون في جامع الرواة (ج ١/ ص ٩٩). وفي بعض النُّسَخ: (عليُّ بن إسماعيل)، فالظاهر أنَّه أبو الحسن الميثمي الذي له كُتُب في الإمامة، وهو أوَّل من تكلَّم في الإمامة على مذهب الإماميَّة.
(٣٩٠) هذا الخبر مقطوع لم يسنده إلى المعصوم (عليه السلام).
↑صفحة ١٢٧↑
فَقَالُوا لَهُ: انْتَظِرْ قَلِيلاً.
وَأَقْبَلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) مِنْ بَعْضِ أَبْوَابِ المَسْجِدِ، فَقَالُوا لَهُ: عَلَيْكَ بِالْفَتَى.
فَقَامَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ: أَنْتَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: «أَنْتَ فُلَانُ بْنُ فُلَانِ بْنِ دَاوُدَ؟».
قَالَ: نَعَمْ.
فَأَخَذَ عَلِيٌّ يَدَهُ وَجَاءَ بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ: إِنِّي سَأَلْتُ هَؤُلَاءِ عَنْ أَرْبَعَةِ أَحْرُفٍ فَأَرْشَدُونِي إِلَيْكَ لِأَسْأَلَكَ.
قَالَ: «اسْأَلْ».
قَالَ: مَا أَوَّلُ حَرْفٍ كَلَّمَ اللهُ بِهِ نَبِيَّكُمْ لَـمَّا أُسْرِيَ بِهِ وَرَجَعَ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ؟ وَخَبِّرْنِي عَنِ المَلَكِ الَّذِي زَحَمَ(٣٩١) نَبِيَّكُمْ وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَخَبِّرْنِي عَنِ الْأَرْبَعَةِ الَّذِينَ كَشَفَ عَنْهُمْ مَالِكٌ طَبَقاً مِنَ النَّارِ وَكَلَّمُوا نَبِيَّكُمْ، وَخَبِّرْنِي عَنْ مِنْبَرِ نَبِيِّكُمْ أَيُّ مَوْضِعٍ هُوَ مِنَ الْجَنَّةِ؟
قَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «أَوَّلُ مَا كَلَّمَ اللهُ بِهِ نَبِيَّنَا (عليه السلام) قَوْلُ الله تَعَالَى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥]».
قَالَ: لَيْسَ هَذَا أَرَدْتُ.
قَالَ: «فَقَوْلُ رَسُولِ الله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِالله﴾ [البقرة: ٢٨٥]».
قَالَ: لَيْسَ هَذَا أَرَدْتُ.
قَالَ: «اتْرُكِ الْأَمْرَ مَسْتُوراً».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٩١) في لسان العرب (ج ١٢/ ص ٢٦٢/ مادَّة زحم): (الزَّحْمُ: أَن يَزْحَمَ القومُ بعضهم بعضاً من كثرة الزحام إذا ازدحموا. والزَّحْمةُ: الزِّحامُ. وزَحَمَ القومُ بعضهم بعضاً يَزْحَمُونَهُمْ زَحْماً وزِحاماً: ضايقوهم. وازْدَحَمُوا وزاحموا: تضايقوا).
↑صفحة ١٢٨↑
قَالَ: لَتُخْبِرُنِي أَوْ لَسْتَ أَنْتَ هُوَ.
فَقَالَ: «أَمَّا إِذْ أَبَيْتَ فَإِنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَـمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ وَالْحُجُبُ تُرْفَعُ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إِلَى مَوْضِعِ جَبْرَئِيلَ نَادَاهُ مَلَكٌ: يَا أَحْمَدُ، قَالَ: لَبَّيْكَ، قَالَ: إِنَّ اللهَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: اقْرَأْ عَلَى السَّيِّدِ الْوَلِيِّ مِنَّا السَّلَامَ، فَقَالَ رَسُولُ الله: مَنِ السَّيِّدُ الْوَلِيُّ؟ فَقَالَ المَلَكُ: عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ».
قَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ، وَالله إِنِّي لَأَجِدُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ أَبِي.
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): «أَمَّا المَلَكُ الَّذِي زَحَمَ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَمَلَكُ المَوْتِ، جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ جَبَّارٍ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا قَدْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ عَظِيمٍ، فَغَضِبَ اللهُ، فَزَحَمَ رَسُولَ الله وَلَمْ يَعْرِفْهُ، فَقَالَ جَبْرَئِيلُ: يَا مَلَكَ المَوْتِ، هَذَا رَسُولُ الله أَحْمَدُ، حَبِيبُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَلَصِقَ بِهِ وَاعْتَذَرَ، وَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي أَتَيْتُ مَلِكاً جَبَّاراً قَدْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ عَظِيمٍ، فَغَضِبْتُ وَلَمْ أَعْرِفْكَ، فَعَذَّرَهُ.
وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ كَشَفَ عَنْهُمْ مَالِكٌ طَبَقاً مِنَ النَّارِ، فَإِنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مَرَّ بِمَالِكٍ وَلَمْ يَضْحَكْ مُنْذُ خُلِقَ قَطُّ، فَقَالَ لَهُ جَبْرَئِيلُ: يَا مَالِكُ، هَذَا نَبِيُّ الرَّحْمَةِ مُحَمَّدٌ، فَتَبَسَّمَ فِي وَجْهِهِ وَلَمْ يَتَبَسَّمْ لِأَحَدٍ غَيْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): مُرْهُ أَنْ يَكْشِفَ طَبَقاً مِنَ النَّارِ، فَكَشَفَ فَإِذَا قَابِيلُ وَنُمْرُودُ وَفِرْعَوْنُ وَهَامَانُ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، اسْأَلْ رَبَّكَ أَنْ يَرُدَّنَا إِلَى دَارِ الدُّنْيَا حَتَّى نَعْمَلَ صَالِحاً، فَغَضِبَ جَبْرَئِيلُ فَقَامَ(٣٩٢) بِرِيشَةٍ مِنْ رِيشِ جَنَاحِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ طَبَقَ النَّارِ.
وَأَمَّا مِنْبَرُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَإِنَّ مَسْكَنَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) جَنَّةُ عَدْنٍ، وَهِيَ جَنَّةٌ خَلَقَهَا اللهُ بِيَدِهِ، وَمَعَهُ فِيهَا اثْنَا عَشَرَ وَصِيًّا، وَفَوْقَهَا قُبَّةٌ يُقَالُ لَهَا: قُبَّةُ الرِّضْوَانِ، وَفَوْقَ قُبَّةِ الرِّضْوَانِ مَنْزِلٌ يُقَالُ لَهُ: الْوَسِيلَةُ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ مَنْزِلٌ يُشْبِهُهُ، وَهُوَ مِنْبَرُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٩٢) في بعض النُّسَخ: (فقال)، أي أشار، وفي معنى القول توسُّع.
↑صفحة ١٢٩↑
قَالَ الْيَهُودِيُّ: صَدَقْتَ، وَالله إِنَّهُ لَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ يَتَوَارَثُونَهُ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى صَارَ إِلَيَّ، ثُمَّ أَخْرَجَ كِتَاباً فِيهِ مَا ذَكَرَهُ مَسْطُوراً بِخَطِّ دَاوُدَ، ثُمَّ قَالَ: مُدَّ يَدَكَ، فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ مُوسَى (عليه السلام)، وَأَشْهَدُ أَنَّكَ عَالِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَوَصِيُّ رَسُولِ الله.
قَالَ: فَعَلَّمَهُ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) شَرَائِعَ الدِّينِ(٣٩٣).
فتأمَّلوا - يا معشر الشيعة - (رحمكم الله) ما نطق به كتاب الله (عزَّ وجلَّ)، وما جاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعن أمير المؤمنين والأئمَّة (عليهم السلام) واحد بعد واحد في ذكر الأئمَّة الاثني عشر وفضلهم وعدَّتهم من طُرُق رجال الشيعة الموثَّقين عند الأئمَّة، فانظروا إلى اتِّصال ذلك ووروده متواتراً، فإنَّ تأمُّل ذلك يجلو القلوب من العمى، وينفي الشكَّ ويزيل الارتياب عمَّن أراد الله به الخير، ووفَّقه لسلوك طريق الحقِّ، ولم يجعل لإبليس على نفسه سبيلاً بالإصغاء إلى زخارف المموِّهين وفتنة المفتونين.
وليس بين جميع الشيعة ممَّن حمل العلم ورواه عن الأئمَّة (عليهم السلام) خلاف في أنَّ كتاب سُلَيم بن قيس الهلاليِّ أصل من أكبر كُتُب الأُصول التي رواها أهل العلم من حملة حديث أهل البيت (عليهم السلام) وأقدمها، لأنَّ جميع ما اشتمل عليه هذا الأصل إنَّما هو عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) والمقداد وسلمان الفارسي وأبي ذرٍّ ومن جرى مجراهم ممَّن شهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وسمع منهما، وهو من الأُصول التي ترجع الشيعة إليها ويُعوَّل عليها، وإنَّما أوردنا بعض ما اشتمل عليه الكتاب وغيره من وصف رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأئمَّة الاثني عشر ودلالته عليهم وتكريره ذكر عدَّتهم، وقوله: «إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ تِسْعَةٌ تَاسِعُهُمْ قَائِمُهُمْ، ظَاهِرُهُمْ بَاطِنُهُمْ، وَهُوَ أَفْضَلُهُمْ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٩٣) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ٤٦ - ٤٩/ ح ٤٢).
↑صفحة ١٣٠↑
وفي ذلك قطع لكلِّ عذر، وزوال لكلِّ شبهة، ودفع لدعوى كلِّ مبطل، وزخرف كلِّ مبتدع، وضلالة كلِّ مموِّه، ودليل واضح على صحَّة أمر هذه العدَّة من الأئمَّة لا يتهيَّأ لأحد من أهل الدعاوي الباطلة - المنتمين إلى الشيعة وهم منهم براء - أنْ يأتوا على صحَّة دعاويهم وآرائهم بمثله، ولا يجدونه في شيء من كُتُب الأُصول التي ترجع إليها الشيعة، ولا في الروايات الصحيحة، والحمد لله ربِّ العالمين.
* * *
↑صفحة ١٣١↑
فصل: فيما روي أنَّ الأئمَّة اثنا عشر من طريق العامَّة، وما يدلُّ عليه من القرآن والتوراة (٣٩٤)
ثمّ إنَّا وجدنا أصحاب الحديث من العامَّة بعد هذا قد رووا في كُتُبها من طُرُق شتَّى ذكر الاثني عشر إماماً، أوردناها في هذا الباب على حسب ما انتهى إلينا منه زيادة في تأكيد الحجَّة على المخالفين والشاكِّين، على أنَّا لا نُعوِّل إلَّا على رواية الخاصَّة، ولعلَّ كلَّ ما تضمَّن هذا الباب من الكتاب أنْ يطرق سمع بعض الناس ممَّن له عقل وتمييز فيعرف الحقَّ ويعمل به.
وَمِنْ ذَلِكَ:
[٥٢/٣١] مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَلَّانٍ الدُّهْنِيُّ الْبَغْدَادِيُّ بِدِمَشْقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ(٣٩٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ(٣٩٦)، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ(٣٩٧)، عَنْ زِيَادِ بْنِ خَيْثَمَةَ(٣٩٨)، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٩٤) العنوان ليس في النُّسَخ إنَّما أضفناه تسهيلاً للقُرَّاء.
(٣٩٥) أبو بكر بن زهير بن حرب، روى النسائي عنه، عن أبيه زهير، والظاهر أنَّ اسمه أحمد، لكن لم نعثر على عنوانه بهذا الاسم في التراجم.
(٣٩٦) عليُّ بن الجعد بن عبيد الجوهري البغدادي، صدوق عند النسائي، وموثَّق عند الجوزجاني، وثقة عند ابن معين، وُلِدَ سنة (١٣٦هـ)، ومات سنة (٢٣٠هـ).
(٣٩٧) زهير بن معاوية بن حديج، أبو خيثمة الكوفي، أحد الأعلام الحُفَّاظ كما في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص ١٢٣)، وثقة ثبت كما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٣١٧/ الرقم ٢٠٥٦)، مات سنة (١٧٣هـ).
(٣٩٨) هو زياد بن خيثمة الجعفي، قال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٣١٩/ الرقم ٢٠٧٦): (كوفي، ثقة).
↑صفحة ١٣٢↑
الْهَمْدَانِيِّ(٣٩٩)، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ(٤٠٠) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ قُرَيْشٌ، فَقَالُوا لَهُ: ثُمَّ يَكُونُ مَا ذَا؟
قَالَ: «ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ».
[٥٣/٣٢] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ(٤٠١) وَسِمَاكِ اِبْنِ حَرْبٍ(٤٠٢) وَحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ(٤٠٣)، كُلُّهُمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَأَلْتُ الْقَوْمَ، فَقَالُوا: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٥٤/٣٣] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ(٤٠٤)، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٣٩٩) هو الأسود بن سعيد الهمداني الكوفي، قال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ١٠١/ الرقم ٥٠٢): (كوفي، صدوق).
(٤٠٠) جابر بن سمرة - بفتح السين المهملة وضمِّ الميم - ابن جنادة السوائي - بضمِّ المهملة -، صحابي ابن صحابي، نزل الكوفة ومات بها، قال الذهبي في الكاشف (ج ١/ ص ٢٨٧/ الرقم ٧٢٩): (مات سنة (٧٢هـ)).
(٤٠١) زياد بن علاقة الثعلبي، يُكنَّى أبا مالك الكوفي، مات سنة (١٢٥هـ)، وثَّقه ابن معين.
(٤٠٢) سماك بن حرب بن أوس، أبو المغيرة الكوفي، أحد الأعلام التابعين، وثَّقه ابن حاتم وابن عين كما في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص ١٥٥).
(٤٠٣) حصين بن عبد الرحمن، أبو الهذيل السلمي الكوفي ابن عمِّ منصور بن المعتمر، وثَّقه جلُّ أرباب الجرح والتعديل.
(٤٠٤) الظاهر كونه ابن أبي خيثمة المتقدِّم ذكره، يروي عن عبيد الله بن عمر القواريري أبو سعيد البصري الذي وثَّقه ابن معين، وتُوفِّي في ذي الحجَّة سنة (٢٣٥هـ)، كما في تهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ٣٦/ الرقم ٧٢)، والكاشف (ج ١/ ص ٦٨٥/ الرقم ٣٥٧٧). وفي بعض النُّسَخ: (عبد الله بن عمر)، وكأنَّه تصحيف.
↑صفحة ١٣٣↑
الله بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ(٤٠٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ(٤٠٦)، عَنِ الشَّعْبِيِّ(٤٠٧)، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: ذُكِرَ أَنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ هَذَا الدِّينِ يُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ نَاوَاهُمْ إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً»، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُومُونَ وَيَقْعُدُونَ، وَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا، فَقُلْتُ لِأَبِي أَوْ آخَرَ: أَيَّ شَيْءٍ قَالَ؟
قَالَ: فَقَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٥٥/٣٤] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُعِينٍ(٤٠٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ صَالِحٍ(٤٠٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٠٥) سليمان بن مهران الأعمش، ثقة ثبت كما قاله العجلي في معرفة الثقات (ج ١/ ص ٤٣٢/ الرقم ٦٧٦)، وحافظ عارف بالقراءة ورع كما قاله ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٣٩٢/ الرقم ٢٦٢٣). وما في النُّسَخ من (سليمان بن أحمر) أو (سليمان بن أحمد) فمن تصحيف النُّسَاخ.
(٤٠٦) عبد الله بن عون الخزَّاز البصري، يُكنَّى بأبي عون أيضاً، أحد الأعلام كما في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص ٢٠٩)، وقال: (قال ابن مهدي: ما أحد أعلم بالسُّنَّة بالعراق من ابن عون، وقال روح بن عبادة: ما رأيت أعبد منه، قال يحيى القطَّان: مات سنة (١٥١هـ)).
(٤٠٧) هو عامر بن شراحيل الحميري، أبو عمرو الكوفي، الإمام العلم، قال مكحول: ما رأيت أفقه منه، وقال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٤٦١/ الرقم ٣١٠٣): (أبو عمرو ثقة مشهور فقيه...، مات بعد المائة وله نحو من ثمانين).
(٤٠٨) يحيى بن معين، أبو زكريَّا البغدادي، عنونه الخزرجي الأنصاري في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص ٤٢٨)، وقال: (الحافظ الإمام العلم)، وعنونه ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٣١٦/ الرقم ٧٦٧٩)، وقال: (إمام الجرح والتعديل)، مات بالمدينة سنة (٢٣٣هـ).
(٤٠٩) عبد الله بن صالح أبو صالح المصري، كاتب الليث بن سعد، قال أبو حاتم في الجرح والتعديل (ج ٥/ ص ٨٦/ الرقم ٣٩٨): (... سمعت أبا الأسود النضر بن عبد الجبَّار وسعيد بن عفير يثنيان على كاتب الليث)، وقال أيضاً: (... سمعت عبد المَلِك بن شعيب ابن الليث يقول: أبو صالح كاتب الليث ثقة مأمون).
↑صفحة ١٣٤↑
اِبْنُ سَعْدٍ(٤١٠)، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ(٤١١)، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ(٤١٢)، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ(٤١٣)، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ(٤١٤)، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرو(٤١٥) يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ خَلْفِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً».
[٥٦/٣٥] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ(٤١٦) وَيَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّالَحِينِيُّ(٤١٧)، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ(٤١٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤١٠) الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، مولاهم، الإمام، عالم مصر وفقيهها ورئيسها، قال ابن بكير: (هو أفقه من مالك)، ووثَّقه يحيى بن معين وغيره.
(٤١١) خالد بن يزيد الجمحي، أبو عبد الرحيم، فقيه عالم، ذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال أبو زرعة والنسائي: (ثقة)، تُوفِّي سنة (١٣٩هـ) كما في تهذيب التهذيب (ج ٣/ ص ١١١/ الرقم ٢٣٥).
(٤١٢) سعيد بن أبي هلال الليثي، أبو العلاء المصري، نزيل المدينة، وقيل: كان مدني الأصل، صدوق، وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٤/ص ٨٣/الرقم ١٥٩): (موثَّق).
(٤١٣) ربيعة بن سيف بن ماتع المعافري الإسكندراني، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ١/ ص ٢٩٦/ الرقم ١٩١١): (صدوق).
(٤١٤) شفي بن ماتع الأصبحي، يُكنَّى أبا عثمان أو أبا سهل، قال العجلي: (تابعي ثقة)، كما في تهذيب التهذيب (ج ٤/ ص ٣١٥/ الرقم ٦١٦). وما في بعض النُّسَخ من (سيف الأصبحي) فهو تصحيف النُّسَّاخ.
(٤١٥) عبد الله بن عمرو بن العاص بن وائل، قيل فيه: أحد السابقين المكثرين من الصحابة.
(٤١٦) عفَّان بن مسلم بن عبد الله، أبو عثمان البصري، كما قال العجلي في معرفة الثقات (ج ٢/ ص ١٤٠/ الرقم ١٢٥٦): (ثبت).
(٤١٧) يحيى بن إسحاق السالحيني أو السيلحيني كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٢٩٦/ الرقم ٧٥٢٦) في ضبطه، يُكنَّى أبا زكريَّا، شيخ صالح ثقة صدوق كما نُقِلَ عن أحمد بن حنبل.
(٤١٨) يُعَدُّ من الأبدال، وثَّقه ابن معين، وأجمع أهل العلم على عدالته وأمانته.
↑صفحة ١٣٥↑
الله بْنُ عُثْمَانَ(٤١٩)، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ لِي عَبْدُ الله بْنُ عَمْرو: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ، اُعْدُدْ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، ثُمَّ يَكُونُ النَّقْفُ وَالنِّقَافُ.
[٥٧/٣٦] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا المُقَدَّمِيُّ(٤٢٠)، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مِقْدَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي(٤٢١)، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ(٤٢٢)، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ(٤٢٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ ظَاهِراً لَا يَضُرُّهُ مَنْ نَاوَاهُ حَتَّى يَكُونَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٥٨/٣٧] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ(٤٢٤)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤١٩) عبد الله بن عثمان بن خيثم، أبو عثمان المكِّي، حليف بني زهرة، قال ابن معين: (ثقة حجَّة)، وقال ابن سعد: (تُوفِّي في آخر خلافة أبي العبَّاس أو أوَّل خلافة أبي جعفر المنصور، وكان ثقةً) كما في تهذيب التهذيب (ج ٥/ ص ٢٧٥/ الرقم ٥٣٦).
(٤٢٠) محمّد بن أبي بكر بن عليِّ بن عطاء بن مقدم، أبا عبد الله البصري، وثَّقه ابن زرعة ويحيى ابن معين.
(٤٢١) هو عمر بن عليِّ بن مقدام الثقفي المقدَّمي، أبو حفص البصري، قال ابن سعد: (ثقة يُدلِّس)، وقال عفَّان: (لم أكن أقبل منه حتَّى يقول: حدَّثنا)، وقال ابنه عاصم: (مات أبي سنة (١٩٠هـ)).
(٤٢٢) فطر بن خليفة القرشي، أبو بكر الحنَّاط الكوفي، عنونه ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٨/ ص ٢٧٠/ الرقم ٥٥٠) وقال: (قال العجلي: كوفي ثقة حسن الحديث، وكان فيه تشيُّع قليل، وقال أبو حاتم: صالح الحديث).
(٤٢٣) أبو خالد الوالبي كوفي، اسمه هرمز، ويقال: هرم، قال أبو حاتم: (صالح الحديث)، وذكره ابن حبِّان في الثقات، وابن سعد في الطبقة الأُولى من أهل الكوفة، كما في تهذيب التهذيب (ج ١٢/ ص ٧٤/ الرقم ٨٤٠٩).
(٤٢٤) عبد الله بن جعفر بن غيلان الرقِّي، يُكنَّى أبا عبد الرحمن، قال ابن حجر (ج ٥/ ص ١٥١/ الرقم ٢٩٦): (قال أبو حاتم وابن معين: ثقة).
↑صفحة ١٣٦↑
قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ(٤٢٥)، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ(٤٢٦)، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ(٤٢٧)، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَحَدَّثَكُمْ نَبِيُّكُمْ كَمْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، فَإِنَّكَ لَأَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا، سَمِعْتُهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي عِدَّةُ نُقَبَاءِ مُوسَى (عليه السلام)».
[٥٩/٣٨] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ(٤٢٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا فِطْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْوَالِبِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ السُّوَائِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا يَضُرُّ هَذَا الدِّينَ مَنْ نَاوَاهُ حَتَّى يَمْضِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ»(٤٢٩).
والروايات بهذا المعنى من طُرُق العامَّة كثيرة(٤٣٠)، تدلُّ على أنَّ مراد رسول
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٢٥) عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، يُكنَّى أبا عمرو، وثَّقه غير واحد من الأعلام، وتُوفِّي سنة (١٨٧هـ) أو (١٩٠هـ).
(٤٢٦) مجالد بن سعيد، أبو عمرو، ويقال: أبو سعيد الكوفي، واختُلِفَ فيه، ضعَّفه طائفة وجماعة قالوا: ليس بقويٍّ، وحكى ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ١٠/ ص ٣٦/ الرقم ٦٥) عن النسائي توثيقه تارةً في موضع، وفي موضع آخر قال: ليس بقويٍّ، وقال ابن عدي: له عن الشعبي عن جابر أحاديث صالحة.
(٤٢٧) مسروق هو ابن الأجدع بن مالك الهمداني، أبو عائشة الكوفي، قال ابن معين: (ثقة لا يُسئَل عن مثله)، كما في تهذيب التهذيب (ج ١٠/ ص ١٠٠/ الرقم ٢٠٦).
(٤٢٨) الفضل بن دُكين الكوفي، واسم دُكين عمرو بن حمَّاد بن زهير التيمي، مولاهم الأحول، مشهور بكنيته، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٨/ ص ٢٤٣/ الرقم ٥٠٥): (الحافظ العلم)، وحكى عن أحمد بن حنبل أنَّه قال: ثقة يقظان عارف، مات سنة (٢١٩هـ).
(٤٢٩) اعلم أنَّا نقلنا ترجمة هؤلاء الرجال من مصادر أهل السُّنَّة لتكون أقوى للحجَّة.
(٤٣٠) من الأحاديث المتواترة عند عموم المسلمين حديث (الخلفاء الاثنا عشر)، فقد روى هذا الحديث من طُرُق الشيعة العشرات من الرواة وبمئات الطُّرُق، أمَّا من طُرُق أهل السُّنَّة فقد رواه أكثر من خمسة عشر راوٍ وبطُرُق كثيرة زادت عن المائة طريق. وعلى الرغم من وجود بعض الاختلافات في نصوص هذا الحديث، إلَّا أنَّ هناك قاسم مشترك بينهما وهو عدد (الاثنا عشر)، لكنَّ الخلاف وقع بين المسلمين في تعيين أسماء هؤلاء الخلفاء، فأتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عندهم الأمر واضح، إذ إنَّهم يُعيِّنون الأسماء بأئمَّتهم الاثني عشر (عليهم السلام)، ابتداءً بالإمام عليٍّ (عليه السلام)، وانتهاءً بالإمام المهدي (عجَّل الله فرجه). أمَّا أتباع مدرسة الخلفاء فلم نقف لهم على رأي واحد يتَّفقون عليه في تعيين أسمائهم.
راجع لمعرفة مصادر الحديث ورواته ما كتبه الدكتور الشيخ جعفر الباقري في كتابه القيِّم (الخلفاء الاثنا عشر).
↑صفحة ١٣٧↑
الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذكر الاثني عشر وأنَّهم خلفاؤه، وفي قوله في آخر الحديث الأوَّل: «ثمّ الهرج» أدلُّ دليل على ما جاءت به الروايات متَّصلة من وقوع الهرج بعد مضيِّ القائم (عليه السلام) خمسين سنة، وعلى أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يرد بذكره الاثني عشر خليفة إلَّا الأئمَّة الذين هم خلفاؤه، إذ كان قد مضى من عدد الملوك الذين ملكوا بعده منذ كون أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى هذا الوقت أكثر من اثني عشر واثني عشر، فإنَّما معنى قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الاثني عشر النصُّ على الأئمَّة الاثني عشر الخلفاء الذين هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقونه حتَّى يردوا عليه حوضه.
والحمد لله على إظهار حجَّة الحقِّ وإقامته على البراهين النيِّرة حمداً يكافئ نِعَمه، وله الشكر على طيب المولد والهداية إلى نوره بما يستحقُّ من الشكر أبداً حتَّى يرضى.
ويزيد بإذن الله تعالى هذا الباب دلالةً وبرهاناً وتوكيداً تجب به الحجَّة على كلِّ مخالف معاند وشاكٍّ ومتحيِّر بذكر ما ندب إليه في التوراة وغيرها من ذكر الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام)، ليعلم القارئ لهذا الكتاب أنَّ الحقَّ كلَّما شُرِحَ أضاءت سرجه، وزهرت مصابيحه، وبهر نوره.
↑صفحة ١٣٨↑
فممَّا ثبت في التوراة ممَّا يدلُّ على الأئمَّة الاثني عشر (عليهم السلام) ما ذكره في السِّفر الأوَّل فيها من قصَّة إسماعيل بعد انقضاء قصَّة سارة، وما خاطب الله تعالى به إبراهيم (عليه السلام) في أمرها وولدها قوله (عزَّ وجلَّ): «وقد أجبت دعاءك في إسماعيل، وقد سمعتك ما باركته، وسأُكثِّره جدًّا جدًّا، وسيلد اثني عشر عظيماً أجعلهم أئمَّة كشعب عظيم».
أقرأني عبد الحليم بن الحسين السمري (رحمه الله) ما أملاه عليه رجل من اليهود بأرَّجان(٤٣١) يقال له: الحسين بن سليمان من علماء اليهود بها(٤٣٢) من أسماء الأئمَّة (عليهم السلام) بالعبرانيَّة وعدَّتهم، وقد أثبته على لفظه، وكان فيما قرأه أنَّه يُبعَث من ولد إسماعيل في التوراة أشموعيل يُسمَّى: مامد(٤٣٣)، يعني محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يكون سيِّداً، ويكون من آله اثنا عشر رجلاً أئمَّة وسادة يُقتدى بهم، وأسماؤهم: (تقوبيت، فيذوا، ذبيرا، مفسورا، مسموعا، دوموه، مثبو، هذار، يثمو، بطور، نوقس، قيدموا)(٤٣٤).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٣١) أرَّجان - بشدِّ الراء المهملة -، في مراصد الاطِّلاع (ج ١/ ص ٥٢): (هي مدينة كبيرة، كثيرة الخير، بها نخل وزيتون وفواكه الجروم والصرود، وهي برّيَّة بحريَّة سهليَّة جبليَّة، بينها وبين البحر مرحلة، وهي من كورة فارس).
(٤٣٢) أي بأرَّجان.
(٤٣٣) في بعض النُّسَخ: (مابد).
(٤٣٤) النُّسَخ في ضبط هذه الأسماء مختلفة، وفي مقتضب الأثر (ص ٢٨ و٢٩): (قلت - أي أبو عامر هاشم الدستوائي -: [فانعت] لي هذه النعوت لأعلم علمها، قال: نعم فعِهْ عنِّي وصنه إلَّا عن أهله وموضعه إنْ شاء الله تعالى. أمَّا تقويث فهو أوَّل الأوصياء ووصىُّ آخر الأنبياء، وأمَّا قيذوا فهو ثاني الأوصياء وأوَّل العترة الأصفياء، وأمَّا دبيرا فهو ثاني العترة وسيِّد الشهداء، وأمَّا مفسورا فهو سيِّد من عبد الله من عباده، وأمَّا مسموعا فهو وارث علم الأوَّلين والآخرين، وأمَّا دوموه فهو المدرة الناطق عن الله الصادق، وأمَّا مشيو فهو خير المسجونين في سجن الظالمين، وأمَّا هذا فهو المنخوع بحقِّه النازح الأوطان الممنوع، وأمَّا يثمو فهو القصير العمر الطويل الأثر، وأمَّا بطور فهو رابع اسمه، وأمَّا نوقس فهو سميُّ عمِّه، وأمَّا قيذمو فهو المفقود من أبيه وأُمِّه، الغائب بأمر الله وعلمه، والقائم بحكمه).
↑صفحة ١٣٩↑
وسُئِلَ هذا اليهودي عن هذه الأسماء في أيِّ سورة هي؟ فذكر أنَّها في مشلى سليمان يعني في قصَّة سليمان (عليه السلام)، وقرأ منها أيضاً قوله: «وليشمعيل، سمعتيخا، هنِّيي، برختي، أوتو، وهيفرتي، أوتو، وهيريتي، أتو، بمئد مئد، شنيم، عاسار، نسيئيم، يولد ونتتّيو لغوي غادل».
وقال: تفسير هذا الكلام: أنَّه يخرج من صلب إسماعيل ولد مبارك، عليه صلاتي وعليه رحمتي، يلد من آله اثنا عشر رجلاً يرتفعون ويُبجَّلون(٤٣٥)، ويرتفع اسم هذا الرجل ويجلُّ ويعلو ذكره.
وقُرِءَ هذا الكلام والتفسير على موسى بن عمران بن زكريَّا اليهودي فصحَّحه، وقال فيه إسحاق بن إبراهيم بن بختويه اليهودي الفسوي مثل ذلك، وقال سليمان بن داود النوبنجاني مثل ذلك.
فما بعد شهادة كتاب الله (عزَّ وجلَّ)، ورواية الشيعة عن نبيِّها وأئمَّتها، ورواية العامَّة من طُرُقها عن رجالها، وشهادة الكُتُب المتقدِّمة وأهلها بصحَّة أمر الأئمَّة الاثني عشر - لمسترشد مرتاد طالب، أو معاند جاحد - من حجَّة تجب، وبرهان يظهر، وحقٍّ يُلزَم. إنَّ في هذا لكفايةً ومقنعاً ومعتبراً ودليلاً وبرهاناً لمن هداه الله إلى نوره، ودلَّه على دينه الذي ارتضاه وأكرم به أولياءه وحرَّمه أعداءه بمعاندتهم من اصطفاه وإيثار كلِّ امرئ هواه وإقامته عقله إماماً وهادياً ومرشداً دون الأئمَّة الهادين الذين ذكرهم الله في كتابه لنبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: ٧]، في كلِّ زمان إمام يهدي به الله من اتَّبعه واقتدى به دون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٣٥) في لسان العرب (ج ١١/ص ٤٤/مادَّة بجل): (التَّبجيل: التعظيم. بَجَّل الرجلَ : عَظَّمَه).
↑صفحة ١٤٠↑
من خالفه وجحده واعتمد على عقله ورأيه وقياسه وأنَّه موكول إليها بإيثاره لها، جعلنا الله بما يرتضيه عاملين، وبحُجَجه معتصمين، ولهم متَّبعين، ولقولهم مسلِّمين، وإليهم رادِّين، ومنهم مستنبطين، وعنهم آخذين، ومعهم محشورين، وفي مداخلهم مدخلين، إنَّه جواد كريم.
[٦٠/٣٩] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيِّ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الطَّوِيلُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سَيْرٍ(٤٣٦)، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنِ الْفُضَيْلِ(٤٣٧)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، قَالَ: «كُلُّ إِمَامٍ هَادٍ لِلْقَرْنِ الَّذِي هُوَ فِيهِمْ»(٤٣٨)،(٤٣٩).
[٦١/٤٠] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٣٦) كذا في النُّسَخ، وهو تصحيف، والصواب إمَّا النضر بن سويد، أو حنان بن سدير، وكلاهما في طريق هذه الرواية، راجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠/ ج ١/ باب ١٣/ ح ٥ و٦)، وتفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ٢٠٤/ ح ٧)، والكافي (ج ١/ ص ١٩١/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) هم الهداة/ ح ١).
(٤٣٧) يعني الفضيل بن يسار النهدي، أبو القاسم، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٠٩/ الرقم ٨٤٦): (عربي، بصري، صميم، ثقة).
(٤٣٨) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٩٥/ ح ١٩٦).
(٤٣٩) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٦٧): (قوله: (كلُّ إمام هادٍ للقرن الذي هو فيهم)، القرن: أهل كلِّ زمان، وإمامهم معاهد لأذهانهم في قبول أنوار الله، ومرشد لنفوسهم إلى سلوك سبيل الله، ومنه الهداية إلى القوانين الشرعيَّة والدِّراية للنواميس الكلّيَّة والجزئيَّة، وبإعداده يُفاض على النفوس هداها، وبإعطائه ينكشف عن العقول عماها).
↑صفحة ١٤١↑
وَمِائَتَيْنِ(٤٤٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ رِبَاطٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾، قَالَ: «رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المُنْذِرُ، وَعَلِيٌّ الْهَادِي، أَمَا وَالله مَا ذَهَبَتْ مِنَّا، وَمَا زَالَتْ فِينَا إِلَى السَّاعَةِ»(٤٤١)،(٤٤٢).
جعلنا الله لما يرضيه عاملين(٤٤٣).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٤٠) كذا في النُّسَخ، وكأنَّه تصحيف، والصواب: (سنة إحدى وثمانين ومائتين) كما في السند السابق، لكون ميلاد ابن عقدة كما ذكره الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٥/ ص ٢٢٥/ الرقم ٢٦٨٠) ليلة النصف من المحرَّم سنة (٢٤٩هـ)، فيكون سنة إحدى وستِّين ابن اثنتي عشرة سنة، ولا يتحمَّل في مثل هذا السنِّ غالباً، وسيأتي تحت الرقم (٤٥٩/١) روايته عن جعفر بن عبد الله المحمّدي في سنة (٢٦٨هـ).
(٤٤١) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٩٦/ ح ١٩٧)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠/ ج ١/ باب ١٣/ ح ٧)، والكافي (ج ١/ ص ١٩٢/ باب أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) هم الهداة/ ح ٤).
(٤٤٢) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٦٨): (قوله: (ما ذهبت) أي الهداية، أو هذه الآية. قوله: (وما زالت فينا) يعني ثبوت منصب الهداية، أو تلك الآية فينا مستمرَّة إلى ساعة القيامة، لأنَّ علَّة احتياج الناس إلى الهادي بعد الرسول مستمرَّة إلى قيام الساعة).
(٤٤٣) لم ترد هذه الجملة في بعض النُّسَخ.
↑صفحة ١٤٢↑
↑صفحة ١٤٣↑
[٦٢/١] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي شَيْخٌ بِمِصْرَ يُقَالُ لَهُ: الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ المُقْرِئُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٦٠](٤٤٤)، قَالَ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِمَامٌ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ».
[٦٣/٢] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ اِبْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ مَرْزُبَانَ الْقُمِّيِّ، عَنْ عِمْرَانَ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِمَامٌ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ، وَمَنْ زَعَمَ فِي إِمَامٍ حَقٍّ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِمَامٍ وَهُوَ إِمَامٌ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٤٤) الآية عامَّة في جميع أفراد الكذب على الله سبحانه، وما في الخبر تعيُّن أحد أفراده أو مصداقه الأجلى.
↑صفحة ١٤٥↑
[٦٤/٣] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ المُسْتَرِقِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ الصَّائِغِ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ: مَنِ ادَّعَى مِنَ الله إِمَامَةً لَيْسَتْ لَهُ، وَمَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ الله، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً»(٤٤٥).
[٦٥/٤] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاسِمُ اِبْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله اِبْنُ جَبَلَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ تَمَّامٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): إِنَّ فُلَاناً يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكَ: اضْمَنْ لِيَ الشَّفَاعَةَ.
فَقَالَ: «أَمِنْ مَوَالِينَا؟».
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «أَمْرُهُ أَرْفَعُ مِنْ ذَلِكَ».
قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهُ رَجُلٌ يُوَالِي عَلِيًّا، وَلَمْ يَعْرِفْ مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الْأَوْصِيَاءِ.
قَالَ: «ضَالٌّ».
قُلْتُ: أَقَرَّ بِالْأَئِمَّةِ جَمِيعاً وَجَحَدَ الْآخِرَ.
قَالَ: «هُوَ كَمَنْ أَقَرَّ بِعِيسَى وَجَحَدَ بِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أَوْ أَقَرَّ بِمُحَمَّدٍ وَجَحَدَ بِعِيسَى».
نعوذ بالله من جحد حجَّة من حُجَجه.
فليحذر من قرأ هذا الحديث وبلغه هذا الكتاب أنْ يجحد إماماً من الأئمَّة، أو يُهلِك نفسه بالدخول في حال تكون منزلته فيها منزلة من جحد محمّداً أو عيسى (صلَّى الله عليهما) نبوَّتهما.
[٦٦/٥] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبَاحٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَبِي المَغْرَا(٤٤٦)، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ(٤٤٧)، عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٤٥) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٣ و٣٧٤/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٤ و١٢)؛ وراجع: الخصال (ص ١٠٦/ ح ٦٩).
(٤٤٦) هو حميد بن المثنَّى العجلي الصيرفي، وثَّقه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٣٣/ الرقم ٣٤٠)، والطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ١٥٤/ الرقم ٢٣٦).
(٤٤٧) في بعض النُّسَخ: (أبي سالم).
↑صفحة ١٤٦↑
الْبَاقِرِ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٦٠]، قَالَ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ إِمَامٌ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ».
قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ عَلَوِيًّا فَاطِمِيًّا؟
قَالَ: «وَإِنْ كَانَ عَلَوِيًّا فَاطِمِيًّا»(٤٤٨)،(٤٤٩).
[٦٧/٦] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ النَّاشِرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله اِبْنُ جَبَلَةَ، عَنْ عِمْرَانَ(٤٥٠) بْنِ فطر(٤٥١)، عَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام): هَلْ كَانَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَعْرِفُ الْأَئِمَّةَ (عليهم السلام)؟
قَالَ: «قَدْ كَانَ نُوحٌ (عليه السلام) يَعْرِفُهُمْ، الشَّاهِدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى﴾ [الشورى: ١٣](٤٥٢)»، قَالَ: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ - يَا مَعْشَرَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٤٨) راجع: الكافي (ج ١/ ص ٣٧٢/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٣)، والاعتقادات (ص ١١٣)، وثواب الأعمال (ص ٢١٤)، ومناقب آل أبي طالب (ج ١/ ص ٢٢٢ و٢٢٣).
(٤٤٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ١٩٢): (ذكر العلوي بعد الفاطمي للتأكيد، ولبيان أنَّه لا ينفعه شيء من الشرفين المجتمعين فيه، ولو كان بالعكس كان الثاني مقيِّداً ومخصِّصاً للأوَّل كما ورد في سائر الأخبار).
(٤٥٠) في بعض النُّسَخ: (عبد الله).
(٤٥١) كذا في النُّسَخ، وذكره تحت عنوان (عمران بن قطن) النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٩٢/ الرقم ٧٨٨)، وقال: (روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) كتابه)، وعدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٥٧/ الرقم ٣٦٣٧/٥٤٦) من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، وقال: (كوفي).
(٤٥٢) وبقيَّه الآية: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾. قوله: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ﴾ أي شرع لكم من الدِّين دين نوح ومحمّد (عليهما السلام) ومن بينهما من أرباب الشرائع، وهو الأصل المشترك فيما بينهم المفسَّر بقوله: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ﴾، وهو الإيمان بما يجب تصديقه والاعتقاد به. ﴿وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ أي لا تختلفوا في هذا الأمر المشترك بين الجميع، فإنَّ اللَّام في ﴿الدِّينَ﴾ للعهد، أي أقيموا هذا الدِّين المشروع لكم. فالمعنى أنَّ هذا الدِّين المشروع لكم هو الذي وصَّى به نوحاً (عليه السلام) ومحمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن بينهما من أرباب الشرائع الإلهيَّة من التوحيد والحشر والولاية ونحوها ممَّا لا تختلف الشرائع فيه بقرينة قوله: ﴿وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾، فما كنتم مكلَّفين به من الاعتقاد هو الذي كلَّف به نوح (عليه السلام).
↑صفحة ١٤٧↑
الشِّيعَةِ - مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً».
[٦٨/٧] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ اِبْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ المَكْفُوفِ(٤٥٣)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «يَنْبَغِي لِمَنِ ادَّعَى هَذَا الْأَمْرَ فِي السِّرِّ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهِ بِبُرْهَانٍ فِي الْعَلَانِيَةِ».
قُلْتُ: وَمَا هَذَا الْبُرْهَانُ الَّذِي يَأْتِي فِي الْعَلَانِيَةِ؟
قَالَ: «يُحِلُّ حَلَالَ الله، وَيُحَرِّمُ حَرَامَ الله، وَيَكُونُ لَهُ ظَاهِرٌ يُصَدِّقُ بَاطِنَهُ»(٤٥٤).
[٦٩/٨] وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ المَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ المَعْرُوفُ بِالرَّزَّازِ الْكُوفِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٥٣) لم أجده بهذا العنوان في كُتُب الرجال، والظاهر بقرينة قوله: (عن بعض أصحابه) أنَّ له أصلاً أو كتاباً، والمكفوف هو الذي ذهب بصره، وجاء في الفهرست للطوسي (رحمه الله) (ص ١٨٠/ الرقم ٤٩٠/٤) بعنوان: (عمرو بن خالد الأعشى)، وقال: (له كتاب)، وذكر السيِّد التفرشي (رحمه الله) في نقد الرجال (ج ٥/ ص ١٥٣/ ذيل الرقم ٥٩٨٩) أنَّ أبا خالد كنية لجماعة، منهم: عمرو بن خالد هذا.
(٤٥٤) الظاهر كون الخبر أجنبيًّا عن الباب، لأنَّ المراد بـ(الأمر) التشيُّع لا الإمامة.
↑صفحة ١٤٨↑
وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر: ٦٠]، قَالَ: «مَنْ قَالَ: إِنِّي إِمَامٌ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ».
قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ عَلَوِيًّا فَاطِمِيًّا؟
قَالَ: «وَإِنْ كَانَ عَلَوِيًّا فَاطِمِيًّا».
قُلْتُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؟
قَالَ: «وَإِنْ كَانَ مِنْ وُلْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ(٤٥٥)».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، مِثْلَهُ سَوَاءً(٤٥٦).
[٧٠/٩] وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عِيسَى الْحُسَيْنِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَعْيَنَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ رَايَةِ الْقَائِمِ (عليه السلام) صَاحِبُهَا طَاغُوتٌ(٤٥٧)»(٤٥٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٥٥) لعلَّ إعادة السؤال لرفع توهُّم كون المراد بالعلوي من ينتسب إليه (عليه السلام) من مواليه أو شيعته.
(٤٥٦) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٢/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ١).
(٤٥٧) في الصحاح للجوهري (ج ٦/ ص ٢٤١٣/ مادَّة طغا): (الطاغوت: الكاهن والشيطان، وكلُّ رأس في الضلالة، قد يكون واحداً، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: ٦٠]، وقد يكون جميعاً، قال الله تعالى: ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٥٧]، وطاغوت وإنْ جاء على وزن لاهوت فهو مقلوب لأنَّه من طغا، ولاهوت غير مقلوب لأنَّه من لاه، بمنزلة الرغبوت والرهبوت، والجمع الطواغيت).
(٤٥٨) الكافي (ج ٨/ ص ٢٩٥/ ح ٤٥٢).
↑صفحة ١٤٩↑
[٧١/١٠] وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنِ ابْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ أَبَانٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ(٤٥٩)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرٌ (عليه السلام): «مَنِ ادَّعَى مَقَامَنَا - يَعْنِي الْإِمَامَةَ(٤٦٠) - فَهُوَ كَافِرٌ - أَوْ قَالَ: مُشْرِكٌ -».
[٧٢/١١] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ بِقُمَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ(٤٦١)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَعْيَنَ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ (عليه السلام) صَاحِبُهَا طَاغُوتٌ».
[٧٣/١٢] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ المُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَعْيَنَ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «كُلُّ رَايَةٍ تُرْفَعُ - أَوْ قَالَ: تَخْرُجُ - قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ (عليه السلام) صَاحِبُهَا طَاغُوتٌ».
[٧٤/١٣] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «مَنْ خَرَجَ يَدْعُو النَّاسَ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَهُوَ ضَالٌّ مُبْتَدِعٌ(٤٦٢)، وَمَنِ ادَّعَى الْإِمَامَةَ مِنَ الله وَلَيْسَ بِإِمَامٍ فَهُوَ كَافِرٌ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٥٩) في بعض النُّسَخ: (عن أبي الفضل، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام)).
(٤٦٠) في بعض النُّسَخ: (من ادَّعى مقاماً ليس له - يعني الإمامة -).
(٤٦١) في بعض النُّسَخ: (محمّد بن الحسن الرازي)، وفي بعضها: (محمّد بن الحسين الرازي).
(٤٦٢) الخبر ذُكِرَ في بحار الأنوار (ج ٢٥/ ص ١١٥/ ح ١٨) إلى هنا، والبقيَّة في هامش بعض النُّسَخ. وقوله: (يدعو الناس) أي إلى نفسه بالإمامة لهم.
↑صفحة ١٥٠↑
فماذا يكون الآن - ليت شعري - حال من ادَّعى إمامة إمام ليس من الله ولا منصوصاً عليه، ولا هو من أهل الإمامة، ولا هو موضعاً لها بعد قولهم (عليهم السلام): «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ، وَهُمْ: مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ إِمَامٌ وَلَيْسَ بِإِمَامٍ، وَمَنْ جَحَدَ إِمَامَةَ إِمَامٍ حَقٍّ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيباً»، وبعد إيجابهم على مدَّعي هذه المنزلة والمرتبة وعلى من يدَّعيها له الكفر والشرك؟ نعوذ بالله منهما ومن العمى، ولكنَّ الناس إنَّما أتوا من قلَّة الرواية والدراية عن أهل البيت المطهَّرين الهادين، نسأل الله (عزَّ وجلَّ) الزيادة من فضله، وألَّا يقطع عنَّا موادَّ إحسانه وعلمه، ونقول - كما أدَّب الله (عزَّ وجلَّ) نبيَّه في كتابه -: ربَّنا زدنا علماً، واجعل ما مننت به علينا مستقرًّا ثابتاً، ولا تجعله مستودعاً مستعاراً، برحمتك وطولك.
* * *
↑صفحة ١٥١↑
باب (٦): الحديث المروي عن طُرُق العامَّة (٤٦٣)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٦٣) في بعض النُّسَخ: (ما روي أنَّ الأئمَّة اثنا عشر إماماً، وذكر ما يدلُّ عليه القرآن والتوراة). وهذا الباب مع أخباره غير موجود في بعض النُّسَخ، وكأنَّه أُضيف إليه بعد إملاء المؤلِّف (رحمه الله).
↑صفحة ١٥٣↑
[مِنْ ذَلِكَ](٤٦٤):
ما روي عن عبد الله بن مسعود:
[٧٥/١] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الدُّهْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الرَّقِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَحَدَّثَكُمْ نَبِيُّكُمْ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَمْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ؟
فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَا سَأَلَنِي أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَإِنَّكَ لَأَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «يَكُونُ بَعْدِي عِدَّةُ نُقَبَاءِ مُوسَى (عليه السلام)»(٤٦٥).
[٧٦/٢] وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ(٤٦٦) وَعَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ الْأَشَجِّ(٤٦٧) وَأَبِي كُرَيْبٍ(٤٦٨) وَمَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ(٤٦٩) وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ(٤٧٠) وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٦٤) ما بين المعقوفتين لا يوجد في بعض النُّسَخ.
(٤٦٥) تقدَّم تحت الرقم (٥٨/٣٧)، فراجع.
(٤٦٦) هو عثمان بن محمّد بن إبراهيم بن أبي شيبة الكوفي، ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٨/ص ٤٥٤).
(٤٦٧) عبد الله بن عمر بن سعيد الأشجّ، عنونه ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٥/ ص ٢٠٨/ الرقم ٤١١) بعنوان: (عبد الله بن سعيد الأشجّ)، وقال: (كوفي ثقة، مات سنة (٢٥٧هـ)).
(٤٦٨) هو محمّد بن العلاء بن كريب الهمداني المعنون في تهذيب التهذيب (ج ٩/ ص ٣٤٢/ الرقم ٦٣٦)، وقال: (كوفي حافظ أحد الأثبات المكثرين).
(٤٦٩) محمود بن غيلان، أبو أحمد المروزي العدوي، مولاهم، وكان ثقةً حافظاً، مات سنة (٢٣٩هـ)، كما في تهذيب التهذيب (ج ١٠/ ص ٥٨/ الرقم ١٠٩).
(٤٧٠) يُراد بعليِّ بن محمّد إمَّا الطنافسي الكوفي الصدوق الثقة، وإمَّا الهاشمي الكوفي الوشَّاء الذي ذكره ابن حبَّان في الثقات، وكلاهما في طبقة واحدة، ومن رواة حمَّاد بن زيد أبي أُسامة.
↑صفحة ١٥٥↑
سَعِيدٍ(٤٧١)، قَالُوا جَمِيعاً: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ(٤٧٢)، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: أَحَدَّثَكُمْ نَبِيُّكُمْ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَمْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنَ الْخُلَفَاءِ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَمَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ قَبْلَكَ، وَإِنَّكَ لَأَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا، قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي عِدَّةُ نُقَبَاءِ مُوسَى (عليه السلام)»(٤٧٣).
[٧٧/٣] أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَشْعَثُ(٤٧٤)، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هَلْ سَأَلْتُمْ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَمْ يَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ مِنْ خَلِيفَةٍ بَعْدَهُ؟
فَقَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ قَدِمْتُ الْعِرَاقَ، نَعَمْ سَأَلْنَا رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ: «اثْنَا عَشَرَ عِدَّةُ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
[٧٨/٤] وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبِي أَحْمَدَ(٤٧٥) وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٧١) إبراهيم بن سعيد، أبو إسحاق الجوهري الطبري، حافظ ثقة ثبت، كما ذكره الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٦/ ص ٩٠/ الرقم ٣١٢٧).
(٤٧٢) هو حمَّاد بن أُسامة بن زيد القرشي، مولاهم، المشهور بكنيته، ثقة ثبت، كما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٢٣٦ و٢٣٧/ الرقم ١٤٩٢)، وقال: (مات سنة إحدى ومائتين، وهو ابن ثمانين سنة)، ووثَّقه العجلي وأحمد.
(٤٧٣) روى الخبر أحمد بن حنبل في مسنده (ج ٦/ ص ٣٢١/ ح ٣٧٨١)، وليس في سنده: (عن عمِّه)، وفيه: (كعدَّة نقباء بني إسرائيل).
(٤٧٤) الأشعث بن سوار الكندي النجَّار الكوفي، مولى ثقيف، صاحب التوابيت، ضعيف عند أكثر أرباب الجرح والتعديل.
(٤٧٥) المراد به محمود بن غيلان المروزي المتقدِّم ذكره.
↑صفحة ١٥٦↑
الْقَطَّانِ(٤٧٦) وَسُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ(٤٧٧)، قَالُوا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ(٤٧٨)، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَمِّهِ قَيْسِ بْنِ عَبْدٍ(٤٧٩)، قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَأَتَى عَبْدَ الله بْنَ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ: فِيكُمْ عَبْدُ الله بْنُ مَسْعُودٍ؟ فَأَشَارُوا إِلَيْهِ.
قَالَ لَهُ: عَبْدُ الله قَدْ وَجَدْتَهُ، فَمَا حَاجَتُكَ؟
قَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْ شَيْءٍ إِنْ كُنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَنَبِّئْنَا بِهِ، أَحَدَّثَكُمْ نَبِيُّكُمْ كَمْ يَكُونُ بَعْدَهُ مِنْ خَلِيفَةٍ؟
قَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْ هَذَا أَحَدٌ مُنْذُ قَدِمْتُ الْعِرَاقَ، نَعَمْ، قَالَ: «الْخُلَفَاءُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ»(٤٨٠).
[٧٩/٥] وَعَنْ مُسَدِّدِ بْنِ مُسْتَوْرِدٍ(٤٨١)، قَالَ: حَدَّثَنِي حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٧٦) يوسف بن موسى، أبو يعقوب القطَّان الكوفي، قال الخطيب في تاريخ بغداد (ج ١٤/ ص ٣٠٦/ الرقم ٧٦١٥): (كان أصله من الأهواز، ومتجره بالريِّ، ثمّ سكن بغداد وحدَّث بها عن جرير بن عبد الحميد...)، إلى أنْ قال: (وصفه غير واحد من الأئمَّة بالثقة)، وذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٩/ ص ٢٨٢).
(٤٧٧) سفيان بن وكيع ضعَّفه غير واحد، وقالوا: ليس بثقة.
(٤٧٨) هو جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد الله الرازي، وكان ثقةً يُرحَل إليه، وفي المحكي عن ابن عمَّار الموصلي أنَّه حجَّة كانت كُتُبه صحاحاً، وعن النسائي والعجلي أنَّه ثقة، مات سنة (١٨٨هـ)، كما في تهذيب التهذيب (ج ٢/ ص ٦٥/ الرقم ١١٦).
(٤٧٩) في نسخة: (قيس بن عبيد).
(٤٨٠) قد تكرَّر في الباب أنَّ عدد خلفاء النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عدد نقباء بني إسرائيل، أو نقباء موسى (عليه السلام)، والمراد اثنا عشر حيث قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً﴾ (المائدة: ١٢)، والنقيب هو الآمر والسيِّد والشاهد، ونقيب القوم: سيِّدهم وأميرهم.
(٤٨١) هومسدِّد بن مسرهد بن مسربل بن مستورد الأسدي البصري، أبو الحسن، كان ثقةً حافظاً، كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ١٧٥/ الرقم ٦٦١٩).
↑صفحة ١٥٧↑
مُجَالِدٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بَعْدَ المَغْرِبِ وَهُوَ يُعَلِّمُ الْقُرْآنَ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَسَأَلْتَ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كَمْ يَكُونُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ خَلِيفَةٍ؟
فَقَالَ: مَا سَأَلَنِي عَنْهَا أَحَدٌ مُنْذُ قَدِمْتُ الْعِرَاقَ، نَعَمْ، وَقَالَ: «خُلَفَاؤُكُمُ اثْنَا عَشَرَ عِدَّةُ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ».
ما روي عن أنس بن مالك (٤٨٢):
[٨٠/٦] مَا رَوَاهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ هَاشِمٍ الْبَزَّارُ(٤٨٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ مَوْلَى بَنِي مُجَاشِعٍ(٤٨٤)، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ(٤٨٥)، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَنْ يَزَالَ هَذَا الْأَمْرُ قَائِماً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ قَيِّماً مِنْ قُرَيْشٍ...» ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ(٤٨٦).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٨٢) أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مات سنة اثنتين ومائة، وقيل: ثلاث وتسعين، وقد جاوز المائة، كما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ١١١/ الرقم ٥٦٦).
(٤٨٣) لم أعثر عليه بهذا العنوان، ويمكن أنْ يكون تصحيف عبد السلام بن عاصم الجعفي، وهو مقبول الرواية. ويحتمل أنْ يكون عبد السلام بن أبي حازم البصري، فإنَّ جلَّ من روى عن يزيد الرقاشي أحاديثه بصريُّون.
(٤٨٤) الظاهر أنَّه عبد الله بن سليمان بن جنادة بن بني أُميَّة، ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٨/ ص ٣٣٧).
(٤٨٥) يزيد بن أبان الرقاشي، كان قاصًّا، ولم يكن من الثقات، إنَّما كان من خيار عباد الله، معروفاً بأبي عمرو البصري الزاهد، وله أخبار في المواعظ والخوف والبكاء، وليس بقويٍّ. راجع: تهذيب التهذيب (ج ١١/ ص ٢٧٠/ الرقم ٤٩٨).
(٤٨٦) روى الساروي هذا الخبر بإسناده عن عبد الله بن أبي أُميَّة، عن الرقاشي، وزاد في آخره: (فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها).
↑صفحة ١٥٨↑
ما رواه جابر بن سمرة السُّوائي:
وهو ابن أُخت سعد بن أبي وقَّاص، بعد ما في الأصل.
[٨١/٧] عَمْرُو بْنُ خَالِدِ بْنِ فَرُّوخٍ الْحَرَّانِيُّ(٤٨٧)، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مُسْتَقِيماً أَمْرُهَا، ظَاهِرَةً عَلَى عَدُوِّهَا، حَتَّى يَمْضِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ وُفُودُ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُ: ثُمَّ يَكُونُ مَا ذَا؟
قَالَ: «يَكُونُ الْهَرْجُ».
وَقَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ(٤٨٨)، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَذَكَرَ مِثْلَهُ.
[٨٢/٨] عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ(٤٨٩)، قَالَ: حَدَّثَنِي جَرِيرٌ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَقُومُ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً».
قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْمَعْهُ، فَسَأَلْتُ الْقَوْمَ، وَسَأَلْتُ أَبِي، وَكَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنِّي، فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٨٧) عمرو بن خالد، أبو الحسن الحرَّاني الجزري، نزيل مصر، قال العجلي: (ثبت ثقة)، وقال أبو حاتم: (صدوق)، كما في تهذيب التهذيب (ج ٨/ ص ٢٣/ الرقم ٤٠).
(٤٨٨) هو عبد المَلِك بن عبد العزيز بن جريج - بالجيم أوَّله وآخره -، قال ابن حجر تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٦١٧/ الرقم ٤٢٠٧): (كان ثقةً فاضلاً).
(٤٨٩) السند معلَّق على ما تقدَّم تحت الرقم (٧٦/٢)، وكذا سند الحديث الآتي.
↑صفحة ١٥٩↑
[٨٣/٩] عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ(٤٩٠)، عَنْ مُهَاجِرِ اِبْنِ مِسْمَارٍ(٤٩١)، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ(٤٩٢)، قَالَ: كَتَبْتُ مَعَ غُلَامِي نَافِعٍ إِلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ: أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ عَشِيَّةَ جُمُعَةٍ رُجِمَ الْأَسْلَمِيُّ(٤٩٣): «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِماً حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، أَوْ يَكُونُ عَلَى النَّاسِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ...» وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ(٤٩٤).
وعَنْ عَبَّادِ بْنِ يَعْقُوبَ(٤٩٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٩٠) حاتم بن إسماعيل، أبو إسماعيل المدني الحارثي، قال ابن سعد في طبقاته (ج ٥/ ص ٤٢٥): (كان أصله من الكوفة، ولكنَّه انتقل إلى المدينة فنزلها حتَّى مات بها سنة (١٨٦هـ)...، وكان ثقةً مأموناً، كثير الحديث).
(٤٩١) مهاجر بن مسمار الزهري، مولى سعد، مدني، ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٧/ص ٤٨٦).
(٤٩٢) عامر بن سعد بن أبي وقَّاص الزهري المدني، قال ابن سعد في طبقاته (ج ٥/ ص ١٦٧): (كان ثقةً كثير الحديث)، وذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٥/ ص ١٨٦).
(٤٩٣) هو ماعز بن مالك الأسلمي، وقصَّته كما في صحيح مسلم (ج ٥/ ص ١١٨) أنَّه أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: إنِّي أصبت فاحشة فأقمه عليَّ، فردَّه النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مراراً، ثمّ سأل قومه: هل به جنون؟ فقالوا: ما نعلم به بأساً، فأمر برجمه، فانطلقوا به إلى بقيع الغرقد ورجموه... إلى آخره.
(٤٩٤) تتمَّة الخبر كما في صحيح مسلم (ج ٦/ ص ٤): وسمعته يقول: «عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى - أو آل كسرى -»، وسمعته يقول: «إنَّ بين يدي الساعة كذَّابين فاحذروهم»، وسمعته يقول: «إذا أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهل بيته»، وسمعته يقول: «أنا الفرط على الحوض».
(٤٩٥) عبَّاد بن يعقوب الأسدي الرواجني، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٥/ ص ٩٥/ الرقم ١٨٣): (قال الحاكم: كان ابن خزيمة يقول: حدَّثنا الثقة في روايته، المتَّهم في دينه عبَّاد بن يعقوب...، قال ابن عدي: وعبَّاد فيه غلوٌّ في التشيُّع).
↑صفحة ١٦٠↑
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ(٤٩٦)، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ(٤٩٧)، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ(٤٩٨)، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ، بِإِسْنَادِهِ، مِثْلَهُ.
[٨٤/١٠] وَعَنْ غُنْدَرٍ(٤٩٩)، عَنْ شُعْبَةَ(٥٠٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ(٥٠١)، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ مُسْتَقِيماً حَتَّى يَقُومَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»، ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أَفْهَمْهَا، فَسَأَلْتُ أَبِي، فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٨٥/١١] وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدٍ(٥٠٢)، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ اِبْنُ عِلَاقَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ السُّوَائِيُّ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ أَبِي عِنْدَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقَالَ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً»، ثُمَّ أَخْفَى صَوْتَهُ، فَسَأَلْتُ أَبِي، فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٤٩٦) محمّد بن عبد الله بن عبد الحَكَم، أبو عبد الله المصري، فقيه ثقة، راجع: تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٩٦/ الرقم ٦٠٤٧).
(٤٩٧) هو محمّد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك، قال ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٥٦/ الرقم ٥٧٥٤): (صدوق).
(٤٩٨) هو محمّد بن عبد الرحمن، المكنَّى بابن أبي ذئب، ثقة فقيه فاضل، كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ١٠٥/ الرقم ٦١٠٢).
(٤٩٩) هو محمّد بن جعفر المدني البصري، ثقة صدوق صحيح الكتاب، راجع: تهذيب التهذيب (ج ٩/ ص ٨٤/ الرقم ١٢٩).
(٥٠٠) شعبة بن الحجَّاج بن الورد العتكي، أبو بسطام الواسطي ثمّ البصري، كان ثقةً حافظاً متقناً، قال الثوري: هو أمير المؤمنين في الحديث، على ما في تهذيب التهذيب (ج ٤/ ص ٢٩٧/ الرقم ٥٩٠).
(٥٠١) هو وضَّاح بن عبد الله اليشكري البزَّاز، مشهور بكنيته، كان ثقةً ثبتاً، كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٢٨٢/ الرقم ٧٤٣٤).
(٥٠٢) كذا، ومثله في الخصال وبحار الأنوار، ولم أجده بهذا العنوان.
↑صفحة ١٦١↑
[٨٦/١٢] وَعَنْ خَلَفِ بْنِ الْوَلِيدِ اللُّؤْلُؤِيِّ(٥٠٣)، عَنْ إِسْرَائِيلَ(٥٠٤)، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «يَقُومُ بَعْدَهُ - أَوْ مِنْ بَعْدِهِ - اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً»، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ لَمْ أَفْهَمْهَا، فَسَأَلْتُ الْقَوْمَ: مَا قَالَ؟ فَقَالُوا: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٨٧/١٣] وَمِنْ حَدِيثِ خَلَفِ بْنِ هِشَامٍ الْبَزَّارِ(٥٠٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيِّ، قَالَ: خَطَبَ بِنَا رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بِعَرَفَةَ، فَقَالَ: «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَوِيًّا عَزِيزاً ظَاهِراً عَلَى مَنْ نَاوَاهُ(٥٠٦)، لَا يَضُرُّهُ مَنْ فَارَقَهُ أَوْ خَالَفَهُ حَتَّى يَمْلِكَ اثْنَا عَشَرَ».
قَالَ: وَتَكَلَّمَ النَّاسُ، فَلَمْ أَفْهَمْ، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ، أَرَأَيْتَ قَوْلَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «كُلُّهُمْ»، مَا هُوَ؟
قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
وَمِنْ حَدِيثِ النَّفِيليِّ الْحَرَّانِيِّ(٥٠٧)، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٠٣) هو خلف بن الوليد الجوهري، أبو الوليد البغدادي، عنونه الخطيب في تاريخ بغداد (ج ٨/ ص ٣١٧/ الرقم ٤٤١٥)، وقال: (... سمعت يحيى بن معين يقول: خلف بن الوليد ثقة).
(٥٠٤) إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، أبو يوسف الكوفي، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ١/ ص ٢٢٩/ الرقم ٤٩٦): (قال أبو حاتم: ثقة صدوق).
(٥٠٥) خلف بن هشام بن ثعلب البزَّار - بالراء آخراً -، أبو محمّد المقرئ البغدادي، أحد الأعلام، وثَّقه ابن معين والنسائي، كما في خلاصة تذهيب تهذيب الكمال (ص ١٠٦).
(٥٠٦) ظاهراً: أي غالباً. وقال الجوهري في الصحاح (ج ١/ ص ٧٩/ مادَّة نوأ): (ناوأت الرجل مناوأةً ونواءً: عاديته)، وفي (ج ٦/ ص ٢٥١٧/ مادَّة نوى): (وناواه: أي عاداه، وأصله الهمز، لأنَّه من النوء وهو النهوض).
(٥٠٧) هو عبد الله بن محمّد بن عليِّ بن نفيل، ثقة حافظ، كما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٥٣١/ الرقم ٣٦٠٥).
↑صفحة ١٦٢↑
زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مُسْتَقِيماً أَمْرُهَا، ظَاهِرَةً عَلَى عَدُوِّهَا، حَتَّى يَمْضِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ وُفُودُ قُرَيْشٍ، فَقَالُوا لَهُ: ثُمَّ يَكُونُ مَا ذَا؟
قَالَ: «يَكُونُ الْهَرْجُ»(٥٠٨).
[٨٨/١٤] وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ وَسِمَاكٍ وَحُصَيْنٍ، كُلُّهُمْ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً - غَيْرَ أَنَّ حُصَيْنَ قَالَ: اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً -»، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَفْهَمْهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي حَدِيثِهِ: فَسَأَلْتُ أَبِي.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَسَأَلْتُ الْقَوْمَ.
فَقَالُوا: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْحَرَّانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ مُسْتَقِيماً أَمْرُهَا، ظَاهِرَةً عَلَى عَدُوِّهَا، حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهَا اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»(٥٠٩).
[٨٩/١٥] وَمِنْ حَدِيثِ مُعَمَّرِ بْنِ سُلَيْمَانَ(٥١٠)، قَالَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٠٨) تقدَّم تحت الرقم (٨١/٧)، فراجع.
(٥٠٩) تقدَّم مع زيادة تحت الرقم (٨١/٧)، فراجع.
(٥١٠) معمَّر - بتشديد الميم - ابن سليمان النخعي، أبو عبد الله الكوفي، ثقة فاضل، كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٢٠٣/ الرقم ٦٨٣٩)، ولا يبعد أنْ يكون معتمر بن سليمان التيمي البصري الثقة.
↑صفحة ١٦٣↑
أَبِي خَالِدٍ(٥١١) يَرْوِي عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَالَ: «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ ظَاهِراً لَا يَضُرُّهُ مَنْ نَاوَاهُ حَتَّى يَمْضِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»، ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أَفْهَمْهَا، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ قَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٩٠/١٦] وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ(٥١٢) وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا الْإِسْلَامُ عَزِيزاً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً»، ثُمَّ قَالَ كَلِمَةً لَمْ أَفْهَمْهَا، فَقُلْتُ لِأَبِي: مَا قَالَ؟ فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٩١/١٧] وَمِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ(٥١٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: خَطَبَ بِنَا رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ عَزِيزاً مَنِيعاً ظَاهِراً [عَلَى](٥١٤) مَنْ نَاوَاهُ حَتَّى يَمْلِكَ اثْنَا عَشَرَ كُلُّهُمْ»، ثُمَّ لَغَطَ الْقَوْمُ وَتَكَلَّمُوا، فَلَمْ أَفْهَمْ قَوْلَهُ بَعْدَ: «كُلُّهُمْ»، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتَاهْ، مَا قَالَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥١١) إسماعيل بن أبي خالد الأحمسي، مولاهم، قال أحمد بن حنبل: هو أصحُّ الناس حديثاً، وقال العجلي: كوفي تابعي ثقة، وكان طحَّاناً، وقال أبو حاتم: لا أُقدِّم عليه أحداً من أصحاب الشعبي، كما في تهذيب التهذيب (ج ١/ ص ٢٥٤/ الرقم ٥٤٣).
(٥١٢) يزيد بن سنان بن يزيد القزَّاز البصري، يُكنَّى أبا خالد، نزيل مصر، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبَّان في الثقات، وقال ابن يونس: قَدِمَ مصر تاجراً وكتب بها الحديث وحدَّث، وكانت وفاته بمصر أوَّل يوم من جمادى الأُولى سنة (٢٦٤هـ)، وكان ثقةً نبيلاً، وخرج مسند حديثه، وكان كثير الفائدة، وفيها أرَّخه ابن عقدة. راجع: تهذيب التهذيب (ج ١١/ ص ٢٩٢/ الرقم ٥٤٠).
(٥١٣) هو سليمان بن داود العتكي البصري، نزيل بغداد، ثقة، كما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٣٨٥/ الرقم ٢٥٦٤).
(٥١٤) أضفناه لاقتضاء السياق.
↑صفحة ١٦٤↑
بَعْدَ: «كُلُّهُمْ»؟ قَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٩٢/١٨] وَمِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مُوسَى(٥١٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ عَمْرٍو(٥١٦)، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ جَابِرِ اِبْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَنْ تَزَالَ الْأُمَّةُ عَلَى هَذَا مُتَمَسِّكِينَ حَتَّى يَقُومَ اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً - أَوِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً -»، قَالَ: وَخَافَتَ بِكَلِمَةٍ، وَكَانَ أَبِي أَدْنَى مِنِّي، فَلَمَّا خَرَجْتُ قُلْتُ: مَا الَّذِي خَافَتَ بِهِ؟ قَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٩٣/١٩] وَمِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ(٥١٧)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَقُومُ فِي أُمَّتِي بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيراً»، قَالَ: ثُمَّ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْمَعْهُ، قَالَ: فَسَأَلْتُ الْقَوْمَ، وَسَأَلْتُ أَبِي، وَكَانَ أَقْرَبَ مِنِّي، فَقَالَ: قَالَ: «كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
[٩٤/٢٠] وَعَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُهَاجِرِ اِبْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ سَمُرَةَ: حَدِّثْنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِماً حَتَّى يَكُونَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً مِنْ قُرَيْشٍ...» وَسَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥١٥) لم أعثر على ذكره بهذا العنوان، والمظنون تصحيفه.
(٥١٦) عبيد الله بن عمرو بن الوليد الأسدي، مولاهم الرقِّي، وثَّقه ابن معين والنسائي، كما في تهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ٣٨/ الرقم ٧٤).
(٥١٧) الحسن بن عمر بن شقيق، أبو عليٍّ البصري البلخي، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٢/ ص ٢٦٦/ الرقم ٥٣٤): (سكن الريَّ، وكان يتَّجر إلى بلخ، فعُرِفَ بالبلخي...، قال البخاري وأبو حاتم: صدوق، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وذكره ابن حبَّان في الثقات).
↑صفحة ١٦٥↑
ما رواه أبو جحيفة (٥١٨):
[٩٥/٢١] وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ أَبُو عَتَّابٍ الدَّلَّالُ(٥١٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ(٥٢٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ(٥٢١)، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَهُوَ يَخْطُبُ وَعَمِّي جَالِسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَا يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي صَالِحاً حَتَّى يَمْضِيَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ».
ما روي عن سمرة بن جندب:
رَوَى عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ(٥٢٢)، عَنْ دَاوُدَ(٥٢٣)، عَنْ أَبِيهِ(٥٢٤)، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ(٥٢٥)، عَنِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نَحْوُ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الَّذِي رَوَيْنَاهُ
(٥١٨) هو وهب بن عبد الله السوائي، نسبة إلى سواءة بن عامر بن صعصعة، قال ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ١١/ ص ١٤٥/ الرقم ٢٨١): (يقال له: وهب الخير، قيل: مات النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل أنْ يبلغ الحلم...، وقال أبو نعيم: كان على شرطة عليٍّ، واستعمله على خُمُس المتاع).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥١٩) سهل بن حمَّاد الدلَّال، أبو عتاب البصري، صدوق، ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٨/ ص ٢٩٠).
(٥٢٠) يونس بن وقدان أبي يعفور العبدي الكوفي، ضعيف عند جماعة، وقال أبو حاتم: صدوق، كما في تهذيب التهذيب (ج ١١/ ص ٣٩٧/ الرقم ٧٧١).
(٥٢١) عون بن أبي جحيفة، ثقة عند أبي حاتم والنسائي وابن معين، كما في تهذيب التهذيب (ج ٨/ ص ١٥١/ الرقم ٣٠٧).
(٥٢٢) عبد الوهَّاب بن عبد المجيد، أبو محمّد الثقفي البصري، ثقة، تغيَّر قبل موته بثلاث سنين، كما في تهذيب التهذيب (ج ٦/ ص ٣٩٧/ الرقم ٨٣٧).
(٥٢٣) داود بن أبي هند، أبو بكر أو أبو محمّد البصري، ثقة متقن، كما في تهذيب التهذيب (ج ٣/ ص ١٧٧/ الرقم ٣٨٨).
(٥٢٤) هو أبو هند، واسمه دينار، مهمل.
(٥٢٥) سمرة بن جندب حليف الأنصار، صحابي مات بالبصرة سنة (٥٨هـ).
↑صفحة ١٦٦↑
فِي صَدْرِ الْبَابِ(٥٢٦)، رَوَاهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ هَاشِمٍ الْبَزَّارُ، [قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ مَوْلَى بَنِي مُجَاشِعٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لَنْ يَزَالَ هَذَا الدِّيِنُ قَائِماً إِلَى اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ...» ثُمَّ سَاقَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ](٥٢٧).
ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص:
[٩٦/٢٢] وَمِنْ حَدِيثِ سُوَيْدِ بْنِ سَعِيدٍ(٥٢٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ(٥٢٩)، عَنْ هِشَامٍ(٥٣٠)، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ(٥٣١)، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ(٥٣٢)، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو: لَا جَرَمَ(٥٣٣) مَكْتُومٌ فِي كِتَابِ الله (عزَّ وجلَّ) اثْنَا عَشَرَ يَمْلِكُونَ النَّاسَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٢٦) في بعض النُّسَخ: (صدر هذا الكتاب)، وقد تقدَّم تحت الرقم (٨٠/٦).
(٥٢٧) ما بين المعقوفتين لا يوجد في بعض النُّسَخ.
(٥٢٨) سويد بن سعيد، أبو محمّد الحدثاني الهروي الأنباري، صالح صدوق مضطرب الحفظ، قال البرذعي: رأيت أبا زرعة يسيء القول فيه، فقلت له: فأيُّ شيء حاله؟ قال: أمَّا كُتُبه فصحاح، وكنت أتتبَّع أُصوله فأكتب منها، وأمَّا ما حدَّث من حفظه فلا. راجع: تهذيب التهذيب (ج ٤/ ص ٢٣٩/ الرقم ٤٨١).
(٥٢٩) معتمر بن سليمان التيمي، أبو محمّد البصري، يُلقَّب بالطفيل، ثقة، كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ١٩٩/ الرقم ٦٨٠٩).
(٥٣٠) هشام بن حسَّان الأزدي القردوسي، أبو عبد الله البصري، ثقة، كما في تقريب التذهيب (ج ٢/ ص ٢٦٦/ الرقم ٧٣١٥).
(٥٣١) هو محمّد بن سيرين، ثقة، كان إمام وقته، كما في تهذيب التهذيب (ج ٩/ ص ١٩٠/ الرقم ٣٣٨).
(٥٣٢) هو مرثد بن عبد الله اليزني المصري، فقيه، قيل: إنَّه مفتي أهل مصر في زمانه، وثَّقه غير واحد من الرجاليِّين. راجع: تهذيب التهذيب (ج ١٠/ ص ٧٤/ الرقم ١٤٣).
(٥٣٣) كذا في النُّسَخ متَّصلاً بدون البياض، وفيها: (لأحدهم) بدل (لا جرم). والعبارة مضطربة لا تخلو من نقص.
↑صفحة ١٦٧↑
[٩٧/٢٣] مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الدُّهْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُعِينٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ شُفَيٍّ الْأَصْبَحِيِّ، فَقَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَقُولُ: «يَكُونُ خَلْفِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً»(٥٣٤).
[٩٨/٢٤] وَعَنِ ابْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ وَيَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِينِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ عَبْدُ الله بْنُ عَمْرٍو: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ، اعْدُدْ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ، ثُمَّ يَكُونُ النَّقْفُ وَالنِّقَافُ(٥٣٥).
والروايات في هذا المعنى من طُرُق العامَّة كثيرة تدلُّ على أنَّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يذكر الاثني عشر وأنَّهم خلفاؤه.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٣٤) تقدَّم تحت الرقم (٥٥/٣٤)، فراجع.
(٥٣٥) تقدَّم تحت الرقم (٥٦/٣٥)، فراجع.
↑صفحة ١٦٨↑
↑صفحة ١٦٩↑
[٩٩/١] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرِ بْنِ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ بِنَهَاوَنْدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الله(٥٣٦)، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): «يَا يَحْيَى بْنَ عَبْدِ الله، مَنْ بَاتَ لَيْلَةً لَا يَعْرِفُ فِيهَا إِمَامَهُ(٥٣٧) مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
[١٠٠/٢] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْأَشْعَرِيُّ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ(٥٣٨) وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ(٥٣٩) وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيُّ(٥٤٠)، قَالُوا جَمِيعاً: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ الزَّرَّادُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (عليهما السلام) يَقُولُ: «كُلُّ مَنْ دَانَ اللهَ بِعِبَادَةٍ يُجْهِدُ فِيهَا نَفْسَهُ وَلَا إِمَامَ لَهُ مِنَ الله تَعَالَى فَسَعْيُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَهُوَ ضَالٌّ مُتَحَيِّرٌ، وَاللهُ شَانِئٌ لِأَعْمَالِهِ، وَمَثَلُهُ كَمَثَلِ شَاةٍ مِنَ الْأَنْعَامِ ضَلَّتْ عَنْ رَاعِيهَا أَوْ قَطِيعِهَا، فَتَاهَتْ ذَاهِبَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٣٦) يعني به يحيى بن عبد الله بن محض، صاحب الديلم، عدَّه البرقي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٩) من أصحاب أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
(٥٣٧) في بعض النُّسَخ: (إمام زمانه).
(٥٣٨) لم أجده بهذا العنوان.
(٥٣٩) معنون في رجالنا بعنوان: أحمد بن الحسين بن عبد المَلِك، أبو جعفر الأودي - أو الأزدي -، كوفي، ثقة، مرجوع إليه. راجع: رجال النجاشي (ص ٨٠/ الرقم ١٩٣)، والفهرست (ص ٦٧/ الرقم ٧١/٩).
(٥٤٠) كذا ذُكِرَ في تاريخ بغداد (ج ٥/ ص ٢١٨) في مشايخ ابن عقدة، ولم أعثر على ترجمة له، وفي كفاية الأثر (ص ٢٨) في طريق له: (محمّد بن أحمد الصفواني).
↑صفحة ١٧١↑
وَجَائِيَةً، وَحَارَتْ يَوْمَهَا، فَلَمَّا جَنَّهَا(٥٤١) اللَّيْلُ بَصُرَتْ بِقَطِيعِ غَنَمٍ مَعَ رَاعِيهَا، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَاغْتَرَّتْ بِهَا، فَبَاتَتْ مَعَهَا فِي رَبَضَتِهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ وَسَاقَ الرَّاعِي قَطِيعَهُ أَنْكَرَتْ رَاعِيَهَا وَقَطِيعَهَا، فَهَجَمَتْ مُتَحَيِّرَةً تَطْلُبُ رَاعِيَهَا وَقَطِيعَهَا، فَبَصُرَتْ بِسَرْحِ غَنَمٍ آخَرَ مَعَ رَاعِيهَا، فَحَنَّتْ إِلَيْهَا وَاغْتَرَّتْ بِهَا، فَصَاحَ بِهَا رَاعِي الْقَطِيعِ(٥٤٢): أَيَّتُهَا الشَّاةُ الضَّالَّةُ المُتَحَيِّرَةُ، الْحَقِي بِرَاعِيكِ وَقَطِيعِكِ، فَإِنَّكِ تَائِهَةٌ مُتَحَيِّرَةٌ قَدْ ضَلَلْتِ عَنْ رَاعِيكِ وَقَطِيعِكِ، فَهَجَمَتْ ذَعِرَةً مُتَحَيِّرَةً تَائِهَةً لَا رَاعِيَ لَهَا يُرْشِدُهَا إِلَى مَرْعَاهَا، أَوْ يَرُدُّهَا إِلَى مَرْبِضِهَا، فَبَيْنَمَا هِيَ كَذَلِكَ إِذَا اغْتَنَمَ الذِّئْبُ ضَيْعَتَهَا(٥٤٣)، فَأَكَلَهَا.
وَهَكَذَا وَالله - يا بن مُسْلِمٍ - مَنْ أَصْبَحَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَا إِمَامَ لَهُ مِنَ الله (عزَّ وجلَّ) أَصْبَحَ تَائِهاً، مُتَحَيِّراً، ضَالًّا، إِنْ مَاتَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مَاتَ مِيتَةَ كُفْرٍ وَنِفَاقٍ. وَاعْلَمْ - يَا مُحَمَّدُ - أَنَّ أَئِمَّةَ الْحَقِّ وَأَتْبَاعَهُمْ هُمُ الَّذِينَ عَلَى دِينِ الله، وَأَنَّ أَئِمَّةَ الْجَوْرِ لَمَعْزُولُونَ عَنْ دِينِ الله وَعَنِ الْحَقِّ، فَقَدْ ضَلُّوا وَأَضَلُّوا، فَأَعْمَالُهُمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا ﴿كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ [إبراهيم: ١٨]».
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ وَجَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ جَمِيعاً، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، بِمِثْلِهِ فِي لَفْظِهِ(٥٤٤)،(٥٤٥).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٤١) في بعض النُّسَخ: (جاءها).
(٥٤٢) في بعض النُّسَخ: (الغنم).
(٥٤٣) في بعض النُّسَخ: (ضياعها).
(٥٤٤) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٤٨/ ح ١٤٠)؛ وراجع: الكافي (ج ١/ ص ١٨٣ و١٨٤/ باب معرفة الإمام والردِّ إليه/ ح ٨، وص ٣٧٤ و٣٧٥/ باب فيمن دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام من الله (جلَّ جلاله)/ ح ٢).
(٥٤٥) قال المولى المازندراني في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٤١ - ١٤٤): (قوله : (كلُّ ←
↑صفحة ١٧٢↑
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ مَن دان الله بعبادة): أي أطاعه بها، والدِّين الطاعة. قوله: (يُجهِد فيها نفسه) في المغرب: جهده حمله فوق طاقته، من باب منع وأجهد لغة قليلة، والجهد: المشقَّة، والمعنى يُكلِّف نفسه مشقَّة في العبادة وتحمُّلها. قوله: (ولا إمام له من الله) أي من قِبَل الله تعالى واختياره، سواء كان له إمام باختيارهم أم لم يكن. قوله: (فسعيه غير مقبول) لأنَّ العمل لله تعالى لا يُتصوَّر إلَّا بتوسُّط هادٍ مرشد إلى دين الله وشرائطه وكيفيَّة العمل به، والعامل المعتمد برأيه أو بإمام اختاره لنفسه وإنْ قصد الصلاح في عمله واجتهد فيه فإنَّه يقع في الباطل فيحصل انحراف من الدِّين وضلال عن الحقِّ فيضيع العمل ويخسر الكدح كدأب الخوارج والعامَّة العادلين عن العترة الطاهرين، وإليهم يشير قوله تعالى: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ الآية [الكهف: ١٠٣ و١٠٤]. قوله: (والله شانئ لأعماله) أي مبغض لها لوقوعها لا على وجه أراد. والشناءة مثل الشناعة: البغض، وشُنِىءَ الرَّجل فهو مشنوءٌ أي مبغض، ومعنى بغضه تعالى للعمل عدم قبوله مع ذمِّ عامله وطرده عن رحمته وثوابه الموعود له. قوله: (ومثله كمثل شاة) انطباق هذا التمثيل على الممثَّل له ظاهر فإنَّ هذا الرَّجل ضلَّ عن راعيه وقطيعه وهو الإمام الحقِّ ومَن تبعه فتحيَّر وحنَّ في ظلمة الشُّبُهات إلى قطيعٍ وراعٍ وزعم أنَّه راعيه الحقُّ، فلمَّا أنْ ساق هذا الرَّاعي قطيعه في صبح يوم القيامة إلى النار عرف هذا الرَّجل أنَّه ليس براعيه الحقِّ فيتحيَّر ويريد أنْ يلحق بكلِّ فرقة حُشِرَت مع الإمام الحقِّ يقال له: أنت تائه الحقِّ براعيك الذي حننت إليه وهو متردِّد تائه حتَّى تأخذه الزَّبانية وتجرَّه إلى جهنَّم...، قوله: (واغترَّت بها) أي غفلت بها عن طلب راعيها أو خُدِعَت بها، والغِرَّة - بالكسر -: الغفلة، تقول منه: اغتررت بالرجل، وتقول أيضاً: اغترَّ بالشيء إذا خُدِعَ به، ووجه الغفلة والخدعة أنَّها لم تُفرِّق في ظلمة الليل بين راعيها وراعي هذا القطيع. قوله: (فلمَّا أنْ ساق الرَّاعي قطيعه أنكرت راعيها) أي فلمَّا أنْ ساق الرَّاعي عند طلوع الفجر وانكشاف الظلمة قطيعه عرفت أنَّه ليس راعياً لها. قوله: (ذَعِرةً) أي خائفة من الذُّعر - بالضمِّ - وهو الخوف والفزغ. قوله: (وبينا هي كذلك إذا اغتنم الذِّئب) قال في النهاية: أصل (بينا) بين فأُشبعت الفتحة فصارت ألفاً، يقال: بينا وبينما، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة، ويُضافان إلى جملة من ←
↑صفحة ١٧٣↑
[١٠١/٣] وَبِالْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنْكُمْ مَا حَالُهُ؟
فَقَالَ: «مَنْ جَحَدَ إِمَاماً مِنَ الله(٥٤٦) وَبَرِئَ مِنْهُ وَمِنْ دِينِهِ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ عَنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ فعل وفاعل ومبتدأ وخبر، ويحتاجان إلى جواب يتمُّ به المعنى، والأفصحُّ في جوابهما أنْ لا يكون فيه إذ وإذا، وقد جاء في الجواب كثيراً يقول: بينا زيد جالس دخل عليه عمرو، وإذ دخل عليه، وإذا دخل عليه. قوله: (ضيعتها) الضيعة بالفتح والسكون: الهلاك ، تقول: ضاع الشيء يضيع ضيعة أي هلك...، قوله: (ميتة كفر ونفاق) أمَّا الكفر فلأنَّه لم يؤمن ومَن لم يؤمن فهو كافر والإسلام لا ينافيه، وأمَّا النفاق فلأنَّه أقرَّ لسانه بجميع ما جاء به الرَّسول وأنكر قلبه أعظمه، مضمون هذا الحديث متَّفق عليه بين الأُمَّة ولكن لبعضهم مزخرفات يُضحِك منها شفاه الأيَّام ويستنكف عن تحريرها لسان الأقلام. قوله: (قد ضلُّوا وأضلُّوا) أي ضاعوا وهلكوا لعدولهم عن طريق الحقِّ، وأضاعوا وأهلكوا مَن تبعهم إلى يوم القيامة لإخراجهم عنه، فعليهم وزرهم ووزر مَن تبعهم مع أنَّه لا ينقص من أوزار التابعين شيء. قوله: (فأعمالهم) تضمين للآية الكريمة وهي قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ...﴾ الآية [إبراهيم: ١٨]، يعني أعمالهم التي يعملونها مثل الصوم والصلاة والصدقة وصلة الرَّحم وإغاثة الملهوف وغير ذلك مثل رماد اشتدَّت به الرِّيح وحملته وطيَّرته في يوم عاصف أي شديدة ريحه، ووصف اليوم بالعصف وهو اشتداد الرِّيح للمبالغة كقولهم: نهاره صائم، لا يقدرون يوم القيامة ممَّا كسبوا من أعمالهم على شيء لحبوطه فلا يرون له أثراً من الثواب، وذلك يعني ضلالهم مع حسبانهم أنَّهم يحسنون هو الضلال البعيد لكونهم في غاية البعد عن طريق الحقِّ فقد شبَّه أعمالهم في سقوطها وحبوطها لبنائها على غير أساس من الإيمان بالله وبرسوله وبالأئمَّة (عليهم السلام) بالرَّماد المذكور في عدم إمكان ردِّه بعد ما طيَّرته الرِّياح العاصفة).
(٥٤٦) قال المجلسي الأوَّل (رحمه الله) في روضة المتَّقين (ج ١٠/ ص ٣٠٩): ((فقال من جحد إماماً من الله): وظاهره أنَّه لا فرق بين العالم والجاهل، ويدلُّ على كفر أهل الخلاف وعلى قبول توبتهم بعد الاستبصار، أمَّا إذا كان أوَّلاً مؤمناً ثمَّ ارتدَّ وصار مخالفاً ففي قبول توبته خلاف، ويظهر من قبول أمير المؤمنين (عليه السلام) توبة الخوارج قبوله، إلَّا أنْ يقال باختلاف الحكم بين مبادي الإسلام والآن).
↑صفحة ١٧٤↑
الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْإِمَامَ مِنَ الله، وَدِينَهُ مِنْ دِينِ الله، وَمَنْ بَرِئَ مِنْ دِينِ الله فَدَمُهُ مُبَاحٌ فِي تِلْكَ الْحَالِ إِلَّا أَنْ يَرْجِعَ أَوْ يَتُوبَ إِلَى الله تَعَالَى مِمَّا قَالَ»(٥٤٧).
[١٠٢/٤] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ شَيْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنِ الْأَئِمَّةِ (عليهم السلام).
فَقَالَ: «مَنْ أَنْكَرَ وَاحِداً مِنَ الْأَحْيَاءِ فَقَدْ أَنْكَرَ الْأَمْوَاتَ»(٥٤٨).
[١٠٣/٥] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ المُعَلَّى، عَنِ ابْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، قَالَ: سَأَلْتُ الشَّيْخَ (عليه السلام)(٥٤٩) عَنِ الْأَئِمَّةِ (عليهم السلام).
قَالَ: «مَنْ أَنْكَرَ وَاحِداً مِنَ الْأَحْيَاءِ فَقَدْ أَنْكَرَ الْأَمْوَاتَ»(٥٥٠)،(٥٥١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٤٧) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٠ و١٥١/ ح ١٤٥)؛ وراجع: من لا يحضره الفقيه (ج ٤/ ص ١٠٤/ ح ٥١٩٢)، والاختصاص (ص ٢٥٩).
(٥٤٨) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٥٠/ ح ١٤٤).
(٥٤٩) يعني به الصادق (عليه السلام) كما نصَّ عليه الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين وبعض نُسَخ الكتاب، ويمكن أنْ يكون المراد موسى بن جعفر (عليهما السلام) كما استظهره العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ١٩٦)، وعُبِّر عنه بهذا خوفاً أنْ يُرفَع ذلك إلى الوالي. وفي بعض النُّسَخ بدون لفظ (عليه السلام).
(٥٥٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٣/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٨)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ٩٠/ ح ٧٩)، وكمال الدِّين (ص ٤١٠/ باب ٣٩/ ح ١ و٢). وهذا الخبر لا يوجد في بعض النُّسَخ، لكن نقله العلَّامة المجلسي (رحمه الله) عن المؤلِّف في بحار الأنوار (ج ٢٣/ ص ٩٥/ ح ١).
(٥٥١) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٤٧): (قوله: (سألت الشيخ) أراد به الكاظم (عليه السلام). قوله: (من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات) فالزيديَّة والجاروديَّة والإسماعيليَّة والفطحيَّة والواقفيَّة وغيرهم من فِرَق الشيعة الباطلة كانوا كالمنكرين لخلافة عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام)، بل لنبوَّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
↑صفحة ١٧٥↑
[١٠٤/٦] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ(٥٥٢) مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَنْ مَاتَ لَا(٥٥٣) يَعْرِفُ إِمَامَهُ(٥٥٤) مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً(٥٥٥)»(٥٥٦).
[١٠٥/٧] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله﴾ [القَصص: ٥٠]، قَالَ: «يَعْنِي مَنِ اتَّخَذَ دِينَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٥٢) هو عليُّ بن الحسن بن فضَّال المعروف، وقد مرَّ ذكره في (ص ٢٠)، فراجع.
(٥٥٣) في بعض النُّسَخ: (ولم).
(٥٥٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٢٢٠): ((لا يعرف إمامه): أي إمام زمانه، أو أحد من أئمَّته).
(٥٥٥) قال ابن الأثير في النهاية (ج ١/ ص ٣٢٣): (قد تكرَّر ذكرها - أي الجاهليَّة - في الحديث، وهي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدِّين، والمفاخرة بالأنساب، والكبر والتجبُّر وغير ذلك)، فالمعنى أنَّه مات على ما مات عليه الكُفَّار من الضلال والجهل والعمى. وفي بعض النُّسَخ: (لا يعرف إمام زمانه).
(٥٥٦) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٤٦/ ح ١٣٧)؛ وراجع: المحاسن للبرقي (ج ١/ ص ١٥٣ و١٥٤/ ح ٧٨)، وتفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ٢٥٢/ ح ١٧٥)، والإمامة والتبصرة (ص ٦٣/ ح ٥٠)، والكافي (ج ٢/ ص ١٩ - ٢١/ باب دعائم الإسلام/ ح ٦)، واختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٧٢٣ و٧٢٤/ ح ٧٩٩).
↑صفحة ١٧٦↑
رَأْيَهُ بِغَيْرِ إِمَامٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى»(٥٥٧)،(٥٥٨).
[١٠٦/٨] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ(٥٥٩)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «مَنْ أَشْرَكَ مَعَ إِمَامٍ إِمَامَتُهُ مِنْ عِنْدِ الله مَنْ لَيْسَتْ إِمَامَتُهُ مِنَ الله كَانَ مُشْرِكاً»(٥٦٠)،(٥٦١).
[١٠٧/٩] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): رَجُلٌ قَالَ لِيَ: اعْرِفِ الْآخِرَ(٥٦٢) مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَلَا يَضُرُّكَ أَلَّا تَعْرِفَ الْأَوَّلَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٥٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٤/ باب فيمن دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام من الله (جلَّ جلاله)/ ح ١)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٣٣/ ج ١/ باب ٨)، وقرب الإسناد (ص ٣٥٠/ ح ١٢٦٠).
(٥٥٨) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٢١٣ و٢١٤): ((من اتَّخذ دينه): أي عقائده أو عبادته، وهو مفعول أوَّل لقوله: (اتَّخذ)، و(رأيه) مفعول ثانٍ، وهو تفسير لـ (هواه)، يعني أنَّ المراد بهواه ظنونه الفاسدة في تعيين الإمام وسائر أُصول الدِّين، أو قياساته، أو استحساناته في الفروع. (بغير إمام): تفسير لقوله: ﴿بِغَيْرِ هُدًى﴾، لبيان أنَّ الهداية من الله لا يكون إلَّا من جهة الإمام).
(٥٥٩) في الكافي: (عن طلحة بن زيد) بدل (عن بعض رجاله).
(٥٦٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٣/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٦)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ٩١/ ح ٨٠).
(٥٦١) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ١٩٥): ((كان مشركاً) لأنَّ من أشرك مع إمام الحقِّ غيره فقد شارك الله في نصب الإمام فإنَّه لا يكون إلَّا من الله وإنْ تبع في ذلك غيره فقد جعل شريكاً لله، بل كلُّ من تابع غير من أمر الله بمتابعته في كلِّ ما يكون فهو مشرك، لقوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ الله﴾ [التوبة: ٣١]، وقد سمَّى الله طاعة الشيطان عبادة حيث قال: ﴿لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ﴾ [يس: ٦٠]).
(٥٦٢) في بعض النُّسَخ: (الأخير)، وكذا في الموضع الآتي.
↑صفحة ١٧٧↑
قَالَ: فَقَالَ: «لَعَنَ اللهُ هَذَا، فَإِنِّي أُبْغِضُهُ وَلَا أَعْرِفُهُ، وَهَلْ عُرِفَ الْآخِرُ إِلَّا بِالْأَوَّلِ؟»(٥٦٣)،(٥٦٤).
[١٠٨/١٠] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُهُ - يَعْنِي أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) - عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنا وَاللهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى الله مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٨]، قَالَ: فَقَالَ: «هَلْ رَأَيْتَ أَحَداً زَعَمَ أَنَّ اللهَ أَمَرَهُ بِالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ المَحَارِمِ؟».
فَقُلْتُ: لَا.
قَالَ: «فَمَا هَذِهِ الْفَاحِشَةُ الَّتِي يَدَّعُونَ أَنَّ اللهَ أَمَرَهُمْ بِهَا؟».
قُلْتُ: اللهُ أَعْلَمُ، وَوَلِيُّهُ.
قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا فِي أَوْلِيَاءِ أَئِمَّةِ الْجَوْرِ، ادَّعَوْا أَنَّ اللهَ أَمَرَهُمْ بِالْاِئتِمَامِ بِقَوْمٍ لَمْ يَأْمُرْهُمُ اللهُ بِالْاِئتِمَامِ بِهِمْ، فَرَدَّ اللهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا عَلَيْهِ الْكَذِبَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٦٣) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٣/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٧).
(٥٦٤) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٤٧): (قوله: (قال لي: اعرف الآخر)، ذهب هذا الرجل إلى أنَّه لا يجب معرفة الأئمَّة كلِّهم والتصديق بجميعهم، ولا ينفع معرفة الأوَّل بدون معرفة الآخر وينفع العكس وهو معرفة الآخر بدون معرفة الأوَّل، لتحقُّق حسن الخاتمة، وهو أصل في نيل الدرجات والخلاص من الدركات والاتِّصاف بالسعادات. وأجاب (عليه السلام) بأنَّ هذا الرجل ملعون مبغوض خارج عن دين الله، لوجوب معرفة الأئمَّة جميعهم، ولا ينفع معرفة الآخر بدون معرفة الأوَّل، ولا يُعقَل ذلك، لأنَّ الآخر فرع الأوَّل وثابت بنصِّه، ولا يُعقَل القول بالفرع مع إنكار الأصل).
↑صفحة ١٧٨↑
وَسَمَّى ذَلِكَ مِنْهُمْ فَاحِشَةً»(٥٦٥)،(٥٦٦).
[١٠٩/١١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي وَهْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْداً صَالِحاً (سَلَامُ الله عَلَيْهِ)(٥٦٧) عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الأعراف: ٣٣]، قَالَ: فَقَالَ: «إِنَّ الْقُرْآنَ لَهُ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ(٥٦٨)، فَجَمِيعُ مَا حَرَّمَ اللهُ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا هُوَ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٦٥) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٣/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ٩)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٤/ ج ١/ باب ١٦/ ح ٤)، وتفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ١٢/ ح ١٥).
(٥٦٦) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٤٧ و٣٤٨): (قوله: (قال: فقال: هل رأيت أحداً زعم أنَّ الله أمر بالزنا)، فيه مناقشة من وجهين: أحدهما أنَّ هذا دلَّ على أنَّ أحداً لم يزعم أنَّ الله أمر بالفحشاء، وقد مرَّ في باب الجبر والقدر أنَّ الأشاعرة القائلين بأنَّ أفعال العباد مخلوقة له تعالى قائلون بأنَّ الله تعالى أمر بالفحشاء. وثانيهما: أنَّ هذا دلَّ على أنَّ التابعين لأئمَّة الجور يقولون بأنَّ الله تعالى أمر باتِّباعهم، وأنَّ النصَّ دلَّ على ذلك، وهذا خلاف ما هو معروف عندهم من أنَّ الخلافة للثلاثة غير مستفادة من النصِّ. ويمكن دفع الأُولى بأنَّ الأشاعرة لم يقولوا صريحاً بأنَّ الله تعالى يأمر بالفحشاء، وإنَّما يلزمهم ذلك بناءً على مذهبهم، فإنَّ الأمر تابع للإرادة، وإرادة الفحشاء متحقِّقة عندهم، فيلزمهم تحقُّق الأمر أيضاً، والفرق بين الأمرين واضح. ويمكن دفع الثانية أيضاً بأنَّهم وإنْ لم يقولوا بأنَّ ثبوت أصل الخلافة بالنصِّ صريحاً لكنَّهم قالوا بأنَّه تعالى رضي بمتابعتهم وأمر بها في ضمن القواعد الكلّيَّة مثل آية وجوب متابعة الإجماع وغيرها. قوله: (ادَّعوا أنَّ الله أمرهم بالائتمام بقوم) المراد بقوم أئمَّة الجور، وضمير (ادَّعوا) لأتباعهم).
(٥٦٧) يعني به الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام).
(٥٦٨) في الكافي: (إنَّ القرآن له ظهر وبطن).
↑صفحة ١٧٩↑
الظَّاهِرِ، وَالْبَاطِنُ مِنْ ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْجَوْرِ، وَجَمِيعُ مَا أَحَلَّ اللهُ تَعَالَى فِي الْكِتَابِ فَهُوَ حَلَالٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالْبَاطِنُ مِنْ ذَلِكَ أَئِمَّةُ الْحَقِّ(٥٦٩)»(٥٧٠)،(٥٧١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٦٩) في بعض النُّسَخ: (الهدى).
(٥٧٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٤/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ١٠)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٣ و٥٤/ ج ١/ باب ١٦/ ح ٢)، وتفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ١٦/ ح ٣٦).
(٥٧١) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ١٩٧ - ١٩٩): (﴿الْفَوَاحِشَ﴾ أي المعاصي والقبائح كلُّها. ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾: قيل: أي سرُّها وعلانيتها، فإنَّهم كانوا لا يرون بالزنا في السرِّ بأساً ويمنعون منه علانية، فنهى الله سبحانه عنه في الحالتين، وقيل: ما ظهر: أفعال الجوارح، وما بطن: أفعال القلوب. وظاهر الخبر أنَّ المراد بما ظهر المعاصي التي دلَّ ظاهر القرآن علي تحريمه، وبما بطن ما بيَّن أئمَّة الهدى (عليهم السلام) من تأويل الفواحش في بطن القرآن، وهو ولاية أئمَّة الجور ومتابعتهم، فإنَّها أفحش الفواحش، وهي الداعية إلى جميعها. والحاصل أنَّ كلَّ ما ورد في القرآن من ذكر الفواحش والخبائث والمحرَّمات والمنهيَّات والعقوبات المترتِّبة عليها، فتأويله وباطنه أئمَّة الجور، ومن اتَّبعهم يعني دعوتهم للناس إلى أنفسهم من عند أنفسهم وتأمُّرهم عليهم وإضلالهم إيَّاهم، ثمّ إجابة الناس لهم وتديُّنهم بدينهم وطاعتهم إيَّاهم ومحبَّتهم لهم إلى غير ذلك. وكلُّ ما ورد فيه من ذكر الصالحات والطيِّبات والمحلَّلات والأوامر والمثوبات المترتِّبة عليها فتأويله وباطنه أئمَّة الحقِّ ومن اتَّبعهم يعني دعوتهم للناس إلى أنفسهم بأمر ربِّهم وإرشادهم لهم وهدايتهم إيَّاهم، ثمّ إجابة الناس لهم وتديُّنهم بدينهم وطاعتهم إيَّاهم ومحبَّتهم لهم إلى غير ذلك، كما ورد عنهم في كثير من الآيات مفصَّلاً. وجملة القول في ذلك أنَّ الله تعالى أمر بالإيمان والإسلام واليقين والتقوى والورع والصلاة والزكاة والحجِّ والصوم وسائر الطاعات، ونهى عن الكفر والنفاق والشرك والزنا وشرب الخمر وقتل النفس وأمثالها من الفواحش، وخلق أئمَّة داعين إلى جميع الخيرات، عاملين بها، ناهين عن جميع المنكرات، منتهين عنها، فهم أصل جميع الخيرات، وكملت فيهم بحيث اتَّحدت بهم، بل صارت كأنَّها روح لهم كالصلاة فإنَّها كملت في أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) حتَّى صارت له بمنزلة الروح من الجسد، وصار آمراً بها معلِّماً لها غيره، داعياً إليها. فبهذه الجهات يُستعمَل لفظ الصلاة فيه (عليه السلام) كما ورد في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، إنَّ الصلاة أمير المؤمنين والأئمَّة من ولده (عليهم السلام)، ولا ينافي ظاهر الآية، فكلاهما مرادان منها ظهراً وبطناً. وقال: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ [النحل: ٩٠]، فهم العدل والإحسان في بطن القرآن بهذه الجهات المتقدِّمة، ولا ينافي ظاهرها. وخلق سبحانه أئمَّة يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ فهم أصل جميع الفواحش والكفر والشرك والمعاصي، وكملت فيهم حتَّى صارت فيهم بمنزلة الروح من الجسد، وهم الداعون إليها، وموالاتهم سبب للإتيان بها، فبتلك الجهات أطلق عليهم الشرك والكفر والفواحش في بطن القرآن، وظاهرها أيضاً مراد).
↑صفحة ١٨٠↑
[١١٠/١٢] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ اِبْنِ عِيسَى، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ الله أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ الله﴾ [البقرة: ١٦٥]، قَالَ: «هُمْ وَالله أَوْلِيَاءُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ اتَّخَذُوهُمْ أَئِمَّةً دُونَ الْإِمَامِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً، وَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لله جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ﴾ [البقرة: ١٦٥ - ١٦٧]».
ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «هُمْ وَالله يَا جَابِرُ أَئِمَّةُ الظُّلْمِ وَأَشْيَاعُهُمْ(٥٧٢)»(٥٧٣)،(٥٧٤).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٧٢) في الكافي: (أئمَّة الظلمة وأشياعهم).
(٥٧٣) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٤/ باب من ادَّعى الإمامة وليس لها بأهل.../ ح ١١)؛ وراجع: تفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ٧٢/ ح ١٤٢)، والاختصاص (ص ٣٣٤).
(٥٧٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢٣/ ص ٣٥٩ و٣٦٠): (بيان: المشهور بين المفسِّرين أنَّ المراد بالأنداد الأوثان، وقال السُّدِّي: هم رؤساؤهم الذين يطيعونهم طاعة الأرباب، كما فسَّره (عليه السلام). ويُؤيِّده ضمير ﴿يُحِبُّونَهُمْ﴾. قال الطبرسي: وقوله: ﴿يُحِبُّونَهُمْ﴾ على هذا القول الأخير أدلّ، لأنَّه يبعد أنْ يُحِبُّوا الأوثان كحبِّ الله مع علمهم بأنَّها لا تضرُّ ولا تنفع، ويدلُّ أيضاً عليه قوله: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا﴾. والإمام (عليه السلام) إنَّما استشهد بهذا الوجه لأنَّه قد يقع إرجاع ضمير ذوي العقول على الأصنام وإنْ كان على خلاف الأصل. وقال الطبرسي: معنى حبِّهم حبُّ عبادتهم، أو القرب إليهم، أو الانقياد لهم، أو جميع ذلك كحبِّ الله، أو كحبِّ المؤمنين لله، أو كحبِّ المشركين له، أو كالحبِّ الواجب عليهم لله. وبعد ذلك في القرآن: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لله﴾، قال: يعني حبُّ المؤمنين فوق حقِّ هؤلاء، لإخلاصهم العبادة من الشرك، ولعلمهم بأنَّه المنعم عليهم والمربِّي لهم، ولعلمهم بالصفات العلى والأسماء الحسنى، وأنَّه الحكيم الخبير الذي لا مثل له ولا نظير. أقول: على تفسيره (عليه السلام) يحتمل أنْ يكون المراد كحبِّ أولياء الله وخلفائه، وكذا قوله: ﴿أَشَدُّ حُبًّا لله﴾ لما ورد في الأخبار أنَّ الله خلطهم بنفسه فجعل طاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ونسب إلى نفسه سبحانه ما يُنسَب إليهم. ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أي يبصروا، وقيل: يعلموا، وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب بالتاء، فالخطاب عامٌّ. ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لله جَمِيعاً﴾ سادٌّ مسدَّ مفعولي ﴿يَرَى﴾ وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف، وقيل: هو متعلَّق الجواب، والمفعولان محذوفان، والتقدير: ولو يرى الذين ظلموا أندادهم لا تنفع لعلموا أنَّ القوَّة لله جميعاً. وأقول: يحتمل أنْ يكون المراد أنَّ القوة لأولياء الله كما مرَّ. ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا﴾ بدل من ﴿إِذْ يَرَوْنَ﴾، و﴿رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ حال بإضمار (قد)، و﴿الْأَسْبَابُ﴾ الوصل الذي كانت بينهم من الاتِّباع والإنفاق في الدِّين والأغراض الداعية إلى ذلك. ﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ أي رجعة إلى الدنيا، وهو للتمنِّي. ﴿حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ﴾ أي ندامات، ويدلُّ الخبر على كفر المخالفين وخلودهم في النار).
↑صفحة ١٨١↑
[١١١/١٣] وَبِهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ حَبِيبٍ السِّجِسْتَانِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): لَأُعَذِّبَنَّ كُلَّ رَعِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ دَانَتْ بِوَلَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ الله وَإِنْ كَانَتِ الرَّعِيَّةُ فِي أَعْمَالِهَا بَرَّةً تَقِيَّةً، وَلَأَعْفُوَنَّ عَنْ كُلِّ رَعِيَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ دَانَتْ بِوَلَايَةِ كُلِّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ الله وَإِنْ
↑صفحة ١٨٢↑
كَانَتِ الرَّعِيَّةُ فِي أَعْمَالِهَا(٥٧٥) ظَالِمَةً مُسِيئَةً»(٥٧٦)،(٥٧٧).
[١١٢/١٤] وَبِهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله اِبْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): إِنِّي أُخَالِطُ النَّاسَ فَيَكْثُرُ عَجَبِي مِنْ أَقْوَامٍ لَا يَتَوَلَّوْنَكُمْ وَيَتَوَلَّوْنَ(٥٧٨) فُلَاناً وَفُلَاناً لَهُمْ أَمَانَةٌ وَصِدْقٌ وَوَفَاءٌ، وَأَقْوَامٍ يَتَوَلَّوْنَكُمْ لَيْسَ لَهُمْ تِلْكَ الْأَمَانَةُ وَلَا الْوَفَاءُ وَلَا الصِّدْقُ.
قَالَ: فَاسْتَوَى أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) جَالِساً، وَأَقْبَلَ عَلَيَّ كَالمُغْضَبِ(٥٧٩)، ثُمَّ قَالَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٧٥) كذا، وفي الكافي: (في أنفسها).
(٥٧٦) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٦/ باب فيمن دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام من الله (جلَّ جلاله)/ ح ٤)؛ وراجع: المحاسن للبرقي (ج ١/ ص ٩٤/ ح ٥١)، وتفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ١٣٩/ ح ٤٦٢)، وفضائل الشيعة للصدوق (ص ١٢/ ح ١٢)، والاختصاص (ص ٢٥٩ و٢٦٠)، وأمالي الطوسي (ص ٦٣٤/ ح ١٣٠٨/١٠).
(٥٧٧) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٢١٨): (سجستان بكسر السين والجيم معرب سيستان، والرعيَّة قوم تولَّوا إماماً برًّا كان أو فاجراً. (في الإسلام) نعت لرعيَّة، أي في ظاهر الإسلام. (دانت): أي اعتقدت واتَّخذها ديناً أو عبدت الله متلبِّساً. (بولاية كلِّ إمام جائر): أي أيّ إمام جائر كان لا جميعهم، وقيل: هو مبنيٌّ على أنَّ من تولَّى جائراً فكأنَّما تولَّى كلَّ جائر. (برَّة): أي محسنة. (تقيَّة): أي محرَّرة عن سائر المعاصي. (بولاية كلِّ إمام عادل): أي أيّ إمام حقٍّ كان في أيِّ زمان أو جميعهم، بأنْ يصدق بأنَّه لم يخلُ ولا يخلو زمان عن إمام مفروض الطاعة، عالم بجميع أُمور الدِّين، سواء كان نبيًّا أو وصيًّا من لدن آدم إلى انقراض التكليف. (في أنفسها): أي لا يتجاوز ظلمهم وإساءتهم إلى الغير، بأنْ تكون ظالمة على نفسها، أو المعنى عدم تعدِّي ظلمها إلى الإمام بإنكار حقِّه وإلى النبيِّ بإنكار ما جاء به، بل يكون ظلمهم على أنفسهم أو بعضهم على بعض. وربَّما يُحمَل على عدم الإصرار على الكبيرة أو على أنَّه يُوفَّق للتوبة أو غيرهما ممَّا مرَّ، أو المعنى احتمال العفو لا تحتُّمه).
(٥٧٨) في بعض النُّسَخ: (لا يتوالونكم ويتوالون)، والمعنى واحد.
(٥٧٩) كذا، وفي الكافي: (كالغضبان).
↑صفحة ١٨٣↑
«لَا دِينَ لِمَنْ دَانَ بِوَلَايَةِ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ الله، وَلَا عَتْبَ عَلَى مَنْ دَانَ بِوَلَايَةِ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ الله».
قُلْتُ: لَا دِينَ لِأُولَئِكَ، وَلَا عَتْبَ عَلَى هَؤُلَاءِ؟!
قَالَ: «نَعَمْ، لَا دِينَ لِأُولَئِكَ، وَلَا عَتْبَ عَلَى هَؤُلَاءِ»، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا تَسْمَعُ لِقَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ يَعْنِي مِنْ ظُلُمَاتِ الذُّنُوبِ إِلَى نُورِ التَّوْبَةِ وَالمَغْفِرَةِ، لِوَلَايَتِهِمْ كُلَّ إِمَامٍ عَادِلٍ مِنَ الله، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾، فَأَيُّ نُورٍ يَكُونُ لِلْكَافِرِ فَيَخْرُجُ مِنْهُ؟ إِنَّمَا عَنَى بِهَذَا أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى نُورِ الْإِسْلَامِ، فَلَمَّا تَوَلَّوْا كُلَّ إِمَامٍ جَائِرٍ لَيْسَ مِنَ الله خَرَجُوا بِوَلَايَتِهِمْ إِيَّاهُمْ مِنْ نُورِ الْإِسْلَامِ إِلَى ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ، فَأَوْجَبَ اللهُ لَهُمُ النَّارَ مَعَ الْكُفَّارِ، فَقَالَ: ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٢٥٧]»(٥٨٠)،(٥٨١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٨٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٥ و٣٧٦/ باب فيمن دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام من الله (جلَّ جلاله)/ ح ٣)؛ وراجع: تفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ١٣٨/ ح ٤٦٠).
(٥٨١) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٥٢ و٣٥٣): (قوله: (فيكثر عجبي) لعظم ذلك عندي، وإنَّما يتعجَّب الإنسان من الشيء إذا عظم موقعه وخفي عليه سببه فيُخبِر ليعلم موقع هذا الشيء عنده. قوله: (لا دين لمن دان الله) أي لمن أطاعه وعبده وأذلَّ نفسه له. قوله: (ولا عتب) العتب الموجدة والغضب من باب ضرب، والعتاب مخاطبة الأراذل ومذاكرة الموجدة. قوله: (قال: لا دين لأُولئك ولا عتب على هؤلاء؟) قال ذلك استبعاداً، ولا استبعاد فيه، لأنَّ أُولئك من أهل الإيمان وأُصولهم مستحكمة والنقص إنَّما هو في الفروع بل في العمل بها بخلاف هؤلاء، فإنَّ أُصولهم فاسدة لعدم إيمانهم وإنْ جدُّوا في العمل بالفروع، فالنسبة بينهما كالنسبة بين المؤمن وغيره، وبين الموحِّد والمشرك، وبين المعترف بالنبوَّة ومنكرها. قوله: ﴿أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾ أي الشياطين أو أئمَّة الجور، والتعميم أولى. قوله: (خرجوا بولايتهم من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر) يُشعِر بأنَّ نفس ولايتهم ظلمة الكفر).
↑صفحة ١٨٤↑
[١١٣/١٥] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يُعَذِّبَ أُمَّةً دَانَتْ بِإِمَامٍ لَيْسَ مِنَ الله وَإِنْ كَانَتْ فِي أَعْمَالِهَا بَرَّةً تَقِيَّةً، وَإِنَّ اللهَ يَسْتَحْيِي أَنْ يُعَذِّبَ أُمَّةً دَانَتْ بِإِمَامٍ مِنَ الله وَإِنْ كَانَتْ فِي أَعْمَالِهَا ظَالِمَةً مُسِيئَةً»(٥٨٢)،(٥٨٣).
[١١٤/١٦] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): رَجُلٌ يَتَوَلَّاكُمْ، وَيَبْرَأُ مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَيُحَلِّلُ حَلَالَكُمْ، وَيُحَرِّمُ حَرَامَكُمْ، وَيَزْعُمُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيكُمْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْكُمْ إِلَى غَيْرِكُمْ، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُمُ الْأَئِمَّةُ الْقَادَةُ، وَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ فَقَالُوا: هَذَا، قُلْنَا: هَذَا.
فَقَالَ (عليه السلام): «إِنْ مَاتَ عَلَى هَذَا فَقَدْ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
[١١٥/١٧] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ سَعْدَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): رَجُلٌ يَتَوَالَى عَلِيًّا، وَيَتَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّهِ، وَيَقُولُ كُلَّ شَيْءٍ يَقُولُ إِلَّا أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٨٢) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٦/ باب فيمن دان الله (عزَّ وجلَّ) بغير إمام من الله (جلَّ جلاله)/ ح ٥).
(٥٨٣) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٥٣): (قوله: (إنَّ الله لا يستحيي أنْ يُعذِّب) أي لا يترك عذابه ترك من يستحيي أنْ يُعذِّب. والحياء قيل: هو انقباض النفس عن القبيح مخافة الذمِّ، وهو الوسط بين الوقاحة التي هي الجرأة على القبائح وعدم المبالاة بها، والخجل الذي هو انحصار النفس من الفعل مطلقاً، وإذا نُسِبَ إلى الله تعالى يُراد به الترك اللازم للانقباض، كما يُراد بالرحمة والغضب إصابة المعروف والمكروه اللازمين لمعناها الحقيقي الممتنع في حقِّه تعالى).
↑صفحة ١٨٥↑
يَقُولُ: إِنَّهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ، وَهُمُ الْأَئِمَّةُ الْقَادَةُ، فَلَسْتُ أَدْرِي أَيُّهُمُ الْإِمَامُ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ أَخَذْتُ بِقَوْلِهِ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِمْ.
قَالَ: «إِنْ مَاتَ هَذَا عَلَى ذَلِكَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»، ثُمَّ قَالَ: «لِلْقُرْآنِ تَأْوِيلٌ يَجْرِي كَمَا يَجْرِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَكَمَا تَجْرِي الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، فَإِذَا جَاءَ تَأْوِيلُ شَيْءٍ مِنْهُ وَقَعَ، فَمِنْهُ مَا قَدْ جَاءَ، وَمِنْهُ مَا لَمْ يَجِئْ»(٥٨٤).
[١١٦/١٨] وَأَخْبَرَنَا سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «مَنْ دَانَ اللهَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ مِنْ عَالِمٍ صَادِقٍ أَلْزَمَهُ اللهُ التَّيْهَ إِلَى الْعَنَاءِ(٥٨٥)، وَمَنِ ادَّعَى سَمَاعاً مِنْ غَيْرِ الْبَابِ الَّذِي فَتَحَهُ اللهُ لِخَلْقِهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ بِهِ، وَذَلِكَ الْبَابُ هُوَ الْأَمِينُ المَأْمُونُ عَلَى سِرِّ الله المَكْنُونِ».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ عَبْدِ الله الْحَسَنِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ زَائِدَةَ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «مَنْ دَانَ بِغَيْرِ سَمَاعٍ مِنْ صَادِقٍ...» وَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً(٥٨٦)،(٥٨٧).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٨٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢٣/ ص ٧٩): (قوله (عليه السلام): «للقرآن تأويل» لعلَّ المعنى أنَّ ما نعلمه من بطون القرآن وتأويلاته لابدَّ من وقوع كلٍّ منها في وقته، فمن ذلك اجتماع الناس على إمام واحد في زمان القائم وليس هذا أوانه، أو أنَّه دلَّ القرآن على عدم خلوِّ الزمان من الإمام ، ولابدَّ من وقوع ذلك، فمنهم من مضى، ومنهم من يأتي).
(٥٨٥) في بعض النُّسَخ: (ألزمه الله البتَّة إلى العناء).
(٥٨٦) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٧/ باب من مات وليس له إمام من أئمَّة الهدى.../ ح ٤)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٣٣ و٣٤/ ج ١/ باب ٨/ ح ١) مختصراً، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ٢/ ص ١٢/ ح ٢٢).
(٥٨٧) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٥٦): (قوله: (ألزمه الله البتَّة إلى العناء) العناء - بالفتح -: المشقَّة اسم من عنَّاه يُعنِّيه، والمراد بها المشقَّة الأُخرويَّة والشقاوة الأبديَّة، وفي لفظ (البتَّة) إشعار بأنَّ الإلزام مقطوع به لا رجعة فيه. قوله: (فهو مشرك) لأنَّ من جعل للإمام شريكاً كان كمن جعل للنبيِّ شريكاً، ومن جعل للنبيِّ شريكاً كان كمن جعل لله تعالى شريكاً، وأيضاً من ردَّ إمام الله تعالى وأخذ إماماً آخر فقد ضادَّ الله تعالى في أمره، ومن ضادَّه فهو مشرك، وأيضاً من اتَّخذ إماماً آخر فكأنَّه اتَّخذ إلهاً فهو مشرك. قوله: (وذلك الباب المأمون): (ذلك) إشارة إلى الباب الذي فتحه الله تعالى، وهو مبتدأ و(الباب المأمون) خبره، ويحتمل أنْ يكون (ذلك الباب) مبتدأ و(المأمون ) خبره، والجملة كالتعليل للسابق).
↑صفحة ١٨٦↑
[١١٧/١٩] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيا بن شَيْبَانَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ أَنَّهُ قَالَ: وَصَفْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) رَجُلاً يَتَوَالَى أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، وَيَتَبَرَّأُ مِنْ عَدُوِّهِ، وَيَقُولُ كُلَّ شَيْءٍ يَقُولُ إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَهُمُ الْأَئِمَّةُ الْقَادَةُ، وَلَسْتُ أَدْرِي أَيُّهُمُ الْإِمَامُ، وَإِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى رَجُلٍ(٥٨٨) وَاحِدٍ أَخَذْنَا بِقَوْلِهِ، وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِمْ (رَحِمَهُمُ اللهُ جَمِيعاً).
فَقَالَ: «إِنْ مَاتَ هَذَا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ سَيْفٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، مِثْلَهُ(٥٨٩).
فليتأمَّل متأمِّل من ذوي الألباب والعقول والمعتقدين لولاية الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السلام) هذا المنقول عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، فيمن شكَّ في واحد من الأئمَّة (عليهم السلام)، أو بات ليلة لا يعرف فيها إمامه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٨٨) في بعض النُّسَخ: (وجه).
(٥٨٩) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٤٦ و١٤٧/ ح ١٣٨).
↑صفحة ١٨٧↑
ونسبتهم إيَّاه إلى الكفر والنفاق والشرك، وأنَّه إنْ مات على ذلك مات ميتة جاهليَّة نعوذ بالله منها، وقولهم: «إنَّ من أنكر واحداً من الأحياء فقد أنكر الأموات».
ولينظر ناظر بمن يأتمُّ، ولا تغويه الأباطيل والزخارف ويميل به الهوى عن طريق الحقِّ، فإنَّ من مال به الهوى هوى وانكسر انكساراً لا انجبار له، وليعلم من يُقلِّد دينه، ومن يكون سفيره بينه وبين خالقه، فإنَّه واحد ومن سواه شياطين مبطلون مغرُّون فاتنون، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً﴾ [الأنعام: ١١٢].
أعاذنا الله وإخواننا من الزيغ عن الحقِّ، والنكوب عن الهدى، والاقتحام في غمرات الضلالة والردى بإحسانه، إنَّه كان بالمؤمنين رحيماً.
* * *
↑صفحة ١٨٨↑
باب (٨): ما روي في أنَّ الله لا يـخلي أرضه بغير حجَّة
↑صفحة ١٨٩↑
مِنْ ذَلِكَ:
[١١٨/١] مَا رُوِيَ مِنْ كَلَامِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عليه السلام) لِكُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ المَشْهُورِ حَيْثُ قَالَ: أَخَذَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ) بِيَدِي وَأَخْرَجَنِي إِلَى الْجَبَّانِ، فَلَمَّا أَصْحَرَ تَنَفَّسَ الصُّعَدَاءَ(٥٩٠)، ثُمَّ قَالَ... وَذَكَرَ الْكَلَامَ بِطُولِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ بَلَى وَلَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ حُجَّةٍ قَائِمٍ لله بِحُجَّتِهِ، إِمَّا ظَاهِرٍ مَعْلُومٍ، وَإِمَّا خَائِفٍ مَغْمُورٍ، لِئَلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ الله وَبَيِّنَاتُهُ...» فِي تَمَامِ الْكَلَامِ(٥٩١)،(٥٩٢).
أليس في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام): «ظاهر معلوم» بيان أنَّه يريد المعلوم الشخص والموضع، وقوله: «وإمَّا خائف مغمور» أنَّه الغائب الشخص، المجهول الموضع؟ والله المستعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٩٠) في لسان العرب (ج ٣/ ص ٢٥٣/ مادَّة صعد): (الصُّعَداءُ - بالضمِّ والمدِّ -: تنفُّس ممدود. وتصَعَّدَ النَّفَسُ: صَعُبَ مَخْرَجُه، وهو الصُّعَداءُ. وقيل: الصُّعَداءُ النفَسُ إِلى فوق ممدود، وقيل: هو النفَسُ بتوجُّع، وهو يَتَنَفَّسُ الصُّعَداء ويتنفَّس صُعُداً).
(٥٩١) راجع: الغارات (ج ١/ ص ١٤٨ - ١٥٤)، وتاريخ اليعقوبي (ج ٢/ ص ٢٠٥ و٢٠٦)، والعقد الفريد (ج ٢/ ص ٨١ و٨٢)، وشرح الأخبار (ج ٢/ ص ٣٦٩ - ٣٧١/ ح ٧٣٢)، ونهج البلاغة (ص ٤٩٥ - ٤٩٧/ ح ١٤٧)، وخصائص الأئمَّة (ص ١٠٥ و١٠٦)، والإرشاد (ج ١/ ص ٢٢٧ و٢٢٨).
(٥٩٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ١/ ص ١٨٩ - ١٩٣): (الجبَّان والجبَّانة بالتشديد: الصحراء، وتُسمَّى بهما المقابر أيضاً. وأصحر: أي أخرج إلى الصحراء...، والإمام الظاهر المشهور كأمير المؤمنين (صلوات الله عليه)، والخائف المغمور كالقائم في زماننا وكباقي الأئمَّة المستورين للخوف والتقيَّة، ويحتمل أنْ يكون باقي الأئمَّة (عليهم السلام) داخلين في الظاهر المشهور).
↑صفحة ١٩١↑
[١١٩/٢] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ اِبْنُ المُفَضَّلِ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَطْوَانِيُّ، قَالُوا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ مَنْ يُوثَقُ بِهِ مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) يَقُولُ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا بِالْكُوفَةِ طَوِيلَةٍ ذَكَرَهَا:
«اللَّهُمَّ فَلَابُدَّ لَكَ مِنْ حُجَجٍ فِي أَرْضِكَ حُجَّةٍ بَعْدَ حُجَّةٍ عَلَى خَلْقِكَ، يَهْدُونَهُمْ إِلَى دِينِكَ، وَيُعَلِّمُونَهُمْ عِلْمَكَ، لِكَيْلَا يَتَفَرَّقَ أَتْبَاعُ أَوْلِيَائِكَ(٥٩٣)، ظَاهِرٍ غَيْرِ مُطَاعٍ، أَوْ مُكْتَتِمٍ خَائِفٍ يُتَرَقَّبُ، إِنْ غَابَ عَنِ النَّاسِ شَخْصُهُمْ فِي حَالِ هُدْنَتِهِمْ فِي دَوْلَةِ الْبَاطِلِ، فَلَنْ يَغِيبَ عَنْهُمْ مَبْثُوثُ عِلْمِهِمْ، وَآدَابُهُمْ فِي قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ مُثْبَتَةٌ، وهُمْ بِهَا عَامِلُونَ، يَأْنَسُونَ بِمَا يَسْتَوْحِشُ مِنْهُ المُكَذِّبُونَ، وَيَأْبَاهُ المُسْرِفُونَ، بِالله كَلَامٌ يُكَالُ بِلَا ثَمَنٍ(٥٩٤) لَوْ كَانَ مَنْ يَسْمَعُهُ بِعَقْلِهِ فَيَعْرِفُهُ ويُؤْمِنُ بِهِ ويَتَّبِعُهُ ويَنْهَجُ نَهْجَه، فَيُفْلِحُ بِهِ(٥٩٥)، ثُمَّ يَقُولُ: فَمَنْ هَذَا؟ وَلِهَذَا يَأْرِزُ الْعِلْمُ(٥٩٦)، إِذْ لَمْ يُوجَدْ حَمَلَةٌ يَحْفَظُونَهُ وَيُؤَدُّونَهُ كَمَا يَسْمَعُونَهُ مِنَ الْعَالِمِ».
ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ: «اللَّهُمَّ وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّ الْعِلْمَ لَا يَأْرِزُ(٥٩٧) كُلُّهُ، وَلَا يَنْقَطِعُ مَوَادُّهُ، فَإِنَّكَ لَا تُخْلِي أَرْضَكَ مِنْ حُجَّةٍ عَلَى خَلْقِكَ إِمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٩٣) في بعض النُّسَخ: (لئلَّا...) إلخ. وفي بعضها: (أتباع أُولئك).
(٥٩٤) يعني أنا أكيل لكم العلم كيلاً وأُعطيكم ولا أطلب منكم ثمناً.
(٥٩٥) في بعض النُّسَخ: (فيصلح به).
(٥٩٦) قال ابن الأثير في النهاية (ج ١/ ص ٣٧): (إنَّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيَّة إلى جحرها، أي ينضمُّ إليها ويجتمع بعضه إلى بعض فيها).
(٥٩٧) في بعض النُّسَخ: (ينفد).
↑صفحة ١٩٢↑
ظَاهِرٍ مُطَاعُ، أَوْ خَائِفٍ مَغْمُورٍ لَيْسَ بِمُطَاعٍ، لِكَيْلَا تَبْطُلَ حُجَّتُكَ وَيَضِلَّ أَوْلِيَاؤُكَ بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَهُمْ...» ثُمَّ تَمَامُ الْخُطْبَةِ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَغَيْرُهُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ، قَالَ: إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِ) تَكَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ وَحَفِظَهُ عَنْهُ حِينَ خَطَبَ بِهِ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: «اللَّهُمَّ...» وذَكَرَ مِثْلَهُ(٥٩٨)،(٥٩٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٥٩٨) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٤٥ و١٤٦/ ح ١٣٦)، الكافي (ج ١/ ص ٣٣٩/ باب في الغيبة/ ح ١٣).
(٥٩٩) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٢): (قوله: (حجَّة بعد حجَّة) بيان لقوله: (حُجَج)، وتفسير له، ودفع احتمال الاجتماع، وقد مرَّ أنَّه لا يجتمع في الأرض حجَّتان إلَّا وأحدهما صامت. قوله: (يهدونهم إلى دينك) الجملة حال عن الحُجَج، وكونه استينافاً لبيان سبب الاحتياج إليهم بعيد بالنظر إلى المقام، والمراد بالهداية هنا الدلالة إلى ما يوصل إلى المطلوب، وبالدِّين جميع ما جاء به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). قوله: (ظاهر غير مطاع أو مكتتم يترقَّب) أي يترقَّب ظهوره، وهو صاحب الزمان (عليه السلام)، وأمَّا غيره من الأئمَّة فهو مندرج في الأوَّل، لظهورهم بين الخلق وعدم إطاعة الخلق لهم، ولا ينتقض بأمير المؤمنين (عليه السلام) في أيَّام خلافته، لأنَّه أيضاً لم يكن مطاعاً على وجه الكمال كما دلَّت عليه الأخبار والآثار. و(ظاهر) إمَّا مجرور على أنَّه صفة لـ (حجَّة)، أو مرفوع على أنَّه خبر لمبتدأ محذوف. قوله: (إنْ غاب عن الناس شخصهم في حال هدنتهم فلم يغب عنهم قديم مثبوت علمهم)، الهدنة الاسم من المهادنة، وهي المصاحبة. والمثبوت من ثبَّته بمعنى أثبته، وثبت جاء لازماً ومتعدّياً. وإضافة القديم إلى المثبوت والمثبوت إلى العلم من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، يعني إنْ غاب من الخلق شخصهم بالانزواء والاعتزال في حال مصالحتهم مع الأعداء المتغلِّبة وعدم اقتدارهم على الظهور وإجراء الأحكام خوفاً منهم وممَّن تابعهم لم يغب عمَّن تابعهم علمهم المثبوت القديمي الذي نقله الرواة الثقات، وكأنَّه (عليه السلام) أخبر عن أمثال زماننا هذا فإنَّ علمهم مع غيبتهم شائع بين أصحاب الإيمان أرباب العرفان بنقل السابقين إلى التابعين وهكذا يُنقَل إلى ما شاء الله...، قوله: (وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبَّتة) الظاهر أنَّ (آدابهم) مبتدأ و(مثبَّتة) خبره، والجملة حال عن ضمير (عنهم)، والمراد بالآداب الأخلاق المرضيَّة والأطوار السنيَّة بقرينة مقابلته مع العلم المراد به علم الأحكام النبويَّة والمعارف الإلهيَّة، وإنَّما قلت: الظاهر ذلك لاحتمال أنْ يكون (آدابهم) عطفاً على (علمهم)، و(مثبَّتة) حالاً عنهما، و(في) متعلِّقاً بمثبَّتة، وتخصيص قلوب المؤمنين بالذكر لأنَّها القابلة لقبول علمهم وآدابهم دون غيرها. قوله: (فهم بها عاملون) تقديم الظرف يفيد الحصر، يعني أنَّهم عاملون بعلوم الأئمَّة (عليهم السلام) لا بغيرها من الأقيسة والاستحسانات المخترعة والآراء المبتدعة كما هو شأن أهل الخلاف وأرباب الضلال، وفيه أيضاً دلالة على أنَّ العمل بدون العلم ليس بعمل، وهو كذلك، لأنَّ العلم أصل والعمل فرع ولا يُعقَل وجود الفرع بدون الأصل. قوله: (فيمن هذا) في بعض النسخ: (فمن هذا)، وفيه إشارة إلى قلَّة وجوده، وهو الحقُّ الذي لا ريب فيه، لأنَّ المؤمن العالم العامل الخالص عزيز الوجود).
↑صفحة ١٩٣↑
[١٢٠/٣] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ وَسَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ(٦٠٠) كَيْمَا إِنْ(٦٠١) زَادَ المُؤْمِنُونَ شَيْئاً رَدَّهُمْ، وَإِنْ نَقَصُوا شَيْئاً أَتَمَّهُ لَهُمْ»(٦٠٢)،(٦٠٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٠٠) كذا، وفي الكافي: (وفيها إمام).
(٦٠١) في بصائر الدرجات: (كلَّما).
(٦٠٢) الكافي (ج ١/ ص ١٧٨/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ٢)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٣٥١/ ج ٧/ باب ١٠/ ح ٢)، وكمال الدِّين (ص ٢٢١/ باب ٢٢/ ح ٦)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ١٩٩/ باب ١٥٣/ ح ٢٣).
(٦٠٣) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٣): (قوله: (كيما إنْ زاد المؤمنون شيئاً ردَّهم) الظاهر أنَّ المراد بالمؤمنين كلُّهم، ففيه دلالة على أنَّ إجماعهم حجَّة وإلَّا لزم أنْ يترك الإمام ما وجب عليه، وهو باطلٌ قطعاً).
↑صفحة ١٩٤↑
[١٢١/٤] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ المُسْلِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سُلَيْمَانَ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَا زَالَتِ الْأَرْضُ إِلَّا وَلله فِيهَا حُجَّةٌ يَعْرِفُ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى سَبِيلِ الله»(٦٠٤)،(٦٠٥).
[١٢٢/٥] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟
قَالَ: «لَا»(٦٠٦)،(٦٠٧).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٠٤) الكافي (ج ١/ ص ١٧٨/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ٣)؛ وراجع: المحاسن للبرقي (ج ١/ ص ٢٣٦/ ح ٢٠٢)، وبصائر الدرجات (ص ٥٠٤/ ج ١٠/ باب ١٠/ ح ١)، وكمال الدِّين (ص ٢٢٩/ باب ٢٢/ ح ٢٤).
(٦٠٥) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٣): (قوله: (ما زالت الأرض إلَّا ولله فيها الحجَّة...) إلخ، أي ما زالت الأرض من حال إلى حال وما مضى عصر من الأعصار أو ما زال أهلها إلَّا والحال أنَّ لله تعالى فيه حجَّة، والغرض أنَّ له تعالى في الأرض بعد نبيِّنا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى وقت زوالها حجَّة يعرف الحلال والحرام ويدعو الناس إلى سبيل الله ويجذبهم إلى طاعته وانقياد أمره ونهيه كيلا يقولوا يوم القيامة: ﴿إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٢]).
(٦٠٦) الكافي (ج ١/ ص ١٧٨/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ٤).
(٦٠٧) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٢/ ص ٢٩٦): ((تبقى الأرض بغير إمام): أي تبقى صالحة معمورة، أو تبقى مقرًّا للناس، فأجاب (عليه السلام) بنفي البقاء حينئذٍ لفقد ما هو المقصود من الخلق من العبادة والمعرفة حينئذٍ مع فقد الزواجر عن الفساد المنجرِّ إلى الخراب والهلاك، وقيل: (تبقى) فعل ناقص بمعنى تكون).
↑صفحة ١٩٥↑
[١٢٣/٦] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)(٦٠٨) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَدَعِ الْأَرْضَ بِغَيْرِ عَالِمٍ، وَلَوْ لَا ذَلِكَ لَمْ يُعْرَفِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ»(٦٠٩)،(٦١٠).
[١٢٤/٧] وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «وَالله مَا تَرَكَ اللهُ أَرْضَهُ مُنْذُ قَبَضَ اللهُ آدَمَ إِلَّا وَفِيهَا إِمَامٌ يُهْتَدَى بِهِ إِلَى الله، وَهُوَ حُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَلَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ حُجَّةً لله عَلَى عِبَادِهِ»(٦١١).
[١٢٥/٨] وَبِهِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): أَتَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٠٨) كذا، وفي الكافي: (عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهما السلام)).
(٦٠٩) الكافي (ج ١/ ص ١٧٥/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ٥)؛ وراجع: كمال الدِّين (ص ٢٠٣ و٢٠٤/ باب ٢١/ ح ١٢).
(٦١٠) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٤): (قوله: (لم يُعرَف الحقُّ من الباطل) الظهور إلف النفس بالمحسوسات والوهميَّات والمتخيَّلات المؤدّية إلى الباطل والشُّبُهات فلو لم يكن أُستادٌ مرشدٌ مؤيَّدٌ من عند الله تعالى بالعصمة عن الخطأ والغلط في العقائد والأقوال والأعمال من جميع الوجوه لمال كلُّ نفس إلى هواها والتبس عليه الحقُّ والباطل، فربَّما يعتقد أنَّ الحقَّ باطلٌ والباطلَ حقٌّ كما ترى في كثير من المتَّكلين بعقولهم من الحكماء والمتكلِّمين، هذا على فرض بقاء الأرض وأهلها بغير إمام وإلَّا فالحقُّ الثابت أنَّه لا بقاء لهما بدونه طرفة عين).
(٦١١) الكافي (ج ١/ ص ١٧٨ و١٧٩/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ٨)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٥/ ج ١٠/ باب ١٠/ ح ٤)، والإمامة والتبصرة (ص ٢٩/ ح ١٠)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ١٩٧/ باب ١٥٣/ ح ١١).
↑صفحة ١٩٦↑
فَقَالَ: «لَوْ بَقِيَتِ الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ لَسَاخَتْ(٦١٢)»(٦١٣).
[١٢٦/٩] وَبِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنِ الرِّضَا (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَتَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟
قَالَ: «لَا».
قُلْتُ: فَإِنَّا نَرْوِي عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهَا لَا تَبْقَى بِغَيْرِ إِمَامٍ إِلَّا أَنْ يَسْخَطَ اللهُ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ - أَوْ قَالَ: عَلَى الْعِبَادِ -.
فَقَالَ: «لَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ، وَلَوْ بَقِيَتْ إِذاً لَسَاخَتْ»(٦١٤)،(٦١٥).
[١٢٧/١٠] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦١٢) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٦): (قوله: (لساخت) أي لغاصت في الماء وغابت، ولعلَّه كناية عن هلاك البشر وفنائهم. ويحتمل أنْ يريد الحقيقة، لأنَّ الغرض الأصلي من انكشاف بعض الأرض هو أنْ يكون مسكناً لهم، وكونه مسكناً لغيرهم من الحيوانات المتنفِّسة إنَّما هو بالعرض، فإذا فات الغرض الأصلي عاد إلى وضعه الطبيعي).
(٦١٣) الكافي (ج ١/ ص ١٧٩/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ١٠)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٨/ ج ١٠/ باب ١٢/ ح ٢)، والإمامة والتبصرة (ص ٣٠/ ح ١٢)، وكمال الدِّين (ص ٢٠١/ باب ٢١/ ح ١)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ١٩٦ و١٩٨/ باب ١٥٣/ ح ٥ و١٦).
(٦١٤) الكافي (ج ١/ ص ١٧٩/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ١١)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٨ و٥٠٩/ ج ١٠/ باب ١٢/ ح ١ و٦)، وكمال الدِّين (ص ٢٠٢/ باب ٢١/ ح ٢)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ١٩٧ و١٩٨/ باب ١٥٣/ ح ١٥ و١٩)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٢٤٦/ ح ٢).
(٦١٥) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٧): (قوله: ( أو على العباد) الشكُّ من ابن فضيل، أو ممَّن روى عنه. قوله: (قال: لا، لا تبقى إذاً لساخت) نفى بـ(لا) ما يُفهَم من كلام الراوي من أنَّ الأرض تبقى بغير إمام وأهلها مبغوضين، ثمَّ بيَّن الأمر بأنَّها لا تبقى بغير إمام بل تغوص في الماء).
↑صفحة ١٩٧↑
عِيسَى، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله المُؤْمِنِ، عَنْ أَبِي هَرَاسَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ أَنَّ الْإِمَامَ رُفِعَ مِنَ الْأَرْضِ سَاعَةً لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا، وَمَاجَتْ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ بِأَهْلِهِ(٦١٦)»(٦١٧)،(٦١٨).
[١٢٨/١١] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْوَشَّاءِ، قَالَ: سَأَلْتُ الرِّضَا (عليه السلام): هَلْ تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ؟
قَالَ: «لَا».
قُلْتُ: إِنَّا نَرْوِي أَنَّهَا لَا تَبْقَى إِلَّا أَنْ يَسْخَطَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) عَلَى الْعِبَادِ.
قَالَ: «لَا تَبْقَى إِذاً لَسَاخَتْ»(٦١٩).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦١٦) في الكافي: (لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله).
(٦١٧) الكافي (ج ١/ ص ١٧٩/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ١٢)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٨/ ج ١٠/ باب ١٢/ ح ٣)، وكمال الدِّين (ص ٢٠٢ و٢٠٣/ باب ٢١ ح ٣ و٩)، ودلائل الإمامة (ص ٤٣٥/ ح ٤٠٣/٧).
(٦١٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٧): (قوله: (لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله) ماج البحر يموج موجاً: اضطربت أمواجه، وكذلك الناس يموجون. شبَّه اضطراب الأرض وأهلها بموج البحر وأهله للإيضاح، وكنَّى به عن زوالها وزوال أهلها، لأنَّ الاضطراب المذكور يستلزمها. والباء في الموضعين للتعدية، أو بمعنى مع).
(٦١٩) الكافي (ج ١/ ص ١٧٩/ باب أنَّ الأرض لا تخلو من حجَّة/ ح ١٣)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٩/ ج ١٠/ باب ١٢/ ح ٧)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ١٩٨/ باب ١٥٣/ ح ٢٠)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ٢٤٦/ ح ٣).
↑صفحة ١٩٨↑
باب (٩): ما روي في أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلا اثنان لكان أحدهما الحجَّة
↑صفحة ١٩٩↑
[١٢٩/١] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عُمَارَةَ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ لَكَانَ الثَّانِي مِنْهُمَا الْحُجَّةَ».
[١٣٠/٢] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ رِجَالِهِ وَأَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى جَمِيعاً، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عُمَارَةَ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «لَوْ بَقِيَ فِي الْأَرْضِ اثْنَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ(٦٢٠) عَلَى صَاحِبِهِ».
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، مِثْلَهُ(٦٢١).
[١٣١/٣] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ كَرَّامٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٢٠) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٢/ ص ٢٩٨): (قوله: (لكان أحدهما الحجَّة) نظيره من طُرُق العامَّة ما رواه مسلم عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قال: «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان»، وذلك لأنَّه كما يحتاج الناس إلى الحجَّة من حيث الاجتماع لأمر له مدخل في نظامهم ومعاشهم، كذلك يحتاجون إليه من حيث الانفراد لأمر له مدخل في معرفة مبدئهم ومعادهم وعباداتهم، وأيضاً الحكمة الداعية إلى الأمر بالاجتماع وسدِّ باب الاختلاف المؤدِّي إلى الفساد جارية هاهنا، وإنَّما تتمُّ بحجّيَّة أحدهما، ووجوب إطاعة الآخر له).
(٦٢١) الكافي (ج ١/ ص ١٧٩/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا رجلان لكان أحدهما الحجَّة/ ح ٢)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٧ و٥٠٨/ ج ١٠/ باب ١١/ ح ٣).
↑صفحة ٢٠١↑
الله (عليه السلام): «لَوْ كَانَ النَّاسُ رَجُلَيْنِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْإِمَامَ»، وَقَالَ: «إِنَّ آخِرَ مَنْ يَمُوتُ(٦٢٢) الْإِمَامُ، لِئَلَّا يَحْتَجَّ أَحَدٌ عَلَى الله (عزَّ وجلَّ)(٦٢٣) أَنَّهُ تَرَكَهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ لله عَلَيْهِ»(٦٢٤).
[١٣٢/٤] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ رِجَالِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ الطَّيَّارِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْحُجَّةَ - أَوِ الثَّانِي الْحُجَّةَ -»، الشَّكُّ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(٦٢٥).
[١٣٣/٥] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنِ النَّهْدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا اثْنَانِ لَكَانَ أَحَدُهُمَا الْإِمَامَ»(٦٢٦).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٢٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٢/ ص ٢٩٩): (وآخر من يموت إمَّا القائم (عليه السلام)، أو أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجعته، لما ورد أنَّه دابَّة الأرض).
(٦٢٣) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ١٢٨): (قوله: (لئلَّا يحتجَّ أحد على الله (عزَّ وجلَّ)) إشارة إلى أنَّ الدَّليل على ذلك قوله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ﴾ [النساء: ١٦٥]، إذ كما أنَّ للكثير حجَّة على الله تعالى على تقدير عدم الإمام كذلك للواحد حجَّة عليه على هذا التقدير).
(٦٢٤) الكافي (ج ١/ ص ١٨٠/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا رجلان لكان أحدهما الحجَّة / ح ٣)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ٣٠ و٣١/ ح ١٣)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ١٩٦/ باب ١٥٣/ ح ٦).
(٦٢٥) الكافي (ج ١/ ص ١٨٠/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا رجلان لكان أحدهما الحجَّة/ ح ٤).
(٦٢٦) الكافي (ج ١/ ص ١٨٠/ باب أنَّه لو لم يبقَ في الأرض إلَّا رجلان لكان أحدهما الحجَّة/ ح ٥)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٥٠٧/ ج ١٠/ باب ١١/ ح ٢).
↑صفحة ٢٠٢↑
↑صفحة ٢٠٣↑
[١٣٤/١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ خَارِجَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ أَحْنَفَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: «زَادَ الْفُرَاتُ عَلَى عَهْدِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَرَكِبَ هُوَ وَابْنَاهُ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ (عليهما السلام)، فَمَرَّ بِثَقِيفٍ، فَقَالُوا: قَدْ جَاءَ عَلِيٌّ يَرُدُّ المَاءَ.
فَقَالَ عَلِيٌّ (عليه السلام): أَمَا وَالله، لَأُقْتَلَنَّ أَنَا وَابْنَايَ هَذَانِ، وَلَيَبْعَثَنَّ اللهُ رَجُلاً مِنْ وُلْدِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ يُطَالِبُ بِدِمَائِنَا، وَلَيَغِيبَنَّ عَنْهُمْ تَمْيِيزاً لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ: مَا لله فِي آلِ مُحَمَّدٍ مِنْ حَاجَةٍ»(٦٢٧).
[١٣٥/٢] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «خَبَرٌ تَدْرِيهِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرٍ تَرْوِيهِ، إِنَّ لِكُلِّ حَقٍّ حَقِيقَةً، وَلِكُلِّ صَوَابٍ نُوراً»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّا وَالله لَا نَعُدُّ الرَّجُلَ مِنْ شِيعَتِنَا فَقِيهاً حَتَّى يُلْحَنَ لَهُ(٦٢٨) فَيَعْرِفَ اللَّحْنَ، إِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) قَالَ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ فِتَناً مُظْلِمَةً عَمْيَاءَ مُنْكَسِفَةً لَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا النُّوَمَةُ(٦٢٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٢٧) دلائل الإمامة (ص ٥٣٤ و٥٣٥/ ح ٥١٧/١٢١) ذيله.
(٦٢٨) أي يتكلَّم معه بالرمز والإيماء والتعريض على جهة التقيَّة والمصلحة فيفهم المراد، قال ابن الأثير في النهاية (ج ٤/ ص ٢٤١): (يقال: لحنت لفلان، إذا قلت له قولاً يفهمه ويخفى على غيره، لأنَّك تميله بالتورية عن الواضح المفهوم. ومنه قالوا: لحن الرجل فهو لحن، إذا فهم وفطن لما لا يفطن له غيره).
(٦٢٩) قال ابن الأثير في النهاية (ج ٥/ ص ١٣١): (في حديث عليٍّ أنَّه ذكر آخر الزمان والفتن، ثمّ قال: «خير أهل ذلك الزمان كلُّ مؤمن نومة»، النومة بوزن الهمزة: الخامل الذكر الذي لا يُؤبَه له. وقيل: الغامض في الناس الذي لا يعرف الشرَّ وأهله. وقيل: النومة - بالتحريك -: الكثير النوم. وأمَّا الخامل الذي لا يُؤبَه له فهو بالتسكين. ومن الأوَّل حديث ابن عبَّاس أنَّه قال لعليٍّ: ما النومة؟ قال: «الذي يسكت في الفتنة، فلا يبدو منه شيء»).
↑صفحة ٢٠٥↑
قِيلَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَمَا النُّوَمَةُ؟
قَالَ: «الَّذِي يَعْرِفُ النَّاسَ وَلَا يَعْرِفُونَهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ لله (عزَّ وجلَّ)، وَلَكِنَّ اللهَ سَيُعْمِي خَلْقَهُ عَنْهَا بِظُلْمِهِمْ وَجَوْرِهِمْ(٦٣٠) وَإِسْرَافِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَلَوْ خَلَتِ الْأَرْضُ سَاعَةً وَاحِدَةً مِنْ حُجَّةٍ لله لَسَاخَتْ بِأَهْلِهَا، وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ يَعْرِفُ النَّاسَ وَلَا يَعْرِفُونَهُ، كَمَا كَانَ يُوسُفُ يَعْرِفُ النَّاسَ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ»، ثُمَّ تَلَا: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾ [يس: ٣٠].
[١٣٦/٣] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ، عَنْ عَمِيرَةَ بِنْتِ أَوْسٍ، قَالَتْ: حَدَّثَنِي جَدِّي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ(٦٣١)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو اِبْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ يَوْماً لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ: «يَا حُذَيْفَةُ، لَا تُحَدِّثِ النَّاسَ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ فَيَطْغَوْا وَيَكْفُرُوا، إِنَّ مِنَ الْعِلْمِ صَعْباً شَدِيداً مَحْمِلُهُ لَوْ حَمَّلْتَهُ الْجِبَالَ عَجَزَتْ عَنْ حَمْلِهِ، إِنَّ عِلْمَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٣٠) في بعض النُّسَخ: (وجهلهم).
(٦٣١) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (عن غمرة بنت أوس، قالت: حدَّثني جدِّي الحصين، عن عبد الرحمن، عن أبيه...) إلخ. ولم أعرفها غمرة كانت أو عميرة، والظاهر أنَّ جدَّها حصين ابن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ الأشهلي المعنون في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٢٢١/ الرقم ١٣٧٤).
↑صفحة ٢٠٦↑
سَيُنْكَرُ وَيُبْطَلُ، وَتُقْتَلُ رُوَاتُهُ، وَيُسَاءُ(٦٣٢) إِلَى مَنْ يَتْلُوهُ بَغْياً وَحَسَداً لِمَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ عِتْرَةَ الْوَصِيِّ - وَصِيِّ النَّبِيِّ(٦٣٣) (صلّى الله عليه وآله وسلّم) -.
يَا بْنَ الْيَمَانِ، إِنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) تَفَلَ فِي فَمِي وَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي، وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعْطِ خَلِيفَتِي وَوَصِيِّي، وَقَاضِيَ دَيْنِي، وَمُنْجِزَ وَعْدِي وَأَمَانَتِي، وَوَلِيِّي(٦٣٤) ونَاصِرِي عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّي، وَمُفَرِّجَ الْكَرْبِ عَنْ وَجْهِي مَا أَعْطَيْتَ آدَمَ مِنَ الْعِلْمِ، وَمَا أَعْطَيْتَ نُوحاً مِنَ الْحِلْمِ، وَإِبْرَاهِيمَ مِنَ الْعِتْرَةِ الطَّيِّبَةِ وَالسَّمَاحَةِ، وَمَا أَعْطَيْتَ أَيُّوبَ مِنَ الصَّبْرِ عِنْدَ الْبَلَاءِ، وَمَا أَعْطَيْتَ دَاوُدَ مِنَ الشِدَّةِ عِنْدَ مُنَازَلَةِ الْأَقْرَانِ، وَمَا أَعْطَيْتَ سُلَيْمَانَ مِنَ الْفَهْمِ. اللَّهُمَّ لَا تُخْفِ عَنْ عَلِيٍّ شَيْئاً مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى تَجْعَلَهَا كُلَّهَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ مِثْلَ المَائِدَةِ الصَّغِيرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ. اللَّهُمَّ أَعْطِهِ جَلَادَةَ مُوسَى، وَاجْعَلْ فِي نَسْلِهِ شَبِيهَ عِيسَى (عليه السلام). اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلِيفَتِي عَلَيْهِ وَعَلَى عِتْرَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ الطَّيِّبَةِ المُطَهَّرَةِ الَّتِي أَذْهَبْتَ عَنْهَا الرِّجْسَ وَالنِّجْسَ، وَصَرَفْتَ عَنْهَا مُلَامَسَةَ الشَّيَاطِينِ(٦٣٥). اللَّهُمَّ إِنْ بَغَتْ قُرَيْشٌ عَلَيْهِ، وَقَدَّمَتْ غَيْرَهُ عَلَيْهِ، فَاجْعَلْهُ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِذْ غَابَ عَنْهُ مُوسَى. ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عَلِيُّ، كَمْ فِي وُلْدِكَ مِنْ وَلَدٍ فَاضِلٍ يُقْتَلُ وَالنَّاسُ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ لَا يُغَيِّرُونَ! فَقَبُحَتْ أُمَّةٌ تَرَى أَوْلَادَ نَبِيِّهَا يُقْتَلُونَ ظُلْماً وَهُمْ لَا يُغَيِّرُونَ(٦٣٦)، إِنَّ الْقَاتِلَ وَالْآمِرَ وَالشَّاهِدَ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ كُلُّهُمْ فِي الْإِثْمِ وَاللِّعَانِ سَوَاءٌ مُشْتَرِكُونَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٣٢) بصيغة المجهول. وفي بعض النُّسَخ: (ويوشي)، في لسان العرب (ج ١٥/ ص ٣٩٣/ مادَّة وشي): (وَشى به وَشْياً ووِشايةً : نَمَّ به، ووَشى به إِلى السلطان وِشايةً: أَي سَعَى).
(٦٣٣) في بعض النُّسَخ: (رسول الله).
(٦٣٤) في بعض النُّسَخ: (منجز وعدي، وأبا ابنيَّ، ووليَّ حوضي).
(٦٣٥) في بعض النُّسَخ: (الشيطان).
(٦٣٦) في بعض النُّسَخ: (لا ينصرون).
↑صفحة ٢٠٧↑
يا بن الْيَمَانِ، إِنَّ قُرَيْشاً لَا تَنْشَرِحُ صُدُورُهَا، وَلَا تَرْضَى قُلُوبُهَا، وَلَا تَجْرِي أَلْسِنَتُهَا، بِبَيْعَةِ عَلِيٍّ وَمُوَالاتِهِ إِلَّا عَلَى الْكُرْهِ وَالْعَمَى وَالصَّغَارِ(٦٣٧).
يا بن الْيَمَانِ، سَتُبَايِعُ قُرَيْشٌ عَلِيًّا، ثُمَّ تَنْكُثُ عَلَيْهِ وَتُحَارِبُهُ وَتُنَاضِلُهُ وَتَرْمِيهِ بِالْعَظَائِمِ، وَبَعْدَ عَلِيٍّ يَلِي الْحَسَنُ وَسَيُنْكَثُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَلِي الْحُسَيْنُ فَتَقْتُلُهُ أُمَّةُ جَدِّهِ، فَلُعِنَتْ أُمَّةٌ تَقْتُلُ ابْنَ بِنْتِ نَبِيِّهَا وَلَا تَعِزُّ مِنْ أُمَّةٍ، وَلُعِنَ الْقَائِدُ لَهَا وَالمُرَتِّبُ لِفَاسِقِهَا.
فَوَ الَّذِي نَفْسُ عَلِيٍّ بِيَدِهِ، لَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ بَعْدَ قَتْلِ الْحُسَيْنِ ابْنِي فِي ضَلَالٍ وَظُلْمَةٍ وَعَسْفٍ وَجَوْرٍ وَاخْتِلَافٍ فِي الدِّينِ، وَتَغْيِيرٍ وَتَبْدِيلٍ لِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِي كِتَابِهِ، وَإِظْهَارِ الْبِدَعِ، وَإِبْطَالِ السُّنَنِ، وَاخْتِلَالٍ وَقِيَاسِ مُشْتَبِهَاتٍ(٦٣٨)، وَتَرْكِ مُحْكَمَاتٍ حَتَّى تَنْسَلِخَ مِنَ الْإِسْلَامِ وَتَدْخُلَ فِي الْعَمَى وَالتَّلَدُّدِ وَالتَّسَكُّعِ(٦٣٩).
مَا لَكِ يَا بَنِي أُمَيَّةَ، لَا هُدِيتِ يَا بَنِي أُمَيَّةَ، وَمَا لَكِ يَا بَنِي الْعَبَّاسِ، لَكِ الْإِتْعَاسُ، فَمَا فِي بَنِي أُمَيَّةَ(٦٤٠) إِلَّا ظَالِمٌ، وَلَا فِي بَنِي الْعَبَّاسِ إِلَّا مُعْتَدٍ مُتَمَرِّدٌ عَلَى الله بِالمَعَاصِي، قَتَّالٌ لِوَلَدِي، هَتَّاكٌ لِسِتْرِي وَحُرْمَتِي، فَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ جَبَّارِينَ يَتَكَالَبُونَ عَلَى حَرَامِ الدُّنْيَا، مُنْغَمِسِينَ فِي بِحَارِ الْهَلَكَاتِ وَفِي أَوْدِيَةِ الدِّمَاءِ، حَتَّى إِذَا غَابَ المُتَغَيِّبُ مِنْ وُلْدِي عَنْ عُيُونِ النَّاسِ، وَمَاجَ النَّاسُ بِفَقْدِهِ أَوْ بِقَتْلِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ(٦٤١)، أَطْلَعَتِ الْفِتْنَةُ، وَنَزَلَتِ الْبَلِيَّةُ، وَالْتَحَمَتْ(٦٤٢) الْعَصَبِيَّةُ، وَغَلَا النَّاسُ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٣٧) في بعض النُّسَخ: (والطغيان).
(٦٣٨) في بعض النُّسَخ: (واحتيال وقياس مشتبه).
(٦٣٩) في بعض النُّسَخ: (التكسُّع)، أي الضلالة.
(٦٤٠) في بعض النُّسَخ: (فلان).
(٦٤١) قوله: (ماج الناس) أي اختلفوا فبعض يقول: فُقِدَ، وبعض يقول: قُتِلَ، وبعض يقول: مات.
(٦٤٢) قوله: (التحمت) أي تلاءمت بعد أنْ كان متفرِّقاً، والتحمت الحرب: اشتبكت، والثاني أنسب.
↑صفحة ٢٠٨↑
دِينِهِمْ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ ذَاهِبَةٌ، وَالْإِمَامَةَ بَاطِلَةٌ، وَيَحُجُّ حَجِيجُ النَّاسِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ وَنَوَاصِبِهِ(٦٤٣) لِلتَّحَسُّسِ وَالتَّجَسُّسِ عَنْ خَلَفِ الْخَلَفِ(٦٤٤)، فَلَا يُرَى لَهُ أَثَرٌ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ خَبَرٌ، وَلَا خَلَفٌ، فَعِنْدَ ذَلِكَ سُبَّتْ شِيعَةُ عَلِيٍّ، سَبَّهَا أَعْدَاؤُهَا(٦٤٥)، وَظَهَرَتْ(٦٤٦) عَلَيْهَا الْأَشْرَارُ وَالْفُسَّاقُ بِاحْتِجَاجِهَا، حَتَّى إِذَا بَقِيَتِ الْأُمَّةُ حَيَارَى، وَتَدَلَّهَتْ وَأَكْثَرَتْ فِي قَوْلِهَا(٦٤٧): إِنَّ الْحُجَّةَ هَالِكَةٌ، وَالْإِمَامَةَ بَاطِلَةٌ، فَوَ رَبِّ عَلِيٍّ إِنَّ حُجَّتَهَا عَلَيْهَا قَائِمَةٌ مَاشِيَةٌ فِي طُرُقِهَا(٦٤٨)، دَاخِلَةٌ فِي دُورِهَا وَقُصُورِهَا، جَوَّالَةٌ فِي شَرْقِ هَذِهِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا، تَسْمَعُ الْكَلَامَ، وَتُسَلِّمَ عَلَى الْجَمَاعَةِ، تَرَى وَلَا تُرَى إِلَى الْوَقْتِ وَالْوَعْدِ، وَنِدَاءِ المُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ، أَلَا ذَلِكَ يَوْمٌ فِيهِ سُرُورُ وُلْدِ عَلِيٍّ وَشِيعَتِهِ»(٦٤٩)،(٦٥٠).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٤٣) في بعض النُّسَخ: (وتواصيهم التجسُّس والتحسُّس) من الوصيَّة، والتحسُّس بمعنى التجسُّس.
(٦٤٤) في بعض النُّسَخ: (عن خلف الخلفاء).
(٦٤٥) في بعض النُّسَخ: (سُبَّت الشيعة سبَّها أعداؤها).
(٦٤٦) قوله: (ظهرت) أي غلبت.
(٦٤٧) قوله: (وأكثرت في قولها) أي قالته كثيراً.
(٦٤٨) في بعض النُّسَخ: (طُرُقاتها).
(٦٤٩) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ٦٧ - ٦٩/ ح ٦٨).
(٦٥٠) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢٨/ ص ٧٢ و٧٣): ((محملة) على بناء المجهول من باب الإفعال أو التفعيل، أي لا يمكن حمله إلَّا بإعانة من الله تعالى وإلَّا بمشقَّة، قال في القاموس: تحامل في الأمر وبه، تكلَّفه على مشقَّة، عليه كلَّفه ما لا يطيقه، وأحمله الحمل أعانه عليه، وحمله فعل ذلك به، انتهى. والمعنى أنَّه يحتمل وجوهاً من التأويل. قوله (عليه السلام): «ببيعة عليٍّ» هذا الفصل وما بعده إمَّا من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) أيضاً جرى على وجه الالتفات، أو من كلام الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لحذيفة في وقت آخر، فألحقه بهذا الخبر. وقال الجوهري: فلان يتلدَّد أي يلتفت يميناً وشمالاً، ورجل ألدّ بيِّن اللدد، وهو الشديد الخصومة، وقال: التسكُّع التمادي في الباطل. وقال: التعس الهلاك، انتهى...، ويقال: يتكالبون على كذا، أي يتواثبون عليه. قوله (عليه السلام): «ويحجُّ حجيج الناس»: أي تذهب الشيعة والنواصب في تلك السنة إلى الحجِّ لتفحُّص الحجَّة والتمكُّن منه، فالتمكُّن والتجسُّس نشر على خلاف اللفِّ. وقوله: «سبَّها أعداؤها» إمَّا مصدر، أي يسبُّ المخالفون الشيعة كما كانت الشيعة يسبُّونهم، أو فعل و(أعداؤها) مرفوع. وغلبة الأشرار عليهم بالاحتجاج أُريد بها الغلبة عند العوامِّ، لأنَّهم يحتجُّون عليهم بأنَّكم تدَّعون عدم خلوِّ الزمان من الحجَّة، وفي هذا الزمان لا تعرفون حجَّتكم، ولذا ينسبونهم بالبطلان والكذب والافتراء. والتدلُّه: ذهاب العقل من الهوى، ويقال: دلَّهه الحبُّ، أي حيَّره وأدهشه فتدلَّه).
↑صفحة ٢٠٩↑
وفي هذا الحديث عجائب وشواهد على حقّيَّة ما تعتقده الإماميَّة وتدين به، والحمد لله.
فمن ذلك قول أمير المؤمنين (صلوات الله عليه): «حَتَّى إِذَا غَابَ المُتَغَيِّبُ مِنْ وُلْدِي عَنْ عُيُونِ النَّاسِ»، أليس هذا موجباً(٦٥١) لهذه الغيبة، وشاهداً على صحَّة قول من يعترف بهذا، ويدين بإمامة صاحبها؟
ثمّ قوله (عليه السلام): «وَمَاجَ النَّاسُ بِفَقْدِهِ أَوْ بِقَتْلِهِ أَوْ بِمَوْتِهِ... وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحُجَّةَ ذَاهِبَةٌ، وَالْإِمَامَةَ بَاطِلَةٌ»، أليس هذا موافقاً لما عليه كافَّة الناس الآن من تكذيب قول الإماميَّة في وجود صاحب الغيبة؟ وهي محقَّقة في وجوده وإنْ لم ترَه.
وقوله (عليه السلام): «وَيَحُجُّ حَجِيجُ النَّاسِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِلتَّجَسُّسِ»، وقد فعلوا ذلك ولم يروا له أثراً.
وقوله: «فَعِنْدَ ذَلِكَ سُبَّتْ شِيعَةُ عَلِيٍّ، سَبَّهَا أَعْدَاؤُهَا، وَظَهَرَتْ عَلَيْهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٥١) كذا، ويمكن أنْ يكون تصحيفاً وصوابه: (مومياً).
↑صفحة ٢١٠↑
الْأَشْرَارُ وَالْفُسَّاقُ بِاحْتِجَاجِهَا»، يعني باحتجاجها عليها في الظاهر، وقولها: فأين إمامكم؟ دلُّونا عليه، وسبّهم لهم ونسبتهم إيَّاهم إلى النقص والعجز والجهل لقولهم بالمفقود العين، وإحالتهم على الغائب الشخص، وهو السبُّ، فهم في الظاهر عند أهل الغفلة والعمى محجوجون(٦٥٢). وهذا القول من أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذا الموضع شاهد لهم(٦٥٣) بالصدق، وعلى مخالفيهم بالجهل والعناد للحقِّ.
ثمّ حلفه (عليه السلام) مع ذلك بربِّه (عزَّ وجلَّ) بقوله: «فَوَ رَبِّ عَلِيٍّ إِنَّ حُجَّتَهَا عَلَيْهَا قَائِمَةٌ مَاشِيَةٌ فِي طُرُقِهَا(٦٥٤)، دَاخِلَةٌ فِي دُورِهَا وَقُصُورِهَا، جَوَّالَةٌ فِي شَرْقِ هَذِهِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا، تَسْمَعُ الْكَلَامَ، وَتُسَلِّمَ عَلَى الْجَمَاعَةِ، تَرَى وَلَا تُرَى»، أليس ذلك مزيلاً للشكِّ في أمره (عليه السلام)؟ وموجباً لوجوده ولصحَّة ما ثبت في الحديث الذي هو قبل هذا الحديث من قوله: «إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَخْلُو مِنْ حُجَّةٍ لله، وَلَكِنَّ اللهَ سَيُعْمِي خَلْقَهُ عَنْهَا بِظُلْمِهِمْ وَجَوْرِهِمْ(٦٥٥) وَإِسْرَافِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ»، ثمّ ضرب لهم المثل في يوسف (عليه السلام). إنَّ الإمام (عليه السلام) موجود العين والشخص إلَّا أنَّه في وقته هذا يَرى ولا يُرى، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ وَالْوَعْدِ، وَنِدَاءِ المُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ».
اللَّهُمَّ لك الحمد والشكر على نِعَمك التي لا تُحصى، وعلى أياديك التي لا تُجازى، ونسألك الثبات على ما منحتنا من الهدى برحمتك.
[١٣٧/٤] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٥٢) المحجوج: المغلوب في الاحتجاج.
(٦٥٣) في بعض النُّسَخ: (وهذا القول يدلُّ على أنَّ أمير المؤمنين (عليه السلام) شاهد لهم).
(٦٥٤) في بعض النُّسَخ: (طُرُقاتها).
(٦٥٥) في بعض النُّسَخ: (وجرمهم).
↑صفحة ٢١١↑
الدِّينَوَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ(٦٥٦)، قَالَ: حَدَّثْتَنَا عَمِيرَةُ(٦٥٧) بِنْتُ أَوْسٍ، قَالَتْ: حَدَّثَنِي جَدِّي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ ضَمْرَةَ(٦٥٨)، عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ(٦٥٩) أَنَّهُ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ حُشِرَ الْخَلْقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ: صِنْفٌ رُكْبَانٌ، وَصِنْفٌ عَلَى أَقْدَامِهِمْ يَمْشُونَ، وَصِنْفٌ مُكِبُّونَ، وَصِنْفٌ عَلَى وُجُوهِهِمْ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ، وَلَا يُكَلِّمُونَ، وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ.
فَقِيلَ لَهُ: يَا كَعْبُ، مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ، وَهَذِهِ الْحَالُ حَالُهُمْ؟
فَقَالَ كَعْبٌ: أُولَئِكَ كَانُوا عَلَى الضَّلَالِ وَالْاِرْتِدَادِ وَالنَّكْثِ، فَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ إِذَا لَقُوا اللهَ بِحَرْبِ خَلِيفَتِهِمْ وَوَصِيِّ نَبِيِّهِمْ وَعَالِمِهِمْ وَسَيِّدِهِمْ وَفَاضِلِهِمْ وَحَامِلِ اللِّوَاءِ وَوَلِيِّ الْحَوْضِ وَالمُرْتَجَى وَالرَّجَا دُونَ هَذَا الْعَالَمِ، وَهُوَ الْعَلَمُ الَّذِي لَا يُجْهَلُ(٦٦٠)، وَالمَحَجَّةُ الَّتِي(٦٦١) مَنْ زَالَ عَنْهَا عَطِبَ(٦٦٢)، وَفِي النَّارِ هَوَى،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٥٦) الظاهر أنَّه ابن فضَّال التيملي المعروف، وقد مرَّ ذكره في (ص ٢٠)، فراجع.
(٦٥٧) في بعض النُّسَخ: (غمرة)، وفي بحار الأنوار: (عمرة)، ولم أجدها بهذه العناوين.
(٦٥٨) عبد الله بن ضمرة السلولي، وثَّقه العجلي على ما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٥٠٣/ الرقم ٣٤٠٧).
(٦٥٩) هو كعب بن ماتع الحميري، يُكنَّى أبا إسحاق، ثقة، كما في تقريب التهذيب (ج ٢/ ص ٤٣/ الرقم ٥٦٦٦).
(٦٦٠) في بعض النُّسَخ: (والمرتجى دون العالمين، وهو العالم الذي لا يجهل).
(٦٦١) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٢٥ و٢٢٦/ ح ٨٩): (الحجَّة التي)، والمحجَّة: جادَّة الطريق، كما في النهاية لابن الأثير (ج ٤/ ص ٣٠١).
(٦٦٢) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ١٨٤/ مادَّة عطب): (العطب: الهلاك).
↑صفحة ٢١٢↑
ذَاكَ عَلِيٌّ وَرَبِّ كَعْبٍ، أَعْلَمُهُمْ عِلْماً، وَأَقْدَمُهُمْ سِلْماً(٦٦٣)، وَأَوْفَرُهُمْ حِلْماً، عَجِبَ كَعْبٌ مِمَّنْ قَدَّمَ عَلَى عَلِيٍّ غَيْرَهُ.
وَمِنْ نَسْلِ عَلِيٍّ الْقَائِمُ(٦٦٤) المَهْدِيُّ الَّذِي يُبَدِّلُ الْأَرْضَ غَيْرَ الْأَرْضِ، وَبِهِ يَحْتَجُّ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عليه السلام) عَلَى نَصَارَى الرُّومِ وَالصِّينِ، إِنَّ الْقَائِمَ المَهْدِيَّ مِنْ نَسْلِ عَلِيٍّ، أَشْبَهُ النَّاسِ بِعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ خَلْقاً وَخُلُقاً وَسَمْتاً(٦٦٥) وَهَيْبَةً، يُعْطِيهِ اللهُ (جلَّ وعزَّ) مَا أَعْطَى الْأَنْبِيَاءَ وَيَزِيدُهُ وَيُفَضِّلُهُ، إِنَّ الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ (عليه السلام) لَهُ غَيْبَةٌ كَغَيْبَةِ يُوسُفَ، وَرَجْعَةٌ كَرَجْعَةِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، ثُمَّ يَظْهَرُ بَعْدَ غَيْبَتِهِ مَعَ طُلُوعِ النَّجْمِ الْأَحْمَرِ، وَخَرَابِ الزَّوْرَاءِ - وَهِيَ الرَّيُّ -، وَخَسْفِ المُزَوَّرَةِ - وَهِيَ بَغْدَادُ -، وَخُرُوجِ السُّفْيَانِيِّ، وَحَرْبِ وُلْدِ الْعَبَّاسِ مَعَ فِتْيَانٍ أَرْمِينِيَّةٍ وَآذَرْبِيجَانَ، تِلْكَ حَرْبٌ يُقْتَلُ فِيهَا أُلُوفٌ وَأُلُوفٌ، كُلٌّ يَقْبِضُ عَلَى سَيْفٍ مُحَلَّى، تَخْفِقُ عَلَيْهِ رَايَاتٌ سُودٌ، تِلْكَ حَرْبٌ يَشُوبُهَا المَوْتُ الْأَحْمَرُ، وَالطَّاعُونُ الْأَغْبَرُ(٦٦٦)»(٦٦٧).
[١٣٨/٥] وَبِهِ، عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ(٦٦٨)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام):
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٦٣) أي أقدمهم إسلاماً، ولا ريب أنَّه (عليه السلام) أوَّل من أسلم من الرجال عند جميع المؤرِّخين والمحدِّثين، غير أنَّ بعض المخالفين استشكل بأنَّه حينذاك لم يبلغ الحلم، وإيمانه ليس بمثابة إيمان الرجال. وهو قول من تجاهل، أو من له غرض سياسي، أو سفيه.
(٦٦٤) في بعض النُّسَخ وبحار الأنوار: (ومن يُشكِّك في القائم)، وكأنَّه تصحيف.
(٦٦٥) في بعض النُّسَخ: (وسيماء). أقول: لعلَّ هذا الحديث ينفرد بتشبيه المهدي في خلقه بعيسى (عليهما السلام)، والوارد في روايات الفريقين أنَّه شبيه بجدِّه النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(٦٦٦) في بعض النُّسَخ والبحار: (تلك حرب يستبشر فيها الموت الأحمر والطاعون الأكبر).
(٦٦٧) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٠٣ و١٠٤/ ح ١٠١).
(٦٦٨) تقدَّم أنَّه عمرو بن سعد بن معاذ الأشهلي، وحيث إنَّ نسخة العلَّامة المجلسي (رحمه الله) مصحَّفة وفيها: (عمر بن سعد) ظَّن شارحه (رحمه الله) أنَّه عمر بن سعد بن أبي وقَّاص، وقال بعد نقله في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٢٦ و٢٢٧/ ح ٩٠): (إنَّما أوردت هذا الخبر مع كونه مصحَّفاً مغلوطاً، وكون سنده منتهياً إلى شرِّ خلق الله عمر بن سعد (لعنه الله)، لاشتماله على الإخبار بالقائم (عليه السلام)، ليُعلَم تواطؤ المخالف والمؤالف عليه (صلوات الله عليه))، مع أنَّ عمر بن سعد في ذلك الوقت طفل صغير لم يبلغ عشراً، ولا يكون قابلاً لهذا الخطاب. وقد يُعبِّر عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) في خبر في زمان خلافته بالجرو.
↑صفحة ٢١٣↑
«لَا تَقُومُ الْقِيَامَةُ(٦٦٩) حَتَّى تُفْقَأَ عَيْنُ الدُّنْيَا، وَتَظْهَرَ الْحُمْرَةُ فِي السَّمَاءِ، وَتِلْكَ دُمُوعُ حَمَلَةِ الْعَرْشِ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، حَتَّى يَظْهَرَ فِيهِمْ عِصَابَةٌ(٦٧٠) لَا خَلَاقَ لَهُمْ، يَدْعُونَ لِوَلَدِي وَهُمْ بِرَاءٍ مِنْ وَلَدِي، تِلْكَ عِصَابَةٌ رَدِيئَةٌ لَا خَلَاقَ لَهُمْ، عَلَى الْأَشْرَارِ مُسَلَّطَةٌ، وَلِلْجَبَابِرَةِ مُفَتِّنَةٌ، وَلِلْمُلُوكِ مُبِيرَةٌ(٦٧١)، تَظْهَرُ فِي سَوَادِ الْكُوفَةِ، يَقْدُمُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ اللَّوْنِ وَالْقَلْبِ، رَثُّ(٦٧٢) الدِّينِ، لَا خَلَاقَ لَهُ(٦٧٣)، مُهَجَّنٌ(٦٧٤) زَنِيمٌ(٦٧٥) عُتُلٌّ(٦٧٦)، تَدَاوَلَتْهُ أَيْدِي الْعَوَاهِرِ مِنَ الْأُمَّهَاتِ(٦٧٧)، مِنْ شَرِّ نَسْلٍ لَا سَقَاهَا اللهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٦٩) في بعض النُّسَخ: (لا يقوم القائم).
(٦٧٠) في بعض النُّسَخ: (أقوام).
(٦٧١) المبيرة: المهلكة، في العين للفراهيدي (ج ٨/ص ٢٨٥/مادَّة بور): (البوار: الهلاك).
(٦٧٢) يعني ساقط الدِّين، في لسان العرب (ج ٢/ ص ١٥١/ مادَّة رثث): (الرَّثُّ والرِّثَّةُ والرَّثيثُ: الخَلَق الخَسيسُ البالي من كلِّ شيء، تقول: ثوبٌ رَثٌّ، وحَبْلٌ رَثٌّ، ورجل رَثُّ الهيأةِ في لُبْسه. وأَكثر ما يُستعمَل فيما يُلبَس، والجمع رِثاثٌ).
(٦٧٣) في لسان العرب (ج ١٠/ ص ٩٢/ مادَّة خلق): (الخَلاقُ: الحَظُّ والنَّصِيب من الخير والصلاح، يقال: لا خَلاق له في الآخرة، ورجل لا خلاق له، أي لا رَغْبة له في الخير ولا في الآخرة ولا صَلاح في الدِّين).
(٦٧٤) المهجن: غير الأصيل في النَّسَب. راجع: لسان العرب (ج ١٣/ ص ٤٣١/ مادَّة هجن).
(٦٧٥) في لسان العرب (ج ١٢/ ص ٢٧٧/ مادَّة زنم): (الزَّنِيمُ الذي يُعْرَفُ بالشرِّ واللُّؤْم).
(٦٧٦) في الصحاح للجوهري (ج ٥/ ص ١٧٥٨/ مادَّة عتل): (العتلُّ: الغليظ الجافي).
(٦٧٧) العواهر: جمع عاهر، وهي الفاجرة الزانية. راجع: لسان العرب (ج ٤/ص ٦١١/مادَّة عهر).
↑صفحة ٢١٤↑
المَطَرَ(٦٧٨)، فِي سَنَةِ إِظْهَارِ غَيْبَةِ المُتَغَيِّبِ مِنْ وَلَدِي صَاحِبِ الرَّايَةِ الْحَمْرَاءِ وَالْعَلَمِ الْأَخْضَرِ، أَيُّ يَوْمٍ لِلْمُخَيَّبِينَ(٦٧٩) بَيْنَ الْأَنْبَارِ وَهِيتَ، ذَلِكَ يَوْمٌ فِيهِ صَيْلَمُ(٦٨٠) الْأَكْرَادِ وَالشُّرَاةِ(٦٨١)، وَخَرَابُ دَارِ الْفَرَاعِنَةِ، وَمَسْكَنِ الْجَبَابِرَةِ، وَمَأْوَى الْوُلَاةِ الظَّلَمَةِ، وَأُمِّ الْبِلَادِ، وَأُخْتِ الْعَارِ(٦٨٢)، تِلْكَ وَرَبِّ عَلِيٍّ يَا عَمْرَو بْنَ سَعْدٍ بَغْدَادُ، أَلَا لَعْنَةُ الله عَلَى الْعُصَاةِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ(٦٨٣) الْخَوَنَةِ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الطَّيِّبِينَ مِنْ وُلْدِي، وَلَا يُرَاقِبُونَ فِيهِمْ ذِمَّتِي، وَلَا يَخَافُونَ اللهَ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ بِحُرْمَتِي، إِنَّ لِبَنِي الْعَبَّاسِ يَوْماً كَيَوْمِ الطَّمُوحِ(٦٨٤)، وَلَهُمْ فِيهِ صَرْخَةٌ كَصَرْخَةِ الْحُبْلَى، الْوَيْلُ لِشِيعَةِ وُلْدِ الْعَبَّاسِ مِنَ الْحَرْبِ الَّتِي سَنَحَ(٦٨٥) بَيْنَ نَهَاوَنْدَ وَالدِّينَوَرِ، تِلْكَ حَرْبُ صَعَالِيكِ شِيعَةِ عَلِيٍّ، يَقْدُمُهُمْ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ اسْمُهُ عَلَى اسْمِ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مَنْعُوتٌ مَوْصُوفٌ بِاعْتِدَالِ الْخَلْقِ، وَحُسْنِ الْخُلُقِ، وَنَضَارَةِ اللَّوْنِ، لَهُ فِي صَوْتِهِ ضِجَاجٌ(٦٨٦)، وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ(٦٨٧)، وَفِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٧٨) هذه الجملة دعاء عليهم.
(٦٧٩) في بعض النُّسَخ وبحار الأنوار: (للمخبتين)، وقد تُقرَأ: (للمجيبين).
(٦٨٠) في لسان العرب (ج ١٢/ ص ٣٤٠/ مادَّة صلم): (الصَّيلم: الداهية).
(٦٨١) في لسان العرب (ج ١٤/ ص ٤٢٩/ مادَّة شري): (الشُّراةُ الخَوارِجُ ، سَمَّوْا أَنفسهم شُراةً لأَنَّهم أرادوا أنَّهم باعُوا أَنفسهم لله، وقيل: سُمُّوا بذلك لقولهم: إنَّا شَرَيْنا أَنفسنا في طاعةِ الله، أي بعناها بالجنَّة حين فارَقْنا الأَئِمَّةَ الجائِرة، والواحد شارٍ، ويقال: منه: تَشَرَّى الرجلُ).
(٦٨٢) في بعض النُّسَخ: (العاد).
(٦٨٣) في بعض النُّسَخ: (العصابة من بني أُميَّة وبني فلان).
(٦٨٤) أي يوم شديد تشخص فيه الأبصار، والعرب ربَّما تُعبِّر عن الشدَّة باليوم.
(٦٨٥) في بعض النُّسَخ: (يفتح من نهاوند)، وفي بعضها: (منح)، وفي بعضها: (تنتح).
(٦٨٦) في صوته ضجاج: أي فزع. راجع: لسان العرب (ج ٢/ ص ٣١٢/ مادَّة ضجج).
(٦٨٧) في العين للفراهيدي (ج ٧/ ص ٤٥٨/ مادَّة وطف): (الوطف: كثرة شعر الحاجبين والأشفار، واسترخاؤه).
↑صفحة ٢١٥↑
عُنُقِهِ سَطَعٌ(٦٨٨)، أَفْرَقُ الشَّعْرِ، مُفَلَّجُ الثَّنَايَا(٦٨٩)، عَلَى فَرَسِهِ كَبَدْرٍ تَمَامٍ إِذَا تَجَلَّى عِنْدَ الظَّلَامِ(٦٩٠)، يَسِيرُ بِعِصَابَةٍ خَيْرِ عِصَابَةٍ أَوَتْ وَتَقَرَّبَتْ وَدَانَتْ لله بِدِينِ تِلْكَ الْأَبْطَالِ مِنَ الْعَرَبِ الَّذِينَ يَلْحَقُونَ(٦٩١) حَرْبَ الْكَرِيهَةِ، وَالدَّبْرَةُ(٦٩٢) يَوْمَئِذٍ عَلَى الْأَعْدَاءِ، إِنَّ لِلْعَدُوِّ يَوْمَذَاكَ الصَّيْلَمَ وَالْاِسْتِئْصَالَ»(٦٩٣).
وفي هذين الحديثين من ذكر الغيبة وصاحبها ما فيه كفاية وشفاء للطالب المرتاد، وحجَّة على أهل الجحد والعناد، وفي الحديث الثاني إشارة إلى ذكر عصابة لم تكن تُعرَف فيما تقدَّم، وإنَّما يُبعَث في سنة ستِّين ومائتين ونحوها، وهي كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «سنة إظهار غيبة المتغيِّب»، وهي كما وصفها ونعتها ونعت الظاهر برايتها، وإذا تأمَّل اللبيب الذي له قلب - كما قال الله تعالى: ﴿أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: ٣٧] - هذا التلويح(٦٩٤) اكتفى به عن التصريح، نسأل الله الرحيم توفيقاً للصواب برحمته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٨٨) في الصحاح للجوهري (ج ٣/ ص ١٢٢٩/ مادَّة سطع): (السَّطَع - بالتحريك -: طول العنق).
(٦٨٩) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٣٣٥/ مادَّة فلج): (الفلج أيضاً في الأسنان: تباعد ما بين الثنايا والرباعيَّات...، ورجل مفلَّج الثنايا: أي منفرجها، وهو خلاف المتراصِّ الأسنان).
(٦٩٠) في بعض النُّسَخ: (إذا انجلى عنه الغمام).
(٦٩١) في بعض النُّسَخ: (يلقحون).
(٦٩٢) في الصحاح للجوهري (ج ٢/ ص ٦٥٣/ مادَّة دبر): (الدبرة - بالإسكان والتحريك أيضاً -: الهزيمة في القتال، وهو اسم من الإدبار). وفي بعض النُّسَخ: (والديرة)، وفي بعضها: (والدائرة).
(٦٩٣) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٢٨ و١٢٩/ ح ١٢٥).
(٦٩٤) التلويح: الإشارة من بعيد مطلقاً بأيِّ شيء كان، ومنه سُمِّيت الكناية الكثيرة الوسائط: تلويحاً.
↑صفحة ٢١٦↑
[١٣٩/٦] أَخْبَرَنَا سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليهما السلام): مَا مَعْنَى قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٥]؟
فَقَالَ: «يَا أُمَّ هَانِئٍ، إِمَامٌ يَخْنِسُ نَفْسَهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ عَنِ النَّاسِ عِلْمُهُ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَاقِدِ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ ذَلِكِ الزَّمَانَ قَرَّتْ عَيْنُكِ».
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ شَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الرَّبِيعِ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «يَظْهَرُ كَالشِّهَابِ يَتَوَقَّدُ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ، فَإِنْ أَدْرَكْتِ زَمَانَهُ قَرَّتْ عَيْنُكِ»(٦٩٥).
[١٤٠/٧] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ رِجَالِهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الرَّبِيعِ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، عَنْ أُمِّ هَانِئٍ، قَالَتْ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (عليهما السلام) فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾ [التكوير: ١٥ و١٦].
فَقَالَ: «الْخُنَّسُ إِمَامٌ يَخْنِسُ نَفْسَهُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ انْقِطَاعٍ مِنْ عِلْمِهِ عِنْدَ النَّاسِ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، ثُمَّ يَبْدُو كَالشِّهَابِ الْوَاقِدِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، فَإِنْ أَدْرَكْتِهِ(٦٩٦) قَرَّتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٩٥) الكافي (ج ١/ ص ٣٤١/ باب في الغيبة/ ح ٢٢).
(٦٩٦) في بعض النُّسَخ: (فإذا أدركتِ ذلك).
↑صفحة ٢١٧↑
عَيْنُكِ»(٦٩٧)،(٦٩٨).
[١٤١/٨] مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَابُنْدَاذَ(٦٩٩)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ اِبْنُ مَالِكٍ(٧٠٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنِ الْكَاهِلِيِّ(٧٠١)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «تَوَاصَلُوا وَتَبَارُّوا وَتَرَاحَمُوا، فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ لَيَأْتِيَنَّ عَلَيْكُمْ وَقْتٌ لَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ لِدِينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مَوْضِعاً»، يعني لا يجد عند ظهور القائم (عليه السلام) موضعاً يصرفه فيه، لاستغناء الناس جميعاً بفضل الله وفضل وليِّه(٧٠٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٦٩٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٤١/ باب في الغيبة/ ح ٢٣)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١١٩/ ح ١١٣)، وكمال الدِّين (ص ٣٢٤ و٣٢٥/ باب ٣٢/ ح ١)، والغيبة للطوسي (ص ١٥٩/ ح ١١٦).
(٦٩٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٧ و٢٦٨): (قوله: ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾، قالوا: الخُنَّس جمع خانس، وهي الكواكب، لأنَّها تغيب بالنهار وتظهر بالليل، وقيل: هي الكواكب الخمسة السيَّارة: زحل، والمشتري، والمرِّيخ، والزهرة، وعطارد، يريد به مسيرها ورجوعها، لقوله: ﴿الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾، ولا يرجع من الكواكب غيرها. والكُنَّس جمع كانس، وهي الكواكب التي تغيب وترجع، من كنس الظبي إذا تغيَّب واستتر في كناسة، وهو الموضع الذي يأوي إليه، وفسَّره (عليه السلام) بإمام يخنس أي يغيب سنة ستِّين ومائتين، وهي سنة مات أبوه (عليه السلام)، ثمّ يظهر ويرجع من أُفُق الحقِّ كالشهاب المتوقِّد في الليلة الظلماء يعرف كلُّ أحد أنَّه الإمام العادل. وإرادة الواحد من الجمع إمَّا للتعظيم، أو لأجل أنَّه داخل فيه ومن آحاده، لأنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) كلُّهم موصوفون بهذه الصفة سيّما على القول بالرجعة).
(٦٩٩) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (محمّد بن مابندار).
(٧٠٠) كأنَّه جعفر بن محمّد بن مالك. وفي بعض النُّسَخ: (أحمد بن هلال) مكان (محمّد بن مالك).
(٧٠١) يعني عبد الله بن يحيى الكاهلي، كما صرَّح به في الكافي (ج ٢/ ص ١٧٥/ باب التراحم والتعاطف/ ح ٣).
(٧٠٢) من قوله: (يعني) إلى هنا من كلام المؤلِّف. والمراد بفضل وليِّه تقسيمه بيت المال على وجه لا يكون لأحد من الفقراء والمستحقِّين فقر في ما احتاجوا في أمر المعيشة إليه، وكلُّ واحد منهم واجد لضروريَّاته الحياتيَّة واستغنى عن الناس. ويحتمل أنْ يكون معنى كلام الإمام (عليه السلام) وصف زمان الغيبة لا الظهور، بمعنى أنَّ الصدق والوفاء والأمانة رُفِعَت من بين الناس، ولا يوجد مؤتمن يصدق في قوله بفقر غيره، ولا فقير لا يكذب بفقره.
↑صفحة ٢١٨↑
فَقُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ؟
فَقَالَ: «عِنْدَ فَقْدِكُمْ إِمَامَكُمْ، فَلَا تَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَطْلُعَ عَلَيْكُمْ كَمَا تَطْلُعُ الشَّمْسُ آيَسَ مَا تَكُونُونَ، فَإِيَّاكُمْ وَالشَّكَّ وَالْاِرْتِيَابَ، وَانْفُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الشُّكُوكَ، وَقَدْ حَذَّرْتُكُمْ(٧٠٣) فَاحْذَرُوا. أَسْأَلُ اللهَ تَوْفِيقَكُمْ وَإِرْشَادَكُمْ».
فلينظر الناظر إلى هذا النهي عن الشكِّ في صحَّة غيبة الغائب (عليه السلام)، وفي صحَّة ظهوره، وإلى قوله بعقب النهي عن الشكِّ فيه: «وقد حذَّرتكم فاحذروا»، يعني من الشكِّ، نعوذ بالله من الشكِّ والارتياب، ومن سلوك جادَّة الطريق الموردة إلى الهلكة، ونسأله الثبات على الهدى وسلوك الطريقة المثلى التي توصلنا إلى كرامته مع المصطفين من خيرته، بمنِّه وقدرته.
[١٤٢/٩] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِصَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي المُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي مَجْلِسِهِ وَمَعِي غَيْرِي، فَقَالَ لَنَا: «إِيَّاكُمْ وَالتَّنْوِيهَ - يَعْنِي بِاسْمِ الْقَائِمِ (عليه السلام) -».
وَكُنْتُ أَرَاهُ يُرِيدُ غَيْرِي، فَقَالَ لِي: «يَا أَبَا عَبْدِ الله، إِيَّاكُمْ وَالتَّنْوِيهَ، وَالله لَيَغِيبَنَّ سَبْتاً مِنَ الدَّهْرِ، وَلَيَخْمُلَنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٠٣) في بعض النُّسَخ وبحار الأنوار (ج ٥١/ ص ١٤٦ و١٤٧/ ح ١٧): (وقد حُذِّرتم)، وكذا في الموضع التالي.
↑صفحة ٢١٩↑
وَلَتَفِيضَنَّ عَلَيْهِ أَعْيُنُ المُؤْمِنِينَ، وَلَيُكْفَأَنَّ كَتَكَفُّؤِ السَّفِينَةِ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ حَتَّى لَا يَنْجُوَ إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ، وَكَتَبَ الْإِيمَانَ فِي قَلْبِهِ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَلَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُعْرَفُ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ».
قَالَ المُفَضَّلُ: فَبَكَيْتُ.
فَقَالَ لِي: «مَا يُبْكِيكَ؟».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، كَيْفَ لَا أَبْكِي وَأَنْتَ تَقُولُ: «تُرْفَعُ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُعْرَفُ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ»؟
قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى كَوَّةٍ فِي الْبَيْتِ الَّتِي تَطْلُعُ فِيهَا الشَّمْسُ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ: «أَهَذِهِ الشَّمْسُ مُضِيئَةٌ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: «وَالله لَأَمْرُنَا أَضْوَأُ مِنْهَا».
[١٤٣/١٠] مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدُ الله اِبْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ جَمِيعاً، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَعَبْدُ الله بْنُ عَامِرٍ الْقَصَبَانِيُّ جَمِيعاً، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ مُسَاوِرٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّيْخَ - يَعْنِي أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) - يَقُولُ: «إِيَّاكُمْ وَالتَّنْوِيهَ، أَمَا وَالله لَيَغِيبَنَّ سَبْتاً مِنْ دَهْرِكُمْ، وَلَيَخْمُلَنَّ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، هَلَكَ، بِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ وَلَتَدْمَعَنَّ عَلَيْهِ عُيُونُ المُؤْمِنِينَ، وَلَيُكْفَأَنَّ تَكَفُّؤَ السَّفِينَةِ فِي أَمْوَاجِ الْبَحْرِ، فَلَا يَنْجُو إِلَّا مَنْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ، وَكَتَبَ فِي قَلْبِهِ الْإِيمَانَ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحٍ مِنْهُ، وَلَتُرْفَعَنَّ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَايَةً مُشْتَبِهَةً لَا يُدْرَى أَيٌّ مِنْ أَيٍّ».
قَالَ: فَبَكَيْتُ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: كَيْفَ نَصْنَعُ؟
فَقَالَ: «يَا أَبَا عَبْدِ الله - ثُمَّ نَظَرَ إِلَى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي الصُّفَةِ -، أَتَرَى هَذِهِ الشَّمْسَ؟».
↑صفحة ٢٢٠↑
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: «وَالله لَأَمْرُنَا أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ الشَّمْسِ».
مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسَاوِرٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: «وَلَيَغِيبَنَّ سِنِينَ مِنْ دَهْرِكُمْ»(٧٠٤)،(٧٠٥).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٠٤) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٦/ باب في الغيبة/ ح ٣)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٢٥ و١٢٦/ ح ١٢٥)، وكمال الدِّين (ص ٣٤٧/ باب ٣٣/ ح ٣٥)، ودلائل الإمامة (ص ٥٣٢ و٥٣٣/ح ٥١٢/١١٦)، والغيبة للطوسي (ص ٣٣٧ و٣٣٨/ح ٢٨٥).
(٧٠٥) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٥١ و٢٥٢): (قوله: (إيَّاكم والتنويه) لعلَّ المراد تنويه أمره وغيبته وتشهيرها عند المخالفين. قوله: (ولتمحِّصنَّ) محَّصت الذهب بالنار إذا أخلصته ممَّا يشوبه من الغشِّ، والتمحيص بالصاد المهملة الابتلاء والاختبار، والمقصود أنَّكم تُختبَرون بغيبته ليتميَّز الخبيث من الطيِّب. قوله: (حتَّى يقال: مات) الظاهر أنَّ هذا قول الشيعة المفتونين بطول الغيبة، أو أنَّ ما نزل عليهم من البؤس والقنوط ومشقَّة انتظار الفرج وإصابة البلاء والشدَّة وبعد رجاء الخلاص منه بظهور المنتظَر. وفيه إشارة إلى ما يقع في آخر الزمان عند قرب ظهور الحجَّة من الهرج والمرج وانتشار الظلم والجور والسبي والنهب والقتل والغارة وارتفاع الشبهة عن الخلق. قوله: (ولتكفأنَّ) يقال: كفأت الإناء، أي كببته وقلبته فهو مكفوء، وقيل: جاء اكفأت، والتشبيه من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس لزيادة الإيضاح. قوله: (فلا ينجو إلَّا من أخذ الله ميثاقه) فإنَّ من قبل ولايته وإمامته عند أخذ العهد والميثاق ينجو من أمواج بحار الفتن ويبقى على دينه ويصبر على الشدائد بعون الله. قوله: (وكتب في قلبه الإيمان) أي أثبته فيه حتَّى صار مستقرًّا لا يزول بالشُّبُهات ونزول النوائب والبليَّات، بخلاف الإيمان المستودع فإنَّه كثيراً ما يزول بتوارد الشكوك والتدليسات. قوله: (وأيَّده بروح منه) الضمير راجع إلى الله تعالى، والمراد بالروح المَلَك الموكَّل بالقلب، أو نوره، وهو نور إلهي يرى به صور المعقولات الحسنة والقبيحة فيتَّبع الأُولى ويجتنَّب عن الثانية، فلا تزلُّ قدمه بعد ثبوتها، أو القرآن فإنَّه روح القلب وحياته، يتميَّز به بين الحقِّ والباطل، أو البصيرة على ما ينفع وما يضرُّ، ويحتمل أنْ يعود الضمير إلى (الإيمان) فإنَّه سبب لحياة القلب، ولذلك سمَّاه روحه. قوله: (ولترفعنَّ اثنتا عشرة راية) هذا من علامات ظهور القائم (عليه السلام)، وعند هذه يقع الفساد في الخلق وانقطاع نظامهم بالكلّيَّة، وتضيق الأُمور عليهم. ولعلَّ المراد باشتباه تلك الرايات ادِّعاء صاحب كلِّ واحد أنَّه حقٌّ وغيره باطل، فيقع الاشتباه فيها ويتحيَّر الخلائق في أمر دينهم ودنياهم حتَّى لا يُدرى أيُّ رجل من أيِّ راية لتبدُّد النظام فيهم وانقطاع عنان الاجتماع وسلسلة الانضمام عنهم. ويحتمل أنْ يُراد باشتباهها تداخل بعضها على بعض حتَّى لا يُدرى أيُّ راية من أيِّ رجل، والله أعلم. قوله: (فكيف نصنع) عند ارتفاع تلك الرايات؟ وبِمَ نُميِّز بين المحقِّ والمبطل؟ فأجاب (عليه السلام) بأنَّ أمرنا عند ظهور الدولة القاهرة أظهر من الشمس، أو في قلوب المؤمنين، فلا يقع الالتباس بين الحقِّ والباطل كما لا يقع الالتباس بين النور والظلمة، فالعارفون عارفون بحقِّنا إيماناً وتصديقاً، والمنكرون منكرون لحقِّنا حسداً وعناداً).
↑صفحة ٢٢١↑
أمَا ترون - زادكم الله هدًى - هذا النهي عن التنويه باسم الغائب (عليه السلام) وذكره بقوله (عليه السلام): «إيَّاكم والتنويه»، وإلى قوله: «ليغيبنَّ سبتاً من دهركم، وليخملنَّ حتَّى يقال: مات، هلك، بأيِّ وادٍ سلك؟ ولتفيضنَّ عليه أعين المؤمنين، وليكفأنَّ كتكفُّؤ السفينة في أمواج البحر»؟ يريد (عليه السلام) بذلك ما يعرض للشيعة في أمواج الفتن المضلَّة المهولة، وما يتشعَّب من المذاهب الباطلة المتحيِّرة المتلدِّدة، وما يُرفَع من الرايات المشتبهة يعني للمدَّعين للإمامة من آل أبي طالب والخارجين منهم طلباً للرئاسة في كلِّ زمانٍ، فإنَّه لم يقل: مشتبهة إلَّا ممَّن كان من هذه الشجرة ممَّن يدَّعي ما ليس له من الإمامة ويشتبه على الناس أمره بنسبه، ويظنُّ ضعفاء الشيعة وغيرهم أنَّهم على حقٍّ إذا كانوا من أهل بيت الحقِّ والصدق، وليس كذلك، لأنَّ الله (عزَّ وجلَّ) قصر هذا الأمر - الذي تتلف نفوس ممَّن ليس له ولا هو من أهله ممَّن عصى الله في طلبه من أهل البيت، ونفوس من
↑صفحة ٢٢٢↑
يتبعهم على الظنِّ والغرور - على صاحب الحقِّ ومعدن الصدق الذي جعله الله له، لا يشركه فيه أحد، وليس لخلق من العالم ادِّعاؤه دونه، فثبَّت اللهُ المؤمنين مع وقوع الفتن وتشعُّب المذاهب وتكفُّؤ القلوب واختلاف الأقوال وتشتُّت الآراء ونكوب الناكبين عن الصراط المستقيم على نظام الإمامة وحقيقة الأمر وضيائه غير مغترِّين بلمع السراب والبروق الخوالب، ولا مائلين مع الظنون الكواذب حتَّى يُلحِق الله منهم من يلحق بصاحبه (عليه السلام) غير مبدِّل ولا مغيِّر، ويتوفَّى من قضى نحبه منهم قبل ذلك غير شاكٍّ ولا مرتاب، ويُوفِّي كلًّا منهم منزلته ويحلُّه مرتبته في عاجله وآجله، والله (جلَّ اسمه) نسأل الثبات، ونستزيده علماً، فإنَّه أجود المعطين، وأكرم المسؤولين.
* * *
↑صفحة ٢٢٣↑
فصل: [روايات متفرِّقة في الغيبة]
[١٤٤/١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ (رحمه الله)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عِيسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا فُقِدَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ فَاللهَ اللهَ فِي أَدْيَانِكُمْ، لَا يُزِيلَنَّكُمْ عَنْهَا، فَإِنَّهُ لَابُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَقُولُ بِهِ، إِنَّمَا هِيَ مِحْنَةٌ مِنَ الله يَمْتَحِنُ اللهُ بِهَا خَلْقَهُ، وَلَوْ عَلِمَ آبَاؤُكُمْ وَأَجْدَادُكُمْ دِيناً أَصَحَّ مِنْ هَذَا الدِّينِ لَاتَّبَعُوهُ».
قَالَ: قُلْتُ: يَا سَيِّدِي، مَنِ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ السَّابِعِ؟
فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، عُقُولُكُمْ تَصْغُرُ(٧٠٦) عَنْ هَذَا، وَأَحْلَامُكُمْ تَضِيقُ عَنْ حَمْلِهِ، وَلَكِنْ إِنْ تَعِيشُوا فَسَوْفَ تُدْرِكُونَهُ»(٧٠٧)،(٧٠٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٠٦) في بعض النُّسَخ: (تضعف).
(٧٠٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٦/ باب في الغيبة/ ح ٢)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١١٣/ ح ١٠٠)، والهداية الكبرى (ص ٣٦١)، وإثبات الوصيَّة (ص ٢٦٥ و٢٧٠ و٢٧١)، وكمال الدِّين (ص ٣٥٩ و٣٦٠/ باب ٣٤/ ح ١)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ٢٤٤ و٢٤٥/ باب ١٧٨/ ح ٤)، ودلائل الإمامة (ص ٥٣٤/ ح ٥١٦/١٢٠)، وكفاية الأثر (ص ٢٦٨ و٢٦٩)، والغيبة للطوسي (ص ١٦٦ و١٦٧/ ح ١٢٨).
(٧٠٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٥٠ و٢٥١): (قوله: (فالله الله في أديانكم): (الله) منصوب بفعل مضمر، والتكرير للتأكيد، أي احفظوا الله، أو أطيعوا في طاعتكم أو في أُموركم أو في سُبُلكم وطرائقكم، لأنَّ كلَّ ما جاء به النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ←
↑صفحة ٢٢٤↑
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ فهو سبيل وطريق إلى الله تعالى، و(الدِّين) يُطلَق على كلِّ واحدٍ كما يُطلَق على المجموع، والمقصود هو الأمر برعاية جانب الله (عزَّ شأنه) فيها وطلب رضاه. ثمّ أكَّده بقوله: (لا يزيلكم عنها أحد) من شياطين الجنِّ والإنس بالخدعة والمكر والوعيد وإلقاء الشُّبُهات وأنواع التدليسات والتلبيسات. قوله: (يا بَنِيَّ) بفتح الباء وكسر النون على صيغة الجمع بقرينة قوله: (ولو علم آباؤكم) وهو خطاب مع أولاده، وليس على صيغة الإفراد خطاباً مع أخيه عليِّ بن جعفر، لإباء السياق، وعدم صحَّته بدون التجوُّز. قوله: (إنَّما هي محنة) المحنة بكسر الميم واحدة المِحَن التي يُمتحَن بها الإنسان من بليَّة وشدَّة محنة، وامتحنته أي اختبرته، والاسم المحنة، وقد جرت كلمة الله تعالى على اختبار الناس بأنواع المِحَن والبلايا ليُميِّز الجيِّد من الردي ويظهر الصابر وغيره، كما قال (جلَّ شأنه): ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ الله﴾ [البقرة: ٢١٤]، وقال: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ٢]، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة. فإنْ قلت: حقيقة الاختبار طلب الخبر بالشيء ومعرفته لمن لا يكون عارفاً به، والله سبحانه عالم بمضمرات القلوب وخفيَّات الغيوب، فالمطيع في علمه متميِّز من العاصي، فما معنى الاختبار في حقِّه؟ قلنا: اختباره تعالى ليس إلَّا ليعلم غيره من خلقه طاعة من يطيع وعصيان من يعصي، ويتميَّز ذلك عنده، فهو من باب الكناية، لأنَّ التميُّز من لوازم الاختبار وعوارضه فأُطلق الملزوم وأُريد به اللازم، كما هو شأن الكناية. أو قلنا: اختباره تعالى استعارة بتشبيه فعله هذا ليُثيب المطيع ثواباً جزيلاً ويُعذِّب العاصي عذاباً وبيلاً باختبار الإنسان لعبيده ليتميَّز عنده المطيع والعاصي ليُثيب المطيع ويكرمه ويُعذِّب العاصي ويهينه، فأُطلق على فعله تعالى الاختبار مجازاً. قوله: (ولو علم آباؤكم وأجدادكم ديناً أصحَّ من هذا لاتَّبعوه) دلَّ على أنَّ هذا الدِّين أصحّ الأديان، وليس دين أصحّ منه وإلَّا لاتَّبعه الصالحون المطهَّرون الذين شأنهم طلب الأصحّ والأفضل واتِّباع الأشرف والأكمل. ولعلَّ التفضُّل هنا مجرَّد عن معناه، فلا يلزم ثبوت الصحَّة لغير هذا الدِّين، وفيه حثٌّ على التمسُّك به وعدم مفارقته، وتأكيد لما مرَّ من قوله: (لا يزيلكم عنها أحد). قوله: (قال: فقلت) فاعل الفعلين عليُّ بن جعفر. قوله: ←
↑صفحة ٢٢٥↑
[١٤٥/٢] أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ اِبْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قَالَ لِي: «يَا أَبَا الْجَارُودِ، إِذَا دَارَ الْفَلَكُ وَقَالُوا: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، وَبِأَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟ وَقَالَ الطَّالِبُ لَهُ: أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَقَدْ بَلِيَتْ عِظَامُهُ؟ فَعِنْدَ ذَلِكَ فَارْتَجُوهُ، وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَأْتُوهُ وَلَوْ حَبْواً(٧٠٩) عَلَى الثَّلْجِ»(٧١٠).
[١٤٦/٣] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ الْقَائِمَ إِذَا قَامَ يَقُولُ النَّاسُ: أَنَّى ذَلِكَ وَقَدْ بَلِيَتْ عِظَامُهُ؟!».
[١٤٧/٤] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَلَّابِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ (من ولد السابع) كأنَّه سأل عن حقيقته وحقيقة صفاته المختصَّة به لا عن اسمه واسم أبيه، ولذلك أجاب (عليه السلام) بأنَّ عقولكم قاصرة عن إدراكه على هذا الوجه، لأنَّ حقيقة الإمام وصفاته لا يعلمها إلَّا الله سبحانه كما مرَّ سابقاً. قوله: (يا بَنِيَّ) الظاهر أنَّه على صيغة الجمع، وأنَّ عليَّ بن جعفر يدخل في الخطاب على سبيل التغليب. قوله: (ولكن إنْ تعيشوا فسوف تُدرِكونه)، لا يقال: كيف يُدرِكونه مع فقده؟ لأنَّا نقول: معناه: فسوف تُدرِكون زمانه، أو فسوف تُدرِكونه قبل فقده وغيبته، أو نقول: معناه: إنْ تعيشوا وتبقوا على هذا الدِّين فسوف تُدرِكونه بعد الظهور بالرجعة، وفيه بعد، والله أعلم).
(٧٠٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ١٣٦): (الحبو: أنْ يمشي على يديه وركبتيه أو أسته).
(٧١٠) كمال الدِّين (ص ٣٢٦/ باب ٣٢/ ح ٥).
↑صفحة ٢٢٦↑
قَالَ: ذُكِرَ الْقَائِمُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقَالَ: «أَمَا إِنَّهُ لَوْ قَدْ قَامَ لَقَالَ النَّاسُ: أَنَّى يَكُونُ هَذَا وَقَدْ بَلِيَتْ عِظَامُهُ مُذْ كَذَا وَكَذَا؟!»(٧١١).
[١٤٨/٥] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ الْعَبَّاسِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَّامٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْخَشَّابِ(٧١٢)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، عَنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي مَثَلُ نُجُومِ السَّمَاءِ، كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ حَتَّى إِذَا نَجْمٌ مِنْهَا طَلَعَ فَرَمَقْتُمُوهُ بِالْأَعْيُنِ، وَأَشَرْتُمْ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، أَتَاهُ مَلَكُ المَوْتِ فَذَهَبَ بِهِ(٧١٣)، ثُمَّ لَبِثْتُمْ فِي ذَلِكَ(٧١٤) سَبْتاً مِنْ دَهْرِكُمْ، وَاسْتَوَتْ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، وَلَمْ يُدْرَ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَبْدُو نَجْمُكُمْ، فَاحْمَدُوا اللهَ وَاقْبَلُوهُ».
[١٤٩/٦] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى وَعَبْدُ الله بْنُ عَامِرٍ الْقَصَبَانِيُّ جَمِيعاً، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنِ الْخَشَّابِ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «إِنَّمَا مَثَلُ أَهْلِ بَيْتِي فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَثَلِ نُجُومِ السَّمَاءِ، كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ حَتَّى إِذَا مَدَدْتُمْ إِلَيْهِ حَوَاجِبَكُمْ، وأَشَرْتُمْ إِلَيْهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧١١) الغيبة للطوسي (ص ٤٢٣/ ح ٤٠٦).
(٧١٢) يعني بـ(عبد الرحمن) عبد الرحمن بن أبي نجران، وبـ(الخشاب) الحجَّاج الخشَّاب، كما نصَّ عليهما في (كمال الدِّين).
(٧١٣) المراد بطلوع نجم بعد غيبوبة آخر ظهور إمام بعد وفاة الآخر، فإذا ظهر أتاه مَلَك الموت. والمراد بقوله: (ثمّ لبثتم في ذلك) عدم ظهور ولادة القائم (عليه السلام) للعامَّة حتَّى تحيَّروا ولم يعرفوا شخص الإمام. وطلع نجم يعني ظهر القائم بعد الحيرة والغيبة.
(٧١٤) في بعض النُّسَخ: (لبثتم فيه).
↑صفحة ٢٢٧↑
بِالْأَصَابِعِ، أَتَاهُ(٧١٥) مَلَكُ المَوْتِ فَذَهَبَ بِهِ(٧١٦)، ثُمَّ بَقِيتُمْ سَبْتاً مِنْ دَهْرِكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيًّا مِنْ أَيٍّ، فَاسْتَوَى فِي ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَبَيْنَمَا أَنْتُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَطْلَعَ اللهُ عَلَيْكُمْ نَجْمَكُمْ، فَاحْمَدُوهُ وَاقْبَلُوهُ».
[١٥٠/٧] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّمَا نَحْنُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ كُلَّمَا غَابَ نَجْمٌ طَلَعَ نَجْمٌ، حَتَّى إِذَا أَشَرْتُمْ بِأَصَابِعِكُمْ، وَمِلْتُمْ بِحَوَاجِبِكُمْ، غَيَّبَ اللهُ عَنْكُمْ نَجْمَكُمْ، فَاسْتَوَتْ بَنُو عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَلَمْ يُعْرَفْ أَيٌّ مِنْ أَيٍّ، فَإِذَا طَلَعَ نَجْمُكُمْ فَاحْمَدُوا رَبَّكُمْ»(٧١٧)،(٧١٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧١٥) في بعض النُّسَخ: (جاء).
(٧١٦) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٢٣): (ليس المراد ذهاب مَلَك الموت به (عليه السلام) بقبض روحه، بل كان مع روح القُدُس عندما غاب به).
(٧١٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٨/ باب في الغيبة/ ح ٨).
(٧١٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٥٩ و٢٦٠): (قوله: (إنَّما نحن كنجوم السماء) شبَّه الإمام بالنجم، وأشار إلى وجه التشبيه بقوله: (كلَّما غاب نجم طلع نجم)، والغرض منه أنَّه لابدَّ من إمام بعد إمام، وأنَّ الأرض لا تخلو منه، فإذا لم يكن الإمام ظاهراً وجب أنْ يكون محتجباً بحجاب الغيبة كالنجم المحتجب بالسحاب، ويلزم من هذا التشبيه تشبيه سماء الدِّين بسماء الدنيا في لزوم ظهورها بعد ذهاب آخر. قوله: (حتَّى إذا أشرتم بأصابعكم وملتم بأعناقكم) في بعض النُّسَخ: (بحواجبكم)، الإشارة بالأصابع والميل بالأعناق كنايتان عن الشهرة والزيارة وهما من أسباب غيبة الإمام عن شيعته ليحفظ نفسه المعصومة ونفوسهم المحترمة عن شرِّ الأعداء. قوله: (فاستوت بنو عبد المطَّلب فلم يُعرَف أيٌّ من أيٍّ) لعلَّ المراد أنَّهم قاموا بالرايات ووقع التحارب والاختلاط بينهم حتَّى لا يُعرَف أيٌّ رجل من أيِّ راية، أو لا يُعرَف أيُّ راية من أيِّ رجل، ونُقِلَ عن الفاضل الأسترآبادي أنَّ قوله: (فاستوت بنو عبد المطَّلب) إشارة إلى أنَّ كلَّهم بعد الغيبة رعيَّة بلا رئيس، وأنَّ قوله: (فلم يُعرَف أيٌّ من أيٍّ) ناظر إلى الاختلاف المشاهد في هذا الزمان، فإنَّ أهل السُّنَّة والزيديَّة يقولون: هو محمّد بن عبد الله، ثمّ اختلفوا في أنَّه حسني أو حسيني. قوله: (فإذا طلع نجمكم فاحمدوا ربَّكم) المراد بطلوع النجم ظهور صاحب الأمر (عليه السلام)، وهو من أجلّ نعماء الله تعالى على عباده، لكونه سبب الخصب والرخاء ورفاهة العيش واستقامة النفوس ورواج الدِّين ورفع الظلم والجور، فيجب الحمد والثناء له تعالى شأنه).
↑صفحة ٢٢٨↑
[١٥١/٨] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِيهِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ وُلْدِي هُوَ الَّذِي يُقَالُ: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، لَا، بَلْ فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟»(٧١٩).
[١٥٢/٩] وَبِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): مَا عَلَامَةُ الْقَائِمِ؟
قَالَ: «إِذَا اسْتَدَارَ الْفَلَكُ، فَقِيلَ: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، ثُمَّ يَكُونُ مَا ذَا؟
قَالَ: «لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِالسَّيْفِ».
[١٥٣/١٠] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ، عَنْ زَائِدَةَ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) الْقَائِمُ، فَقَالَ: «أَنَّى يَكُونُ ذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَدِرِ الْفَلَكُ حَتَّى يُقَالَ: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟».
فَقُلْتُ: وَمَا اسْتِدَارَةُ الْفَلَكِ؟
فَقَالَ: «اخْتِلَافُ الشِّيعَةِ بَيْنَهُمْ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧١٩) الغيبة للطوسي (ص ٤٢٥/ ح ٤٠٩).
↑صفحة ٢٢٩↑
وهذه الأحاديث دالَّة على ما قد آلت إليه أحوال الطوائف المنتسبة إلى التشيُّع ممَّن خالف الشرذمة المستقيمة على إمامة الخلف بن الحسن بن عليٍّ (عليه السلام)، لأنَّ الجمهور منهم من يقول في الخلف: أين هو؟ وأنَّى يكون هذا؟ وإلى متى يغيب؟ وكم يعيش هذا؟ وله الآن نيِّف وثمانون سنة، فمنهم من يذهب إلى أنَّه ميِّت، ومنهم من يُنكِر ولادته ويجحد وجوده بواحدة(٧٢٠)، ويستهزئ بالمصدِّق به، ومنهم من يستبعد المدَّة ويستطيل الأمد، ولا يرى أنَّ الله في قدرته، ونافذ سلطانه، وماضى أمره وتدبيره، قادر على أنْ يمدَّ لوليِّه في العمر كأفضل ما مدَّه ويمدُّه لأحد من أهل عصره وغير أهل عصره، ويظهر بعد مضيِّ هذه المدَّة وأكثر منها، فقد رأينا كثيراً من أهل زماننا ممَّن عمَّر مائة سنة وزيادة عليها، وهو تامُّ القوَّة، مجتمع العقل، فكيف يُنكر لحجَّة الله أنْ يُعمّره أكثر من ذلك؟ وأنْ يجعل ذلك من أكبر آياته التي أفرده بها من بين أهله، لأنَّه حجَّته الكبرى التي يُظهِر دينه على كلِّ الأديان ويغسل بها الأرجاس(٧٢١) والأدران(٧٢٢)، كأنَّه لم يقرأ في هذا القرآن قصَّة موسى (عليه السلام) في ولادته، وما جرى على النساء والصبيان بسببه من القتل والذبح حتَّى هلك في ذلك الخلق الكثير تحرُّزاً من واقع قضاء الله، ونافذ أمره، حتَّى كوَّنه الله (عزَّ وجلَّ) على رغم أعدائه، وجعل الطالب له المفني لأمثاله من الأطفال بالقتل والذبح بسببه هو الكافل له والمربِّي، وكان من قصَّته في نشوئه وبلوغه وهربه في ذلك الزمان الطويل ما قد نبَّأنا الله في كتابه حتَّى حضر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٢٠) يعني يُنكِر أصل وجوده رأساً.
(٧٢١) الأرجاس: جمع رجس، في العين للفراهيدي (ج ٦/ ص ٥٢/ مادَّة رجس): (رجس: كلُّ شيء يُستقذَر. وفي بعض النُّسَخ: (الأنجاس)، وهو جمع نجس.
(٧٢٢) الأدران: جمع درن، في الصحاح للجوهري (ج ٥/ ص ٢١١٢/ مادَّة درن): (الدرن: الوسخ).
↑صفحة ٢٣٠↑
الوقت الذي أذن الله (عزَّ وجلَّ) في ظهوره فظهرت ﴿سُنَّةَ الله الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلاً﴾ [الفتح: ٢٣].
فاعتبروا يا أُولي الأبصار، واثبتوا أيُّها الشيعة الأخيار، على ما دلَّكم الله عليه وأرشدكم إليه، واشكروه على ما أنعم به عليكم، وأفردكم بالحظوة فيه، فإنَّه أهل الحمد والشكر.
* * *
↑صفحة ٢٣١↑
فصل: [روايات في ذكر الغيبة والفترة والحيرة]
[١٥٤/١] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ النَّاشِرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ فُضَيْلٍ الصَّائِغِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا فَقَدَ النَّاسُ الْإِمَامَ مَكَثُوا سِنِيناً لَا يَدْرُونَ أَيًّا مِنْ أَيٍّ، ثُمَّ يُظْهِرُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لَهُمْ صَاحِبَهُمْ».
[١٥٥/٢] وَبِهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): يَكُونُ فَتْرَةٌ لَا يَعْرِفُ المُسْلِمُونَ فِيهَا إِمَامَهُمْ؟
فَقَالَ: «يُقَالُ ذَلِكَ».
قُلْتُ: فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟
قَالَ: «إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَتَمَسَّكُوا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُبَيَّنَ لَكُمُ الْآخِرُ»(٧٢٣).
[١٥٦/٣] وَبِهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الصَّيْقَلِ، عَنْ أَبِيهِ مَنْصُورٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «إِذَا أَصْبَحْتَ وَأَمْسَيْتَ يَوْماً لَا تَرَى فِيهِ إِمَاماً مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ فَأَحْبِبْ مَنْ كُنْتَ تُحِبُّ، وَأَبْغِضْ مَنْ كُنْتَ تُبْغِضُ، وَوَالِ مَنْ كُنْتَ تُوَالِي، وَانْتَظِرِ الْفَرَجَ صَبَاحاً وَمَسَاءً».
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَطَّارِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مَنْصُورٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٢٣) كمال الدِّين (ص ٣٥١/ باب ٣٣/ ح ٤٧).
↑صفحة ٢٣٢↑
عَمَّنْ ذَكَرَهُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، مِثْلَهُ(٧٢٤)،(٧٢٥).
[١٥٧/٤] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَالْحَسَنُ بْنُ ظَرِيفٍ جَمِيعاً، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الله اِبْنِ سِنَانٍ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا صِرْتُمْ فِي حَالٍ لَا تَرَوْنَ فِيهَا إِمَامَ هُدًى، ولَا عَلَماً يُرَى، فَلَا يَنْجُو مِنْ تِلْكَ الْحَيْرَةِ إِلَّا مَنْ دَعَا بِدُعَاءِ الْغَرِيقِ(٧٢٦)».
فَقَالَ أَبِي: هَذَا وَالله الْبَلَاءُ، فَكَيْفَ نَصْنَعُ - جُعِلْتُ فِدَاكَ - حِينَئِذٍ؟
قَالَ: «إِذَا كَانَ ذَلِكَ - وَلَنْ تُدْرِكَهُ - فَتَمَسَّكُوا بِمَا فِي أَيْدِيكُمْ حَتَّى يَتَّضِحَ لَكُمُ الْأَمْرُ»(٧٢٧).
[١٥٨/٥] وَبِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى وَالْحَسَنِ بْنِ ظَرِيفٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ المُغِيرَةِ النَّصْرِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّا نَرْوِي بِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ يُفْقَدُ زَمَاناً، فَكَيْفَ نَصْنَعُ عِنْدَ ذَلِكَ؟
قَالَ: «تَمَسَّكُوا بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يُبَيَّنَ لَكُمْ».
[١٥٩/٦] مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، بِإِسْنَادِهِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٢٤) الكافي (ج ١/ ص ٣٤٢/ باب في الغيبة/ ح ٢٨)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٢٧/ ح ١٢٨)، وكمال الدِّين (ص ٣٤٨/ باب ٣٣/ ح ٣٧).
(٧٢٥) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٧٠): (قوله: (فأحبّ من كنت تُحِبُّ) يعني أنَّك تعلم أنَّ الأرض لا تخلو من إمام من أهل بيت نبيِّك فأحبّه وإنْ لم تعرفه بخصوصه وشخصه فإنَّ ذلك يكفيك حتَّى يُظهِره الله (عزَّ وجلَّ)، فإذا أظهره أطعه واتَّبعه واعرفه بشخصه).
(٧٢٦) في بعض النُّسَخ وبحار الأنوار: (الحريق).
(٧٢٧) الإمامة والتبصرة (ص ١٢٧/ح ١٢٩)، كمال الدِّين (ص ٣٤٨ و٣٤٩/باب ٣٣/ح ٤٠).
↑صفحة ٢٣٣↑
الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُصِيبُهُمْ فِيهَا سَبْطَةٌ، يَأْرِزُ الْعِلْمُ فِيهَا كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ نَجْمٌ».
قُلْتُ: فَمَا السَّبْطَةُ؟
قَالَ: «الْفَتْرَةُ».
قُلْتُ: فَكَيْفَ نَصْنَعُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ؟
فَقَالَ: «كُونُوا عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يُطْلِعَ اللهُ لَكُمْ نَجْمَكُمْ»(٧٢٨)،(٧٢٩).
[١٦٠/٧] وَبِهِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا وَقَعَتِ السَّبْطَةُ بَيْنَ المَسْجِدَيْنِ، فَيَأْرِزُ الْعِلْمُ فِيهَا كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا، وَاخْتَلَفَتِ الشِّيعَةُ بَيْنَهُمْ، وَسَمَّى بَعْضُهُمْ بَعْضاً كَذَّابِينَ، وَيَتْفُلُ بَعْضُهُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ؟».
فَقُلْتُ: مَا عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ خَيْرٍ؟
قَالَ: «الْخَيْرُ كُلُّهُ عِنْدَ ذَلِكَ» يَقُولُهُ ثَلَاثاً، وَيُرِيدُ قُرْبَ الْفَرَجِ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ (رحمه الله)، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ رِجَالِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٢٨) كمال الدِّين (ص ٣٤٩/ باب ٣٣/ ح ٤١).
(٧٢٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ١٣٤ و١٣٥): (قال الفيروزآبادي: أسبط: سكت فرقاً، وبالأرض: لصق وامتدَّ من الضرب، وفي نومه: غمَّض، وعن الأمر: تغابى، وانبسط، ووقع، فلم يقدر أنْ يتحرَّك، انتهى. وفي الكافي في خبر [أبان] ابن تغلب: «كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين، فيأرز العلم» فيكون إشارة إلى جيش السفياني واستيلائهم بين الحرمين، وعلى ما في الأصل لعلَّ المعنى يأرز العلم بسبب ما يحدث بين المسجدين، أو يكون خفاء العلم في هذا الموضع أكثر بسبب استيلاء أهل الجور فيه. وقال الجزري: فيه: أنَّ الإسلام ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحيَّة إلى جحرها، أي ينضمُّ إليه ويجتمع بعضه إلى بعض فيها).
↑صفحة ٢٣٤↑
مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ(٧٣٠)، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «كَيْفَ أَنْتَ إِذَا وَقَعَتِ الْبَطْشَةُ(٧٣١)؟»، وذَكَرَ مِثْلَهُ بِلَفْظِهِ(٧٣٢)،(٧٣٣).
[١٦١/٨] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ أَبُو سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ اِبْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَا أَبَانُ، يُصِيبُ الْعَالَمَ سَبْطَةٌ، يَأْرِزُ الْعِلْمُ بَيْنَ المَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٣٠) هو عليُّ بن الحسن الطاطري الواقفي الموثَّق، كما في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٥١). وفي بعض النُّسَخ: (عليُّ بن الحسين).
(٧٣١) في بعض النُّسَخ: (السبطة).
(٧٣٢) الكافي (ج ١/ ص ٣٤٠/ باب في الغيبة/ ح ١٧).
(٧٣٣) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٥ و٢٦٦): (قوله: (كيف أنت إذا وقعت البطشة بين المسجدين)، كيف: سؤال عن الحال، والبطشة: الأخذ القوي الشديد، والمسجدين: مسجد مكَّة ومسجد المدينة، والأرز - بالراء ثمّ الزاء المعجمة -: الاجتماع والانضمام، والعَلَم - بالتحريك -: الراية، والجُحْر - بضمِّ الجيم ثمّ سكون الحاء المهملة -: بيت الضبِّ والحيَّة واليربوع، والتفل: شبيه بالبزاق، وهو أقلّ منه، أوَّله البزق ثمّ التفل ثمّ النفث ثمّ النفخ، ولعلَّ هذا إشارة إلى وقعة الحسني واليماني والسفياني بين المسجدين وإلى ظهور الفتن والمِحَن من تراكم العساكر المختلفة وارتفاع الرايات المشتبهة في عراق العرب، بل في أقطار الأرض كلِّها، ومن الشيعة ابن بغيٍّ صاحب برقع، ودلالة السفياني وعساكره الملعونة على الشيعة ومنازلهم حتَّى يهربون من صدمتهم إلى قلل الجبال والمغارات، وعند ذلك يقولون استبطاءً لخروج المهدي (عليه السلام) واستبعاداً له: مات، هلك، أيَّ وادٍ سلك؟ فإذا بلغت الفتنة إلى هذه المراتب وعمَّت البليَّة والنوائب أظهره الله تعالى بين الركن والمقام، فيقمع الكفرة بسيف الانتقام، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً، وإليه أشار (عليه السلام) في آخر الحديث بقوله: «الخير كلُّه عند ذلك»، وأراد به ظهور المهدي (عليه السلام) وما يترتَّب عليه من منافع العباد).
↑صفحة ٢٣٥↑
قُلْتُ: فَمَا السَّبْطَةُ؟
قَالَ: «دُونَ الْفَتْرَةِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ لَهُمْ نَجْمُهُمْ».
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَكَيْفَ نَصْنَعُ؟ وَكَيْفَ يَكُونُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ؟
فَقَالَ لِي: «مَا أَنْتُمْ(٧٣٤) عَلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللهُ بِصَاحِبِهَا».
هذه الروايات التي قد جاءت متواترة تشهد بصحَّة الغيبة، وباختفاء العلم، والمراد بالعلم الحجَّة للعالم، وهي مشتملة على أمر الأئمَّة (عليهم السلام) للشيعة بأنْ يكونوا فيها على ما كانوا عليه لا يزالون ولا ينتقلون، بل يثبتون ولا يتحوَّلون، ويكونون متوقِّعين لما وُعِدُوا به، وهم معذورون في أنْ لا يروا حجَّتهم وإمام زمانهم في أيَّام الغيبة، ويُضيَّق عليهم في كلِّ عصر وزمان قبله ألَّا يعرفونه بعينه واسمه ونسبه، ومحظور(٧٣٥) عليهم الفحص والكشف عن صاحب الغيبة والمطالبة باسمه أو موضعه أو غيابه أو الإشادة بذكره(٧٣٦)، فضلاً عن المطالبة بمعاينته، وقال لنا: «إيَّاكم والتنويه»، و«كونوا على ما أنتم عليه»، و«إيَّاكم والشكَّ»، فأهل الجهل الذين لا علم لهم بما أتى عن الصادقين (عليهم السلام) من هذه الروايات الواردة للغيبة وصاحبها يطالبون بالإرشاد إلى شخصه والدلالة على موضعه، ويقترحون(٧٣٧) إظهاره لهم، ويُنكِرون غيبته؛ لأنَّهم بمعزل(٧٣٨) عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٣٤) كذا، وفيه سقط، والسقط ظاهراً (كونوا على) بقرينة ما تقدَّم وما يأتي.
(٧٣٥) في لسان العرب (ج ٤/ ص ٢٠٢/ مادَّة حظر): (الحَظْرُ: الحَجْرُ، وهو خلاف الإِباحَةِ. والمَحْظُورُ : المُحَرَّمُ. حَظَرَ الشيءَ يَحْظُرُه حَظْراً وحِظاراً وحَظَرَ عليه: منعه، وكلُّ ما حال بينك وبين شيء، فقد حَظَرَه عليك).
(٧٣٦) في الصحاح للجوهري (ج ٢/ص ٤٩٥/مادَّة شيد): (أشاد بذكره، أي رفع من قدره).
(٧٣٧) في لسان العرب (ج ٢/ ص ٥٥٨/ مادَّة قرح): (اقْتَرَحَ عليه بكذا: تَحَكَّم وسأَل من غير رَوِيَّة).
(٧٣٨) بمعزل عنه: أي مجانب له، بعيد عنه. راجع: لسان العرب (ج ١١/ص ٤٤٠/مادَّة عزل).
↑صفحة ٢٣٦↑
العلم، وأهل المعرفة مسلِّمون لما أُمروا به، ممتثلون له، صابرون على ما نُدِبُوا إلى الصبر عليه، وقد أوقفهم العلم والفقه مواقف الرضا عن الله، والتصديق لأولياء الله، والامتثال لأمرهم، والانتهاء عمَّا نهوا عنه، حذرون ما حذَّر الله في كتابه من مخالفة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمَّة (عليهم السلام) الذين هم في وجوب الطاعة بمنزلته لقوله: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: ٦٣]، ولقوله: ﴿أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩]، ولقوله: ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [المائدة: ٩٢].
وفي قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل - حديث عبد الله بن سنان -: «كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علماً يُرى»، دلالة على ما جرى وشهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الإمام (عليه السلام) وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم، وانقطاع نظامهم، لأنَّ السفير بين الإمام في حال غيبته وبين شيعته هو العلم، فلمَّا تمَّت المحنة على الخلق ارتفعت الأعلام ولا تُرى حتَّى يظهر صاحب الحقِّ (عليه السلام)، ووقعت الحيرة التي ذُكِرَت وآذننا بها أولياء الله، وصحَّ أمر الغيبة الثانية التي يأتي شرحها وتأويلها فيما يأتي من الأحاديث بعد هذا الفصل، نسأل الله أنْ يزيدنا بصيرةً وهدًى، ويُوفِّقنا لما يرضيه برحمته.
* * *
↑صفحة ٢٣٧↑
فصل: [روايات في شَبَه الإمام (عجَّل الله فرجه) بالأنبياء (عليهم السلام)]
[١٦٢/١] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ هَذِهِ الْعِصَابَةُ مِنَ الله، وَأَرْضَى مَا يَكُونُ عَنْهُمْ إِذَا افْتَقَدُوا حُجَّةَ الله، فَحُجِبَ عَنْهُمْ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ، وَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَكَانِهِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَعْلَمُونَ وَيُوقِنُونَ أَنَّهُ لَمْ تَبْطُلْ حُجَّةُ الله وَلَا مِيثَاقُهُ، فَعِنْدَهَا تَوَقَّعُوا الْفَرَجَ صَبَاحاً ومَسَاءً، فَإِنَّ أَشَدَّ مَا يَكُونُ غَضَبُ الله عَلَى أَعْدَائِهِ إِذَا افْتَقَدُوا حُجَّتَهُ فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ، وَقَدْ عَلِمَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ لَا يَرْتَابُونَ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَرْتَابُونَ مَا غَيَّبَ حُجَّتَهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ عَنْهُمْ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى رَأْسِ شِرَارِ النَّاسِ».
[١٦٣/٢] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ.
قَالَ الْكُلَيْنِيُّ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعِبَادُ مِنَ الله (عزَّ وجلَّ) وَأَرْضَى مَا يَكُونُ عَنْهُمْ إِذَا افْتَقَدُوا حُجَّةَ الله (جَلَّ وَعَزَّ) وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِمَكَانِهِ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَمْ تَبْطُلْ حُجَّةُ الله (جَلَّ ذِكْرُهُ) وَلَا مِيثَاقُهُ، فَعِنْدَهَا فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ صَبَاحاً وَمَسَاءً، فَإِنَّ أَشَدَّ مَا يَكُونُ غَضَبُ الله (عزَّ وجلَّ) عَلَى أَعْدَائِهِ إِذَا افْتَقَدُوا حُجَّةَ الله فَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ(٧٣٩)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٣٩) في الكافي: (إذا افتقدوا حجَّته ولم يظهر لهم).
↑صفحة ٢٣٨↑
وَقَدْ عَلِمَ اللهُ أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ لَا يَرْتَابُونَ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُمْ يَرْتَابُونَ مَا غَيَّبَ حُجَّتَهُ عَنْهُمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا عَلَى رَأْسِ شِرَارِ النَّاسِ»(٧٤٠)،(٧٤١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٤٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٣/ باب نادر في الغيبة/ ح ١)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٢٣/ ح ١٢٠)، وكمال الدِّين (ص ٣٣٧ و٣٣٩/ باب ٣٣/ ح ١٠ و١٦ و١٧)، وتقريب المعارف (ص ٤٣٠)، والغيبة للطوسي (ص ٤٥٧/ ح ٤٦٨).
(٧٤١) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٣٨ و٢٣٩): (قوله: (أقرب ما يكون العباد) دلَّ على أنَّ أقرب العباد منه تعالى في زمان غيبة الإمام إذا كانوا عارفين بحقِّه أزيد وأكمل، ورضاه تعالى عنهم، وإضافة الرحمة عليهم إذا كانوا تابعين له أعظم وأشمل، وذلك ليتمهم وانتظارهم وتحسُّرهم وأسرهم وخوفهم على الأنفس والأموال من تغلُّب الكُفَّار وتسلُّط الأشرار عليهم، ولأنَّ الإيمان بالغيب دلَّ على ضياء عقولهم ولطف قرائحهم ولينة طبائعهم وصفاء عقيدتهم وكمال هدايتهم، وكلُّ ذلك موجب لزيادة القرب من الحقِّ وكمال رضاه. وفي طُرُق العامَّة عن ابن مسعود، قال: إنَّ أمر محمّد كان بيِّناً لمن رآه، والذي لا إله غيره ما آمن أحد أفضل من إيمان بغيب، ثمّ تلا قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ [البقرة: ٣]، قال الطيبي: معنى هذا الحديث مخرج في سُنَن الدارمي عن أبي عبيدة بن الجرَّاح قال: يا رسول الله، أحد خير منَّا؟ أسلمنا وجاهدنا معك، قال: «نعم هم قوم يكونون بعدكم يؤمنون بي ولا يروني»، وأنت خبير بأنَّ هذا الحكم غير مختصٍّ بالنبيِّ، بل يجري في إمام بعده. قوله: (يعلمون أنَّه لم تبطل حجَّة الله) أي يعلمون بالبراهين العقليَّة والأحاديث النبويَّة أنَّه لم تبطل حجَّة الله (عزَّ ذكره) في الأرض ولا ميثاقه وعهده في الحجَّة، بل هما باقيان في الخلق ودائمان فيهم ما دامت الدنيا، فلذلك يؤمنون بالإمام وإنْ لم يروه، ويعتقدون بوجوده وإنْ لم يشاهدوه. قوله: (فتوقَّعوا الفرج صباحاً ومساءً) لوجوب ظهوره في وقت ما لدفع الظلم والجور ونصرة دين الحقِّ وأهله، ولكن لـمَّا لم نعلم ذلك الوقت بخصوصه واحتمل كلُّ جزء من أجزاء الزمان أنْ يكون ذلك الوقت لابدَّ لنا من توقُّع الفرج في جميع الأوقات، وإنَّما ذكر الصباح والمساء لشيوعهما في التعارف وإحاطتهما بسائر الأوقات. قوله: (فإنَّ أشدَّ ما يكون) دليل لتوقُّع الفرج، ولعلَّ وجه ذلك مع أنَّ الظاهر أنْ يكون الغضب عليهم عند ظهور الحجَّة وعدم ايمانهم به أشدّ وأجدر ولحوق النكال بهم أحرى وأظهر لكون الحجَّة عليهم حينئذٍ أقوى وأكمل من عدم ظهوره بسبب سوء صنيعهم واعوجاج طبيعتهم حتَّى حرم المستعدُّون للهداية والقابلون للفهم والدراية عن مشاهدة جماله وملاحظة كماله، فلذلك كان الغضب عليهم حال الغيبة أشدّ. قوله: (وقد علم أنَّ أولياءه) أي أولياء الحجَّة، وهذا دفع لما عسى أنْ يقال من أنَّ إخفاء الحجَّة موجب لإضلال الخلق ورفع اللطف عنهم ولا يجوز شيء من ذلك، ووجه الدفع ظاهر، وحاصله أنَّ ذلك إنَّما يلزم لو كان أحد من أوليائه يرتاب فيه بعد الغيبة، وليس كذلك، فلا مفسدة في الغيبة وإنَّما هي محض المصلحة، وهي حفظ النفس المعصومة أو غيرها. قوله: (ولا يكون ذلك إلَّا على رأس شرار الناس) دلَّ على أنَّ ظهوره لا يكون إلَّا عند فشو الشرِّ في الناس وبعد الخير عنهم، وقد دلَّ على ذلك أيضاً بل على تعيين الشرور والمفاسد بعض الروايات).
↑صفحة ٢٣٩↑
وهذا ثناء الصادق (عليه السلام) على أوليائه في حال الغيبة بقوله: «أرضى ما يكون الله عنهم إذا افتقدوا حجَّة الله وحُجِبَ عنهم وهم مع ذلك يعلمون أنَّه لم تبطل حجَّة الله»، ووصفه أنَّهم لا يرتابون، ولو علم الله أنَّهم يرتابون لم يُغيِّب حجَّته طرفة عين.
والحمد لله الذي جعلنا من الموقنين غير المرتابين ولا الشاكِّين ولا الشاذِّين عن الجادَّة البيضاء إلى البليَّات وطُرُق الضلال المؤدِّية إلى الردى والعمى، حمداً يقضي حقَّه، ويمتري مزيده.
[١٦٤/٣] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ(٧٤٢) وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيُّ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ الْجَوَالِيقِيِّ، عَنْ يَزِيدَ الْكُنَاسِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ فِيهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٤٢) يعني به أحمد بن الحسين بن سعيد بن عثمان أبا عبد الله القرشي، ذكره الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ٧٠ و٧١/ الرقم ٨٠/١٨).
↑صفحة ٢٤٠↑
شَبَهٌ مِنْ يُوسُفَ(٧٤٣)، ابْنُ أَمَةٍ سَوْدَاءَ(٧٤٤)، يُصْلِحُ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ»(٧٤٥).
[١٦٥/٤] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله الصَّادِقَ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ لَشَبَهاً مِنْ يُوسُفَ(٧٤٦)».
فَقُلْتُ: فَكَأَنَّكَ تُخْبِرُنَا بِغَيْبَةٍ أَوْ حَيْرَةٍ؟!
فَقَالَ: «مَا يُنْكِرُ هَذَا الْخَلْقُ المَلْعُونُ أَشْبَاهُ الْخَنَازِيرِ مِنْ ذَلِكَ؟ إِنَّ إِخْوَةَ يُوسُفَ كَانُوا عُقَلَاءَ أَلِبَّاءَ أَسْبَاطاً أَوْلَادَ أَنْبِيَاءَ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلَّمُوهُ وَخَاطَبُوهُ وَتَاجَرُوهُ وَرَاوَدُوهُ وَكَانُوا إِخْوَتَهُ وَهُوَ أَخُوهُمْ لَمْ يَعْرِفُوهُ حَتَّى عَرَّفَهُمْ نَفْسَهُ، وَقَالَ لَهُمْ: ﴿أَنَا يُوسُفُ﴾، فَعَرَفُوهُ حِينَئِذٍ، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ المُتَحَيِّرَةُ أَنْ يَكُونَ اللهُ (جلَّ وعزَّ) يُرِيدُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ أَنْ يَسْتُرَ حُجَّتَهُ عَنْهُمْ؟ لَقَدْ كَانَ يُوسُفُ إِلَيْهِ مُلْكُ مِصْرَ، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ مَسِيرَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهُ بِمَكَانِهِ لَقَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَالله لَقَدْ سَارَ يَعْقُوبُ وَوُلْدُهُ عِنْدَ الْبِشَارَةِ تِسْعَةَ أَيَّامٍ مِنْ بَدْوِهِمْ إِلَى مِصْرَ(٧٤٧)، فَمَا تُنْكِرُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَنْ يَكُونَ اللهُ يَفْعَلُ بِحُجَّتِهِ مَا فَعَلَ بِيُوسُفَ، وَأَنْ يَكُونَ صَاحِبُكُمُ المَظْلُومُ المَجْحُودُ حَقَّهُ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ يَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمْ، وَيَمْشِي فِي أَسْوَاقِهِمْ، وَيَطَأُ فُرُشَهُمْ وَلَا يَعْرِفُونَهُ حَتَّى يَأْذَنَ اللهُ لَهُ أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٤٣) في بعض الأحاديث: (سُنَّة من يوسف).
(٧٤٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٢١٩): (قوله (عليه السلام): «ابن أَمَة سوداء» يخالف كثيراً من الأخبار التي وردت في وصف أُمِّه (عليه السلام) ظاهراً، إلَّا أنْ يُحمَل على الأُمِّ بالواسطة، أو المربّية).
(٧٤٥) كمال الدِّين (ص ٣٢٩/ باب ٣٢/ ح ١٢).
(٧٤٦) في بعض النُّسَخ: (لسُنَّة من يوسف).
(٧٤٧) أي من طريق البادية.
↑صفحة ٢٤١↑
يُعَرِّفَهُمْ نَفْسَهُ كَمَا أَذِنَ لِيُوسُفَ حِينَ قَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: ﴿أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ﴾ [يوسف: ٩٠]؟».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ...، وَذَكَرَ نَحْوَهُ، أَوْ مِثْلَهُ(٧٤٨)،(٧٤٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٤٨) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٦ و٣٣٧/ باب في الغيبة/ ح ٤)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٢١ و١٢٢/ ح ١١٧)، وكمال الدِّين (ص ١٤٤ و١٤٥/ باب ٥/ ح ١١، وص ٣٤١/ باب ٣٣/ ح ٢١)، وعلل الشرائع (ص ٢٤٤/ باب ١٧٨/ ح ٣)، ودلائل الإمامة (ص ٥٣١ و٥٣٢/ ح ٥١٠/١١٤)، وتقريب المعارف (ص ٤٣٠).
(٧٤٩) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٥٣): (قوله: (شبهاً من يوسف (عليه السلام)) الشَّبَه - بالتحريك -: التماثل والتشابه، وكذا الشِّبْه - بالكسر والسكون -. قوله: (وما ينكر من ذلك) أي ما ينبغي إنكار شيء من ذلك المذكور، أو إنكار بعض ذلك، إذ لا استبعاد فيه، ثمّ بيَّن عدم الاستبعاد بقوله: (هذه الأُمَّة أشباه الخنازير) باطناً وإنْ كانوا في صورة الإنسان ظاهراً. وإخوة يوسف (عليه السلام) مع كونهم أسباط الأنبياء وأولادهم وأقرب إلى الحقيقة الإنسانيَّة منهم ظاهراً وباطناً إذا فعلوا بأخيهم يوسف من صلب أبيهم ما فعلوا حتَّى غاب عن أبيه وسائر عشيرته سنين كثيرة مع تمكُّنه من إظهار وجوده ومكانه ولم يفعله لمصلحة جاز أنْ يفعل هذه الأُمَّة مع واحد من الأئمَّة مثل فعلهم، بل تحقُّق مثل ذلك الفعل من هذه الأُمَّة أقرب وصدوره منهم أظهر وأنسب، لعدم الروابط المسفورة والقرابة المذكورة والزواجر المسطورة بينه وبينهم حتَّى يغيب هو عن أقربائه وعشيرته ويعتزل عن أوليائه وشيعته ظاهراً، وهو معهم باطناً حتَّى إنَّه يصاحبهم ويصاحبونه ويراهم ويرونه ولكن لا يعرفونه بشخصه ونسبه وهو يعرفهم، وقد روي أنَّه بعد ظهوره يقول كثير من الناس: رأيناه كثيراً. قوله: (إنَّ يوسف كان إليه ملك مصر) أي كان مصر مفوَّضاً إليه وكان حكمه جارياً وأمره ماضياً مع قرب المسافة بينه وبين أبيه وعشيرته ولم يُخبِرهم بوجوده ومكانه مع ما عليهم من الشدائد والمصائب كما حكى عنه (جلَّ شأنه) في القرآن العزيز، وما كان ذلك إلَّا لمصلحة إلهيَّة وحكمة ربَّانيَّة تعلَّقت بعدم علمهم بحاله، فإذا كان هذا غير منكر في حقِّه فغيبة المنتظَر أولى بعدم الإنكار).
↑صفحة ٢٤٢↑
[١٦٦/٥] وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «فِي صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ سُنَةٌ مِنْ أَرْبَعَةِ أَنْبِيَاءَ: سُنَّةٌ مِنْ مُوسَى(٧٥٠)، وَسُنَّةٌ مِنْ عِيسَى، وَسُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ، وَسُنَّةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)».
فَقُلْتُ: مَا سُنَّةُ مُوسَى؟
قَالَ: «خَائِفٌ يَتَرَقَّبُ».
قُلْتُ: وَمَا سُنَّةُ عِيسَى؟
فَقَالَ: «يُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِي عِيسَى».
قُلْتُ: فَمَا سُنَّةُ يُوسُفَ؟
قَالَ: «السِّجْنُ وَالْغَيْبَةُ».
قُلْتُ: وَمَا سُنَّةُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
قَالَ: «إِذَا قَامَ سَارَ بِسِيرَةِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إِلَّا أَنَّهُ يُبَيِّنُ آثَارَ مُحَمَّدٍ، وَيَضَعُ السَّيْفَ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ هَرْجاً هَرْجاً(٧٥١) حَتَّى يُرْضِي اللهَ».
قُلْتُ: فَكَيْفَ يَعْلَمُ رِضَا الله؟
قَالَ: «يُلْقِي اللهُ فِي قَلْبِهِ الرَّحْمَةَ»(٧٥٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٥٠) في جلِّ النُّسَخ هاهنا وفي جميع المواضع الآتية: (شبه)، وسيأتي في بيان المؤلِّف (رحمه الله) ذيل الحديث (١٨٤/١٢): (سُنَّة)، فالظاهر أنَّ الصواب (سُنَّة) وصُحِّف بـ(شبه).
(٧٥١) في بعض النُّسَخ: (هرجاً مرجاً)، وأصل الهرج الكثرة في الشيء والاتِّساع، أي يقتل الكُفَّار كثيراً.
(٧٥٢) كمال الدِّين (ص ٣٢٩/ باب ٣٢/ ح ١١).
↑صفحة ٢٤٣↑
فاعتبروا يا أُولي الأبصار - الناظرة بنور الهدى، والقلوب السليمة من العمى، المشرقة بالإيمان والضياء - بهذا القول - قول الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) - في الغيبة، وما في القائم (عليه السلام) من سُنَن(٧٥٣) الأنبياء (عليهم السلام) من الاستتار والخوف، وأنَّه ابن أَمَة سوداء يُصلِح الله له أمره في ليلة، وتأمَّلوه حسناً فإنَّه يسقط معه الأباطيل والأضاليل التي ابتدعها المبتدعون الذين لم يذقهم الله حلاوة الإيمان والعلم، وجعلهم بنجوة منه وبمعزل عنه، وليحمد هذه الطائفة القليلة النزرة(٧٥٤) اللهَ حقَّ حمده على ما منَّ به عليها من الثبات على نظام الإمامة وترك الشذوذ عنها كما شذَّ الأكثر ممَّن كان يعتقدها، وطار يميناً وشمالاً وأمكن الشيطان منه ومن قياده وزمامه، يُدخِله في كلِّ لون، ويُخرِجه من آخر حتَّى يورده كلَّ غيٍّ، ويصدَّه عن كلِّ رشدٍ، ويُكرِّه إليه الإيمان، ويُزيِّن له الضلال، ويُجلِّي في صدره قول كلِّ من قال بعقله، وعمل على قياسه، ويوحش عنده الحقَّ(٧٥٥)، واعتقاد طاعة من فرض الله طاعته، كما قال (جلَّ وعزَّ) في محكم كتابه حكايةً لقول إبليس (لعنه الله): ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص: ٨٢ و٨٣]، وقوله تعالى أيضاً: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ﴾ [النساء: ١١٩]، وقوله: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(٧٥٦)﴾ [الأعراف: ١٦].
أليس أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول في خطبته: «أَنَا حَبْلُ الله المَتِينُ، وَأَنَا الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، وَأَنَا الْحُجَّةُ لله عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ، بَعْدَ رَسُولِهِ الصَّادِقِ الْأَمِينِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(٧٥٧)»؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٥٣) في بعض النُّسَخ: (شبه).
(٧٥٤) في الصحاح للجوهري (ج ٢/ ص ٨٢٦/ مادَّة نزر): (النزر: القليل التافه).
(٧٥٥) يعني أنَّ الشيطان يوحش عنده الحقَّ ويُخوِّفه منه.
(٧٥٦) أي لأجلسنَّ لهم ترصُّداً بهم.
(٧٥٧) في بعض النُّسَخ: (بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
↑صفحة ٢٤٤↑
ثمّ قال (عزَّ وجلَّ) حكايةً لما ظنَّه إبليس: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سبأ: ٢٠].
فاستيقظوا (رحمكم الله) من سِنَة الغفلة، وانتبهوا من رقدة(٧٥٨) الهوى، ولا يذهبنَّ عنكم ما يقوله الصادقون (عليهم السلام) صفحاً باستماعكم إيَّاه بغير أُذُن واعية وقلوب مفكِّرة وألباب معتبرة متدبِّرة لما قالوا، أحسن الله إرشادكم، وحال بين إبليس (لعنه الله) وبينكم حتَّى لا تدخلوا في جملة أهل الاستثناء من الله بقوله (جلَّ وعزَّ): ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [الحجر: ٤٢]، وتدخلوا في أهل الاستثناء من إبليس (لعنه الله) بقوله: ﴿لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [الحجر: ٣٩ و٤٠]، والحمد لله ربِّ العالمين.
[١٦٧/٦] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ(٧٥٩)، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى(٧٦٠)، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ (عليه السلام) غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ».
فَقُلْتُ: وَلِـمَ؟
قَالَ: «يَخَافُ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ -».
ثُمَّ قَالَ: «يَا زُرَارَةُ، وَهُوَ المُنْتَظَرُ، وَهُوَ الَّذِي يُشَكُّ فِي وِلَادَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَاتَ أَبُوهُ بِلَا خَلَفٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: حَمْلٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: غَائِبٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ أَبِيهِ بِسِنِينَ(٧٦١)، وَهُوَ المُنْتَظَرُ غَيْرَ أَنَّ اللهَ يُحِبُّ أَنْ يَمْتَحِنَ قُلُوبَ الشِّيعَةِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْتَابُ المُبْطِلُونَ، يَا زُرَارَةُ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٥٨) في الصحاح للجوهري (ج ٢/ ص ٤٧٦/ مادَّة رقد): (الرقدة: النومة).
(٧٥٩) عبَّاد بن يعقوب هو الرواجني المعنون في الرجال، وله كتاب أخبار المهدي (عليه السلام)، كما في الفهرست (ص ١٩٢/ الرقم ٥٤٠/١).
(٧٦٠) يحيى بن يعلى هو الأسلمي المعنون في تهذيب التهذيب (ج ١١/ص ٢٦٦/الرقم ٤٨٨).
(٧٦١) في بعض النُّسَخ: (بسنتين).
↑صفحة ٢٤٥↑
قَالَ زُرَارَةُ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ الزَّمَانَ أَيَّ شَيْءٍ أَعْمَلُ؟
قَالَ: «يَا زُرَارَةُ، مَتَى أَدْرَكْتَ ذَلِكَ الزَّمَانَ فَادْعُ بِهَذَا الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ نَبِيَّكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي».
ثُمَّ قَالَ: «يَا زُرَارَةُ، لَابُدَّ مِنْ قَتْلِ غُلَامٍ بِالمَدِينَةِ».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَوَلَيْسَ الَّذِي يَقْتُلُهُ جَيْشُ السُّفْيَانِيِّ؟
قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ جَيْشُ بَنِي فُلَانٍ، يَخْرُجُ حَتَّى يَدْخُلَ المَدِينَةَ وَلَا يَدْرِي النَّاسُ فِي أَيِّ شَيْءٍ دَخَلَ(٧٦٢)، فَيَأْخُذُ الْغُلَامَ فَيَقْتُلُهُ، فَإِذَا قَتَلَهُ بَغْياً وَعُدْوَاناً وَظُلْماً لَمْ يُمْهِلُهُمُ اللهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُتَوَقَّعُ الْفَرَجُ».
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ (رحمه الله): حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى الْخَشَّابِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ...، وَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ نَجِيحٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام)...، وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ وَالدُّعَاءَ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ: سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مُنْذُ سِتٍّ وَخَمْسِينَ سَنَةً(٧٦٣)،(٧٦٤)،(٧٦٥).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٦٢) في بعض النُّسَخ: (جاء).
(٧٦٣) في بعض النُّسَخ: (هذا الحديث في سنة ستٍّ وخمسين).
(٧٦٤) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٧ و٣٤٢/ باب في الغيبة/ ح ٥ وح ٢٩)؛ وراجع: كمال الدِّين (ص ٣٤٢ و٣٤٣/ باب ٣٣/ ح ٢٤)، والغيبة للطوسي (ص ٣٣٣ و٣٣٤/ ح ٢٧٩).
(٧٦٥) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٥٤): (قوله: (حمل) أي هو حمل عند موت أبيه كما روي أنَّ السلطان وكَّل القوابل على نساء الحسن العسكري (عليه السلام) وإمائه بعد موته ليعرفن الحوامل. قوله: (ومنهم من يقول: إنَّه وُلِدَ قبل موت أبيه بسنتين) الذي يظهر من تاريخ تولُّده وتاريخ موت أبيه (عليهما السلام) أنَّه وُلِدَ قبل موت أبيه بثلاث سنين وسبعة أشهر إلَّا ثمانية أيَّام. قوله: (فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، إذا أدركت ذلك الزمان) المراد بالمبطلين المائلون إلى البطلان والفساد، وهم الذين قلوبهم مريضة، وعقولهم عليلة، وإيمانهم مستودع، وميثاقهم متزلزل، وعقائدهم كبيت نسجته العنكبوت يخرقها ريح البليَّات ويُطيِّرها صرصر الشُّبُهات. وفي بعض النُّسَخ المصحَّحة: (فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة، قال: قلت: جُعلت فداك، إنْ أدركت ذلك الزمان أيَّ شيء أعمل؟ قال: يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان...) إلى آخره. قوله: (اللَّهُمَّ عرِّفني نفسك فإنَّك إنْ لم تُعرِّفني نفسك لم أعرف نبيَّك) سيأتي الدعاء في حال الغيبة عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام): «اللَّهُمَّ عرِّفني نفسك فإنَّك إنْ لم تُعرِّفني نفسك لم أعرفك، اللَّهُمَّ عرِّفني نبيَّك فإنَّك إنْ لم تُعرِّفني نبيَّك لم أعرفه قطُّ، اللَّهُمَّ عرِّفني حجَّتك فإنَّك إنْ لم تُعرِّفني حجَّتك ضللتُ عن ديني»، وهذا أظهر من المذكور، ولابدَّ في الجمع من القول باختلاف القضيَّة بأنْ يكون أحدهما مرويًّا في وقت غير وقت الآخر، أو القول بأنَّ الاختلاف وقع من جهة الراوي، ولعلَّ الوجه في الأوَّل أنَّ معرفة الربِّ إنَّما يتحقَّق بمعرفته على وجه يليق به، وهي معرفته بصفات ذاته وأفعاله ومن جملتها إرسال النبيِّ، فلو لم يُعرِّف الربُّ نفسه للعبد لم يعرف العبد نبيَّه كما لم يعرف الله، وقس عليه ما يتلوه، وفيه دلالة على أنَّ المعرفة موهبيَّة، كما دلَّ عليه أيضاً صريح بعض الروايات وقد أوضحناه سابقاً).
↑صفحة ٢٤٦↑
[١٦٨/٧] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، بِإِسْنَادٍ لَهُ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَطَاءٍ المَكِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): إِنَّ شِيعَتَكَ بِالْعِرَاقِ كَثِيرَةٌ، وَوَالله مَا فِي أَهْلِ بَيْتِكَ مِثْلُكَ، فَكَيْفَ لَا تَخْرُجُ؟
فَقَالَ: «يَا عَبْدَ الله بْنَ عَطَاءٍ، قَدْ أَخَذْتَ تَفْرُشُ أُذُنَيْكَ لِلنَّوْكَى، إِي وَالله مَا أَنَا بِصَاحِبِكُمْ».
قُلْتُ: فَمَنْ صَاحِبُنَا؟
↑صفحة ٢٤٧↑
فَقَالَ: «اُنْظُرُوا مَنْ غُيِّبَتْ عَنِ النَّاسِ وِلَادَتُهُ فَذَلِكَ صَاحِبُكُمْ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنَّا أَحَدٌ يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، وَيُمْضَغُ بِالْأَلْسُنِ إِلَّا مَاتَ غَيْظاً أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ(٧٦٦)».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ هِلَالٍ الْكِنْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَطَاءٍ المَكِّيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، وذَكَرَ مِثْلَهُ بِلَفْظِهِ(٧٦٧).
[١٦٩/٨] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيُّ بِمَكَّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ اِبْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَطَاءٍ المَكِّيِّ، قَالَ: خَرَجْتُ حَاجًّا مِنْ وَاسِطٍ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، فَسَأَلَنِي عَنِ النَّاسِ وَالْأَسْعَارِ، فَقُلْتُ: تَرَكْتُ النَّاسَ مَادِّينَ أَعْنَاقَهُمْ إِلَيْكَ، لَوْ خَرَجْتَ لَاتَّبَعَكَ الْخَلْقُ.
فَقَالَ: «يا بن عَطَاءٍ، قَدْ أَخَذْتَ تَفْرُشُ أُذُنَيْكَ لِلنَّوْكَى، لَا وَالله مَا أَنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٦٦) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٩ و٢٧٠): (قوله: (ما في أهل بيتك مثلك) أي في العلم والعمل والصلاح والشهرة، والمراد بأهل البيت أولاد فاطمة (عليهم السلام)، وإرادة من انتسب إلى قريش بعيدة. قوله: (قد أخذت تفرش أُذُنيك للنوكى) أخذت من أفعال المقاربة بمعنى شرعت، وتفرش خبره، والنوكى بفتح النون والكاف جمع أنوك، وهو الأحمق، ويُجمَع أيضاً بالنوك وبالضمِّ على القياس، يقال: رجل أنوك وقوم نوكى ونوك، وهذا مثل يُضرَب لمن يسمع كلام كلَّ أحد وإنْ كان أحمقاً لا يعقل شيئاً...، قوله: (ويُمضَغ بالألسن) المضغ باللسان كناية عن تناوله وذكره بالخير والشرِّ. قوله: (أو رغم أنفه) رغم الأنف كناية عن الذلِّ، ولعلَّ المراد به هنا القتل، ووجه الترديد ما مرَّ، ويحتمل أنْ يكون من الراوي).
(٧٦٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٤٢/ باب في الغيبة/ ح ٢٦)؛ وراجع: كمال الدِّين (ص ٣٢٥/ باب ٣٢/ ح ٢)، وتقريب المعارف (ص ٤٣٢).
↑صفحة ٢٤٨↑
بِصَاحِبِكُمْ، وَلَا يُشَارُ إِلَى رَجُلٍ مِنَّا بِالْأَصَابِعِ، وَيُمَطُّ إِلَيْهِ بِالْحَوَاجِبِ(٧٦٨) إِلَّا مَاتَ قَتِيلاً أَوْ حَتْفَ أَنْفِهِ».
قُلْتُ: وَمَا حَتْفُ أَنْفِهِ؟
قَالَ: «يَمُوتُ بِغَيْظِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ مَنْ لَا يُؤْبَهُ لِوِلَادَتِهِ».
قُلْتُ: وَمَنْ لَا يُؤْبَهُ لِوِلَادَتِهِ؟
فَقَالَ: «اُنْظُرْ مَنْ لَا يَدْرِي النَّاسُ أَنَّهُ وُلِدَ أَمْ لَا، فَذَاكَ صَاحِبُكُمْ».
[١٧٠/٩] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الله، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام): إِنَّا نَرْجُو أَنْ تَكُونَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ، وَأَنْ يَسُوقَهُ اللهُ إِلَيْكَ عَفْواً(٧٦٩) بِغَيْرِ سَيْفٍ، فَقَدْ بُويِعَ لَكَ، وَقَدْ ضُرِبَتِ الدَّرَاهِمُ بِاسْمِكَ.
فَقَالَ: «مَا مِنَّا أَحَدٌ اخْتَلَفَتِ الْكُتُبُ إِلَيْهِ، وَأُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، وَسُئِلَ عَنِ المَسَائِلِ، وَحُمِلَتْ إِلَيْهِ الْأَمْوَالُ إِلَّا اغْتِيلَ أَوْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ، حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ لِهَذَا الْأَمْرِ غُلَاماً مِنَّا خَفِيَّ المَوْلِدِ وَالمَنْشَإِ، غَيْرَ خَفِيٍّ فِي نَسَبِهِ(٧٧٠)»(٧٧١)،(٧٧٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٦٨) في الصحاح (ج ٣/ص ١١٦٠/مادَّة مطط): (مطَّه يمطُّه، أي مدَّه، ومطَّ حاجبيه أي مدَّهما).
(٧٦٩) في الصحاح (ج ٦/ص ٢٤٣٢/مادَّة عفا): (يقال: أعطيته عفو المال، يعني بغير مسألة).
(٧٧٠) كذا في بعض النُّسَخ والكافي، وفي بعضها: (غير خفيٍّ في نفسه).
(٧٧١) الكافي (ج ١/ ص ٣٤١ و٣٤٢/ باب في الغيبة/ ح ٢٥)؛ وراجع: كمال الدِّين (ص ٣٧٠/ باب ٣٥/ ح ١)، وتقريب المعارف (ص ٤٣١ و٤٣٢).
(٧٧٢) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٩): قوله: (إلَّا اغتيل أو مات على فراشه) الاغتيال الخدعة، يقال: قتله غيلةً إذا خدعه فذهب به إلى موضع فقتله، وكلمة (أو) للتنويع وهو التقسيم لا للشكِّ، لتنزُّه ساحة قدسه عنه، وصدق الشرطيَّة لا يتوقَّف على صدق طرفيها مطلقاً، فلا ينافي هذا ما تقرَّر من أنَّ الأئمَّة (عليهم السلام) كلُّهم مقتولين بعضهم بالسيف وبعضهم بالسُّمِّ. قوله: (خفي الولادة والمنشأ غير خفي في نسبه) المراد بخفاء ولادته خفاؤها عند الأكثر، بدليل علم بعض الخواصِّ بها، وبخفاء منشئه خفاء مكانه الذي ينشأ فيه ويأوي إليه، وبعدم خفاء نسبه كون نسبه معلوماً للخاصَّة والعامَّة فإنَّهم أيضاً قائلون بأنَّ المهدي (عليه السلام) من أولاد الحسين بن عليٍّ (عليهم السلام)).
↑صفحة ٢٤٩↑
[١٧١/١٠] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى، عَنْ أَبِي مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام): أَخْبِرْنِي عَنِ الْقَائِمِ (عليه السلام).
فَقَالَ: «وَالله مَا هُوَ أَنَا، وَلَا الَّذِي تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْنَاقَكُمْ، وَلَا تُعْرَفُ وِلَادَتُهُ(٧٧٣)».
قُلْتُ: بِمَا يَسِيرُ؟
قَالَ: «بِمَا سَارَ بِهِ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هَدَرَ مَا قَبْلَهُ وَاسْتَقْبَلَ»(٧٧٤).
[١٧٢/١١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَمَانٍ التَّمَّارِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً المُتَمَسِّكُ فِيهَا بِدِينِهِ كَالْخَارِطِ لِشَوْكِ الْقَتَادِ بِيَدِهِ»، [ثُمَّ أَوْمَى أَبُو عَبْدِ الله بِيَدِهِ هكَذَا، قَالَ: «فَأَيُّكُمْ يُمْسِكُ شَوْكَ الْقَتَادِ بِيَدِهِ؟](٧٧٥).
قَالَ: ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً، فَلْيَتَّقِ اللهَ عَبْدٌ(٧٧٦) وَلْيَتَمَسَّكْ بِدِينِهِ».
وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٧٣) أي هو الذي لا تُعرَف ولادته. وفي بعض النُّسَخ: (لا يُعرَف ولا يؤبه له).
(٧٧٤) عقد الدُّرَر (ص ٢٢٦).
(٧٧٥) ما بين المعقوفتين لا يوجد في بعض النُّسَخ.
(٧٧٦) في بعض النُّسَخ: (فليتَّقِ الله عند غيبته).
↑صفحة ٢٥٠↑
جَمِيعاً، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكُوفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ يَمَانٍ التَّمَّارِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقَالَ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً...» وَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً(٧٧٧)،(٧٧٨).
فمن صاحب هذه الغيبة غير الإمام المنتظَر (عليه السلام)؟ ومن الذي يشكُّ جمهور الناس في ولادته إلَّا القليل، وفي سنِّه؟ ومن الذي لا يأبه له كثير من الخلق ولا يُصدِّقون بأمره، ولا يؤمنون بوجوده إلَّا هو؟ أوَليس الذي قد شبَّه الأئمَّة الصادقون (عليهم السلام) الثابتَ على أمره والمقيمَ على ولادته - عند غيبته مع تفرُّق الناس عنه ويأسهم منه، واستهزائهم بالمعتقد لإمامته، ونسبتهم إيَّاهم إلى العجز وهم الجازمون المحقِّقون المستهزؤون غداً بأعدائهم - بخارط(٧٧٩) شوك القتاد بيده والصابر على شدَّته؟ وهي هذه الشرذمة المنفردة عن هذا الخلق الكثير المدَّعين للتشيُّع الذين تفرَّقت بهم الأهواء وضاقت قلوبهم عن احتمال الحقِّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٧٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٥ و٣٣٦/ باب في الغيبة/ ح ١)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٢٦ و١٢٧/ ح ١٢٧)، وكمال الدِّين (ص ٣٤٦ و٣٤٧/ باب ٣٣/ ح ٣٤)، وتقريب المعارف (ص ٤٣٢)، والغيبة للطوسي (ص ٤٥٥/ ح ٤٦٥).
(٧٧٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٤٩): (قوله: (كالخارط للقتاد) القتاد شجر له شوك، وهو القتاد الأعظم، وأمَّا القتاد الأصغر فهي التي ثمرتها نفاخة كنفاخة العشر، وخرطه أنْ يمسك أعلاه بيده ويمرَّها إلى أسفله، وهذا مثل يُضرَب لكلِّ أمر مشكل. قوله: (ثمّ قال هكذا بيده) أي ضرب بها على الخشب وأظهر صورة العمل، ثمّ قال على سبيل الإنكار: (فأيُّكم يمسك شوك القتاد بيده ويمرُّها إلى أسفله؟)، وفيه مبالغة على أنَّه لا يصبر على دينه حينئذٍ إلَّا الصابرون على جميع أنحاء المشاقِّ. قوله: (ثمّ أطرق مليًّا) أي أرخى عينه ورأسه إلى الأرض زماناً طويلاً كأنَّه متفكِّر في أمر. قوله: (فليتَّقِ الله) أمر أوَّلاً باتِّقاء الله تعالى، لأنَّ التمسُّك بدين الحقِّ حينئذٍ لا يمكن بدون التقوى الحاملة للنفس على الصبر وتحمُّل المشاقِّ وتجرُّع المكاره).
(٧٧٩) قوله: (بخارط) خبر (ليس)، ودأب المؤلِّف (رحمه الله) الفصل بين المبتدأ والخبر.
↑صفحة ٢٥١↑
والصبر على مرارته، واستوحشوا من التصديق بوجود الإمام مع فقدان شخصه وطول غيبته التي صدَّقها ودان بها وأقام عليها من عمل على قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «لَا تَسْتَوْحِشُوا فِي طَرِيقِ الْهُدَى لِقِلَّةِ مَنْ يَسْلُكُهُ»(٧٨٠)، واستهان وأقلَّ الحفل بما يسمعه من جُهَّل(٧٨١) الصمِّ البكم العمي، المبعدين عن العلم، فالله نسأل تثبيتاً على الحقِّ، وقوَّةً في التمسُّك به بإحسانه.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٨٠) كذا الأصوب، وفي بعض النُّسَخ: (في طريق الهدى لقلَّتها).
(٧٨١) أي لا يهتمُّ بما يسمع من الجُهَّال من القول التافه.
↑صفحة ٢٥٢↑
فصل: [روايات في أنَّ للإمام (عجَّل الله فرجه) غيبتين]
[١٧٣/١] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) يَقُولُ: «لِلْقَائِمِ غَيْبَتَانِ، إِحْدَاهُمَا طَوِيلَةٌ، وَالْأُخْرَى قَصِيرَةٌ(٧٨٢)، فَالْأُولَى يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ فِيهَا خَاصَّةٌ مِنْ شِيعَتِهِ، وَالْأُخْرَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ مَوَالِيهِ فِي دِينِهِ».
[١٧٤/٢] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «لِلْقَائِمِ غَيْبَتَانِ، إِحْدَاهُمَا قَصِيرَةٌ، وَالْأُخْرَى طَوِيلَةٌ، الْغَيْبَةُ الْأُولَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ شِيعَتِهِ، وَالْأُخْرَى لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِهِ فِيهَا إِلَّا خَاصَّةُ مَوَالِيهِ فِي دِينِهِ(٧٨٣)»(٧٨٤)،(٧٨٥).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٨٢) كأنَّ الراوي تصرَّف في لفظ الخبر بالتقديم والتأخير، والصواب أنْ يقول: (إحداهما قصيرة والأُخرى طويلة)، لئلَّا يخالف النشر اللَّف كما في الخبر الآتي.
(٧٨٣) ليس في الكافي (في دينه).
(٧٨٤) الكافي (ج ١/ص ٣٤٠/باب في الغيبة/ح ١٩)؛ وراجع: تقريب المعارف (ص ٤٣١).
(٧٨٥) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٥٢ و٥٣): ((إلَّا خاصَّة مواليه): أي خدمه وأهله وأولاده أو الثلاثين الذين مضى ذكرهم، وفي الغيبة الصغرى كان بعض خواصِّ شيعته مطَّلعين على مكانه كالسفراء وبعض الوكلاء. واعلم أنَّه كان له (عليه السلام) غيبتان: أوَّلهما: الصغرى، وهي من زمان وفاة أبي محمّد العسكري (عليه السلام)، وهو لثمان ليال خلون من شهر ربيع الأوَّل سنة ستِّين ومائتين إلى وقت وفاة رابع السفراء أبي الحسن عليِّ ابن محمّد السمري، وهو النصف من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، فتكون قريباً من سبعين، والعجب من الشيخ الطبرسي وسيِّد ابن طاوس أنَّهما وافقا في التاريخ الأوَّل وقالا في وفاة السمري: تُوفِّي سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ومع ذلك ذكرا أنَّ مدَّة الغيبة الصغرى أربع وسبعون سنة، ولعلَّهما عدَّا ابتداء الغيبة من ولادته (عليه السلام)).
↑صفحة ٢٥٣↑
[١٧٥/٣] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نَجْرَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ(٧٨٦)، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ»، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «لَا يَقُومُ الْقَائِمُ وَلِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ».
[١٧٦/٤] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ اِبْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «يَقُومُ الْقَائِمُ (عليه السلام) وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ عَقْدٌ وَلَا عَهْدٌ وَلَا بَيْعَةٌ»(٧٨٧)،(٧٨٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٨٦) السند معضل أو مضطرب، فإنَّ عليَّ بن الحسن التيملي متأخِّر عن عليِّ بن مهزيار، وأمَّا ابن أبي نجران فمتقدِّم عنه، وكأنَّ فيه تصحيفاً، ولعلَّ الصواب: (وعليُّ بن مهزيار).
(٧٨٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٤٢/ باب في الغيبة ح ٢٧)، ويأتي تحت الرقم (٢١٨/٤٦).
(٧٨٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٧٠): (قوله: (وليس لأحدٍ في عنقه عهد ولا عقد ولا بيعة) هذه الأُمور الثلاثة متقاربة، ويمكن أنْ يُراد بالعهد الميثاق والملاقاة والصحبة، يقول: عهدته إذا لقيته وعرفته، أو الوصية تقول: عهد إليه إذا أوصاه، وبالعقد عقد الصلح والمهادنة، وبالبيعة الإقرار للغير بالخلافة مع التماسح بالأيدي على الوجه المعروف كأنَّ كلَّ واحدٍ منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره، وكأنَّ فيه إشارة إلى سبب من أسباب غيبته ومصلحة من مصالحها، لأنَّه (عليه السلام) لو كان ظاهراً إلى أوان ظهور دولته لكان في عنقه لا محالة عهد أو عقد أو بيعة لسلاطين الجور، فكان عند خروجه بالسيف ناقضاً لذلك العهد ونقض العهد قبيح لا يليق بجنابه).
↑صفحة ٢٥٤↑
[١٧٧/٥] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ المُسْتَنِيرِ(٧٨٩)، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ الْجُعْفِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله الصَّادِقِ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا تَطُولُ حَتَّى يَقُولَ بَعْضُهُمْ: مَاتَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: قُتِلَ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: ذَهَبَ، فَلَا يَبْقَى عَلَى أَمْرِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ، لَا يَطَّلِعُ عَلَى مَوْضِعِهِ أَحَدٌ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا المَوْلَى الَّذِي يَلِي أَمْرَهُ»(٧٩٠).
ولو لم يكن يُروى في الغيبة إلَّا هذا الحديث لكان فيه كفاية لمن تأمَّله.
[١٧٨/٦] وَبِهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ جَنَاحٍ، عَنْ حَازِمِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، إِنَّ أَبَوَيَّ هَلَكَا وَلَمْ يَحُجَّا، وَإِنَّ اللهَ قَدْ رَزَقَ وَأَحْسَنَ، فَمَا تَقُولُ فِي الْحَجِّ عَنْهُمَا؟
فَقَالَ: «افْعَلْ فَإِنَّهُ يُبَرِّدُ لَهُمَا»، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا حَازِمُ، إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ يَظْهَرُ فِي الثَّانِيَةِ، فَمَنْ جَاءَكَ يَقُولُ: إِنَّهُ نَفَضَ يَدَهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ(٧٩١) فَلَا تُصَدِّقْهُ».
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ السَّائِقِ(٧٩٢)، عَنْ حَازِمِ بْنِ حَبِيبٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٨٩) كذا.
(٧٩٠) الغيبة للطوسي (ص ٦١/ ح ٦٠، وص ١٦١ و١٦٢/ ح ١٢٠).
(٧٩١) في لسان العرب (ج ٧/ ص ٢٤٠/ مادَّة نفض): (النَّفْضُ: أَنْ تأْخذ بيدك شيئاً فتَنْفُضَه تُزَعْزِعُه وتُتَرْتِرُه وتَنْفُضُ التراب عنه)، وهذا كناية عن الإخبار بالموت.
(٧٩٢) هو سعيد بن بيان، يُكنَّى أبا حنيفة، يُلقَّب بسائق الحاجِّ، عنونه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٨٠ و١٨١/ الرقم ٤٧٦)، وقال: (أبو حنيفة سائق الحاجِّ الهمداني، ثقة، روى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، له كتاب يرويه عدَّة من أصحابنا).
↑صفحة ٢٥٥↑
عَبْدِ الله (عليه السلام): إِنَّ أَبِي هَلَكَ، وَهُوَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ وَأَتَصَدَّقَ، فَمَا تَرَى فِي ذَلِكَ؟
فَقَالَ: «افْعَلْ فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَيْهِ»، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا حَازِمُ، إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ...» وَذَكَرَ مِثْلَ مَا ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ سَوَاءً(٧٩٣).
[١٧٩/٧] أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَيْسٍ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيُّ، قَالُوا جَمِيعاً: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ زِيَادٍ الْخَارِقِيِّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): كَانَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «لِقَائِمِ آلِ مُحَمَّدٍ غَيْبَتَانِ، إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الْأُخْرَى».
فَقَالَ: «نَعَمْ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى يَخْتَلِفَ سَيْفُ بَنِي فُلَانٍ، وَتَضِيقَ الْحَلْقَةُ، وَيَظْهَرَ السُّفْيَانِيُّ، وَيَشْتَدَّ الْبَلَاءُ، وَيَشْمَلَ النَّاسَ مَوْتٌ وَقَتْلٌ يَلْجَئُونَ فِيهِ إِلَى حَرَمِ الله وَحَرَمِ رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(٧٩٤).
[١٨٠/٨] عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الثَّقَفِيِّ، عَنِ الْبَاقِرِ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَتَيْنِ، يُقَالُ لَهُ فِي إِحْدَاهُمَا: هَلَكَ، وَلَا يُدْرَى فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ».
[١٨١/٩] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَأَحْمَدُ بْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٩٣) الغيبة للطوسي (ص ٤٢٣ و٤٢٤/ ح ٤٠٧) ذيله.
(٧٩٤) تقريب المعارف (ص ٤٢٨ و٤٢٩).
↑صفحة ٢٥٦↑
كَثِيرٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَتَيْنِ، يَرْجِعُ فِي إِحْدَاهُمَا إِلَى أَهْلِهِ(٧٩٥)، وَالْأُخْرَى يُقَالُ: هَلَكَ، فِي أَيِّ وَادٍ سَلَكَ؟».
قُلْتُ: كَيْفَ نَصْنَعُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟
قَالَ: «إِنِ ادَّعَى مُدَّعٍ فَاسْأَلُوهُ عَنْ تِلْكَ الْعَظَائِمِ الَّتِي يُجِيبُ فِيهَا مِثْلُهُ(٧٩٦)»(٧٩٧)،(٧٩٨).
هذه الأحاديث التي يُذكَر فيها أنَّ للقائم (عليه السلام) غيبتين أحاديث قد صحَّت عندنا بحمد الله، وأوضح الله قول الأئمَّة (عليهم السلام)، وأظهر برهان صدقهم فيها، فأمَّا الغيبة الأُولى فهي الغيبة التي كانت السفراء فيها بين الإمام (عليه السلام) وبين الخلق قياماً منصوبين ظاهرين موجودي الأشخاص والأعيان، يخرج على أيديهم غوامض العلم(٧٩٩)، وعويص الحكم، والأجوبة عن كلِّ ما كان يسأل عنه من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٧٩٥) في الكافي: (يقول: لصاحب هذا الأمر: إحداهما يرجع منها إلى أهله).
(٧٩٦) كذا، وفي الكافي: (إذا ادَّعاها مدَّعٍ فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله).
(٧٩٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٤٠/ باب في الغيبة/ ح ٢٠).
(٧٩٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٦ و٢٦٧): (قوله: (كيف نصنع إذا كان كذلك) يعني إذا خرج رجل وادَّعى أنَّه المهدي الموعود كيف نعرف أنَّه صادق وأنَّه هو؟ قوله: (قال: إذا ادَّعاها مدَّعٍ فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله) يعني إذا ادَّعى الإمامة أحد فاسألوه عن أشياء من العلوم الدِّينيَّة والمعارف اليقينيَّة التي أنتم منها على بصيرة ويقين فإنْ أجاب فيها مثل صاحب الأمر أو مثل ما علمتم فهو الإمام لأنَّه لا يجيب فيها كذلك إلَّا هو، وهذا طريق من طُرُق معرفته يختصُّ به العلماء الراسخون الذين يُميِّزون بين الحقِّ والباطل).
(٧٩٩) النُّسَخ مختلفة في ضبط هذه الكلمة، ففي بعضها: (الشفاء من العلم)، وفي بعضها: (السهاء العلم). والشفاء بالمدِّ: الدواء، وبالقصر: بقيَّة الهلال قبل أنْ يغيب، وحرف كلِّ شيء وحده.
↑صفحة ٢٥٧↑
المعضلات والمشكلات، وهي الغيبة القصيرة التي انقضت أيَّامها وتصرَّمت مدَّتها(٨٠٠).
والغيبة الثانية هي التي ارتفع فيها أشخاص السفراء والوسائط للأمر الذي يريده الله تعالى، والتدبير الذي يمضيه في الخلق، ولوقوع التمحيص والامتحان والبلبلة والغربلة والتصفية على من يدَّعي هذا الأمر، كما قال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩]، وهذا زمان ذلك قد حضر، جعلنا الله فيه من الثابتين على الحقِّ، وممَّن لا يخرج في غربال الفتنة، فهذا معنى قولنا(٨٠١): (له غيبتان)، ونحن في الأخيرة، نسأل الله أنْ يُقرِّب فرج أوليائه منها، ويجعلنا في حيِّز خيرته، وجملة التابعين لصفوته، ومن خيار من ارتضاه وانتجبه لنصرة وليِّه وخليفته، فإنَّه وليُّ الإحسان، جواد منَّان(٨٠٢).
[١٨٢/١٠] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحَسَنِ [بْنِ حَازِمٍ]، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ(٨٠٣)، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةً يَقُولُ فِيهَا: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [الشعراء: ٢١]».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٠٠) تصرَّمت السنة، أي انقضت. ويدلُّ على أنَّ تأليف الكتاب كان بعد وفاة عليِّ بن محمّد السمري، وذلك في شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمائة.
(٨٠١) كذا، والأصوب: (قوله).
(٨٠٢) في لسان العرب (ج ١٣/ ص ٤١٨/ مادَّة منن): (في أسماء الله تعالى: الحَنَّانُ المَنَّانُ: أي الذي يُنْعِمُ غيرَ فاخِرٍ بالإِنعام).
(٨٠٣) هو الأنماطي الواقفي، له كتاب. راجع: اختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٧٦٨/ ح ٨٩٢).
↑صفحة ٢٥٨↑
[١٨٣/١١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَنْمَاطِيُّ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ﴾».
[١٨٤/١٢] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ اِبْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ - يَعْنِي أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) -: «قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ (عليهما السلام): إِذَا قَامَ الْقَائِمُ (عليه السلام) قَالَ: ﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾»(٨٠٤).
هذه الأحاديث مصداق قوله: «إنَّ فيه سُنَّة من موسى، وإنَّه خائف يترقَّب».
[١٨٥/١٣] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ(٨٠٥)، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ المُثَنَّى الْعَطَّارُ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَفْتَقِدُ النَّاسُ إِمَاماً، يَشْهَدُ المَوَاسِمَ، يَرَاهُمْ وَلَا يَرَوْنَهُ».
[١٨٦/١٤] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ المُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اِبْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «يَفْقِدُ النَّاسُ إِمَامَهُمْ، يَشْهَدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٠٤) كمال الدِّين (ص ٣٢٨ و٣٢٩/ باب ٣٢/ ح ١٠).
(٨٠٥) كذا في كمال الدِّين، وفي الكافي: (إسحاق بن محمّد الصيرفي) كما يأتي.
↑صفحة ٢٥٩↑
المَوَاسِمَ فَيَرَاهُمُ وَلَا يَرَوْنَهُ»(٨٠٦)،(٨٠٧).
[١٨٧/١٥] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ وَيَحْيَى بْنِ المُثَنَّى، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ غَيْبَتَيْنِ، يَرْجِعُ فِي إِحْدَاهُمَا، وَفِي الْأُخْرَى لَا يُدْرَى أَيْنَ هُوَ، يَشْهَدُ المَوَاسِمَ، يَرَى النَّاسَ وَلَا يَرَوْنَهُ».
[١٨٨/١٦] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ المُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لِلْقَائِمِ غَيْبَتَانِ، يَشْهَدُ فِي إِحْدَاهُمَا المَوَاسِمَ، يَرَى النَّاسَ وَلَا يَرَوْنَهُ فِيهِ(٨٠٨)»(٨٠٩)،(٨١٠).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٠٦) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٧ و٣٣٨/ باب في الغيبة/ ح ٦)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٢٦/ ح ١٢٦)، وكمال الدِّين (ص ٣٤٦ و٣٥١/ باب ٣٣/ ح ٣٣ و٤٩، وص ٤٤٠/ باب ٤٣/ ح ٧)، ودلائل الإمامة (ص ٤٨٢ و٥٣١/ ح ٤٧٧/٨١ و٥٠٩/١١٣)، وتقريب المعارف (ص ٤٣٢)، والغيبة للطوسي (ص ١٦١/ح ١١٩).
(٨٠٧) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ٤٢): (موسم الحجِّ: مجتمعه، ذكره الفيروزآبادي. (فيراهم ولا يرونه) لعلَّ المراد يعرفهم ولا يعرفونه كما روى الصدوق عن محمّد بن عثمان العمري، قال: والله إنَّ صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كلَّ سنة، فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه. فيشمل الغيبتين، أو هو مختصٌّ بالكبرى، إذ في الصغرى كان يعرفه بعض الناس، وعلى الثاني يحتمل أنْ تكون الرؤية بمعناها).
(٨٠٨) ليس في الكافي لفظة (فيه).
(٨٠٩) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٩/ باب في الغيبة/ ح ١٢).
(٨١٠) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦١ و٢٦٢): (قوله: (قال: للقائم غيبتان) إحداهما صغرى، وهي سبعون سنة إلَّا اثنى عشر شهراً وأربعة أيَّام، وكان له (عليه السلام) فيها سفراء بينه وبين الشيعة، أوَّلهم أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري، وهو أوَّل من نصَّب أبو محمّد الحسن بن عليٍّ العسكري (عليهما السلام)، ثمّ نصَّ أبو عمرو (رحمه الله) بأمر الصاحب على ابنه أبي جعفر محمّد ابن عثمان، ونصَّ عليه أيضاً العسكري (عليه السلام)، ثمّ نصَّ أبو جعفر بأمر الصاحب (عليه السلام) على أبي القاسم الحسين بن روح بن أبي بحر النوبختي، وقال - وعنده وجوه من الشيعة -: هو القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (عليه السلام)، والوكيل والثقة والأمين، فارجعوا في أُموركم إليه وعوِّلوا في مهامِّكم عليه، فبذلك أُمرت وقد بلَّغت، ثمّ نصَّ أبو القاسم بن روح بأمر الصاحب (عليه السلام) على أبي الحسن عليِّ بن محمّد السمري، فلمَّا حضره الموت سُئِلَ أنْ يوصي فقال: لله أمر هو بالغه، ومات (رحمه الله) سنة تسع وعشرين وثلاثمائة، فوقعت الغيبة الكبرى، وهي الغيبة الثانية التي نحن فيها، وقد كتب (عليه السلام) في هذه الغيبة إلى الشيخ المفيد (رحمه الله) مكاتيب مذكورة في آخر كتاب الاحتجاج للشيخ الطبرسي (رحمه الله). قوله: (يشهد في إحداهما الموسم) لعلَّ المراد بإحداهما الكبرى، وبعدم رؤيتهم إيَّاه عدم رؤيتهم على وجه يعرفونه، وإلَّا فقد يقع الرؤية لا على هذا الوجه، وقد دلَّ عليه الروايات والنقل عن الأكابر).
↑صفحة ٢٦٠↑
[١٨٩/١٧] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَابُنْدَاذَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: ٣٠]؟
قَالَ: «إِذَا فَقَدْتُمْ إِمَامَكُمْ فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ جَدِيدٍ؟».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ الْآدَمِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَجَلِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَخِيهِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ، مِثْلَهُ بِلَفْظِهِ، إِلَّا أَنَّهُ
↑صفحة ٢٦١↑
قَالَ: «إِذَا غَابَ عَنْكُمْ إِمَامُكُمْ مَنْ يَأْتِيكُمْ بِإِمَامٍ جَدِيدٍ؟»(٨١١)،(٨١٢).
[١٩٠/١٨] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ الْعَبَّاسِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَفْوَانَ اِبْنِ يَحْيَى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ (عليه السلام) غَيْبَةً، وَيَجْحَدُهُ أَهْلُهُ(٨١٣)».
قُلْتُ: وَلِـمَ ذَلِكَ؟
قَالَ: «يَخَافُ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ -».
[١٩١/١٩] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ(٨١٤)، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ (عليه السلام) غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨١١) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٩ و٣٤٠/ باب في الغيبة/ ح ١٤)؛ وراجع: كمال الدِّين (ص ٣٥١/ باب ٣٣/ ح ٤٨).
(٨١٢) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٤): (قوله: ﴿إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ ماء غور أي غائر في الأرض، وُصِفَ بالمصدر مبالغةً، وماء معين ماء جارٍ في الأرض، والمعين فعيل بمعنى فاعل. قوله: (إذا غاب عنكم إمامكم فمن يأتيكم بإمام جديد) شبَّه الإمام الغائب بالماء الغائر في الخفاء عن الخلق مع كثرة النفع وشدَّة احتياجهم إليه، وشبَّه الإمام الحاضر الذي يأتي بعد غيبته بالماء المعين الجاري في الأرض في جريانه وسيره فيها ونفعه لأهلها، وفيه على هذا التأويل دلالة على الغيبة، وعلى أنَّ تعيين الإمام ونصبه من عند الله تعالى، وهو الحقُّ كما مرَّ سابقاً).
(٨١٣) أي يُنكِرون ميلاده أو وجوده خوفاً من قتله.
(٨١٤) الظاهر كونه أحمد بن الحسن بن عليِّ بن فضَّال، المكنَّى بأبي عبد الله أو أبي الحسين، وهو فطحي موثَّق، كما في رجال النجاشي (ص ٨٠/ الرقم ١٩٤)، وفي بعض النُّسَخ: (أحمد ابن الحسين)، وهو أحمد بن الحسين بن سعيد القرشي ظاهراً، ذكره الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (ص ٧٠/ الرقم ٨٠/١٨).
↑صفحة ٢٦٢↑
قُلْتُ: وَلِـمَ؟
قَالَ: «يَخَافُ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ، يَعْنِي الْقَتْلَ(٨١٥) -».
[١٩٢/٢٠] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨١٥) قال الشيخ الطوسي (رحمه الله) في كتاب الغيبة (ص ٣٢٩ - ٣٣١): (لا علَّة تمنع من ظهوره [(عليه السلام)] إلَّا خوفه على نفسه من القتل، لأنَّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار، وكان يتحمَّل المشاقَّ والأذى، فإنَّ منازل الأئمَّة وكذلك الأنبياء (عليهم السلام) إنَّما تعظم لتحمُّلهم المشاقَّ العظيمة في ذات الله تعالى. فإنْ قيل: هلَّا منع الله من قتله بما يحول بينه وبين من يريد قتله؟ قلنا: المنع الذي لا ينافي التكليف هو النهي عن خلافه والأمر بوجوب اتِّباعه ونصرته والزام الانقياد له، وكلُّ ذلك فعله تعالى، وأمَّا الحيلولة بينهم وبينه فإنَّه ينافي التكليف، وينقض الغرض [به]، لأنَّ الغرض بالتكليف استحقاق الثواب، والحيلولة ينافي ذلك، وربَّما كان في الحيلولة والمنع من قتله بالقهر مفسدة للخلق، فلا يحسن من الله فعلها...، إنْ قيل: أليس آباؤه (عليهم السلام) كانوا ظاهرين ولم يخافوا ولا صاروا بحيث لا يصل إليهم أحد؟ قلنا: آباؤه (عليهم السلام) حالهم بخلاف حاله، لأنَّه كان المعلوم من حال آبائه لسلاطين الوقت وغيرهم أنَّهم لا يرون الخروج عليهم، ولا يعتقدون أنَّهم يقومون بالسيف ويزيلون الدول، بل كان المعلوم من حالهم أنَّهم ينتظرون مهديًّا لهم، وليس يضرُّ السلطان اعتقاد من يعتقد إمامتهم إذا أمنوهم على مملكتهم ولم يخافوا جانبهم. وليس كذلك صاحب الزمان (عليه السلام)، لأنَّ المعلوم منه أنَّه يقوم بالسيف، ويزيل الممالك، ويقهر كلَّ سلطان، ويبسط العدل، ويميت الجور، فمن هذه صفته يُخاف جانبه، ويُتَّقى فورته، فيُتتبَّع ويُرصَد، ويُوضَع العيون عليه، ويُعنى به خوفاً من وثبته وريبةً من تمكُّنه، فيخاف حينئذٍ، ويحوج إلى التحرُّز والاستظهار، بأنْ يخفي شخصه عن كلِّ من لا يأمنه من وليٍّ وعدوٍّ إلى وقت خروجه. وأيضاً فآباؤه (عليهم السلام) إنَّما ظهروا لأنَّه كان المعلوم أنَّه لو حدث بهم حادث لكان هناك من يقوم مقامه ويسدُّ مسدَّه من أولادهم، وليس كذلك صاحب الزمان (عليه السلام)، لأنَّ المعلوم أنَّه ليس بعده من يقوم مقامه قبل حضور وقت قيامه بالسيف، فلذلك وجب استتاره وغيبته، وفارق حاله حال آبائه (عليهم السلام)، وهذا واضح بحمد الله).
↑صفحة ٢٦٣↑
أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْغُلَامِ(٨١٦) غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، وَهُوَ المَطْلُوبُ تُرَاثُهُ». قُلْتُ: وَلِـمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «يَخَافُ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ، يَعْنِي الْقَتْلَ -».
[١٩٣/٢١] وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله بْنُ أَحْمَدَ بْنِ المُسْتَوْرِدِ الْأَشْجَعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ الله أَبُو جَعْفَرٍ الْحَلَبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله جَعْفَراً (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِلْقَائِمِ (عليه السلام) غَيْبَةً قَبْلَ أَنْ يَقُومَ». قُلْتُ: وَلِـمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «إِنَّهُ يَخَافُ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى بَطْنِهِ، يَعْنِي الْقَتْلَ -».
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ(٨١٧)، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ...، وَذَكَرَ مِثْلَهُ(٨١٨).
[١٩٤/٢٢] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مِيثَمٍ(٨١٩)، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى(٨٢٠)، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ حُصَيْنٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨١٦) في بعض النُّسَخ: (للقائم).
(٨١٧) كذا في الكافي، ولم أجده.
(٨١٨) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٧ و٣٣٨ و٣٤٠ و٣٤٢/ باب في الغيبة/ ح ٥ و٩ و١٨ و٢٩)؛ وراجع: كمال الدِّين (ص ٣٤٢ و٣٤٦/ باب ٣٣/ ح ٢٤ و٣٢، وص ٤٨١/ باب ٤٤/ ح ٧ - ١٠)، وعلل الشرائع (ج ١/ ص ٢٤٦/ باب ١٨٠/ ح ٩)، ودلائل الإمامة (ص ٥٣٥/ ح ٥١٨/١٢٢)، وتقريب المعارف (ص ٤٢٩)، وكنز الفوائد (ص ١٧٥)، والغيبة للطوسي (ص ٣٣٢ و٣٣٣ و٣٣٤/ ح ٢٧٤ و٢٧٩).
(٨١٩) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٨٨/ الرقم ٢١٦): (أحمد بن ميثم بن أبي نعيم الفضل ابن عمر، ولقبه دكين بن حمَّاد مولى آل طلحة بن عبيد الله، أبو الحسين، كان من ثقات أصحابنا الكوفيِّين ومن فقهائهم).
(٨٢٠) الظاهر كونه عبيد الله بن موسى بن موسى بن أبي المختار العبسي الكوفي، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٣٥/ الرقم ٣٢٠٠/١٠٩) من أصحاب الصادق (عليه السلام).
↑صفحة ٢٦٤↑
الثَّعْلَبِيِّ(٨٢١)، عَنْ أَبِيهِ(٨٢٢)، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام) فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَقُلْتُ لَهُ: كَبِرَتْ سِنِّي، وَدَقَّ عَظْمِي، فَلَسْتُ أَدْرِي يُقْضَى لِي لِقَاؤُكَ أَمْ لَا، فَاعْهَدْ إِلَيَّ عَهْداً، وَأَخْبِرْنِي مَتَى الْفَرَجُ؟
فَقَالَ: «إِنَّ الشَّرِيدَ الطَّرِيدَ الْفَرِيدَ الْوَحِيدَ، المُفْرِدَ مِنْ أَهْلِهِ، المَوْتُورَ بِوَالِدِهِ، المُكَنَّى بِعَمِّهِ، هُوَ صَاحِبُ الرَّايَاتِ، وَاسْمُهُ اسْمُ نَبِيٍّ».
فَقُلْتُ: أَعِدْ عَلَيَّ.
فَدَعَا بِكِتَابٍ أَدِيمٍ أَوْ صَحِيفَةٍ، فَكَتَبَ لِي فِيهَا(٨٢٣).
[١٩٥/٢٣] وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ شَيْبَانَ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ كُلَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ صَبَّاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَالِمٌ الْأَشَلُّ، عَنْ حُصَيْنٍ التَّغْلِبِيِّ، قَالَ: لَقِيتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام)... وَذَكَرَ مِثْلَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ، إِلَّا أَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٢١) عبد الأعلى بن حصين التغلبي أو الثعلبي لم أجده، إنَّما كان في أنساب السمعاني (ج ١/ ص ٥٠٥ و٥٠٦): (عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وهو منسوب إلى الثعلبيَّة إحدى منازل البادية)، وعنونه ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٥٥١/ الرقم ٣٧٤٣) وقال: (صدوق). فيمكن أنْ يكون نسبة إلى الجدِّ.
(٨٢٢) هو حصين بن عامر، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٩١/ الرقم ٢٣٦٥/٢٢٢) من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، قائلاً: (حصين بن عامر، أبو الهيثم الكلبي الكوفي).
(٨٢٣) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٣٧ و٣٨): ((الموتور بوالده): أي قُتِلَ والده ولم يطلب بدمه، والمراد بالوالد إمَّا العسكري (عليه السلام)، أو الحسين، أو جنس الوالد ليشمل جميع الأئمَّة (عليهم السلام). قوله: (المكنَّى بعمِّه) لعلَّ كنية بعض أعمامه أبو القاسم، أو هو (عليه السلام) مكنَّى بأبي جعفر، أو أبي الحسين، أو أبي محمّد أيضاً، ولا يبعد أنْ يكون المعنى لا يُصرَّح باسمه بل يُعبَّر عنه بالكناية خوفاً من عمِّه جعفر، والأوسط أظهر، كما مرَّ في خبر حمزة بن أبي الفتح وخبر عقيد تكنيته (عليه السلام) بأبي جعفر، وسيأتي أيضاً، ولا تنافي التكنية بأبي القاسم أيضاً. قوله (عليه السلام): «اسم نبيٍّ» يعني نبينا (صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
↑صفحة ٢٦٥↑
قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيَّ أَبُو جَعْفَرٍ عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنْ كَلَامِهِ، فَقَالَ: «أَحَفِظْتَ أَمْ أَكْتُبُهَا لَكَ؟».
فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ.
فَدَعَا بِكُرَاعٍ مِنْ أَدِيمٍ أَوْ صَحِيفَةٍ فَكَتَبَهَا لِي، ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَيَّ، وَأَخْرَجَهَا حُصَيْنٌ إِلَيْنَا، فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا، ثُمَّ قَالَ: هَذَا كِتَابُ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام).
[١٩٦/٢٤] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ الطَّائِيُّ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ هُوَ الطَّرِيدُ الشَّرِيدُ(٨٢٤)، المَوْتُورُ بِأَبِيهِ، المُكَنَّى بِعَمِّهِ، المُفْرَدُ مِنْ أَهْلِهِ، اسْمُهُ اسْمُ نَبِيٍّ».
[١٩٧/٢٥] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ قِرَاءَةً عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ اِبْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام).
وَعَنْ يُونُسَ بْنِ يَعْقُوبَ، عَنْ سَالِمٍ المَكِّيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: قَالَ لِي عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ(٨٢٥): «إِنَّ الَّذِي تَطْلُبُونَ وَتَرْجُونَ إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَرَى الَّذِي يُحِبُّ، وَلَوْ صَارَ أَنْ يَأْكُلَ الْأَغْصَانَ أَغْصَانَ الشَّجَرِ».
فأيُّ أمر أوضح؟ وأيُّ طريق أفسح من الطريقة التي دلَّ عليها الأئمَّة (عليهم السلام) في هذه الغيبة ونهجوها لشيعتهم حتَّى يسلكوها مسلِّمين غير معارضين ولا مقترحين ولا شاكِّين؟ وهل يجوز أنْ يقع مع هذا البيان الواقع في أمر الغيبة شكٌّ؟
وأبين من هذا في وضوح الحقِّ لصاحب الغيبة وشيعته ما:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٢٤) في بعض النُّسَخ: (الطريد الفريد).
(٨٢٥) أبو الطفيل هو عامر بن واثلة، فيكون القائل: (قال لي) هو سالم المكِّي.
↑صفحة ٢٦٦↑
[١٩٨/٢٦] حَدَّثَنَا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَابُنْدَاذَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْقَيْسِيُّ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ الْمِيثَمِيِّ(٨٢٦)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا تَوَالَتْ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءٍ: مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ، كَانَ رَابِعُهُمْ قَائِمَهُمْ(٨٢٧)»(٨٢٨).
[١٩٩/٢٧] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ الْبَلْخِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّكُمْ سَتُبْتَلَوْنَ بِمَا هُوَ أَشَدُّ وَأَكْبَرُ، تُبْتَلَوْنَ بِالْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالرَّضِيعِ، حَتَّى يُقَالَ: غَابَ، وَمَاتَ، وَيَقُولُونَ: لَا إِمَامَ، وَقَدْ غَابَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَغَابَ وَغَابَ(٨٢٩)، وَهَا أَنَا ذَا أَمُوتُ حَتْفَ أَنْفِي».
[٢٠٠/٢٨] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَابُنْدَاذَ وَعَبْدُ الله اِبْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٢٦) لم أجده، وكأنَّه إبراهيم بن شعيب الميثمي، وصُحِّف (إبراهيم) بـ(أبي الهيثم) للتشابه الخطِّي.
(٨٢٧) في بعض النُّسَخ: (رابعهم القائم).
(٨٢٨) راجع: إثبات الوصيَّة (ص ٢٦٨)، كمال الدِّين (ص ٣٣٣ و٣٣٤/ باب ٣٣/ ح ٢ و٣)، ودلائل الإمامة (ص ٤٤٧/ ح ٤٢٢/٢٦)، وكفاية الأثر (ص ٢٨٤ و٢٨٥)، والغيبة للطوسي (ص ٢٣٣/ ح ٢٠١).
(٨٢٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ١٥٥): (قوله (عليه السلام): «غاب وغاب»: أي كان له غيبات كثيرة كغيبته في حراء وفي شِعب أبي طالب وفي الغار وبعد ذلك إلى أنْ دخل المدينة، ويحتمل أنْ يكون فاعل الفعلين محذوفاً بقرينة المقام، أي غاب غيره من الأنبياء، ويحتمل أنْ يكون (عليه السلام) ذكرهم وعبَّر الراوي هكذا اختصاراً).
↑صفحة ٢٦٧↑
الزَّرَّادُ، قَالَ: قَالَ لِيَ الرِّضَا (عليه السلام): «إِنَّهُ - يَا حَسَنُ - سَيَكُونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ(٨٣٠) صَيْلَمٌ يَذْهَبُ فِيهَا كُلُّ وَلِيجَةٍ(٨٣١) وَبِطَانَةٍ(٨٣٢) - وَفِي رِوَايَةٍ: يَسْقُطُ فِيهَا كُلُّ وَلِيجَةٍ وَبِطَانَةٍ -، وَذَلِكَ عِنْدَ فِقْدَانِ الشِّيعَةِ الثَّالِثَ مِنْ وُلْدِي، يَحْزَنُ لِفَقْدِهِ أَهْلُ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، كَمْ مِنْ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ مُتَأَسِّفٍ مُتَلَهِّفٍ حَيْرَانَ حَزِينٍ لِفَقْدِهِ(٨٣٣)»، ثُمَّ أَطْرَقَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: «بِأَبِي وَأُمِّي، سَمِيُّ جَدِّي، وَشَبِيهِي وَشَبِيهُ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، عَلَيْهِ جُيُوبُ النُّورِ، يَتَوَقَّدُ مِنْ شُعَاعِ ضِيَاءِ الْقُدْسِ، كَأَنِّي بِهِ آيَسَ مَا كَانُوا قَدْ نُودُوا نِدَاءً يَسْمَعُهُ مَنْ بِالْبُعْدِ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ بِالْقُرْبِ، يَكُونُ رَحْمَةً عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَعَذَاباً عَلَى الْكَافِرِينَ».
فَقُلْتُ: بِأَبِي وأُمِّي أَنْتَ، وَمَا ذَلِكَ النِّدَاءُ؟
قَالَ: «ثَلَاثَةُ أَصْوَاتٍ فِي رَجَبٍ: أَوَّلُهَا: ﴿أَلَا لَعْنَةُ الله عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ [هود: ١٨]، وَالثَّانِي: ﴿أَزِفَتِ الْآزِفَةُ﴾ [النجم: ٥٧] يَا مَعْشَرَ المُؤْمِنِينَ، وَالثَّالِثُ: يَرَوْنَ يَداً بَارِزاً(٨٣٤) مَعَ قَرْنِ الشَّمْسِ، يُنَادِي: أَلَا إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ فُلَاناً عَلَى هَلَاكِ الظَّالِمِينَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَأْتِي المُؤْمِنِينَ الْفَرَجُ، وَيَشْفِي اللهُ صُدُورَهُمْ، وَيُذْهِبْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٣٠) في النهاية لابن الأثير (ج ٣/ ص ٥٤): (ومنه الحديث: «الفتنة الصمَّاء العمياء» هي التي لا سبيل إلى تسكينها لتناهيها في دهائها، لأنَّ الأصمَّ لا يسمع الاستغاثة، فلا يقلع عمَّا يفعله. وقيل: هي كالحيَّة الصمَّاء التي لا تقبل الرقي).
(٨٣١) في لسان العرب (ج ٢/ ص ٤٠٠/ مادَّة ولج): (وليجة الرجل: بطانته وخاصَّته ودخلته).
(٨٣٢) في لسان العرب (ج ١٣/ ص ٥٥/ مادَّة بطن): (بطانة الرجل: صاحب سرِّه وداخلة أمره الذي يشاوره في أحواله).
(٨٣٣) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام): (كم من حرَّى مؤمنة وكم من مؤمن متأسِّف حيران حزين عند فقدان الماء المعين).
(٨٣٤) في جلِّ النُّسَخ: (بدناً بارزاً).
↑صفحة ٢٦٨↑
غَيْظَ قُلُوبِهِمْ»(٨٣٥).
[٢٠١/٢٩] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ المَدِينِيُّ(٨٣٦)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَسْبَاطٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَدْ طَالَ هَذَا الْأَمْرُ عَلَيْنَا حَتَّى ضَاقَتْ قُلُوبُنَا وَمِتْنَا كَمَداً(٨٣٧).
فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ آيَسَ مَا يَكُونُ مِنْهُ وَأَشَدَّهُ غَمّاً، يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِ الْقَائِمِ وَاسْمِ أَبِيهِ».
فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا اسْمُهُ؟
فَقَالَ: «اسْمُهُ اسْمُ نَبِيٍّ، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمُ وَصِيٍّ(٨٣٨)».
[٢٠٢/٣٠] وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التَّيْمُلِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ.
وَحَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ بُزُرْجَ(٨٣٩)، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَكُونُ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٣٥) راجع: الإمامة والتبصرة (ص ١١٤/ ح ١٠٢)، وكمال الدِّين (ص ٣٧٠ و٣٧١/ باب ٣٥/ ح ٣)، وعيون أخبار الرضا (ج ٢/ ص ٩ و١٠/ ح ١٤)، ودلائل الإمامة (ص ٤٦٠ و٤٦١/ ح ٤٤١/٤٥)، وكفاية الأثر (ص ١٥٨ و١٥٩).
(٨٣٦) في بعض النُّسَخ: (المدائني).
(٨٣٧) أي حزناً. في لسان العرب (ج ٣/ ص ٣٨١/ مادَّة كمد): (كمِدَ كَمَداً وأَكْمَده: الحزن).
(٨٣٨) لم يُصرِّح باسمه واسم أبيه لئلَّا يشتهر.
(٨٣٩) منصور بن يونس القرشي، مولاهم، أبو يحيى، وقيل: أبو سعيد، يقال له: بزرج، كوفي، ثقة. راجع: رجال النجاشي (ص ٤١٣/ الرقم ١١٠٠)، ورجال الطوسي (ص ٣٠٦/ الرقم ٤٥١٠/٥٣٥).
↑صفحة ٢٦٩↑
غَيْبَةٌ فِي بَعْضِ هَذِهِ الشِّعَابِ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةِ ذِي طُوًى(٨٤٠) -، حَتَّى إِذَا كَانَ قَبْلَ خُرُوجِهِ أَتَى المَوْلَى الَّذِي كَانَ مَعَهُ حَتَّى يَلْقَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ: كَمْ أَنْتُمْ هَاهُنَا؟ فَيَقُولُونَ: نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلاً، فَيَقُولُ: كَيْفَ أَنْتُمْ لَوْ رَأَيْتُمْ صَاحِبَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَالله لَوْ نَاوَى بِنَا الْجِبَالُ لَنَاوَيْنَاهَا مَعَهُ، ثُمَّ يَأْتِيهِمْ مِنَ الْقَابِلَةِ وَيَقُولُ: أَشِيرُوا إِلَى رُؤَسَائِكُمْ أَوْ خِيَارِكُمْ عَشَرَةً، فَيُشِيرُونَ لَهُ إِلَيْهِمْ، فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ حَتَّى يَلْقَوْا صَاحِبَهُمْ، وَيَعِدُهُمُ اللَّيْلَةَ الَّتِي تَلِيهَا».
ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «وَالله لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَقَدْ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى الْحَجَرِ، فَيَنْشُدُ اللهَ حَقَّهُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ يُحَاجُّنِي فِي الله فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالله. أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ يُحَاجُّنِي فِي آدَمَ فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِآدَمَ. أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ يُحَاجُّنِي فِي نُوحٍ فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِنُوحٍ. أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ يُحَاجُّنِي فِي إِبْرَاهِيمَ فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ. أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ يُحَاجُّنِي فِي مُوسَى فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِمُوسَى. أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ يُحَاجُّنِي فِي عِيسَى فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى. أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ يُحَاجُّنِي فِي مُحَمَّدٍ فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم). أَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ يُحَاجُّنِي فِي كِتَابِ الله فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِكِتَابِ الله، ثُمَّ يَنْتَهِي إِلَى المَقَامِ فَيُصَلِّي عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ وَيَنْشُدُ اللهَ حَقَّهُ».
ثُمَّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «وَهُوَ وَالله المُضْطَرُّ الَّذِي يَقُولُ اللهُ فِيهِ: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرضِ﴾ [النمل: ٦٢]، فِيهِ نَزَلَتْ وَلَهُ»(٨٤١).
[٢٠٣/٣١] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٤٠) في مراصد الاطِّلاع (ج ٢/ ص ٨٩٤): (ذو طوى - بالضمِّ -: موضع عند مكَّة. وقيل: هو بالفتح، وقيل: بالكسر، ومنهم من يضمُّها، والفتح أشهر: وادٍّ بمكَّة، قيل: هو الأبطح).
(٨٤١) تفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ٥٦ و٥٧/ ح ٤٩)، تفسير القمِّي (ج ٢/ ص ٢٠٥).
↑صفحة ٢٧٠↑
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «لَا يَزَالُونَ وَلَا تَزَالُ حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ لِهَذَا الْأَمْرِ مَنْ لَا يَدْرُونَ خُلِقَ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ».
[٢٠٤/٣٢] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ.
وَقَدْ حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، قَالَا جَمِيعاً: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، قَالَ: «لَا تَزَالُونَ تَمُدُّونَ أَعْنَاقَكُمْ إِلَى الرَّجُلِ مِنَّا، تَقُولُونَ: هُوَ هَذَا، فَيَذْهَبُ اللهُ بِهِ، حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ لِهَذَا الْأَمْرِ مَنْ لَا تَدْرُونَ وُلِدَ أَمْ لَمْ يُولَدْ، خُلِقَ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ».
[٢٠٥/٣٣] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام)(٨٤٢) يَقُولُ: «لَا يَزَالُ وَلَا تَزَالُونَ تَمُدُّونَ أَعْيُنَكُمْ إِلَى رَجُلٍ، تَقُولُونَ: هُوَ هَذَا، إِلَّا ذَهَبَ، حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ مَنْ لَا تَدْرُونَ خُلِقَ بَعْدُ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ».
[٢٠٦/٣٤] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ(٨٤٣)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَا تَزَالُونَ وَلَا تَزَالُ حَتَّى يَبْعَثَ اللهُ لِهَذَا الْأَمْرِ مَنْ لَا تَدْرُونَ خُلِقَ أَمْ لَمْ يُخْلَقْ».
أليس في هذه الأحاديث - يا معشر الشيعة ممَّن وهب الله تعالى له التمييز وشافي التأمُّل والتدبُّر لكلام الأئمَّة (عليهم السلام) - بيان ظاهر، ونور زاهر؟ هل يوجد أحد من الأئمَّة الماضين (عليهم السلام) يُشَكُّ في ولادته، واختُلِفَ في عدمه ووجوده، ودانت طائفة من الأُمَّة به في غيبته، ووقعت الفتن في الدِّين في أيَّامه، وتحيَّر من
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٤٢) في بعض النُّسَخ: (أبا عبد الله (عليه السلام)).
(٨٤٣) هو أبو سمينة الصيرفي. وفي بعض النُّسَخ: (محمّد بن الحسين)، والظاهر كونه تصحيفاً.
↑صفحة ٢٧١↑
تحيَّر في أمره، وصرَّح أبو عبد الله (عليه السلام) بالدلالة عليه بقوله: «إذا توالت ثلاثة أسماء: محمّد وعليٌّ والحسن، كان رابعهم قائمهم»، إلَّا هذا الإمام (عليه السلام) الذي جُعِلَ كمال الدِّين به وعلى يديه، وتمحيص الخلق وامتحانهم وتمييزهم بغيبته، وتحصيل الخاصِّ الخالص الصافي منهم على ولايته(٨٤٤) بالإقامة على نظام أمره والإقرار بإمامته، وإدانة الله بأنَّه حقٌّ، وأنٌّه كائن، وأنَّ أرضه لا تخلو منه وإنْ غاب شخصه، تصديقاً وإيماناً وإيقاناً بكلِّ ما قاله رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأمير المؤمنين والأئمَّة (عليهم السلام) وبشَّروا به من قيامه بعد غيبته بالسيف عند اليأس منه؟
فليتبيَّن متبيِّن ما قاله كلُّ واحدٍ من الأئمَّة (عليهم السلام) فيه، فإنَّه يعينه على الازدياد في البيان، ويلوح منه البرهان، جعلنا الله وإخواننا جميعاً أبداً من أهل الإجابة والإقرار، ولا جعلنا من أهل الجحود والإنكار، وزادنا بصيرةً ويقيناً وثباتاً على الحقِّ وتمسُّكاً به، فإنَّه الموفِّق المسدِّد المؤيِّد(٨٤٥).
[٢٠٧/٣٥] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ أَصْغَرُنَا سِنًّا، وَأَخْمَلُنَا شَخْصاً».
قُلْتُ: مَتَى يَكُونُ ذَاكَ؟
قَالَ: «إِذَا سَارَتِ الرُّكْبَانُ بِبَيْعَةِ الْغُلَامِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَرْفَعُ كُلُّ ذِي صِيصِيَةٍ لِوَاءً، فَانْتَظِرُوا الْفَرَجَ»(٨٤٦)،(٨٤٧).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٤٤) في بعض النُّسَخ: (على قلبه)، وفي بعضها: (على وليِّه).
(٨٤٥) في نسخة: (الموفِّق للصواب برحمته).
(٨٤٦) دلائل الإمامة (ص ٤٨١/ ح ٤٧٤/٧٨).
(٨٤٧) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٣٩): ((أصغرنا سنًّا): أي عند الإمامة. قوله: (سارت الركبان): أي انتشر الخبر في الآفاق بأنْ بويع الغلام أي القائم (عليه السلام). والصيصية: شوكة الديك، وقرن البقر والظباء، والحصن، وكلُّ ما امتُنِعَ به، وهنا كناية عن القوَّة والصولة).
↑صفحة ٢٧٢↑
ولا يُعرَف فيمن مضى من الأئمَّة الصادقين (عليهم السلام أجمعين) ولا في غيرهم ممَّن ادُّعيت لهم الإمامة الدعاوي الباطلة من أُوتم به في صغر سنٍّ إلَّا هذا الإمام (صلَّى الله عليه) الذي حباه الله الإمامة والعلم كما أُوتي عيسى بن مريم ويحيى بن زكريَّا الكتاب والنبوَّة والعلم والحكم صبيًّا.
والدليل على ذلك قول أبي عبد الله (عليه السلام): فيه شبه(٨٤٨) من أربعة أنبياء: أحدهم عيسى بن مريم (عليه السلام)، لأنَّه أُوتي الحكم صبيًّا والنبوَّة والعلم، وأُوتي هذا (عليه السلام) الإمامة. وفي قولهم (عليهم السلام): «هذا الأمر في أصغرنا سنًّا وأخملنا ذكراً(٨٤٩)» دليل عليه وشاهد بأنَّه هو، لأنَّه ليس في الأئمَّة الطاهرين (عليهم السلام) ولا في غير الأئمَّة ممَّن ادُّعي له الدعاوي الباطلة من أُفضي(٨٥٠) إليه الأمر بالإمامة في سنِّه، لأنَّ جميع من أُفضيت إليه الإمامة من أئمَّة الحقِّ وممَّن ادُّعيت له أكبر سنًّا منه، فالحمد لله الذي يحقُّ الحقَّ بكلماته، ويقطع دابر الكافرين(٨٥١).
[٢٠٨/٣٦] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَابُنْدَاذَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَلِيٍّ الْقَيْسِيِّ(٨٥٢)، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٤٨) تقدَّم أنَّه (فيه سُنَن من أربعة أنبياء).
(٨٤٩) كان فيما مرَّ: (أخملنا شخصاً).
(٨٥٠) في لسان العرب (ج ١٥/ص ١٥٧/مادَّة فضا): (أَفْضى فلان إِلى فلان: أي وَصَل إِليه).
(٨٥١) الدابر: المتأخِّر والتابع وآخر كلِّ شيء، والمراد انقراضهم. راجع: لسان العرب (ج ٤/ ص ٢٦٨/ مادَّة دبر).
(٨٥٢) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٠٥/ الرقم ٢٦٤): (أُميَّة بن عليٍّ القيسي الشامي ضعَّفه أصحابنا)، ولكن ضعفه لا يضرُّ، لما يأتي الخبر عن ابن بزيع الثقة.
↑صفحة ٢٧٣↑
عَلِيٍّ الرِّضَا (عليهما السلام): مَنِ الْخَلَفُ بَعْدَكَ؟
فَقَالَ: «ابْنِي عَلِيٌّ، وَابنا عليٍّ»، ثُمَّ أَطْرَقَ مَلِيًّا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ حَيْرَةٌ».
قُلْتُ: فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَإِلَى أَيْنَ؟
فَسَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: «لَا أَيْنَ(٨٥٣) - حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثاً -»، فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «إِلَى المَدِينَةِ».
فَقُلْتُ: أَيُّ المُدُنِ؟
فَقَالَ: «مَدِينَتُنَا هَذِهِ، وَهَلْ مَدِينَةٌ غَيْرُهَا؟».
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ أَنَّهُ حَضَرَ أُمَيَّةَّ بْنَ عَلِيٍّ الْقَيْسِيَّ وَهُوَ يَسْأَلُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنْ ذَلِكَ، فَأَجَابَهُ بِهَذَا الْجَوَابِ.
وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ(٨٥٤)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَلِيٍّ الْقَيْسِيِّ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ(٨٥٥).
[٢٠٩/٣٧] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ الله مُحَمَّدُ بْنُ عِصَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ الْآدَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَظِيمِ اِبْنُ عَبْدِ الله الْحَسَنِيُّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا (عليه السلام) أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «إِذَا مَاتَ ابْنِي عَلِيٌّ بَدَا سِرَاجٌ بَعْدَهُ، ثُمَّ خَفِيَ، فَوَيْلٌ لِلْمُرْتَابِ، وَطُوبَى لِلْغَرِيبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٥٣) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ١٥٧): ((قال: لا أين): أي لا يُهتدى إليه وأين يوجد ويُظفَر به، ثمّ أشار (عليه السلام) إلى أنَّه يكون في بعض الأوقات في المدينة، أو يراه بعض الناس فيها).
(٨٥٤) الظاهر كونه أحمد بن الحسين بن سعيد القرشي. وفي بعض النُّسَخ: (أحمد بن الحسن)، ويحتمل كونه أحمد بن الحسن بن عليِّ بن فضَّال.
(٨٥٥) كفاية الأثر (ص ٢٨٤).
↑صفحة ٢٧٤↑
الْفَارِّ بِدِينِهِ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ أَحْدَاثٌ تَشِيبُ فِيهَا النَّوَاصِي، وَيَسِيرُ الصُّمُّ الصِّلَابُ(٨٥٦)».
أيُّ حيرة أعظم من هذه الحيرة التي أخرجت من هذا الأمر الخلق الكثير والجمَّ الغفير، ولم يبقَ عليه ممَّن كان فيه إلَّا النزر اليسير؟ وذلك لشكِّ الناس، وضعف يقينهم، وقلَّة ثباتهم على صعوبة ما ابتُلِيَ به المخلصون، الصابرون، والثابتون، والراسخون في علم آل محمّد (عليهم السلام)، الراوون لأحاديثهم هذه، العالمون بمرادهم فيها، الدارُّون(٨٥٧) لما أشاروا إليه في معانيها، الذين أنعم الله عليهم بالثبات، وأكرمهم باليقين، والحمد لله ربِّ العالمين.
[٢١٠/٣٨] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ(٨٥٨)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْخَزَّازِ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ؟
فَقَالَ: «لَا».
فَقُلْتُ: فَوَلَدُكَ؟
فَقَالَ: «لَا».
فَقُلْتُ: فَوَلَدُ وَلَدِكَ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٥٦) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ١٥٧): (سير الصمِّ الصلاب: كناية عن شدَّة الأمر وتغيُّر الزمان حتَّى كأنَّ الجبال زالت عن مواضعها، أو عن تزلزل الثابتين في الدِّين عنه).
(٨٥٧) يعني أهل الدراية والفهم لمغزى كلامهم ومقاصد ألفاظهم وتعابيرهم.
(٨٥٨) كذا، وليس في الكافي (محمّد بن يحيى)، وهو الصواب، لعدم رواية محمّد بن يحيى عن أحمد بن إدريس، واتِّحاد طبقتهما.
↑صفحة ٢٧٥↑
فَقَالَ: «لَا».
قُلْتُ: فَوَلَدُ وَلَدِ وَلَدِكَ؟
قَالَ: «لَا».
قُلْتُ: فَمَنْ هُوَ؟
قَالَ: «الَّذِي يَمْلَأُهَا عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً لَعَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ يَأْتِي(٨٥٩) كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بُعِثَ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ»(٨٦٠)،(٨٦١).
[٢١١/٣٩] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الثَّالِثِ (عليه السلام)(٨٦٢) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا رُفِعَ عَلَمُكُمْ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ فَتَوَقَّعُوا الْفَرَجَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِكُمْ»(٨٦٣)،(٨٦٤).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٥٩) ليس في الكافي قوله: (يأتي).
(٨٦٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٤١/ باب في الغيبة/ ح ٢١).
(٨٦١) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٧): (قوله: (الذي يملأها عدلاً) ذكر (عليه السلام) آيتين من آيات صاحب الأمر ولم يوجد فيمن ذكر شيء منهما، إحداهما استيلاؤه على أهل الأرض، وإظهار العدل شرقاً وغرباً، ورفع الجور أصلاً وفرعاً، وأُخراهما ظهوره بعد فترة من الأئمَّة، بمعنى عدم وجود إمام ظاهر بينه وبين السابق، والفترة بين الرسولين هي الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة، وأصلها الضعف والانكسار).
(٨٦٢) في بعض النُّسَخ: (أبي الحسن الرضا (عليه السلام)).
(٨٦٣) الكافي (ج ١/ ص ٣٤١/ باب في الغيبة/ ح ٢٤)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٣١/ ح ١٣٧)، والهداية الكبرى (ص ٣٦٤)، وإثبات الوصيَّة (ص ٢٦٧)، وكمال الدِّين (ص ٣٨١/ باب ٣٧/ ح ٤).
(٨٦٤) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٨): (قوله: (إذا رُفِعَ عَلَمكم من بين أظهركم) هذا أيضاً من علامات ظهوره (عليه السلام)، لأنَّ الناس في ذلك العصر معزولون عن العلم والعمل وموصوفون بالجهل والزلل، ولا همَّ لهم إلَّا السير في ميدان الضلالة والشقاوة، ولا عزم إلَّا السباق في مضمار الغواية والغباوة. قوله: (فتوقَّعوا الفرج من تحت أقدامكم) مبالغة في قرب زمان ظهوره حينئذٍ، أو كناية عن ظهوره قبل رجوعهم إلى منازلهم).
↑صفحة ٢٧٦↑
[٢١٢/٤٠] مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ [المدَّثِّر: ٨]، قَالَ: «إِنَّ مِنَّا إِمَاماً مُسْتَتِراً، فَإِذَا أَرَادَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) إِظْهَارَ أَمْرِهِ نَكَتَ فِي قَلْبِهِ نَكْتَةً، فَظَهَرَ فَقَامَ بِأَمْرِ الله (عزَّ وجلَّ)»(٨٦٥)،(٨٦٦).
[٢١٣/٤١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَشَّاءِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَابُدَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْبَةٍ، وَلَابُدَّ لَهُ فِي غَيْبَتِهِ مِنْ عُزْلَةٍ، وَنِعْمَ المَنْزِلُ طَيْبَةُ، وَمَا بِثَلَاثِينَ مِنْ وَحْشَةٍ»(٨٦٧)،(٨٦٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٦٥) الكافي (ج ١/ ص ٣٤٣/ باب في الغيبة/ ح ٣٠)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ١٢٣/ ح ١٢١)، وإثبات الوصيَّة (ص ٢٦٩)، وكمال الدِّين (ص ٣٤٩/ باب ٣٣/ ح ٤٢)، والغيبة للطوسي (ص ١٦٤/ ح ١٢٦)، واختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٤٣٧/ ح ٣٣٨).
(٨٦٦) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٧١): (قوله: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ﴾ أي فإذا نُفِخَ في الصور وصُوِّت فيه، والناقور فاعول من النقر بمعنى التصويت، والنفخ وهو ما يُنفَخ ويُصوَّت فيه مثل القرن وغيره، وقد شبَّه (عليه السلام) به قلب المنتظَر، ففي الكلام مكنيَّة وتخييليَّة).
(٨٦٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٤٠/ باب في الغيبة/ ح ١٦)؛ وراجع: تقريب المعارف (ص ٤٣١)، والغيبة للطوسي (ص ١٦٢/ ح ١٢١).
(٨٦٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٥): (قوله: (ولابدَّ له في غيبته من عزلة) إشارة إلى الغيبة الكبرى، لأنَّه يعتزل فيها الناس جميعاً، وفي بعض النُّسَخ: (ولا له في غيبته من عزلة)، وله وجه أيضاً، لأنَّه بين الناس ويراهم ولا يرونه مع ظهور آثاره عليهم ووصول فوائده إليهم كما مرَّ. قوله: (ونعم المنزل طيبة) طيبة بفتح الطاء، وقد يقال: طابة، سمَّى النبيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بذلك المدينة من الطيب وهو الطهارة، وقيل: الطيب العيش بها، وقيل: الطيب أرضها، قال الفاضل الأمين الأسترآبادي: يعني أنَّ طيبة وهي المدينة المعروفة منزله (عليه السلام)، وكان يستأنس بثلاثين من أوليائه، ويحتمل أنْ يكون هذا حاله في الصغرى. أقول: وممَّا يُؤيِّد هذا ما مرَّ في باب الإشارة إلى صاحب الزمان عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمّد (عليه السلام): جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أنْ أسألك؟ فقال: «سَلْ»، قلت: يا سيِّدي، هل لك ولد؟ فقال: «نعم»، قلت: فإنْ حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: «بالمدينة». وقيل: كان طيبة اسم محلٍّ هو منزله (عليه السلام) مع ثلاثين من أصحابه وهو ليس بمستوحش معهم، وقيل: يحتمل أنْ يكون المراد أنَّه (عليه السلام) على هيأة مَنْ سنُّه ثلاثون سنة أبداً، وما في هذا السنِّ من وحشة، والله أعلم).
↑صفحة ٢٧٧↑
[٢١٤/٤٢] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ رِجَالِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنْ بَلَغَكُمْ عَنْ صَاحِبِكُمْ غَيْبَةٌ فَلَا تُنْكِرُوهَا».
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، مِثْلَهُ(٨٦٩)،(٨٧٠).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٦٩) الكافي (ج ١/ ص ٣٣٨ و٣٤٠/ باب في الغيبة/ ح ١٠ و١٥)؛ وراجع: الغيبة للطوسي (ص ١٦٠ و١٦١/ ح ١١٨).
(٨٧٠) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٢٦٠): (قوله: (إنْ بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تُنكِروها) لأنَّ غيبته حقٌّ ثابت وأمر محتوم، والمنكر لها القائل بعدم وجوده كالمنكر لإمامة عليٍّ (عليه السلام)، كما دلَّ عليه بعض الروايات من أنَّه كيف يؤمن بالأوَّل من لا يؤمن بالآخر. ولا وجه للإنكار أصلاً، لأنَّ سببه إمَّا استبعاد أنْ يكون الهادي للخلائق غائباً عنهم، وهو باطل، لتحقُّق الغيبة لجميع الأنبياء والأوصياء كما دلَّ عليه تصفُّح الأخبار وتتبُّع الآثار. وإمَّا طول الزمان واستبعاد أنْ يكون لأحد هذا العمر الطويل، وهو أيضاً باطل، لتحقُّقه في كثير من الخلائق).
↑صفحة ٢٧٨↑
[٢١٥/٤٣] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ المَسْعُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ قَدْ قَامَ الْقَائِمُ لَأَنْكَرَهُ النَّاسُ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَابًّا مُوفَقاً لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ إِلَّا مَنْ قَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ فِي الذَّرِّ الْأَوَّلِ»(٨٧١)،(٨٧٢).
وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ قَالَ (عليه السلام): «وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْبَلِيَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِمْ صَاحِبُهُمْ شَابًّا وَهُمْ يَحْسَبُونَهُ شَيْخاً كَبِيراً».
[٢١٦/٤٤] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ طَرْخَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ اِبْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «الْقَائِمُ مِنْ وُلْدِي يُعَمَّرُ عُمُرَ الْخَلِيلِ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ يُدْرَى بِهِ، ثُمَّ يَغِيبُ غَيْبَةً فِي الدَّهْرِ، وَيَظْهَرُ فِي صُورَةِ شَابٍّ مُوفَقٍ ابْنِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، حَتَّى تَرْجِعَ عَنْهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(٨٧٣)،(٨٧٤).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٧١) الغيبة للطوسي (ص ٤٢٠/ ح ٣٩٨)، وسيأتي تحت الرقم (٢٦٠/٢٠).
(٨٧٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٨٧): (لعلَّ المراد بالموفق المتوافق الأعضاء المعتدل الخلق، أو هو كناية عن التوسُّط في الشباب بل انتهاؤه، أي ليس في بدء الشباب فإنَّ في مثل هذا السنِّ يُوفَّق الإنسان لتحصيل الكمال).
(٨٧٣) دلائل الإمامة (ص ٤٨١ و٤٨٢/ح ٤٧٥/٧٩)، الغيبة للطوسي (ص ٤٢٠/ح ٣٩٧).
(٨٧٤) كأنَّ في الخبر تقديماً وتأخيراً من قِبَل الراوي أو الكاتب، والأصل فيه هكذا: (القائم من ولدي يُعمَّر عمر الخليل عشرين ومائة سنة يُدرى به، ثمّ يغيب غيبة في الدهر حتَّى يرجع عنه طائفة من الناس، ويظهر في صورة شابٍّ موفق ابن اثني وثلاثين سنة، يملأ الأرض قسطاً...) إلخ. ومعناه أنَّ الناس بعدما مضى من عمره الشريف عشرون ومائة سنة يشكُّون في أمره ويرجع بعضهم عنه، والعمر الطبيعي عند الناس مائة وعشرون سنة، وفي هذه المدَّة ينتظرونه، فإذا انقضت المدَّة يرتابون فيه. وتصرُّف الرواة أو النُّسَّاخ في ألفاظ أمثال هذه الأخبار ليس بقليل، كما أنَّ الشيخ الطوسي (رحمه الله) روى هذا الخبر في الغيبة عن محمّد بن همَّام بسند المتن لكنَّه هكذا: «إنَّ وليَّ الله يُعمَّر عمر إبراهيم الخليل عشرين ومائة سنة، ويظهر في صورة فتى موفق ابن ثلاثين سنة» بدون ذكر باقي الخبر، واختلاف لفظهما بل مفهومهما واضح مع أنَّ السند متَّحد. ثمّ قوله: (يُدرى به) كأنَّه معناه: لا يُنسى ذكره.
هذا، وقد نقل العلَّامة المجلسي (رحمه الله) الخبر عن غيبة الشيخ في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٨٧/ ح ٢٢)، وقال: (الغيبة للنعماني: محمّد بن همَّام، مثله، وزاد في آخره: حتَّى ترجع عنه طائفة من الناس يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلِئَت جوراً وظلماً. بيان: لعلَّ المراد عمره في ملكه وسلطنته، أو هو ممَّا بدا لله فيه).
↑صفحة ٢٧٩↑
إنَّ في قول أبي عبد الله (عليه السلام) هذا لمعتبراً ومزدجراً عن العمى والشكِّ والارتياب، وتنبيهاً للساهي الغافل، ودلالةً للمتلدِّد الحيران، أليس فيما قد ذُكِرَ وأُبين من مقدار العمر والحال التي يظهر القائم (عليه السلام) عليها عند ظهوره بصورة الفتى والشابِّ ما فيه كفاية لأُولي الألباب؟ وما ينبغي لعاقل ذي بصيرة أنْ يطول عليه الأمد، وأنْ يستعجل أمر الله قبل أوانه وحضور أيَّامه بلا تغيير، ولذكر الوقت الذي ذُكِرَ أنَّه يظهر فيه مع انقضائه، فإنَّ قولهم (عليهم السلام) الذي يُروى عنهم في الوقت إنَّما هو على جهة التسكين للشيعة والتقريب للأمر عليها، إذ كانوا قد قالوا: «إنَّا لا نُوقِّت»، و«من روى لكم عنَّا توقيتاً فلا تُصدِّقوه، ولا تهابوا أنْ تُكذِّبوه، ولا تعملوا عليه»، وإنَّما شأن المؤمنين أنْ يدينوا الله بالتسليم لكلِّ ما يأتي عن الأئمَّة (عليهم السلام)، وكانوا أعلم بما قالوا، لأنَّ من سلَّم لأمرهم وتيقَّن أنَّه الحقُّ سعد به، وسلم له دينه، ومن عارض وشكَّ وناقض واقترح على الله
↑صفحة ٢٨٠↑
تعالى واختار مُنِعَ اقتراحه، وعُدِمَ اختياره، ولم يُعْطَ مراده وهواه، ولم يرَ ما يُحِبُّه(٨٧٥)، وحصل على الحيرة والضلال والشكِّ والتبلُّد(٨٧٦) والتلدُّد والتنقُّل من مذهب إلى مذهب، ومن مقالة إلى أُخرى(٨٧٧)، وكان عاقبة أمره خسراً.
وإنَّ إماماً هذه منزلته من الله (عزَّ وجلَّ)، وبه ينتقم لنفسه ودينه وأوليائه، وينجز لرسوله ما وعده من إظهار دينه على الدِّين كلِّه ولو كره المشركون حتَّى لا يكون في الأرض كلِّها إلَّا دينه الخالص به وعلى يديه، لحقيق(٨٧٨) بأنْ لا يدَّعي أحد من أهل الجهل محلَّه ومنزلته، وألَّا يغوي أحد من الناس نفسه بادِّعاء هذه المنزلة لسواه، ولا يُهلِكها بالائتمام بغيره، فإنَّه إنَّما يوردها للهلكة ويصليها النار، نعوذ بالله منها، ونسأله الإجارة من عذابها برحمته.
[٢١٧/٤٥] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ(٨٧٩)، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَقُومُ الْقَائِمُ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِأَحَدٍ»(٨٨٠).
[٢١٨/٤٦] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٧٥) في بعض النُّسَخ: (ولم يرَ صاحبه).
(٨٧٦) في لسان العرب (ج ٣/ ص ٩٦/ مادَّة بلد): (تَبَلَّدَ: أي تردَّد متحيِّراً). وفي بعض النُّسَخ: (التبار)، وهو الهلاك، كما في لسان العرب (ج ٤/ ص ٨٨/ مادَّة تبر).
(٨٧٧) في بعض النُّسَخ: (مقالة).
(٨٧٨) (لحقيق) خبر (إنَّ)، ومعناه: لجدير.
(٨٧٩) رواية أبي سمينة عن إبراهيم بن هاشم غريب، ولم أعثر عليه إلَّا في مورد آخر.
(٨٨٠) الإمامة والتبصرة (ص ١١٦/ ح ١٠٦)، كمال الدِّين (ص ٤٧٩ و٤٨٠/ باب ٤٤/ ح ٢ و٣).
↑صفحة ٢٨١↑
أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَقُومُ الْقَائِمُ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ عَقْدٌ وَلَا عَهْدٌ وَلَا بَيْعَةٌ»(٨٨١).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٨١) تقدَّم الخبر بهذا السند تحت الرقم (١٧٦/٤).
↑صفحة ٢٨٢↑
فصل: [روايات في ذكر الحيرة بعد غيبة الإمام (عجَّل الله فرجه)]
وممَّا يُؤكِّد أمر الغيبة ويشهد بحقِّيَّتها وكونها، وبحال الحيرة التي تكون للناس فيها، وأنَّها فتنة لابدَّ من كونها، ولن ينجو منها إلَّا الثابت على شدَّتها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) فيها، وهو ما:
[٢١٩/١] حَدَّثَنَا بِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ مُزَاحِمٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ (عليه السلام) يَقُولُ: «لَا تَنْفَكُّ هَذِهِ الشِّيعَةُ حَتَّى تَكُونَ بِمَنْزِلَةِ المَعْزِ، لَا يَدْرِي الْخَابِسُ عَلَى أَيِّهَا يَضَعُ يَدَهُ، فَلَيْسَ لَهُمْ شُرَفٌ يُشْرِفُونَهُ، وَلَا سِنَادٌ يَسْتَنِدُونَ إِلَيْهِ فِي أُمُورِهِمْ(٨٨٢)»(٨٨٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٨٢) الشرف: المكان العالي، أي ليس لهم مأوى ومعقل يشرفونه ويلتجئون إليه للاحتراز عن سيول الفتن والحوادث، أو الشرف بمعنى العلو بين الناس، فالمعنى ليس لهم شرف يتشرَّفون بسببه فيدفع عنهم الأذى والقتل. وفي بعض النُّسَخ: (ليس لهم شُرَف يرتقونه)، فهو بالمعنى الأوَّل أنسب. والسناد - بالكسر -: ما يُستنَد إليه في الأُمور. والجملتين الأخيرتين كالتفسير لوجه التشبيه.
(٨٨٣) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ١١٤): (خبس الشيء بكفِّه: أخذه، وفلاناً حقَّه: ظلمه، أي يكون كلُّهم مشتركين في العجز حتَّى لا يدري الظالم أيَّهم يظلم، لاشتراكهم في احتمال ذلك، كقصاب يتعرَّض لقطيع من المعز لا يدري أيَّهم يأخذ للذبح).
↑صفحة ٢٨٣↑
[٢٢٠/٢] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَدْرٍ، عَنْ عُلَيْمٍ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ (رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى) أَنَّهُ قَالَ: لَا يَنْفَكُّ المُؤْمِنُونَ حَتَّى يَكُونُوا كَمَوَاتِ المَعْزِ(٨٨٤)، لَا يَدْرِي الْخَابِسُ عَلَى أَيِّهَا يَضَعُ يَدَهُ، لَيْسَ فِيهِمْ شُرَفٌ يُشْرِفُونَهُ، وَلَا سِنَادٌ يُسْنِدُونَ إِلَيْهِ أَمْرَهُمْ.
[٢٢١/٣] وَبِهِ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ عَبْدِ الله الشَّاعِرِ - يَعْنِي ابْنَ عُقْبَةَ(٨٨٥) -، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا (عليه السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِكُمْ تَجُولُونَ جَوَلَانَ الْإِبِلِ، تَبْتَغُونَ مَرْعًى وَلَا تَجِدُونَهَا، يَا مَعْشَرَ الشِّيعَةِ»(٨٨٦).
[٢٢٢/٤] وَبِهِ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ المُثَنَّى الْعَطَّارِ، عَنْ عَبْدِ الله اِبْنِ بُكَيْرٍ.
وَرَوَاهُ الْحَكَمُ(٨٨٧)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كَيْفَ بِكُمْ إِذَا صَعِدْتُمْ فَلَمْ تَجِدُوا أَحَداً، وَرَجَعْتُمْ فَلَمْ تَجِدُوا أَحَداً؟».
[٢٢٣/٥] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٨٤) أي حتَّى يكونوا بمنزلة المعز الميِّت. والمعز جنس واحدها: ماعز. وفي حديث: (كالمعزى الموات التي لا يبالي الخابس أين يضع يده). وفي الكافي (ج ٨/ ص ٢٦٣/ ح ٣٧٩) روى نحو الحديث الأوَّل وفيه: (كالمعزى الموات)، وفي ذيله: سأل أحمد بن محمّد راوي الحديث عن شيخه عليِّ بن الحَكَم: ما موات من المعز؟ قال: التي قد استوت لا يفضل بعضها على بعض. وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٢٦/ ص ٢٥٧): (لعلَّ الراوي بيَّن حاصل المعنى أي التشبيه بالميِّت إنَّما هو في أنَّه لا يتحرَّك ولا يتأثَّر إذا وضعت يدك على أيِّ جزء منه، ويحتمل على تفسيره أنْ يكون التشبيه لمجموع الشيعة بقطيع معز ضعفاء، أو بمعز ميِّت، فالمراد أنْ يكون كلُّهم متساوين في الضعف والعجز).
(٨٨٥) في بعض النُّسَخ: (يعني ابن أبي عقب).
(٨٨٦) الإمامة والتبصرة (ص ١٢٢/ح ١١٩)، كمال الدِّين (ص ٣٠٤/باب ٢٦/ح ١٧ و١٨).
(٨٨٧) كذا، ولعلَّ الصواب: (رفعه إلى أبي جعفر (عليه السلام)).
↑صفحة ٢٨٤↑
الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «لَا تَزَالُونَ تَنْتَظِرُونَ حَتَّى تَكُونُوا كَالمَعْزِ المَهُولَةِ الَّتِي لَا يُبَالِي الْجَازِرُ أَيْنَ يَضَعُ يَدَهُ مِنْهَا، لَيْسَ لَكُمْ شُرَفٌ تُشْرِفُونَهُ، وَلَا سَنَدٌ تُسْنِدُونَ إِلَيْهِ أُمُورَكُمْ»(٨٨٨).
هل هذه الأحاديث (رحمكم الله) إلَّا دالَّة على غيبة صاحب الحقِّ؟ وهو الشرف الذي يشرفه الشيعة، ثمّ على غيبة السبب(٨٨٩) الذي كان منصوباً له (عليه السلام) بينه وبين شيعته، وهو السناد الذي كانوا يسندون إليه أُمورهم فيرفعها إلى إمامهم في حال غيبته (عليه السلام)، والذي هو شرفهم، فصاروا عند رفعه كموات المعز، وقد كان لهم في الوسائط بلاغ وهدى ومسكة للرماق(٨٩٠) حتَّى أجرى الله تدبيره وأمضى مقاديره برفع الأسباب مع غيبة الإمام في هذا الزمان الذي نحن فيه لتمحُّص من يُمحَّص، وهلكة من يهلك، ونجاة من ينجو بالثبات على الحقِّ، ونفي الريب والشكِّ، والإيقان بما ورد عن الأئمَّة (عليهم السلام) من أنَّه لابدَّ من كون هذه الغمَّة، ثمّ انكشافها عند مشيئة الله، لا عند مشيئة خلقه واقتراحهم، جعلنا الله وإيَّاكم - يا معشر الشيعة المؤمنين، المتمسِّكين بحبله، المنتمين إلى أمره - ممَّن ينجو من فتنة الغيبة التي يهلك فيها من اختار لنفسه، ولم يرضَ باختيار ربِّه، واستعجل تدبير الله سبحانه ولم يصبر كما أُمِرَ، وأعاذنا الله وإيَّاكم من الضلالة بعد الهدى، إنَّه وليٌّ قدير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٨٨) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ١١٠): (المهولة: أي المفزعة المخوفة فإنَّها تكون أقلّ امتناعاً. والجازر: القصَّاب).
(٨٨٩) أي دالَّة أوَّلاً على غيبة صاحب الحقِّ، ثمّ على غيبة السبب الذي بينه وبين الشيعة، يعني غيبة السفراء.
(٨٩٠) كذا في نسخة، وفي بعضها: (الإرماق)، وفي بعضها: (لإرماق).
↑صفحة ٢٨٥↑
هذا آخر ما حضرني من الروايات في الغيبة، وهو يسير من كثير ممَّا رواه الناس وحملوه، والله وليُّ التوفيق.
* * *
↑صفحة ٢٨٦↑
باب (١١): ما روي فيما أُمِرَ به الشيعة من الصبر والكفِّ والانتظار للفرج(٨٩١)، وترك الاستعجال بأمر الله وتدبيره
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٩١) في بعض النُّسَخ: (والانتظار في حال الغيبة).
↑صفحة ٢٨٧↑
[٢٢٤/١] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُعْفِيُّ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّهُ قَالَ لِي أَبِي (عليه السلام): لَابُدَّ لِنَارٍ مِنْ آذَرْبِيجَانَ لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَكُونُوا أَحْلَاسَ(٨٩٢) بُيُوتِكُمْ، وأَلْبِدُوا مَا أَلْبَدْنَا(٨٩٣)، فَإِذَا تَحَرَّكَ مُتَحَرِّكُنَا فَاسْعَوْا إِلَيْهِ وَلَوْ حَبْواً(٨٩٤)، وَالله لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى كِتَابٍ جَدِيدٍ، عَلَى الْعَرَبِ شَدِيدٌ»، وَقَالَ: «وَيْلٌ لِطُغَاةِ الْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ».
[٢٢٥/٢] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُمَارَةَ الْكِنَانِيِّ(٨٩٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ (عليه السلام): أَوْصِنِي.
فَقَالَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى الله، وَأَنْ تَلْزَمَ بَيْتَكَ وَتَقْعُدَ فِي دَهْمَاءِ هَؤُلَاءِ النَّاسِ، وَإِيَّاكَ وَالْخَوَارِجَ مِنَّا فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ ولَا إِلَى شَيْءٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ لِبَنِي أُمَيَّةَ مُلْكاً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٩٢) في الصحاح للجوهري (ج ٣/ ص ٩١٩/ مادَّة حلس): (الحلس للبعير، وهو كساء رقيق يكون تحت البرذعة...، وفى الحديث: «كن حلس بيتك» أي لا تبرح).
(٨٩٣) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ١٣٦): (ألبد بالمكان: أقام به، ولبد الشيء بالأرض يلبد - بالضمِّ -: أي لصق).
(٨٩٤) في لسان العرب (ج ١٤/ ص ١٦١/ مادَّة حبا): (حَبَا حُبُوًّا: مشى على يديه وبطنه)، يعني أسرعوا في إجابة داعينا بأيِّ وجه ممكن.
(٨٩٥) كذا، ولعلَّه البكري المعنون في رجال الطوسي (ص ٢٤٧/ الرقم ٣٤٣١/٣٤٠).
↑صفحة ٢٨٩↑
لَا يَسْتَطِيعُ النَّاسُ أَنْ تَرْدَعَهُ(٨٩٦)، وَأَنَّ لِأَهْلِ الْحَقِّ دَوْلَةً إِذَا جَاءَتْ وَلَّاهَا اللهُ لِمَنْ يَشَاءَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَمَنْ أَدْرَكَهَا مِنْكُمْ كَانَ عِنْدَنَا فِي السَّنَامِ الْأَعْلَى(٨٩٧)، وَإِنْ قَبَضَهُ اللهُ قَبْلَ ذَلِكَ خَارَ لَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَقُومُ عِصَابَةٌ تَدْفَعُ ضَيْماً(٨٩٨) أَوْ تُعِزُّ دِيناً إِلَّا صَرَعَتْهُمُ(٨٩٩) المَنِيَّةُ(٩٠٠) وَالْبَلِيَّةُ حَتَّى تَقُومَ عِصَابَةٌ شَهِدُوا بَدْراً مَعَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لَا يُوَارَى قَتِيلُهُمْ، وَلَا يُرْفَعُ صَرِيعُهُمْ(٩٠١)، وَلَا يُدَاوَى جَرِيحُهُمْ».
قُلْتُ: مَنْ هُمْ؟
قَالَ: «المَلَائِكَةُ».
[٢٢٦/٣] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٨٩٦) في بعض النُّسَخ: (نزعه).
(٨٩٧) أي في المقام الرفيع، وسنام كلُّ شيء أعلاه. راجع: لسان العرب (ج ١٢/ ص ٣٠٦/ مادَّة سنم).
(٨٩٨) في الصحاح للجوهري (ج ٥/ ص ١٩٧٣/ مادَّة ضيم): (الضيم: الظلم).
(٨٩٩) في العين للفراهيدي (ج ١/ ص ٢٩٩/ مادَّة صرع): (صرعه صرعاً: أي طرحه بالأرض).
(٩٠٠) المنيَّة: الموت. راجع: لسان العرب (ج ١٥/ ص ٢٩٢/ مادَّة مني).
(٩٠١) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ١٣٦ و١٣٧): (قوله (عليه السلام): (في دهمك) يحتمل أنْ يكون مصدراً مضافاً إلى الفاعل أو إلى المفعول، من قولهم: دهمهم الأمر ودهمتهم الخيل، ويحتمل أنْ يكون اسماً بمعنى العدد الكثير، ويكون (هؤلاء الناس) بدل الضمير. قوله: (والخوارج منَّا): أي مثل زيد وبني الحسن. قوله: (قتيلهم) أي الذين يقتلهم تلك العصابة، والحاصل أنَّ من يقتلهم الملائكة لا يوارون في التراب، ولا يرفع من صرعوهم، ولا يقبل الدواء من جرحوهم، أو المعنى أنَّ تلك عصابة لا يُقتَلون حتَّى يوارى قتيلهم، ولا يُصرَعون حتَّى يُرفَع صريعهم، وهكذا، ويُؤيِّده الآخر الآتي) أي ما يأتي تحت الرقم (٢٢٧/٤).
↑صفحة ٢٩٠↑
عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «لَيْسَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ أَحَدٌ يَدْفَعُ ضَيْماً وَلَا يَدْعُو إِلَى حَقٍّ إِلَّا صَرَعَتْهُ الْبَلِيَّةُ، حَتَّى تَقُومَ عِصَابَةٌ شَهِدَتْ بَدْراً لَا يُوَارَى قَتِيلُهَا، وَلَا يُدَاوَى جَرِيحُهَا».
قُلْتُ: مَنْ عَنَى أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) بِذَلِكَ؟
قَالَ: المَلَائِكَةَ.
[٢٢٧/٤] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِذَا هَلَكَ الْخَاطِبُ(٩٠٢)، وَزَاغَ صَاحِبُ الْعَصْرِ، وَبَقِيَتْ قُلُوبٌ تَتَقَلَّبُ مِنْ مُخْصِبٍ وَمُجْدِبٍ، هَلَكَ المُتَمَنُّونَ، وَاضْمَحَلَّ المُضْمَحِلُّونَ، وَبَقِيَ المُؤْمِنُونَ، وَقَلِيلٌ مَا يَكُونُونَ، ثَلَاثُمِائَةٍ أَوْ يَزِيدُونَ، تُجَاهِدُ(٩٠٣) مَعَهُمْ عِصَابَةٌ جَاهَدَتْ مَعَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ تُقْتَلْ وَلَمْ تَمُتْ».
معنى قول أمير المؤمنين (عليه السلام): «وَزَاغَ صَاحِبُ الْعَصْرِ» أراد صاحب هذا الزمان الغائب الزائغ عن أبصار هذا الخلق لتدبير الله الواقع. ثمّ قال: «وَبَقِيَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٠٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ١٣٨): (لعلَّ المراد بالخاطب الطالب للخلافة، أو الخطيب الذي يقوم بغير الحقِّ، أو بالحاء المهملة، أي جالب الحطب لجهنَّم، ويحتمل أنْ يكون المراد من مرَّ ذكره فإنَّ في بالي أنِّي رأيت هذه الخطبة بطولها وفيها الأخبار عن كثير من الكائنات، والشرح للنعماني).
(٩٠٣) في بعض النُّسَخ: (تجالد معهم عصابة جالدت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم بدر)، في لسان العرب (ج ٣/ ص ١٢٥/ مادَّة جلد): (جالَدْناهم بالسيوف مُجالدة وجِلاداً: ضاربناهم).
↑صفحة ٢٩١↑
قُلُوبٌ تَتَقَلَّبُ مِنْ مُخْصِبٍ وَمُجْدِبٍ» وهي قلوب الشيعة المتقلِّبة عند هذه الغيبة(٩٠٤) والحيرة، فمن ثابت منها على الحقِّ مخصب، ومن عادل عنها إلى الضلال وزخرف المقال مجدب. ثمّ قال: «هَلَكَ المُتَمَنُّونَ» ذمًّا لهم، وهم الذين يستعجلون أمر الله ولا يُسلِّمون له، ويستطيلون الأمد فيهلكون قبل أنْ يروا فرجاً، ويُبقي الله من يشاء أنْ يُبقيه من أهل الصبر والتسليم حتَّى يلحقه بمرتبته، وهم المؤمنون، وهم المخلصون القليلون الذين ذكر (عليه السلام) أنَّهم «ثَلَاثُمِائَةٍ أَوْ يَزِيدُونَ» ممَّن يُؤهِّله الله بقوَّة إيمانه وصحَّة يقينه لنصرة وليِّه (عليه السلام) وجهاد عدوِّه، وهم - كما جاءت الرواية(٩٠٥) - عُمَّاله وحُكَّامه في الأرض عند استقرار الدار به ووضع الحرب أوزارها. ثمّ قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «تُجَاهِدُ مَعَهُمْ عِصَابَةٌ جَاهَدَتْ(٩٠٦) مَعَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ تُقْتَلْ وَلَمْ تَمُتْ» يريد أنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يُؤيِّد أصحاب القائم (عليه السلام) هؤلاء الثلاثمائة والنيِّف الخُلَّص بملائكة بدر، وهم أعدادهم، جعلنا الله ممَّن يُؤهِّله لنصرة دينه مع وليِّه (عليه السلام)، وفعل بنا في ذلك ما هو أهله.
[٢٢٨/٥] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ سَيْفٍ التَّمَّارِ، عَنْ أَبِي المُرْهِفِ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «هَلَكَتِ المَحَاضِيرُ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٠٤) في بعض النُّسَخ: (المتقلِّبة عن هذه الغيبة).
(٩٠٥) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ٦٧٢ و٦٧٣/ باب ٥٨/ ح ٢٥) بسنده عن المفضَّل بن عمر، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كأنِّي أنظر إلي القائم (عليه السلام) على منبر الكوفة وحوله أصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدَّة أهل بدر، وهم أصحاب الألوية، وهم حُكَّام الله في أرضه على خلقه...».
(٩٠٦) في بعض النُّسَخ: (تجالد معهم عصابة جالدت...) إلخ.
↑صفحة ٢٩٢↑
قَالَ: قُلْتُ: وَمَا المَحَاضِيرُ؟
قَالَ: «المُسْتَعْجِلُونَ، وَنَجَا المُقَرِّبُونَ، وَثَبَتَ الْحِصْنُ عَلَى أَوْتَادِهَا، كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ الْغَبَرَةَ عَلَى مَنْ أَثَارَهَا(٩٠٧)، وَإِنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَكُمْ بِجَائِحَةٍ(٩٠٨) إِلَّا أَتَاهُمُ اللهُ بِشَاغِلٍ إِلَّا مَنْ تَعَرَّضَ لَهُمْ(٩٠٩)»(٩١٠).
[٢٢٩/٦] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ زَكَرِيا بن شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ كُلَيْبٍ المَسْعُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبَانٌ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، وَذَلِكَ حِينَ ظَهَرَتِ الرَّايَاتُ السُّودُ بِخُرَاسَانَ، فَقُلْنَا: مَا تَرَى؟
فَقَالَ: «اجْلِسُوا فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمُونَا قَدِ اجْتَمَعْنَا عَلَى رَجُلٍ فَانْهَدُوا(٩١١) إِلَيْنَا بِالسِّلَاحِ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٠٧) في بعض النُّسَخ: (الفتنة على من أثارها).
(٩٠٨) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٣٦٠/ مادَّة جوح): (الجائحة، وهي الشدَّة التي تجتاح المال من سنة أو فتنة).
(٩٠٩) في بعض النُّسَخ: (لأمر يعرض لهم).
(٩١٠) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ١٣٨): ((المحاضير): جمع المحضير، وهو الفرس الكثير العَدْو، و(المقرّبون) بكسر الراء المشدَّدة: أي الذين يقولون: الفرج قريب ويرجون قربه أو يدعون لقربه، أو بفتح الراء: أي الصابرون الذي فازوا بالصبر بقربه تعالى. قوله (عليه السلام): (وثبت الحصن) أي استقرَّ حصن دولة المخالفين على أساسها بأنْ يكون المراد بالأوتاد الأساس مجازاً. وفي الكافي: (وثبتت الحصا على أوتادهم) أي سهلت لهم الأُمور الصعبة كما أنَّ استقرار الحصا على الوتد صعب، أو أنَّ أسباب دولتهم تتزايد يوماً فيوماً، أي لا ترفع الحصا عن أوتاد دولتهم بل يدقُّ بها دائماً، أو المراد بالأوتاد الرؤساء والعظماء، أي قدر ولزم نزول حصا العذاب على عظمائهم. قوله (عليه السلام): (الفتنة على من أثارها) أي يعود ضرر الفتنة على من أثارها أكثر من غيره كما أنَّ بالغبار يتضرَّر مثيرها أكثر من غيره).
(٩١١) في الصحاح للجوهري (ج ٢/ص ٥٤٥/مادَّة نهد): (نهد إلى العدوِّ ينهدُّ بالفتح: أي نهض).
↑صفحة ٢٩٣↑
[٢٣٠/٧] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَالْزَمُوا بُيُوتَكُمْ، فَإِنَّهُ لَا يُصِيبُكُمْ أَمْرٌ تُخَصُّونَ بِهِ أَبَداً، وَيُصِيبُ الْعَامَّةَ(٩١٢)، وَلَا تَزَالُ الزَّيْدِيَّةُ وِقَاءً لَكُمْ أَبَداً»(٩١٣)،(٩١٤).
[٢٣١/٨] وَحَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ(٩١٥)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) يَوْماً وَعِنْدَهُ مِهْزَمٌ الْأَسَدِيُّ، فَقَالَ: جَعَلَنِيَ اللهُ فِدَاكَ، مَتَى هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَهُ فَقَدْ طَالَ عَلَيْنَا؟
فَقَالَ: «يَا مِهْزَمُ، كَذَبَ المُتَمَنُّونَ، وَهَلَكَ المُسْتَعْجِلُونَ، وَنَجَا المُسَلِّمُونَ، وَإِلَيْنَا يَصِيرُونَ»(٩١٦).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩١٢) في بعض النُّسَخ: (ويصيب الغلمة، ولا تزال وقاء لكم) بدون كلمة (الزيديَّة)، وهي - بالكسر -: جمع غلام. وفي بعض النُّسَخ: (ولا يصيب العامَّة) بزيادة (لا).
(٩١٣) الكافي (ج ٢/ ص ٢٢٥/ باب الكتمان/ ح ١٣).
(٩١٤) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٩/ ص ١٣٥): (قوله: (كفُّوا ألسنتكم والزموا بيوتكم فإنَّه لا يصيبكم أمر تخصُّون به أبداً) أمر بكفِّ اللسان عمَّا لا ينبغي عن إظهار السرِّ عند غير أهله، وبلزوم البيت والاعتزال عن الناس وترك مخالطتهم، وبيَّن فائدتهما بأنَّه لا يصيبكم مكروه تخصُّون به أبداً لأجل دينكم، لأنَّ المكروه لأجل الدِّين إنَّما يكون مع مخالطة المخالفين وإفشاء السرِّ عندهم. (ولا تزال الزيديَّة لكم وقاء أبداً) وذلك لأنَّ الزيديَّة لا يُجوِّزون التقيَّة ويوجبون الخروج بالسيف ويدَّعون الخلافة لعليٍّ (عليه السلام)، فالمخالفون يتعرَّضون لهم لا لكم إذا اتَّقيتم، وبالجملة هم يُظهِرون ما تريدون إظهاره فلا حاجة لكم إلى إظهاره حتَّى تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).
(٩١٥) كذا، ولعلَّه أحمد بن أبي أحمد الورَّاق الجرجاني الآتي في الحديث (٣٤٤/٣٨).
(٩١٦) سيأتي بسند آخر تحت الرقم (٣٩٣/١١)، وفيه: (كذب الوقَّاتون).
↑صفحة ٢٩٤↑
[٢٣٢/٩] عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَتَى أَمْرُ الله فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١]، قَالَ: «هُوَ أَمْرُنَا، أَمَرَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَنْ لَا تَسْتَعْجِلَ بِهِ حَتَّى يُؤَيِّدَهُ اللهُ بِثَلَاثَةِ أَجْنَادٍ: المَلَائِكَةِ، وَالمُؤْمِنِينَ، وَالرُّعْبِ. وَخُرُوجُهُ (عليه السلام) كَخُرُوجِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾ [الأنفال: ٥]»(٩١٧).
[٢٣٣/١٠] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ صَالِحِ اِبْنِ مِيثَمٍ وَيَحْيَى بْنِ سَابِقٍ(٩١٨) جَمِيعاً، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «هَلَكَ أَصْحَابُ المَحَاضِيرِ، وَنَجَا المُقَرِّبُونَ، وَثَبَتَ الْحِصْنُ عَلَى أَوْتَادِهَا(٩١٩)، إِنَّ بَعْدَ الْغَمِّ فَتْحاً عَجِيباً»(٩٢٠)،(٩٢١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩١٧) سيأتي تحت الرقم (٣٠٣/٤٣).
(٩١٨) في بعض النُّسَخ: (صالح بن نبط، وبكر بن المثنَّى).
(٩١٩) في الكافي: (وثبت الحصى على أوتادهم).
(٩٢٠) الكافي (ج ٨/ ص ٢٩٤/ ح ٤٥٠).
(٩٢١) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ١٢/ ص ٤١٠): ((هلكت المحاضير): أي المستعجلون ظهور الصاحب (عليه السلام)، الموقنون له...، (ونجا المقرِّبون) الذين يُسلِّمون ظهوره ويقرُّون به غير موقِّتين له...، (وثبت الحصى على أوتادهم) الضمير للمقرِّبين، وهذا كناية عن ثباتهم في مقام الصبر على أذى الأعداء، وتحمُّلهم مكاره الضيق وشدايد البلاء حتَّى لا يسقط خيام صبرهم بصرصر شُبُهات المعاندين، ولا تتحرَّك أوتادها بحصيات مفتريات المخالفين، وهذه العبارة كالمثل في مقام الشدايد...، (إنَّ بعد الغمِّ) الذي لحقنا ولحق شيعتنا بتسلُّط الأعداء ونزول الشدايد والبلاء، (فتحاً عجباً) وهو ظهور الصاحب (عليه السلام) واستيلاؤه على مشارق الأرض ومغاربها).
↑صفحة ٢٩٥↑
[٢٣٤/١١] وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ اِبْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ اِبْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ ضُرَيْسٍ الْكُنَاسِيِّ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام): «لَوَدِدْتُ أَنِّي تُرِكْتُ فَكَلَّمْتُ النَّاسَ ثَلَاثاً، ثُمَّ قَضَى اللهُ فِيَّ مَا أَحَبَّ، وَلَكِنْ عَزْمَةٌ مِنَ الله أَنْ نَصْبِرَ»، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ﴾ [ص: ٨٨]، ثُمَّ تَلَا أَيْضاً قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ [آل عمران: ١٨٦]»(٩٢٢)،(٩٢٣).
[٢٣٥/١٢] عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام) أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ بَعَثَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾ [آل عمران: ٢٠٠]، فَغَضِبَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) وَقَالَ لِلسَّائِلِ: «وَدِدْتُ أَنَّ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا وَاجَهَنِي بِهِ»، ثُمَّ قَالَ: «نَزَلَتْ فِي أَبِي وَفِينَا، وَلَمْ يَكُنِ الرِّبَاطُ الَّذِي أُمِرْنَا بِهِ بَعْدُ، وَسَيَكُونُ ذَلِكَ ذُرِّيَّةً مِنْ نَسْلِنَا المُرَابِطُ»، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا إِنَّ فِي صُلْبِهِ - يَعْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ - وَدِيعَةً ذُرِئَتْ لِنَارِ جَهَنَّمَ، سَيُخْرِجُونَ أَقْوَاماً مِنْ دِينِ الله أَفْوَاجاً، وَسَتُصْبَغُ الْأَرْضُ بِدِمَاءِ فِرَاخٍ مِنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٢٢) تفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ٢١٠ و٢١١/ ح ١٧١).
(٩٢٣) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٦٥/ ص ٢٢٤): (الغرض أنَّ الله تعالى لم يُؤذِن لنا في دولة الباطل أنْ نُظهِر الحقَّ علانية، ونُخرِج ما في صدورنا من علوم لا يحتملها الناس، ولو كنَّا مأذونين لأظهرناها ولم نبالِ بما أصابنا منهم، ولكنَّ الله عزم علينا بالصبر والتقيَّة في دول الظالمين).
↑صفحة ٢٩٦↑
فِرَاخِ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)، تَنْهَضُ تِلْكَ الْفِرَاخُ فِي غَيْرِ وَقْتٍ، وَتَطْلُبُ غَيْرَ مُدْرَكٍ، وَيُرَابِطُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَصْبِرُونَ وَيُصَابِرُونَ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ، وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ»(٩٢٤).
[٢٣٦/١٣] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ اِبْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا﴾، فَقَالَ: «اصْبِرُوا عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَصَابِرُوا عَدُوَّكُمْ، وَرَابِطُوا إِمَامَكُمُ المُنْتَظَرَ»(٩٢٥).
[٢٣٧/١٤] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُثَنَّى الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ زَيْدٍ(٩٢٦)، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليهما السلام)، قَالَ: «مَثَلُ خُرُوجِ الْقَائِمِ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ كَخُرُوجِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَمَثَلُ مَنْ خَرَجَ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ مَثَلُ فَرْخٍ طَارَ فَوَقَعَ مِنْ وَكْرِهِ فَتَلَاعَبَتْ بِهِ الصِّبْيَانُ(٩٢٧)»(٩٢٨).
[٢٣٨/١٥] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ(٩٢٩)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أُكَيْلٍ النُّمَيْرِيِّ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ سَيَابَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٢٤) تفسير القمِّي (ج ٢/ ص ٢٣ و٢٤).
(٩٢٥) قد مرَّ في (ص ٢٣)، فراجع.
(٩٢٦) عثمان بن زيد بن عدي، أبو عدي الجهني، عدَّه الشيخ الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٥٩/ الرقم ٣٦٨٧/٥٩٦) من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام).
(٩٢٧) في بحار الأنوار: (ووقع من كوة فتلاعب بن الصبيان).
(٩٢٨) الكافي (ج ٨/ ص ٢٦٤/ ح ٣٨٢).
(٩٢٩) الظاهر أنَّه أحمد بن الحسين بن سعيد بن عثمان، أبو عبد الله القرشي. وفي بعض النُّسَخ: (أحمد بن الحسن)، وكأنَّه أحمد بن الحسن بن عليِّ بن فضَّال.
↑صفحة ٢٩٧↑
مُنْتَظِراً كَانَ كَمَنْ هُوَ فِي الْفُسْطَاطِ الَّذِي لِلْقَائِمِ (عليه السلام)(٩٣٠)»(٩٣١).
[٢٣٩/١٦] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ اِبْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُعْفِيُّ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا لَا يَقْبَلُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) مِنَ الْعِبَادِ عَمَلًا إِلَّا بِهِ؟».
فَقُلْتُ: بَلَى.
فَقَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَالْإِقْرَارُ بِمَا أَمَرَ اللهُ، وَالْوَلَايَةُ لَنَا، وَالْبَرَاءَةُ مِنْ أَعْدَائِنَا - يَعْنِي الْأَئِمَّةَ خَاصَّةً -، وَالتَّسْلِيمَ لَهُمْ، وَالْوَرَعُ، وَالْاِجْتِهَادُ، وَالطُّمَأْنِينَةُ، والْاِنْتِظَارُ لِلْقَائِمِ (عليه السلام)»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ لَنَا دَوْلَةً يَجِيءُ اللهُ بِهَا إِذَا شَاءَ»، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ فَلْيَنْتَظِرْ، وَلْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ، فَإِنْ مَاتَ وَقَامَ الْقَائِمُ بَعْدَهُ كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ أَدْرَكَهُ، فَجِدُّوا وَانْتَظِرُوا(٩٣٢)، هَنِيئاً لَكُمْ أَيَّتُهَا الْعِصَابَةُ المَرْحُومَةُ»(٩٣٣).
[٢٤٠/١٧] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ مُنَخَّلِ بْنِ جَمِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «اسْكُنُوا مَا سَكَنَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ - أَيْ لَا تَخْرُجُوا عَلَى أَحَدٍ -، فَإِنَّ أَمْرَكُمْ لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ، أَلَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٣٠) في بعض النُّسَخ: (كان كمن في فسطاط القائم (عليه السلام)).
(٩٣١) المحاسن للبرقي (ج ١/ص ١٧٣/ح ١٤٧)، كمال الدِّين (ص ٦٤٤/باب ٥٥/ح ١).
(٩٣٢) في بعض النُّسَخ: (فجدُّوا تعطوا، هنيئاً هنيئاً).
(٩٣٣) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٤٧/ ح ١٣٩).
↑صفحة ٢٩٨↑
إِنَّهَا آيَةٌ مِنَ الله (عزَّ وجلَّ) لَيْسَتْ مِنَ النَّاسِ(٩٣٤)، أَلَا إِنَّهَا أَضْوَأُ مِنَ الشَّمْسِ لَا تَخْفَى عَلَى بَرٍّ وَلَا فَاجِرٍ، أَتَعْرِفُونَ الصُّبْحَ؟ فَإِنَّهَا كَالصُّبْحِ لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ».
اُنظروا (رحمكم الله) إلى هذا التأديب من الأئمَّة (عليهم السلام)، وإلى أمرهم ورسمهم في الصبر والكفِّ والانتظار للفرج، وذكرهم هلاك المحاضير والمستعجلين، وكذب المتمنِّين، ووصفهم نجاة المسلِّمين، ومدحهم للصابرين الثابتين، وتشبيههم إيَّاهم(٩٣٥) على الثبات بثبات الحصن على أوتادها، فتأدَّبوا (رحمكم الله) بتأديبهم، وامتثلوا أمرهم، وسلِّموا لقولهم، ولا تجاوزوا رسمهم، ولا تكونوا ممَّن أرداه الهوى والعجلة، ومال به الحرص عن الهدى والمحجَّة البيضاء.
وفَّقنا الله وإيَّاكم لما فيه السلامة من الفتنة، وثبَّتنا وإيَّاكم على حسن البصيرة، وأسلكنا وإيَّاكم الطريق المستقيمة الموصلة إلى رضوانه، المكسبة سكنى جنانه، مع خيرته وخلصائه، بمنِّه وإحسانه.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٣٤) في بعض النُّسَخ: (آية من الله (عزَّ وجلَّ) جعلها بين الناس).
(٩٣٥) في بعض النُّسَخ: (نسبهم إيَّاهم).
↑صفحة ٢٩٩↑
باب (١٢): ما يلحق (٩٣٦) الشيعة من التمحيص والتفرُّق والتشتُّت عند الغيبة حتَّى لا يبقى على حقيقة الأمر إلّا الأقلّ الذي وصفه الأئمَّة (عليهم السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٣٦) في بعض النُّسَخ: (ما روي فيما يلحق).
↑صفحة ٣٠١↑
[٢٤١/١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَـمَّا بُويِعَ لِأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بَعْدَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَخَطَبَ خُطْبَةً ذَكَرَهَا، يَقُولُ فِيهَا: أَلَا إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْأَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللهُ نَبِيَّهُ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً، وَلَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ، وَأَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ، وَلَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا، وَلَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا، وَالله مَا كَتَمْتُ وَسْمَةً، وَلَا كَذَبْتُ كَذِبَةً، وَلَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا المَقَامِ وَهَذَا الْيَوْمِ»(٩٣٧)،(٩٣٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٣٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٦٩/ باب التمحيص والامتحان/ ح ١، وج ٨/ ص ٦٧/ ح ٢٣)؛ وراجع: نهج البلاغة (ص ٥٧/ ح ١٦).
(٩٣٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٣٨ و٣٣٩): (قوله: (ألَا إنَّ بليَّتكم قد عادت كهيأتها يوم بعث الله نبيَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)) أشار إلى أنَّهم لم يكونوا على دين الحقِّ ومن أهل التقوى والديانة كما لم يكونوا عليه يوم بعثة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفيه رمز على بطلان خلافة الثلاثة وخروج أكثر الصحابة عن الدِّين. وقيل: أشار به إلى ما هم عليه في اختلاف الأوهام وتشتُّت الآراء وعدم الأُلفة والاجتماع في نصرة الله عن شُبُهات يلقيها الشيطان على الأذهان القابلة لوسوسته المقهورة في يده، وذلك من أعظم الفتن التي يبتلي الله عباده، ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٥]، وهي أُمور تشبه ما كان الناس عليه حال بعثة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفي ذلك تنبيه على أنَّهم ليسوا من تقوى الله في شيء. قوله: (والذي بعثه بالحقِّ لتبلبلنَّ بلبلةً) أي لتحركنَّ بالشدائد حركة تزعجكم من مكانكم وتُحيِّركم في شأنكم، أشار به إلى ما يوقع بهم بنو أُميَّة وغيرهم من الخوارج وأُمراء الجور من القتل والأذى والهموم، قال في النهاية: البلابل الهموم والأحزان، وبلبلة الصدر وسوسته، ومنه حديث عليٍّ (عليه السلام): «لتبلبلنَّ...» إلى آخره. قوله: (ولتغربلنَّ غربلةً) أي يذهب خياركم ويبقى أراذلكم، وفيه كناية عن التقاط آحادهم وقصدهم بالأذى والقتل كما فُعِلَ بكثير من الصحابة والتابعين، وفي ذلك تشبيه لفعلهم بغربلة الدقيق ونحوه ليتميَّز شيء منه عن شيء، ولذلك استُعير له لفظها. ويحتمل أنْ يُراد به خلط بعضهم ببعض ووقوع الاضطراب بينهم، لأنَّ غربلة الدقيق يخلط بعضه ببعض، وهو الأنسب بقوله: (حتَّى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم)، لتصريف أئمَّة الجور إيَّاكم وتقليبكم من حال إلى حال وإهانتكم وتغييركم من وضع إلى وضع ومن دين إلى دين. ويحتمل أنْ يُراد بقوله: (حتَّى يعود...) إلى آخر، أنَّه يصير عزيزكم ذليلاً وذليلكم عزيزاً، وهو إخبار عمَّا وقع في عهده (عليه السلام) مع القاسطين والمارقين وبعد عهده من أُمراء بني أُميَّة وغيرهم. قوله: (وليسبقنَّ سبَّاقون كانوا قصَّروا) أشار إلى بعض نتائج تغلُّب الزمان، قيل: أشار بالمقصِّرين الذين يسبقون إلى قوم قصَّروا عن نصرته في مبدأ الأمر عند وفاة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ نصروه في أيَّام خلافته وقاتلوا معه في أيَّام ولايته وحاربوا عدوَّه في محاربته، وبالسابقين الذين يُقصِّرون إلى من كان له في الإسلام سابقة ثمّ يخذله وينحرف عنه ويقاتله كأهل الشام وأصحاب الجمل وأهل النهروان. وقيل: أراد أعمّ من ذلك، أراد بالمقصِّرين الذين يسبقون كلَّ من أخذت العناية الإلهيَّة بيده وقاد زمان التوفيق إلى الجدِّ في طاعة الله واتِّباع سائر أوامره والوقوف عند نواهيه وزواجره بعد تقصير في ذلك، وعكس هؤلاء من كان في مبدأ الأمر مشمِّراً في سلوك سبيل الله ثمّ جذبه هواه إلى غير ما كان عليه وسلك به الشيطان مسلكه فاستبدل بسبقه في الدِّين تقصيراً وانحرافاً. قوله: (والله ما كتمت وشمة ولا كذبت كذبة) الوشمة بالشين المعجمة الكلمة، وبالمهملة العلامة، أقسم بالقسم البارِّ أنَّه لم يكتم كلمة حقٍّ يجب عليه بيانها، أو علامة من علامات الدِّين يتعيَّن عليه إظهارها أنَّه لم يكذب قطُّ ترويجاً لما قبله من الإخبار بوقوعهم في البليَّة، وتوطئة لقوله: (ولقد نُبئت بهذا المقام وهذا اليوم) أي بمقام بيعة الخلق ويوم اجتماعهم، وكلُّ ذلك تنفير لهم عن الباطل إلى الحقِّ، وتثبيت لهم على اتِّباعه).
↑صفحة ٣٠٣↑
[٢٤٢/٢] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ
↑صفحة ٣٠٤↑
أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ (عليه السلام) يَقُولُ: ﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: ١ و٢]، ثُمَّ قَالَ لِي: «مَا الْفِتْنَةُ؟».
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، الَّذِي عِنْدَنَا أَنَّ الْفِتْنَةَ فِي الدِّينِ(٩٣٩).
فَقَالَ: «يُفْتَنُونَ كَمَا يُفْتَنُ الذَّهَبُ»، ثُمَّ قَالَ: «يُخْلَصُونَ كَمَا يُخْلَصُ الذَّهَبُ»(٩٤٠)،(٩٤١).
[٢٤٣/٣] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، رَفَعَهُ إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليهما السلام)، قَالَ: قَالَ: «إِنَّ حَدِيثَكُمْ هَذَا لَتَشْمَئِزُّ مِنْهُ قُلُوبُ الرِّجَالِ، فَانْبِذُوهُ إِلَيْهِمْ نَبْذاً، فَمَنْ أَقَرَّ بِهِ فَزِيدُوهُ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَذَرُوهُ، إِنَّهُ لَابُدَّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِتْنَةٌ يَسْقُطُ فِيهَا كُلُّ بِطَانَةٍ ووَلِيجَةٍ حَتَّى يَسْقُطَ فِيهَا مَنْ يَشُقُّ الشَّعْرَةَ بِشَعْرَتَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٣٩) أي إحداث بدعة أو شبهة تدعو إلى الخروج عن الدِّين.
(٩٤٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٠/ باب التمحيص والامتحان/ ح ٤).
(٩٤١) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٤٠ و٣٤١): (قوله: (الفتنة في الدِّين) أي الامتحان بشدائد التكليف من مفارقة الأوطان ومقاتلة الإخوان ومحاربة الأقرباء ومجاهدة الأعداء والإتيان بالطاعات والهجران عن الشهوات والصبر على الفقر والقحط وأنواع المصائب في الأنفس والأموال وبمصابرة الكُفَّار على أذاهم وكيدهم وإضرارهم. ومعنى الآية: أحسب الذين آمنوا وأجروا كلمة الشهادة على ألسنتهم وأظهروا القول بالإيمان أنْ يُترَكوا على حالهم؟! لا يُترَكون، بل يُفتَنون بأنواع المِحَن، ليظهر ثبات أقدامهم ورسوخ عقائدهم وخلوص نيَّاتهم ويُميَّز المخلص من غير المخلص والراسخ من غير الراسخ كما يُفتَن الذهب بالنار ليظهر جيِّده من رديِّه وخالصه من خبيثه).
↑صفحة ٣٠٥↑
حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا نَحْنُ وَشِيعَتُنَا»(٩٤٢)،(٩٤٣).
[٢٤٤/٤] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ(٩٤٤)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي وَالله أُحِبُّكَ وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّكَ، يَا سَيِّدِي مَا أَكْثَرَ شِيعَتُكُمْ.
فَقَالَ لَهُ: «اُذْكُرْهُمْ».
فَقَالَ: كَثِيرٌ.
فَقَالَ: «تُحْصِيهِمْ؟».
فَقَالَ: هُمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «أَمَا لَوْ كَمُلَتِ الْعِدَّةُ المَوْصُوفَةُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ كَانَ الَّذِي تُرِيدُونَ، وَلَكِنْ شِيعَتُنَا مَنْ لَا يَعْدُو صَوْتُهُ سَمْعَهُ، وَلَا شَحْنَاؤُهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٤٢) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٠/ باب التمحيص والامتحان/ ح ٥).
(٩٤٣) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٤١): (قوله: (إنَّ حديثكم هذا لتشمئزُّ منه قلوب الرجال) الظاهر أنَّ هذا إشارة إلى حديث معلوم هو وجود صاحب الأمر وظهوره واستيلاؤه على جميع البلاد والعباد. والمراد باشمئزاز قلوبهم انقباضها باستماع هذا الحديث وعدم قبولها إيَّاه استنكافاً واستنكاراً. قوله: (يسقط فيها كلُّ بطانة ووليجة) أي يسقط في تلك الفتنة ويضلُّ بها كلُّ من كان داخلاً في الدِّين وصاحب سرٍّ فيه بحسب الظاهر. وبطانة الرجل صاحب سرِّه وداخل أمره ومن يشاوره في أحواله، ووليجته بطانته ودخلاؤه وخاصَّته. قوله: (من يشقُّ الشعر بشعرتين) كناية عن شدَّة ذكائه، يعني أنَّ الذكي المتوقِّد يقع فيها فكيف غيره؟).
(٩٤٤) في بعض النُّسَخ: (سنة أربع وستِّين ومائتين).
↑صفحة ٣٠٦↑
بَدَنَهُ، وَلَا يَمْدَحُ بِنَا مُعْلِناً(٩٤٥)، وَلَا يُخَاصِمُ بِنَا قَالِياً(٩٤٦)، وَلَا يُجَالِسُ لَنَا عَائِباً، وَلَا يُحْدِّثُ لَنَا ثَالِباً، وَلَا يُحِبُّ لَنَا مُبْغِضاً، وَلَا يُبْغِضُ لَنَا مُحِبًّا».
فَقُلْتُ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَذِهِ الشِّيعَةِ المُخْتَلِفَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ يَتَشَيَّعُونَ؟
فَقَالَ: «فِيهِمُ التَّمْيِيزُ، وَفِيهِمُ التَّمْحِيصُ، وَفِيهِمُ التَّبْدِيلُ، يَأْتِي عَلَيْهِمْ سِنُونَ تُفْنِيهِمْ، وَسَيْفٌ يَقْتُلُهُمْ، وَاخْتِلَافٌ يُبَدِّدُهُمْ(٩٤٧)، إِنَّمَا شِيعَتُنَا مَنْ لَا يَهِرُّ هَرِيرَ الْكَلْبِ، وَلَا يَطْمَعُ طَمَعَ الْغُرَابِ، وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ بِكَفِّهِ وَإِنْ مَاتَ جُوعاً».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَأَيْنَ أَطْلُبُ هَؤُلَاءِ المَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؟
فَقَالَ: «اُطْلُبْهُمْ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، أُولَئِكَ الْخَفِيضُ عَيْشُهُمُ، المُنْتَقِلَةُ دَارُهُمْ، الَّذِينَ إِنْ شَهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا، وَإِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ مَرِضُوا لَمْ يُعَادُوا، وَإِنْ خَطَبُوا لَمْ يُزَوَّجُوا، وَإِنْ مَاتُوا لَمْ يُشْهَدُوا، أُولَئِكَ الَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ يَتَوَاسَوْنَ، وَفِي قُبُورِهِمْ يَتَزَاوَرُونَ، وَلَا تَخْتَلِفُ أَهْوَاؤُهُمْ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ بِهِمُ الْبُلْدَانُ».
[٢٤٥/٥] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيُّ، عَنْ عَلِيِّ اِبْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مِهْزَمٍ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِيهِ مِهْزَمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) بِمِثْلِهِ، إِلَّا أَنَّهُ زَادَ فِيهِ: «وَإِنْ رَأَوْا مُؤْمِناً أَكْرَمُوهُ، وَإِنْ رَأَوْا مُنَافِقاً هَجَرُوهُ، وَعِنْدَ المَوْتِ لَا يَجْزَعُونَ، وَفِي قُبُورِهِمْ يَتَزَاوَرُونَ...» ثُمَّ تَمَامَ الْحَدِيثِ(٩٤٨)،(٩٤٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٤٥) في بعض النُّسَخ: (عالياً)، يعني ظاهراً.
(٩٤٦) في بعض النُّسَخ: (لا يخاصم بنا والياً).
(٩٤٧) في بعض النُّسَخ: (يبيدهم)، أي يُهلِكهم.
(٩٤٨) الكافي (ج ٢/ ص ٢٣٨ و٢٣٩/ باب المؤمن وعلاماته وصفاته/ ح ٢٧)، تُحَف العقول (ص ٣٧٨).
(٩٤٩) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٩/ ص ١٧٤ - ١٧٦): (قوله: ←
↑صفحة ٣٠٧↑
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ (شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه) لخفاء صوته الدالِّ على لين طبعه، فإنَّ الصوت الشديد دالٌّ على غلظته، ولذلك يكون مذموماً، كما قال (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾ [لقمان: ١٩]، وفي بعض النُّسَخ: (من لا يعلو). (ولا شحناؤه يديه) الشحناء العداوة والبغضاء، يعني أنَّهما تحت يده وقدرته يدفعهما باللطف والرفق. (ولا يمتدح بنا معلناً) امتداح (ستودن) من المدح، وهو ثناء أحد بما فيه من الصفات الجميلة خلقيَّة كانت أو اختياريَّة، والظاهر أنَّ الباء في (بنا) للتعدية، ولعلَّ وجه ذلك أنَّ إعلان مدحهم مضرٌّ لهم وللمادح. (ولا يجالس لنا عائباً) لئلَّا يماثله ولا يشاركه في الإثم والعقوبة، وقد أمر الله تعالى بالإعراض عنه، ونهى عن مجالسته بقوله: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [الأنعام: ٦٨]، وقوله: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ الله يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: ١٤٠]، والآيات الأئمَّة (عليهم السلام). (ولا يخاصم لنا قالياً) أي مبغضاً معانداً، لأنَّ مخاصمته لا تثمر إلَّا الضرر وزيادة العداوة والبغض. (إنْ لقي مؤمناً أكرمه) لإيمانه، بأنحاء من الإكرام والإعظام. (وإنْ لقي جاهلاً هجره) لجهله وهوانه وللتحرُّز من أثر جهله، ويندرج في الجاهل العاصي والعالم الذي لا يعمل بعلمه، بل الهجر عنه أولى، لأنَّ له قوَّة رأي يغلب بها على صاحبه بالحيل والتزوير. (قلت: جُعلت فداك، فكيف أصنع بهؤلاء المتشيِّعة) أي الذين يدَّعون التشيُّع وليس لهم معناه وعلاماته. (قال: فيهم التمييز، وفيهم التبديل، وفيهم التمحيص، تأتى عليهم سنون تفنيهم، وطاعون يقتلهم، واختلاف يُبدِّدهم) ذكر (عليه السلام) أُموراً توجب خروجهم من الفرقة الناجية، أو هلاكهم بالأعمال والأخلاق الشنيعة في الدنيا والآخرة، أحدها التمييز بين الثابت الراسخ وغيره، يقال: مزته ميزاً من باب باع، بمعنى عزلته وفصلته من غيره. والثقيل مبالغة، وذلك يكون في المشتبهات نحو: ﴿لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [الأنفال: ٣٧]، وفي المختلطات نحو: ﴿وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ﴾ [يس: ٥٩]، وتميُّز الشيء انفصاله من غيره. وثانيها: التبديل، أي تبديل حالهم بحال أحسن، أو تبديلهم بقوم آخرين لا يكونوا أمثالهم، والله يعلم. وثالثها: التمحيص، وهو الابتلاء والاختبار والتخليص، تقول: محصت الذهب بالنار إذا ←
↑صفحة ٣٠٨↑
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ خلصته ممَّا يشوبه، وبذلك التميُّز والاختبار يخرج خلق كثير...، ورابعها: السنون، وهي الجدب والقحط، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ﴾ [الأعراف: ١٣٠]، والواحد السنة، وهي محذوفة اللَّام، وفيها لغتان: أحدهما جعل اللَّام هاءً، والأصل سنهة، وتُجمَع على سنهات، مثل سجدة وسجدات، وتُصغَّر على سنيهة، وأرض سنهاء: أصابتها السنهة، أي الجدب. والثانية جعلها واواً، والأصل سنوة، وتُجمَع على سنوات، مثل شهوة وشهوات، وتُصغَّر على سنية. وأرض سنواء: أصابتها السنوة. وتُجمَع في اللغتين كجمع المذكَّر السالم أيضاً فيقال: سنون وسنين وتُحذَف النون للإضافة، وفي لغة تثبت الياء في الأحوال كلِّها، وتُجعَل النون حرف إعراب تنون في التنكير، ولا تُحذَف مع الإضافة كأنَّها من أُصول الكلمة، وعلى هذه اللغة قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اللَّهُمَّ اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف». وخامسها: الطاعون، وهو الموت من الوباء، والجمع الطواعين، وطُعِنَ الإنسان بالبناء للمفعول أصابه الطاعون، فهو مطعون. وسادسها: اختلاف يُبدِّدهم، أي اختلاف بينهم بالتدابر والتقاطع والتنازع أو غيرها يُبدِّدهم ويُفرِّقهم تفريقاً شديداً، تقول: بددت الشيء بدًّا من باب قتل إذا فرَّقته، والتثقيل مبالغة وتكثير. (شيعتنا من لا يهر هرير الكلب، ولا يطمع طمع الغراب) الهرير صوت الكلب، وهو دون النباح، وهو مصدر هرَّ يهرُّ من باب ضرب، وبه يُشبَّه نظر الكماة بعضهم إلى بعض، ومنه ليلة الهرير، وهي وقعة كانت بين عليٍّ (عليه السلام) ومعاوية بظاهر الكوفة، وفيه إشارة إلى أنَّ الشيعة من كسر قوَّته الشهويَّة والغضبيَّة، فإنَّ إفراط القوَّة الغضبيَّة في رجل يجعله شبيهاً بالكلاب، وإفراط القوَّة الشهويَّة يجعله شبيهاً بالغراب. (ولا يسأل عدوَّنا وإنْ مات جوعاً) كأنَّه من باب المبالغة، أو مع إمكان سؤال غير العدوِّ، وإلَّا فالظاهر أنَّ السؤال مطلقاً عند ظنِّ الموت من الجوع واجب، ثمّ المراد بالسؤال السؤال بلا عوض، وأمَّا معه كالاقتراض فالظاهر أنَّه جائز. (قلت: جُعلت فداك، فأين أطلب هؤلاء) لقلَّة وجود من اتَّصف بالصفات المذكورة. (قال: في أطراف الأرض) لأنَّهم يستوحشون من الناس لما رأوا منهم ما يوجب تنفُّر القلوب عنهم. (أُولئك الخفيض عيشهم) العيش (زندگاني)، والخفض: الراحة، ووجه كون عيشهم خفيضاً أنَّهم تركوا الدنيا ولم يحملوا على أنفسهم ثقل ملاذِّها ونزَّهوا قلوبهم عن لوث همومها وغمومها. (المنتقلة ديارهم) لأنَّهم سايحون ←
↑صفحة ٣٠٩↑
[٢٤٦/٦] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْجُعْفِيُّ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَعَ الْقَائِمِ (عليه السلام) مِنَ الْعَرَبِ شَيْءٌ يَسِيرٌ».
فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ مَنْ يَصِفُ هَذَا الْأَمْرَ مِنْهُمْ لَكَثِيرٌ.
قَالَ: «لَابُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمَحَّصُوا وَيُمَيَّزُوا وَيُغَرْبَلُوا، وَسَيَخْرُجُ مِنَ الْغِرْبَالِ خَلْقٌ كَثِيرٌ».
[٢٤٧/٧] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ في الأرض وليس لهم مسكن معيَّن، لأنَّ طلب الفيض المستعد لقبوله لابُدَّ له من رفع الموانع وأعظمها صحبة الناس، الذين طبايعهم معوجَّة، وقلوبهم منكوسة، وعقولهم ضعيفة، وشهواتهم قويَّة، ورفع هذا المانع لا يمكن إلَّا بالفرار من ديارهم، ورفض الميل إلى أطوارهم. (إنْ شهدوا لم يُعرَفوا) لعدم شهرتهم وخمول ذكرهم بين الناس. (وإنْ غابوا لم يُفتَقدوا) أي لم يُطلَبوا، لاستنكاف الناس من صحبتهم وعدم اعتنائهم بشأنهم...، (ومن الموت لا يجزعون) لأنَّ أولياء الله يُحِبُّون الموت ويتمنَّونه، لرفع الحجاب والتخلُّص من ألم الفراق، فكيف يجزعون منه؟ (وفي القبور يتزاورون) أي يزور بعضهم بعضاً في البرزخ إلى يوم يُبعَثون وهم أحياء مرزوقون، أو يزور أحياؤهم أمواتهم في المقابر، والأموات لا يؤذون الزائر ولا يغتابون الغائب ويعظون الحاضر بلسان الحال بل بلسان المقال...، (لن تختلف قلوبهم وإنِ اختلفت بهم الديار) أي قلوبهم متوافقة غير مختلفة وإنْ كانت ديارهم مختلفة متباعدة، لأنَّ مقصدهم واحد وطريقتهم واحدة بخلاف غيرهم فإنَّ قلوبهم مختلفة لأنَّهم تابعون للنفس الأمَّارة بالسوء وأهوائها وطُرُقها مختلفة، أو قلب كلِّ واحدٍ غير مختلف ولا متغيِّر من حال إلى حالٍ وإنِ اختلفت دياره ومنازله، لأُنسه بالله وعدم تعلُّقه بغيره، فلا يستوحش بالوحدة والغربة واختلاف الديار، لأنَّ مقصوده وأنيسه واحد حاضر معه في الديار كلِّها بخلاف غيره، لأنَّ قلبه لـمَّا كان متعلِّقاً بغيره تعالى يأنس به إذا وجده ويستوحش إذا فقده. هذا من باب الاحتمال، والله يعلم).
↑صفحة ٣١٠↑
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ الزَّرَّادِ، عَنْ أَبِي المَغْرَا، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِطُغَاةِ الْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، كَمْ مَعَ الْقَائِمِ مِنَ الْعَرَبِ؟
قَالَ: «شَيْءٌ يَسِيرٌ».
فَقُلْتُ: وَالله إِنَّ مَنْ يَصِفُ هَذَا الْأَمْرَ مِنْهُمْ لَكَثِيرٌ.
فَقَالَ: «لَابُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَنْ يُمَحَّصُوا وَيُمَيَّزُوا وَيُغَرْبَلُوا، وَيَخْرُجُ مِنَ الْغِرْبَالِ خَلْقٌ كَثِيرٌ».
وَحَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَيْضاً بِلَفْظِهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْأَنْبَارِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ(٩٥٠)، عَنْ أَبِي المَغْرَا، عَنِ ابْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام)...، وَذَكَرَ مِثْلَهُ(٩٥١)،(٩٥٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٥٠) الظاهر كونه الحسن بن عليِّ بن فضَّال التيملي، فما في بعض نُسَخ الكافي من (الحسين بن عليٍّ) تصحيف.
(٩٥١) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٠/ باب التمحيص والامتحان/ ح ٢)؛ وراجع: دلائل الإمامة (ص ٤٥٦ و٤٥٧/ ح ٤٣٦/٤٠).
(٩٥٢) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٣٩ و٣٤٠): (قوله: (من أمر قد اقترب) أراد به ظهور الحجَّة واستيلاءه على طغاة العرب وهم المنكرون له، أو أهل الظلم والفساد ومبدأ الجور والعناد. قوله: (لابدَّ للناس من أنْ يُمحَّصوا ويُميَّزوا ويُغربَلوا) أي لابدَّ لهم من أنْ يُختبَروا بالمخمصة والمجاعة، ويُبتلوا بالمجاهدة والمشقَّة، ويُمتَحنوا بالمخاوف والمكاره والتكاليف الشاقَّة وغيرها من أنواع المِحَن والبلايا، ويُميَّزوا ليمتاز المطيع من العاصي والسعيد من الشقيِّ، ويُغربَلوا ويستخرج في الغربال خلق كثير...، وبالجملة تغيير الشرائع ووقوع الهرج في العالم وظهور الفتن والبلايا ورجوع الناس عن الإسلام علامات أشراط الساعة عند العامَّة والخاصة).
↑صفحة ٣١١↑
[٢٤٨/٨] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ الْعَبَّاسِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ(٩٥٣)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زِيَادٍ(٩٥٤)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام) يَقُولُ: «وَالله لَتُمَيَّزُنَّ، وَالله لَتُمَحَّصُنَّ، وَالله لَتُغَرْبَلُنَّ كَمَا يُغَرْبَلُ الزُّؤَانُ(٩٥٥) مِنَ الْقَمْحِ»(٩٥٦).
[٢٤٩/٩] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ مِسْكِينٍ الرِّحَّالِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي المُغِيرَةِ، عَنْ عَمِيرَةَ بِنْتِ نُفَيْلٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ(٩٥٧) (عليهما السلام) يَقُولُ: «لَا يَكُونُ الْأَمْرُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَهُ حَتَّى يَبْرَأَ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَيَتْفُلُ بَعْضُكُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ، وَيَشْهَدَ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْكُفْرِ، وَيَلْعَنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً».
فَقُلْتُ لَهُ: مَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ مِنْ خَيْرٍ؟
فَقَالَ الْحُسَيْنُ (عليه السلام): «الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، يَقُومُ قَائِمُنَا وَيَدْفَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ»(٩٥٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٥٣) في بعض النُّسَخ وبحار الأنوار: (محمّد بن أحمد)، وهو تصحيف.
(٩٥٤) هو الحسن بن عليٍّ بن زياد الوشَّاء، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٩/ الرقم ٨٠): (بجلي كوفي، قال أبو عمرو: ويُكنَّى بأبي محمّد الوشَّاء، وهو ابن بنت إلياس الصيرفي، خزَّاز من أصحاب الرضا (عليه السلام)، وكان من وجوه هذه الطائفة)، وما في بعض النُّسَخ وبحار الأنوار من (الحسين بن عليِّ بن زياد) تصحيف.
(٩٥٥) في لسان العرب (ج ١٣/ ص ١٩٣/ مادَّة زأن): (الزُّؤَانُ: حَبٌّ يكون في الطعام، واحدته زُؤَانة، وقد زُئِنَ. والزُّؤان أَيضاً: رديء الطعام وغيره. والزُّؤان الذي يُخالِط البُرَّ، وهي حبَّة تُسْكِرُ، وهي الدَّنْقة أَيضاً).
(٩٥٦) الغيبة للطوسي (ص ٣٤٠/ ح ٢٨٩).
(٩٥٧) في بعض النُّسَخ هنا وما يأتي: (الحسن بن عليٍّ (عليهما السلام)).
(٩٥٨) الغيبة للطوسي (ص ٤٣٧ و٤٣٨/ح ٤٢٩)، الخرائج والجرائح (ج ٣/ص ١١٥٣/ح ٥٩).
↑صفحة ٣١٢↑
[٢٥٠/١٠] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَكُونُ ذَلِكَ الْأَمْرُ حَتَّى يَتْفُلَ بَعْضُكُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ، وَحَتَّى يَلْعَنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً، وَحَتَّى يُسَمِّيَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَذَّابِينَ».
[٢٥١/١١] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ ابْنَا الْحَسَنِ(٩٥٩)، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي كَهْمَسٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مِيثَمٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ ضَمْرَةَ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «يَا مَالِكَ بْنَ ضَمْرَةَ، كَيْفَ أَنْتَ إِذَا اخْتَلَفَتِ الشِّيعَةُ هَكَذَا - وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ وَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ -؟».
فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَا عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ خَيْرٍ؟
قَالَ: «الْخَيْرُ كُلُّهُ عِنْدَ ذَلِكَ، يَا مَالِكُ عِنْدَ ذَلِكَ يَقُومُ قَائِمُنَا فَيُقَدِّمُ سَبْعِينَ رَجُلًا يَكْذِبُونَ عَلَى الله وَعَلَى رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَيَقْتُلُهُمْ، ثُمَّ يَجْمَعُهُمُ اللهُ عَلَى أَمْرٍ وَاحِدٍ»(٩٦٠).
[٢٥٢/١٢] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَتُمَحَّصُنَّ يَا شِيعَةَ آلِ مُحَمَّدٍ تَمْحِيصَ الْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ، وَإِنَّ صَاحِبَ الْعَيْنِ يَدْرِي مَتَى(٩٦١) يَقَعَ الْكُحْلُ فِي عَيْنِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٥٩) محمّد وأحمد هما ابنا الحسن بن عليِّ بن فضَّال، يروي عنهما أخوهما عليُّ بن الحسن.
(٩٦٠) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٢٦ و١٢٧/ ح ١٢٢).
(٩٦١) في الغيبة للطوسي: (لتمخضنَّ يا معشر شيعة آل محمّد كمخيض الكحل في العين، لأنَّ صاحب الكحل يعلم متَّى...) إلخ.
↑صفحة ٣١٣↑
وَلَا يَعْلَمُ مَتَى يَخْرُجُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ يُصْبِحُ الرَّجُلُ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ أَمْرِنَا وَيُمْسِي وَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا، وَيُمْسِي عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ أَمْرِنَا وَيُصْبِحُ وَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا»(٩٦٢)،(٩٦٣).
[٢٥٣/١٣] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى، عَنْ رَجُلٍ(٩٦٤)، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُحَمَّدٍ المُسْلِيِّ - مِنْ بَنِي مُسْلِيَةٍ(٩٦٥) -، عَنْ مِهْزَمِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الْأَسَدِيِّ وَغَيْرِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «وَالله لَتُكْسَرُنَّ تَكَسُّرَ الزُّجَاجِ، وَإِنَّ الزُّجَاجَ لَيُعَادُ فَيَعُودُ كَمَا كَانَ، وَالله لَتُكْسَرُنَّ تَكَسُّرَ الْفَخَّارِ، وَإِنَّ الْفَخَّارَ لَيَتَكَسَّرُ فَلَا يَعُودُ كَمَا كَانَ، وَوَالله لَتُغَرْبَلُنَّ، وَوَالله لَتُمَيَّزُنَّ، وَوَالله لَتُمَحَّصُنَّ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا الْأَقَلُّ - وَصَعَّرَ كَفَّهُ(٩٦٦) -»(٩٦٧).
فتبيَّنوا - يا معشر الشيعة - هذه الأحاديث المرويَّة عن أمير المؤمنين (عليه السلام)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٦٢) الغيبة للطوسي (ص ٣٣٩ و٣٤٠/ ح ٢٨٨).
(٩٦٣) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ١٠١): ((محَّص الذهب): أخلصه ممَّا يشوبه، والتمحيص: الاختبار والابتلاء، ومخض اللبن أخذ زبده، فلعلَّه شبَّه ما يبقى من الكحل في العين باللبن الذي يمخض لأنَّها تقذفه شيئاً فشيئاً).
(٩٦٤) لعلَّه أيُّوب بن نوح بن درَّاج، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٠٢/ الرقم ٢٥٤): (أيُّوب بن نوح بن درَّاج النخعي، أبو الحسين، كان وكيلاً لأبي الحسن وأبي محمّد (عليهما السلام)، عظيم المنزلة عندهما، مأموناً، وكان شديد الورع، كثير العبادة، ثقة في رواياته). وقد رواه الطوسي (رحمه الله) عن أيُّوب بن نوح، عن العبَّاس بن عامر.
(٩٦٥) المسلي - بضمِّ الميم وسكون السين وفي آخرها لام -، قال ابن الأثير في اللباب (ج ٣/ ص ٢١١ و٢١٢): (هذه النسبة إلى مسلية بن عامر بن عمرو بن علة بن خلد بن مالك ابن أدد، ومالك هو مذحج، وهي قبيلة كبيرة من مذحج يُنسَب إليها كثير من العلماء...، ونزلت مسلية بالكوفة محلَّة فنُسِبَت إليهم، ويُنسَب إلى هذه المحلَّة جماعة ليسوا من القبيلة). فالتصريح بكون الراوي من بني مسلية لدفع توهُّم كونه من أهل الكوفة.
(٩٦٦) صعَّر كفَّه: أي أمالها تهاوناً بالناس.
(٩٦٧) الغيبة للطوسي (ص ٣٤٠/ ح ٢٨٩).
↑صفحة ٣١٤↑
ومن بعده من الأئمَّة (عليهم السلام)، واحذروا ما حذَّروكم، وتأمَّلوا ما جاء عنهم تأمُّلاً شافياً، وفكِّروا فيها فكراً تنعمونه، فلم يكن في التحذير شيء أبلغ من قولهم: «إنَّ الرجل يصبح على شريعة من أمرنا ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا ويصبح وقد خرج منها»، أليس هذا دليل على الخروج من نظام الإمامة وترك ما كان يعتقد منها إلى تبيان الطريق(٩٦٨)؟
وفي قوله (عليه السلام): «والله لتكسرنَّ تكسُّر الزجاج وإنَّ الزجاج ليُعاد فيعود كما كان، والله لتكسرنَّ تكسُّر الفخَّار فإنَّ الفخَّار ليتكسَّر فلا يعود كما كان»، فضرب ذلك مثلاً لمن يكون على مذهب الإماميَّة فيعدل عنه إلى غيره بالفتنة التي تعرض له، ثمّ تلحقه السعادة بنظرة من الله فتُبيِّن له ظلمة ما دخل فيه وصفاء ما خرج منه، فيبادر قبل موته بالتوبة والرجوع إلى الحقِّ فيتوب الله عليه ويعيده إلى حاله في الهدى كالزجاج الذي يُعاد بعد تكسُّره فيعود كما كان، ولمن يكون على هذا الأمر فيخرج عنه، ويتمُّ على الشقاء بأنْ يُدرِكه الموت وهو على ما هو عليه غير تائب منه، ولا عائد إلى الحقِّ، فيكون مثله كمثل الفخَّار الذي يُكسَر فلا يُعاد إلى حاله، لأنَّه لا توبة له بعد الموت ولا في ساعته، نسأل الله الثبات على ما منَّ به علينا، وأنْ يزيد في إحسانه إلينا فإنَّما نحن له ومنه.
[٢٥٤/١٤] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى(٩٦٩)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ(٩٧٠)، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ (عليه السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَاتَ أَبِي عَلَى هَذَا الْأَمْرِ، وقَدْ بَلَغْتُ مِنَ السِّنِينَ مَا قَدْ تَرَى، أَمُوتُ وَلَا تُخْبِرُنِي بِشَيْءٍ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٦٨) أي إلى أنْ يتبيَّن الطريق، أو (إلى) بمعنى (مع). وفي نسخة: (على غير طريق).
(٩٦٩) في بعض النُّسَخ: (موسى بن محمّد)، ولعلَّ ما في المتن هو الصواب، والمراد محمّد بن موسى بن عيسى، أبو جعفر الهمداني، ذكره النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٣٨/ الرقم ٩٠٤).
(٩٧٠) هو أحمد بن أبي أحمد الورَّاق الجرجاني، كما صرَّح به المؤلِّف (رحمه الله) تحت الرقم (٣٤٤/٣٨).
↑صفحة ٣١٥↑
فَقَالَ: «يَا أَبَا إِسْحَاقَ، أَنْتَ تَعْجَلُ؟».
فَقُلْتُ: إِي وَالله أَعْجَلُ، وَمَا لِي لَا أَعْجَلُ وَقَدْ كَبِرَ سِنِّي وَبَلَغْتُ أَنَا مِنَ السِّنِّ مَا قَدْ تَرَى؟
فَقَالَ: «أَمَا وَالله يَا أَبَا إِسْحَاقَ مَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى تُمَيَّزُوا وَتُمَحَّصُوا، وَحَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا الْأَقَلُّ - ثُمَّ صَعَّرَ كَفَّهُ -».
[٢٥٥/١٥] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام): «وَالله لَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ حَتَّى تُمَحَّصُوا وَتُمَيَّزُوا، وَحَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا الْأَنْدَرُ فَالْأَنْدَرُ».
[٢٥٦/١٦] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الله المُحَمَّدِيُّ مِنْ كِتَابِهِ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الصَّيْقَلُ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)(٩٧١) وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ، فَبَيْنَا نَحْنُ نَتَحَدَّثُ وَهُوَ عَلَى بَعْضِ أَصْحَابِهِ مُقْبِلٌ إِذِ الْتَفَتَ إِلَيْنَا وَقَالَ: «فِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْتُمْ؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لَا يَكُونُ الَّذِي تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْنَاقَكُمْ حَتَّى تُمَحَّصُوا، هَيْهَاتَ وَلَا يَكُونُ الَّذِي تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْنَاقَكُمْ حَتَّى تُمَيَّزُوا، وَلَا يَكُونُ الَّذِي تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْنَاقَكُمْ حَتَّى تُغَرْبَلُوا، وَلَا يَكُونُ الَّذِي تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْنَاقَكُمْ إِلَّا بَعْدَ إِيَاسٍ، وَلَا يَكُونُ الَّذِي تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْنَاقَكُمْ حَتَّى يَشْقَى مَنْ شَقِيَ وَيَسْعَدَ مَنْ سَعِدَ(٩٧٢)».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٧١) كذا في النُّسَخ، والظاهر كونه تصحيف (أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليهما السلام))، كما يظهر من الكافي والغيبة للطوسي.
(٩٧٢) في الكافي: (يشقى من يشقى ويسعد من يسعد).
↑صفحة ٣١٦↑
اِبْنِ زِيَادٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَنْصُورٍ الصَّيْقَلِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَالْحَارِثُ بْنُ المُغِيرَةِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا جُلُوساً عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَسْمَعُ كَلَامَنَا(٩٧٣)، قَالَ...، وَذَكَرَ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ: «لَا وَالله مَا يَكُونُ مَا تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْيُنَكُمْ - بِيَمِينٍ(٩٧٤) -»(٩٧٥)،(٩٧٦).
[٢٥٧/١٧] وَأَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هُوذَةَ بْنِ أَبِي هَرَاسَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ صَبَّاحٍ المُزَنِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كُونُوا كَالنَّحْلِ فِي الطَّيْرِ، لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الطَّيْرِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَضْعِفُهَا، وَلَوْ عَلِمَتِ الطَّيْرُ مَا فِي أَجْوَافِهَا مِنَ الْبَرَكَةِ لَمْ تَفْعَلْ بِهَا ذَلِكَ، خَالِطُوا النَّاسَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَأَبْدَانِكُمْ، وَزَايِلُوهُمْ بِقُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا تَرَوْنَ مَا تُحِبُّونَ حَتَّى يَتْفُلَ بَعْضُكُمْ فِي وُجُوهِ بَعْضٍ، وَحَتَّى يُسَمِّيَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً كَذَّابِينَ، وَحَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ - أَوْ قَالَ: مِنْ شِيعَتِي - إِلَّا كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ، وَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، وَسَأَضْرِبُ لَكُمْ مَثَلاً، وهُوَ مَثَلُ رَجُلٍ كَانَ لَهُ طَعَامٌ فَنَقَّاهُ وَطَيَّبَهُ، ثُمَّ أَدْخَلَهُ بَيْتاً وَتَرَكَهُ فِيهِ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ عَادَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ أَصَابَهُ السُّوسُ، فَأَخْرَجَهُ وَنَقَّاهُ وَطَيَّبَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ إِلَى الْبَيْتِ فَتَرَكَهُ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٧٣) كذا، وفي الكافي: (جلوساً، وأبو عبد الله (عليه السلام) يسمع كلامنا).
(٩٧٤) يعني ذكر قبل كلِّ جملة: (لا والله).
(٩٧٥) الكافي (ج ١/ ص ٣٧٠ و٣٧١/ باب التمحيص والامتحان/ ح ٦)؛ وراجع: الغيبة للطوسي (ص ٣٣٥ و٣٣٦/ ح ٢٨١).
(٩٧٦) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ١٨٦): ((يسمع كلامنا): كأنَّ كلامهم كان في استبطاء ظهور الحقِّ، أو في أنَّه كثرت الشيعة ولابدَّ من ظهور القائم (عليه السلام). (في أيِّ شيء): استفهام للاستبعاد. (هيهاتَ): أي بعد ما تظنُّون، والتكرير للمبالغة. ومد العين إلى الشيء كناية عن رجاء حصوله).
↑صفحة ٣١٧↑
عَادَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ أَصَابَتْهُ طَائِفَةٌ مِنَ السُّوسِ، فَأَخْرَجَهُ وَنَقَّاهُ وَطَيَّبَهُ وَأَعَادَهُ، وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى بَقِيَتْ مِنْهُ رِزْمَةٌ كَرِزْمَةِ الْأَنْدَرِ لَا يَضُرُّهُ السُّوسُ شَيْئاً، وَكَذَلِكَ أَنْتُمْ تُمَيَّزُونَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْكُمْ إِلَّا عِصَابَةٌ لَا تَضُرُّهَا الْفِتْنَةُ شَيْئاً».
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ ابْنَا الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ أَبِي كَهْمَسٍ وَغَيْرِهِ، وَرَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، وَذَكَرَ مِثْلَهُ.
وقد ذُكِرَ هذا الحديث في صدر هذا الكتاب(٩٧٧).
[٢٥٨/١٨] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عِيسَى الْحَسَنِيُّ(٩٧٨)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَطَائِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ (عليهما السلام): «إِنَّمَا مَثَلُ شِيعَتِنَا مَثَلُ أَنْدَرٍ - يَعْنِي بَيْدَراً فِيهِ طَعَامٌ(٩٧٩) - فَأَصَابَهُ آكِلٌ فَنُقِّيَ، ثُمَّ أَصَابَهُ آكِلٌ فَنُقِّيَ حَتَّى بَقِيَ مِنْهُ مَا لَا يَضُرُّهُ الْآكِلُ، وَكَذَلِكَ شِيعَتُنَا يُمَيَّزُونَ وَيُمَحَّصُونَ حَتَّى تَبْقَى مِنْهُمْ عِصَابَةٌ لَا تَضُرُّهَا الْفِتْنَةُ».
[٢٥٩/١٩] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ اِبْنُ عَبْدِ الله المُحَمَّدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيفُ بْنُ سَابِقٍ التَّفْلِيسِيُّ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ أَبِي قُرَّةَ التَّفْلِيسِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «المُؤْمِنُونَ يُبْتَلَوْنَ ثُمَّ يُمَيِّزُهُمُ اللهُ عِنْدَهُ، إِنَّ اللهَ لَمْ يُؤْمِنِ المُؤْمِنِينَ مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا وَمَرَائِرِهَا، وَلَكِنْ آمَنَهُمْ فِيهَا مِنَ الْعَمَى وَالشَّقَاءِ فِي الْآخِرَةِ»، ثُمَّ قَالَ: «كَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهم السلام) يَضَعُ قَتْلَاهُ بَعْضَهُمْ إِلَى بَعْضٍ، ثُمَّ يَقُولُ: قَتْلَانَا قَتْلَى النَّبِيِّينَ(٩٨٠)».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٧٧) تقدَّم في (ص ٢٠ - ٢٢)، فراجع.
(٩٧٨) كذا في أكثر النُّسَخ، وفي بعضها: (الحسيني)، وفي بعضها: (الجنبي).
(٩٧٩) في بعض النُّسَخ: (يعني به بيتاً فيه طعام).
(٩٨٠) قتلى: جمع القتيل بمعنى المقتول، والمراد قتلى يوم الطفِّ.
↑صفحة ٣١٨↑
[٢٦٠/٢٠] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَبَلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ قَدْ قَامَ الْقَائِمُ (عليه السلام) لَأَنْكَرَهُ النَّاسُ، لِأَنَّهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ شَابًّا مُوفَقاً، لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ إِلَّا مُؤْمِنٌ قَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَهُ فِي الذَّرِّ الْأَوَّلِ»(٩٨١).
وفي هذا الحديث عبرة لمعتبر، وذكرى لمتذكِّر متبصِّر، وهو قوله: «يخرج إليهم شابًّا موفَقاً، لا يثبت عليه إلَّا مؤمن قد أخذ الله ميثاقه في الذرِّ الأوَّل»، فهل يدلُّ هذا إلَّا على أنَّ الناس يبعدون هذه المدَّة من العمر، ويستطيلون المدى في ظهوره، ويُنكِرون تأخُّره، ويأيسون منه؟ فيطيرون يميناً وشمالاً كما قالوا (عليهم السلام)، تتفرَّق بهم المذاهب، وتتشعَّب لهم طُرُق الفتن، ويغترُّون بلمع السراب من كلام المفتونين، فإذا ظهر لهم بعد السنين التي يوجب مثلها فيمن بلغه الشيخوخة والكبر، وحنو الظهر، وضعف القوى، شابًّا موفَقاً أنكره من كان في قلبه مرض، وثبت عليه من سبقت له من الله الحسنى بما وفَّقه عليه، وقدَّمه إليه من العلم بحاله، وأوصله إلى هذه الروايات من قول الصادقين (عليهم السلام) فصدَّقها وعمل بها، وتقدَّم علمه بما يأتي من أمر الله وتدبيره فارتقبه غير شاكٍّ ولا مرتاب ولا متحيِّر ولا مغترٍّ بزخارف إبليس وأشياعه.
والحمد لله الذي جعلنا ممَّن أحسن إليه، وأنعم عليه، وأوصله من العلم إلى ما لا يوصل إليه غيره، إيجاباً للمنَّة، واختصاصاً بالموهبة، حمداً يكون لنِعَمه كفاء، ولحقِّه أداء.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٨١) تقدَّم تحت الرقم (٢١٥/٤٣)، فراجع.
↑صفحة ٣١٩↑
باب (١٣): ما روي في صفته وسيرته وفعله، وما نزل من القرآن فيه (عليه السلام) (٩٨٢)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٨٢) في بعض النُّسَخ: (ما روي في صفته (صلوات الله عليه)، وسيرته وفعله، وأنَّه ابن سبيَّة - يعني أَمَة -، وما نزل من القرآن فيه (عليه السلام) وفي أصحابه، وما يُؤيِّده الله (عزَّ وجلَّ) به، وصفاته).
↑صفحة ٣٢١↑
[٢٦١/١] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مُوسَى بْنِ هَارُونَ بْنِ عِيسَى المَعْبَدِيِّ(٩٨٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ(٩٨٤)، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ(٩٨٥)، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، نَبِّئْنَا بِمَهْدِيِّكُمْ هَذَا.
فَقَالَ: إِذَا دَرَجَ الدَّارِجُونَ، وَقَلَّ المُؤْمِنُونَ، وَذَهَبَ المُجْلِبُونَ، فَهُنَاكَ هُنَاكَ.
فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مِمَّنِ الرَّجُلُ؟
فَقَالَ: «مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، مِنْ ذِرْوَةِ طَوْدِ الْعَرَبِ، وَبَحْرِ مَغِيضِهَا إِذَا وَرَدَتْ، وَمَخْفِرِ أَهْلِهَا إِذَا أُتِيَتْ، وَمَعْدِنِ صَفْوَتِهَا إِذَا اكْتَدَرَتْ، لَا يَجْبُنُ إِذَا المَنَايَا هَلَعَتْ(٩٨٦)، ولَا يَخُورُ إِذَا المَنُونُ اكْتَنَعَتْ، وَلَا يَنْكُلُ إِذَا الْكُمَاةُ اصْطَرَعَتْ، مُشَمِّرٌ مُغْلَوْلِبٌ، ظَفِرٌ ضِرْغَامَةٌ، حَصِدٌ مُخْدِشٌ ذِكْرٌ، سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ الله، رَأْسٌ، قُثَمُ، نَشُؤَ رَأْسُهُ فِي بَاذِخِ السُّؤْدَدِ، وَعَارِزٌ مَجْدَهُ فِي أَكْرَمِ المَحْتِدِ، فَلَا يَصْرِفَنَّكَ عَنْ بَيْعَتِهِ صَارِفٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٨٣) كذا، وفي البحار: (العبدي)، ولم أجده، ولعلَّه موسى بن هارون بن بشير القيسي، أبو محمّد الكوفي البردي المعنون في تهذيب التهذيب (ج ١٠/ص ٣٣٥/الرقم ٦٦٨).
(٩٨٤) عبد الله بن مسلمة بن قعنب، أبو عبد الرحمن الحارثي البصري، ثقة، كما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٥٣٥/ الرقم ٣٦٣١).
(٩٨٥) سليمان بن بلال التيمي، مولاهم، أبو محمّد المدني، ثقة، كما في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٣٨٣/ الرقم ٢٥٤٧). وما في بعض النُّسَخ من (سليمان بن هلال) فمن تصحيف النُّسَاخ.
(٩٨٦) في بعض النُّسَخ: (هكعت).
↑صفحة ٣٢٣↑
عَارِضٌ، يَنُوصُ إِلَى الْفِتْنَةِ كُلَّ مَنَاصٍ، إِنْ قَالَ فَشَرُّ قَائِلٍ، وَإِنْ سَكَتَ فَذُو دَعَائِرَ».
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صِفَةِ المَهْدِيِّ (عليه السلام) فَقَالَ: «أَوْسَعُكُمْ كَهْفاً، وَأَكْثَرُكُمْ عِلْماً، وَأَوْصَلُكُمْ رَحِماً، اللَّهُمَّ فَاجْعَلْ بَعْثَهُ خُرُوجاً مِنَ الْغُمَّةِ، وَاجْمَعْ بِهِ شَمْلَ الْأُمَّةِ، فَإِنْ خَارَ اللهُ لَكَ فَاعْزِمْ، وَلَا تَنْثَنِ عَنْهُ إِنْ وُفِّقْتَ لَهُ، وَلَا تَجُوزَنَّ عَنْهُ(٩٨٧) إِنْ هُدِيتَ إِلَيْهِ، هَاهْ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِ -»(٩٨٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٨٧) في بعض النُّسَخ: (ولا تجيزنَّ عنه).
(٩٨٨) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ١١٥ و١١٦): (قال الفيروزآبادي: درج دروجاً ودرجاناً: مشى، والقوم: انقرضوا، وفلان لم يُخلِّف نسلاً أو مضى لسبيله. انتهى. والغرض انقراض قرون كثيرة. قوله (عليه السلام): (وذهب المجلبون) أي المجتمعون على الحقِّ والمعينون للدِّين أو الأعمُّ، قال الجزري: يقال: أجلبوا عليه، إذا تجمَّعوا وتألَّبوا، وأجلبه: أي أعانه، وأجلب عليه: إذا صاح به واستحثَّه. والطود - بالفتح -: الجبل العظيم. وفي بعض النُّسَخ بالراء وهو بالضمِّ أيضاً الجبل، والأوَّل أصوب. والمغيض: الموضع الذي يدخل فيه الماء فيغيب، ولعلَّ المعنى أنَّه بحر العلوم والخيرات، فهي كامنة فيه، أو شبَّهه ببحر في أطرافه مغايض، فإنَّ شيعتهم مغايض علومهم. قوله (عليه السلام): (ومجفو أهلها) أي إذا أتاه أهله يجفونه ولا يطيعونه. قوله (عليه السلام): (هلعت) أي صارت حريصة على إهلاك الناس. قوله (عليه السلام): (ولا يحور) في بعض النُّسَخ: (ولا يخور إذا المنون أكسفت)، والخور: الجبن، والمنون: الموت، والكماة - بالضمِّ - جمع الكمي، وهو الشجاع، أو لابس السلاح. ويقال: ظفر بعدوِّه، فهو ظفر. والضرغامة - بالكسر -: الأسد. قوله (عليه السلام): (حصد) أي يحصد الناس بالقتل. قوله: (مخدش) أي يخدش الكُفَّار ويجرحهم. والذكر من الرجال بالكسر: القويُّ الشجاع الأبيُّ، ذكره الفيروزآبادي، وقال: الرأس أعلا كلِّ شيء وسيِّد القوم. والقثم كزفر: الكثير العطاء. وقال الجزري: رجل نشق: إذا كان يدخل في أُمور لا يكاد يخلص منها. وفي بعض النُّسَخ باللَّام والباء، يقال: رجل لبق ككتف: أي حاذق بما عمل. وفي بعضها: (شقَّ رأسه) أي جانبه. والباذخ: العالي المرتفع. قوله (عليه السلام): (وغارز مجده) أي مجده الغارز الثابت، من غرز الشيء في الشيء، أي أدخله وأثبته. والمحتد بكسر التاء: الأصل. وقوله: (ينوص) صفة للصارف. وقال الفيروزآبادي: المناص: الملجأ، وناص مناصاً: تحرَّك، وعنه: تنحَّى، وإليه: نهض. قوله: (فذو دعاير) من الدعارة وهو الخبث والفساد، ولا يبعد أنْ يكون تصحيف (الدغايل) جمع الدغيلة، وهي الدغل والحقد، أو بالمهملة من الدعل، بمعنى الختل. قوله (عليه السلام): (فإنْ جاز لك) أي تيسَّر لك مجازاً، ويقال: انثنى، أي انعطف. قوله (عليه السلام): (ولا تجيزنَّ عنه) أي إنْ أدركته في زمان غيبته، وفي بعض النُّسَخ: (ولا تحيزنَّ) بالحاء المهملة والزاء المعجمة، أي لا تتحيَّزَنَّ، من التحيُّز عن الشيء بمعنى التنحِّي عنه. وكانت النُّسَخ مصحَّفة محرَّفة في أكثر ألفاظها).
↑صفحة ٣٢٤↑
[٢٦٢/٢] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ظُهَيْرٍ(٩٨٩)، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: نَظَرَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ (عليه السلام) إِلَى الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَقَالَ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سَيِّداً، وَسَيُخْرِجُ اللهُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلاً بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ، يَخْرُجُ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنَ النَّاسِ، وَإِمَاتَةٍ لِلْحَقِّ، وَإِظْهَارٍ لِلْجَوْرِ، وَالله لَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَضُرِبَتْ عُنُقُهُ(٩٩٠)، يَفْرَحُ بِخُرُوجِهِ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَسُكَّانُهَا، وَهُوَ رَجُلٌ أَجْلَى الْجَبِينِ، أَقْنَى الْأَنْفِ، ضَخْمُ الْبَطْنِ، أَزْيَلُ الْفَخِذَيْنِ، بِفَخِذِهِ الْيُمْنَى شَامَةٌ، أَفْلَجُ الثَّنَايَا، وَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»(٩٩١)،(٩٩٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٨٩) هو إبراهيم بن الحَكَم بن ظهير الفزاري، أبو إسحاق، المعنون في رجال النجاشي (ص ١٥/ الرقم ١٥)، والفهرست للطوسي (ص ٣٥/ الرقم ٤/٤).
(٩٩٠) كذا، ولعلَّه تحريف: (لو يخرج قبل لضُرِبَت عنقه).
(٩٩١) الغيبة للطوسي (ص ١٨٩ و١٩٠/ ح ١٥٢).
(٩٩٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٤٠): (القنا في الأنف: طوله ودقَّة أرنبته مع حدب في وسطه. قوله (عليه السلام): (أزيل الفخذين) من الزيل، كناية عن كونهما عريضتين كما مرَّ في خبر آخر. وفي بعض النُّسَخ بالباء الموحَّدة من الزبول، فينافي ما سبق ظاهراً. وفي بعضها: أربل بالراء المهملة والباء الموحَّدة، من قولهم: رجل ربل، كثير اللحم، وهذا أظهر. وفلج الثنايا: انفراجها، وعدم التصاقها).
↑صفحة ٣٢٥↑
[٢٦٣/٣] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي قَدْ دَخَلْتُ المَدِينَةَ وَفِي حَقْوَيَّ هِمْيَانٌ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ، وَقَدْ أَعْطَيْتُ اللهَ عَهْداً أَنَّنِي أُنْفِقُهَا بِبَابِكَ دِينَاراً دِينَاراً، أَوْ تُجِيبَنِي فِيمَا أَسْأَلُكَ عَنْهُ.
فَقَالَ: «يَا حُمْرَانُ، سَلْ تُجَبْ، وَلَا تُنْفِقَنَّ دَنَانِيرَكَ».
فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ بِقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنْتَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ وَالْقَائِمُ بِهِ؟
قَالَ: «لَا».
قُلْتُ: فَمَنْ هُوَ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟
فَقَالَ: «ذَاكَ المُشْرَبُ حُمْرَةً(٩٩٣)، الْغَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، المُشْرِفُ الْحَاجِبَيْنِ، الْعَرِيضُ مَا بَيْنَ المَنْكِبَيْنِ، بِرَأْسِهِ حَزَازٌ، وَبِوَجْهِهِ أَثَرٌ، رَحِمَ اللهُ مُوسَى»(٩٩٤).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٩٣) قال ابن الأثير في النهاية (ج ٢/ ص ٤٥٤): (الإشراب: خلط لون بلون، كأنَّ أحد اللونين سقى اللون الآخر. يقال: بياض مشرب حمرةً بالتخفيف. وإذا شُدِّد كان للتكثير والمبالغة).
(٩٩٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٤٠): (المشرف الحاجبين: أي في وسطهما ارتفاع، من الشرفة. والحزاز: ما يكون في الشعر مثل النخالة. وقوله (عليه السلام): (رحم الله موسى)، لعلَّه إشارة إلى أنَّه سيظنُّ بعض الناس أنَّه القائم وليس كذلك، أو أنَّه قال: (فلاناً) كما سيأتي، فعبَّر عنه الواقفيَّة بموسى).
↑صفحة ٣٢٦↑
[٣٦٤/٤] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ حُجْرِ بْنِ زَائِدَةَ(٩٩٥)، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ الْقَائِمُ؟
فَقَالَ: «قَدْ وَلَدَنِي رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَإِنَّي المُطَالِبُ بِالدَّمِ، وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ».
ثُمَّ أَعَدْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «قَدْ عَرَفْتُ حَيْثُ تَذْهَبُ، صَاحِبُكَ المُبْدَحُ الْبَطْنُ(٩٩٦)، ثُمَّ الْحَزَازُ بِرَأْسِهِ، ابْنُ الْأَرْوَاعِ(٩٩٧)، رَحِمَ اللهُ فُلَاناً».
[٢٦٥/٥] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِصَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي وُهَيْبُ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَوْ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) - الشَّكُّ مِنِ ابْنِ عِصَامٍ -: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، بِالْقَائِمِ عَلَامَتَانِ: شَامَةٌ فِي رَأْسِهِ(٩٩٨)، وَدَاءُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٩٥) في بعض النُّسَخ: (محمّد بن زرارة)، وكأنَّه تصحيف وقع من النُّسَاخ.
(٩٩٦) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٣٥): ((مبدح البطن): أي واسعه وعريضه، قال الفيروزآبادي: البداح كسحاب المتَّسع من الأرض أو اللينة الواسعة، والبدح بالكسر الفضاء الواسع، وامرأة بيدح: بادن، والأبدح: الرجل الطويل (السمين)، والعريض الجنبين من الدوابِّ).
(٩٩٧) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٤١): (ابن الأرواع لعلَّه جمع الأروع، أي ابن جماعة هم أروع الناس، أو جمع الروع، وهو من يعجبك بحسنه وجهارة منظره، أو بشجاعته، أو جمع الروع بمعنى الخوف).
(٩٩٨) كأنَّ الجملة زائدة أوردها النُّسَاخ سهواً، أو الصواب: (بالقائم علامات).
↑صفحة ٣٢٧↑
الْحَزَازِ بِرَأْسِهِ، وَشَامَةٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ، تَحْتَ كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَرَقَةٌ مِثْلُ وَرَقَةِ الْآسِ(٩٩٩)».
[٢٦٦/٦] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْعَلَاءِ الْهَمْدَانِيُّ، [رَفَعَهُ](١٠٠٠) عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: كُنَّا مَعَ مَوْلَانَا الرِّضَا (عليه السلام) بِمَرْوَ، فَاجْتَمَعْنَا وَأَصْحَابَنَا فِي الْجَامِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي بَدْءِ مَقْدَمِنَا، فَأَدَارُوا أَمْرَ الْإِمَامَةِ، وَذَكَرُوا كَثْرَةَ الْاِخْتِلَافِ فِيهَا(١٠٠١)، فَدَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي الرِّضَا (عليه السلام) فَأَعْلَمْتُهُ خَوْضَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ، فَتَبَسَّمَ (عليه السلام)، ثُمَّ قَالَ: «يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ، جَهِلَ الْقَوْمُ وَخُدِعُوا عَنْ آرَائِهِمْ، إِنَّ اللهَ (تَبَارَكَ اسْمُهُ) لَمْ يَقْبِضْ رَسُولَهُ(١٠٠٢) (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ الدِّينَ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فِيهِ تَفْصِيلُ كُلِّ شَيْءٍ(١٠٠٣) بَيَّنَ فِيهِ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، وَالْحُدُودَ وَالْأَحْكَامَ، وَجَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ كَمَلاً، فَقَالَ (عزَّ وجلَّ): ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨]، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ آخِرُ عُمُرِهِ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً﴾ [المائدة: ٣]، وَأَمْرُ الْإِمَامَةِ مِنْ تَمَامِ الدِّينِ، لَمْ يَمْضِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حَتَّى بَيَّنَ لِأُمَّتِهِ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، وَأَوْضَحَ لَهُمْ سَبِيلَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ عَلَى قَوْلِ الْحَقِّ(١٠٠٤)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(٩٩٩) الحديث تمَّ إلى هنا، وما زاد في المطبوع الحجري وبحار الأنوار من زيادة: (ابن ستَّة وابن خيرة الإماء)، فهي عنوان لما يأتي بعدها خُلِطَ بالحديث كما هو ظاهر النُّسَخ المخطوطة.
(١٠٠٠) الراوي بين أبي القاسم وعبد العزيز هو القاسم بن مسلم أخو عبد العزيز، كما في كمال الدِّين. وهذا الخبر والذي بعده ليسا في بعض النُّسَخ، ولكن أشار العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٢/ ص ٣٧٦) بوجودهما في الغيبة للنعماني.
(١٠٠١) في الكافي: (كثرة اختلاف الناس فيه).
(١٠٠٢) في الكافي: (نبيَّه).
(١٠٠٣) في الكافي: (تبيان كلِّ شيء).
(١٠٠٤) في الكافي: (تركهم على قصد سبيل الحقِّ).
↑صفحة ٣٢٨↑
وَأَقَامَ لَهُمْ عَلِيًّا (عليه السلام) عَلَماً وَإِمَاماً، وَمَا تَرَكَ شَيْئاً يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَّا بَيَّنَهُ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ لَمْ يُكْمِلْ دِينَهُ فَقَدْ رَدَّ كِتَابَ الله وَهُوَ كَافِرٌ بِهِ.
هَلْ يَعْرِفُونَ قَدْرَ الْإِمَامَةِ وَمَحَلَّهَا مِنَ الْأُمَّةِ فَيَجُوزُ فِيهَا اخْتِيَارُهُمْ؟ إِنَّ الْإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً، وَأَعْظَمُ شَأْناً، وَأَعْلَى مَكَاناً، وَأَمْنَعُ جَانِباً، وَأَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ، أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ، أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ، إِنَّ الْإِمَامَةَ مَنْزِلَةٌ خَصَّ اللهُ بِهَا إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ (عليه السلام) بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَالْخُلَّةِ مَرْتَبَةً ثَالِثَةً وَفَضِيلَةً شَرَّفَهُ بِهَا وَأَشَادَ بِهَا ذِكْرَهُ، فَقَالَ (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾، فَقَالَ الْخَلِيلُ سُرُوراً بِهَا: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ [البقرة: ١٢٤]، فَأَبْطَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِمَامَةَ كُلِّ ظَالِمٍ [إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ](١٠٠٥)، وَصَارَتْ فِي الصَّفْوَةِ، ثُمَّ أَكْرَمَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِأَنْ جَعَلَهَا فِي ذُرِّيَّتِهِ أَهْلِ الصَّفْوَةِ وَالطَّهَارَةِ، فَقَالَ: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٢ و٧٣]، فَلَمْ تَزَلْ فِي ذُرِّيَّتِهِ يَرِثُهَا بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ قَرْناً فَقَرْناً حَتَّى وَرِثَهَا النَّبِيُّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)(١٠٠٦)، فَقَالَ (عزَّ وجلَّ): ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ٦٨]، فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً، فَقَلَّدَهَا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَلِيًّا (عليه السلام) بِأَمْرِ الله (عَزَّ اسْمُهُ) عَلَى رَسْمِ مَا فَرَضَهُ اللهُ، فَصَارَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْأَصْفِيَاءِ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللهُ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ بِقَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ الله إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ [الروم: ٥٦]، فَهِيَ فِي وُلْدِ عَلِيٍّ (عليه السلام) خَاصَّةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِذْ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَمِنْ أَيْنَ يَخْتَارُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ الْإِمَامَ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٠٥) ما بين المعقوفتين ساقط في النُّسَخ، وموجود في الكافي.
(١٠٠٦) في الكافي: (حتَّى ورَّثها اللهُ تعالى النبيَّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
↑صفحة ٣٢٩↑
إِنَّ الْإِمَامَةَ هِيَ مَنْزِلَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِرْثُ الْأَوْصِيَاءِ، إِنَّ الْإِمَامَةَ خِلَافَةُ الله، وَخِلَافَةُ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَمَقَامُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، وَمِيرَاثُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (عليهما السلام)، إِنَّ الْإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ، وَنِظَامُ أُمُورِ المُسْلِمِينَ، وَصَلَاحُ الدُّنْيَا، وَعِزُّ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ الْإِمَامَةَ هِيَ أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي، وَفَرْعُهُ السَّامِي، بِالْإِمَامِ [تَمَامُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَتَوْفِيرُ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ، وَ](١٠٠٧) إِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ، وَمَنْعُ الثُّغُورِ وَالْأَطْرَافِ.
الْإِمَامُ يُحِلُّ حَلَالَ الله، وَيُحَرِّمُ حَرَامَ الله، وَيُقِيمُ حُدُودَ الله، وَيَذُبُّ عَنْ دِينِ الله، وَيَدْعُو إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَالْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ.
الْإِمَامُ الشَّمْسُ الطَّالِعَةُ المُجَلِّلَةُ بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ، وَهِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارُ.
الْإِمَامُ الْبَدْرُ المُنِيرُ(١٠٠٨)، وَالسِّرَاجُ الزَّاهِرُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ، وَالنَّجْمُ الْهَادِي فِي غَيَاهِبِ الدُّجَى، وَأَجْوَازِ الْبُلْدَانِ وَالْقِفَارِ، وَلُجَجِ الْبِحَارِ.
الْإِمَامُ المَاءُ الْعَذْبُ عَلَى الظَّمَاءِ، وَالنُّورُ الدَّالُّ عَلَى الْهُدَى، وَالمُنْجِي مِنَ الرَّدَى.
الْإِمَامُ النَّارُ عَلَى الْيَفَاعِ، الْحَارُّ لِمَنِ اصْطَلَى بِهِ(١٠٠٩)، وَالدَّلِيلُ فِي المَهَالِكِ، مَنْ فَارَقَهُ فَهَالِكٌ.
الْإِمَامُ السَّحَابُ المَاطِرُ، وَالْغَيْثُ الْهَاطِلُ، وَالشَّمْسُ المُضِيئَةُ، وَالسَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ، وَالْأَرْضُ الْبَسِيطَةُ، وَالْعَيْنُ الْغَزِيرَةُ، وَالْغَدِيرُ وَالرَّوْضَةُ.
الْإِمَامُ الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ، وَالْوَالِدُ الشَّفِيقُ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ، وَالْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ، وَمَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٠٧) ما بين المعقوفتين ساقط من النُّسَخ، أوردناه من الكافي وكمال الدِّين.
(١٠٠٨) في بعض النُّسَخ: (النذير البشير)، وكأنَّه تصحيف للتشابه الخطِّي.
(١٠٠٩) في بعض النُّسَخ: (هادٍ لمن استضاء به)، وهو تصحيف.
↑صفحة ٣٣٠↑
الْإِمَامُ أَمِينُ الله فِي خَلْقِهِ، وَحُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَخَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ، وَالدَّاعِي إِلَى الله، وَالذَّابُّ عَنْ حُرَمِ الله.
الْإِمَامُ المُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ، وَالمُبَرَّأُ عَنِ الْعُيُوبِ، المَخْصُوصُ بِالْعِلْمِ، المَوْسُومُ بِالْحِلْمِ، نِظَامُ الدِّينِ، وَعِزُّ المُسْلِمِينَ، وَغَيْظُ المُنَافِقِينَ، وَبَوَارُ الْكَافِرِينَ.
الْإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ، لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ، وَلَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ، وَلَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ، وَلَا لَهُ مِثْلٌ وَلَا نَظِيرٌ، مَخْصُوصٌ بِالْفَضْلِ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ لَهُ وَلَا اكْتِسَابٍ، بَلِ اخْتِصَاصٌ مِنَ المُفْضِلِ الْوَهَّابِ.
فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، ضَلَّتِ الْعُقُولُ، وَتَاهَتِ الْحُلُومُ، وَحَارَتِ الْأَلْبَابُ، وَخَسَأَتِ الْعُيُونُ، وتَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ، وَتَحَيَّرَتِ الْحُكَمَاءُ، وَتَقَاصَرَتِ الْحُلَمَاءُ، وَحَصِرَتِ الْخُطَبَاءُ، وَجَهِلَتِ الْأَلِبَّاءُ، وَكَلَّتِ الشُّعَرَاءُ، وَعَجَزَتِ الْأُدَبَاءُ، وَعَيِيَتِ الْبُلَغَاءُ، عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ، أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ، فَأَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ، وَكَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ، أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ، أَوْ يُفْهَمُ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ، أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيُغْنِي غِنَاهُ، لَا كَيْفَ وَأَنَّى وَهُوَ بِحَيْثُ النَّجْمُ مِنْ يَدِ المُتَنَاوِلِينَ وَوَصْفِ الْوَاصِفِينَ، فَأَيْنَ الْاِخْتِيَارُ مِنْ هَذَا؟ وَأَيْنَ الْعُقُولُ عَنْ هَذَا؟ وَأَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا؟
أَتَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ آلِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ كَذَبَتْهُمْ وَالله أَنْفُسُهُمْ وَمَنَّتْهُمُ الْأَبَاطِيلُ، فَارْتَقَوْا مُرْتَقًى صَعْباً دَحْضاً تَزِلُّ عَنْهُ إِلَى الْحَضِيضِ أَقْدَامُهُمْ، رَامُوا إِقَامَةَ الْإِمَامِ بِعُقُولٍ حَائِرَةٍ بَائِرَةٍ نَاقِصَةٍ، وَآرَاءٍ مُضِلَّةٍ، فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنْهُ إِلَّا بُعْداً، لَقَدْ رَامُوا صَعْباً، وَقَالُوا إِفْكاً، وَضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً، وَوَقَعُوا فِي الْحَيْرَةِ إِذْ تَرَكُوا الْإِمَامَ عَنْ بَصِيرَةٍ، ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٣٨].
رَغِبُوا عَنِ اخْتِيَارِ الله وَاخْتِيَارِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَأَهْلِ بَيْتِهِ إِلَى اخْتِيَارِهِمْ،
↑صفحة ٣٣١↑
وَالْقُرْآنُ يُنَادِيهِمْ: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ الله وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [القَصص: ٦٨]، وَيَقُولُ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ...﴾ الْآيَةَ [الأحزاب: ٣٦]، وَقَالَ: ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ [القلم: ٣٦ - ٤١]، وَقَالَ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمّد: ٢٤]، أَمْ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ(١٠١٠)، أَمْ ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ الله الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال: ٢١ - ٢٣]، أَمْ ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ [البقرة: ٩٣]، بَلْ هُوَ ﴿فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد: ٢١].
فَكَيْفَ لَهُمْ بِاخْتِيَارِ الْإِمَامِ؟ وَالْإِمَامُ عَالِمٌ لَا يَجْهَلُ، وَرَاعٍ(١٠١١) لَا يَنْكُلُ، مَعْدِنُ الْقُدْسِ وَالطَّهَارَةِ وَالنُّسُكِ وَالزَّهَادَةِ وَالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ، مَخْصُوصٌ بِدَعْوَةِ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَنَسْلِ المُطَهَّرَةِ الْبَتُولِ، لَا مَغْمَزَ فِيهِ فِي نَسَبٍ، وَلَا يُدَانِيهِ ذُو حَسَبٍ فِي الْبَيْتِ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالذِّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ، وَالْعِتْرَةِ مِنَ الرَّسُولِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، والرِّضَا مِنَ الله (عزَّ وجلَّ)، شَرَفُ الْأَشْرَافِ، وَالْفَرْعُ عَنْ عَبْدِ مَنَافٍ، نَامِي الْعِلْمِ، كَامِلُ الْحِلْمِ، مُضْطَلِعٌ بِالْإِمَامَةِ، عَالِمٌ بِالسِّيَاسَةِ، مَفْرُوضُ الطَّاعَةِ، قَائِمٌ بِأَمْرِ الله (عزَّ وجلَّ)، نَاصِحٌ لِعِبَادِ الله، حَافِظٌ لِدِينِ(١٠١٢) الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠١٠) اقتباس من الآية: ٨٧ من سورة التوبة.
(١٠١١) في بعض النُّسَخ: (وداع).
(١٠١٢) في بعض النُّسَخ: (لسرِّ).
↑صفحة ٣٣٢↑
إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَئِمَّةَ (صلوات الله عليهم) يُوَفِّقُهُمُ اللهُ وَيُؤْتِيهِمْ مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِهِ وَحِكَمِهِ مَا لَا يُؤْتِيهِ غَيْرَهُمْ، فَيَكُونُ عِلْمُهُمْ فَوْقَ عِلْمِ أَهْلِ كُلِّ الزَّمَانِ(١٠١٣) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: ٣٥]، وَقَوْلِهِ: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً﴾ [البقرة: ٢٦٩]، وَقَوْلِهِ فِي طَالُوتَ: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٤٧]، وَقَالَ لِنَبِيِّهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): ﴿وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ [النساء: ١١٣]، وَقَالَ فِي الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ وَعِتْرَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ (صَلَوَاتُ الله عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ): ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً﴾ [النساء: ٥٤ و٥٥].
وَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اخْتَارَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لِأُمُورِ عِبَادِهِ شَرَحَ صَدْرَهُ لِذَلِكَ، وَأَوْدَعَ قَلْبَهُ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ، وَأَلْهَمَهُ الْعِلْمَ إِلْهَاماً، فَلَمْ يَعْيَ بَعْدَهُ بِجَوَابٍ، وَلَا يُحَيَّرُ مَعَهُ(١٠١٤) عَنْ صَوَابٍ(١٠١٥)، فَهُوَ مَعْصُومٌ مُؤَيَّدٌ، مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ، قَدْ أَمِنَ مِنَ الْخَطَايَا وَالزَّلَلِ وَالْعِثَارِ(١٠١٦)، يَخُصُّهُ اللهُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ حُجَّتَهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَشَاهِدَهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَ﴿ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ [الحديد: ٢١].
فَهَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَيَخْتَارُونَهُ، أَوْ يَكُونُ مُخْتَارُهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠١٣) في بعض النُّسَخ: (أهل الزمان).
(١٠١٤) في بعض النُّسَخ: (لا يُحيَّر فيه).
(١٠١٥) كذا، وفي الكافي: (عن الصواب).
(١٠١٦) في بعض النُّسَخ: (قد أمن الخلل والزلل، والعدد والخطل).
↑صفحة ٣٣٣↑
فَيُقَدِّمُونَهُ؟ تَعَدَّوْا - وَبَيْتِ الله - الْحَقَّ، وَنَبَذُوا كِتابَ الله وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَفِي كِتَابِ الله الْهُدَى وَالشِّفَاءُ، فَنَبَذُوهُ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، فَذَمَّهُمُ اللهُ تَعَالَى وَمَقَتَهُمْ وَأَتْعَسَهُمْ، فَقَالَ (جَلَّ وَعَزَّ): ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [القَصص: ٥٠]، وَقَالَ: ﴿فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمّد: ٨]، وَقَالَ: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ الله وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: ٣٥]»(١٠١٧)،(١٠١٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠١٧) الكافي (ج ١/ ص ١٩٨ - ٢٠٣/ باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته/ ح ١)؛ وراجع: كمال الدِّين (ص ٦٧٥ - ٦٨١/ باب ٥٨/ ح ٣١)، ومعاني الأخبار (ص ٩٦ - ١٠١/ باب معنى الإمام المبين/ ح ٢)، وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) (ج ١/ ص ١٩٥ - ٢٠٠/ ح ١)، وأمالي الصدوق (ص ٧٧٣ - ٧٧٩/ ح ١٠٤٩/١)، وتُحَف العقول (ص ٤٣٦ - ٤٤٢).
(١٠١٨) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢٥/ ص ١٢٩ - ١٣٣): (قوله (عليه السلام): (وخُدِعُوا عن أديانهم) أي خدعهم الشيطان صارفاً لهم عن أديانهم، وفي الكافي: (عن آرائهم)، فعن تعليليَّة. قوله تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا﴾ الاستشهاد بالآية على وجهين: الأوَّل أنَّ الإمامة أعظم الأشياء فيجب أنْ يكون مبيَّناً فيه. الثاني أنَّه تعالى أخبر ببيان كلِّ شيء في القرآن، ولا خلاف في أنَّ غير الإمام لا يعرف كلَّ شيء من القرآن، فلابدَّ من وجود الإمام المنصوص، وعلى التقديرين مبنى الاستدلال على كون المراد بالكتاب القرآن كما هو الظاهر. وقيل: هو اللوح. قوله (عليه السلام): (من تمام الدِّين) أي لا شكَّ أنَّه من أُمور الدِّين، بل أعظمها، كيف لا وقد قدَّموه على تجهيز الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذي كان من أوجب الأُمور؟ فلابدَّ أنْ يكون داخلاً فيما بلَّغه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)...، قوله (عليه السلام): (هل يعرفون) الغرض أنَّ نصب الإمام موقوف على العلم بصفاته وشرايط الإمامة، وهم جاهلون بها، فكيف يتيسَّر لهم نصبه وتعيينه؟ قوله: (وأمنع جانباً) أي جانبه أشدّ منعاً من أنْ يصل إليه يد أحد. والإشادة: رفع الصوت بالشيء، يقال: أشاده وأشاد به: إذا أشاعه ورفع ذكره. وصارت في الصفوة - مثلَّثة -: أي أهل الطهارة والعصمة، أو أهل الاصطفاء ←
↑صفحة ٣٣٤↑
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ والاختيار. والنافلة: العطيَّة الزائدة، أو ولد الولد. ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾: أي لا بتعيين الخلق. قرناً فقرناً: منصوبان على الظرفيَّة. قوله تعالى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ﴾ أي أخصّهم وأقربهم، من الوليِّ بمعنى القرب، أو أحقّهم بمقامه، والاستدلال بالآية مبنيٌّ على أنَّ المراد بالمؤمنين فيها الأئمَّة (عليهم السلام)، أو على أنَّ تلك الإمامة انتهت إلى النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو لم يستخلف غير عليٍّ (عليه السلام) بالاتَّفاق. قوله: ﴿وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾، أقول: قبل هذه الآية قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾ [الروم: ٥٥]، فالظاهر أنَّ هذا جواب قول المجرمين، والقائل هم الذين أُوتوا العلم والإيمان، ومصداقهم الأكمل النبيُّ والأئمَّة (صلوات الله عليهم)، أو هم المقصودون لا غيرهم. وربَّما يوهم ظاهر الخبر أنَّ المخاطب هم الأئمَّة (عليهم السلام)، والمراد لبثهم في علم الكتاب، لكن لا يساعده سابقه ولاحقه. نعم قال عليُّ بن إبراهيم: هذه الآية مقدَّمة ومؤخَّرة، وإنَّما هو: (وقال الذين أُوتوا العلم والإيمان في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث)، وهو لا ينافي ما ذكرنا. قوله (عليه السلام): (إذ لا نبيَّ)، إمَّا تعليل لكون الخلافة فيهم، والتقريب أنَّه لا نبيَّ بعد محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حتَّى يجعل الإمامة في غيرهم بعد جعل النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيهم، أو لكونهم أئمَّة لا أنبياء، أو لامتداد ذلك إلى يوم القيامة، والتقريب ظاهر، وهو قريب من الأوَّل. (منزلة الأنبياء): أي منزلة لهم ولمن هو في مثلهم، أو كانت لهم فيجب أنْ ينتقل إلى من هو مثلهم. والزمام: الخيط الذي يُشَدُّ في طرفه المقود، وقد يُطلَق علي المقود. والأُسُّ: أصل البناء. والسامي: العالي. والثغور: حدود بلاد الإسلام المتَّصلة ببلاد الكفر. والذبُّ: المنع والدفع، والفعل كنصر. قوله (عليه السلام): (لا تناله الأيدي): أي أيدي الأوهام والعقول. والساطع: المرتفع...، والدُّجى - بضمِّ الدال -: الظلمة، والإضافة للمبالغة، واستُعير لظلمات الفتن والشكوك والشبهة، وفي الكافي: (وأجواز البلدان القفار)، وجوز كلِّ شيء: وسطه. والقفار جمع القفر، وهو مفازة لا نبات فيها ولا ماء، وفي الاحتجاج: (والبيد القفار) جمع البيداء، وهو أظهر. واللُّجَّة - بالضمِّ -: معظم الماء. والظَمَأ - بالتحريك -: شدَّة العطش. والردى: الهلاك...، والاصطلاء: افتعال من الصلي بالنار، وهو التسخُّن بها. والهطل - بالسكون والتحريك -: تتابع المطر وسيلانه. والغزيرة: الكثيرة. قوله (عليه السلام): (الأمين)، في الكافي: (الأنيس ←
↑صفحة ٣٣٥↑
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ الرفيق، والوالد الشفيق، والأخ الشقيق)، وإنَّما وُصِفَ الأخ بالشقيق لأنَّه شقَّ نسبه من نسبه، وبعده: (والأُمُّ البرَّة بالولد الصغير، ومفزع العباد في الداهية النآد)، يقال: ندَّ أي شرد ونفر، والأظهر أنَّه مهموز كسحاب أو كحبالى، في القاموس: نأد الداهية فلاناً: دهته، والنآد كسحاب، والنآدى كحبالى: الداهية، وفي الصحاح: النآد والنأدى: الداهية. قال الكميت:
فإيَّاكم وداهية نآدى * * * أظلَّتكم بعارضها المخيل
قوله (عليه السلام): (الذابُّ عن حُرَم الله)، الحُرَم - بضمِّ الحاء وفتح الراء - جمع الحرمة، وهي ما لا يحلُّ انتهاكه وتضييعه، أي يدفع الضرر والفساد عن حُرُمات الله، وهي ما عظَّمها وأمر بتعظيمها من بيته وكتابه وخلفائه وفرائضه وأوامره ونواهيه...، والحلوم أيضاً: العقول كالألباب. وضلَّت وتاهت وحارت متقاربة المعاني. وحسر بصره كضرب أي كلَّ وانقطع نظره من طول مدى وما أشبه ذلك. وفي الكافي: (خسئت) كمنعت بمعناه ويقال: تصاغرت إليه نفسه، أي صغرت. والتقاصر مبالغة في القصر، أو إظهاره كالتطاول. وحصر كعلم: عيي في المنطق. ويقال: ما يُغني عنك هذا، أي ما ينفعك ويجديك. والغناء بالفتح: النفع. (لا) تصريح بالإنكار المفهوم من الاستفهام، حُذِفَت الجملة لدلالة ما قبلها على المراد، أي لا يُوصَف إلى آخر الجُمَل. (كيف) تكرار للاستفهام الإنكاري الأوَّل تأكيداً. و(أنَّى) مبالغة أُخرى بالاستفهام الإنكاري عن إمكان الوصف وما بعده. (وهو بحيث النجم) الواو للحال، والباء بمعنى (في)، والخبر محذوف، أي مرئى، لأنَّ (حيث) لا يُضاف إلَّا إلى الجُمَل. (من أيدي المتناولين) متعلِّق بـ(حيث). قوله (عليه السلام): (كذبتهم): أي قال لهم كذبا، أو بالتشديد، أي إذا رجعوا إلى أنفسهم شهدت أنفسهم بكذب مقالهم. قوله: (ومنَّتهم الباطل)...، أي ألقت في أنفسهم الأماني. ويقال: منه السير، أي أضعفه وأعياه. ويقال: مكان دحض ودحض بالتحريك، أي زلق. وفي القاموس: رجل حائر بائر، أي لم يتَّجه لشيء ولا يأتمر رشداً ولا يطيع مرشداً. قوله (عليه السلام): (أم طبع الله على قلوبهم) هذا من كلامه (عليه السلام) اقتبسه من الآيات، وليس في القرآن بهذا اللفظ. وكذا قوله: (أم قالوا سمعنا)، وفى القرآن هكذا: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا﴾ [الأنفال: ٢١]، وكذا قوله: (وقالوا سمعنا وعصينا) وإنْ كان ←
↑صفحة ٣٣٦↑
[٢٦٧/٧] وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحَسَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ غَالِبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) فِي خُطْبَةٍ لَهُ يَذْكُرُ فِيهَا حَالَ الْأَئِمَّةِ (عليهم السلام) وَصِفَاتِهِمْ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْضَحَ بِأَئِمَّةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ موافقاً للفظ الآية كما لا يخفى، وكذا قوله: (بل هو فضل الله) لعدم الموافقة. ووجه الاستدلال بالآيات ظاهر، وتفسيرها موكول إلى مظانِّها. وأمَّا قوله تعالى:﴿وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا﴾ فلم يرد به العموم بأنْ يكون المراد: ولو أسمعهم علي أيِّ وجهٍ كان لتولَّوا، حتَّى ينتج: ولو علم الله فيهم خيراً لتولَّوا، بل المراد أنَّه لو أسمعهم وهم على تلك الحال التي لا يعلم الله فيهم خيراً لتولَّوا، فهو كالتأكيد والتعليل للسابق. وقد أُجيب عنه بوجوه لا يُسمِن ولا يُغني من جوع، ولا نطيل الكلام بإيرادها. قوله: (لا ينكُلُ) بالضمِّ، أي لا يجبن. والنُّسُك - بالضمِّ -: العبادة، والجمع بضمَّتين. قوله (عليه السلام): (بدعوة الرسول): أي بدعوة الخلق نيابةً عن الرسول، كما قال النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «لا يُبلِّغه إلَّا أنا أو رجل منِّي»، وكما قال تعالى: ﴿أَدْعُوا إِلَى الله عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: ١٠٨]، أو بدعاء الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إيَّاه للإمامة، أو بدعاء الرسول له في قوله: «اللَّهُمَّ وال من والاه»، وقوله: «اللَّهُمَّ أذهب عنهم الرجس»، وقوله: «اللَّهُمَّ ارزقهم فهمي وعلمي»، وغيرها. قوله: (لا مغمز): أي لا مطعن. ويقال: فلان مضطلع بهذا الأمر، أي قويٌّ عليه. قوله: (قائم بأمر الله): أي لا باختيار الأُمَّة، أو بإجراء أمر الله. قوله: (في قوله تعالى) متعلِّق بمقدَّر، أي ذلك مذكور في قوله تعالى، ويحتمل أنْ يكون تعليليَّة. قوله: (وقال (عزَّ وجلَّ) لنبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم))، في الكافي بعد ذلك: ﴿وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً﴾، والغرض من إيراد هذه الآية أنَّ الله تعالى أمتنَّ على نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بإنزال الكتاب والحكمة وإيتاء نهاية العلم، وعدَّ ذلك فضلاً عظيماً، وأثبت ذلك الفضل لجماعة من تلك الأُمَّة بأنَّهم المحسودون على ما آتاهم الله من فضله، ثمّ بيَّن أنَّهم من آل إبراهيم، فهم الأئمَّة (عليهم السلام)، والفضل العلم، والحكمة والخلافة، مع أنَّه يظهر من الآيتين أنَّ الفضل والشرف بالعلم والحكمة، ولا ريب في أنَّهم (عليهم السلام) أعلم من غيرهم من المدَّعين للخلافة، ومنه يظهر وجه الاستشهاد بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ﴾. والتعس: الهلاك والعثار والسقوط والشرُّ والبعد والانحطاط).
↑صفحة ٣٣٧↑
الْهُدَى مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عَنْ دِينِهِ، وَأَبْلَجَ بِهِمْ عَنْ سَبِيلِ مِنْهَاجِهِ، وَفَتَحَ لَهُمْ عَنْ بَاطِنِ يَنَابِيعِ عِلْمِهِ، فَمَنْ عَرَفَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَاجِبَ حَقِّ إِمَامِهِ وَجَدَ طَعْمَ حَلَاوَةِ إِيمَانِهِ، وَعَلِمَ فَضْلَ طَلَاوَةِ إِسْلَامِهِ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى نَصَبَ الْإِمَامَ عَلَماً لِخَلْقِهِ، وَجَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ طَاعَتِهِ، أَلْبَسَهُ اللهُ تَاجَ الْوَقَارِ، وَغَشَّاهُ مِنْ نُورِ الْجَبَّارِ، يَمُدُّ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ، لَا يَنْقَطِعُ عَنْهُ مَوَادُّهُ، وَلَا يُنَالُ مَا عِنْدَ الله إِلَّا بِجِهَةِ أَسْبَابِهِ، وَلَا يَقْبَلُ اللهُ الْأَعْمَالَ لِلْعِبَادِ إِلَّا بِمَعْرِفَتِهِ، فَهُوَ عَالِمٌ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ مُشْكِلَاتِ الدُّجَى، وَمُعَمَّيَاتِ السُّنَنِ، وَمُشْتَبِهَاتِ الْفِتَنِ(١٠١٩)، فَلَمْ يَزَلِ اللهُ تَعَالَى يَخْتَارُهُمْ لِخَلْقِهِ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، مِنْ عَقِبِ كُلِّ إِمَامٍ، فَيَصْطَفِيهِمْ كَذَلِكَ وَيَجْتَبِيهِمْ، وَيَرْضَى بِهِمْ لِخَلْقِهِ، وَيَرْتَضِيهِمْ لِنَفْسِهِ، كُلَّمَا مَضَى مِنْهُمْ إِمَامٌ نَصَبَ (عزَّ وجلَّ) لِخَلْقِهِ إِمَاماً عَلَماً بَيِّناً، وَهَادِياً مُنِيراً، وَإِمَاماً قَيِّماً، وَحُجَّةً عَالِماً، أَئِمَّةً مِنَ الله يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ، حُجَجُ الله [وَدُعَاتُهُ](١٠٢٠) وَرُعَاتُهُ عَلَى خَلْقِهِ، يَدِينُ بِهُدَاهُمُ الْعِبَادُ، وتَسْتَهِلُّ بِنُورِهِمُ الْبِلَادُ، وَيَنْمُو بِبَرَكَتِهِمُ التِّلَادُ، جَعَلَهُمُ اللهُ حَيَاةً لِلْأَنَامِ، وَمَصَابِيحَ لِلظَّلَامِ، وَمَفَاتِيحَ لِلْكَلَامِ، وَدَعَائِمَ لِلْإِسْلَامِ، جَرَتْ بِذَلِكَ فِيهِمْ مَقَادِيرُ الله عَلَى مَحْتُومِهَا.
فَالْإِمَامُ هُوَ المُنْتَجَبُ المُرْتَضَى، وَالْهَادِي المُجْتَبَى، وَالْقَائِمُ المُرْتَجَى، اصْطَفَاهُ اللهُ بِذَلِكَ، وَاصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ فِي الذَّرِّ حِينَ ذَرَأَهُ، وَفِي الْبَرِيَّةِ حِينَ بَرَأَهُ، ظِلًّا قَبْلَ خَلْقِهِ، نَسَمَةً عَنْ يَمِينِ عَرْشِهِ، مَحْبُوًّا بِالْحِكْمَةِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ، اخْتَارَهُ بِعِلْمِهِ، وَانْتَجَبَهُ لِطُهْرِهِ، بَقِيَّةً مِنْ آدَمَ، وَخِيَرَةً مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ، وَمُصْطَفًى مِنْ آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَسُلَالَةً مِنْ إِسْمَاعِيلَ، وَصَفْوَةً مِنْ عِتْرَةِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لَمْ يَزَلْ مَرْعِيًّا بِعَيْنِ الله،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠١٩) في بعض النُّسَخ: (الدِّين).
(١٠٢٠) ما بين المعقوفتين لا يوجد في بعض النُّسَخ.
↑صفحة ٣٣٨↑
يَحْفَظُهُ بِمَلَائِكَتِهِ، مَدْفُوعاً عَنْهُ وُقُوبُ الْغَوَاسِقِ، وَنُفُوثُ كُلِّ فَاسِقٍ، مَصْرُوفاً عَنْهُ قَوَارِفُ السُّوءِ، مُبَرَّأً مِنَ الْعَاهَاتِ، مَحْجُوباً عَنِ الْآفَاتِ، مَعْصُوماً مِنَ الزَّلَّاتِ، مَصُوناً مِنَ الْفَوَاحِشِ كُلِّهَا، مَعْرُوفاً بِالْحِلْمِ وَالْبِرِّ فِي يَفَاعِهِ، مَنْسُوباً إِلَى الْعَفَافِ وَالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ عِنْدَ انْتِهَائِهِ، مُسْنَداً إِلَيْهِ أَمْرُ وَالِدِهِ، صَامِتاً عَنِ المَنْطِقِ فِي حَيَاتِهِ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ وَالِدِهِ وَانْتَهَتْ بِهِ مَقَادِيرُ الله إِلَى مَشِيَّتِهِ وَجَاءَتِ الْإِرَادَةُ مِنْ عِنْدِ الله فِيهِ إِلَى مَحَبَّتِهِ(١٠٢١) وَبَلَغَ مُنْتَهَى مُدَّةِ وَالِدِهِ (عليه السلام) فَمَضَى، صَارَ أَمْرُ الله إِلَيْهِ مِنْ بَعْدِهِ، وَقَلَّدَهُ اللهُ دِينَهُ، وَجَعَلَهُ الْحُجَّةَ عَلَى عِبَادِهِ، وَقَيِّمَهُ فِي بِلَادِهِ، وَأَيَّدَهُ بِرُوحِهِ، وَأَعْطَاهُ عِلْمَهُ، وَاسْتَوْدَعَهُ سِرَّهُ، وَانْتَدَبَهُ لِعَظِيمِ أَمْرِهِ، وَأَنْبَأَهُ فَصْلَ(١٠٢٢) بَيَانِ عِلْمِهِ، وَنَصَبَهُ عَلَماً لِخَلْقِهِ، وَجَعَلَهُ حُجَّةً عَلَى أَهْلِ عَالَمِهِ، وَضِيَاءً لِأَهْلِ دِينِهِ، وَالْقَيِّمَ عَلَى عِبَادِهِ، رَضِيَ اللهُ بِهِ إِمَاماً لَهُمْ، اسْتَحْفَظَهُ عِلْمَهُ، وَاسْتَخْبَأَهُ حِكْمَتَهُ، [وَاسْتَرْعَاهُ لِدِينِهِ](١٠٢٣)، وَأَحْيَا بِهِ مَنَاهِجَ سَبِيلِهِ، وَفَرَائِضَهُ وَحُدُودَهُ، فَقَامَ بِالْعَدْلِ عِنْدَ تَحَيُّرِ أَهْلِ الْجَهْلِ، وَتَحْيِيرِ أَهْلِ الْجَدَلِ، بِالنُّورِ السَّاطِعِ، وَالشِّفَاءِ الْبَالِغِ(١٠٢٤)، بِالْحَقِّ الْأَبْلَجِ، وَالْبَيَانِ اللَّائِحِ مِنْ كُلِّ مَخْرَجٍ، عَلَى طَرِيقِ المَنْهَجِ، الَّذِي مَضَى عَلَيْهِ الصَّادِقُونَ مِنْ آبَائِهِ (عليهم السلام)، فَلَيْسَ يَجْهَلُ حَقَّ هَذَا الْعَالِمِ إِلَّا شَقِيٌّ، وَلَا يَجْحَدُهُ إِلَّا غَوِيٌّ، وَلَا يَدَعُهُ إِلَّا جَرِيٌّ عَلَى الله»(١٠٢٥)،(١٠٢٦).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٢١) في بعض النُّسَخ: (إلى حجَّته)، ولعلَّ الصواب: (إلى جنَّته).
(١٠٢٢) في بعض النُّسَخ: (فضل)، أي زيادة بيانه.
(١٠٢٣) ما بين المعقوفتين لا يوجد في بعض النُّسَخ.
(١٠٢٤) كذا، ولعلَّ الصواب: (الناجع).
(١٠٢٥) الكافي (ج ١/ ص ٢٠٣ - ٢٠٥/ باب نادر جامع في فضل الإمام وصفاته/ ح ٢).
(١٠٢٦) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢٥/ ص ١٥٣ - ١٥٦): (الرعاة: جمع الراعي. قوله: (وتُستَهلُّ) على بناء المجهول، أي تتنوَّر، قال الفيروزآبادي: استهلَّ المطر: ←
↑صفحة ٣٣٩↑
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ اشتدَّ انصبابه، واستهلَّ الهلال - بالضمِّ -: ظهر، واستهلَّ: رفع صوته. والتلاد: المال القديم الأصلي الذي وُلِدَ عندك، وهو نقيض الطارف. والتخصيص به لأنَّه أبعد من النموِّ، أو لأنَّ الاعتناء به أكثر، ويحتمل أنْ يكون كناية عن تجديد الآثار القديمة المندرسة. (جرت بذلك) الباء للسببيَّة، والإشارة إلى مصدر جعلهم أو جميع ما تقدَّم. (مقادير الله): أي تقدير الله. قوله (عليه السلام): (على محتومها) حال عن (المقادير)، والضمير راجع إليها، أي كائنة على محتومها، أي قدَّرها تقديراً حتماً لا بداء فيه ولا تغيير. قوله: (واصطنعه على عينه) أي خلقه وربَّاه وأكرمه وأحسن إليه معنيًّا بشأنه عالماً بكونه أهلاً لذلك، قال الله تعالى: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه: ٣٩]، قال البيضاوي: أي ولتربى وليحسن إليك وأنا راعيك وراقبك. وقال غيره: ﴿عَلَى عَيْنِي﴾ أي بمرأى منِّي، كناية عن غاية الإكرام والإحسان. وقال تعالى: ﴿وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ [طه: ٤١]، قال البيضاوي: أي واصطفيتك لمحبَّتي، مثله فيما خوَّله من الكرامة بمن قرَّبه المَلِك واستخلصه لنفسه. قوله: (في الذرِّ): أي في عالم الأرواح. (وفي البريَّة): أي في عالم الأجساد، فقوله: (ظلًّا) متعلِّق بالأوَّل، وهو بعيد. ويحتمل أنْ يكون ذرأ وبرأ كلاهما في عالم الأرواح، أو يكون المراد بالذرء تفريقهم في الميثاق، وبالبرء خلق الأرواح. والحبوة: العطيَّة. قوله: (بعلمه): أي بسبب علمه بأنَّه يستحقُّه، أو بأنْ أعطاه علمه. (وانتجبه لطهره): أي لعصمته، أي لأنْ يجعله مطهَّراً، وعلى أحد الاحتمالين الضميران لله، وعلى الآخر للإمام. قوله: (بعين الله): أي بحفظه وحراسته، أو إكرامه. والوقوب: الدخول. والغسق: أوَّل ظلمة الليل، والغاسق: ليل عظم ظلامه، وظاهره أنَّه إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ﴾ [الفلق: ٣]، وفُسِّر بأنَّ المراد ليل دخل ظلامه في كلِّ شيء، وتخصيصه لأنَّ المضارَّ فيه يكثر ويعسر الدفع، فيكون كناية عن أنَّه يدفع عنه الشرور التي يكثر حدوثها بالليل غالباً، ولا يبعد أنْ يكون المراد شرور الجنِّ والهوامِّ المؤذية، فإنَّها تقع بالليل غالباً كما يدلُّ عليه الأخبار، أو يكون المراد عدم دخول ظلمات الشكوك والشُّبَه والجهالات عليه. قوله: (ونفوث كلِّ فاسق): أي لا يُؤثِّر فيه سحر الساحرين من قوله تعالى: ﴿وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ﴾ [الفلق: ٤]، أو يكون كناية عن وساوس شياطين الإنس والجنِّ، والأوَّل أظهر، وما ورد من تأثير السحر في ←
↑صفحة ٣٤٠↑
[كونه (عليه السلام)] (١٠٢٧) ابن سبيَّة، ابن خيرة الإماء:
[٢٦٨/٨] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ بْنِ قَيْسِ بْنِ رُمَّانَةَ الْأَشْعَرِيُّ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيُّ، قَالُوا جَمِيعاً: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفي الحسنين (عليهما السلام) فمحمول على التقيَّة، وردَّها أكثر علمائنا، ويمكن حمله على أنَّه لا يُؤثِّر فيهم تأثيراً لا يمكنهم دفعه، فلا ينافي الأخبار لو صحَّت. قوله (عليه السلام): (قوارف السوء): أي كواسب السوء، من اقتراف الذنب بمعنى اكتسابه، أو الاتِّهام بالسوء من قولهم: قرف فلاناً: عابه أو اتَّهمه، وأقرنه: وقع فيه وذكره بسوء، وأقرف به: عرَّضه للتهمة. والمراد بالعاهات والآفات الأمراض التي توجب نفرة الخلق وتشويه الخلقة كالعمى والعرج والجذام والبرص وأشباهها، ويحتمل أنْ يكون المراد بالثاني الآفات النفسانيَّة وأمراضها. قوله: (في بقاعه)، وفي بعض النُّسَخ بالياء المثنَّاة التحتانيَّة والفاء، أي في بدو شبابه، يقال: يفع الغلام إذا راهق. وفي بعض النُّسَخ بالباء الموحَّدة والقاف، أي في بلاده التي نشأ فيها، والأظهر الأوَّل لمقابلة الفقرة الثانية. قوله: (مسنداً إليه أمر والده): أي يكون وصيَّه. قوله: (إلى مشيَّته) الضمير راجع إلى الله، والضمير في قوله: (به) راجع إلى الولد، ويحتمل الوالد، أي انتهت مقادير الله بسبب الولد إلى ما شاء وأراد من إمامته، وجاءت الإرادة من عند الله فيه إلى ما أحبَّ من خلافته. وقوله: (فمضى) جزاء الشرط. والقيِّم: القائم بأُمور الناس ومدبِّرهم. قوله: (وانتدبه) أي دعاه وحثَّه، وفي كُتُب اللغة المشهورة أنَّ الندب الطلب، والانتداب: الإجابة، ويظهر من الخبر أنَّ الانتداب أيضاً يكون بمعنى الطلب، كما قال في مصباح اللغة: انتدبته للأمر فانتدب يُستعمَل لازماً ومتعدّياً. قوله: (وآتاه)، في الكافي: (وآتاه علمه وأنبأه فصل بيانه): أي بيانه الفاصل بين الحقِّ والباطل. قوله: (واستخبأه) بالهمز أو بالتخفيف، أي استكتمه، وفي بعض النُّسَخ بالحاء المهملة، أي طلب منه أنْ يحبو الناس الحكمة. قوله: (واسترعاه لدينه): أي استحفظه الناس لأمر دينه، أو اللَّام زائدة. والتحبير: التحسين والتزيين).
(١٠٢٧) ما بين المعقوفتين ليس في النُّسَخ إنَّما أضفناه تسهيلاً للباحث.
↑صفحة ٣٤١↑
مَحْبُوبٍ الزَّرَّادُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ يَزِيدَ الْكُنَاسِيِّ(١٠٢٨)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (عليهما السلام) يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ فِيهِ شَبَهٌ مِنْ يُوسُفَ(١٠٢٩)، ابْنُ أَمَةٍ سَوْدَاءَ، يُصْلِحُ اللهُ (عزَّ وجلَّ) لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ»(١٠٣٠).
يريد بالشَّبَه من يوسف (عليه السلام) غيبته(١٠٣١).
[٢٦٩/٩] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ أَخُو مُشْمَعِلٍّ الْأَسَدِيُّ(١٠٣٢)، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ الْقَصِيرُ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): قَوْلُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ(١٠٣٣) الْإِمَاءِ»، أَهِيَ فَاطِمَةُ (عليها السلام)؟
فَقَالَ: «إِنَّ فَاطِمَةَ (عليها السلام) خِيَرَةُ الْحَرَائِرِ، ذَاكَ المُبْدَحُ بَطْنُهُ، المُشْرَبُ حُمْرَةً، رَحِمَ اللهُ فُلَاناً».
[٢٧٠/١٠] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَقَالَ لِي: «مَا وَرَاءَكَ؟».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٢٨) في بعض النُّسَخ: (زيد الكناسي)، وهو من تصحيف النُّسَاخ.
(١٠٢٩) كذا، وفي نسخة: (سُنَّة من يوسف)، وقد تقدَّم.
(١٠٣٠) تقدَّم تحت الرقم (١٦٤/٣)، فراجع.
(١٠٣١) في بعض النُّسَخ: (الغيبة).
(١٠٣٢) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٣٦/ الرقم ٣٥٢): (حَكَم بن سعد الأسدي الناشري، عربي، قليل الحديث، وهو أخو مشمعل، ومشمعل أكثر روايةً منه، وشارك الحَكَم أخاه مشمعلًّا في كتاب الديات).
(١٠٣٣) الخِيَرة: المختارة، والأفضل. راجع: لسان العرب (ج ٤/ ص ٢٦٤/ مادَّة خير).
↑صفحة ٣٤٢↑
فَقُلْتُ: سُرُورٌ مِنْ عَمِّكَ زَيْدٍ، خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُ سَبِيَّةٍ(١٠٣٤)، وَهُوَ(١٠٣٥) قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُ ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ.
فَقَالَ: «كَذَبَ(١٠٣٦) لَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ، إِنْ خَرَجَ قُتِلَ»(١٠٣٧).
[٢٧١/١١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ جُمْهُورٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ الْهَمْدَانِيِّ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ - يَعْنِي الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِهِ (عليه السلام) -، يَسُومُهُمْ خَسْفاً، وَيَسْقِيهِمْ بِكَأْسٍ مُصَبَّرَةٍ(١٠٣٨)، وَلَا يُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ هَرْجاً(١٠٣٩)، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَتَمَنَّى فَجَرَةُ قُرَيْشٍ لَوْ أَنَّ لَهَا مُفَادَاةً مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِيُغْفَرَ لَهَا، لَا نَكُفُّ عَنْهُمْ حَتَّى يَرْضَى اللهُ»(١٠٤٠).
[٢٧٢/١٢] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٣٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) بعدما ضبطها في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٤٢) : (ابن ستَّة): (لعلَّ زيداً أدخل الحسن (عليه السلام) في عداد الآباء مجازاً فإنَّ العمَّ قد يُسمَّى أباً، فمع فاطمة (عليها السلام) ستَّة من المعصومين).
(١٠٣٥) في بعض النُّسَخ: (وأنَّه).
(١٠٣٦) أي وهم، والكذب هنا بمعنى التمنِّي والتوهُّم، وجلَّت ساحة زيد عن الكذب المفترى.
(١٠٣٧) الثابت بالروايات الصحيحة مدح زيد الشهيد (رضوان الله عليه) وعلوُّ مقامه ودعوته إلى مقاومة الظلم، وإلى تطبيق أحكام الإسلام، وإمامة الرضا من آل محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولابدَّ من ردِّ مثل هذه الرواية التي تذمُّه أو تأويلها.
(١٠٣٨) في لسان العرب (ج ٤/ ص ٤٤٢/ مادَّة صبر): (الصَّبِرُ: عُصَارة شجر مُرٍّ، واحدته صَبِرَة وجمعه صُبُور).
(١٠٣٩) أي قتلاً، وفي نسخة هنا بياض.
(١٠٤٠) نهج البلاغة (ص ١٣٨/ الخطبة ٩٣) بتفاوت.
↑صفحة ٣٤٣↑
التَّيْمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ ابْنَا الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ المَدِينَةَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي: «هَلْ صَاحَبَكَ أَحَدٌ؟».
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: «أَكُنْتُمْ تَتَكَلَّمُونَ؟».
قُلْتُ: نَعَمْ، صَحِبَنِي رَجُلٌ مِنَ المُغِيرِيَّةِ(١٠٤١).
قَالَ: «فَمَا كَانَ يَقُولُ؟».
قُلْتُ: كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ الْحَسَنِ هُوَ الْقَائِمُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اسْمَهُ اسْمُ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَاسْمَ أَبِيهِ اسْمُ أَبِي النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقُلْتُ لَهُ فِي الْجَوَابِ: إِنْ كُنْتَ تَأْخُذُ بِالْأَسْمَاءِ فَهُوَ ذَا فِي وُلْدِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ لِي: إِنَّ هَذَا ابْنُ أَمَةٍ - يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ عَلِيٍّ -، وَهَذَا ابْنُ مَهِيرَةٍ(١٠٤٢) - يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الله بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ -.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «فَمَا رَدَدْتَ عَلَيْهِ؟».
فَقُلْتُ: مَا كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ أَرُدُّ عَلَيْهِ.
فَقَالَ: «أَوَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ ابْنُ سَبِيَّةٍ(١٠٤٣) - يَعْنِي الْقَائِمَ (عليه السلام) -؟».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٤١) المغيريَّة هم أصحاب المغيرة بن سعيد الكذَّاب الذي كان يكذب على الإمام أبي جعفر محمّد بن عليٍّ الباقر (عليهما السلام)، وكان يدعو إلى محمّد بن عبد الله بن الحسن في أوَّل أمره. وما في بعض النُّسَخ من (المعتزلة) من تصحيف النُّسَاخ.
(١٠٤٢) المهيرة: الحرَّة البالغة المهر، وجمعها: مهائر. والمراد بـ(محمّد بن عبد الله بن الحسن) محمّد ابن عبد الله محض، راجع أحواله في مقاتل الطالبيِّين (ص ١٥٧ فصاعداً).
(١٠٤٣) النُّسَخ في ضبط كلمة (ابن سبيَّة) مختلفة، ففي بعضها: (ابن ستَّة)، وفي بعضها: (ابن سبيَّة)، وفي بعضها: (ابن ستَّه)، والظاهر أنَّ الصواب ما في المتن بقرية ابن خيرة الإماء. والسبيَّة: المرأة تُسبى.
وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) بعدما ضبطها في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٤١): (ابن ستَّة): (لعلَّ المعنى ابن ستَّة أعوام عند الإمامة، أو ابن ستَّة بحسب الأسماء، فإنَّ أسماء آبائه (عليهم السلام) محمّد وعليّ وحسين وجعفر وموسى وحسن، ولم يحصل ذلك في أحد من الأئمَّة (عليهم السلام) قبله. مع أنَّ بعض رواة تلك الأخبار من الواقفيَّة، ولا تُقبَل رواياتهم فيما يوافق مذهبهم).
أقول: ولا يبعد احتمال كونه (ابن ستَّه)، والمراد ابن سيِّدة، ولا ينافي كونها أَمَة، ويُؤيِّد ذلك أنَّ في كمال الدِّين (ص ٣١٥ و٣١٦/ باب ٢٩/ ح ٢) في حديث مسند عن الحسن ابن عليٍّ المجتبى (عليهما السلام): «ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيَّدة الإماء».
هذا، وقال البهبودي في هامش بحار الأنوار: لعلَّ الصحيح أنَّه (ابن ستَّه)، وهو عبارة أُخرى عن كونه (عليه السلام) أزيل، يعني متباعداً ما بين الفخذين.
↑صفحة ٣٤٤↑
سيرته (عليه السلام):
[٢٧٣/١٣] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ اِبْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ عَطَاءٍ المَكِّيُّ، عَنْ شَيْخٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ - يَعْنِي أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) -، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ سِيرَةِ المَهْدِيِّ، كَيْفَ سِيرَتُهُ؟
فَقَالَ: «يَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ كَمَا هَدَمَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَسْتَأْنِفُ الْإِسْلَامَ جَدِيداً».
[٢٧٤/١٤] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: صَالِحٌ مِنَ الصَّالِحِينَ سَمِّهِ لِي - أُرِيدُ الْقَائِمَ (عليه السلام) -.
فَقَالَ: «اسْمُهُ اسْمِي».
↑صفحة ٣٤٥↑
قُلْتُ: أَيَسِيرُ بِسِيرَةِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
قَالَ: «هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ يَا زُرَارَةُ، مَا يَسِيرُ بِسِيرَتِهِ».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، لِـمَ؟
قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سَارَ فِي أُمَّتِهِ بِالمَنِّ(١٠٤٤)، كَانَ يَتَأَلَّفُ النَّاسَ، وَالْقَائِمُ يَسِيرُ بِالْقَتْلِ، بِذَاكَ أُمِرَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي مَعَهُ أَنْ يَسِيرَ بِالْقَتْلِ وَلَا يَسْتَتِيبَ أَحَداً(١٠٤٥)، وَيْلٌ لِمَنْ نَاوَاهُ(١٠٤٦)».
[٢٧٥/١٥] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي خَدِيجَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ عَلِيًّا (عليه السلام) قَالَ: كَانَ لِي أَنْ أَقْتُلَ المُوَلِّيَ(١٠٤٧) وأُجْهِزَ عَلَى الْجَرِيحِ(١٠٤٨)، وَلَكِنِّي تَرَكْتُ ذَلِكَ لِلْعَاقِبَةِ مِنْ أَصْحَابِي، إِنْ جُرِحُوا لَمْ يُقْتَلُوا، وَالْقَائِمُ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ المُوَلِّيَ وَيُجْهِزَ عَلَى الْجَرِيحِ».
[٢٧٦/١٦] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ اِبْنُ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ هَارُونَ(١٠٤٩)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٤٤) أي سيرته في حروبه مع الأسرى والسبايا من المحاربين كانت بالمنِّ وإطلاقهم بدون أخذ الفداء، وفي بعض النُّسَخ: (باللين)، وما في المتن أنسب كما يأتي.
(١٠٤٥) أي لا يقبل التوبة من محاربيه إذا كانوا غير ضالِّين ولا شاكِّين، ولا ينافي ذلك قبول توبة من كان على ضلال فاستبصر، إنَّما يقتل من كان على كفر عن بيِّنة. وفي بعض النُّسَخ: (ولا يستنيب أحداً)، أي يتولَّى الأُمور العظام بنفسه. ولكن لا يناسب المقام، وما في المتن أنسب.
(١٠٤٦) في الصحاح للجوهري (ج ٦/ ص ٢٥١٧/ مادَّة نوى): (ناواه: أي عاداه).
(١٠٤٧) المولِّي - بصيغة اسم الفاعل -: من يُولِّي دُبُره يوم القتال من الذين حاربوا أصحابه.
(١٠٤٨) أُجهز على الجريح: أي أُتِمُّ قتله.
(١٠٤٩) الحسن بن هارون كوفي معنون في مشيخة الفقيه (ج ٤/ ص ٥٠٦).
↑صفحة ٣٤٦↑
بَيَّاعِ الْأَنْمَاطِ(١٠٥٠)، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) جَالِساً، فَسَأَلَهُ المُعَلَّى بْنُ خُنَيْسٍ: أَيَسِيرُ الْقَائِمُ إِذَا قَامَ بِخِلَافِ سِيرَةِ عَلِيٍّ (عليه السلام)؟
فَقَالَ: «نَعَمْ، وَذَاكَ أَنَّ عَلِيًّا سَارَ بِالمَنِّ وَالْكَفِّ، لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ شِيعَتَهُ سَيُظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَنَّ الْقَائِمَ إِذَا قَامَ سَارَ فِيهِمْ بِالسَّيْفِ وَالسَّبْيِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ شِيعَتَهُ لَمْ يُظْهَرْ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً»(١٠٥١)،(١٠٥٢).
[٢٧٧/١٧] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَطَاءٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (عليه السلام)، فَقُلْتُ: إِذَا قَامَ الْقَائِمُ (عليه السلام) بِأَيِّ سِيرَةٍ يَسِيرُ فِي النَّاسِ؟
فَقَالَ: «يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَيَسْتَأْنِفُ الْإِسْلَامَ جَدِيداً».
[٢٧٨/١٨] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٥٠) في لسان العرب (ج ٧/ ص ٤١٧ و٤١٨/ مادَّة نمط): (النَّمَطُ: ظِهارةُ فراش ما...، والنمط: ضرب من البُسُط).
(١٠٥١) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ٨٥/ ح ٨٤)؛ وراجع: علل الشرائع (ج ١/ ص ٢١٠/ باب ١٥٨/ ح ١)، وتهذيب الأحكام (ج ٦/ ص ١٥٤/ ح ٢٧١/٢).
(١٠٥٢) روى الكليني (رحمه الله) في كتاب الجهاد من الكافي (ج ٥/ ص ٣٣/ باب بدون عنوان/ ح ٤) ما يشرح هذا الحديث ننقله لتوضيح المراد، قال: عليُّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن أبي بكر الحضرمي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «لسيرة عليٍّ (عليه السلام) في أهل البصرة كانت خيراً لشيعته ممَّا طلعت عليه الشمس، إنَّه علم أنَّ للقوم دولة فلو سباهم لسُبيت شيعته»، قلت: فأخبرني عن القائم (عليه السلام) يسير بسيرته؟ قال: «لا، إنَّ عليًّا (صلوات الله عليه) سار فيهم بالمنِّ، للعلم من دولتهم، وإنَّ القائم (عجَّل الله فرجه) يسير فيهم بخلاف تلك السيرة، لأنَّه لا دولة لهم».
↑صفحة ٣٤٧↑
نَصْرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا يَصْنَعُ الْقَائِمُ إِذَا خَرَجَ لَأَحَبَّ أَكْثَرُهُمْ أَلَّا يَرَوْهُ، مِمَّا يَقْتُلُ مِنَ النَّاسِ، أَمَا إِنَّهُ لَا يَبْدَأُ إِلَّا بِقُرَيْشٍ، فَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا إِلَّا السَّيْفَ، وَلَا يُعْطِيهَا إِلَّا السَّيْفَ، حَتَّى يَقُولَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: لَيْسَ هَذَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ كَانَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ لَرَحِمَ».
[٢٧٩/١٩] وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ الْحَنَّاطِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «يَقُومُ الْقَائِمُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَكِتَابٍ جَدِيدٍ، وَقَضَاءٍ جَدِيدٍ(١٠٥٣)، عَلَى الْعَرَبِ شَدِيدٌ، لَيْسَ شَأْنُهُ إِلَّا السَّيْفَ، وَلَا يَسْتَتِيبُ أَحَداً، وَلَا يَأْخُذُهُ فِي الله لَوْمَةُ لَائِمٍ».
[٢٨٠/٢٠] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِخُرُوجِ الْقَائِمِ، فَوَالله مَا لِبَاسُهُ إِلَّا الْغَلِيظُ، وَلَا طَعَامُهُ إِلَّا الْجَشِبُ(١٠٥٤)، وَمَا هُوَ إِلَّا السَّيْفُ، وَالمَوْتُ تَحْتَ ظِلِّ السَّيْفِ(١٠٥٥)»(١٠٥٦).
[٢٨١/٢١] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٥٣) المراد من الأمر الجديد والكتاب الجديد والقضاء الجديد، الأحكام المنذهلة الإسلاميَّة التي كانت في الكتاب لكن تعطَّلت قليلاً قليلاً على مرِّ الدهور والأعوام، وتركها المسلمون جهلاً بها أو ذاهلاً عنها، وليس المقصود نسخ الأحكام وإبطال الشريعة والكتاب. مع أنَّ النسخ ما تأخَّر دليله عن حكم المنسوخ لا ما كان الدليلان مصطحبين.
(١٠٥٤) في لسان العرب (ج ١/ ص ٢٦٥/ مادَّة جشب): (طَعامٌ جَشِبٌ ومَجْشُوبٌ: أَي غليظ خَشِنٌ، بَيِّنُ الجُشُوبةِ إذا أُسِيءَ طَحْنُه، حتَّى يَصير مُفَلَّقاً. وقيل: هو الذي لا أُدْمَ له).
(١٠٥٥) يدلُّ على صعوبة الأمر في أوائل قيامه (عجَّل الله فرجه).
(١٠٥٦) الغيبة للطوسي (ص ٤٥٩ و٤٦٠/ ح ٤٧٣)، الخرائج والجرائح (ج ٣/ ص ١١٥٥/ ذيل الحديث ٦١).
↑صفحة ٣٤٨↑
اِبْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ أَبُو الْحَسَنِ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَرَبِ وَقُرَيْشٍ إِلَّا السَّيْفُ، مَا يَأْخُذُ مِنْهَا إِلَّا السَّيْفَ، وَمَا يَسْتَعْجِلُونَ بِخُرُوجِ الْقَائِمِ؟ وَالله مَا لِبَاسُهُ إِلَّا الْغَلِيظُ، وَمَا طَعَامُهُ إِلَّا الشَّعِيرُ الْجَشِبُ، وَمَا هُوَ إِلَّا السَّيْفُ، وَالمَوْتُ تَحْتَ ظِلِّ السَّيْفِ».
[٢٨٢/٢٢] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيا بن شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ كُلَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ حُمَيْدٍ الْحَنَّاطِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام) يَقُولُ: «لَوْ قَدْ خَرَجَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام) لَنَصَرَهُ اللهُ بِالمَلَائِكَةِ المُسَوِّمِينَ وَالمُرْدِفِينَ وَالمُنْزَلِينَ وَالْكَرُوبِيِّينَ، يَكُونُ جَبْرَئِيلُ أَمَامَهُ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَإِسْرَافِيلُ عَنْ يَسَارِهِ، وَالرُّعْبُ يَسِيرُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ أَمَامَهُ وَخَلْفَهُ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، وَالمَلَائِكَةُ المُقَرَّبُونَ حِذَاهُ، أَوَّلُ مَنْ يَتْبَعُهُ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَعَلِيٌّ (عليه السلام) الثَّانِي(١٠٥٧)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٥٧) قوله: (أوَّل من يتبعه) معناه أو تأويله بقرينة ما تقدَّم من نصرة الملائكة له وكونهم عن يمينه وشماله وقُدَّامه، أنَّ روح النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يكون معه يعضده ويحميه ويُشجَّعه من خلفه وينصره كما أنَّ الملائكة تنصره عن يمينه وشماله وأمامه، وهكذا روح جدِّه عليٍّ (عليه السلام).
وكأنَّ كلمة (يتبعه) جاءت في المخطوطة الأصليَّة بدون نقاط بحيث يمكن أنْ تُقرَأ: (تبعه) كما في المتن، وأنْ تُقرَأ: (نعته) بمعنى أنَّ أول من وصفه بذلك محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والثاني عليٌّ (عليه السلام)، ويمكن أنْ تُقرَأ: (سبقه) والمعنى واضح، والأوسط أصوب وأحسن ولا غبار عليه. وفي بحار الأنوار: (يتبعه) من باب التفعيل، وليس له معنى محصَّل إلَّا الرجعة، وهي لا تقارن ظهوره (عجَّل الله فرجه)، بل إنَّما تكون بعده على ما جاءت به الأخبار. وفي بعض النُّسَخ: (أوَّل من يبايعه)، واختلاف النُّسَخ يدلُّ على أنَّ الكلمة في الأصل غير مقروءة، فقرأها كلُّ على حساب اجتهاده. وضبطناها على كلِّ وجهٍ رأيناها رعايةً للأمانة، وإلَّا فالأصوب: (أوَّل من سبقه) أو (أوَّل من نعته) أو تكون لفظتا (ص) و(ع) زائدتين من النُّسَاخ، والمراد من يُسمَّى باسمهما.
↑صفحة ٣٤٩↑
وَمَعَهُ سَيْفٌ مُخْتَرَطٌ(١٠٥٨)، يَفْتَحُ اللهُ لَهُ الرُّومَ وَالدَّيْلَمَ(١٠٥٩) وَالسِّنْدَ وَالْهِنْدَ وَكَابُلَ شَاهٍ(١٠٦٠) وَالْخَزَرَ.
يَا أَبَا حَمْزَةَ، لَا يَقُومُ الْقَائِمُ (عليه السلام) إِلَّا عَلَى خَوْفٍ شَدِيدٍ، وَزَلَازِلَ وَفِتْنَةٍ وَبَلَاءٍ يُصِيبُ النَّاسَ، وَطَاعُونٍ قَبْلَ ذَلِكَ، وَسَيْفٍ قَاطِعٍ بَيْنَ الْعَرَبِ، وَاخْتِلَافٍ شَدِيدٍ بَيْنَ النَّاسِ، وَتَشَتُّتٍ فِي دِينِهِمْ، وَتَغَيُّرٍ مِنْ حَالِهِمْ، حَتَّى يَتَمَنَّى المُتَمَنِّي المَوْتَ صَبَاحاً وَمَسَاءً مِنْ عِظَمِ مَا يَرَى مِنْ كَلَبِ النَّاسِ وَأَكْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً، وَخُرُوجُهُ إِذَا خَرَجَ عِنْدَ الْإِيَاسِ وَالْقُنُوطِ، فَيَا طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَهُ وَكَانَ مِنْ أَنْصَارِهِ، وَالْوَيْلُ كُلُّ الْوَيْلِ لِمَنْ خَالَفَهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَكَانَ مِنْ أَعْدَائِهِ».
ثُمَّ قَالَ: «يَقُومُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَسُنَّةٍ جَدِيدَةٍ، وَقَضَاءٍ جَدِيدٍ، عَلَى الْعَرَبِ شَدِيدٌ، لَيْسَ شَأْنُهُ إِلَّا الْقَتْلَ، وَلَا يَسْتَتِيبُ أَحَداً(١٠٦١)، وَلَا تَأْخُذُهُ فِي الله لَوْمَةُ لَائِمٍ».
[٢٨٣/٢٣] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي المُغِيرَةِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ شَرِيكٍ الْعَامِرِيُّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ غَالِبٍ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِيَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام): «يَا بِشْرُ، مَا بَقَاءُ قُرَيْشٍ إِذَا قَدَّمَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٥٨) في الصحاح للجوهري (ج ٣/ ص ١١٢٣/ مادَّة خرط): (اخترط سيفه: أي سَلَّه).
(١٠٥٩) في بعض النُّسَخ: (الروم والصين والترك والديلم).
(١٠٦٠) الظاهر كونه تصحيف (كابلستان)، وهي من ثغور طخارستان إقليم متاخم للهند، كما في مراصد الاطِّلاع (ج ٣/ ص ١١٤١).
(١٠٦١) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٣٤٩): ((لا يستنيب أحداً): أي يتولَّى الأُمور العظام بنفسه، وفي بعض النُّسَخ بالتاء، أي لا يقبل التوبة ممَّن علم أنَّ باطنه منطو على الكفر، وقد مرَّ مثله، وفيه: (لا يستبقي أحداً)، وهو أظهر).
↑صفحة ٣٥٠↑
الْقَائِمُ المَهْدِيُّ مِنْهُمْ خَمْسَمِائَةِ رَجُلٍ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ صَبْراً(١٠٦٢)، ثُمَّ قَدَّمَ خَمْسَمِائَةٍ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ صَبْراً، ثُمَّ خَمْسَمِائَةٍ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ صَبْراً».
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، أَيُبْلَغُونَ ذَلِكَ؟
فَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام): «إِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ».
قَالَ: فَقَالَ لِي بَشِيرُ بْنُ غَالِبٍ أَخُو بِشْرِ بْنِ غَالِبٍ: أَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام) عَدَّ عَلَى أَخِي سِتَّ عَدَّاتٍ - أَوْ قَالَ: سِتَّ عَدَدَاتٍ(١٠٦٣)، عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ -.
[٢٨٤/٢٤] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ اِبْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ زُرَارَةَ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ المُغِيرَةِ وَذَرِيحٍ المُحَارِبِيِّ، قَالَا: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «مَا بَقِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْعَرَبِ إِلَّا الذَّبْحُ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ -».
[٢٨٥/٢٥] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحَلَبِيِّ(١٠٦٤)، عَنْ سَدِيرٍ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ كَانَ قَدْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ نَذْراً فِي جَارِيَةٍ وَجَاءَ بِهَا إِلَى مَكَّةَ، قَالَ: فَلَقِيتُ الْحَجَبَةَ، فَأَخْبَرْتُهُمْ بِخَبَرِهَا، وَجَعَلْتُ لَا أَذْكُرُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَمْرَهَا إِلَّا قَالَ لِي: جِئْنِي بِهَا وَقَدْ وَفَى اللهُ نَذْرَكَ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ وَحْشَةٌ شَدِيدَةٌ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، فَقَالَ لِي: تَأْخُذُ عَنِّي؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٦٢) في لسان العرب (ج ٤/ ص ٤٣٨/ مادَّة صبر): (قيل للرجُل يُقدَّم فيُضرَب عنقه: قُتِل صَبْراً، يعني أَنَّه أُمسِك على المَوْت).
(١٠٦٣) في بعض النُّسَخ: (ستَّ عودات).
(١٠٦٤) في بعض النُّسَخ: (محمّد بن عليٍّ الحنفي)، وفي بعضها: (محمّد بن عليٍّ الخثعمي)، وكلاهما تصحيف.
↑صفحة ٣٥١↑
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: اُنْظُرِ الرَّجُلَ الَّذِي يَجْلِسُ بِحِذَاءِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَحَوْلَهُ النَّاسُ، وَهُوَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليهم السلام)، فَأْتِهِ فَأَخْبِرْهُ بِهَذَا الْأَمْرِ فَانْظُرْ مَا يَقُولُ لَكَ فَاعْمَلْ بِهِ.
قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: رَحِمَكَ اللهُ، إِنِّي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَزِيرَةِ وَمَعِي جَارِيَةٌ جَعَلْتُهَا عَلَيَّ نَذْراً لِبَيْتِ الله فِي يَمِينٍ كَانَتْ عَلَيَّ، وَقَدْ أَتَيْتُ بِهَا، وَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلْحَجَبَةِ، وَأَقْبَلْتُ لَا أَلْقَى مِنْهُمْ أَحَداً إِلَّا قَالَ: جِئْنِي بِهَا وَقَدْ وَفَى اللهُ نَذْرَكَ، فَدَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ وَحْشَةٌ شَدِيدَةٌ.
فَقَالَ: «يَا عَبْدَ الله، إِنَّ الْبَيْتَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، فَبِعْ جَارِيَتَكَ وَاسْتَقْصِ وَانْظُرْ أَهْلَ بِلَادِكَ مِمَّنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَمَنْ عَجَزَ مِنْهُمْ عَنْ نَفَقَتِهِ فَأَعْطِهِ حَتَّى يَقْوَى عَلَى الْعَوْدِ إِلَى بِلَادِهِمْ».
فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقْبَلْتُ لَا أَلْقَى أَحَداً مِنَ الْحَجَبَةِ إِلَّا قَالَ: مَا فَعَلْتَ بِالْجَارِيَةِ؟ فَأَخْبَرْتُهُمْ بِالَّذِي قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَيَقُولُونَ: هُوَ كَذَّابٌ جَاهِلٌ، لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، فَذَكَرْتُ مَقَالَتَهُمْ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام).
فَقَالَ: «قَدْ بَلَّغْتَنِي، تُبَلِّغُ عَنِّي؟».
فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: «قُلْ لَهُمْ: قَالَ لَكُمْ أَبُو جَعْفَرٍ: كَيْفَ بِكُمْ لَوْ قَدْ قُطِعَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلُكُمْ وَعُلِّقَتْ فِي الْكَعْبَةِ؟ ثُمَّ يُقَالُ لَكُمْ: نَادُوا: نَحْنُ سُرَّاقُ الْكَعْبَةِ»، فَلَمَّا ذَهَبْتُ لِأَقُومَ قَالَ: «إِنَّنِي لَسْتُ أَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ رَجُلٌ مِنِّي».
حكمه (عليه السلام):
[٢٨٦/٢٦] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ
↑صفحة ٣٥٢↑
اِبْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ: عَافَاكَ اللهُ، اقْبِضْ مِنِّي هَذِهِ الْخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهَا زَكَاةُ مَالِي.
فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «خُذْهَا أَنْتَ فَضَعْهَا فِي جِيرَانِكَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَالمَسَاكِينِ مِنْ إِخْوَانِكَ المُؤْمِنِينَ(١٠٦٥)»، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا قَامَ قَائِمُ أَهْلِ الْبَيْتِ قَسَمَ بِالسَّوِيَّةِ، وَعَدَلَ فِي الرَّعِيَّةِ، فَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَاهُ فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ المَهْدِيُّ مَهْدِيًّا لِأَنَّهُ يُهْدَى إِلَى أَمْرٍ خَفِيٍّ، وَيَسْتَخْرِجُ التَّوْرَاةَ وَسَائِرَ كُتُبِ الله (عزَّ وجلَّ) مِنْ غَارٍ بِأَنْطَاكِيَةَ(١٠٦٦)، وَيَحْكُمُ بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ بِالتَّوْرَاةِ(١٠٦٧)، وَبَيْنَ أَهْلِ الْإِنْجِيلِ بِالْإِنْجِيلِ، وَبَيْنَ أَهْلِ الزَّبُورِ بِالزَّبُورِ، وَبَيْنِ أَهْلِ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ، وَتُجْمَعُ إِلَيْهِ أَمْوَالُ الدُّنْيَا مِنْ بَطْنِ الْأَرْضِ وَظَهْرِهَا، فَيَقُولُ لِلنَّاسِ: تَعَالَوْا إِلَى مَا قَطَعْتُمْ فِيهِ الْأَرْحَامَ، وَسَفَكْتُمْ فِيهِ الدِّمَاءَ الْحَرَامَ، وَرَكِبْتُمْ فِيهِ مَا حَرَّمَ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، فَيُعْطِي شَيْئاً لَمْ يُعْطَهُ أَحَدٌ كَانَ قَبْلَهُ، وَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً وَنُوراً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً وَشَرًّا»(١٠٦٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٦٥) في بعض النُّسَخ: (المسلمين).
(١٠٦٦) في مراصد الاطِّلاع (ج ١/ ص ١٢٥): (أنطاكية - بالفتح ثمّ السكون والياء مخفَّفة -: مدينة هي قصبة العواصم من الثغور الشاميَّة، من أعيان البلاد وأُمَّهاتها، موصوفة بالنزاهة والطيب والحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء وكثرة الفواكه وسعة الخير، بينها وبين حلب يوم وليلة).
(١٠٦٧) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٢٩): (قوله (عليه السلام): (يحكم بين أهل التوراة بالتوراة) لا ينافي ما سيأتي من الأخبار في أنَّه (عليه السلام) لا يقبل من أحد إلَّا الإسلام، لأنَّ هذا محمول على أنَّه يقيم الحجَّة عليهم بكُتُبهم، أو يفعل ذلك في بدو الأمر قبل أنْ يعلو أمره ويتمَّ حجَّته).
(١٠٦٨) علل الشرائع (ج ١/ ص ١٦١/ باب ١٢٩/ ح ٣).
↑صفحة ٣٥٣↑
[٢٨٧/٢٧] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ اِبْنُ المُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيُّ، قَالُوا جَمِيعاً: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «عَصَا مُوسَى قَضِيبُ آسٍ مِنْ غَرْسِ الْجَنَّةِ، أَتَاهُ بِهَا جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) لَـمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ، وَهِيَ وَتَابُوتُ آدَمَ فِي بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، وَلَنْ يَبْلَيَا وَلَنْ يَتَغَيَّرَا حَتَّى يُخْرِجَهُمَا الْقَائِمُ (عليه السلام) إِذَا قَامَ».
آياته وفعله (عليه السلام):
[٢٨٨/٢٨] أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْجَارُودِ زِيَادُ بْنُ المُنْذِرِ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ (عليهما السلام): «إِذَا ظَهَرَ الْقَائِمُ (عليه السلام) ظَهَرَ بِرَايَةِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَخَاتَمِ سُلَيْمَانَ، وَحَجَرِ مُوسَى وَعَصَاهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فَيُنَادِي: أَلَا لَا يَحْمِلَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ طَعَاماً وَلَا شَرَاباً وَلَا عَلَفاً، فَيَقُولُ أَصْحَابُهُ: إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَنَا وَيَقْتُلَ دَوَابَّنَا مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، فَيَسِيرُ وَيَسِيرُونَ مَعَهُ، فَأَوَّلُ مَنْزِلٍ يَنْزِلُهُ يَضْرِبُ الْحَجَرَ فَيَنْبُعُ مِنْهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ وَعَلَفٌ، فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَدَوَابَّهُمْ حَتَّى يَنْزِلُوا النَّجَفَ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ».
[٢٨٩/٢٩] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجُمْهُورِ الْعَمِّيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجُمْهُورِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ مِنْ مَكَّةَ يُنَادِي مُنَادِيهِ: أَلَا لَا يَحْمِلَنَّ أَحَدٌ طَعَاماً وَلَا شَرَاباً، وَيَحْمِلُ مَعَهُ حَجَرَ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَهُوَ وِقْرُ بَعِيرٍ، فَلَا يَنْزِلُ مَنْزِلاً إِلَّا نَبَعَتْ مِنْهُ عُيُونٌ، فَمَنْ كَانَ جَائِعاً شَبِعَ،
↑صفحة ٣٥٤↑
وَمَنْ كَانَ ظَمْآنَ رَوِيَ، وَرَوِيَتْ دَوَابُّهُمْ، حَتَّى يَنْزِلُوا النَّجَفَ مِنْ ظَهْرِ الْكُوفَةِ»(١٠٦٩)،(١٠٧٠).
[٢٩٠/٣٠] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كَأَنَّنِي بِدِينِكُمْ هَذَا لَا يَزَالُ مُتَخَضْخِضاً(١٠٧١)، يَفْحَصُ بِدَمِهِ(١٠٧٢)، ثُمَّ لَا يَرُدُّهُ عَلَيْكُمْ إِلَّا رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَيُعْطِيكُمْ فِي السَّنَةِ عَطَاءَيْنِ، وَيَرْزُقُكُمْ فِي الشَّهْرِ رِزْقَيْنِ، وَتُؤْتَوْنَ الْحِكْمَةَ فِي زَمَانِهِ، حَتَّى إِنَّ المَرْأَةَ لَتَقْضِي فِي بَيْتِهَا بِكِتَابِ الله تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(١٠٧٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٦٩) بصائر الدرجات (ص ٢٠٨/ ج ٤/ باب ٤/ ح ٥٤)، الكافي (ج ١/ ص ٢٣١/ باب ما عند الأئمَّة من آيات الأنبياء (عليهم السلام)/ ح ٣)، كمال الدِّين (ص ٦٧٠ و٦٧١/ باب ٥٨/ ح ١٧).
(١٠٧٠) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٥/ ص ٣٢١): (قوله: (وهو وقر بعير) الوقر - بالكسر -: الحمل الثقيل، أو أعمّ. قوله: (فلا ينزل منزلاً إلَّا انبعث عين منه) ظاهره أنَّه تنبعث منه عين واحدة من غير أنْ يضربه بعصاه مع احتمال الضرب والتعدُّد كما كانا لموسى (عليه السلام). قوله: (ومن كان ظامئاً روي) الظامئ من الظَّمَأ: وهو العطش، والرِّي - بالكسر -: خلاف العطش، يقال: روي من الماء بالكسر فهو ريَّان، وهي ريَّا، وهم وهنَّ رواء. قوله: (حتَّى ينزل النجف) في بعض النُّسَخ المعتبرة: (حتَّى ينزلوا) بصيغة الجمع، ولعلَّ (حتَّى) غاية لهذا السير، ويحتمل أنْ يكون غاية لقوله: (فهو زادهم).
(١٠٧١) المتخضخض: المتحرِّك. راجع: لسان العرب (ج ٧/ ص ١٤٣/ مادَّة خضض). وفي بعض النُّسَخ وبحار الأنوار: (مولّياً).
(١٠٧٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٣٥٢): (يفحص: أي يسرع بدمه، أي متلطِّخاً به من كثرة ما أُوذي بين الناس. ولا يبعد أنْ يكون في الأصل (بذنبه) أي يضرب بذنبه الأرض سائراً، تشبيهاً له بالحيَّة المسرعة).
(١٠٧٣) يدلُّ على أنَّ الناس في زمانه (عجَّل الله فرجه) يُؤدَّبون بالآداب الإسلاميَّة وتعليم الأحكام الشرعيَّة على حدٍّ تتمكَّن المرأة في بيتها من الحكم بين الخصمين بما يوافق الكتاب والسُّنَّة.
↑صفحة ٣٥٥↑
[٢٩١/٣١] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ رَبَاحٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عِيسَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَطَائِنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ المُفَضَّلِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ بَيْتاً يُقَالُ لَهُ: بَيْتُ الْحَمْدِ، فِيهِ سِرَاجٌ يَزْهَرُ مُنْذُ يَوْمَ وُلِدَ إِلَى يَوْمٍ يَقُومُ بِالسَّيْفِ، لَا يُطْفَأُ»(١٠٧٤).
[٢٩٢/٣٢] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ(١٠٧٥)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَا الرَّجُلُ عَلَى رَأْسِ الْقَائِمِ يَأْمُرُهُ وَيَنْهَاهُ(١٠٧٦) إِذْ قَالَ: أَدِيرُوهُ، فَيُدِيرُونَهُ إِلَى قُدَّامِهِ، فَيَأْمُرُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَلَا يَبْقَى فِي الْخَافِقَيْنِ شَيْءٌ إِلَّا خَافَهُ».
[٢٩٣/٣٣] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ هِشَامِ اِبْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «بَيْنَا الرَّجُلُ عَلَى رَأْسِ الْقَائِمِ يَأْمُرُ وَيَنْهَى إِذْ أَمَرَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ، فَلَا يَبْقَى بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ شَيْءٌ إِلَّا خَافَهُ».
فضله (صلوات الله عليه):
[٢٩٤/٣٤] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ(١٠٧٧) وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٧٤) إثبات الوصيَّة (ص ٢٦٧)، الغيبة للطوسي (ص ٤٦٧/ ح ٤٨٣).
(١٠٧٥) كذا، وكأنَّ (عن أبيه) زائد من النُّسَاخ، لكون رواية الحسن بن فضَّال عن الحسن بن عليِّ ابن يوسف غريب، وكذا روايته عن أبي سمينة الكوفي، ولم أجد روايته عنهما.
(١٠٧٦) كذا، والظاهر زيادة الضمير فيهما والأصل: (يأمر وينهى)، ويُؤيِّد ذلك الخبر الآتي.
(١٠٧٧) في بعض النُّسَخ: (سبع).
↑صفحة ٣٥٦↑
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَزِيعٍ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ بُزُرْجَ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ سَالِمٍ الْأَشَلِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «نَظَرَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فِي السِّفْرِ الْأَوَّلِ إِلَى مَا يُعْطَى قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ التَّمْكِينِ وَالْفَضْلِ، فَقَالَ مُوسَى: رَبِّ اجْعَلْنِي قَائِمَ آلِ مُحَمَّدٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ ذَاكَ مِنْ ذُرِّيَّةِ أَحْمَدَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي السِّفْرِ الثَّانِي فَوَجَدَ فِيهِ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَقِيلَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي السِّفْرِ الثَّالِثِ فَرَأَى مِثْلَهُ، فَقَالَ مِثْلَهُ، فَقِيلَ لَهُ مِثْلُهُ(١٠٧٨)».
ما نزل فيه (عليه السلام) من القرآن:
[٢٩٥/٣٥] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُعْفِيُّ أَبُو الْحَسَنِ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي مَعْنَى قَوْلِهِ (عزَّ وجلَّ): ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً﴾ [النور: ٥٥]، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ وَأَصْحَابِهِ»(١٠٧٩).
[٢٩٦/٣٦] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الصَّبَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيُّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٧٨) في بعض النُّسَخ: (فأُجيب بمثله).
(١٠٧٩) الاستخلاف في الأرض مع تمكين الدِّين وتبديل الخوف بالأمن للذين آمنوا وعملوا الصالحات لم يكن في زمانه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا بعده على حقيقة الأمر، إنَّما يكون بعد ظهور القائم (عجَّل الله فرجه)، ولن يخلف الله وعده، وهو العزيز الحكيم.
↑صفحة ٣٥٧↑
قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ(١٠٨٠)، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى(١٠٨١): ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ﴾ [هود: ٨]، قَالَ: «الْعَذَابُ خُرُوجُ الْقَائِمِ (عليه السلام)، وَالْأُمَّةُ المَعْدُودَةُ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَأَصْحَابُهُ(١٠٨٢)».
[٣٩٧/٣٧] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ [البقرة: ١٤٨]، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ (عليه السلام) وَأَصْحَابِهِ، يَجْتَمِعُونَ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ».
[٣٩٨/٣٨] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ المَسْعُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نَجْرَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ(١٠٨٣)، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ [الحجّ: ٣٩]، قَالَ: «هِيَ فِي الْقَائِمِ (عليه السلام) وَأَصْحَابِهِ»(١٠٨٤).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٨٠) يعني جعفر بن محمّد بن سماعة، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ١١٩/ الرقم ٣٠٥): (جعفر بن محمّد بن سماعة بن موسى بن رويد بن نشيط الحضرمي، مولى عبد الجبَّار بن وائل الحضرمي، حليف بني كندة، أبو عبد الله، أخو أبي محمّد الحسن وإبراهيم ابني محمّد. وكان جعفر أكبر من أخويه، ثقة في حديثه، واقف).
(١٠٨١) يعني تأويله.
(١٠٨٢) كذا، ولعلَّ الضمير في (أصحابه) راجع إلى (بدر).
(١٠٨٣) كذا، والظاهر كونه تصحيف (عاصم)، والمراد عاصم بن حميد الحنَّاط الكوفي، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٠١/ الرقم ٨٢١): (ثقة عين صدوق).
(١٠٨٤) هذا الخبر لا يوجد في بعض النُّسَخ، لكن العلَّامة المجلسي (رحمه الله) نقله في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٥٨/ ح ٥٣) عن النعماني.
↑صفحة ٣٥٨↑
[٢٩٩/٣٩] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ﴾ [الرحمن: ٤١]، قَالَ: «اللهُ يَعْرِفُهُمْ، وَلَكِنْ نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ يَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ فَيَخْبِطُهُمْ بِالسَّيْفِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ خَبْطاً(١٠٨٥)».
ما يُعرَف به (عليه السلام):
[٣٠٠/٤٠] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ المُكَارِي، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ المُغِيرَةِ النَّصْرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): بِأَيِّ شَيْءٍ يُعْرَفُ الْإِمَامُ؟
قَالَ: «بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ».
قُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ؟
قَالَ: «وَتَعْرِفُهُ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ(١٠٨٦)، وَبِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ، وَيَكُونُ عِنْدَهُ سِلَاحُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
قُلْتُ: أَيَكُونُ إِلَّا وَصِيا بن وَصِيٍّ؟
قَالَ: «لَا يَكُونُ إِلَّا وَصِيًّا وَابْنَ وَصِيٍّ»(١٠٨٧).
[٣٠١/٤١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٨٥) في القاموس المحيط (ج ٢/ ص ٣٥٦): (خبطه يخبطه: ضربه شديداً).
(١٠٨٦) في بعض النُّسَخ: (ومعرفة الحلال والحرام).
(١٠٨٧) بصائر الدرجات (ص ٥٠٩/ ج ١٠/ باب ١٣/ ح ٢)، الإمامة والتبصرة (ص ١٣٨/ ح ١٥٧)، الخصال (ص ٢٠٠/ ح ١٢).
↑صفحة ٣٥٩↑
جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): إِذَا مَضَى الْإِمَامُ الْقَائِمُ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يُعْرَفُ مَنْ يَجِيءُ بَعْدَهُ؟
قَالَ: «بِالْهُدَى، وَالْإِطْرَاقِ، وَإِقْرَارِ آلِ مُحَمَّدٍ لَهُ بِالْفَضْلِ، وَلَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ بَيْنَ صَدَفَيْهَا إِلَّا أَجَابَ(١٠٨٨)»(١٠٨٩)،(١٠٩٠).
في صفة قميصه (عليه السلام) (١٠٩١):
[٣٠٢/٤٢] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيُّ، عَنْ عَمِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «أَلَا أُرِيكَ قَمِيصَ الْقَائِمِ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ؟».
فَقُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: فَدَعَا بِقِمَطْرٍ(١٠٩٢) فَفَتَحَهُ وَأَخْرَجَ مِنْهُ قَمِيصَ كَرَابِيسَ فَنَشَرَهُ، فَإِذَا فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٨٨) في بعض النُّسَخ: (ولا يُسأَل عن شيء إلَّا بيَّن)، يعني أجاب عن كلِّ ما يُسأَل من ذلك، أي الأُمور التي لها دخل في هدايتهم.
(١٠٨٩) بصائر الدرجات (ص ٥٠٩/ ج ١٠/ باب ١٣/ ح ١)، الإمامة والتبصرة (ص ١٣٧/ ح ١٥٤)، الخصال (ص ٢٠٠/ ح ١٣).
(١٠٩٠) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٢٥/ ص ١٣٩): (الهدي: السيرة الحسنة، ويحتمل الهدى بالضمِّ. والإطراق: لعلَّه أراد به السكوت في حال التقيَّة، أو كناية عن السكينة والوقار، قال الفيروزآبادي: أطرق: سكت ولم يُكلِّم، وأرخى عينيه ينظر إلى الأرض. وقوله: (بين صدفيها): أي جميع الأرض، فإنَّ الجبل محيط بالدنيا، وصدف الجبل هو ما قابلك من جانبه، وفي البصائر: (بين دفَّتين)، ودافتا المصحف ضامتاه، كناية عن الكلِّ).
(١٠٩١) في بعض النُّسَخ: (في صفة لباس القائم (عليه السلام)).
(١٠٩٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في البحار (ج ٥٢/ص ٣٥٥): (القِمْطَر: ما يُصان فيه الكُتُب).
↑صفحة ٣٦٠↑
كُمِّهِ الْأَيْسَرِ دَمٌ، فَقَالَ: «هَذَا قَمِيصُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الَّذِي عَلَيْهِ يَوْمَ ضُرِبَتْ رَبَاعِيَتُهُ(١٠٩٣)، وَفِيهِ يَقُومُ الْقَائِمُ».
فَقَبَّلْتُ الدَّمَ وَوَضَعْتُهُ عَلَى وَجْهِي، ثُمَّ طَوَاهُ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) وَرَفَعَهُ.
في صفة جنوده وخيله (عليه السلام) (١٠٩٤):
[٣٠٣/٤٣] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَتَى أَمْرُ الله فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: ١]، فَقَالَ: «هُوَ أَمْرُنَا، أَمَرَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) أَلَّا تَسْتَعْجِلَ بِهِ حَتَّى يُؤَيِّدَهُ اللهُ بِثَلَاثَةِ أَجْنَادٍ: المَلَائِكَةِ، وَالمُؤْمِنِينَ، وَالرُّعْبِ، وخُرُوجُهُ كَخُرُوجِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَذَلِكَ قَوْلُهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ [الأنفال: ٥]»(١٠٩٥).
[٣٠٤/٤٤] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ (صلوات الله عليه) نَزَلَتْ مَلَائِكَةُ بَدْرٍ، وَهُمْ خَمْسَةُ آلَافٍ(١٠٩٦)، ثُلُثٌ عَلَى خُيُولٍ شُهْبٍ(١٠٩٧)، وَثُلُثٌ عَلَى خُيُولٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٩٣) في الصحاح للجوهري (ج ٣/ ص ١٢١٤/ مادَّة ربع): (الرباعية مثل الثمانية: السنُّ التي بين الثنية والناب، والجمع رباعيات).
(١٠٩٤) في بعض النُّسَخ: (ما يُؤيِّد الله (عزَّ وجلَّ) به القائم (عليه السلام)).
(١٠٩٥) تقدَّم الحديث تحت الرقم (٢٣٢/٩) بدون ذيل الآية.
(١٠٩٦) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (نزلت الملائكة ثلاثمائة وثلاثة عشر)، وكأنَّه تصحيف، فإنَّ (٣١٣) عدد من كان مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من المسلمين يوم بدر لا الملائكة.
(١٠٩٧) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ١٥٩/ مادَّة شهب): (الشهبة في الألوان: البياض الذي غلب على السواد).
↑صفحة ٣٦١↑
بُلْقٍ(١٠٩٨)، وَثُلُثٌ عَلَى خُيُولٍ حُوٍّ».
قُلْتُ: وَمَا الْحُوُّ؟
قَالَ: «هِيَ الْحُمْرُ»(١٠٩٩).
[٣٠٥/٤٥] وَبِهِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: إِذَا قَامَ الْقَائِمُ نَزَلَتْ سُيُوفُ الْقِتَالِ، عَلَى كُلِّ سَيْفٍ اسْمُ الرَّجُلِ وَاسْمُ أَبِيهِ».
فتأمَّلوا يا من وهب الله له بصيرةً وعقلاً، ومنحه تمييزاً ولُبًّا، هذا الذي قد جاء من الروايات في صفة القائم لله بالحقِّ، وسيرته، وما خصَّه الله (عزَّ وجلَّ) به من الفضل، وما يُؤيِّده الله به من الملائكة، وما يلزمه نفسه (عليه السلام) من خشونة الملبس، وجشوبة المطعم، وإتعاب النفس والبدن في طاعة الله تبارك وتعالى، والجهاد في سبيله، ومحو(١١٠٠) الظلم والجور والطغيان، وبسط الإنصاف والعدل والإحسان، وصفة من معه من أصحابه الذين جاءت الروايات بعدَّتهم، وأنَّهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وأنَّهم حُكَّام الأرض وعُمَّاله عليها، وبهم يفتح شرق الأرض وغربها مع من يُؤيِّده الله به من الملائكة، فانظروا إلى هذه المنزلة العظيمة، والمرتبة الشريفة التي خصَّه الله (عزَّ وجلَّ) بها ممَّا لم يُعطِه أحداً من الأئمَّة (عليهم السلام) قبله، فجعل تمام دينه وكماله وظهوره على الأديان كلِّها، وإبادة المشركين، وإنجاز الوعد الذي وعد الله تعالى رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإظهاره على الدِّين كلِّه ولو كره المشركون على يده،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٠٩٨) في الصحاح للجوهري (ج ٤/ ص ١٤٥١/ مادَّة بلق): (البَلَق: سواد وبياض).
(١٠٩٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٣٥٦): (قوله (عليه السلام): (بثلاثمائة): أي مع ثلاثمائة وثلاثة عشر من المؤمنين. وقال الجوهري: الحوة لون يخالط الكمتة مثل صدأ الحديد، وقال الأصمعي: الحوة حمرة تُضرَب إلى السواد).
(١١٠٠) في بعض النُّسَخ: (وغسل).
↑صفحة ٣٦٢↑
وحتَّى إنَّ أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) يقول فيه وفي نفسه ما قال، وهو ما رواه:
[٣٠٦/٤٦] عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ(١١٠١)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ خَلَّادِ بْنِ الصَّفَّارِ(١١٠٢)، قَالَ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): هَلْ وُلِدَ الْقَائِمُ (عليه السلام)؟
فَقَالَ: «لَا، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَخَدَمْتُهُ(١١٠٣) أَيَّامَ حَيَاتِي».
فتأمَّلوا بعد هذا ما يدَّعيه المبطلون، وتفتخر به الطائفة البائنة(١١٠٤) المبتدعة من أنَّ الذي هذا وصفه وهذه حاله ومنزلته من الله (عزَّ وجلَّ) هو صاحبهم(١١٠٥) ومن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٠١) في بعض النُّسَخ: (الحسن بن يعقوب)، والظاهر تصحيفه من النُّسَاخ، ولعلَّ الصواب (الحسن بن محمّد بن سماعة) الذي قد يُعبَّر عنه بالحسن بن سماعة، ويروي كثيراً عن ابن محبوب.
(١١٠٢) في بعض النُّسَخ: (خلَّاد بن قصَّار)، وفي بعضها: (خلَّاد بن قصَّاب)، وفي بعضها: (خلَّاد بن مصار)، وكلُّها تصحيف، وسيأتي تحت الرقم (٤١٠/٧): (خلَّاد الصائغ)، ولم يُعنونوا في الرجال، وكأنَّ الصفَّار صُحِّف في الموضعين بقصَّار والصائغ، وأمَّا خلَّاد ابن الصفَّار كما في جامع الرواة (ج ١/ ص ٢٩٦) فهو ابن عيسى الصفَّار، ويظهر من خلاصة الأقوال (ص ١٤٠/ الرقم ٩) أنَّه متَّحد مع خلَّاد الصفَّار الذي نقل ابن عقدة عن عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة عن ابن نمير أنَّه ثقة ثقة، لكن عنونهما ابن حجر تحت عنوانين مع اختلاف في ترجمتهما.
(١١٠٣) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ١٤٨): ((لخدمته): أي ربَّيته وأعنته).
(١١٠٤) أي البعيدة عن الحقِّ. وفي بعض النُّسَخ: (الشانئة).
(١١٠٥) يعني به محمّد بن عبيد الله المهدي القائم بأمر الله ثاني خلفاء الفاطميِّين، وكان من أولاد إسماعيل بن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) الذي وُلِدَ سنة (٢٧٨هـ) وتُوفِّي (٣٣٤هـ). ويمكن أنْ يكون المراد ابنه المنصور بالله الذي وُلِدَ (٣٠٢هـ)، وتُوفِّي (٣٤١هـ)، وهو ثالث خلفائهم.
↑صفحة ٣٦٣↑
الذي يدَّعون له فإنَّه بحيث هو في أربعمائة ألف عنان(١١٠٦)، وأنَّ في داره أربعة آلاف خادم رومي وصقالبي(١١٠٧)، وانظروا هل سمعتم أو رأيتم أو بلغكم عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعن الأئمَّة الطاهرين (عليهم السلام) أنَّ القائم بالحقِّ هذه صفته التي يوصفونه بها(١١٠٨)؟ وأنَّه يظهر ويقوم بعد ظهوره بحيث هو في هذه السنين الطويلة(١١٠٩) وهو في هذه العدَّة العظيمة يناقفه(١١١٠) أبو يزيد الأُموي(١١١١)، فمرَّة يظهر عليه ويهزمه، ومرَّة يظهر هو على أبي يزيد، ويقيم بعد ظهوره وقوَّته وانتشار أمره بالمغرب، والدنيا على ما هي عليه(١١١٢).
فإنَّكم تعلمون بعقولكم إذا سلمت من الدخل، وتمييزكم إذا صفا من الهوى، أنَّ الله قد أبعد من هذه حاله عن أنْ يكون القائم لله بحقِّه، والناصر لدينه، والخليفة في أرضه، والمجدِّد لشريعة نبيِّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، نعوذ بالله من العمى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٠٦) أي إنَّ هذا الذي يدَّعون أنَّه القائم كان في أربعمائة ألف فارس وأربعة آلاف خادم، وهي صفة مغايرة لما وُصِفَ به جنود القائم (عجَّل الله فرجه) وأصحابه.
(١١٠٧) في مراصد الاطِّلاع (ج ٢/ ص ٨٤٧): (الصقالبة: جيل حمر الألوان، صهب الشعور، يتاخمون بلاد الخزر في أعالي جبال الروم).
(١١٠٨) يعني هل وجدتم في ما روي عن المعصوم (عليه السلام) من صفات القائم بالحقِّ ما يطابق صفة القائم بأمر الله هذا من الجنود والخدم وغضارة العيش وغير ذلك؟
(١١٠٩) أي مدَّة ما قام الخليفة بالأمر، وهي نحو أربعين سنة.
(١١١٠) ناقفه: أي ضاربه بالسيف على الرأس. راجع: لسان العرب (ج ٩/ ص ٣٣٩/ مادَّة نقف). والمراد هنا المحاربة.
(١١١١) هو مخلد بن كيداد أبو يزيد الذي خرج في أيَّام القائم بأمر الله وحاصره في عاصمة المهديَّة، ووقعت بينهما حروب كثيرة، كرَّة غُلِبَ وأُخرى يغلب، وقد يُسَمُّونه بالدجَّال، والقصَّة طويلة الذيل، راجع التواريخ حوادث سنة (٣٣٠هـ) إلى (٣٤٤هـ).
(١١١٢) أي مضافاً إلى ما مرَّ من عدم تطابق الصفات أنَّه أقام بالمغرب فقط، والدنيا على ما هي عليه من الظلم والجور والفساد، وما رأينا فيها عدلاً يُظهِره إلى الآن.
↑صفحة ٣٦٤↑
والبكم والحيرة والصمم، فإنَّ هذه لصفة مباينة لصفة خليفة الرحمن، الظاهر على جميع الأديان، والمنصور على الإنس والجانِّ، المخصوص بالعلم والبيان، وحفظ علوم القرآن والفرقان، ومعرفة التنزيل والتأويل، والمحكم والمتشابه، والخاصِّ والعامِّ، والظاهر والباطن، وسائر معاني القرآن الكريم وتفاسيره وتصاريفه، ودقائق علومه، وغوامض أسراره، وعظام أسماء الله التي فيه، ومن يقول جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) ما قال فيه: «إنِّي لو أدركته لخدمته أيَّام حياتي».
والحمد لله ربِّ العالمين، المستحقِّ لغاية الحمد ونهاية الشكر على جميل الولاية، ونور الهداية، وأسأله المزيد من مِنَنه، بطَوْله(١١١٣) وكرمه.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١١٣) في لسان العرب (ج ١١/ ص ٤١٤/ مادَّة طول): (الطَّوْلُ: الفَضْل، يقال: لفلان على فلان طَوْلٌ، أَي فَضْلٌ).
↑صفحة ٣٦٥↑
↑صفحة ٣٦٧↑
[٣٠٧/١] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ بِنَهَاوَنْدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): «بَيْنَا رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذَاتَ يَوْمٍ فِي الْبَقِيعِ حَتَّى أَقْبَلَ عَلِيٌّ (عليه السلام) فَسَأَلَ عَنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقِيلَ: إِنَّهُ بِالْبَقِيعِ، فَأَتَاهُ عَلِيٌّ (عليه السلام)، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): اجْلِسْ، فَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ.
ثُمَّ جَاءَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَسَأَلَ عَنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ بِالْبَقِيعِ، فَأَتَاهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَأَجْلَسَهُ عَنْ يَسَارِهِ.
ثُمَّ جَاءَ الْعَبَّاسُ، فَسَأَلَ عَنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ بِالْبَقِيعِ، فَأَتَاهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَأَجْلَسَهُ أَمَامَهُ.
ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام) فَقَالَ: أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ أَلَا أُخْبِرُكَ؟ يَا عَلِيُّ.
فَقَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ الله.
فَقَالَ: كَانَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) عِنْدِي آنِفاً، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ الْقَائِمَ الَّذِي يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً مِنْ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ.
فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ الله، مَا أَصَابَنَا خَيْرٌ قَطُّ مِنَ الله إِلَّا عَلَى يَدَيْكَ.
ثُمَّ الْتَفَتَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إِلَى جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: يَا جَعْفَرُ، أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ أَلَا أُخْبِرُكَ؟
↑صفحة ٣٦٩↑
قَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ الله.
فَقَالَ: كَانَ جَبْرَئِيلُ عِنْدِي آنِفاً، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الَّذِي يَدْفَعُهَا(١١١٤) إِلَى الْقَائِمِ هُوَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ، أَتَدْرِي مَنْ هُوَ؟
قَالَ: لَا.
قَالَ: ذَاكَ الَّذِي وَجْهُهُ كَالدِّينَارِ(١١١٥)، وَأَسْنَانُهُ كَالْمِنْشَارِ، وَسَيْفُهُ كَحَرِيقِ النَّارِ، يَدْخُلُ الْجُنْدَ(١١١٦) ذَلِيلاً، وَيَخْرُجُ مِنْهُ عَزِيزاً، يَكْتَنِفُهُ جَبْرَئِيلُ وَمِيكَائِيلُ.
ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الْعَبَّاسِ، فَقَالَ: يَا عَمَّ النَّبِيِّ، أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَا أَخْبَرَنِي بِهِ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام)؟
فَقَالَ: بَلَى، يَا رَسُولَ الله.
قَالَ: قَالَ لِي جَبْرَئِيلُ: وَيْلٌ لِذُرِّيَّتِكَ مِنْ وُلْدِ الْعَبَّاسِ.
فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَفَلَا أَجْتَنِبُ النِّسَاءَ؟
فَقَالَ لَهُ: قَدْ فَرَغَ اللهُ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ».
[٣٠٨/٢] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ المُسْتَنِيرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ(١١١٧)، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لِأَبِي: «يَا عَبَّاسُ، وَيْلٌ لِذُرِّيَّتِي(١١١٨) مِنْ وُلْدِكَ، وَوَيْلٌ لِوُلْدِكَ مِنْ وَلَدِي».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١١٤) أي الراية.
(١١١٥) في بعض النُّسَخ: (وجهه كالبدر).
(١١١٦) في بعض النُّسَخ: (الجيل)، وفي بحار الأنوار: (الجبل).
(١١١٧) يعني القاسم بن محمّد بن أبي بكر، وما في بعض النُّسَخ من (عبد الله بن القاسم) تصحيف.
(١١١٨) في بعض النُّسَخ: (لولدي).
↑صفحة ٣٧٠↑
فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَفَلَا أَجْتَنِبُ النِّسَاءَ - أَوْ قَالَ: أَفَلَا أَجُبُّ نَفْسِي(١١١٩) -؟
قَالَ: «إِنَّ عِلْمَ الله (عزَّ وجلَّ) قَدْ مَضَى وَالْأُمُورُ بِيَدِهِ، وَإِنَّ الْأَمْرَ سَيَكُونُ فِي وُلْدِي»(١١٢٠).
[٣٠٩/٣] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ اِبْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الصَّبَّاحِ المَعْرُوفُ بِابْنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، عَنْ عَلِيٍّ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَأْتِيكُمْ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَالْمِائَةِ أُمَرَاءُ كَفَرَةٌ، وَأُمَنَاءُ خَوَنَةٌ، وَعُرَفَاءُ فَسَقَةٌ، فَتَكْثُرُ التُّجَّارُ، وَتَقِلُّ الْأَرْبَاحُ، وَيَفْشُو الرِّبَا، وَيَكْثُرُ أَوْلَادُ الزِّنَا، وَتَغْمُرُ(١١٢١) السِّفَاحُ(١١٢٢)، وَتَتَنَاكَرُ المَعَارِفُ، وَتُعَظَّمُ الْأَهِلَّةُ(١١٢٣)، وَتَكْتَفِي النِّسَاءُ بِالنِّسَاءِ، وَالرِّجَالُ بِالرِّجَالِ».
فَحَدَّثَ رَجُلٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ حِينَ تَحَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَكَيْفَ نَصْنَعُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ؟
فَقَالَ: «الْهَرَبَ الْهَرَبَ، فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ عَدْلُ الله مَبْسُوطاً عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١١٩) أي أجعل نفسي مقطوعة النسل، ومنه المجبوب.
(١١٢٠) من لا يحضره الفقيه (ج ١/ ص ٢٥٢/ ح ٧٦٩)، علل الشرائع (ج ٢/ ص ٣٤٨/ باب ٥٦/ ح ٧).
(١١٢١) تغمر: أي تكثر. راجع: لسان العرب (ج ٥/ ص ٢٩/ مادَّة غمر).
(١١٢٢) في النهاية لابن الأثير (ج ٢/ ص ٣٧١): (فيه: «أوَّله سفاح وآخره نكاح»، السفاح: الزنا، مأخوذ من سفحت الماء إذا صببته. ودم مسفوح: أي مراق. وأراد به هاهنا أنَّ المرأة تسافح رجلاً مدَّة ثمّ يتزوَّجها بعد ذلك).
(١١٢٣) كذا، ولعلَّه جمع هلال بمعنى الغلام الجميل، ويمكن أنْ يكون الأصل: (تُغطَّى الأهلَّة)، أي ستر عن الناس هلال كلِّ شهر. والأوَّل بالسياق أنسب.
↑صفحة ٣٧١↑
يَمِلْ قُرَّاؤُهُمْ إِلَى أُمَرَائِهِمْ، وَمَا لَمْ يَزَلْ أَبْرَارُهُمْ يَنْهَى فُجَّارَهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا ثُمَّ اسْتَنْفَرُوا فَقَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ اللهُ فِي عَرْشِهِ: كَذَبْتُمْ لَسْتُمْ بِهَا صَادِقِينَ(١١٢٤)»(١١٢٥).
[٣١٠/٤] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ فِي مَنْزِلِهِ بِبَغْدَادَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَابُنْدَاذَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ اِبْنُ إِبْرَاهِيمَ الْجَرِيرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ(١١٢٦)، عَنْ أَبِي صَادِقٍ(١١٢٧)، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مُلْكُ بَنِي الْعَبَّاسِ يُسْرٌ لَا عُسْرَ فِيهِ، لَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمُ التُّرْكُ وَالدَّيْلَمُ وَالسِّنْدُ وَالْهِنْدُ وَالْبَرْبَرُ وَالطَّيْلَسَانُ(١١٢٨) لَنْ يُزِيلُوهُ، وَلَا يَزَالُونَ فِي غَضَارَةٍ(١١٢٩) مِنْ مُلْكِهِمْ حَتَّى يَشِذَّ عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ وَأَصْحَابُ أَلْوِيَتِهِمْ(١١٣٠)، وَيُسَلِّطُ اللهُ عَلَيْهِمْ عِلْجاً يَخْرُجُ مِنْ حَيْثُ بَدَأَ مُلْكُهُمْ، لَا يَمُرُّ بِمَدِينَةٍ إِلَّا فَتَحَهَا، وَلَا تُرْفَعُ لَهُ رَايَةٌ إِلَّا هَدَّهَا،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٢٤) قوله: (فإنْ لم يفعلوا)، أي فإنْ مال أهل العلم - والقُرَّاء كناية عنهم - إلى الأُمراء، وترك الأبرار النهي عن المنكرات ثمّ أظهروا النفرة وتباعدوا عن أهل المعاصي واستظهروا بكلمة (لا إله إلَّا الله) يعني أظهروا التوحيد، فقال الله تعالى: كذبتم ما كنتم بأهله، أعني لم يقبل الله منهم.
(١١٢٥) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٢٦/ ح ١٢١).
(١١٢٦) هو إبراهيم بن مرثد - أو مزيد - الكندي الأزدي، أبو سفيان، عدَّة الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٢٣/ الرقم ١٢٣١/٣، وص ١٥٩/ الرقم ١٧٧٦/٨٠) من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام).
(١١٢٧) هو عبد خير الأزدي أخو إبراهيم بن مرثد، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٧٢/ الرقم ٦٦٠/٢٢) من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام).
(١١٢٨) في مراصد الاطِّلاع (ج ٢/ ص ٩٠١): (طَيْلَسان: إقليم واسع كثير البلدان والسُّكَّان من نواحي الديلم والخزر).
(١١٢٩) في بعض النُّسَخ: (ولا يزالون يتمرَّغون ويتنعَّمون في غضارة).
(١١٣٠) في بعض النُّسَخ: (دولتهم).
↑صفحة ٣٧٢↑
وَلَا نِعْمَةٌ إِلَّا أَزَالَهَا، الْوَيْلُ لِمَنْ نَاوَاهُ، فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَظْفَرَ وَيَدْفَعَ بِظَفَرِهِ إِلَى رَجُلٍ مِنْ عِتْرَتِي، يَقُولُ بِالْحَقِّ وَيَعْمَلُ بِهِ».
قال أبو عليٍّ(١١٣١): يقول أهل اللغة: العلج: الكافر، والعلج: الجافي في الخلقة، والعلج: اللئيم، والعلج: الجَلِد الشديد في أمره.
وَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) لِرَجُلَيْنِ كَانَا عِنْدَهُ: «إِنَّكُمَا تُعَالِجَانِ عَنْ دِينِكُمَا»، وَكَانَا مِنَ الْعَرَبِ(١١٣٢)،(١١٣٣).
[٣١١/٥] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ قُدَّامَ قِيَامِ الْقَائِمِ عَلَامَاتٍ بَلْوَى مِنَ الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ».
قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٣١) يعني محمّد بن همَّام بن سهيل.
(١١٣٢) قال ذلك لكون العِلج قد يُطلَق في لسان أهل اللغة على الكُفَّار من العجم دون العرب.
(١١٣٣) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣١/ ص ٥٣١ و٥٣٢): (قال في النهاية: حديث عليٍّ (عليه السلام) أنَّه بعث رجلين في وجه وقال: «إنَّكما علجان فعالجا عن دينكما». العلج: الرجل القوي الضخم، وعالجا: أي مارسا العمل الذي ندبتكما إليه واعملا به. وقال: العلج: الرجل من كُفَّار العجم وغيرهم. وفي القاموس: العلج - بالكسر -: العير، وحمار الوحش السمين القوي، والرغيف الغليظ الحرف والرجل من كُفَّار العجم. ورجل علج - ككتف وصرد وسكر -: شديد صريع معالج للأُمور. انتهى. ولعلَّه (رحمه الله) إنَّما ذكر هذه المعاني لاستبعاد أنْ يكون من يأخذ الحقَّ منهم ويُعطي صاحب الحقِّ من الكُفَّار، وكان ذلك قبل انقراض دولتهم، والآن ظهر أنَّ من استأصلهم كان هلاكو، وكان من الكُفَّار. وأمَّا قوله (عليه السلام) يدفع - فعلى البناء للمجهول -: أي ثمّ يدفع إلى القائم (عليه السلام) ولو بعد حين، ويحتمل أنْ يكون من الأخبار البدائيَّة).
↑صفحة ٣٧٣↑
قَالَ: «ذَلِكَ قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ١٥٥]»، قَالَ: «﴿لَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ يَعْنِي المُؤْمِنِينَ، ﴿بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ﴾ مِنْ مُلُوكِ بَنِي فُلَانٍ فِي آخِرِ سُلْطَانِهِمْ، ﴿وَالْجُوعِ﴾ بِغَلَاءِ أَسْعَارِهِمْ، ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ﴾ فَسَادِ التِّجَارَاتِ وَقِلَّةِ الْفَضْلِ فِيهَا، ﴿وَالْأَنْفُسِ﴾»، قَالَ: «مَوْتٌ ذَرِيعٌ(١١٣٤)، ﴿وَالثَّمَرَاتِ﴾ قِلَّةِ رَيْعٍ مَا يُزْرَعُ وَقِلَّةِ بَرَكَةِ الثِّمَارِ، ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ عِنْدَ ذَلِكَ بِخُرُوجِ الْقَائِمِ (عليه السلام)».
ثُمَّ قَالَ (عليه السلام) لِي: «يَا مُحَمَّدُ، هَذَا تَأْوِيلُهُ، إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٧]»(١١٣٥).
[٣١٢/٦] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ اِبْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ أَبُو الْحَسَنِ الْجُعْفِيُّ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ قُدَّامَ الْقَائِمِ سَنَةٌ(١١٣٦) يَجُوعُ فِيهَا النَّاسُ، وَيُصِيبُهُمْ خَوْفٌ شَدِيدٌ مِنَ الْقَتْلِ، وَنَقْصٌ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ، فَإِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الله لَبَيِّنٌ»، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾».
[٣١٣/٧] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ عَلِيِّ اِبْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٣٤) في لسان العرب (ج ٨/ ص ٩٧/ مادَّة ذرع): (موت ذريعٌ: سريع فاشٍ لا يكاد الناس يَتدافَنُون).
(١١٣٥) الإمامة والتبصرة (ص ١٢٩/ ح ١٣٢)، كمال الدِّين (ص ٦٤٩ و٦٥٠/ باب ٥٧/ ح ٣)، دلائل الإمامة (ص ٤٨٣/ح ٤٧٨/٨٢)، الإرشاد (ج ٢/ص ٣٧٧ و٣٧٨).
(١١٣٦) في بعض النُّسَخ: (فتنة).
↑صفحة ٣٧٤↑
جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام) عَنْ قَوْلِ الله تَعَالَى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ...﴾ الْآيَةَ.
فَقَالَ: «يَا جَابِرُ، ذَلِكَ خَاصٌّ وَعَامٌّ، فَأَمَّا الْخَاصُّ مِنَ الْجُوعِ فَبِالْكُوفَةِ، وَيَخُصُّ اللهُ بِهِ أَعْدَاءَ آلِ مُحَمَّدٍ فَيُهْلِكُهُمْ(١١٣٧)، وأَمَّا الْعَامُّ فَبِالشَّامِ يُصِيبُهُمْ خَوْفٌ وَجُوعٌ مَا أَصَابَهُمْ مِثْلُهُ قَطُّ. وَأَمَّا الْجُوعُ فَقَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ (عليه السلام)، وَأَمَّا الْخَوْفُ فَبَعْدَ قِيَامِ الْقَائِمِ (عليه السلام)»(١١٣٨).
[٣١٤/٨] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ اِبْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَعْلَبَةُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ يَحْيَى(١١٣٩)، عَنْ دَاوُدَ الدِّجَاجِيِّ(١١٤٠)، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام)، قَالَ: «سُئِلَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ﴾ [مريم: ٣٧]، فَقَالَ: انْتَظِرُوا الْفَرَجَ مِنْ ثَلَاثٍ.
فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَمَا هُنَّ؟
فَقَالَ: اخْتِلَافُ أَهْلِ الشَّامِ بَيْنَهُمْ، وَالرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ خُرَاسَانَ، وَالْفَزْعَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
فَقِيلَ: وَمَا الْفَزْعَةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ؟
فَقَالَ: أَوَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ الله (عزَّ وجلَّ) فِي الْقُرْآنِ: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٣٧) في بعض النُّسَخ: (فهلكهم الله).
(١١٣٨) تفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ٦٨/ ح ١٢٥).
(١١٣٩) معمر بن يحيى العجلي الكوفي، قال عنه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٢٥/ الرقم ١١٤١): (عربي صميم، ثقة، متقدِّم).
(١١٤٠) هو داود بن أبي داود الدجاجي الكوفي، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٣٤/ الرقم ١٣٩٥/٦، وص ٢٠٢/الرقم ٢٥٨٢/٢٤) من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام).
↑صفحة ٣٧٥↑
السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]؟ هِيَ آيَةٌ تُخْرِجُ الْفَتَاةَ مِنْ خِدْرِهَا(١١٤١)، وَتُوقِظُ النَّائِمَ، وَتُفْزِعُ الْيَقْظَانَ»(١١٤٢).
[٣١٥/٩] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ خَالِدٍ التَّمِيمِيُّ(١١٤٣)، قَالَ: حَدَّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لِلْقَائِمِ خَمْسُ عَلَامَاتٍ: ظُهُورُ السُّفْيَانِيِّ، وَالْيَمَانِيِّ، وَالصَّيْحَةُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ، وَالْخَسْفُ بِالْبَيْدَاءِ»(١١٤٤).
[٣١٦/١٠] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْوَشَّاءُ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الله(١١٤٥)، عَنْ دَاوُدَ بْنِ سِرْحَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «الْعَامُ الَّذِي فِيهِ الصَّيْحَةُ قَبْلَهُ الْآيَةُ فِي رَجَبٍ».
قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟
قَالَ: «وَجْهٌ يَطْلُعُ فِي الْقَمَرِ، وَيَدٌ بَارِزَةٌ(١١٤٦)».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٤١) في لسان العرب (ج ٤/ ص ٢٣٠/ مادَّة خدر): (الخِدْرُ: سِتْرٌ يُمَدُّ للجارية في ناحية البيت، ثمّ صار كلُّ ما واراك من بَيْتٍ ونحوه خِدْراً).
(١١٤٢) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ٢٠١ و٢٠٢/ ح ٢٠٧).
(١١٤٣) هو عبد الله بن أبي عبد الله محمّد بن خالد بن عمر الطيالسي، أبو العبَّاس التميمي، قال عنه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢١٩/ الرقم ٥٧٢): (رجل من أصحابنا، ثقة، سليم الجنبة). وكأنَّه روى الخبر عن الحسين بن سعيد الأهوازي، عن ابن أبي عمير، كما يظهر من كمال الدِّين.
(١١٤٤) الكافي (ج ٨/ ص ٣١٠/ ح ٤٨٣)، كمال الدِّين (ص ٦٥٠/ باب ٥٧/ ح ٧).
(١١٤٥) في بعض النُّسَخ: (عبَّاس بن عبيد)، وكأنَّه (عبَّاس بن عتبة) فصُحِّف في النُّسَخ.
(١١٤٦) في بعض النُّسَخ: (وجه يطلع في القبر ويدانيه)، ويمكن أنْ يُقرَأ كما في إحدى النُّسَخ المخطوطة: (وجه يطلع في القبر وبدا فيه).
↑صفحة ٣٧٦↑
[٣١٧/١١] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «النِّدَاءُ مِنَ المَحْتُومِ، وَالسُّفْيَانِيُّ مِنَ المَحْتُومِ، وَالْيَمَانِيُّ مِنَ المَحْتُومِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ مِنَ المَحْتُومِ، وَكَفٌّ يَطْلُعُ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ المَحْتُومِ»، قَالَ: «وَفَزْعَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ تُوقِظُ النَّائِمَ، وَتُفْزِعُ الْيَقْظَانَ، وَتُخْرِجُ الْفَتَاةَ مِنْ خِدْرِهَا».
[٣١٨/١٢] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ(١١٤٧)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «قَبْلَ هَذَا الْأَمْرِ السُّفْيَانِيُّ، وَالْيَمَانِيُّ، وَالمَرْوَانِيُّ، وَشُعَيْبُ بْنُ صَالِحٍ، فَكَيْفَ يَقُولُ هَذَا هَذَا(١١٤٨)؟!»(١١٤٩).
[٣١٩/١٣] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٤٧) عليُّ بن عاصم، رجل من العامَّة مرميٌّ بالتشيُّع عندهم، وهو الذي اجتمع في مجلسه أكثر من ثلاثين ألفاً، نقل ابن حجر في تهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ٣٠٢/ الرقم ٥٧٢) عن يعقوب بن شيبة أنَّه قال: أصحابنا - يعني العامَّة - مختلفون فيه منهم من أنكر عليه كثرة الخطأ والغلط، ومنهم من أنكر عليه تماديه في ذلك وتركه الرجوع عمَّا يخالفه فيه الناس ولجاجته فيه وثباته على الخطأ، ومنهم من تكلَّم في سوء حفظه...، وقد كان من أهل الدِّين والصلاح والخير، مات بواسط سنة إحدى ومائتين في خلافة المأمون، كما في المعارف لابن قتيبة (ص ٥١٦).
(١١٤٨) أي كيف يقول محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل - المعروف بابن طباطبا - ابن إبراهيم بن الحسن المثنَّى: إنِّي القائم؟ وهو الذي خرج مع أبي السرايا في عصر المأمون وقصَّته معروفة في التواريخ. وفي بعض النُّسَخ: (وكفٌّ يقول هذا وهذا)، وقوله: (يقول) أي يشير، وقال بيده: أي أشار. ومعنى الجملة: كفٌّ يشير هكذا وهكذا، وهذه النسخة أنسب بالمقام عند بعض، لكن في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٣٣/ ح ٩٩) كما في المتن.
(١١٤٩) دلائل الإمامة (ص ٤٨٧/ ح ٤٨٦/٩٠).
↑صفحة ٣٧٧↑
اِبْنُ يُوسُفَ بْنِ يَعْقُوبَ أَبُو الْحَسَنِ الْجُعْفِيُّ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ نَاراً مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ شِبْهَ الْهُرْدِيِّ الْعَظِيمِ(١١٥٠) تَطْلُعُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةً فَتَوَقَّعُوا فَرَجَ آلِ مُحَمَّدٍ (عليهم السلام)،(١١٥١) إِنْ شَاءَ اللهُ (عزَّ وجلَّ)، إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».
ثُمَّ قَالَ: «الصَّيْحَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ شَهْرُ الله، وَالصَّيْحَةُ فِيهِ هِيَ صَيْحَةُ جَبْرَئِيلَ (عليه السلام) إِلَى هَذَا الْخَلْقِ».
ثُمَّ قَالَ: «يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِ الْقَائِمِ (عليه السلام)، فَيَسْمَعُ مَنْ بِالمَشْرِقِ وَمَنْ بِالمَغْرِبِ، لَا يَبْقَى رَاقِدٌ إِلَّا اسْتَيْقَظَ، وَلَا قَائِمٌ إِلَّا قَعَدَ، وَلَا قَاعِدٌ إِلَّا قَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ فَزِعاً مِنْ ذَلِكَ الصَّوْتِ، فَرَحِمَ اللهُ مَنِ اعْتَبَرَ بِذَلِكَ الصَّوْتِ فَأَجَابَ، فَإِنَّ الصَّوْتَ الْأَوَّلَ هُوَ صَوْتُ جَبْرَئِيلَ الرُّوحِ الْأَمِينِ (عليه السلام)».
ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «يَكُونُ الصَّوْتُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي لَيْلَةِ جُمُعَةٍ لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، فَلَا تَشُكُّوا فِي ذَلِكَ، وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَفِي آخِرِ النَّهَارِ صَوْتُ المَلْعُونِ إِبْلِيسَ اللَّعِينِ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ فُلَاناً قُتِلَ مَظْلُوماً(١١٥٢)، لِيُشَكِّكَ النَّاسَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٥٠) الهردي - بضمِّ الهاء ككُرسي -: المصبوغ بالهرد - بالضمِّ -، وهو الكركم الأصفر، وطين أحمر، وعروق يُصبَغ بها، ونقل الزبيدي في تاج العروس (ج ٥/ ص ٣٣٥/ مادَّة هرد) عن التكملة، قال: (الهرد - بالضمِّ - العروق، والعروق: صبغ أصفر يُصبَغ به). يعني ناراً يشبه الهردي من حيث اللون يكون أصفر أو أحمر. وقرأها في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٣٠ - ٢٣٣/ ح ٩٦): (الهروي)، وقال: (لعلَّ المراد الثياب الهرويَّة، شُبِّهت بها في عظمها وبياضها).
(١١٥١) في بعض النُّسَخ: (فتوقَّعوا الفرج بظهور القائم (عليه السلام)...) إلخ.
(١١٥٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٣٣): (قوله: (إنَّ فلاناً قُتِلَ مظلوماً) أي عثمان).
↑صفحة ٣٧٨↑
وَيَفْتِنَهُمْ، فَكَمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ شَاكٍّ مُتَحَيِّرٍ قَدْ هَوَى فِي النَّارِ، فَإِذَا سَمِعْتُمُ الصَّوْتَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَلَا تَشُكُّوا فِيهِ أَنَّهُ صَوْتُ جَبْرَئِيلَ، وَعَلَامَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُنَادِي بِاسْمِ الْقَائِمِ وَاسْمِ أَبِيهِ (عليهما السلام) حَتَّى تَسْمَعَهُ الْعَذْرَاءُ فِي خِدْرِهَا فَتُحَرِّضُ أَبَاهَا وَأَخَاهَا عَلَى الْخُرُوجِ».
وَقَالَ: «لَابُدَّ مِنْ هَذَيْنِ الصَّوْتَيْنِ قَبْلَ خُرُوجِ الْقَائِمِ (عليه السلام): صَوْتٍ مِنَ السَّمَاءِ، وَهُوَ صَوْتُ جَبْرَئِيلَ بِاسْمِ صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ وَاسْمِ أَبِيهِ، وَالصَّوْتِ الثَّانِي مِنَ الْأَرْضِ(١١٥٣)، وَهُوَ صَوْتُ إِبْلِيسَ اللَّعِينِ يُنَادِي بِاسْمِ فُلَانٍ أَنَّهُ قُتِلَ مَظْلُوماً، يُرِيدُ بِذَلِكَ الْفِتْنَةَ، فَاتَّبِعُوا الصَّوْتَ الْأَوَّلَ، وَإِيَّاكُمْ وَالْأَخِيرَ أَنْ تُفْتَنُوا بِهِ».
وَقَالَ (عليه السلام): «لَا يَقُومُ الْقَائِمُ (عليه السلام) إِلَّا عَلَى خَوْفٍ شَدِيدٍ مِنَ النَّاسِ، وَزَلَازِلَ وَفِتْنَةٍ، وَبَلَاءٍ يُصِيبُ النَّاسَ، وَطَاعُونٍ قَبْلَ ذَلِكَ، وَسَيْفٍ قَاطِعٍ بَيْنَ الْعَرَبِ، وَاخْتِلَافٍ شَدِيدٍ فِي النَّاسِ، وَتَشَتُّتٍ فِي دِينِهِمْ، وَتَغَيُّرٍ مِنْ حَالِهِمْ، حَتَّى يَتَمَنَّى المُتَمَنِّي المَوْتَ صَبَاحاً وَمَسَاءً مِنْ عِظَمِ مَا يَرَى مِنْ كَلَبِ النَّاسِ(١١٥٤)، وَأَكْلِ بَعْضِهِمْ بَعْضاً، فَخُرُوجُهُ (عليه السلام) إِذَا خَرَجَ عِنْدَ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ مِنْ أَنْ يَرَوْا فَرَجاً، فَيَا طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَهُ وَكَانَ مِنْ أَنْصَارِهِ، وَالْوَيْلُ كُلُّ الْوَيْلِ لِمَنْ نَاوَاهُ وَخَالَفَهُ، وَخَالَفَ أَمْرَهُ، وَكَانَ مِنْ أَعْدَائِهِ».
وَقَالَ (عليه السلام): «إِذَا خَرَجَ يَقُومُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَكِتَابٍ جَدِيدٍ، وَسُنَّةٍ جَدِيدَةٍ، وَقَضَاءٍ جَدِيدٍ عَلَى الْعَرَبِ شَدِيدٌ، وَلَيْسَ شَأْنُهُ إِلَّا الْقَتْلَ، لَا يَسْتَبْقِي أَحَداً، وَلَا تَأْخُذُهُ فِي الله لَوْمَةُ لَائِمٍ(١١٥٥)».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٥٣) في بعض النُّسَخ: (وصوت من الأرض).
(١١٥٤) الكَلَب - محرَّكة -: الأذى والشرُّ، وداء يشبه الجنون يأخذ الكلب فتعقر الناس، فتكلب الناس أيضاً.
(١١٥٥) تقدَّمت هذه القطعة من الخبر، أعني من قوله: (لا يقوم القائم (عليه السلام) إلَّا على خوف) إلى هنا، عن أبي حمزة الثمالي عنه (عليه السلام) تحت الرقم (٢٨٢/٢٢)، وفيه: (فلا يستتيب أحداً)، لكن فيما عندي من النُّسَخ مخطوطها ومطبوعها: (ولا يستبقي أحداً)، ولا ريب أنَّ أحدهما تصحيف الآخر. ومن هاهنا معناه: لا يُبقي أحداً من المجرمين المعاندين الذين لم يرتدعوا عن العنداء والعداء، أعني يقتلهم ولا يحبسهم.
↑صفحة ٣٧٩↑
ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «إِذَا اخْتَلَفَ بَنُو فُلَانٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ فَانْتَظِرُوا الْفَرَجَ، وَلَيْسَ فَرَجُكُمْ إِلَّا فِي اخْتِلَافِ بَنِي فُلَانٍ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا فَتَوَقَّعُوا الصَّيْحَةَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَخُرُوجَ الْقَائِمِ (عليه السلام)، إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ، وَلَنْ يَخْرُجَ الْقَائِمُ وَلَا تَرَوْنَ مَا تُحِبُّونَ حَتَّى يَخْتَلِفَ بَنُو فُلَانٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ(١١٥٦) طَمَعَ النَّاسُ فِيهِمْ، وَاخْتَلَفَتِ الْكَلِمَةُ، وَخَرَجَ السُّفْيَانِيُّ».
وَقَالَ: «لَابُدَّ لِبَنِي فُلَانٍ مِنْ أَنْ يَمْلِكُوا، فَإِذَا مَلَكُوا ثُمَّ اخْتَلَفُوا تَفَرَّقَ مُلْكُهُمْ، وَتَشَتَّتَ أَمْرُهُمْ، حَتَّى يَخْرُجَ عَلَيْهِمُ الْخُرَاسَانِيُّ وَالسُّفْيَانِيُّ، هَذَا مِنَ المَشْرِقِ، وَهَذَا مِنَ المَغْرِبِ، يَسْتَبِقَانِ إِلَى الْكُوفَةِ كَفَرَسَيْ رِهَانٍ(١١٥٧)، هَذَا مِنْ هُنَا، وَهَذَا مِنْ هُنَا، حَتَّى يَكُونَ هَلَاكُ بَنِي فُلَانٍ عَلَى أَيْدِيهِمَا، أَمَا إِنَّهُمْ لَا يُبْقُونَ مِنْهُمْ أَحَداً».
ثُمَّ قَالَ (عليه السلام): «خُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ وَالْيَمَانِيِّ وَالْخُرَاسَانِيِّ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ، فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، نِظَامٌ كَنِظَامِ الْخَرَزِ(١١٥٨) يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضاً، فَيَكُونُ الْبَأْسُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَيْلٌ لِمَنْ نَاوَاهُمْ، وَلَيْسَ فِي الرَّايَاتِ رَايَةٌ أَهْدَى مِنْ رَايَةِ الْيَمَانِيِّ، هِيَ رَايَةُ هُدًى، لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى صَاحِبِكُمْ، فَإِذَا خَرَجَ الْيَمَانِيُّ حَرُمَ بَيْعَ السِّلَاحِ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٥٦) كذا في المخطوط، وفي بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٣١): (فإذا كان ذلك).
(١١٥٧) فرسي رهان - بصيغة التثنية -: مثل يُضرَب للمتساويين في الفضل، ومتساويين في المجاراة.
(١١٥٨) في لسان العرب (ج ٥/ ص ٣٤٤/ مادَّة خرز): (الخَرَزُ - بالتحريك -: الذي يُنْظَم، الواحدة خَرَزَة).
↑صفحة ٣٨٠↑
النَّاسِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِذَا خَرَجَ الْيَمَانِيُّ فَانْهَضْ إِلَيْهِ فَإِنَّ رَايَتَهُ رَايَةُ هُدًى، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَلْتَوِيَ عَلَيْهِ(١١٥٩)، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ».
ثُمَّ قَالَ لِي: «إِنَّ ذَهَابَ مُلْكِ بَنِي فُلَانٍ كَقِصَعِ الْفَخَّارِ، وَكَرَجُلٍ(١١٦٠) كَانَتْ فِي يَدِهِ فَخَّارَةٌ، وَهُوَ يَمْشِي إِذْ سَقَطَتْ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ سَاهٍ عَنْهَا فَانْكَسَرَتْ، فَقَالَ حِينَ سَقَطَتْ: هَاهْ - شِبْهَ الْفَزَعِ -، فَذَهَابُ مُلْكِهِمْ هَكَذَا أَغْفَلَ مَا كَانُوا عَنْ ذَهَابِهِ. وَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ: إِنَّ اللهَ (عَزَّ وَجَلَّ ذِكْرُهُ) قَدَّرَ فِيمَا قَدَّرَ وَقَضَى وَحَتَمَ بِأَنَّهُ كَائِنٌ لَابُدَّ مِنْهُ أَنَّهُ يَأْخُذُ بَنِي أُمَيَّةَ بِالسَّيْفِ جَهْرَةً، وَأَنَّهُ يَأْخُذُ بَنِي فُلَانٍ بَغْتَةً(١١٦١)».
وَقَالَ (عليه السلام): «لَابُدَّ مِنْ رَحًى تَطْحَنُ، فَإِذَا قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَا وَثَبَتَتْ عَلَى سَاقِهَا بَعَثَ اللهُ عَلَيْهَا عَبْداً عَنِيفاً(١١٦٢) خَامِلاً أَصْلُهُ(١١٦٣)، يَكُونُ النَّصْرُ مَعَهُ، أَصْحَابُهُ الطَّوِيلَةُ شُعُورُهُمْ، أَصْحَابُ السِّبَالِ(١١٦٤)، سُودٌ ثِيَابُهُمْ، أَصْحَابُ رَايَاتٍ سُودٍ، وَيْلٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٥٩) التوى الشيء: انعطف، والتوى عليه الأمر: اعتاض. وفي بعض النُّسَخ: (ولا يحلُّ لمسلم أنْ يتكبَّر عليه)، وهو قريب من معناه.
(١١٦٠) في بعض النُّسَخ: (وذلك كمثل الرجل).
(١١٦١) في بعض النُّسَخ: (قدَّر فيما قدَّر وقضى بأنَّه كائن لابدَّ منه أخذ بني أُميَّة بالسيف جهرةً، وأنَّ أخذ بني فلان بغتةً).
(١١٦٢) كذا في بعض النُّسَخ، والعنيف: الشديد الذي لا يرفق، والعنف: القساوة. وفي بعض النُّسَخ: (عسفاً) بالسين المهملة بمعنى المعسوف، أي المغصوبة نفسها بالخدمة، من عسف فلاناً: أي استخدمه، وفلانة غصبها نفسها فهي معسوفة. أو بمعنى العاسف: أي الذي ركب الأمر بلا رويَّة ولا هداية.
(١١٦٣) في الصحاح للجوهري (ج ٤/ ص ١٦٩٠/ مادَّة خمل): (الخامل: الساقط الذي لا نباهة له). وفي نسخة مخطوطة: (ذابلاً أصله).
(١١٦٤) جمع السبلة، وهي الشارب. راجع: الصحاح للجوهري (ج ٥/ص ١٧٢٤/مادَّة سبل).
↑صفحة ٣٨١↑
لِمَنْ نَاوَاهُمْ، يَقْتُلُونَهُمْ هَرْجاً، وَالله لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى أَفْعَالِهِمْ وَمَا يَلْقَى الْفُجَّارُ مِنْهُمْ وَالْأَعْرَابُ الْجُفَاةُ، يُسَلِّطُهُمُ اللهُ عَلَيْهِمْ بِلَا رَحْمَةٍ، فَيَقْتُلُونَهُمْ هَرْجاً عَلَى مَدِينَتِهِمْ بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَالْبَحْرِيَّةِ، جَزَاءً بِمَا عَمِلُوا، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فُصِّلت: ٤٦]».
[٣٢٠/١٤] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ اِبْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ شُرَحْبِيلَ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام) وَقَدْ سَأَلْتُهُ عَنِ الْقَائِمِ (عليه السلام)، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَا يَكُونُ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ يَسْمَعُ أَهْلُ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ، حَتَّى تَسْمَعَهُ الْفَتَاةُ فِي خِدْرِهَا».
[٣٢١/١٥] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِّ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا لَهُ: السُّفْيَانِيُّ مِنَ المَحْتُومِ؟
فَقَالَ: «نَعَمْ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ مِنَ المَحْتُومِ، وَالْقَائِمُ مِنَ المَحْتُومِ، وَخَسْفُ الْبَيْدَاءِ مِنَ المَحْتُومِ، وَكَفٌّ تَطْلُعُ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ المَحْتُومِ، وَالنِّدَاءُ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ المَحْتُومِ».
فَقُلْتُ: وَأَيَّ شَيْءٍ يَكُونُ النِّدَاءُ؟
فَقَالَ: «مُنَادٍ يُنَادِي بِاسْمِ الْقَائِمِ وَاسْمِ أَبِيهِ (عليهما السلام)».
[٣٢٢/١٦] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ المُخْتَارِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «أَمْسِكْ بِيَدِكَ هَلَاكَ الْفُلَانِيِّ(١١٦٥) [- اسْمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٦٥) كذا.
↑صفحة ٣٨٢↑
رَجُلٍ مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ -](١١٦٦)، وَخُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَجَيْشُ الْخَسْفِ، وَالصَّوْتُ».
قُلْتُ: وَمَا الصَّوْتُ، أَهُوَ المُنَادِي؟
فَقَالَ: «نَعَمْ، وَبِهِ يُعْرَفُ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ»، ثُمَّ قَالَ: «الْفَرَجُ كُلُّهُ هَلَاكُ الْفُلَانِيِّ(١١٦٧) مِنْ بَنِي الْعَبَّاسِ».
[٣٢٣/١٧] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ المُخْتَارِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اِبْنِ سَيَابَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مِيثَمٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عليه السلام) وَأَنَا خَامِسُ خَمْسَةٍ، وَأَصْغَرُ الْقَوْمِ سِنًّا، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: «حَدَّثَنِي أَخِي رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَنَّهُ قَالَ: إِنِّي خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ، وَإِنَّكَ خَاتَمُ أَلْفِ وَصِيٍّ، وَكُلِّفْتُ مَا لَمْ يُكَلَّفُوا(١١٦٨)».
فَقُلْتُ: مَا أَنْصَفَكَ الْقَوْمُ، يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ.
فَقَالَ: «لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ بِكَ المَذَاهِبُ، يا بن أَخِي، وَالله إِنِّي لَأَعْلَمُ أَلْفَ كَلِمَةٍ لَا يَعْلَمُهَا غَيْرِي وَغَيْرُ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَإِنَّهُمْ لَيَقْرَءُونَ مِنْهَا آيَةً فِي كِتَابِ الله (عزَّ وجلَّ)، وَهِيَ: ﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ [النمل: ٨٢]، وَمَا يَتَدَبَّرُونَهَا حَقَّ تَدَبُّرِهَا، أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِآخِرِ مُلْكِ بَنِي فُلَانٍ؟».
قُلْنَا: بَلَى، يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٦٦) ما بين المعقوفتين موجود في المخطوط، ولا يوجد في المطبوع الحجري في المتن ولا في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٣٤/ ح ١٠٠).
(١١٦٧) كذا.
(١١٦٨) قوله (عليه السلام): (كُلِّفت ما لم يُكلَّفوا) من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام).
↑صفحة ٣٨٣↑
قَالَ: «قَتْلُ نَفْسٍ حَرَامٍ، فِي يَوْمٍ حَرَامٍ، فِي بَلَدٍ حَرَامٍ، عَنْ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا لَهُمْ مُلْكٌ بَعْدَهُ غَيْرُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً».
قُلْنَا: هَلْ قَبْلَ هَذَا أَوْ بَعْدَهُ مِنْ شَيْءٍ؟
فَقَالَ: «صَيْحَةٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، تُفْزِعُ الْيَقْظَانَ، وَتُوقِظُ النَّائِمَ، وَتُخْرِجُ الْفَتَاةَ مِنْ خِدْرِهَا»(١١٦٩).
[٣٢٤/١٨] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله يَحْيَى اِبْنُ زَكَرِيَّا بْنِ شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ يُوسُفُ بْنُ كُلَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «لَابُدَّ أَنْ يَمْلِكَ بَنُو الْعَبَّاسِ، فَإِذَا مَلَكُوا وَاخْتَلَفُوا وَتَشَتَّتَ أَمْرُهُمْ خَرَجَ عَلَيْهِمُ الْخُرَاسَانِيُّ وَالسُّفْيَانِيُّ، هَذَا مِنَ المَشْرِقِ، وَهَذَا مِنَ المَغْرِبِ، يَسْتَبِقَانِ إِلَى الْكُوفَةِ كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، هَذَا مِنْ هَاهُنَا، وَهَذَا مِنْ هَاهُنَا، حَتَّى يَكُونَ هَلَاكُهُمْ عَلَى أَيْدِيهِمَا، أَمَا إِنَّهُمَا لَا يُبْقُونَ مِنْهُمْ أَحَداً أَبَداً».
[٣٢٥/١٩] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ(١١٧٠)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَسَمِعْتُ رَجُلاً مِنْ هَمْدَانَ يَقُولُ لَهُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْعَامَّةَ يُعَيِّرُونَّا(١١٧١)، وَيَقُولُونَ لَنَا: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ مُنَادِياً يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِ صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٦٩) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ٢٠٦ و٢٠٧/ ح ٢١٣)؛ وراجع: بصائر الدرجات (ص ٣٣٠/ ج ٦/ باب ١٨/ ح ٧) صدره.
(١١٧٠) عمرو بن عثمان الثقفي الخزَّاز، وقيل: الأزدي، أبو عليٍّ، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٨٧/ الرقم ٧٦٦): (كوفي، ثقة...، كان عمرو بن عثمان نقيَّ الحديث، صحيح الحكايات).
(١١٧١) التعيير: التعييب، وعيَّره - من باب التفعيل -: أي عابه. راجع لسان العرب (ج ٤/ ص ٦٢٠/ مادَّة عير).
↑صفحة ٣٨٤↑
وَكَانَ مُتَّكِئاً، فَغَضِبَ وَجَلَسَ، ثُمَّ قَالَ: «لَا تَرْوُوهُ عَنِّي، وَارْوُوهُ عَنْ أَبِي، وَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ، أَشْهَدُ أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ أَبِي (عليه السلام) يَقُولُ: وَالله إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الله (عزَّ وجلَّ) لَبَيِّنٌ حَيْثُ يَقُولُ: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]، فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا خَضَعَ وَذَلَّتْ رَقَبَتُهُ لَهَا، فَيُؤْمِنُ أَهْلُ الْأَرْضِ إِذَا سَمِعُوا الصَّوْتَ مِنَ السَّمَاءِ: أَلَا إِنَّ الْحَقَّ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) وَشِيعَتِهِ».
قَالَ: «فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ صَعِدَ إِبْلِيسُ فِي الْهَوَاءِ حَتَّى يَتَوَارَى عَنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، ثُمَّ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْحَقَّ فِي عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَشِيعَتِهِ، فَإِنَّهُ قُتِلَ مَظْلُوماً، فَاطْلُبُوا بِدَمِهِ».
قَالَ: «فَيُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ عَلَى الْحَقِّ، وَهُوَ النِّدَاءُ الْأَوَّلُ، وَيَرْتَابُ يَوْمَئِذٍ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، وَالمَرَضُ وَالله عَدَاوَتُنَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَبَرَّءُونَ مِنَّا وَيَتَنَاوَلُونَّا(١١٧٢)، فَيَقُولُونَ: إِنَّ المُنَادِيَ الْأَوَّلَ سِحْرٌ مِنْ سِحْرِ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ»، ثُمَّ تَلَا أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) قَوْلَ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر: ٢](١١٧٣).
قَالَ(١١٧٤): وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيُّ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ، مِثْلَهُ سَوَاءً بِلَفْظِهِ(١١٧٥).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٧٢) كذا، أي يشتموننا ويسبُّوننا، والقياس: ينالوا منَّا، من نال من عرضه: أي سبَّه، ونال من فلان: وقع فيه.
(١١٧٣) قراءته (عليه السلام) هذه الآية عندئذٍ من باب تعيين المصداق لا التأويل المصطلح.
(١١٧٤) القائل: أبو الحسن الشجاعي الكاتب (رحمه الله)، وكذا فيما يأتي.
(١١٧٥) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ٢٠٢ و٢٠٣/ ح ٢٠٨).
↑صفحة ٣٨٥↑
[٣٢٦/٢٠] قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ اِبْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ النَّاشِرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) وَقَدْ سَأَلَهُ عُمَارَةُ الْهَمْدَانِيُّ، فَقَالَ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللهُ، إِنَّ نَاساً(١١٧٦) يُعَيِّرُونَّا وَيَقُولُونَ: إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّهُ سَيَكُونُ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ.
فَقَالَ لَهُ: «لَا تَرْوِ عَنِّي وارْوِهِ عَنْ أَبِي، كَانَ أَبِي يَقُولُ: هُوَ فِي كِتَابِ الله، ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]، فَيُؤْمِنُ أَهْلُ الْأَرْضِ جَمِيعاً لِلصَّوْتِ الْأَوَّلِ، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ صَعِدَ إِبْلِيسُ اللَّعِينُ حَتَّى يَتَوَارَى مِنَ الْأَرْضِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ مَظْلُوماً فَاطْلُبُوا بِدَمِهِ، فَيَرْجِعُ مَنْ أَرَادَ اللهُ (عزَّ وجلَّ) بِهِ سُوءاً، وَيَقُولُونَ: هَذَا سِحْرُ الشِّيعَةِ، وَحَتَّى يَتَنَاوَلُونَا وَيَقُولُونَ: هُوَ مِنْ سِحْرِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ﴾ [القمر: ٢]».
[٣٢٧/٢١] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَبَلَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا مِنْ عَلَامَةٍ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْأَمْرِ؟
فَقَالَ: «بَلَى».
قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟
قَالَ: «هَلَاكُ الْعَبَّاسِيِّ، وَخُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ، وَالْخَسْفُ بِالْبَيْدَاءِ، وَالصَّوْتُ مِنَ السَّمَاءِ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٧٦) في بعض النُّسَخ: (إنَّ الناس).
↑صفحة ٣٨٦↑
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخَافُ أَنْ يَطُولَ هَذَا الْأَمْرُ.
فَقَالَ: «لَا، إِنَّمَا هُوَ كَنِظَامِ الْخَرَزِ يَتْبَعُ بَعْضُهُ بَعْضاً».
[٣٢٨/٢٢] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ اِبْنِ يَعْقُوبَ أَبُو الْحَسَنِ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «يَقُومُ الْقَائِمُ (عليه السلام) فِي وَتْرٍ مِنَ السِّنِينَ، تِسْعٍ، وَاحِدَةٍ، ثَلَاثٍ، خَمْسٍ».
وَقَالَ: «إِذَا اخْتَلَفَتْ بَنُو أُمَيَّةَ وَذَهَبَ مُلْكُهُمْ، ثُمَّ يَمْلِكُ بَنُو الْعَبَّاسِ، فَلَا يَزَالُونَ فِي عُنْفُوَانٍ مِنَ المُلْكِ وَغَضَارَةٍ مِنَ الْعَيْشِ حَتَّى يَخْتَلِفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَإِذَا اخْتَلَفُوا ذَهَبَ مُلْكُهُمْ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ المَشْرِقِ وَأَهْلُ المَغْرِبِ. نَعَمْ، وَأَهْلُ الْقِبْلَةِ(١١٧٧)، وَيَلْقَى النَّاسَ جُهْداً شَدِيداً مِمَّا يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْخَوْفِ، فَلَا يَزَالُونَ بِتِلْكَ الْحَالِ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ، فَإِذَا نَادَى فَالنَّفِيرَ النَّفِيرَ(١١٧٨)، فَوَالله لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ يُبَايِعُ النَّاسَ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ، وَكِتَابٍ جَدِيدٍ، وَسُلْطَانٍ جَدِيدٍ مِنَ السَّمَاءِ(١١٧٩)، أَمَا إِنَّهُ لَا يُرَدُّ لَه رَايَةٌ أَبَداً حَتَّى يَمُوتَ»(١١٨٠).
[٣٢٩/٢٣] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى(١١٨١)، عَنْ فُضَيْلِ بْنِ مُحَمَّدٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٧٧) المراد بأهل المشرق والمغرب - بقرينة قوله: (وأهل القبلة) - الكُفَّار، إمَّا أهل الكتاب أو غيرهم من المشركين أو الملاحدة والدهريِّين.
(١١٧٨) في بعض النُّسَخ وبحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٣٥/ ح ١٠٣): (فالنفر النفر)، وهو بمعنى السرعة في الذهاب كالنفير.
(١١٧٩) أي النظام الإلهي الجديد في الحكومة لم يسبق مثله.
(١١٨٠) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٧٨ و٣٧٩)، الغيبة للطوسي (ص ٤٥٣/ ح ٤٦٠) صدره.
(١١٨١) في بعض النُّسَخ: (الحسن بن موسى)، والصواب ما اخترناه لما في رجال النجاشي (ص ٤٥/ الرقم ٩٠): (الحسين بن موسى بن سالم الحنَّاط، أبو عبد الله، مولى بني أسد ثمّ بني والبة).
↑صفحة ٣٨٧↑
مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ الْبَجَلِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «أَمَا إِنَّ النِّدَاءَ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِ الْقَائِمِ فِي كِتَابِ الله لَبَيِّنٌ».
فَقُلْتُ: فَأَيْنَ هُوَ أَصْلَحَكَ اللهُ؟
فَقَالَ: «فِي ﴿طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ قَوْلِهِ: ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ [الشعراء: ٤]»، قَالَ: «إِذَا سَمِعُوا الصَّوْتَ أَصْبَحُوا وَكَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ(١١٨٢)».
[٣٣٠/٢٤] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ اِبْنِ يَعْقُوبَ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا صَعِدَ الْعَبَّاسِيُّ أَعْوَادَ مِنْبَرِ مَرْوَانَ أُدْرِجَ مُلْكُ بَنِي الْعَبَّاسِ».
وَقَالَ (عليه السلام): «قَالَ لِي أَبِي - يَعْنِي الْبَاقِرَ (عليه السلام) -: لَابُدَّ لِنَارٍ مِنْ آذَرْبِيجَانَ لَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَكُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ، وَأَلْبِدُوا مَا أَلْبَدْنَا، فَإِذَا تَحَرَّكَ مُتَحَرِّكُنَا فَاسْعَوْا إِلَيْهِ وَلَوْ حَبْواً، وَالله لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ يُبَايِعُ النَّاسَ عَلَى كِتَابٍ جَدِيدٍ، عَلَى الْعَرَبِ شَدِيدٌ»، قَالَ: «وَوَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ».
[٣٣١/٢٥] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ ابْنَا الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَعْقُوبَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يُنَادَى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٨٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٩٣): (قال الجزري في صفة الصحابة: كأنَّما على رؤوسهم الطير، وصفهم بالسكون والوقار، وأنَّهم لم يكن فيهم طيش ولا خفَّة، لأنَّ الطير لا تكاد تقع إلَّا على شيء ساكن، انتهى. أقول: لعلَّ المراد هنا دهشتهم وتحيُّرهم).
↑صفحة ٣٨٨↑
بِاسْمِ الْقَائِمِ، فَيُؤْتَى وَهُوَ خَلْفَ المَقَامِ، فَيُقَالُ لَهُ: قَدْ نُودِيَ بِاسْمِكَ، فَمَا تَنْتَظِرُ؟ ثُمَّ يُؤْخَذُ بِيَدِهِ فَيُبَايَعُ».
قَالَ: قَالَ لِي زُرَارَةُ: الْحَمْدُ لله، قَدْ كُنَّا نَسْمَعُ أَنَّ الْقَائِمَ (عليه السلام) يُبَايَعُ مُسْتَكْرَهاً فَلَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ وَجْهَ اسْتِكْرَاهِهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ اسْتِكْرَاهٌ لَا إِثْمَ فِيهِ.
[٣٣٢/٢٦] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْقَمَّاطِ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مِنَ المَحْتُومِ الَّذِي لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبْلِ قِيَامِ الْقَائِمِ: خُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ، وَخَسْفٌ بِالْبَيْدَاءِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ، وَالمُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ».
[٣٣٣/٢٧] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ اِبْنِ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ نَاجِيَةَ الْقَطَّانِ(١١٨٣) أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ المُنَادِيَ يُنَادِي: إِنَّ المَهْدِيَّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، فَيُنَادِي الشَّيْطَانُ: إِنَّ فُلَاناً وَشِيعَتَهُ عَلَى الْحَقِّ - يَعْنِي رَجُلاً مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ -».
[٣٣٤/٢٨] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبَاحٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: إِنَّ فُلَاناً هُوَ الْأَمِيرُ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ عَلِيًّا وَشِيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزُونَ».
قُلْتُ: فَمَنْ يُقَاتِلُ المَهْدِيَّ بَعْدَ هَذَا(١١٨٤)؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٨٣) في بعض النُّسَخ: (ناجية العطَّار)، والظاهر كونه ناجية بن أبي عمارة، بقرينة رواية الحسن ابن عليِّ بن فضَّال عنه، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٤٧/ الرقم ١٦٣٢/٢) من أصحاب أبي جعفر الباقر (عليه السلام).
(١١٨٤) في بعض النُّسَخ: (فمن يقاتل القائم (عليه السلام) بعد هذا).
↑صفحة ٣٨٩↑
فَقَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يُنَادِي: إِنَّ فُلَاناً وَشِيعَتَهُ هُمُ الْفَائِزُونَ - لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ(١١٨٥) -».
قُلْتُ: فَمَنْ يَعْرِفُ الصَّادِقَ مِنَ الْكَاذِبِ؟
قَالَ: «يَعْرِفُهُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْوُونَ حَدِيثَنَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ يَكُونُ، قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، وَيَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ هُمُ المُحِقُّونَ الصَّادِقُونَ»(١١٨٦).
[٣٣٥/٢٩] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ، عَنِ المُثَنَّى(١١٨٧)، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): عَجِبْتُ أَصْلَحَكَ اللهُ، وَإِنِّي لَأَعْجَبُ مِنَ الْقَائِمِ كَيْفَ يُقَاتَلُ مَعَ مَا يَرَوْنَ مِنَ الْعَجَائِبِ، مِنْ خَسْفِ الْبَيْدَاءِ بِالْجَيْشِ، وَمِنَ النِّدَاءِ الَّذِي يَكُونُ مِنَ السَّمَاءِ؟
فَقَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَدَعُهُمْ حَتَّى يُنَادِيَ كَمَا نَادَى بِرَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَوْمَ الْعَقَبَةِ(١١٨٨)».
[٣٣٦/٣٠] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٨٥) في بعض النُّسَخ: (يعني رجلاً من بني أُميَّة).
(١١٨٦) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ٢٠١/ ح ٢٠٦).
(١١٨٧) هو المثنَّى بن الوليد الحنَّاط الكوفي الذي ذكره النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤١٤/ الرقم ١١٠٦) بقرينة رواية الحسن بن عليٍّ الخزَّاز عنه. وما في بعض النُّسَخ من (الميثمي) فهو تصحيف وقع من النُّسَّاخ.
(١١٨٨) المراد العقبة الثانية حيث إنَّ الشيطان - بعد بيعة النقباء له (صلّى الله عليه وآله وسلّم) - صرخ من رأس العقبة بأنفذ صوت: يا أهل الجباجب - أي المنازل -، هل لكم في مذمم والصباء معه، قد اجتمعوا على حربكم، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «هذا أزب العقبة، أتسمع أي عدوَّ الله، أمَا والله لأفرغنَّ لك». راجع: السيرة النبويَّة لابن هشام (ج ٢/ ص ٣٠٦ و٣٠٧).
↑صفحة ٣٩٠↑
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله(١١٨٩)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): إِنَّ الْجَرِيرِيَّ(١١٩٠) أَخَا إِسْحَاقَ يَقُولُ لَنَا: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: هُمَا نِدَاءَانِ، فَأَيُّهُمَا الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ؟
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «قُولُوا لَهُ: إِنَّ الَّذِي أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ - وَأَنْتَ تُنْكِرُ أَنَّ هَذَا يَكُونُ - هُوَ الصَّادِقُ(١١٩١)».
[٣٣٧/٣١] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «هُمَا صَيْحَتَانِ: صَيْحَةٌ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَصَيْحَةٌ فِي آخِرِ اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ».
قَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ ذَلِكَ؟
قَالَ: فَقَالَ: «وَاحِدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَوَاحِدَةٌ مِنْ إِبْلِيسَ».
فَقُلْتُ: وَكَيْفَ تُعْرَفُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ؟
فَقَالَ: «يَعْرِفُهَا مَنْ كَانَ سَمِعَ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ(١١٩٢)».
[٣٣٨/٣٢] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٨٩) يعني محمّد بن عبد الله بن زرارة، ذكر النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٦) في ضمن ترجمة رقم (٧٢) وهي ترجمة الحسن بن عليِّ بن فضَّال، قول عليِّ بن الريَّان: (وكان والله محمّد ابن عبد الله أصدق عندي لهجةً من أحمد بن الحسن، فإنَّه رجل فاضل ديِّن). وما في بعض النُّسَخ من (محمّد بن عبد الرحمن) تصحيف وقع من النُّسَّاخ.
(١١٩٠) في بعض النُّسَخ: (الحريزي).
(١١٩١) يعني يعرف ذلك من يعتقده قبل أنْ يكون، ومثلك لا يعرف المحقَّ من المبطل كما تُنكِره الآن. فالذي يُصدِّق قول الحقِّ الآن فقد يُصدِّق به إذا يكون. ويُؤيِّد ما قلناه الخبر الآتي.
(١١٩٢) أي من كان يُصدِّق بها قبل كونه، لأنَّه يؤمن بالغيب، والذين يؤمنون بالغيب لهم قوَّة التمييز بين الحقِّ والباطل.
↑صفحة ٣٩١↑
مَسْلَمَةَ الْجَرِيرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): إِنَّ النَّاسَ يُوَبِّخُونَّا وَيَقُولُونَ: مِنْ أَيْنَ يُعْرَفُ المُحِقُّ مِنَ المُبْطِلِ إِذَا كَانَتَا؟
فَقَالَ: «مَا تَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ؟».
قُلْتُ: فَمَا نَرُدُّ عَلَيْهِمْ شَيْئاً.
قَالَ: فَقَالَ: «قُولُوا لَهُمْ: يُصَدِّقُ بِهَا إِذَا كَانَتْ مَنْ كَانَ مُؤْمِناً يُؤْمِنُ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ»، قَالَ: «إِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [يونس: ٣٥]»(١١٩٣)،(١١٩٤).
[٣٣٩/٣٣] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ مِنْ كِتَابِهِ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٩٣) الكافي (ج ٨/ ص ٢٠٨/ ح ٢٥٢).
(١١٩٤) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ١٢/ ص ٢٧٧): (قوله: (يُوبِّخونا ويُكذِّبونا) أي المخالفون لنا. (أنا نقول: إنَّ صيحتين تكونان) عند ظهور القائم (عليه السلام)، صيحة في أوَّل اليوم بأنَّ فلان بن فلان وشيعته هم الفائزون، وصيحة في آخره بأنَّ عثمان وشيعته هم الفائزون كما سيأتي، وهاتان الصيحتان للاختبار والتمحيص. (قال: قولوا يُصدِّق لها) أي بالمحقَّة. (إذا كانت من كان يؤمن بها من قبل) أي من قبل وقوعها، وزادتهم إيماناً لمشاهدتهم وجود ما أخبر الصادقون بأنَّه سيوجد. (إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾) بما يقتضي صريح العقل بطلانه وأصل لا يهدي (لا يهتدي) أُبدلت التاء بعد إسكانها دالاً وأُدغمت وكُسِرَت الهاء لالتقاء الساكنين، ومن قرأ بفتح الهاء نقل فتح التاء إليها. ولعلَّ وجه انطباق الآية على ما ذُكِرَ أنَّ الموصول الأوَّل من له الصيحة الأُولى، والموصول الثاني من له الصيحة الثانية، والأوَّل أحقّ بالاتِّباع، وليس ذلك إلَّا لظهور الحقِّ في قلوب المستعدِّين لقبوله، وقد روي أنَّ الأوَّل أمير المؤمنين (عليه السلام)، والثاني الشيوخ الثلاثة كما مرَّ في الحجَّة. وربَّما يقال: الأوَّل هو لله سبحانه، والثاني أشرف آلهة المشركين كالملائكة ومسيح وعُزير، فإنَّهم لا يهتدون إلَّا أنْ يهديهم الله تعالى. ويُؤيِّده الآية السابقة عليها، والظاهر أنَّ الجميع حقٌّ، لأنَّ الآية قد يكون لها وجوه متعدِّدة كلُّها صحيحة).
↑صفحة ٣٩٢↑
رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ بَيَّاعُ السَّابِرِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ خَالِدٍ الْخَزَّازُ جَمِيعاً، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عُثْمَانَ(١١٩٥)، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّهُ يُنَادِي بِاسْمِ صَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَلَا إِنَّ الْأَمْرَ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، فَفِيمَ الْقِتَالُ؟».
[٣٤٠/٣٤] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ اِبْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ بِنَهَاوَنْدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «لَا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ الَّذِي تَمُدُّونَ إِلَيْهِ أَعْنَاقَكُمْ حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَلَا إِنَّ فُلَاناً صَاحِبُ الْأَمْرِ، فَعَلَامَ الْقِتَالُ؟».
[٣٤١/٣٥] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ اِبْنِ إِبْرَاهِيمَ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيُّ، قَالُوا جَمِيعاً: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ الزَّرَّادُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «يَشْمَلُ النَّاسَ مَوْتٌ وَقَتْلٌ حَتَّى يَلْجَأَ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الْحَرَمِ، فَيُنَادِي مُنَادٍ صَادِقٌ مِنْ شِدَّةِ الْقِتَالِ(١١٩٦): فِيمَ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ؟! صَاحِبُكُمْ فُلَانٌ».
[٣٤٢/٣٦] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ الْعَلَاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «السُّفْيَانِيُّ وَالْقَائِمُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٩٥) في بعض النُّسَخ: (حمَّاد بن عيسى)، والصواب ما في المتن، لرواية محمّد بن الوليد عنه كثيراً، وعدم روايته عن حمَّاد بن عيسى.
(١١٩٦) في بعض النُّسَخ: (من شدَّة البلاء).
↑صفحة ٣٩٣↑
[٣٤٣/٣٧] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ اِبْنِ يَعْقُوبَ الْجُعْفِيُّ أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبِ بْنِ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «بَيْنَا النَّاسُ وُقُوفٌ بِعَرَفَاتٍ إِذْ أَتَاهُمْ رَاكِبٌ عَلَى نَاقَةٍ ذِعْلِبَةٍ يُخْبِرُهُمْ بِمَوْتِ خَلِيفَةٍ يَكُونُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَرَجُ آلِ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَفَرَجُ النَّاسِ جَمِيعاً».
وَقَالَ (عليه السلام): «إِذَا رَأَيْتُمْ عَلَامَةً فِي السَّمَاءِ نَاراً عَظِيمَةً مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ تَطْلُعُ لَيَالِيَ، فَعِنْدَهَا فَرَجُ النَّاسِ، وَهِيَ قُدَّامَ الْقَائِمِ (عليه السلام) بِقَلِيلٍ».
[٣٤٤/٣٨] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ الْوَرَّاقِ الْجُرْجَانِيِّ(١١٩٧)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: سَأَلَ ابْنُ الْكَوَّاءِ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) عَنِ الْغَضَبِ.
فَقَالَ: «هَيْهَاتَ الْغَضَبُ هَيْهَاتَ، مَوْتَاتٌ بَيْنَهُنَّ مَوْتَاتٌ، وَرَاكِبُ الذِّعْلِبَةِ، وَمَا رَاكِبُ الذِّعْلِبَةِ، مُخْتَلِطٌ جَوْفُهَا بِوَضِينِهَا، يُخْبِرُهُمْ بِخَبَرٍ فَيَقْتُلُونَهُ، ثُمَّ الْغَضَبُ عِنْدَ ذَلِكَ»(١١٩٨)،(١١٩٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١١٩٧) لم أجده بهذا العنوان، ولعلَّه أحمد بن محمّد بن أحمد، أبو عليٍّ الجرجاني، نزيل مصر، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٨٦/ الرقم ٢٠٨): (كان ثقةً في حديثه، ورعاً، لا يُطعَن عليه، سمع الحديث وأكثر من أصحابنا والعامَّة. ذكر أصحابنا أنَّه وقع إليهم من كُتُبه كتاب كبير في ذكر من روى من طُرُق أصحاب الحديث أنَّ المهدي من ولد الحسين (عليه السلام)، وفيه أخبار القائم (عليه السلام)).
(١١٩٨) أمالي الطوسي ص ٢٣٠/ ح ٤٠٧/٥٧) بتفاوت.
(١١٩٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٤٠): (الذِّعلبة - بالكسر -: الناقة السريعة. قال الجزري: الوضين بطان منسوج بعضه على بعض يُشَدُّ به الرحل على البعير كالحزام على السرج، ومنه الحديث: «إليك تغدو قلقاً وضينها»، أراد أنَّها هزلت ودقَّت للسير عليها، انتهى. أقول: في الخبر يحتمل أنْ يكون كناية عن السمن، أو الهزال، أو كثرة سير الراكب عليها وإسراعه).
↑صفحة ٣٩٤↑
[٣٤٥/٣٩] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ اِبْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَسْلَمَ المَكِّيِّ(١٢٠٠)، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: يُقْتَلُ خَلِيفَةٌ مَا لَهُ فِي السَّمَاءِ عَاذِرٌ، وَلَا فِي الْأَرْضِ نَاصِرٌ، وَيُخْلَعُ خَلِيفَةٌ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَرْضِ شَيْءٌ، وَيُسْتَخْلَفُ ابْنُ السَّبِيَّةِ.
قَالَ: فَقَالَ أَبُو الطُّفَيْلِ: يا بن أُخْتِي، لَيْتَنِي أَنَا وَأَنْتَ مِنْ كُورِهِ(١٢٠١).
قَالَ: قُلْتُ: وَلِـمَ تَتَمَنَّى - يَا خَالِ - ذَلِكَ؟
قَالَ: لِأَنَّ حُذَيْفَةَ حَدَّثَنِي أَنَّ المُلْكَ يَرْجِعُ فِي أَهْلِ النُّبُوَّةِ.
[٣٤٦/٤٠] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ اِبْنِ يَعْقُوبَ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ (عليه السلام) عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فُصِّلت: ٥٣]، فَقَالَ: «يُرِيهِمْ فِي أَنْفُسِهِمُ المَسْخَ، وَيُرِيهِمْ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٠٠) في بعض النُّسَخ: (حصين المكِّي)، وفي بعضها: (حَكَم المكِّي)، وكلاهما تصحيف، والصواب كما يظهر من نسخة مخطوطة: (أسلم المكِّي)، وهو مولى محمّد بن الحنفيَّة.
(١٢٠١) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (من كورة) بالتاء المنقوطة المدوَّرة، والمراد: من أهل زمانه. والكور - بفتح الكاف -: الجماعة الكثيرة من الإبل والقطيع من الغنم. والكورة - بالضمِّ -: المدينة والصقع والبقعة التي يجتمع فيها قرى ومحال، جمعها: كُوَر كتُحَف. ولعلَّ المراد الكرَّة، ومعناه الرجعة.
↑صفحة ٣٩٥↑
الْآفَاقِ انْتِقَاصَ الْآفَاقِ عَلَيْهِمْ، فَيَرَوْنَ قُدْرَةَ الله فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي الْآفَاقِ، وَقَوْلِهِ: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ خُرُوجَ الْقَائِمِ، هُوَ الْحَقُّ مِنَ الله (عزَّ وجلَّ)، يَرَاهُ هَذَا الْخَلْقُ لَابُدَّ مِنْهُ»(١٢٠٢)،(١٢٠٣).
[٣٤٧/٤١] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ المُخْتَارِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [فُصِّلت: ١٦]، وَفِي الْآخِرَةِ، مَا هُوَ عَذَابُ خِزْيِ الدُّنْيَا؟
فَقَالَ: «وَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى - يَا أَبَا بَصِيرٍ - مِنْ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَحِجَالِهِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ وَسْطَ عِيَالِهِ إِذْ شَقَّ أَهْلُهُ الْجُيُوبَ عَلَيْهِ وَصَرَخُوا، فَيَقُولُ النَّاسُ: مَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: مُسِخَ فُلَانٌ السَّاعَةَ؟».
فَقُلْتُ: قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ (عليه السلام) أَوْ بَعْدَهُ؟
قَالَ: «لَا، بَلْ قَبْلَهُ».
[٣٤٨/٤٢] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ الْوَرَّاقِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ السَّرَّاجِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): مَتَى فَرَجُ شِيعَتِكُمْ؟
قَالَ: «إِذَا اخْتَلَفَ وُلْدُ الْعَبَّاسِ، وَوَهَى سُلْطَانُهُمْ، وَطَمِعَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٠٢) الكافي (ج ٨/ ص ٣٨١/ ح ٥٧٥).
(١٢٠٣) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ١٢/ ص ٥٥١): (قوله: (قال: يريهم في أنفسهم المسخ، ويريهم في الآفاق انتقاص الآفاق عليهم) لعلَّ المسخ إشارة إلى ما روي عنهم (عليهم السلام) أنَّ كلَّ من مات من بني أُميَّة مُسِخَ وزغاً عند موته. وشاهد ذلك من حضره وقد مرَّ، وانتقاص الآفاق إشارة إلى غلبة أبي مسلم وبني عبَّاس عليهم، أو إلى غلبة الصاحب (عليه السلام) عليهم والتجائهم إلى حاكم الروم وهو نصراني وردِّه إيَّاهم بعد تنصُّرهم إلى الصاحب (عليه السلام) فيقتلهم جميعاً، وقد مرَّ أيضاً).
↑صفحة ٣٩٦↑
يَطْمَعُ، وَخَلَعَتِ الْعَرَبُ أَعِنَّتَهَا، وَرَفَعَ كُلُّ ذِي صِيصِيَةٍ صِيصِيَتَهُ، وَظَهَرَ السُّفْيَانِيُّ، وَأَقْبَلَ الْيَمَانِيُّ، وَتَحَرَّكَ الْحَسَنِيُّ، خَرَجَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ مِنَ المَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ بِتُرَاثِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
قُلْتُ: وَمَا تُرَاثُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
فَقَالَ: «سَيْفُهُ، وَدِرْعُهُ، وَعِمَامَتُهُ، وَبُرْدُهُ، وَرَايَتُهُ، وَقَضِيبُهُ، وَفَرَسُهُ، وَلَأْمَتُهُ، وَسَرْجُهُ».
[٣٤٩/٤٣] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اِبْنِ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيُّ، قَالُوا جَمِيعاً: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): مَتَى فَرَجُ شِيعَتِكُمْ؟
فَقَالَ: «إِذَا اخْتَلَفَ وُلْدُ الْعَبَّاسِ، وَوَهَى سُلْطَانُهُمْ...» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى ذِكْرِ اللَّأْمَةِ وَالسَّرْجِ، وَزَادَ فِيهِ: «حَتَّى يَنْزِلَ بِأَعْلَى مَكَّةَ، فَيُخْرِجَ السَّيْفَ مِنْ غِمْدِهِ، وَيَلْبَسَ الدِّرْعَ، وَيَنْشُرَ الرَّايَةَ وَالْبُرْدَةَ، وَيَعْتَمَّ بِالْعِمَامَةِ، ويَتَنَاوَلَ الْقَضِيبَ بِيَدِهِ، وَيَسْتَأْذِنَ اللهَ فِي ظُهُورِهِ، فَيَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ بَعْضُ مَوَالِيهِ، فَيَأْتِي الْحَسَنِيُّ فَيُخْبِرُهُ الْخَبَرَ، فَيَبْتَدِرُهُ الْحَسَنِيُّ إِلَى الْخُرُوجِ، فَيَثِبُ عَلَيْهِ أَهْلُ مَكَّةَ فَيَقْتُلُونَهُ، وَيَبْعَثُونَ بِرَأْسِهِ إِلَى الشَّامِيِّ، فَيَظْهَرُ عِنْدَ ذَلِكَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ، فَيُبَايِعُهُ النَّاسُ وَيَتَّبِعُونَهُ، وَيَبْعَثُ عِنْدَ ذَلِكَ الشَّامِيُّ جَيْشاً إِلَى المَدِينَةِ، فَيُهْلِكُهُمُ اللهُ دُونَهَا، وَيَهْرُبُ مِنَ المَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ مَنْ كَانَ بِالمَدِينَةِ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ (عليه السلام) إِلَى مَكَّةَ، فَيَلْحَقُونَ بِصَاحِبِ الْأَمْرِ، وَيُقْبِلُ صَاحِبُ الْأَمْرِ نَحْوَ الْعِرَاقِ، وَيَبْعَثُ جَيْشاً إِلَى المَدِينَةِ، فَيَأْمُرُ أَهْلَهَا، فَيَرْجِعُونَ إِلَيْهَا»(١٢٠٤)،(١٢٠٥).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٠٤) الكافي (ج ٨/ ص ٢٢٤ و٢٢٥/ ح ٢٨٥).
(١٢٠٥) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ١٢/ ص ٣٠١): (قوله: (إذا ←
↑صفحة ٣٩٧↑
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
→ اختلف ولد العبَّاس) أي جاء بعضهم بعد بعض وقام بأمر الإمارة والسلطنة. (ووهى سلطانهم) وهي كوعى وولى تخرَّق وانشقَّ واسترخى رباطه وضعف. (وطمع فيهم) أي في هضمهم وملكهم. (من لم يكن يطمع فيهم) وهو هلاكو، وقد نهض إليهم من بلاد الترك وما وراء النهر بتقدير إلهي، وإذا أراد الله أمراً فلا مردَّ له. (وخلعت العرب أعنَّتها) العنان ككتاب سير اللجام الذي تُمسَك به الدابَّة، والجمع أعنَّة، وكأنَّ خلعها كناية عن الذلِّ والانكسار والخوف والفرار. (ورفع كلُّ ذي صيصية صيصيته) هي بالتخفيف قرن البقر، وما خلف رجل، الديك والحصن، والجمع الصياصي، وكأنَّه كناية عن قيام كلِّ ذي قوَّة لطلب الملك والرئاسة، أو عن رفع السلاح مثل الأسنَّة والرماح وغيرهما، أو عن رفع الحصون والقلاع حفظاً من تسلُّط الأعداء، والغرض هو الإشارة إلى شدَّة ذلك الزمان وصعوبة الأمر فيه. (وظهر الشامي) كأنَّه السفياني الدجَّال. (وأقبل اليماني) إلى العراق. (وتحرَّك الحسني) من مكَّة لإرادة الخروج. (خرج صاحب هذا الأمر من المدينة إلى مكَّة) جزاء لقوله: (إذا اختلف...) إلى آخره. (بتراث رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)) التراث - بالضمِّ -: الميراث، وأصله وراث قُلِبَت الواو ياءً للتخفيف. والدرع معروف، وهو المنسوج من الحديد، وقد يُذكَّر ويُؤنَّث. والبرد - بالضمِّ -: ثوب مخطَّط، وأكسية يُلتحَف بها، الواحدة بردة. والقضيب: العود، والسيف اللطيف الدقيق القاطع. واللأمة - بالهمز -: أداة الحرب كالمغفر والدرع ونحوهما. (فيخرج السيف من غمده) يخرج إمَّا من الإخراج، وفاعله ضمير الصاحب (عليه السلام)، أو من الخروج، والسيف فاعله، فيكون ذلك علامة لظهوره (عليه السلام). (وينشر الراية) النشر خلاف الطيِّ كالتنشير. (والبردة والعمامة) الأنسب أنَّه عطف على الدرع، فيدلُّ على جواز العطف على جزء جملة بعد الفصل بجملة أُخرى، والعطف على الراية بعيد. (فيطَّلع على ذلك بعض مواليه) الأنسب أنَّ ضمير (مواليه) عائد إلى (الحسني) المذكور سابقاً، وعوده إلى الصاحب بعيد جدًّا. (فيظهر عند ذلك صاحب هذا الأمر) روى الصدوق في كتاب كمال الدِّين بإسناده عن أبي بصير، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «يخرج القائم (عليه السلام) يوم السبت يوم عاشورا اليوم الذي قُتِلَ فيه الحسين (عليه السلام)». (ويبعث الشامي عند ذلك جيشاً إلى المدينة فيُهلِكهم الله (عزَّ وجلَّ) دونها) بالبيداء بالخسف كما روي. (ويقبل صاحب هذا الأمر نحو العراق) أي الكوفة مع عصا موسى والحجر الذي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً، ومنه طعامهم وشرابهم، كما روي).
↑صفحة ٣٩٨↑
[٣٥٠/٤٤] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ حَكِيمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الرِّضَا (عليه السلام) يَقُولُ: «قَبْلَ هَذَا الْأَمْرِ بَيُوحٌ».
فَلَمْ أَدْرِ مَا الْبَيُوحُ، فَحَجَجْتُ، فَسَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ: هَذَا يَوْمٌ بَيُوحٌ.
فَقُلْتُ لَهُ: مَا الْبَيُوحُ؟
فَقَالَ: الشَّدِيدُ الْحَرُّ(١٢٠٦).
[٣٥١/٤٥] أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدٍ ابْنَيِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ بَدْرِ اِبْنِ الْخَلِيلِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليهما السلام)، فَذَكَرَ آيَتَيْنِ تَكُونَانِ قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ (عليه السلام) لَمْ تَكُونَا مُنْذُ أَهْبَطَ اللهُ آدَمَ (صلوات الله عليه) أَبَداً، وَذَلِكَ أَنَّ الشَّمْسَ تَنْكَسِفُ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْقَمَرَ فِي آخِرِهِ.
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يا بن رَسُولِ الله، لَا بَلِ الشَّمْسُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَالْقَمَرُ فِي النِّصْفِ.
فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «إِنِّي لَأَعْلَمُ بِالَّذِي أَقُولُ، إِنَّهُمَا آيَتَانِ لَمْ تَكُونَا مُنْذُ هَبَطَ آدَمُ (عليه السلام)»(١٢٠٧)،(١٢٠٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٠٦) في بحار الأنوار: (البئوح)، ولم أجده في اللغة بهذا المعنى، إنَّما فيها: (بوح) وزان بوق، بمعنى الشمس، وكأنَّه مفرد على وزن صبور. وفي قرب الإسناد (ص ٣٨٤/ ح ١٣٥٣) عن ابن عيسى، عن البزنطي، عن الرضا (عليه السلام)، قال: «قُدَّام هذا الأمر قتل بيوح»، قلت: وما البيوح؟ قال: «دائم لا يفتر». وفي القاموس المحيط (ج ١/ ص ٢١٦): (البوح - بالضمِّ -: الاختلاط في الأمر، وباح: ظهر، وبسرِّه بوحاً وبؤوحاً وبؤوحةً: أظهره كأباحه، وهو بؤوح بما في صدره، واستباحهم: استأصلهم).
(١٢٠٧) الكافي (ج ٨/ ص ٢١٢/ ح ٢٥٨)، الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٧٤)، الغيبة للطوسي (ص ٤٤٤ و٤٤٥/ ح ٤٣٩).
(١٢٠٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ١٢/ ص ٢٨١ و٢٨٢): (قوله: (تنكسف الشمس في النصف من شهر رمضان والقمر في آخره، فقال رجل: يا بن رسول الله، تنكسف الشمس في آخر الشهر، والقمر في النصف) وذلك لأنَّ كسوف الشمس على ما هو المعروف بتوسُّط جرم القمر بينها وبين الناظرين، ولا يتحقَّق التوسُّط إلَّا في آخر الشهر، لأنَّ الشمس والقمر في آخر الشهر يجتمعان في درجة واحدة، وأمَّا في غيره فهما متفارقان. والقمر ينكسف في النصف، لأنَّ نوره مستفاد من الشمس، وفي النصف قد تقع الأرض واسطة بين مركزيهما فتمنع من وصول نور الشمس إليه. وعلى هذا فكسوف الشمس في النصف والقمر في الآخرة علامة من علامات قيام الصاحب (عليه السلام)، ولعلَّ الكسوف حينئذٍ أثر يخلقه الله تعالى في جرمهما من غير سبب ولا ربط كما هو مذهب طائفة في كسوفهما، أو لإزالة الفلك من مجراه فيدخل الشمس والقمر في البحر الذي بين السماء والأرض فيطمس ضوءهما كما نُقِلَ ذلك عن سيِّد العابدين (عليه السلام)).
↑صفحة ٣٩٩↑
[٣٥٢/٤٦] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ النَّاشِرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَيْمَنَ، عَنْ وَرْدٍ(١٢٠٩) - أَخِي الْكُمَيْتِ -، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ هَذَا الْأَمْرِ انْكِسَافَ الْقَمَرِ لِخَمْسٍ تَبْقَى، وَالشَّمْسِ لِخَمْسَ عَشْرَةَ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَعِنْدَهُ يَسْقُطُ حِسَابُ المُنَجِّمِينَ»(١٢١٠).
[٣٥٣/٤٧] وَ...(١٢١١)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٠٩) هو ورد بن زيد الأسدي الكوفي، أخو كميت بن زيد، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ١٤٨/ الرقم ١٦٣٩/٢) من أصحاب أبي جعفر الباقر (عليه السلام). وما في بعض النُّسَخ من (وردان) أو (داود) تصحيف وقع من الكُتَّاب.
(١٢١٠) كمال الدِّين (ص ٦٥٥/ باب ٥٧/ ح ٢٥).
(١٢١١) كذا، وفيه سقط، والمؤلِّف (رحمه الله) يروي عن الحسن بن عليِّ بن أبي حمزة بواسطة أحمد بن محمّد بن سعيد، عن أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي، عن إسماعيل بن مهران، عنه عن أبيه عليٍّ. والسقط هنا إمَّا من المؤلِّف (رحمه الله)، إذ ليس من دأبهم إذا لم يكن السند معلَّقاً على الذي قبله ذلك، وإمَّا من النُّسَّاخ.
↑صفحة ٤٠٠↑
الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «عَلَامَةُ خُرُوجِ المَهْدِيِّ كُسُوفُ الشَّمْسِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْهُ».
[٣٥٤/٤٨] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ سَهْلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ [المعارج: ١]، قَالَ: «تَأْوِيلُهَا فِيمَا يَأْتِي، عَذَابٌ يَقَعُ فِي الثُّوَيَّةِ(١٢١٢) - يَعْنِي نَاراً - حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْكُنَاسَةِ - كُنَاسَةِ بَنِي أَسَدٍ(١٢١٣) -، حَتَّى تَمُرَّ بِثَقِيفٍ، لَا تَدَعُ وَتْراً لآِلِ مُحَمَّدٍ إِلَّا أَحْرَقَتْهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ خُرُوجِ الْقَائِمِ (عليه السلام)».
[٣٥٥/٤٩] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «كَيْفَ تَقْرَءُونَ هَذِهِ السُّورَةَ؟».
قُلْتُ: وَأَيَّةُ سُورَةٍ؟
قَالَ: «سُورَةُ ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾»، فَقَالَ: «لَيْسَ هُوَ ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ إِنَّمَا هُوَ (سَالَ سَيْلٌ)، وَهِيَ نَارٌ تَقَعُ فِي الثُّوَيَّةِ، ثُمَّ تَمْضِي إِلَى كُنَاسَةِ بَنِي أَسَدٍ، ثُمَّ تَمْضِي إِلَى ثَقِيفٍ، فَلَا تَدَعُ وَتْراً لآِلِ مُحَمَّدٍ إِلَّا أَحْرَقَتْهُ(١٢١٤)».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢١٢) في مراصد الاطِّلاع (ج ١/ ص ٣٠٢): (الثوية: موضع قريب من الكوفة، وقيل: بالكوفة، وقيل: خريبة إلى جانب الحيرة على ساعة منها).
(١٢١٣) الكُناسة: محلَّة بالكوفة عندها أوقع يوسف بن عمرو الثقفي - والي العراق من قِبَل هشام بن عبد المَلِك - زيد بن عليِّ بن الحسين (عليهما السلام)، وقصَّته مشهورة في التاريخ.
(١٢١٤) كأنَّه سأل أبو جعفر (عليه السلام) من الراوي عمَّا تضمَّنته الآية أهو ما وقع فيما مضى أو يقع فيما يأتي بعد. ثمّ أشار إلى ما قد يوقع من مصاديق الآية. وفي تفسير القمِّي (ج ٢/ ص ٣٨٥): سُئِلَ أبو جعفر (عليه السلام) عن معنى الآية، فقال: «نار تخرج من المغرب، ومَلِك يسوقها من خلفها حتَّى تأتى دار بني سعد بن همَّام عند مسجدهم، فلا تدع داراً لبني أُميَّة إلَّا أحرقتها وأهلها، ولا تدع داراً فيها وتر لآل محمد إلَّا أحرقتها، وذلك المهدي (عليه السلام)».
↑صفحة ٤٠١↑
[٣٥٦/٥٠] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَخِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ(١٢١٥)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُوسَى، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَامٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كَأَنِّي بِقَوْمٍ قَدْ خَرَجُوا بِالمَشْرِقِ يَطْلُبُونَ الْحَقَّ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، ثُمَّ يَطْلُبُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، فَإِذَا رَأَوْا ذَلِكَ وَضَعُوا سُيُوفَهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوهُ، فَلَا يَقْبَلُونَهُ حَتَّى يَقُومُوا، وَلَا يَدْفَعُونَهَا إِلَّا إِلَى صَاحِبِكُمْ، قَتْلَاهُمْ شُهَدَاءُ، أَمَا إِنِّي لَوْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ لَاسْتَبْقَيْتُ نَفْسِي لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ».
[٣٥٧/٥١] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ زِيَادٍ الْقَنْدِيِّ، عَنِ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ مَعْرُوفِ بْنِ خَرَّبُوذَ، قَالَ: مَا دَخَلْنَا عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) قَطُّ إِلَّا قَالَ: «خُرَاسَانَ خُرَاسَانَ، سِجِسْتَانَ سِجِسْتَانَ»، كَأَنَّهُ يُبَشِّرُنَا بِذَلِكَ.
[٣٥٨/٥٢] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ(١٢١٦)، عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِذَا ظَهَرَتْ بَيْعَةُ الصَّبِيِّ قَامَ كُلُّ ذِي صِيصِيَةٍ بِصِيصِيَتِهِ».
[٣٥٩/٥٣] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢١٥) في النُّسَخ: (عن أبيه ومحمّد بن الحسن)، وكأنَّه (أبيه و) زائد، والصواب: (عليُّ بن الحسن، عن محمّد بن الحسن، عن أبيه)، وهو المعمول في أسانيد الكتاب، فإنَّ ابن فضَّال كان يروي بواسطة أخويه محمّد وأحمد عن أبيه.
(١٢١٦) يعني به أحمد بن عمر بن أبي شعبة، وثَّقه النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٩٨/الرقم ٢٤٥).
↑صفحة ٤٠٢↑
قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «مَا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى لَا يَبْقَى صِنْفٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا وَقَدْ وُلُّوا عَلَى النَّاسِ(١٢١٧)، حَتَّى لَا يَقُولَ قَائِلٌ: إِنَّا لَوْ وُلِّينَا لَعَدَلْنَا، ثُمَّ يَقُومُ الْقَائِمُ بِالْحَقِّ وَالْعَدْلِ».
[٣٦٠/٥٤] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): النِّدَاءُ حَقٌّ؟
قَالَ: «إِي وَالله حَتَّى يَسْمَعَهُ كُلُّ قَوْمٍ بِلِسَانِهِمْ».
وَقَالَ (عليه السلام): «لَا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَذْهَبَ تِسْعَةُ أَعْشَارِ النَّاسِ(١٢١٨)».
[٣٦١/٥٥] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ الله بْنِ الْعَلَاءِ(١٢١٩)، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) حَدَّثَ عَنْ أَشْيَاءَ تَكُونُ بَعْدَهُ إِلَى قِيَامِ الْقَائِمِ.
فَقَالَ الْحُسَيْنُ: «يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، مَتَى يُطَهِّرُ اللهُ الْأَرْضَ مِنَ الظَّالِمِينَ؟».
فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «لَا يُطَهِّرُ اللهُ الْأَرْضَ مِنَ الظَّالِمِينَ حَتَّى يُسْفَكَ الدَّمُ الْحَرَامُ...»، ثُمَّ ذَكَرَ أَمْرَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ بِخُرَاسَانَ، وَغَلَبَ عَلَى أَرْضِ كُوفَانَ(١٢٢٠) وَمُلْتَانَ(١٢٢١)، وَجَازَ جَزِيرَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢١٧) أي لا يبقى نوع من أنواع الحكومة إلَّا وقد عُمِلَ به في البسيطة غير الحكومة الحقَّة الإلهيَّة التي يقول بها الشيعة الإماميَّة الاثنا عشريَّة.
(١٢١٨) في بعض النُّسَخ: (حتَّى يهلك تسعة أعشار الناس).
(١٢١٩) في بعض النُّسَخ: (إبراهيم بن عبد الله بن العلاء)، والمظنون أنَّ كليهما تصحيف، والصواب: (إبراهيم بن عبد الحميد بن أبي العلاء)، والله أعلم.
(١٢٢٠) كوفان: اسم للكوفة، وفي بعض النُّسَخ: (كرمان).
(١٢٢١) مُلتان - بضمِّ الميم -: مدينة من الهند قرب غزنة، قال البغدادي في مراصد الاطِّلاع (ج ٣/ ص ١٣٠٥): (أهلها مسلمون منذ قديم).
↑صفحة ٤٠٣↑
بَنِي كَاوَانَ(١٢٢٢)، وَقَامَ مِنَّا قَائِمٌ بِجِيلَانَ، وَأَجَابَتْهُ الْآبُرُ(١٢٢٣) وَالدَّيْلَمَانُ(١٢٢٤)، وَظَهَرَتْ لِوَلَدِي رَايَاتُ التُّرْكِ مُتَفَرِّقَاتٍ فِي الْأَقْطَارِ وَالْجَنَبَاتِ(١٢٢٥)، وَكَانُوا بَيْنَ هَنَاتٍ وَهَنَاتٍ(١٢٢٦)، إِذَا خَرِبَتِ الْبَصْرَةُ، وَقَامَ أَمِيرُ الْإِمْرَةِ بِمِصْرَ».
فَحَكَى (عليه السلام) حِكَايَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ قَالَ: «إِذَا جُهِّزَتِ الْأُلُوفُ، وَصُفَّتِ الصُّفُوفُ، وُقُتِلَ الْكَبْشُ الْخَرُوفَ(١٢٢٧)، هُنَاكَ يَقُومُ الْآخِرُ، وَيَثُورُ الثَّائِرُ، وَيَهْلِكُ الْكَافِرُ، ثُمَّ يَقُومُ الْقَائِمُ المَأْمُولُ، وَالْإِمَامُ المَجْهُولُ، لَهُ الشَّرَفُ وَالْفَضْلُ، وَهُوَ مِنْ وُلْدِكَ يَا حُسَيْنُ، لَا ابْنَ مِثْلُهُ(١٢٢٨)، يَظْهَرُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ فِي دَرِيسَيْنِ(١٢٢٩) بَالِيَيْنِ(١٢٣٠)، يَظْهَرُ عَلَى الثَّقَلَيْنِ، وَلَا يَتْرُكُ فِي الْأَرْضِ دَمَيْنِ(١٢٣١)، طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَ زَمَانَهُ، وَلَحِقَ أَوَانَهُ، وَشَهِدَ أَيَّامَهُ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٢٢) في مراصد الاطِّلاع (ج ١/ ص ٣٣٣): (جزيرة كاوان: ويقال جزيرة بنى كاوان: جزيرة عظيمة يقال لها: جزيرة لافت، وهي في بحر فارس بين عمان والبحرين، كان بها قرى ومزارع، وهي الآن خراب).
(١٢٢٣) في مراصد الاطِّلاع (ج ١/ ص ١): (آبر: قرية من قرى سجستان).
(١٢٢٤) في جلِّ النُّسَخ: (الديلم)، والديلمان: جمع الديلم بلغة الفرس، من قرى أصفهان بناحية جرجان، كما في مراصد الاطِّلاع (ج ٢/ ص ٥٨٠).
(١٢٢٥) في بعض النُّسَخ: (والحرمات).
(١٢٢٦) هنات وهنوات جمع هنيئة بمعنى ساعة يسيرة، أو من قولهم: في فلان هنات، أي خصلات شرٍّ. راجع: الصحاح للجوهري (ج ٦/ ص ٢٥٣٦/ مادَّة هنو).
(١٢٢٧) في لسان العرب (ج ٩/ ص ٦٦/ مادَّة خرف): (الخَرُوفُ : ولد الحَمَلِ، وقيل: هو دونَ الجَذَعِ من الضأْنِ خاصَّة).
(١٢٢٨) في بعض النُّسَخ: (لا، أين مثله؟).
(١٢٢٩) في الصحاح للجوهري (ج ٣/ص ٩٢٨/مادَّة درس): (الدريس، وهو الثوب الخلق).
(١٢٣٠) البالي: الخلق من الثياب.
(١٢٣١) كذا في جلِّ النُّسَخ، وفي بعضها: (الأدنين) كما في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٣٥ و٢٣٦/ ح ١٠٤)، وفي نسخة: (لا يترك في الأرض شرًّا)، وكأنَّ الكلمة في الأصل غير مقروءة فكتبها كلٌّ على حسب اجتهاده مع تصرُّف، ويحتمل كونه: (ولا يترك في الأرض دينين) أو (ولا يترك في الأرض المين) بمعنى الكذب، والأصوب أنَّ الجملة في الأصل كانت: (ولا يترك الأرض بلا مين) فصُحِّفت، يعني لا يترك الأرض بلا حرث ولا زراعة، ففي اللغة: مان الأرض ميناً، شقَّها وحرثها للزراعة. وهذا مؤيَّد بروايات أُخَر.
↑صفحة ٤٠٤↑
[٣٦٢/٥٦] مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ الْفَزَارِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ(١٢٣٢)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «إِذَا كَانَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَهْبَطَ الرَّبُّ تَعَالَى مَلَكاً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ جَلَسَ ذَلِكَ المَلَكُ عَلَى الْعَرْشِ فَوْقَ الْبَيْتِ المَعْمُورِ(١٢٣٣)، وَنَصَبَ لِمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (عليهم السلام) مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، فيَصْعَدُونَ عَلَيْهَا، وَتُجْمَعُ لَهُمُ المَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ وَالمُؤْمِنُونَ، وَتُفَتَّحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ قَالَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): يَا رَبِّ، مِيعَادَكَ الَّذِي وَعَدْتَ بِهِ فِي كِتَابِكَ، وَهُوَ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾ [النور: ٥٥]، ثُمَّ يَقُولُ المَلَائِكَةُ وَالنَّبِيُّونَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَخِرُّ مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سُجَّداً، ثُمَّ يَقُولُونَ: يَا رَبِّ، اغْضَبْ فَإِنَّهُ قَدْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٣٢) يعني محمّد بن أحمد بن يحيى بن عمران بن عبد الله بن سعد الأشعري القمِّي، أبو جعفر، كما صرَّح به في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٩٧/ ح ٥٤)، ذكره النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٤٨/ الرقم ٩٣٩)، قائلاً: (كان ثقةً في الحديث، إلَّا أنَّ أصحابنا قالوا: كان يروي عن الضعفاء، ويعتمد المراسيل، ولا يبالي عمَّن أخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء).
(١٢٣٣) البيت المعمور هو في السماء الرابعة بحيال الكعبة، وهو الضراح يدخله كلَّ يوم سبعون ألف مَلَك، ثمّ لا يعودون إليه أبداً، وقيل: هو الكعبة لكونها معمورة بالحُجَّاج والعُمَّار. راجع: تفسير مجمع البيان (ج ٩/ ص ٢٧٢).
↑صفحة ٤٠٥↑
هُتِكَ حَرِيمُكَ، وَقُتِلَ أَصْفِيَاؤُكَ(١٢٣٤)، وَأُذِلَّ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، فَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ، وَذَلِكَ يَوْمٌ مَعْلُومٌ».
[٣٦٣/٥٧] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ اِبْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ المُخْتَارِ، عَنْ خَالِدٍ الْقَلَانِسِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا هُدِمَ حَائِطُ مَسْجِدِ الْكُوفَةِ مِنْ مُؤَخَّرِهِ مِمَّا يَلِي دَارَ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ زَوَالُ مُلْكِ بَنِي فُلَانٍ، أَمَا إِنَّ هَادِمَهُ لَا يَبْنِيهِ»(١٢٣٥).
[٣٦٤/٥٨] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقُومُ الْقَائِمُ حَتَّى يَقُومَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً كُلُّهُمْ يُجْمِعُ عَلَى قَوْلِ أَنَّهُمْ قَدْ رَأَوْهُ، فَيُكَذِّبُهُمْ».
[٣٦٥/٥٩] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيُّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ(١٢٣٦)، عَنْ مُعَاذِ بْنِ مَطَرٍ(١٢٣٧)، عَنْ رَجُلٍ، قَالَ - وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا مِسْمَعاً أَبَا سَيَّارٍ -، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «قَبْلَ قِيَامِ الْقَائِمِ تَحَرَّكَ حَرْبُ قَيْسٍ(١٢٣٨)».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٣٤) في بعض النُّسَخ: (انهتك حريمك، وذلَّ أصفياؤك).
(١٢٣٥) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٧٥)، الغيبة للطوسي (ص ٤٤٦/ ح ٤٤٢)، الخرائج والجرائح (ج ٣/ ص ١١٦٣).
(١٢٣٦) عليُّ بن محمّد هو أبو الحسن السوَّاق ظاهراً، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٥٩/ الرقم ٦٧٩): (كان ثقةً في الحديث، واقفاً في المذهب، صحيح الرواية، ثبتاً، معتمداً على ما يرويه).
(١٢٣٧) معاذ بن مطر لم أجده. وفي بعض النُّسَخ: (عن أحمد بن محمّد بن معاذ بن مطر).
(١٢٣٨) في بعض النُّسَخ: (يُحرِّك حرب قيس).
↑صفحة ٤٠٦↑
[٣٦٦/٦٠] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ اِبْنُ سِنَانٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) السُّفْيَانِيُّ، فَقَالَ: أَنَّى يَخْرُجُ ذَلِكَ وَلَـمَّا يَخْرُجْ كَاسِرُ عَيْنَيْهِ بِصَنْعَاءَ(١٢٣٩)؟».
[٣٦٧/٦١] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلَادِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْأَعْلَمِ الْأَزْدِيِّ(١٢٤٠)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «بَيْنَ يَدَيِ الْقَائِمِ مَوْتٌ أَحْمَرُ، وَمَوْتٌ أَبْيَضُ، وَجَرَادٌ فِي حِينِهِ، وَجَرَادٌ فِي غَيْرِ حِينِهِ، أَحْمَرُ كَالدَّمِ، فَأَمَّا المَوْتُ الْأَحْمَرُ فَبِالسَّيْفِ، وَأَمَّا المَوْتُ الْأَبْيَضُ فَالطَّاعُونُ(١٢٤١)»(١٢٤٢).
[٣٦٨/٦٢] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ مِنْ كِتَابِهِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ اِبْنِ يَزِيدَ بَيَّاعُ السَّابِرِيِّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ خَالِدٍ الْخَزَّازُ جَمِيعاً، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ اِبْنُ عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي الْبِلَادِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ الْقَائِمِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُقَرَّبُ فِيهَا المَاحِلُ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٣٩) في بعض النُّسَخ: (كاسر عينه بصنعاء).
(١٢٤٠) كان من أولياء أمير المؤمنين (عليه السلام) كما في رجال البرقي (ص ٤)، وضبطه المفيد (رحمه الله) في اختصاصه (ص ٣): (العلم الأزدي).
(١٢٤١) في بعض النُّسَخ: (وأمَّا الموت الأبيض فبالطاعون).
(١٢٤٢) الإرشاد (ج ٢/ ص ٣٧٢)، الغيبة للطوسي (ص ٤٣٨/ ح ٤٣٠).
↑صفحة ٤٠٧↑
وَفِي حَدِيثٍ: «وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ».
فَقُلْتُ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ وَمَا المَاحِلُ؟
قَالَ: «أَوَمَا تَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ؟ قَوْلَهُ: ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ [الرعد: ١٣]»، قَالَ: «يُرِيدُ المَكْرَ».
فَقُلْتُ: وَمَا المَاحِلُ(١٢٤٣)؟
قَالَ: «يُرِيدُ المَكَّارَ»(١٢٤٤)،(١٢٤٥).
[٣٦٩/٦٣] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ المَنْصُورِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ لله مَائِدَةً - وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: مَأْدُبَةً(١٢٤٦) - بِقِرْقِيسِيَاءَ، يَطَّلِعُ مُطَّلِعٌ مِنَ السَّمَاءِ فَيُنَادِي: يَا طَيْرَ السَّمَاءِ، وَيَا سِبَاعَ الْأَرْضِ، هَلُمُّوا إِلَى الشِّبَعِ مِنْ لُحُومِ الْجَبَّارِينَ».
[٣٧٠/٦٤] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٤٣) في لسان العرب (ج ١١/ ص ٦١٨/ مادَّة محل): (المِحالُ: الكَيْد، ورَوْمُ الأَمرِ بالحِيَل...، والماحِلُ: الساعي، يقال: مَحَلْت بفلان أَمْحَل إِذا سعيت به إِلى ذي سلطان حتَّى تُوقِعه في وَرْطة ووَشَيْتَ به).
(١٢٤٤) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ١٢٨/ ح ١٢٤).
(١٢٤٥) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٤٥ و٢٤٦): (لعلَّ في الخبر سقطاً، وقال الجزري: في حديث أشراط الساعة: «وأنْ ينطق الرويبضة في أمر العامَّة»، قيل: وما الرويبضة، يا رسول الله؟ فقال: «الرجل التافه ينطق في أمر العامَّة»، الرويبضة: تصغير الرابضة، وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأُمور، وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة، والتافه: الخسيس الحقير).
(١٢٤٦) في لسان العرب (ج ١/ ص ٢٠٦/ مادَّة أدب): (الأُدْبَةُ والمَأْدَبةُ والمَأْدُبةُ: كلُّ طعام صُنِعَ لدَعْوةٍ أَو عُرْسٍ).
↑صفحة ٤٠٨↑
اِبْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) وَقَالَ: «يُنَادَى بِاسْمِ الْقَائِمِ: يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ، قُمْ».
[٣٧١/٦٥] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اِبْنِ الْحَسَنِ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَا جَابِرُ، لَا يَظْهَرُ الْقَائِمُ حَتَّى يَشْمَلَ النَّاسَ بِالشَّامِ فِتْنَةٌ يَطْلُبُونَ المَخْرَجَ مِنْهَا فَلَا يَجِدُونَهُ، وَيَكُونُ قَتْلٌ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْحِيرَةِ، قَتْلَاهُمْ عَلَى سَوَاءٍ(١٢٤٧)، وَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ».
[٣٧٢/٦٦] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ الْأَرْبَعَةِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «تَوَقَّعُوا الصَّوْتَ يَأْتِيكُمْ بَغْتَةً مِنْ قِبَلِ دِمَشْقَ فِيهِ لَكُمْ فَرَجٌ عَظِيمٌ».
[٣٧٣/٦٧] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ الْأَرْبَعَةِ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ.
وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ اِبْنِ مَحْبُوبٍ.
قَالَ(١٢٤٨): وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله المَوْصِلِيُّ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٤٧) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٩٨): ((على سواء): أي في وسط الطريق).
(١٢٤٨) القائل هو المؤلِّف (رحمه الله).
↑صفحة ٤٠٩↑
مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَاشِرٍ(١٢٤٩)، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ هِلَالٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ (عليهما السلام): «يَا جَابِرُ، الْزَمِ الْأَرْضَ وَلَا تُحَرِّكْ يَداً وَلَا رِجْلاً حَتَّى تَرَى عَلَامَاتٍ أَذْكُرُهَا لَكَ إِنْ أَدْرَكْتَهَا:
أَوَّلُهَا اخْتِلَافُ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَمَا أَرَاكَ تُدْرِكُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ حَدِّثْ بِهِ مَنْ بَعْدِي عَنِّي، وَمُنَادٍ يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ، وَيَجِيئُكُمُ الصَّوْتُ مِنْ نَاحِيَةِ دِمَشْقَ بِالْفَتْحِ، وَتُخْسَفُ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الشَّامِ تُسَمَّى الْجَابِيَةَ(١٢٥٠)، وَتَسْقُطُ طَائِفَةٌ مِنْ مَسْجِدِ دِمَشْقَ الْأَيْمَنِ، وَمَارِقَةٌ(١٢٥١) تَمْرُقُ مِنْ نَاحِيَةِ التُّرْكِ، وَيَعْقُبُهَا هَرْجُ الرُّومِ، وَسَيُقْبِلُ إِخْوَانُ التُّرْكِ حَتَّى يَنْزِلُوا الْجَزِيرَةَ، وَسَيُقْبِلُ مَارِقَةُ الرُّومِ حَتَّى يَنْزِلُوا الرَّمْلَةَ، فَتِلْكَ السَّنَةُ - يَا جَابِرُ - فِيهَا اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فِي كُلِّ أَرْضٍ مِنْ نَاحِيَةِ المَغْرِبِ، فَأَوَّلُ أَرْضٍ تَخْرَبُ أَرْضُ الشَّامِ(١٢٥٢)، ثُمَّ يَخْتَلِفُونَ عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثِ رَايَاتٍ: رَايَةِ الْأَصْهَبِ، وَرَايَةِ الْأَبْقَعِ، وَرَايَةِ السُّفْيَانِيِّ، فَيَلْتَقِي السُّفْيَانِيُّ بِالْأَبْقَعِ، فَيَقْتَتِلُونَ فَيَقْتُلُهُ السُّفْيَانِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ، ثُمَّ يَقْتُلُ الْأَصْهَبَ، ثُمَّ لَا يَكُونُ لَهُ هِمَّةٌ إِلَّا الْإِقْبَالَ نَحْوَ الْعِرَاقِ، وَيَمُرُّ جَيْشُهُ بِقِرْقِيسِيَاءَ(١٢٥٣)، فَيَقْتَتِلُونَ بِهَا، فَيُقْتَلُ بِهَا مِنَ الْجَبَّارِينَ مِائَةُ أَلْفٍ، وَيَبْعَثُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٤٩) في بعض النُّسَخ: (أبي ياسر).
(١٢٥٠) في مراصد الاطِّلاع (ج ١/ ص ٣٠٤ و٣٠٥): (الجابية: قرية من أعمال دمشق، ثمّ من عمل الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصفر).
(١٢٥١) في لسان العرب (ج ١٠/ ص ٣٤١/ مادَّة مرق): (في حديث عليٍّ (عليه السلام): «أُمِرْتُ بقتال المارِقينَ» يعني الخوارج. وأَمْرقْتُ السهم إمْراقاً، ومنه سُمّيت الخوارج مارِقةً، وقد أَمْرَقه هو. والمُرُوق: الخروج من شيء من غير مدخله. والمارِقةُ: الذين مرقوا من الدِّين لغُلُوِّهم فيه).
(١٢٥٢) في بعض النُّسَخ: (فأوَّل أرض المغرب أرض الشام)، وفي تفسير العيَّاشي: (أوَّل الأرض المغرب تخرب أرض الشام)، ونحوه في الاختصاص.
(١٢٥٣) في مراصد الاطِّلاع (ج ٣/ ص ١٠٨٠): (قرقيسياء: بلد على الخابور عند مصبِّه، وهي على الفرات).
↑صفحة ٤١٠↑
السُّفْيَانِيُّ جَيْشاً إِلَى الْكُوفَةِ، وَعِدَّتُهُمْ سَبْعُونَ أَلْفاً، فَيُصِيبُونَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَتْلاً وَصُلْباً وَسَبْياً، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَتْ رَايَاتٌ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ(١٢٥٤)، وَتَطْوِي المَنَازِلَ طَيًّا حَثِيثاً، وَمَعَهُمْ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ، ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ مَوَالِي أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي ضُعَفَاءَ، فَيَقْتُلُهُ(١٢٥٥) أَمِيرُ جَيْشِ السُّفْيَانِيِّ بَيْنَ الْحِيرَةِ وَالْكُوفَةِ، وَيَبْعَثُ السُّفْيَانِيُّ بَعْثاً إِلَى المَدِينَةِ، فَيَنْفَرُ المَهْدِيُّ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ، فَيَبْلُغُ أَمِيرَ جَيْشِ السُّفْيَانِيِّ أَنَّ المَهْدِيَّ قَدْ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَيَبْعَثُ جَيْشاً عَلَى أَثَرِهِ، فَلَا يُدْرِكُهُ حَتَّى يَدْخُلَ مَكَّةَ خائِفاً يَتَرَقَّبُ عَلَى سُنَّةِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ (عليه السلام)».
قَالَ: «فَيَنْزِلُ أَمِيرُ جَيْشِ السُّفْيَانِيِّ الْبَيْدَاءَ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: يَا بَيْدَاءُ، أَبِيدِي الْقَوْمَ(١٢٥٦)، فَيَخْسِفُ بِهِمْ، فَلَا يُفْلِتُ مِنْهُمْ إِلَّا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ، يُحَوِّلُ اللهُ وُجُوهَهُمْ إِلَى أَقْفِيَتِهِمْ، وَهُمْ مِنْ كَلْبٍ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلَى أَدْبَارِهَا...﴾ الْآيَةَ [النساء: ٤٧]».
قَالَ: «وَالْقَائِمُ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ، قَدْ أَسْنَدَ ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ مُسْتَجِيراً بِهِ، فَيُنَادِي: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا نَسْتَنْصِرُ اللهَ، فَمَنْ أَجَابَنَا مِنَ النَّاسِ فَإِنَّا أَهْلُ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَنَحْنُ أَوْلَى النَّاسِ بِالله وَبِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَمَنْ حَاجَّنِي فِي آدَمَ فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِآدَمَ، وَمَنْ حَاجَّنِي فِي نُوحٍ فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِنُوحٍ، وَمَنْ حَاجَّنِي فِي إِبْرَاهِيمَ فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ، وَمَنْ حَاجَّنِي فِي مُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِمُحَمَّدٍ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَمَنْ حَاجَّنِي فِي النَّبِيِّينَ فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِالنَّبِيِّينَ، أَلَيْسَ اللهُ يَقُولُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٥٤) في بعض النُّسَخ: (من ناحية خراسان)، وفي بعضها: (نحو خراسان).
(١٢٥٥) في بعض النُّسَخ: (فيقتتله).
(١٢٥٦) أباده: أي أهلكه، راجع: لسان العرب (ج ٣/ ص ٩٧/ مادَّة بيد). وفي نسخة: (يا بيدا بيدي القوم).
↑صفحة ٤١١↑
الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [آل عمران: ٣٣ و٣٤]؟ فَأَنَا بَقِيَّةٌ مِنْ آدَمَ، وَذَخِيرَةٌ مِنْ نُوحٍ، وَمُصْطَفًى مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَصَفْوَةٌ مِنْ مُحَمَّدٍ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ). أَلَا فَمَنْ حَاجَّنِي فِي كِتَابِ الله فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِكِتَابِ الله، أَلَا وَمَنْ حَاجَّنِي فِي سُنَّةِ رَسُولِ الله فَأَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِسُنَّةِ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَأَنْشُدُ اللهَ مَنْ سَمِعَ كَلَامِي الْيَوْمَ لَـمَّا بَلَّغَ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ، وَأَسْأَلُكُمْ بِحَقِّ الله وَحَقِّ رَسُولِهِ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَبِحَقِّي، فَإِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقَّ الْقُرْبَى مِنْ رَسُولِ الله، إِلَّا أَعَنْتُمُونَا(١٢٥٧) وَمَنَعْتُمُونَا مِمَّنْ يَظْلِمُنَا، فَقَدْ أُخِفْنَا وَظُلِمْنَا وَطُرِدْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا وَبُغِيَ عَلَيْنَا وَدُفِعْنَا عَنْ حَقِّنَا وَافْتَرَى أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَيْنَا(١٢٥٨)، فَاللهَ اللهَ فِينَا لَا تَخْذُلُونَا وَانْصُرُونَا يَنْصُرْكُمُ اللهُ تَعَالَى».
قَالَ: «فَيَجْمَعُ اللهُ عَلَيْهِ أَصْحَابَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً، وَيَجْمَعُهُمُ اللهُ لَهُ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ قَزَعاً كَقَزَعِ الْخَرِيفِ(١٢٥٩)، وَهِيَ - يَا جَابِرُ - الْآيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ١٤٨]، فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، وَمَعَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، قَدْ تَوَارَثَتْهُ الْأَبْنَاءُ عَنِ الْآبَاءِ. وَالْقَائِمُ - يَا جَابِرُ - رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ، يُصْلِحُ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ، فَمَا أَشْكَلَ عَلَى النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ - يَا جَابِرُ -، فَلَا يُشْكِلَنَّ عَلَيْهِمْ وِلَادَتُهُ مِنْ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَوِرَاثَتُهُ الْعُلَمَاءُ عَالِماً بَعْدَ عَالِمٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٥٧) في بعض النُّسَخ: (لـمَّا أعنتمونا).
(١٢٥٨) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٣٧ - ٢٣٩/ ح ١٠٥): (فأوثر أهل الباطل علينا)، وفي الاختصاص: (وآثر علينا أهل الباطل)، وما في بحار الأنوار أنسب.
(١٢٥٩) قال ابن الأثير في النهاية (ج ٤/ ص ٥٩): (ومنه حديث عليٍّ: «فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف» أي قطع السحاب المتفرِّقة، وإنَّما خصَّ الخريف لأنَّه أوَّل الشتاء، والسحاب يكون فيه متفرِّقاً غير متراكم ولا مطبق، ثمّ يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك).
↑صفحة ٤١٢↑
فَإِنْ أَشْكَلَ هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ الصَّوْتَ مِنَ السَّمَاءِ لَا يُشْكِلُ عَلَيْهِمْ إِذَا نُودِيَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ»(١٢٦٠).
[٣٧٤/٦٨] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ اِبْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَقُومُ الْقَائِمُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ»(١٢٦١).
هذه العلامات التي ذكرها الأئمَّة (عليهم السلام) مع كثرتها واتِّصال الروايات بها وتواترها واتِّفاقها موجبة ألَّا يظهر القائم (عليه السلام) إلَّا بعد مجيئها وكونها، إذ كانوا قد أخبروا أنْ لابدَّ منها، وهم الصادقون، حتَّى إنَّه قيل لهم: نرجو أنْ يكون ما نُؤمِّل من أمر القائم (عليه السلام) ولا يكون قبله السفياني، فقالوا: «بلى، والله إنَّه لمن المحتوم الذي لابدَّ منه».
ثمّ حقَّقوا كون العلامات الخمس التي أعظم الدلائل والبراهين على ظهور الحقِّ بعدها، كما أبطلوا أمر التوقيت، وقالوا: «من روى لكم عنَّا توقيتاً فلا تهابوا أنْ تُكذِّبوه كائنا من كان، فإنَّا لا نُوقِّت»، وهذا من أعدل الشواهد على بطلان أمر كلِّ من ادَّعى أو ادُّعي له مرتبة القائم ومنزلته، وظهر قبل مجيء هذه العلامات، لاسيّما وأحواله كلُّها شاهدة ببطلان دعوى من يُدَّعى له.
ونسأل الله أنْ لا يجعلنا ممَّن يطلب الدنيا بالزخارف في الدِّين، والتمويه على ضعفاء المرتدِّين، ولا يسلبنا ما منحنا به من نور الهدى وضيائه، وجمال الحقِّ وبهائه، بمنِّه وطَوْله.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٦٠) تفسير العيَّاشي (ج ١/ص ٦٤ - ٦٦/ح ١١٧)، الاختصاص (ص ٢٥٥ - ٢٥٧)، ومختصراً في الإرشاد (ج ٢/ص ٣٧٢ و٣٧٣)، والغيبة للطوسي (ص ٤٤١ و٤٤٢/ح ٤٣٤).
(١٢٦١) راجع: كمال الدِّين (ص ٦٥٣ و٦٥٤/باب ٥٧/ح ١٩)، والإرشاد (ج ٢/ص ٣٧٩)، والغيبة للطوسي (ص ٤٥٢ و٤٥٣/ح ٤٥٨ و٤٥٩)، وروضة الواعظين (ص ٢٦٣).
↑صفحة ٤١٣↑
باب (١٥): ما جاء في الشدَّة التي تكون قبل ظهور صاحب الحقِّ (عليه السلام)
↑صفحة ٤١٥↑
[٣٧٥/١] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ ابْنِ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ مِنْ كِتَابِهِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ اِبْنُ عَامِرِ بْنِ رَبَاحٍ الثَّقَفِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ، عَنْ بَشِيرٍ النَّبَّالِ.
وَأَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ نُوحٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ بَشِيرِ بْنِ أَبِي أَرَاكَةَ النَّبَّالِ.
وَلَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُقْدَةَ، قَالَ: لَـمَّا قَدِمْتُ المَدِينَةَ انْتَهَيْتُ إِلَى مَنْزِلِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، فَإِذَا أَنَا بِبَغْلَتِهِ مُسْرَجَةً بِالْبَابِ، فَجَلَسْتُ حِيَالَ الدَّارِ، فَخَرَجَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَنَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ(١٢٦٢) وَأَقْبَلَ نَحْوِي، فَقَالَ: «مِمَّنِ الرَّجُلُ؟».
فَقُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ.
قَالَ: «مِنْ أَيِّهَا؟».
قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ.
فَقَالَ: «مَنْ صَحِبَكَ فِي هَذَا الطَّرِيقِ؟».
قُلْتُ: قَوْمٌ مِنَ المُحْدِثَةِ.
فَقَالَ: «وَمَا المُحْدِثَةُ؟».
قُلْتُ: المُرْجِئَةُ(١٢٦٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٦٢) كذا في النُّسَخ وفي بحار الأنوار أيضاً، والمظنون أنَّ الصواب: (فترك البغلة).
(١٢٦٣) أُريد بالمرجئة قوم اختاروا عند أنفسهم رجلاً بعد النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجعلوه رئيساً لهم ولم يقولوا بعصمته عن الخطأ، وأوجبوا طاعته في كلِّ ما يقول. وإنَّما عبَّر عنهم بالمرجئة لأنَّهم زعموا أنَّ الله تعالى أخَّر نصب الإمام ليكون نصبه باختيار الأُمَّة. وقد يُطلَق المرجئ على الحروري والقدري.
↑صفحة ٤١٧↑
فَقَالَ: «وَيْحَ هَذِهِ المُرْجِئَةِ، إِلَى مَنْ يَلْجَئُونَ غَداً إِذَا قَامَ قَائِمُنَا؟».
قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لَوْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ كُنَّا نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي الْعَدْلِ سَوَاءٌ.
فَقَالَ: «مَنْ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ أَسَرَّ نِفَاقاً فَلَا يُبْعِدُ اللهُ غَيْرَهُ، وَمَنْ أَظْهَرَ شَيْئاً أَهْرَقَ اللهُ دَمَهُ»، ثُمَّ قَالَ: «يَذْبَحُهُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا يَذْبَحُ الْقَصَّابُ شَاتَهُ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ -».
قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ اسْتَقَامَتْ لَهُ الْأُمُورُ، فَلَا يُهَرِيقُ مِحْجَمَةَ دَمٍ.
فَقَالَ: «كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى نَمْسَحَ وَأَنْتُمُ الْعَرَقَ وَالْعَلَقَ(١٢٦٤) - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى جَبْهَتِهِ -»(١٢٦٥)،(١٢٦٦).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٦٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٣٥٨): (العلق - بالتحريك -: الدم الغليظ. ومسح العرق والعلق كناية عن ملاقاة الشدائد التي توجب سيلان العرق والجراحات المسيلة للدم).
(١٢٦٥) الكافي (ج ٨/ ص ٨٠ و٨١/ ح ٣٧) بتفاوت.
(١٢٦٦) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ١١/ ص ٤٥٣ و٤٥٤): ((إنَّ هؤلاء المرجئة) لعلَّ المراد بهم من أخَّر عليًّا (عليه السلام) عن الثلاثة. (يقولون: ما علينا أنْ نكون على الذي نحن عليه حتَّى إذا جاء ما تقولون كنَّا نحن وأنتم سواء) كأنَّهم قالوا: ما نحن عليه من الاعتقاد بخلافة الثلاثة على تقدير بطلانه كما زعمتم لا يضرُّنا إذا جاء ما تقولون من ظهور المهدي المنكر لخلافتهم، فإنَّا إذا علمنا أنَّه أيضاً يُنكِرها كما تُنكِرونها نؤمن به ونتوب عمَّا كنَّا فيه، والتوبة تمحو تلك الخطيئة عنَّا، وحينئذٍ نحن كنَّا وأنتم سواء في الدِّين وأمر الخلافة، فأجاب (عليه السلام) بأنَّهم في القول صادقون فإنَّ (من تاب) منهم توبة خالصة (تاب الله عليه) وقبل توبته ورفع عنه خطيئة، (ومن أسرَّ نفاقاً) وأبطنه وأظهر إيماناً لساناً...، (ومن أظهر أمرنا أهراق الله دمه) دعاء على من أظهر أمرهم من أهل النفاق عند أعدائهم للإضرار بهم وبشيعتهم، وأهراق من باب الأفعال أصله أراق يُقال: أراق الماء بريقه أراقه إذا صبَّه، ثمّ أُبدلت الهمزة هاءً، فقيل: هراقه بفتح الهاء يهريقه هراقةً، ثمّ جُمِعَ بين البدل والمبدل منه فقيل: أهراق، وإفراد ضمير الموصول هنا باعتبار اللفظ وجمعه باعتبار المعنى في قوله: (يذبحهم الله على الإسلام كما يذبح القصَّاب شاته) الظاهر أنَّ الظرف حال عن المفعول، وأنَّ (على) للاستيلاء والاستعلاء).
↑صفحة ٤١٨↑
[٣٧٦/٢] وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ مِنْ كِتَابِهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي(١٢٦٧) عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الطَّوِيلُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ بَشِيرٍ النَّبَّالِ، قَالَ: قَدِمْتُ المَدِينَةَ...، وَذَكَرَ مِثْلَ الْحَدِيثِ المُتَقَدِّمِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: لَـمَّا قَدِمْتُ المَدِينَةَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): إِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ المَهْدِيَّ لَوْ قَامَ لَاسْتَقَامَتْ لَهُ الْأُمُورُ عَفْواً، وَلَا يُهَرِيقُ مِحْجَمَةَ دَمٍ.
فَقَالَ: «كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوِ اسْتَقَامَتْ لِأَحَدٍ عَفْواً لَاسْتَقَامَتْ لِرَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حِينَ أُدْمِيَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ، كَلَّا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى نَمْسَحَ نَحْنُ وَأَنْتُمُ الْعَرَقَ وَالْعَلَقَ - ثُمَّ مَسَحَ جَبْهَتَهُ -».
[٣٧٧/٣] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ(١٢٦٨)، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ الْعَبَّاسِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) وَقَدْ ذَكَرَ الْقَائِمَ (عليه السلام)، فَقُلْتُ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ فِي سُهُولَةٍ.
فَقَالَ: «لَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى تَمْسَحُوا الْعَلَقَ وَالْعَرَقَ».
[٣٧٨/٤] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٦٧) في بعض النُّسَخ: (حدَّثنا).
(١٢٦٨) الظاهر هو الذي عنونه ابن الغضائري (رحمه الله) في رجاله (ص ٨٢/ الرقم ١٠٣/٢٨)، قائلاً: (عليُّ بن أحمد بن نصر البندنيجي، أبو الحسن، سكن الرملة، ضعيف، متهافت، لا يُلتفَت إليه).
↑صفحة ٤١٩↑
جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ رِبَاطٍ(١٢٦٩)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ أَهْلَ الْحَقِّ لَمْ يَزَالُوا مُنْذُ كَانُوا فِي شِدَّةٍ، أَمَا إِنَّ ذَاكَ إِلَى مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ وَعَافِيَةٍ طَوِيلَةٍ».
وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ ابْنُ عُقْدَةَ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ الْكِنْدِيُّ(١٢٧٠)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، عَنْ يُونُسَ اِبْنِ رِبَاطٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ...، وَذَكَرَ مِثْلَهُ(١٢٧١)،(١٢٧٢).
[٣٧٩/٥] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ(١٢٧٣)، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٦٩) كذا، ويونس بن رباط كوفي ثقة كما في رجال النجاشي (ص ٤٤٨/ الرقم ١٢١١)، وفي بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٣٥٨/ ح ١٢٥): (يونس بن ظبيان) هاهنا وفيما يأتي، ولكن رواه (رحمه الله) في (ج ٦٤/ ص ٢١٣/ ح ١٨) عن الكافي، وفيه: (يونس بن رباط).
(١٢٧٠) في بعض النُّسَخ: (عليُّ بن إسحاق بن عمارة الكناسي)، وفي بحار الأنوار: (عليُّ بن إسحاق بن عمَّار).
(١٢٧١) الكافي (ج ٢/ ص ٢٥٥/ باب شدَّة ابتلاء المؤمن/ ح ١٦).
(١٢٧٢) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٩/ ص ٢١٢): (قوله: (إنَّ أهل الحقِّ لم يزالوا منذ كانوا في شدَّة) يعنى أنَّ أهل الحقِّ والإيمان من أوَّل زمانهم إلى هذا كانوا في شدَّة كما يشهد له النظر في حال الأنبياء والأوصياء والتفكُّر في القرآن العزيز والتأمُّل في السُّنَّة والسِّيَر. وفيه حثٌّ للمؤمن على الصبر بالشدائد والبلايا تأسّياً بهؤلاء الكبراء الذين صبروا لله على قضائه وشكروا له على بلائه. ثمّ حثَّ على الصبر مبالغةً بقوله: (إنَّ ذلك إلى مدَّة قليلة وعافية طويلة) فإنَّ زمان البلاء والصبر مدَّة العمر وهي قليلة فانية، وزمان العافية مدَّة الآخرة وهي طويلة باقية. ومن البيِّن أنَّ العاقل يُرجِّح العافية الباقية على العافية الفانية).
(١٢٧٣) هو عليُّ بن بابويه المعروف بقرينة قوله: (بقمَّ)، لكن زاد في غير موضع من هذا الكتاب بعده: (المسعودي)، والمظنون أنَّها زيادة من بعض النُّسَاخ لتوهُّم كونه إيَّاه، وعليُّ بن الحسين المسعودي لم يدخل بلدة قم قطُّ، ولم ينصّ أحد بذلك، مضافاً إلى أنَّ محمّد بن يحيى كان من مشايخ عليِّ بن بابويه دون المسعودي.
↑صفحة ٤٢٠↑
بِقُمَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، عَنْ مُعَمَّرِ بْنِ خَلَّادٍ، قَالَ: ذُكِرَ الْقَائِمُ عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام)، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الْيَوْمَ أَرْخَى بَالاً مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ».
قَالُوا: وَكَيْفَ؟
قَالَ: «لَوْ قَدْ خَرَجَ قَائِمُنَا (عليه السلام) لَمْ يَكُنْ إِلَّا الْعَلَقُ وَالْعَرَقُ، وَالنَّوْمُ عَلَى السُّرُوجِ، وَمَا لِبَاسُ الْقَائِمِ (عليه السلام) إِلَّا الْغَلِيظُ، وَمَا طَعَامُهُ إِلَّا الْجَشِبُ».
[٣٨٠/٦] أَخْبَرَنَا سَلَامَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «سَأَلَ نُوحٌ (عليه السلام) رَبَّهُ أَنْ يُنْزِلَ عَلَى قَوْمِهِ الْعَذَابَ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ أَنْ يَغْرِسَ نَوَاةً مِنَ النَّخْلِ، فَإِذَا بَلَغَتْ فَأَثْمَرَتْ وَأَكَلَ مِنْهَا، أَهْلَكَ قَوْمَهُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ. فَغَرَسَ نُوحٌ النَّوَاةَ وَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا بَلَغَتِ النَّخْلَةُ وَأَثْمَرَتْ وَاجْتَنَى نُوحٌ مِنْهَا وَأَكَلَ وَأَطْعَمَ أَصْحَابَهُ، قَالُوا لَهُ: يَا نَبِيَّ الله، الْوَعْدَ الَّذِي وَعَدْتَنَا. فَدَعَا نُوحٌ رَبَّهُ، وَسَأَلَ الْوَعْدَ الَّذِي وَعَدَهُ. فَأَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْغَرْسَ ثَانِيَةً حَتَّى إِذَا بَلَغَ النَّخْلُ وَأَثْمَرَ وَأَكَلَ مِنْهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ، فَأَخَبَرَ نُوحٌ (عليه السلام) أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ، فَصَارُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ ارْتَدَّتْ، وَفِرْقَةٌ نَافَقَتْ، وَفِرْقَةٌ ثَبَتَتْ مَعَ نُوحٍ. فَفَعَلَ نُوحٌ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ النَّخْلَةُ وَأَثْمَرَتْ وَأَكَلَ مِنْهَا نُوحٌ وَأَطْعَمَ أَصْحَابَهُ، قَالُوا: يَا نَبِيَّ الله، الْوَعْدَ الَّذِي وَعَدْتَنَا. فَدَعَا نُوحٌ رَبَّهُ، فَأَوْحَى إِلَيْهِ أَنْ يَغْرِسَ الْغَرْسَةَ الثَّالِثَةَ، فَإِذَا بَلَغَ وَأَثْمَرَ أَهْلَكَ قَوْمَهُ، فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ، فَافْتَرَقَ الْفِرْقَتَانِ ثَلَاثَ فِرَقٍ(١٢٧٤): فِرْقَةٌ ارْتَدَّتْ، وَفِرْقَةٌ نَافَقَتْ، وَفِرْقَةٌ ثَبَتَتْ مَعَهُ. حَتَّى فَعَلَ نُوحٌ ذَلِكَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، وَفَعَلَ اللهُ ذَلِكَ بِأَصْحَابِهِ الَّذِينَ يَبْقَوْنَ مَعَهُ، فَيَفْتَرِقُونَ كُلُّ فِرْقَةٍ ثَلَاثَ فِرَقٍ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٧٤) في بحار الأنوار (ج ١١/ ص ٣٣٩ و٣٤٠/ ح ٧٦): (فافترقوا ثلاث فِرَق).
↑صفحة ٤٢١↑
ذَلِكَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَاشِرَةِ جَاءَ إِلَيْهِ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْخَاصَّةِ المُؤْمِنِينَ، فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ الله، فَعَلْتَ بِنَا مَا وَعَدْتَ، أَوْ لَمْ تَفْعَلْ فَأَنْتَ صَادِقٌ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ لَا نَشُكُّ فِيكَ، وَلَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِنَا(١٢٧٥)».
قَالَ: «فَعِنْدَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَهْلَكَهُمُ اللهُ لِقَوْلِ نُوحٍ، وَأَدْخَلَ الْخَاصَّ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ، فَنَجَّاهُمُ اللهُ تَعَالَى، وَنَجَّى نُوحاً مَعَهُمْ بَعْدَ مَا صَفَوْا وَهُذِّبُوا وَذَهَبَ الْكَدَرُ مِنْهُمْ(١٢٧٦)»(١٢٧٧).
[٣٨١/٧] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ(١٢٧٨)، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) بِالطَّوَافِ، فَنَظَرَ إِلَيَّ وَقَالَ لِي: «يَا مُفَضَّلُ، مَا لِي أَرَاكَ مَهْمُوماً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ؟».
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، نَظَرِي إِلَى بَنِي الْعَبَّاسِ وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ هَذَا المُلْكِ وَالسُّلْطَانِ وَالْجَبَرُوتِ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكُمْ لَكُنَّا فِيهِ مَعَكُمْ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٧٥) إنَّما قالوا ذلك اعترافاً بصدقه وتسليماً له، لا دفعاً للأمر بالغرس للمرَّة الأُخرى.
(١٢٧٦) ذكر هذا الخبر هنا دفعاً لتوهُّم خلف الوعد بالتأخير، وإنَّما التأخير للاختبار والامتحان، أو لتأخُّر ظرفه، أو لعدم تهيُّؤ النفوس له، أو لمصلحة أُخرى.
(١٢٧٧) في رواية أُخرى رواها الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ٣٥٢ - ٣٥٧/ باب ٣٣/ ح ٥٠)، والطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص ١٦٧ - ١٧٣/ ح ١٢٩) أنَّه (عليه السلام) غرسها سبع مرَّات ووقع الهلاك بعدها. وفي رواية ثالثة رواها الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ١٣٣ و١٣٤/ باب ٢/ ح ٢) أنَّه (عليه السلام) غرسها ثلاث مرَّات ووقع الهلاك بعدها.
(١٢٧٨) رواية عبد الواحد عن أبي سليمان غريب، والمؤلِّف (رحمه الله) روى فيما تقدَّم وما سيأتي عن كليهما بدون واسطة، وعبد الواحد يروي في جميع هذا الكتاب عن محمّد بن جعفر القرشي، وأبو سليمان يروي عن إبراهيم بن إسحاق، وكأنَّ جملة: (حدَّثنا عبد الواحد بن عبد الله بن يونس، قال) من زيادات النُّسَّاخ.
↑صفحة ٤٢٢↑
فَقَالَ: «يَا مُفَضَّلُ، أَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا سِيَاسَةُ اللَّيْلِ، وَسَبَاحَةُ النَّهَارِ(١٢٧٩)، وَأَكْلُ الْجَشِبِ، وَلُبْسُ الْخَشِنِ، شِبْهَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام)، وَإِلَّا فَالنَّارُ(١٢٨٠)، فَزُوِيَ ذَلِكَ عَنَّا، فَصِرْنَا نَأْكُلُ وَنَشْرَبُ، وَهَلْ رَأَيْتَ ظُلَامَةً جَعَلَهَا اللهُ نِعْمَةً مِثْلَ هَذَا؟!»(١٢٨١).
[٣٨٢/٨] أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ(١٢٨٢)، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) فِي بَيْتِهِ وَالْبَيْتُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ، فَلَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَجَابَ فِيهِ، فَبَكَيْتُ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ، فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكَ - يَا عَمْرُو -؟».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَكَيْفَ لَا أَبْكِي؟ وَهَلْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِثْلُكَ؟ وَالْبَابُ مُغْلَقٌ عَلَيْكَ، وَالسِّتْرُ لمُرْخًى عَلَيْكَ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٧٩) وسباحة النهار - بالباء الموحَّدة - من قوله تعالى: ﴿إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحاً طَوِيلاً﴾ [المزَّمِّل: ٧]، أي تصرُّفاً وتقلُّباً في المهمَّات والمشاغل والاهتمام بأُمور الخلق وتدبير شؤونهم الاجتماعيَّة وما يعيشون به. وفي بحار الأنوار: (وسياحة النهار).
(١٢٨٠) يعني وإنْ لم نكن عند ذاك كجدِّنا أمير المؤمنين (عليه السلام) في سيرته في المطعم والملبس عُذِّبنا.
(١٢٨١) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٣٥٩): ((إلَّا سياسة الليل): أي سياسة الناس وحراستهم عن الشرِّ بالليل ورياضة النفس فيها بالاهتمام لأُمور الناس وتدبير معاشهم ومعادهم، مضافاً إلى العبادات البدنيَّة. وفي النهاية: السياسة: القيام على الشيء بما يُصلِحه. (وسياحة النهار) بالدعوة إلى الحقِّ والجهاد، والسعي في حوائج المؤمنين، والسير في الأرض لجميع ذلك، والسياحة بمعنى الصوم كما قيل غير مناسب هنا. (فزُوي) أي صُرِفَ وأُبعد. (فهل رأيت) تعجُّب منه (عليه السلام) في صيرورة الظلم عليهم نعمة لهم، وكأنَّ المراد بالظلامة هنا الظلم. وفي القاموس: المظلمة - بكسر اللَّام - وكثمامة ما تظلَّمه الرجل).
(١٢٨٢) كذا.
↑صفحة ٤٢٣↑
فَقَالَ: «لَا تَبْكِ يَا عَمْرُو، نَأْكُلُ أَكْثَرَ الطَّيِّبِ، وَنَلْبَسُ اللَّيِّنَ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي تَقُولُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَكْلُ الْجَشِبِ، وَلُبْسُ الْخَشِنِ، مِثْلَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام)، وَإِلَّا فَمُعَالَجَةُ الْأَغْلَالِ فِي النَّارِ(١٢٨٣)».
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٨٣) في لسان العرب (ج ٢/ ص ٣٢٧/ مادَّة علج): (عالَج الشيءَ مُعالجةً وعلاجاً: زاوله. وفي حديث الأَسْلميِّ: إِنِّي صاحِب ظَهْرٍ أُعالِجُه، أَي أُمارِسُه وأُكاري عليه)، والمراد مصاحبة الأغلال في النار.
↑صفحة ٤٢٤↑
باب (١٦): ما جاء في المنع عن التوقيت والتسمية لصاحب الأمر (عليه السلام)
↑صفحة ٤٢٥↑
[٣٨٣/١] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: مَا لِهَذَا الْأَمْرِ أَمَدٌ يُنْتَهَى إِلَيْهِ وَيُرِيحُ أَبْدَانَنَا(١٢٨٤)؟
قَالَ: «بَلَى، ولَكِنَّكُمْ أَذَعْتُمْ فَأَخَّرَهُ اللهُ»(١٢٨٥).
[٣٨٤/٢] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْخَثْعَمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الضُّرَيْسُ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ، قَالَ: لَـمَّا مَضَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عليهما السلام) دَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَدْ عَرَفْتَ انْقِطَاعِي إِلَى أَبِيكَ وَأُنْسِي بِهِ وَوَحْشَتِي مِنَ النَّاسِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٨٤) كذا، وفي الغيبة للطوسي: (ألهذا الأمر أمد ينتهي إليه، نريح إليه أبداننا وننتهي إليه).
(١٢٨٥) الغيبة للطوسي (ص ٤٢٧ و٤٢٨ و٤٣١/ ح ٤١٦ و٤٢٢)، قال (رحمه الله) في (ص ٤٣١ و٤٣٢) بعد إيراده لهذا الخبر: (والوجه في هذه الأخبار ما قدَّمنا ذكره من تغيُّر المصلحة فيه، واقتضائها تأخير الأمر إلى وقت آخر على ما بيَّنَّاه، دون ظهور الأمر له تعالى، فإنَّا لا نقول به ولا نُجوِّزه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيراً. فإنْ قيل: هذا يُؤدِّي إلى أنْ لا نثق بشيء من أخبار الله تعالى. قلنا: الأخبار على ضربين: ضرب لا يجوز فيه التغيُّر في مخبراته، فإنَّا نقطع عليها، لعلمنا بأنَّه لا يجوز أنْ يتغيَّر المخبر في نفسه، كالإخبار عن صفات الله تعالى وعن الكائنات فيما مضى، وكالإخبار بأنَّه يثيب المؤمنين. والضرب الآخر هو ما يجوز تغيُّره في نفسه لتغيُّر المصلحة عند تغيُّر شروطه، فإنَّا نُجوِّز جميع ذلك، كالإخبار عن الحوادث في المستقبل إلَّا أنْ يرد الخبر على وجه يُعلَم أنْ مخبره لا يتغيَّر، فحينئذٍ نقطع بكونه، ولأجل ذلك قرن الحتم بكثير من المخبرات، فأعلمنا أنَّه ممَّا لا يتغيَّر أصلاً، فعند ذلك نقطع به).
↑صفحة ٤٢٧↑
قَالَ: «صَدَقْتَ - يَا أَبَا خَالِدٍ -، فَتُرِيدُ مَا ذَا؟».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، لَقَدْ وَصَفَ لِي أَبُوكَ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ بِصِفَةٍ لَوْ رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ لَأَخَذْتُ بِيَدِهِ.
قَالَ: «فَتُرِيدُ مَا ذَا، يَا أَبَا خَالِدٍ؟».
قُلْتُ: أُرِيدُ أَنْ تُسَمِّيَهُ لِي حَتَّى أَعْرِفَهُ بِاسْمِهِ.
فَقَالَ: «سَأَلْتَنِي وَالله - يَا أَبَا خَالِدٍ - عَنْ سُؤَالٍ مُجْهِدٍ، وَلَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا كُنْتُ مُحَدِّثاً بِهِ أَحَداً، وَلَوْ كُنْتُ مُحَدِّثاً بِهِ أَحَداً لَحَدَّثْتُكَ، وَلَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَمْرٍ لَوْ أَنَّ بَنِي فَاطِمَةَ عَرَفُوهُ حَرَصُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعُوهُ بَضْعَةً بَضْعَةً(١٢٨٦)»(١٢٨٧).
[٣٨٥/٣] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَبَّاسِيِّ(١٢٨٨)، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَخْبَرَكَ عَنَّا تَوْقِيتاً فَلَا تَهَابَنَّ أَنْ تُكَذِّبَهُ، فَإِنَّا لَا نُوَقِّتُ لِأَحَدٍ وَقْتاً»(١٢٨٩).
[٣٨٦/٤] أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ بِنَهَاوَنْدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٨٦) في قوله: (حرصوا على أنْ يُقطِّعوه...) إلخ، قدح عظيم لهم، والخبر يدلُّ على أنَّه (عليه السلام) علم من عند الله تعالى أنَّ الناس لا ينتظرون دولة القائم (عليه السلام)، بل أكثرهم يبغضون شخصه فضلاً عن دولته وسلطانه حتَّى إنَّ في بني فاطمة (عليها السلام) جماعة لو عرفوه باسمه وصفته وخصوصيَّاته لقتلوه إرباً إرباً لو وجدوه، فلذا قال: (يا أبا خالد، سألتني عن سؤال مجهد) يعني سؤال أوقعني في المشقَّة والتعب، والظاهر أنَّ الكابلي سأل عن خصوصيَّات أُخَر له (عجَّل الله فرجه) غير ما عرفه من طريق آبائه (عليهم السلام) من وقت ميلاده وزمان ظهوره وخروجه وقيامه.
(١٢٨٧) الغيبة للطوسي (ص ٣٣٣/ ح ٢٧٨) مختصراً.
(١٢٨٨) لعلَّ الصواب: (العلوي).
(١٢٨٩) الغيبة للطوسي (ص ٤٢٦/ ح ٤١٤) بتفاوت يسير.
↑صفحة ٤٢٨↑
حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله اِبْنُ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «أَبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُخْلِفَ وَقْتَ المُوَقِّتِينَ»(١٢٩٠)،(١٢٩١).
[٣٨٧/٥] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَلَانِسِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّا لَا نُوَقِّتُ هَذَا الْأَمْرَ».
[٣٨٨/٦] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ جَبَلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَتَى خُرُوجُ الْقَائِمِ (عليه السلام)؟
فَقَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نُوَقِّتُ، وَقَد قَالَ مُحَمَّدٌ (صلّى الله عليه وآله وسلّم): كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ. يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّ قُدَّامَ هَذَا الْأَمْرِ خَمْسَ عَلَامَاتٍ: أُولَاهُنَّ النِّدَاءُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَخُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ، وَخُرُوجُ الْخُرَاسَانِيِّ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الزَّكِيَّةِ، وَخَسْفٌ بِالْبَيْدَاءِ(١٢٩٢)».
ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّهُ لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ قُدَّامَ ذَلِكَ الطَّاعُونَانِ: الطَّاعُونُ الْأَبْيَضُ، وَالطَّاعُونُ الْأَحْمَرُ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٩٠) الكافي (ج ١/ص ٣٦٨/باب كراهية التوقيت/ح ٤)، وفيه: (يخالف وقت الموقِّتين).
(١٢٩١) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٣٣): (قوله: (أبى الله إلَّا أنْ يخالف وقت الموقِّتين) أي يخالف الوقت المقدَّر عنده تعالى لظهوره، أو يخالف الله تعالى، وفيه على الثاني دلالة على أنَّه ليس لظهور هذا الأمر وقت حتمي، وإلَّا لم يكن المخالفة لو وافقه وقت الموقِّت).
(١٢٩٢) في بعض النُّسَخ: (وذهاب ملك بني العبَّاس) مكان (خسف بالبيداء).
↑صفحة ٤٢٩↑
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، وَأَيُّ شَيْءٍ هُمَا؟
فَقَالَ: «أَمَّا الطَّاعُونُ الْأَبْيَضُ فَالمَوْتُ الْجَارِفُ(١٢٩٣)، وَأَمَّا الطَّاعُونُ الْأَحْمَرُ فَالسَّيْفُ، وَلَا يَخْرُجُ الْقَائِمُ حَتَّى يُنَادَى بِاسْمِهِ مِنْ(١٢٩٤) جَوْفِ السَّمَاءِ فِي لَيْلَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَيْلَةِ جُمُعَةٍ».
قُلْتُ: بِمَ يُنَادَى؟
قَالَ: «بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، أَلَا إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوهُ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ خَلَقَ الله فِيهِ الرُّوحَ إِلَّا يَسْمَعُ الصَّيْحَةَ، فَتُوقِظُ النَّائِمَ وَيَخْرُجُ إِلَى صَحْنِ دَارِهِ، وَتُخْرِجُ الْعَذْرَاءَ مِنْ خِدْرِهَا، وَيَخْرُجُ الْقَائِمُ مِمَّا يَسْمَعُ، وَهِيَ صَيْحَةُ جَبْرَئِيلَ (عليه السلام)».
[٣٨٩/٧] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اِبْنِ الْقَاسِمِ(١٢٩٥)، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ الْحَنَفِيُّ(١٢٩٦)، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَرَاسَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَزَوَّرِ(١٢٩٧)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، قَالَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٩٣) الموت الجارف: أي الموت العامُّ، كما في اللغة. وقرأ العلَّامة المجلسي (رحمه الله) الكلمة: (الجاذف)، وقال في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ١١٩): (الجاذف: السريع)، لكن النُّسَخ متَّفقة على (الجارف)، وهي أنسب بالمقام.
(١٢٩٤) في بعض النُّسَخ: (في).
(١٢٩٥) كذا في النُّسَخ وفي بحار الأنوار أيضاً، ولم أجد بهذا العنوان في هذه الطبقة أحداً، وعبد الرحمن بن القاسم بن خالد العتقي أبو عبد الله البصري هو صاحب مالك، والاتِّحاد غير معلوم مع اختلاف الطبقة.
(١٢٩٦) محمّد بن عمر بن يونس، أو (ابن عمرو بن يونس) لم أجده، وفي بعض النُّسَخ: (ابن يوسف) مكان (بن يونس).
(١٢٩٧) عليُّ بن الحزوَّر هو الذي يقول بإمامة محمّد بن الحنفيَّة (رضي الله عنه)، وهو من رواة العامَّة، عنونه ابن حجر في تقريب التهذيب (ج ١/ ص ٦٩٠/ الرقم ٤٧١٩) وتهذيب التهذيب (ج ٧/ ص ٢٦١/ الرقم ٥٠٨)، والكشِّي (رحمه الله) في اختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٦٠١). وفي بعض النُّسَخ: (عليُّ بن الجارود)، وهو تصحيف، نعم روى الطوسي (رحمه الله) في الغيبة (ص ٤٢٧/ ح ٤١٥) بعض هذا الخبر بإسناده عن محمّد بن سنان، عن أبي الجارود، عن محمّد بن بشر الهمداني.
↑صفحة ٤٣٠↑
سَمِعْتُ مُحَمَّدَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ (رضي الله عنه) يَقُولُ: إِنَّ قَبْلَ رَايَاتِنَا رَايَةً لِآلِ جَعْفَرٍ، وَأُخْرَى لِآلِ مِرْدَاسٍ، فَأَمَّا رَايَةُ آلِ جَعْفَرٍ فَلَيْسَتْ بِشَيْءٍ وَلَا إِلَى شَيْءٍ.
فَغَضِبْتُ - وَكُنْتُ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَيْهِ -، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ قَبْلَ رَايَاتِكُمْ رَايَاتٍ؟
قَالَ: إِي وَالله إِنَّ لِبَنِي مِرْدَاسٍ(١٢٩٨) مُلْكاً مُوَطَّداً لَا يَعْرِفُونَ فِي سُلْطَانِهِمْ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ، سُلْطَانُهُمْ عُسْرٌ لَيْسَ فِيهِ يُسْرٌ، يُدْنُونَ فِيهِ الْبَعِيدَ، وَيُقْصُونَ فِيهِ الْقَرِيبَ، حَتَّى إِذَا أَمِنُوا مَكْرَ الله وَعِقَابَهُ(١٢٩٩) صِيحَ بِهِمْ صَيْحَةً، لَمْ يَبْقَ لَهُمْ رَاعٍ يَجْمَعُهُمْ، وَلَا دَاعٍ يُسْمِعُهُمْ، وَلَا جَمَاعَةٌ(١٣٠٠) يَجْتَمِعُونَ إِلَيْهَا، وَقَدْ ضَرَبَهُمُ اللهُ مَثَلاً فِي كِتَابِهِ(١٣٠١): ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً...﴾ الْآيَةَ [يونس: ٢٤]، ثُمَّ حَلَفَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ بِالله أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمْ.
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، لَقَدْ حَدَّثْتَنِي عَنْ هَؤُلَاءِ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، فَمَتَى يَهْلِكُونَ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٢٩٨) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٤٧): (بنو مرداس كناية عن بني العبَّاس، إذ كان في الصحابة رجل كان يقال له: عبَّاس بن مرداس).
(١٢٩٩) زاد في بعض النُّسَخ: (واطمأنُّوا أنَّ ملكهم لا يزول)، وكأنَّ الزيادة توضيح لبعض الكُتَّاب كتبها فوق السطر أو في الهامش بياناً لقوله: (أمنوا مكر الله وعقابه)، فخُلِطَت حين الاستنساخ بالمتن.
(١٣٠٠) في نسخة: (ليس لهم منادٍ يسمعهم ولا جماعة).
(١٣٠١) في بعض النُّسَخ: (وقد ضرب الله مثلهم في كتابه).
↑صفحة ٤٣١↑
فَقَالَ: وَيْحَكَ يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ خَالَفَ عِلْمُهُ وَقْتَ المُوَقِّتِينَ، إِنَّ مُوسَى (عليه السلام) وَعَدَ قَوْمَهُ ثَلَاثِينَ يَوْماً، وَكَانَ فِي عِلْمِ الله (عزَّ وجلَّ) زِيَادَةُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يُخْبِرْ بِهَا مُوسَى، فَكَفَرَ قَوْمُهُ وَاتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ لَـمَّا جَازَ عَنْهُمُ الْوَقْتُ، وَإِنَّ يُونُسَ وَعَدَ قَوْمَهُ الْعَذَابَ، وَكَانَ فِي عِلْمِ الله أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، وَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَلَكِنْ إِذَا رَأَيْتَ الْحَاجَةَ قَدْ ظَهَرَتْ، وَقَالَ الرَّجُلُ: بِتُّ اللَّيْلَةَ بِغَيْرِ عَشَاءٍ، وَحَتَّى يَلْقَاكَ الرَّجُلُ بِوَجْهٍ، ثُمَّ يَلْقَاكَ بِوَجْهٍ آخَرَ.
قُلْتُ: هَذِهِ الْحَاجَةُ قَدْ عَرَفْتُهَا، فَمَا الْأُخْرَى؟ وَأَيُّ شَيْءٍ هِيَ؟
قَالَ: يَلْقَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، فَإِذَا جِئْتَ تَسْتَقْرِضُهُ قَرْضاً لَقِيَكَ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْوَجْهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَقَعُ الصَّيْحَةُ مِنْ قَرِيبٍ.
[٣٩٠/٨] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَيْسِ بْنِ رُمَّانَةَ الْأَشْعَرِيُّ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيُّ، قَالُوا جَمِيعاً: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ الزَّرَّادُ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «قَدْ كَانَ لِهَذَا الْأَمْرِ(١٣٠٢) وَقْتٌ، وَكَانَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ(١٣٠٣)، فَحَدَّثْتُمْ بِهِ وَأَذَعْتُمُوهُ، فَأَخَّرَهُ اللهُ (عزَّ وجلَّ)».
[٣٩١/٩] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ أُخِّرَ مَرَّتَيْنِ(١٣٠٤)».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٠٢) قوله: (لهذا الأمر) أي للفرج، وهو يوم رجوع الحقِّ إلى أهله. وقوله: (وقت) أي وقت معيَّن معلوم عندنا.
(١٣٠٣) وهو زمان إمامته (عليه السلام)، فإنَّ أباه (عليه السلام) تُوفِّي سنة (١١٤هـ)، وتُوفِّي هو (عليه السلام) سنة (١٤٨هـ)، وسيأتي بيان الخبر عن العلَّامة المجلسي (رحمه الله).
(١٣٠٤) يأتي بيان المرَّتين في الحديث الآتي.
↑صفحة ٤٣٢↑
[٣٩٢/١٠] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ جَمِيعاً، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «يَا ثَابِتُ، إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ كَانَ وَقَّتَ هَذَا الْأَمْرَ فِي سَنَةِ السَّبْعِينَ(١٣٠٥)، فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ (عليه السلام) اشْتَدَّ غَضَبُ الله(١٣٠٦)، فَأَخَّرَهُ إِلَى أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ، فَحَدَّثْنَاكُمْ بِذَلِكَ، فَأَذَعْتُمْ وَكَشَفْتُمْ قِنَاعَ السِّتْرِ، فَلَمْ يَجْعَلِ اللهُ لِهَذَا الْأَمْرِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقْتاً عِنْدَنَا، وَ﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: ٣٩]».
قَالَ أَبُو حَمْزَةَ: فَحَدَّثْتُ بِذَلِكَ أَبَا عَبْدِ الله الصَّادِقَ (عليه السلام)، فَقَالَ: «قَدْ كَانَ ذَلِكَ»(١٣٠٧)،(١٣٠٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٠٥) كذا، وفي رواية التي رواها الطوسي (رحمه الله) في الغيبة عن أبي حمزة، عن أبي جعفر (عليه السلام): (إنَّ الله تعالى كان وقَّت هذا الأمر إلى السبعين)، ولا يخفى اختلاف المفهومين، فإنَّ المبدأ في أحدهما غير معلوم. والظاهر أنَّ كلمة (سنة) في هذا الحديث والذي تقدَّم تحت الرقم (٣٩٠/٨) من زيادات النُّسَّاخ، كما أنَّها ليست في الكافي مع أنَّ المؤلِّف (رحمه الله) يروي الخبر عن الكليني (رحمه الله).
(١٣٠٦) كذا، وزاد هنا في الكافي: (تعالى على أهل الأرض).
(١٣٠٧) الكافي (ج ١/ ص ٣٦٨/باب كراهية التوقيت/ ح ١)؛ وراجع: تفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ٢١٨/ ح ٦٩)، والغيبة للطوسي (ص ٤٢٨/ ح ٤١٧).
(١٣٠٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٣٢): (قوله: (قد كان وُقِّت هذا الأمر في السبعين) توقيت ظهور هذا الأمر في السبعين من الغيبة على الظاهر، أو من الهجرة على احتمال بعيد - حتَّى يرجع الخلق إلى دين واحد - توقيت بدائي، فلذلك جرى فيه البداء. أو غُيِّر السبعون إلى ضعفه وهو مائة وأربعون، ثمّ غُيِّر ضعفه إلى ما شاء الله. قوله: (فكشفتم قناع السرِّ) القناع والمقنع والمقنعة بالكسر في الجميع ما تُقنِّع به المرأة رأسها إلَّا أنَّ القناع أوسع. والسرُّ واحد الأسرار، وهو ما يُكتَم، وإضافة القناع إليه لاميَّة، وفيه مكنيَّة وتخييليَّة وترشيح. قوله: (ولم يجعل الله) عطف على محذوف دلَّ عليه ظاهر الحال، بل ظاهر المقال، أي فحدَّثناكم حديثاً ينبغي كتمانه فأذعتم الحديث كما فتَّشتموه فكشفتم قناع السرِّ فأخَّره الله عن الأربعين ومائة. (ولم يجعل الله له بعد ذلك وقتاً عندنا) أي لم يجعل لنا توقيته بعد ذلك، ولا يجوز لنا إظهار وقته، ويحتمل أنْ يكون المراد أنَّه لم يجعل لنا علماً بوقته بعد ذلك. قوله: (و﴿يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ﴾) أي يمحو الله ما يشاء محوه كالسبعين وضعفه، ﴿وَيُثْبِتُ﴾ ما يشاء إثباته كما زاد عليهما، ﴿وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ وهو اللوح المحفوظ على أشهر الأقوال، وقد كتب فيه جميع ذلك).
↑صفحة ٤٣٣↑
[٣٩٣/١١] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ مِهْزَمٌ، فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي نَنْتَظِرُهُ مَتَى هُوَ؟
فَقَالَ: «يَا مِهْزَمُ، كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ، وَهَلَكَ المُسْتَعْجِلُونَ، وَنَجَا المُسَلِّمُونَ»(١٣٠٩)،(١٣١٠).
[٣٩٤/١٢] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عِدَّةٍ مِنْ شُيُوخِهِ، عَنْ أَحْمَدَ اِبْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْقَائِمِ (عليه السلام).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٠٩) الكافي (ج ١/ ص ٣٦٨/ باب كراهية التوقيت/ ح ٢)؛ وراجع: الإمامة والتبصرة (ص ٩٥/ ح ٨٧)، والغيبة للطوسي (ص ٤٢٦/ ح ٤١٣).
(١٣١٠) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٣٣): (قوله: (أخبرني عن هذا الأمر الذي ننتظره متى هو) سأله عن تعيين الوقت لظهور هذا الأمر، فأجاب (عليه السلام) بأنَّ الموقِّت له والمخبر بأنَّ وقته كذا كاذب، إمَّا لعدم علمه به، أو لأنَّ كلَّ وقتٍ فُرِضَ فهو في معرض البداء، وبأنَّ المستعجل لظهوره هالك، لعدم رضائه بالقضاء الإلهي والتقدير الأزلي، وبأنَّ المسلِّم لظهوره والقائل به في وقت ما ناجٍ لاعتقاده بالحقِّ من وجهين: أحدهما ظهوره، وثانيهما عدم الاستعجال المستلزم لتفويض الأمر إليه تعالى والرضا بقضائه وتقديره).
↑صفحة ٤٣٤↑
فَقَالَ: «كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ، إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ لَا نُوَقِّتُ»، ثُمَّ قَالَ: «أَبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُخْلِفَ وَقْتَ المُوَقِّتِينَ»(١٣١١)،(١٣١٢).
[٣٩٥/١٣] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْخَزَّازِ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: لِهَذَا الْأَمْرِ وَقْتٌ؟
فَقَالَ: «كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ، كَذَبَ الْوَقَّاتُونَ، إِنَّ مُوسَى (عليه السلام) لَـمَّا خَرَجَ وَافِداً إِلَى رَبِّهِ وَاعَدَهُمْ ثَلَاثِينَ يَوْماً، فَلَمَّا زَادَهُ اللهُ عَلَى الثَّلَاثِينَ عَشْراً قَالَ قَوْمُهُ: قَدْ أَخْلَفَنَا مُوسَى، فَصَنَعُوا مَا صَنَعُوا، فَإِذَا(١٣١٣) حَدَّثْنَاكُمْ بِحَدِيثٍ فَجَاءَ عَلَى مَا حَدَّثْنَاكُمْ بِهِ فَقُولُوا: صَدَقَ اللهُ، وَإِذَا حَدَّثْنَاكُمْ بِحَدِيثٍ فَجَاءَ عَلَى خِلَافِ مَا حَدَّثْنَاكُمْ بِهِ فَقُولُوا: صَدَقَ اللهُ، تُؤْجَرُوا مَرَّتَيْنِ»(١٣١٤)،(١٣١٥).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣١١) الكافي (ج ١/ ص ٣٦٨/ باب كراهية التوقيت/ ح ٣) بدون ذيل الحديث.
(١٣١٢) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٣٣): (قوله: (إنَّا أهل البيت لا نُوقِّت) دلَّ ظاهراً على أنَّ لهم علماً بالوقت إلَّا أنَّهم لا يُوقِّتون لمصالح، منها ما سيذكره عليُّ بن يقطين).
(١٣١٣) في بعض النُّسَخ: (قال: فإذا).
(١٣١٤) الكافي (ج ١/ ص ٣٦٨ و٣٦٩/ باب كراهية التوقيت/ ح ٥).
(١٣١٥) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٣٤): (قوله: (إنَّ موسى (عليه السلام) لـمَّا خرج) ظاهر التعليل يُشعِر بأنَّه ينبغي عدم تعيين الوقت لظهور هذا الأمر، إذ كلُّ وقتٍ فُرِضَ فهو وقت بدائي يجري فيه البداء والإرادة والتخلُّف كما قالوا في باب الغيبة: لله تعالى فيها بداءات وإرادات، فلو عُيِّن الوقت له وجرى فيه البداء وتخلَّف الظهور لافتتن الخلائق ورجعوا عن الحقِّ كما وقع مثل ذلك في قوم موسى (عليه السلام)، ولكن الأنبياء والأوصياء قد يُخبِرون عن أمثال ذلك، وكان إخبارهم في علم الله معلَّقاً بشروط معتبرة في تحقُّقها بحسب نفس الأمر، وبذلك يخرج عن حدِّ الكذب ويدخل في حيِّز الصدق، وقد ذكرنا في باب البداء من كتاب التوحيد ما يناسب هذا المقام. قوله: (تؤجروا مرَّتين) مرَّة للتصديق الأوَّل، ومرَّة للتصديق الثاني، وكلاهما حقٌّ، وذلك كما إذا أخبر بموت زيد في وقت كذا ولم يمت فيه فإنَّ ظهور خلافه يُشعِر بأنَّ موته في ذلك الوقت كان متعلِّقاً بشرط في علم الله تعالى وكان غير محتوم به، فلمَّا لم يتحقَّق ذلك الشرط لم يمت، وليس ذلك الإخبار كذباً، إذ هو مقيَّد في نفس الأمر إذا لم يتعلَّق بأمر حتمي، وقد ذكرنا في باب البداء ما يُوضِّحه).
↑صفحة ٤٣٥↑
[٣٩٦/١٤] وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَأَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنِ السَّيَّارِيِّ(١٣١٦)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، عَنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ يَقْطِينٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ (عليهما السلام): «يَا عَلِيُّ، الشِّيعَةُ تُرَبَّى بِالْأَمَانِيِّ مُنْذُ مِائَتَيْ سَنَةٍ».
قال: وقال يقطين لابنه عليِّ بن يقطين: ما بالنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن - يعني أمر بني العبَّاس(١٣١٧) -؟
فقال له عليٌّ: إنَّ الذي قيل لكم ولنا كان من مخرج واحد، غير أنَّ أمركم حضر وقته فأعطيتم محضه فكان كما قيل لكم، وإنَّ أمرنا لم يحضر فعُلِّلنا بالأماني، فلو قيل لنا: إنَّ هذا الأمر لا يكون إلَّا إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب، ولرجع عامَّة الناس عن الإيمان إلى الإسلام(١٣١٨)، ولكن قالوا: ما أسرعه،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣١٦) هو أحمد بن محمّد بن سيار، أبو عبد الله الكاتب، قال الطوسي (رحمه الله) في الفهرست (٦٦/ الرقم ٧٠/٨): (بصري، كان من كُتَّاب آل طاهر في زمن أبي محمّد (عليه السلام)، ويُعرَف بالسياري، ضعيف الحديث، فاسد المذهب، مجفو الرواية، كثير المراسيل)، ومثله في رجال النجاشي (ص ٨٠/ الرقم ١٩٢).
(١٣١٧) قوله: (يعني) من الكلام المؤلِّف (رحمه الله)، وليس في الكافي.
(١٣١٨) كذا في الكافي، وفي بعض النُّسَخ: (لو قيل لنا: إنَّ هذا الأمر لا يكون إلَّا إلى مائتي سنة وثلاثمائة سنة ليئست القلوب وقست ورجعت عامَّة الناس عن الإيمان إلى الإسلام).
↑صفحة ٤٣٦↑
وما أقربه، تألُّفا لقلوب الناس، وتقريباً للفرج(١٣١٩)،(١٣٢٠).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣١٩) الكافي (ج ١/ ص ٣٦٩/ باب كراهية التوقيت/ ح ٦)؛ وراجع: الغيبة للطوسي (ص ٣٤١ - ٣٤٣/ ح ٢٩٢).
(١٣٢٠) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٣٤ و٣٣٥): (قوله: (الشيعة تُربى بالأماني) أراد بتربيتهم إصلاح حالهم وتثبيت قلوبهم بالوعد القريب لظهور صاحب الأمر (عليه السلام) واستيلائه على العباد والبلاد، ولو تحقَّق الوعد البعيد حصل لهم اليأس من لقائه، واضطربت نفوسهم، وفسدت عقائدهم. قوله: (منذ مائتي سنة) (منذ) مبنيٌّ على الضمِّ، و(مذ) مبنيٌّ على السكون، وكلُّ واحدٍ منهما يصلح أنْ تكون حرف جرٍّ فتجرُّ ما بعدهما، وتجري بهما مجرى (في)، ولا تُدخِلهما حينئذٍ إلَّا على زمان أنت فيه فتقول: ما رأيته مذ الليلة. ويصلح أنْ يكونا اسمين، فترفع ما بعدهما على التاريخ، أو على التوقيت، وتقول في التاريخ: ما رأيته مذ يوم الجمعة، أي أوَّل انقطاع الرؤية يوم الجمعة، وتقول في التوقيت: ما رأيته مذ سنة، أي أمد ذلك سنة. ولا يقع هاهنا إلَّا نكرة، لأنَّك لا تقول: مذ سنة كذا، وإنَّما تقول: مذ سنة. والأوَّل هو المراد هنا، لأنَّ الليلة كما جُعِلَ مجموعها حالاً مع أنَّ بعض أجزائها ماضٍ وبعضها مستقبل، كذلك مائتي سنة. قوله: (قال: وقال يقطين لابنه) لـمَّا دلَّ قول عليِّ بن يقطين على أنَّ المخبر عنه وهو ظهور هذا الأمر لم يُقطَع على نحو ما أخبروا ووفق ما أظهروا من زمان قريب، سأله أبوه يقطين امتحاناً واختباراً بأنَّه هل يعلم سبب الإخبار بقرب ظهوره وسرِّه أم لا، حيث قال: (ما بالنا) يعني ما حالنا (قيل لنا) من الأُمور الغائبة مطلقاً، أو من الخلافة العبَّاسيَّة من دولة آل يقطين، (أمر فكان) ذلك الأمر كما قيل، (وقيل لكم) منها أمر من قرب ظهور صاحب الأمر (فلم يكن) على نحو ما قيل عن قريب، فأشار عليٌّ إلى الجواب على سبيل الإجمال بأنَّ ما قيل لنا ولكم كلاهما حقٌّ ومخرجهما واحد، لصدورهما من أهل العصمة (عليهم السلام)، فوجب علينا التصديق والتسليم. وعلى سبيل التفصيل بأنَّ بين ما قيل لنا وما قيل لكم فرقاً، وهو أنَّ ما قيل لكم أمر حضر وقته وقرب زمانه فأعطيتم محضه وخالصه الذي غير مشوب باحتمال غيره، فلذلك كان ذلك الأمر كما قيل لكم، بخلاف ما قيل لنا من الأمر فإنَّه لم يحضر وقته ولم يقرب زمانه فأُلهينا بالأماني، وقيل لنا: إنَّ هذا الأمر ظهوره قريب تألُّفاً لقلوبنا وإمالةً لها إلى قبوله، فإنَّه لو قيل لنا: هذا الأمر لا يكون إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة أو أكثر من ذلك لقست قلوب أكثر الناس وارتدُّوا عن الإسلام. وبالجملة القول بأنَّ وقوع ذلك الأمر قريب محتمل لأقرب الأوقات إلينا وأبعده، لأنَّ ما يقع في أبعد الأوقات لكونه متحقِّق الوقوع قريب أيضاً، ولذلك حكم (جلَّ شأنه) بقرب قيام القيامة في مواضع عديدة من القرآن، ومن هذه الجهة صدر هذا القول ليحمل المخاطب على أقرب الأوقات ليطمئنَّ قلبه ويستقيم، وإذا مضى الأقرب ولم يظهر حمله على الأقرب وهكذا دائماً وإنْ كان مراد القائل أبعد الأوقات، ففي هذا القول الإجمالي مصلحة عظيمة ومنفعة جليلة، وهم (عليهم السلام) حكماء لا يتركون أمثال هذه المصالح. قوله: (فعُلِّلنا بالأماني) علَّله بالشيء أي ألهاه به كما يُعلَّل الصبيُّ بشيء من الطعام يتجزَّى به عن اللبن، وعلَّه يعلُّه ويعلُّه، أي سقاه السقية الثانية، وعلَّ بنفسه يتعدَّى ولا يتعدَّى، وأعلَّ القوم شربت إبلهم العلل، والتعليل سقي بعد سقي، والمعنى الأوَّل أنسب هنا، أي أُلهينا بالأماني وشُغلنا بها في تلك المدَّة. والثاني أيضاً محتمل، أي سُقينا بالأماني مرَّة بعد أُخرى على سبيل المكنيَّة والتخييليَّة).
↑صفحة ٤٣٧↑
[٣٩٧/١٥] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْأَنْبَارِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ اِبْنِ مِهْزَمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَهُ مُلُوكَ آلِ فُلَانٍ، فَقَالَ: «إِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ مِنِ اسْتِعْجَالِهِمْ لِهَذَا الْأَمْرِ، إِنَّ اللهَ لَا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ الْعِبَادِ، إِنَّ لِهَذَا الْأَمْرِ غَايَةً يُنْتَهَى إِلَيْهَا، فَلَوْ قَدْ بَلَغُوهَا لَمْ يَسْتَقْدِمُوا سَاعَةً وَلَمْ يَسْتَأْخِرُوا»(١٣٢١)،(١٣٢٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٢١) الكافي (ج ١/ ص ٣٦٩/ باب كراهية التوقيت/ ح ٧).
(١٣٢٢) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٣٦): (قوله: (ذكرنا عنده ملوك آل فلان) أي ذكرنا عنده ملوك آل عبَّاس وظهور دولتهم الباطلة وخفاء هذا الأمر ووليِّه وأملنا ظهوره واستعجلنا. قوله: (إنَّما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر) أراد بالهلاك الهلاك الأُخروي باستحقاق العذاب. والحصر من باب المبالغة، لأنَّ الاستعجال من أعظم أسباب الهلاك حتَّى استدلَّ طائفة بعدمه على عدم وجود صاحب هذا الأمر وارتدُّوا عن دينهم. قوله: (إنَّ الله لا يعجل) لبناء أفعاله على الحِكَم والمصالح، ولا تُبدِّل حكمته ومصالحه عجلة العباد ووسائلهم. قوله: (لم يستقدموا ساعة) ذكر عدم الاستقدام من باب الاطِّراد، إذ لا يُتصوَّر الاستقدام على الغاية بعد فرض بلوغها، وهو ظاهر).
↑صفحة ٤٣٨↑
↑صفحة ٤٣٩↑
[٣٩٨/١] أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنِ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ اسْتَقْبَلَ مِنْ جَهْلِ النَّاسِ أَشَدَّ مِمَّا اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مِنْ جُهَّالِ الْجَاهِلِيَّةِ».
قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟
قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَتَى النَّاسَ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ وَالصُّخُورَ وَالْعِيدَانَ(١٣٢٣) وَالْخُشُبَ المَنْحُوتَةَ، وَإِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ أَتَى النَّاسَ وَكُلُّهُمْ يَتَأَوَّلُ عَلَيْهِ كِتَابَ الله، يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِهِ»، ثُمَّ قَالَ: «أَمَا وَالله لَيَدْخُلَنَّ عَلَيْهِمْ عَدْلُهُ جَوْفَ بُيُوتِهِمْ كَمَا يَدْخُلُ الْحَرُّ وَالْقُرُّ(١٣٢٤)».
[٣٩٩/٢] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ المُخْتَارِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ لَوْ قَدْ ظَهَرَ لَقِيَ مِنَ النَّاسِ مِثْلَ مَا لَقِيَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وَأَكْثَرَ».
[٤٠٠/٣] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٢٣) العيدان: جمع العود، وهو الخشب، والمراد الأصنام المنحوتة منه.
(١٣٢٤) في الصحاح للجوهري (ج ٢/ ص ٧٨٩/ مادَّة قرر): (القُرُّ - بالضمِّ -: البرد).
↑صفحة ٤٤١↑
اِبْنِ أَبِي حَمْزَةَ(١٣٢٥)، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ الْقَائِمَ (عليه السلام) يَلْقَى فِي حَرْبِهِ مَا لَمْ يَلْقَ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لِأَنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أَتَاهُمْ وَهُمْ يَعْبُدُونَ حِجَارَةً مَنْقُورَةً(١٣٢٦) وَخُشُباً مَنْحُوتَةً، وَإِنَّ الْقَائِمَ يَخْرُجُونَ عَلَيْهِ فَيَتَأَوَّلُونَ عَلَيْهِ كِتَابَ الله وَيُقَاتِلُونَهُ عَلَيْهِ».
[٤٠١/٤] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى الْعَلَوِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ قُتَيْبَةَ الْأَعْشَى، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) يَقُولُ: «إِذَا ظَهَرَتْ رَايَةُ الْحَقِّ لَعَنَهَا أَهْلُ المَشْرِقِ وَأَهْلُ المَغْرِبِ، أَتَدْرِي لِـمَ ذَاكَ؟».
قُلْتُ: لَا.
قَالَ: «لِلَّذِي يَلْقَى النَّاسُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ قَبْلَ خُرُوجِهِ».
[٤٠٢/٥] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ قُتَيْبَةَ الْأَعْشَى، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا رُفِعَتْ رَايَةُ الْحَقِّ لَعَنَهَا أَهْلُ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ».
قُلْتُ لَهُ: مِمَّ ذَلِكَ؟
قَالَ: «مِمَّا يَلْقَوْنَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».
[٤٠٣/٦] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى وَأَحْمَدَ بْنِ عَلِيٍّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٢٥) هو محمّد بن أبي حمزة ثابت بن أبي صفيَّة الثمالي، مولى، قال العلَّامة (رحمه الله) في خلاصة الأقوال (ص ٢٥٥/ الرقم ٧١): (ثقة، فاضل)، وقال الكشِّي (رحمه الله) في رجاله (ج ٢/ ص ٧٠٧/ الرقم ٧٦١): (سألت أبا الحسن حمدويه بن نصير، عن عليِّ بن أبي حمزة الثمالي والحسين بن أبي حمزة ومحمّد أخويه وابنه، فقال: كلُّهم ثقات فاضلون).
(١٣٢٦) أي المنقوشة بالصور، من نقر الحجر والخشب.
↑صفحة ٤٤٢↑
الْأَعْلَمِ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَدَقَةَ وَابْنِ أُذَيْنَةَ الْعَبْدِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ جَمِيعاً، عَنْ يَعْقُوبَ السَّرَّاجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَدِينَةً وَطَائِفَةً يُحَارِبُ الْقَائِمُ أَهْلَهَا وَيُحَارِبُونَهُ: أَهْلُ مَكَّةَ، وَأَهْلُ المَدِينَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ، وَبَنُو أُمَيَّةَ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَأَهْلُ دَسْتُ مِيسَانَ(١٣٢٧)، وَالْأَكْرَادُ، وَالْأَعْرَابُ، وَضَبَّةُ، وَغَنِيٌّ، وَبَاهِلَةُ، وَأَزْدٌ(١٣٢٨)، وَأَهْلُ الرَّيِّ».
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٢٧) في مراصد الاطِّلاع (ج ٢/ ص ٥٢٦): (دستمسان: كورة جليلة، بين واسط البصرة والأهواز، وهي إلى الأهواز أقرب، قصبتها بساسى، وليست منها، ولكنَّها متَّصلة بها. وقيل: قصبة دستميسان الأبلَّة، فتكون البصرة من هذه الكورة). وفي بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٣٦٣/ ح ١٣٦): (دميسان)، وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله): (لعلَّ الدميسان مصحَّف ديسان، وهو بالكسر قرية بهراة ذكره الفيروزآبادي وقال: دوميس - بالضمِّ - ناحية بأران). وفي نسخة: (دشت ميشان).
(١٣٢٨) في بعض النُّسَخ: (وأزد البصرة).
↑صفحة ٤٤٣↑
باب (١٨): ما جاء في ذكر السفياني، وأنَّ أمره من المحتوم، وأنَّه قبل قيام القائم (عليه السلام)
↑صفحة ٤٤٥↑
[٤٠٤/١] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنِ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ اِبْنُ المُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَيْسِ بْنِ رُمَّانَةَ مِنْ كِتَابِهِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَعْلَبَةُ بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عِيسَى بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «السُّفْيَانِيُّ مِنَ المَحْتُومِ، وَخُرُوجُهُ فِي رَجَبٍ، وَمِنْ أَوَّلِ خُرُوجِهِ إِلَى آخِرِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ شَهْراً، سِتَّةُ أَشْهُرٍ يُقَاتِلُ فِيهَا، فَإِذَا مَلَكَ الْكُوَرَ الْخَمْسَ مَلَكَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا يَوْماً».
[٤٠٥/٢] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ اِبْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ خُنَيْسٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «مِنَ الْأَمْرِ مَحْتُومٌ، وَمِنْهُ مَا لَيْسَ بِمَحْتُومٍ، وَمِنَ المَحْتُومِ خُرُوجُ السُّفْيَانِيِّ فِي رَجَبٍ»(١٣٢٩).
[٤٠٦/٣] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (عليه السلام) يَقُولُ: «اتَّقُوا اللهَ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِالْوَرَعِ وَالْاِجْتِهَادِ فِي طَاعَةِ الله، فَإِنَّ أَشَدَّ مَا يَكُونُ أَحَدُكُمْ اغْتِبَاطاً بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الدِّينِ لَوْ قَدْ صَارَ فِي حَدِّ الْآخِرَةِ وَانْقَطَعَتِ الدُّنْيَا عَنْهُ، فَإِذَا صَارَ فِي ذَلِكَ الْحَدِّ عَرَفَ أَنَّهُ قَدِ اسْتَقْبَلَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٢٩) كمال الدِّين (ص ٦٥٠ و٦٥٢/ باب ٥٧/ ح ٥ و١٥) بتفاوت.
↑صفحة ٤٤٧↑
النَّعِيمَ وَالْكَرَامَةَ مِنَ الله وَالْبُشْرَى بِالْجَنَّةِ، وَأَمِنَ مِمَّا كَانَ يَخَافُ، وَأَيْقَنَ أَنَّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ هُوَ الْحَقُّ، وَأَنَّ مَنْ خَالَفَ دِينَهُ عَلَى بَاطِلٍ، وَأَنَّهُ هَالِكٌ، فَأَبْشِرُوا ثُمَّ أَبْشِرُوا بِالَّذِي تُرِيدُونَه، أَلَسْتُمْ تَرَوْنَ أَعْدَاءَكُمْ يَقْتَتِلُونَ فِي مَعَاصِي الله، وَيَقْتُلُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً عَلَى الدُّنْيَا دُونَكُمْ، وَأَنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ آمِنُونَ فِي عُزْلَةٍ عَنْهُمْ؟ وَكَفَى بِالسُّفْيَانِيِّ نَقِمَةً لَكُمْ(١٣٣٠) مِنْ عَدُوِّكُمْ، وَهُوَ مِنَ الْعَلَامَاتِ لَكُمْ، مَعَ أَنَّ الْفَاسِقَ لَوْ قَدْ خَرَجَ لَمَكَثْتُمْ شَهْراً أَوْ شَهْرَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكُمْ بَأْسٌ حَتَّى يَقْتُلَ خَلْقاً كَثِيراً دُونَكُمْ».
فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِالْعِيَالِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ؟
قَالَ: «يَتَغَيَّبُ الرَّجُلُ(١٣٣١) مِنْكُمْ عَنْهُ، فَإِنَّ حَنَقَهُ(١٣٣٢) وَشَرَهَهُ(١٣٣٣) إِنَّمَا هِيَ عَلَى شِيعَتِنَا، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ بَأْسٌ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى».
قِيلَ: فَإِلَى أَيْنَ يَخْرُجُ(١٣٣٤) الرِّجَالِ وَيَهْرُبُونَ مِنْهُ؟
فَقَالَ: «مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَخْرُجَ، يَخْرُجْ إِلَى المَدِينَةِ أَوْ إِلَى مَكَّةَ أَوْ إِلَى بَعْضِ الْبُلْدَانِ»، ثُمَّ قَالَ: «مَا تَصْنَعُونَ بِالمَدِينَةِ، وَإِنَّمَا يَقْصِدُ جَيْشُ الْفَاسِقِ إِلَيْهَا، وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمَكَّةَ فَإِنَّهَا مَجْمَعُكُمْ، وَإِنَّمَا فِتْنَتُهُ حَمْلُ امْرَأَةٍ: تِسْعَةُ أَشْهُرٍ(١٣٣٥)، وَلَا يَجُوزُهَا إِنْ شَاءَ اللهُ»(١٣٣٦).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٣٠) كذا.
(١٣٣١) في بعض النُّسَخ: (الرجال).
(١٣٣٢) في العين للفراهيدي (ج ٣/ ص ٥١/ مادَّة حنق): (الحنق: شدَّة الاغتياظ).
(١٣٣٣) في الصحاح للجوهري (ج ٦/ ص ٢٢٣٧/ مادَّة شره): (الشَّرَه: غلبة الحرص).
(١٣٣٤) في بعض النُّسَخ: (مخرج).
(١٣٣٥) أي مدَّة تسلُّطه على الخلق مدَّة حمل المرأة ولدها في بطنها، وهي تسعة أشهر، وقد مضى آنفاً أنَّ من أوَّل خروجه إلى آخره خمسة عشر شهراً.
(١٣٣٦) المحاسن للبرقي (ج ١/ ص ١٧٧ و١٧٨/ ح ١٦٢) صدره.
↑صفحة ٤٤٨↑
[٤٠٧/٤] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ اِبْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَجَرَى ذِكْرُ الْقَائِمِ (عليه السلام)، فَقُلْتُ لَهُ: أَرْجُو أَنْ يَكُونَ عَاجِلاً وَلَا يَكُونَ سُفْيَانِيٌّ.
فَقَالَ: «لَا وَالله إِنَّهُ لَمِنَ المَحْتُومِ الَّذِي لَابُدَّ مِنْهُ».
[٤٠٨/٥] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْأَصَمِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليهما السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾ [الأنعام: ٢]، فَقَالَ: «إِنَّهُمَا أَجَلَانِ: أَجَلٌ مَحْتُومٌ، وَأَجَلٌ مَوْقُوفٌ».
فَقَالَ لَهُ حُمْرَانُ: مَا المَحْتُومُ؟
قَالَ: «الَّذِي لله فِيهِ المَشِيئَةُ».
قَالَ حُمْرَانُ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَجَلُ السُّفْيَانِيِّ مِنَ المَوْقُوفِ.
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «لَا وَالله إِنَّهُ لَمِنَ المَحْتُومِ»(١٣٣٧)،(١٣٣٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٣٧) الكافي (ج ١/ ص ١٤٧/ باب البداء/ ح ٤) صدره، وراجع: تفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ٣٥٤ و٣٥٥/ ح ٧) صدره بتفاوت.
(١٣٣٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٤/ ص ٢٤٢ و٢٤٣): ((أجلان) أي أجلان للموت، أو أجلان متغايران بقرينة المقام والتفسير، فلا يرد أنَّ الحمل غير مفيد، لأنَّه بمنزلة أنْ يقال: الأجلان أجلان والاثنان اثنان. (أجل محتوم) أي مبرم محكم لا يتغيَّر ولا يتبدَّل لتعلُّق القضاء بالإمضاء به فلا يجري فيه البداء لما سيجيء من أنَّه لا بداء بعد القضاء، وهو ناظر إلى قوله: ﴿قَضَى أَجَلاً﴾ وتفسير له. (وأجل موقوف) لم يتعلَّق القضاء به بعد لتوقُّف تعلُّقه به على حصول مصالح وشرائط وأُمور خارجة عن ذات الأجل عند حضوره، فإنْ حصلت تلك الأُمور يتعلَّق به القضاء فيصير مبرماً وإلَّا فلا، وتعلُّق العلم الأزلي بحصولها مثلاً عند حضور ذلك الأجل لا يقتضي تقدُّم القضاء عليه، وهذا ناظر إلى قوله: ﴿وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾ معناه: الله أعلم أنَّ الأجل المسمَّى المعلَّق حكمه عنده، إنْ شاء أمضاه بقدرته واختياره، وهذا معنى البداء هنا. وقال بعض الأصحاب: المراد بالأجل المحتوم الأجل لمن مضى فلا بداء فيه لانقضائه وإمضائه، ولا قدرة على ما مضى، وبالأجل الموقوف الأجل لمن يأتي وفيه البداء لتجدُّده بالقدرة، فالفرق بين الأجلين في جريان البداء في الثاني وعدم جريانه في الأوَّل، وإلَّا فكلٌّ من الماضي والآتي محتوم بالنسبة إليه تعالى. وفيه أنَّ كون الآجال الاستقباليَّة كلِّها موقوفة محلُّ نظر، لجواز أنْ يكون بعضها ممَّا حتمه الله تعالى وقضى به في الأزل فلا يجري فيه البداء ولا يقع فيه المحو).
↑صفحة ٤٤٩↑
[٤٠٩/٦] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ مِنْ كِتَابِهِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الطَّوِيلُ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ بَكْرٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ مِنَ الْأُمُورِ أُمُوراً مَوْقُوفَةً وَأُمُوراً مَحْتُومَةً، وَإِنَّ السُّفْيَانِيَّ مِنَ المَحْتُومِ الَّذِي لَابُدَّ مِنْهُ».
[٤١٠/٧] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَّادٌ الصَّائِغُ(١٣٣٩)، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «السُّفْيَانِيُّ لَابُدَّ مِنْهُ، وَلَا يَخْرُجُ إِلَّا فِي رَجَبٍ».
فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِ الله، إِذَا خَرَجَ فَمَا حَالُنَا؟
قَالَ: «إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَإِلَيْنَا(١٣٤٠)»(١٣٤١).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٣٩) كذا، والظاهر أنَّه خلَّاد الصفَّار، وقد تقدَّم الكلام فيه في (ص ٣٦٣)، فراجع.
(١٣٤٠) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٥٠): (أي الأمر ينتهي إلينا ويظهر قائمنا، أي اذهبوا إلى بلد يظهر منه القائم (عليه السلام) فإنَّه لا يصل إليه، أو توسَّلوا بنا).
(١٣٤١) أمالي الطوسي (ص ٦٧٩/ ح ١٤٤٢/٢١ و١٤٤٣/٢٢).
↑صفحة ٤٥٠↑
[٤١١/٨] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ اِبْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ بِنَهَاوَنْدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ(١٣٤٢)، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ الْبَاقِرَ (عليه السلام) عَنِ السُّفْيَانِيِّ، فَقَالَ: «وَأَنَّى لَكُمْ بِالسُّفْيَانِيِّ حَتَّى يَخْرُجَ قَبْلَهُ الشَّيْصَبَانِيُّ(١٣٤٣)، يَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ كُوفَانَ، يَنْبُعُ كَمَا يَنْبُعُ المَاءُ، فَيَقْتُلُ وَفْدَكُمْ، فَتَوَقَّعُوا بَعْدَ ذَلِكَ السُّفْيَانِيَّ، وَخُرُوجَ الْقَائِمِ (عليه السلام)».
[٤١٢/٩] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَسَارٍ الثَّوْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: رَافَقْتُ(١٣٤٤) أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عليهما السلام) بَيْنَ مَكَّةَ وَالمَدِينَةِ، فَقَالَ لِي يَوْماً: «يَا عَلِيُّ، لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ خَرَجُوا عَلَى بَنِي الْعَبَّاسِ لَسُقِيَتِ الْأَرْضُ بِدِمَائِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ السُّفْيَانِيُّ».
قُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، أَمْرُهُ مِنَ المَحْتُومِ؟
قَالَ: «نَعَمْ»، ثُمَّ أَطْرَقَ هُنَيْئَةً(١٣٤٥)، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: «مُلْكُ بَنِي الْعَبَّاسِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٤٢) عمرو بن شمر كان من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام)، ورواية عبد الله بن حمَّاد الأنصاري عنه في سنة (٢٢٩هـ) غريب، لكن روايته عنه غير منحصر بهذا السند في هذا الكتاب، بل روى عنه في الكافي (ج ٥/ ص ٤٤٧/ باب نكاح القابلة/ ح ٢)، وتهذيب الأحكام (ج ٧/ ص ٤٥٥/ ح ١٨٢٣/٣١)، والاستبصار (ج ٣/ ص ١٧٦/ ح ٦٣٩/٣).
(١٣٤٣) الظاهر أنَّه كناية عن رجل عبَّاسي يخرج قبل السفياني، قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٣٦/ ص ٣٥٦): (الشيصبان اسم الشيطان، وإنَّما عبَّر عنهم - أي بني العبَّاس - بذلك لأنَّهم كانوا شرك الشيطان).
(١٣٤٤) في بعض النُّسَخ: (زاملت).
(١٣٤٥) أي مكث قليلاً.
↑صفحة ٤٥١↑
مَكْرٌ وَخِدَاعٌ، يَذْهَبُ حَتَّى يُقَالَ: لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ، ثُمَّ يَتَجَدَّدُ حَتَّى يُقَالَ: مَا مَرَّ بِهِ(١٣٤٦) شَيْءٌ».
[٤١٣/١٠] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الله الْخَالَنْجِيُ(١٣٤٧)، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ دَاوُدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيُّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا (عليه السلام)، فَجَرَى ذِكْرُ السُّفْيَانِيِّ، وَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ أَمْرَهُ مِنَ المَحْتُومِ.
فَقُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): هَلْ يَبْدُو لله فِي المَحْتُومِ؟
قَالَ: «نَعَمْ».
قُلْنَا لَهُ: فَنَخَافُ أَنْ يَبْدُوَ لله فِي الْقَائِمِ.
فَقَالَ: «إِنَّ الْقَائِمَ مِنَ الْمِيعَادِ، وَ﴿اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران: ٩]»(١٣٤٨).
[٤١٤/١١] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي أَحْمَدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْقُرَشِيِّ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٤٦) في نسخة: (منه).
(١٣٤٧) كذا، وفي بعض النُّسَخ: (نحثلجي)، ولم أظفر به في الرجال والتراجم، وإنَّما الملقَّب بالخلنجي جماعة، وليس فيهم محمّد بن أحمد. ومحمّد بن أحمد الذي يروي عن أبي هاشم الجعفري، هو محمّد بن أحمد العلوي الكوكبي، وقد يقال له: الهاشمي. وكأنَّ الكلمة غير مقروءة في الأصل فقرأها كلٌّ على حسب فهمه، وتصحيف الكوكبي بما ذكرناه ليس ببعيد.
(١٣٤٨) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٥١): (لعلَّ للمحتوم معانٍ يمكن البداء في بعضها. وقوله: (من الميعاد) إشارة إلى أنَّه لا يمكن البداء فيه، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾. والحاصل أنَّ هذا شيء وعد الله رسوله وأهل بيته، لصبرهم على المكاره التي وصلت إليهم من المخالفين، والله لا يُخلِف وعده. ثمّ إنَّه يحتمل أنْ يكون المراد بالبداء في المحتوم البداء في خصوصيَّاته لا في أصل وقوعه، كخروج السفياني قبل ذهاب بني العبَّاس ونحو ذلك).
↑صفحة ٤٥٢↑
عَنِ الْحَسَنِ بْنِ الْجَهْمِ(١٣٤٩)، قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا (عليه السلام): أَصْلَحَكَ اللهُ، إِنَّهُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ السُّفْيَانِيَّ يَقُومُ وَقَدْ ذَهَبَ سُلْطَانُ بَنِي الْعَبَّاسِ(١٣٥٠).
فَقَالَ: «كَذَبُوا، إِنَّهُ لَيَقُومُ وَإِنَّ سُلْطَانَهُمْ لَقَائِمٌ».
[٤١٥/١٢] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ (عليه السلام): «إِنَّ لِوُلْدِ الْعَبَّاسِ وَالمَرْوَانِيِّ لَوَقْعَةً بِقِرْقِيسَاءَ يَشِيبُ فِيهَا الْغُلَامُ الْحَزَوَّرُ(١٣٥١)، وَيَرْفَعُ اللهُ عَنْهُمُ النَّصْرَ، وَيُوحِي إِلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَسِبَاعِ الْأَرْضِ: اشْبَعِي مِنْ لُحُومِ الْجَبَّارِينَ، ثُمَّ يَخْرُجُ السُّفْيَانِيُ».
[٤١٦/١٣] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ مِنْ كِتَابِهِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبَاحٍ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأَقْرَعُ(١٣٥٢)، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا اسْتَوْلَى السُّفْيَانِيُّ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٤٩) في بعض النُّسَخ صُحِّف الجهم بـ(إبراهيم)، وأمثال هذا التصحيف في هذا الكتاب كثيرة.
(١٣٥٠) الظاهر أنَّ المراد من بني العبَّاس الحكومات الجائرة، ويحتمل تعدُّد السفياني، أو المراد حكومة بني العباس المجدَّدة، كما هو ظاهر الخبر الذي مرَّ تحت الرقم (٤١٢/٩).
(١٣٥١) في لسان العرب (ج ٤/ ص ١٨٧/ مادَّة حزر): (الحَزَوَّرُ الغلام إِذا اشتدَّ وقوي وخَدَمَ، وقال يعقوب: هو الذي كاد يُدْرِكُ ولم يفعل). وقال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٥١): (الخرور بالخاء المعجمة، ولعلَّ المعنى الذي يخرُّ ويسقط في المشي لصغره، أو بالمهملة أي الحارّ المزاج، فإنَّه أبعد عن الشيب).
(١٣٥٢) هو محمّد بن الربيع بن سويد السائي، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٤٠٢/ الرقم ٥٩٠٧/٢٥) من أصحاب أبي محمّد العسكري (عليه السلام).
↑صفحة ٤٥٣↑
الْكُوَرِ الْخَمْسِ فَعُدُّوا لَهُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ»، وَزَعَمَ هِشَامٌ أَنَّ الْكُوَرَ الْخَمْسَ: دِمَشْقُ، وَفِلَسْطِينُ، وَالْأُرْدُنُّ، وَحِمْصٌ، وَحَلَبُ(١٣٥٣).
[٤١٧/١٤] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ المُبَارَكِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «المَهْدِيُّ أَقْبَلُ(١٣٥٤)، جَعْدٌ، بِخَدِّهِ خَالٌ، يَكُونُ مَبْدَؤُهُ(١٣٥٥) مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ خَرَجَ السُّفْيَانِيُّ، فَيَمْلِكُ قَدْرَ حَمْلِ امْرَأَةٍ: تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، يَخْرُجُ بِالشَّامِ فَيَنْقَادُ لَهُ أَهْلُ الشَّامِ إِلَّا طَوَائِفُ مِنَ المُقِيمِينَ عَلَى الْحَقِّ، يَعْصِمُهُمُ اللهُ مِنَ الْخُرُوجِ مَعَهُ، وَيَأْتِي المَدِينَةَ بِجَيْشٍ جَرَّارٍ حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى بَيْدَاءِ المَدِينَةِ خَسَفَ اللهُ بِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ) فِي كِتَابِهِ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾ [سبأ: ٥١]».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٥٣) روى الصدوق (رحمه الله) في كمال الدِّين (ص ٦٥١ و٦٥٢/ باب ٥٧/ ح ١١) بسنده عن عبد الله بن أبي منصور البجلي، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن اسم السفياني، فقال: «وما تصنع باسمه؟ إذا ملك كور الشام الخمس: دمشق، وحمص، وفلسطين، والأُردن، وقنّسرين، فتوقَّعوا عند ذلك الفرج»، قلت: يملك تسعة أشهر؟ قال: «لا، ولكن يملك ثمانية أشهر لا يزيد يوماً».
في مراصد الاطِّلاع (ج ٣/ ص ١١٢٦): (قنّسرين: مدينة بينها وبين حلب مرحلة).
(١٣٥٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٥٢ و٢٥٣): (قال الفيروزآبادي: القبل في العين إقبال السواد على الأنف، أو مثل الحول، أو أحسن منه، أو إقبال إحدى الحدقتين على الأُخرى، أو إقبالها على عرض الأنف، أو على المحجر، أو على الحاجب، أو إقبال نظر كلٍّ من العينين على صاحبتها، فهو أقبل بيِّن القبل كأنَّه ينظر إلى طرف أنفه. وقال الجزري في صفة هارون (عليه السلام): «في عينيه قبل» هو إقبال السواد على الأنف، وقيل: هو ميل كالحول، انتهى. أقول: محمول على فرد لا يكون موجباً لنقص، بل لحسن في المنظر).
(١٣٥٥) أي مبدأ خروجه عند قيامه.
↑صفحة ٤٥٤↑
[٤١٨/١٥] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «الْيَمَانِيُّ وَالسُّفْيَانِيُّ كَفَرَسَيْ رِهَانٍ(١٣٥٦)»(١٣٥٧).
[٤١٩/١٦] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ المَعْرُوفُ بِأَبِي جَعْفَرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ اِبْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ مُهَاجِرِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)(١٣٥٨) أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): إِذَا اخْتَلَفَ الرُّمْحَانِ بِالشَّامِ لَمْ تَنْجَلِ إِلَّا عَنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ الله.
قِيلَ: وَمَا هِيَ، يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ(١٣٥٩)؟
قَالَ: رَجْفَةٌ تَكُونُ بِالشَّامِ يَهْلِكُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ يَجْعَلُهَا اللهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَذَاباً عَلَى الْكَافِرِينَ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَانْظُرُوا إِلَى أَصْحَابِ الْبَرَاذِينِ الشُّهْبِ المَحْذُوفَةِ(١٣٦٠) وَالرَّايَاتِ الصُّفْرِ تُقْبِلُ مِنَ المَغْرِبِ حَتَّى تَحُلَّ بِالشَّامِ، وَذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٥٦) أي يتسابقان تسابق فرسي رهان. ولعلَّه صوب الكوفة كما مرَّ في الخبرين (٣١٩/١٣) و(٣٢٤/١٨)، ولكن فيهما: (الخراساني والسفياني).
(١٣٥٧) أمالي الطوسي (ص ٦٦١/ ح ١٣٧٦/٢٠).
(١٣٥٨) في بعض النُّسَخ: (عن أبي عبد الله (عليه السلام))، وكأنَّه تحريف، لأنَّ المغيرة بن سعيد كان من أصحاب الباقر (عليه السلام)، وكان كذَّاباً يكذب عليه (عليه السلام) ويدسُّ أحاديث في كُتُب أصحابه، وكان يدعو في أوَّل أمره إلى عبد الله بن الحسن. راجع: اختيار معرفة الرجال (ج ٢/ ص ٤٨٩ فصاعداً).
(١٣٥٩) (لم تنجل) إمَّا من نجل فلاناً بالرمح أي طعنه به، أو من الانجلاء بمعنى الانكشاف فيكون بكسر اللَّام.
(١٣٦٠) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٥٣): (لعلَّ المراد بالمحذوفة مقطوعة الآذان أو الأذناب أو قصيرتهما).
↑صفحة ٤٥٥↑
عِنْدَ الْجَزَعِ الْأَكْبَرِ وَالمَوْتِ الْأَحْمَرِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَانْظُرُوا خَسْفَ قَرْيَةٍ مِنْ دِمَشْقَ يُقَالُ لَهَا: حَرَسْتَا(١٣٦١)، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ خَرَجَ ابْنُ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ مِنَ الْوَادِي الْيَابِسِ حَتَّى يَسْتَوِيَ عَلَى مِنْبَرِ دِمَشْقَ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَانْتَظِرُوا خُرُوجَ المَهْدِيِّ (عليه السلام)»(١٣٦٢).
[٤٢٠/١٧] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ وَهْبٍ(١٣٦٣)، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبَانٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِذَا خَرَجَ السُّفْيَانِيُّ يَبْعَثُ جَيْشاً إِلَيْنَا وَجَيْشاً إِلَيْكُمْ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأْتُونَا عَلَى كُلِّ صَعْبٍ وَذَلُولٍ»(١٣٦٤).
[٤٢١/١٨] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْخَزَّازِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، قَالَ: «السُّفْيَانِيُّ أَحْمَرُ أَشْقَرُ أَزْرَقُ، لَمْ يَعْبُدِ اللهَ قَطُّ، وَلَمْ يَرَ مَكَّةَ وَلَا المَدِينَةَ قَطُّ، يَقُولُ: يَا رَبِّ ثَارِي وَالنَّارَ، يَا رَبِّ ثَارِي وَالنَّارَ(١٣٦٥)»(١٣٦٦).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٦١) في مراصد الاطِّلاع (ج ١/ ص ٣٩٢): (حرستا: قرية كبيرة عامرة في وسط بساتين دمشق على طريق حمص بينها وبين دمشق أكثر من فرسخ).
(١٣٦٢) الغيبة للطوسي (ص ٤٦١/ ح ٤٧٦) بتفاوت.
(١٣٦٣) في بعض النُّسَخ: (القاسم بن وهب).
(١٣٦٤) دلائل الإمامة (ص ٤٨٧/ ح ٤٨٧/٩١).
(١٣٦٥) أي: يا ربِّ، أطلب ثأري ولو كان بدخول النار.
(١٣٦٦) كمال الدِّين (ص ٦٥١/ باب ٥٧/ ح ١٠).
↑صفحة ٤٥٦↑
↑صفحة ٤٥٧↑
[٤٢٢/١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَابُنْدَاذَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي المَغْرَاءِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «لَـمَّا الْتَقَى أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ نَشَرَ الرَّايَةَ - رَايَةَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) -، فَزَلْزَلَتْ أَقْدَامُهُمْ، فَمَا اصْفَرَّتِ الشَّمْسُ حَتَّى قَالُوا: آمِنَّا يا بن أَبِي طَالِبٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ: لَا تَقْتُلُوا الْأَسْرَى، وَلَا تُجْهِزُوا الْجَرْحَى(١٣٦٧)، وَلَا تَتْبَعُوا مُوَلِّياً، وَمَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ، وَلَـمَّا كَانَ يَوْمُ صِفِّينَ سَأَلُوهُ نَشْرَ الرَّايَةِ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ، فَتَحَمَّلُوا عَلَيْهِ بِالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (عليهما السلام) وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ (رضي الله عنه)، فَقَالَ لِلْحَسَنِ: يَا بُنَيَّ، إِنَّ لِلْقَوْمِ مُدَّةً يَبْلُغُونَهَا، وَإِنَّ هَذِهِ رَايَةٌ لَا يَنْشُرُهَا بَعْدِي إِلَّا الْقَائِمُ (صلوات الله عليه)».
[٤٢٣/٢] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله يَحْيَى اِبْنُ زَكَرِيَّا بْنِ شَيْبَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «لَا يَخْرُجُ الْقَائِمُ (عليه السلام) حَتَّى يَكُونَ تَكْمِلَةُ الْحَلْقَةِ(١٣٦٨)».
قُلْتُ: وَكَمْ تَكْمِلَةُ الْحَلْقَةِ؟
قَالَ: «عَشَرَةُ آلَافٍ، جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ يَهُزُّ الرَّايَةَ وَيَسِيرُ بِهَا، فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي المَشْرِقِ وَلَا فِي المَغْرِبِ إِلَّا لَعَنَهَا، وَهِيَ رَايَةُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، نَزَلَ بِهَا جَبْرَئِيلُ يَوْمَ بَدْرٍ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٦٧) في بعض النُّسَخ: (لا تقتلوا الأُسراء، ولا تجهزوا على الجريح)، جهز على الجريح وأجهز عليه: شدَّ عليه وأتمَّ قتله.
(١٣٦٨) في بعض النُّسَخ: (حتَّى يكون في مثل الحلقة).
↑صفحة ٤٥٩↑
ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَا هِيَ وَالله قُطْنٌ وَلَا كَتَّانٌ وَلَا قَزٌّ وَلَا حَرِيرٌ».
قُلْتُ: فَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ هِيَ؟
قَالَ: «مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ، نَشَرَهَا رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ لَفَّهَا وَدَفَعَهَا إِلَى عَلِيٍّ (عليه السلام)، فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَ عَلِيٍّ (عليه السلام) حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الْبَصْرَةِ نَشَرَهَا أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) فَفَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ لَفَّهَا، وَهِيَ عِنْدَنَا هُنَاكَ لَا يَنْشُرُهَا أَحَدٌ حَتَّى يَقُومَ الْقَائِمُ (عليه السلام)، فَإِذَا هُوَ قَامَ نَشَرَهَا، فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ فِي المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ إِلَّا لَعَنَهَا، وَيَسِيرُ الرُّعْبُ قُدَّامَهَا شَهْراً، وَوَرَاءَهَا شَهْراً(١٣٦٩)، وَعَنْ يَمِينِهَا شَهْراً، وَعَنْ يَسَارِهَا شَهْراً».
ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِنَّهُ يَخْرُجُ مَوْتُوراً غَضْبَانَ أَسِفاً لِغَضَبِ الله عَلَى هَذَا الْخَلْقِ، يَكُونُ عَلَيْهِ قَمِيصُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الَّذِي عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَعِمَامَتُهُ السَّحَابُ، وَدِرْعُهُ دِرْعُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) السَّابِغَةُ(١٣٧٠)، وَسَيْفُهُ سَيْفُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذُو الْفَقَارِ، يُجَرِّدُ السَّيْفَ عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ يَقْتُلُ هَرْجاً، فَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِبَنِي شَيْبَةَ(١٣٧١) فَيَقْطَعُ أَيْدِيَهُمْ وَيُعَلِّقُهَا فِي الْكَعْبَةِ، وَيُنَادِي مُنَادِيهِ: هَؤُلَاءِ سُرَّاقُ الله، ثُمَّ يَتَنَاوَلُ قُرَيْشاً، فَلَا يَأْخُذُ مِنْهَا إِلَّا السَّيْفَ، وَلَا يُعْطِيهَا إِلَّا السَّيْفَ، وَلَا يَخْرُجُ الْقَائِمُ (عليه السلام) حَتَّى يُقْرَأَ كِتَابَانِ: كِتَابٌ بِالْبَصْرَةِ، وَكِتَابٌ بِالْكُوفَةِ، بِالْبَرَاءَةِ مِنْ عَلِيٍّ (عليه السلام)»(١٣٧٢).
[٤٢٤/٣] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٦٩) في بعض النُّسَخ: (يسير الرعب أمامها شهراً وخلفها شهراً).
(١٣٧٠) في القاموس المحيط (ج ٣/ ص ١٠٧): (درع سابغة: تامَّة طويلة).
(١٣٧١) هم أولاد شيبة بن عثمان الحجبي الذي كانوا حجبة الكعبة في الجاهليَّة والإسلام ومفتاح الكعبة في أيديهم، فالمراد ببني شيبة حُجَّاب الكعبة.
(١٣٧٢) فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) لابن عقدة (ص ٨٨/ ح ٨٨).
↑صفحة ٤٦٠↑
اِبْنُ سِنَانٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «يَا ثَابِتُ، كَأَنِّي بِقَائِمِ أَهْلِ بَيْتِي قَدْ أَشْرَفَ عَلَى نَجَفِكُمْ هَذَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ -، فَإِذَا هُوَ أَشْرَفَ عَلَى نَجَفِكُمْ نَشَرَ رَايَةَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَإِذَا هُوَ نَشَرَهَا انْحَطَّتْ عَلَيْهِ مَلَائِكَةُ بَدْرٍ».
قُلْتُ: وَمَا رَايَةُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
قَالَ: «عَمُودُهَا مِنْ عُمُدِ عَرْشِ الله وَرَحْمَتِهِ، وَسَائِرُهَا مِنْ نَصْرِ الله، لَا يَهْوِي بِهَا إِلَى شَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكَهُ اللهُ».
قُلْتُ: فَمَخْبُوَّةٌ عِنْدَكُمْ حَتَّى يَقُومَ الْقَائِمُ (عليه السلام) فَيَجِدَهَا أَمْ يُؤْتَى بِهَا؟
قَالَ: «لَا، بَلْ يُؤْتَى بِهَا(١٣٧٣)».
قُلْتُ: مَنْ يَأْتِيهِ بِهَا؟
قَالَ: «جَبْرَئِيلُ (عليه السلام)»(١٣٧٤).
[٤٢٥/٤] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْقَائِمِ عَلَى نَجَفِ الْكُوفَةِ عَلَيْهِ خَوْخَةٌ(١٣٧٥) مِنْ إِسْتَبْرَقٍ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٧٣) مخبوء: أي مستور، من خبَّأه: أي ستره وأخفاه، والعرب تركت الهمزة.
(١٣٧٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٣٦٢): (يمكن أنْ يكون نفي كونها عندهم تقيَّة لئلَّا يطلب منهم سلاطين الوقت، أو بعد الغيبة رُفِعَ إلى السماء ثمّ يأتي بها جبرئيل، أو يكون راية أُخرى غير ما مرَّ).
(١٣٧٥) الخوخة: ضرب من الثياب خضر. راجع: العين للفراهيدي (ج ٤/ ص ٣١٨/ مادَّة خوخ). وفي بعض النُّسَخ: (جواحة)، وفي جلِّ النُّسَخ: (خداعة)، وفي كامل الزيارات (ص ٢٣٣/ ح ٣٤٨/٥): (خداجة)، قال العلَّامة المجالسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٣٢٩): (الخداجة: لم أرَ لها معنًى مناسباً، وفي النعماني: الخداعة، وهي أيضاً كذلك، ولا يبعد أنْ يكون من الخدع والستر، أي الثوب الذي يستر الدرع أو يخدع الناس لكون الدرع مستوراً تحته، ويمكن أنْ يكون الأوَّل مصحَّف الخلاجة، والخلَّاج ككتَّان نوع من البرود لها خطط، وكونه من إستبرق لا يخلو من إشكال، ولعلَّه محمول على ما كان مخلوطاً بالقطن). والظاهر أنَّ نسخة الأصل غير مقروءة والاختلاف نشأ من ذلك، والأصوب ما في المتن.
↑صفحة ٤٦١↑
وَيَلْبَسُ دِرْعَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فَإِذَا لَبِسَهَا انْتَفَضَتْ بِهِ حَتَّى تَسْتَدِيرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَرْكَبُ فَرَساً لَهُ أَدْهَمَ(١٣٧٦) أَبْلَقَ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ شِمْرَاخٌ(١٣٧٧) بَيِّنٌ، مَعَهُ رَايَةُ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
قُلْتُ: مَخْبُوَّةٌ أَوْ يُؤْتَى بِهَا(١٣٧٨)؟
قَالَ: «بَلْ يَأْتِيهِ بِهَا جَبْرَئِيلُ، عَمُودُهَا مِنْ عُمُدِ عَرْشِ الله، وَسَائِرُهَا مِنْ نَصْرِ الله، لَا يَهْوِي بِهَا إِلَى شَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكَهُ اللهُ، يَهْبِطُ بِهَا تِسْعَةُ آلَافِ مَلَكٍ وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ مَلَكاً».
فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، كُلُّ هَؤُلَاءِ مَعَهُ؟
قَالَ: «نَعَمْ، هُمُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ، وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَ إِبْرَاهِيمَ حَيْثُ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ مُوسَى لَـمَّا فُلِقَ لَهُ الْبَحْرُ، وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَ عِيسَى لَـمَّا رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ، وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ مُسَوِّمِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ مَلَكاً كَانُوا مَعَهُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَمَعَهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ صَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ يَسْتَأْذِنُونَ فِي الْقِتَالِ(١٣٧٩) مَعَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام)، فَهَبَطُوا إِلَى الْأَرْضِ وَقَدْ قُتِلَ، فَهُمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٧٦) في العين للفراهيدي (ج ٤/ ص ٣١/ مادَّة دهم): (الأدهم: الأسود).
(١٣٧٧) في الصحاح للجوهري (ج ١/ ص ٤٢٥/ مادَّة شمرخ): (الشمراخ: غرَّة الفرس إذا دقَّت وسالت وجلَّلت الخيشوم ولم تبلغ الجحفلة).
(١٣٧٨) في بعض النُّسَخ: (قلت: مخبوءة هي أم يؤتى بها؟).
(١٣٧٩) في بعض النُّسَخ: (يصعدون السماء يستأمرون في القتال).
↑صفحة ٤٦٢↑
عِنْدَ قَبْرِهِ شُعْثٌ غُبْرٌ(١٣٨٠) يَبْكُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ الْقَائِمِ (عليه السلام)»(١٣٨١).
[٤٢٦/٥] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَعْدَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ الْقَاسِمِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «كَأَنِّي بِالْقَائِمِ(١٣٨٢) فَإِذَا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِ النَّجَفِ لَبِسَ دِرْعَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الْأَبْيَضَ، فَيَنْتَفِضُ هُوَ بِهَا فَيَسْتَدِيرُهَا عَلَيْهِ، فَيَغْشَاهَا بِخَدَاعَةٍ مِنْ إِسْتَبْرَقٍ(١٣٨٣)، وَيَرْكَبُ فَرَساً لَهُ أَدْهَمَ أَبْلَقَ، بَيْنَ عَيْنَيْهِ شِمْرَاخٌ، فَيَنْتَفِضُ بِهِ انْتِفَاضَةً لَا يَبْقَى أَهْلُ بَلَدٍ إِلَّا وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُ مَعَهُمْ فِي بَلَدِهِمْ، وَيَنْشُرُ رَايَةَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، عَمُودُهَا مِنْ عُمُدِ عَرْشِ الله(١٣٨٤)، وَسَائِرُهَا مِنْ نَصْرِ الله، مَا يَهْوِي بِهَا إِلَى شَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكَهُ اللهُ».
قُلْتُ: أَمَخْبُوٌّ هِيَ أَمْ يُؤْتَى بِهَا؟
قَالَ: «بَلْ يَأْتِي بِهَا جَبْرَئِيلُ (عليه السلام)، فَإِذَا هَزَّهَا لَمْ يَبْقَ مُؤْمِنٌ إِلَّا صَارَ قَلْبُهُ أَشَدَّ مِنْ زُبَرِ الْحَدِيدِ، وَأُعْطِيَ قُوَّةَ أَرْبَعِينَ رَجُلاً، وَلَا يَبْقَى مُؤْمِنٌ مَيِّتٌ إِلَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ الْفَرْحَةُ فِي قَبْرِهِ، وَذَلِكَ حَيْثُ يَتَزَاوَرُونَ فِي قُبُورِهِمْ وَيَتَبَاشَرُونَ بِقِيَامِ الْقَائِمِ (عليه السلام)، وَيَنْحَطُّ عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ أَلْفاً وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ مَلَكاً».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٨٠) جمع أشعث وأعبر، أي منتشر الشعور، مغبر الرؤوس، لقلَّة تعهُّدهم بالدهن والاستحداد، كنَّى بذلك عن شدَّة حزنهم عليه (صلوات الله عليه).
(١٣٨١) كامل الزيارات (ص ٢٣٣ - ٢٣٥/ ح ٣٤٨/٥)، كمال الدِّين (ص ٦٧١ و٦٧٢/ باب ٥٨/ ح ٢٢)، دلائل الإمامة (ص ٤٥٧ و٤٥٨/ ح ٤٣٧/٤١).
(١٣٨٢) في بعض النُّسَخ: (كأنِّي أنظر إلى القائم).
(١٣٨٣) تقدَّم الكلام فيه آنفاً.
(١٣٨٤) في بعض النُّسَخ: (عودها من عمد عرش الله).
↑صفحة ٤٦٣↑
قَالَ: فَقُلْتُ: كُلُّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مَعَ أَحَدٍ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ؟
قَالَ: «نَعَمْ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ نُوحٍ فِي السَّفِينَةِ، وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَ إِبْرَاهِيمَ حَيْثُ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَ مُوسَى حِينَ فُلِقَ الْبَحْرُ، وَالَّذِينَ كَانُوا مَعَ عِيسَى حِينَ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ، وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مُرْدِفِينَ، وَثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ مَلَكاً كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَرْبَعَةُ آلَافٍ هَبَطُوا يُرِيدُونَ الْقِتَالَ مَعَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ(١٣٨٥)، فَرَجَعُوا فِي الْاِسْتِيمَارِ، فَهَبَطُوا وَقَدْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ (عليه السلام)، فَهُمْ عِنْدَ قَبْرِهِ شُعْثٌ غُبْرٌ يَبْكُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَرَئِيسُهُمْ مَلَكٌ يُقَالُ لَهُ: مَنْصُورٌ، فَلَا يَزُورُهُ زَائِرٌ إِلَّا اسْتَقْبَلُوهُ، وَلَا يُوَدِّعُهُ مُوَدِّعٌ إِلَّا شَيَّعُوهُ، وَلَا مَرِيضٌ إِلَّا عَادُوهُ، وَلَا يَمُوتُ مَيِّتٌ إِلَّا صَلَّوْا عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرُوا لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَنْتَظِرُونَ قِيَامَ الْقَائِمِ (عليه السلام)».
فصلَّى الله على من هذه منزلته ومرتبته ومحلُّه من الله (عزَّ وجلَّ)، وأبعد الله من ادَّعى ذلك لغيره ممَّن لا يستحقُّه ولا يكون هو أهلاً له ولا مرضيًّا له، وأكرمنا بموالاته، وجعلنا من أنصاره وأشياعه، برحمته ومنِّه.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٨٥) زاد في بعض النُّسَخ: (في القتال).
↑صفحة ٤٦٤↑
↑صفحة ٤٦٥↑
[٤٢٧/١] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ غَالِبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي جَمِيلَةَ المُفَضَّلِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى المُسَيَّبَ بْنَ نَجَبَةَ، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَمَعَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ السَّوْدَاءِ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ هَذَا يَكْذِبُ عَلَى الله وَعَلَى رَسُولِهِ وَيَسْتَشْهِدُكَ.
فَقَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «لَقَدْ أَعْرَضَ وَأَطْوَلَ(١٣٨٦)، يَقُولُ مَا ذَا؟».
فَقَالَ: يَذْكُرُ جَيْشَ الْغَضَبِ.
فَقَالَ: «خَلِّ سَبِيلَ الرَّجُلِ، أُولَئِكَ قَوْمٌ يَأْتُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَزَعٌ كَقَزَعِ الْخَرِيفِ، وَالرَّجُلُ وَالرِّجْلَانِ وَالثَّلَاثَةُ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ حَتَّى يَبْلُغَ تِسْعَةً، أَمَا وَالله إِنِّي لَأَعْرِفُ أَمِيرَهُمْ وَاسْمَهُ وَمُنَاخَ رِكَابِهِمْ»، ثُمَّ نَهَضَ وَهُوَ يَقُولُ: «بَاقِراً بَاقِراً بَاقِراً»، ثُمَّ قَالَ: «ذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ ذُرِّيَّتِي يَبْقُرُ الْحَدِيثَ بَقْراً».
[٤٢٨/٢] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ المَسْعُودِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ بِقُمَّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ(١٣٨٧)، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الله
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٨٦) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٤٨): ((لقد أعرض وأطول): أي قال لك قولاً عريضاً طويلاً تنسبه إلى الكذب فيه، ويحتمل أنْ يكون المعنى أنَّ السائل أعرض وأطول في السؤال).
(١٣٨٧) قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٣٨ و٢٣٩/ الرقم ٦٣٣): (عبد الرحمن بن أبي حمَّاد، أبو القاسم، كوفي، صيرفي، انتقل إلى قم وسكنها، وهو صاحب دار أحمد بن أبي عبد الله البرقي، رُمِيَ بالضعف والغلوِّ، له كتاب).
↑صفحة ٤٦٧↑
الْأَشْعَرِيِّ(١٣٨٨)، عَنْ عُتَيْبَةَ بْنِ سَعْدَانَ بْنِ يَزِيدَ(١٣٨٩)، عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ (عليه السلام) فِي حَاجَةٍ لِي، فَجَاءَ ابْنُ الْكَوَّاءِ وَشَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، فَاسْتَأْذَنَا عَلَيْهِ.
فَقَالَ لِي عَلِيٌّ (عليه السلام): «إِنْ شِئْتَ فَأْذَنْ لَهُمَا، فَإِنَّكَ أَنْتَ بَدَأْتَ بِالْحَاجَةِ».
قَالَ: قُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، فَأْذَنْ لَهُمَا، فَلَمَّا دَخَلَا قَالَ: «مَا حَمَلَكُمَا عَلَى أَنْ خَرَجْتُمَا عَلَيَّ بِحَرُورَاءَ؟».
قَالَا: أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ مِنْ [جَيْشِ] الْغَضَبِ(١٣٩٠).
قَالَ: «وَيْحَكُمَا وهَلْ فِي وِلَايَتِي غَضَبٌ؟ أَوَيَكُونُ الْغَضَبُ حَتَّى يَكُونَ مِنَ الْبَلَاءِ كَذَا وَكَذَا؟ ثُمَّ يَجْتَمِعُونَ قَزَعاً كَقَزَعِ الْخَرِيفِ مِنَ الْقَبَائِلِ، مَا بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْاِثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَالْأَرْبَعَةِ وَالْخَمْسَةِ وَالسِّتَّةِ وَالسَّبْعَةِ وَالثَّمَانِيَةِ وَالتِّسْعَةِ وَالْعَشَرَةِ».
[٤٢٩/٣] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنِ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «إِذَا أُذِنَ الْإِمَامُ دَعَا اللهَ بِاسْمِهِ الْعِبْرَانِيِّ، فَأُتِيحَتْ لَهُ صَحَابَتُهُ(١٣٩١) الثَّلَاثُمِائَةِ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ قَزَعٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٨٨) يعقوب بن عبد الله بن سعد بن مالك بن هانئ بن عامر بن أبي عامر الأشعري، أبو الحسن القمِّي، ثقة عند الطبراني وابن حبَّان، وقال أبو نعيم الأصفهاني: كان جرير بن عبد الرحمن إذا رآه قال: هذا مؤمن آل فرعون. راجع: تهذيب التهذيب (ج ١١/ ص ٣٤٢/ الرقم ٦٥٣).
(١٣٨٩) لم أعثر عليه، وفي بعض النُّسَخ: (عيينة)، ولم أظفر به أيضاً.
(١٣٩٠) كذا في النُّسَخ، وفي بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٤٨/ ح ١٢٩): (أحببنا أنْ تكون من الغضب) بصيغة الخطاب، وفي بعض النُّسَخ بزيادة (جيش) قبل (الغضب).
(١٣٩١) أي تهيَّأت له، وفي بعض النُّسَخ: (انتجب له أصحابه)، وفي بعضها: (فانتجب له صحابته).
↑صفحة ٤٦٨↑
كَقَزَعِ الْخَرِيفِ، فَهُمْ أَصْحَابُ الْأَلْوِيَةِ، مِنْهُمْ مَنْ يُفْقَدُ مِنْ فِرَاشِهِ(١٣٩٢) لَيْلاً فَيُصْبِحُ بِمَكَّةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَى يَسِيرُ فِي السَّحَابِ نَهَاراً يُعْرَفُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَحِلْيَتِهِ وَنَسَبِهِ».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَيُّهُمْ أَعْظَمُ إِيمَاناً؟
قَالَ: «الَّذِي يَسِيرُ فِي السَّحَابِ نَهَاراً، وَهُمُ المَفْقُودُونَ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ [البقرة: ١٤٨]»(١٣٩٣).
[٤٣٠/٤] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ ضُرَيْسٍ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ - أَوْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «الْفُقَدَاءُ قَوْمٌ يُفْقَدُونَ مِنْ فُرُشِهِمْ فَيُصْبِحُونَ بِمَكَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾، وَهُمْ أَصْحَابُ الْقَائِمِ (عليه السلام)»(١٣٩٤).
[٤٣١/٥] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ اِبْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ بِنَهَاوَنْدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله اِبْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ بُكَيْرٍ، عَنْ أَبَانِ اِبْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) فِي مَسْجِدٍ بِمَكَّةَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي، فَقَالَ: «يَا أَبَانُ، سَيَأْتِي اللهُ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فِي مَسْجِدِكُمْ هَذَا(١٣٩٥)، يَعْلَمُ أَهْلُ مَكَّةَ(١٣٩٦) أَنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ آبَاؤُهُمْ وَلَا أَجْدَادُهُمْ بَعْدُ، عَلَيْهِمُ السُّيُوفُ، مَكْتُوبٌ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٩٢) في بعض النُّسَخ: (يُفتقَد من فراشه).
(١٣٩٣) تفسير العيَّاشي (ج ١/ ص ٦٧/ ح ١١٨)؛ وراجع: كمال الدِّين (ص ٦٧٢/ باب ٥٨/ ح ٢٤).
(١٣٩٤) كمال الدِّين (ص ٦٥٤/ باب ٥٧/ ح ٢١).
(١٣٩٥) في المصادر: (يعني مكَّة).
(١٣٩٦) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٣٦٩): (قوله (عليه السلام): (يعلم أهل مكَّة): لعلَّه كناية عن أنَّهم لا يعرفونهم بوجه).
↑صفحة ٤٦٩↑
كُلِّ سَيْفٍ اسْمُ الرَّجُلِ وَاسْمُ أَبِيهِ وَحِلْيَتُهُ وَنَسَبُهُ، ثُمَّ يَأْمُرُ مُنَادِياً فَيُنَادِي: هَذَا المَهْدِيُّ يَقْضِي بِقَضَاءِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ، لَا يَسْأَلُ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً»(١٣٩٧).
[٤٣٢/٦] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ الْكَاتِبِ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُ بِسُرَّ مَنْ رَأَى(١٣٩٨)، عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ(١٣٩٩)، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الطَّائِيِّ(١٤٠٠)، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ [النمل: ٦٢]، قَالَ: «نَزَلَتْ فِي الْقَائِمِ (عليه السلام)، وَكَانَ جَبْرَئِيلُ (عليه السلام) عَلَى الْمِيزَابِ فِي صُورَةِ طَيْرٍ أَبْيَضَ، فَيَكُونُ أَوَّلَ خَلْقِ الله مُبَايَعَةً لَهُ، أَعْنِي جَبْرَئِيلَ، وَيُبَايِعُهُ النَّاسُ الثَّلَاثُمِائَةِ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ، فَمَنْ كَانَ ابْتُلِيَ بِالمَسِيرِ وَافَى فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، وَمَنْ [لَمْ يُبْتَلَ بِالمَسِيرِ](١٤٠١) فُقِدَ مِنْ فِرَاشِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ (عليه السلام): المَفْقُودُونَ مِنْ فُرُشِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً﴾ [البقرة: ١٤٨]»، قَالَ: «الْخَيْرَاتُ الْوَلَايَةُ لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»(١٤٠٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٣٩٧) بصائر الدرجات (ص ٣٣١/ ج ٦/ باب ١٨/ ح ١١)، الخصال (ص ٦٤٩/ ح ٤٣)، كمال الدِّين (ص ٦٧١/ باب ٥٨/ ح ١٩).
(١٣٩٨) هارون بن مسلم بن سعدان، كوفي الأصل وتحوَّل إلى البصرة، ثمّ تحوَّل إلى بغداد، وكان ينزل سُرَّ من رأى، واشتبه على الخطيب وقال في تاريخ بغداد (ج ١٤/ ص ٢٣/ الرقم ٧٣٥٤): إنَّه كان من أهل سُرَّ من رأى.
(١٣٩٩) مسعدة بن صدقة، عامِّي المذهب، بتري، وله كُتُب. راجع: جامع الرواة (ج ٢/ ص ٢٢٨).
(١٤٠٠) عبد الحميد بن عواض الطائي، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٣٩/ الرقم ٥٠٤٥/٦) من أصحاب أبي الحسن موسى (عليه السلام)، قائلاً: (ثقة، من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)). وفي بعض النُّسَخ: (عبد الحميد الطويل)، وهو تصحيف من النُّسَاخ.
(١٤٠١) ما بين المعقوفتين ساقط من النُّسَخ، فاختلَّ المعنى بدونه، فصحَّحناه من المصادر.
(١٤٠٢) راجع: تفسير القمِّي (ج ٢/ ص ٢٠٥)، الكافي (ج ٨/ ص ٣١٣/ ح ٤٨٧).
↑صفحة ٤٧٠↑
[٤٣٣/٧] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «سَيَبْعَثُ اللهُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً إِلَى مَسْجِدٍ بِمَكَّةَ، يَعْلَمُ أَهْلُ مَكَّةَ أَنَّهُمْ لَمْ يُولَدُوا مِنْ آبَائِهِمْ وَلَا أَجْدَادِهِمْ، عَلَيْهِمْ سُيُوفٌ، مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا أَلْفُ كَلِمَةٍ، كُلُّ كَلِمَةٍ مِفْتَاحُ أَلْفِ كَلِمَةٍ، وَيَبْعَثُ اللهُ الرِّيحَ مِنْ كُلِّ وَادٍ تَقُولُ: هَذَا المَهْدِيُّ يَحْكُمُ بِحُكْمِ دَاوُدَ، وَلَا يُرِيدُ بَيِّنَةً».
[٤٣٤/٨] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ أَبُو سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، قَالَ: «أَصْحَابُ الْقَائِمِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً أَوْلَادُ الْعَجَمِ، بَعْضُهُمْ يُحْمَلُ فِي السَّحَابِ نَهَاراً، يُعْرَفُ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَنَسَبِهِ وَحِلْيَتِهِ، وَبَعْضُهُمْ نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِهِ فَيُوَافِيهِ فِي مَكَّةَ(١٤٠٣) عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ».
[٤٣٥/٩] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ حَسَّانَ الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام): «أَنَّ الْقَائِمَ يَهْبِطُ مِنْ ثَنِيَّةِ ذِي طُوًى فِي عِدَّةِ أَهْلِ بَدْرٍ - ثَلَاثِمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلاً - حَتَّى يُسْنِدَ ظَهْرَهُ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَيَهُزُّ الرَّايَةَ الْغَالِبَةَ».
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِأَبِي الْحَسَنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ (عليهما السلام).
فَقَالَ: «كِتَابٌ مَنْشُورٌ(١٤٠٤)».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٠٣) في بعض النُّسَخ: (فيرى في مكَّة)، وفي بعضها: (فيوافيه بمكَّة على غير ميعاد).
(١٤٠٤) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٣٧٠): (أي هذا مثبت في الكتاب المنشور، أو معه الكتاب، أو الراية كتاب منشور).
↑صفحة ٤٧١↑
[٤٣٦/١٠] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْمِقْدَامِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ ظَبْيَانَ(١٤٠٥)، عَنْ أَبِي تَحْيَى حُكَيْمِ بْنِ سَعْدٍ(١٤٠٦)، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا (عليه السلام) يَقُولُ: «إِنَّ أَصْحَابَ الْقَائِمِ شَبَابٌ لَا كُهُولَ فِيهِمْ إِلَّا كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ، أَوْ كَالْمِلْحِ فِي الزَّادِ، وَأَقَلُّ الزَّادِ الْمِلْحُ»(١٤٠٧).
[٤٣٧/١١] أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام): «بَيْنَا شَبَابُ الشِّيعَةِ عَلَى ظُهُورِ سُطُوحِهِمْ نِيَامٌ إِذْ تَوَافَوْا إِلَى صَاحِبِهِمْ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، فَيُصْبِحُونَ بِمَكَّةَ».
[٤٣٨/١٢] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ اِبْنُ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمْزَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ هَارُونَ الْعِجْلِيِّ، قَالَ: قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ(١٤٠٨): «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ مَحْفُوظَةٌ لَهُ أَصْحَابُهُ لَوْ ذَهَبَ النَّاسُ جَمِيعاً أَتَى اللهُ لَهُ بِأَصْحَابِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ [الأنعام: ٨٩]، وهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِمْ: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [المائدة: ٥٤]».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٠٥) عمران بن ظبيان الحنفي، كوفي، ذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٧/ ص ٢٣٩).
(١٤٠٦) أبو تحيى حُكيم بن سعد الحنفي الكوفي، قال العجلي في معرفة الثقات (ج ١/ ص ٣١٨/ الرقم ٣٥١): (ثقة)، وذكره ابن حبَّان في الثقات (ج ٤/ ص ١٨٢).
(١٤٠٧) الغيبة للطوسي (ص ٤٧٦/ ح ٥٠١).
(١٤٠٨) في بعض النُّسَخ: (قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إنَّ صاحب...) إلخ.
↑صفحة ٤٧٢↑
[٤٣٩/١٣] حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَسَّانَ الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْكُوفِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ اِبْنُ أَبِي هَاشِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَ طَالُوتَ ابْتُلُوا بِالنَّهَرِ الَّذِي قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة: ٢٤٩]، وَإِنَّ أَصْحَابَ الْقَائِمِ (عليه السلام) يُبْتَلَوْنَ بِمِثْلِ ذَلِكَ»(١٤٠٩).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٠٩) الغيبة للطوسي (ص ٤٧٢/ ح ٤٩١)، وفيه: (إنَّ أصحاب موسى...).
↑صفحة ٤٧٣↑
باب (٢١): ما جاء في ذكر أحوال الشيعة عند خروج القائم (عليه السلام) وقبله وبعده
↑صفحة ٤٧٥↑
[٤٤٠/١] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنِ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الصَّبَّاحِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ(١٤١٠)، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «إِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ (عليه السلام) خَرَجَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَدَخَلَ فِيهِ شِبْهُ عَبَدَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ(١٤١١)».
[٤٤١/٢] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ اِبْنِ يَعْقُوبَ أَبُو الْحَسَنِ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ المُفَضَّلِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَشْعَرِيِّ(١٤١٢)، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ أَذْهَبَ اللهُ عَنْ كُلِّ مُؤْمِنٍ الْعَاهَةَ، وَرَدَّ إِلَيْهِ قُوَّتَهُ»(١٤١٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤١٠) الظاهر كونه جعفر بن محمّد بن أبي الصباح الكوفي الذي يروي عن إبراهيم بن عبد الحميد كثيراً.
(١٤١١) في بعض النُّسَخ: (ودخل في سُنَّة عبدة الشمس والقمر).
(١٤١٢) كذا، وفي بعض النُّسَخ: ( عن أبي الفضل بن محمّد الأشعري)، ولم أجد بهذين العنوانين أحداً في هذه الطبقة، نعم قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٣٠٩/ الرقم ٨٤٥): (الفضل ابن محمّد الأشعري، له كتاب أخبرنا الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن جعفر، عن أحمد ابن إدريس، عن محمّد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطَّاب، عن الحسن بن عليِّ بن فضَّال، عن الفضل بن محمّد الأشعري بكتابه)، والظاهر أنَّه غيره لاختلاف طبقتهما.
(١٤١٣) الخصال (ص ٥٤١/ ح ١٤) بتفاوت.
↑صفحة ٤٧٧↑
[٤٤٢/٣] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سَعْدَانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَبَّاحٍ المُزَنِيِّ(١٤١٤)، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ(١٤١٥)، عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ(١٤١٦)، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى شِيعَتِنَا بِمَسْجِدِ الْكُوفَةِ قَدْ ضَرَبُوا الْفَسَاطِيطَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ الْقُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ(١٤١٧)، أَمَا إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ كَسَرَهُ وَسَوَّى قِبْلَتَهُ».
[٤٤٣/٤] [أَخْبَرَنَا] عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَجَّالُ(١٤١٨)، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ(١٤١٩)، عَنْ أَبِي عَبْدِ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤١٤) هو صباح بن يحيى المزني، أبو محمّد، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٠١/ الرقم ٥٣٧): (كوفي، ثقة)، وقال ابن الغضائري (رحمه الله) في رجاله (ص ٧٠/ الرقم ٧١/٣): (زيدي، حديثه في أحديث أصحابنا، ضعيف).
(١٤١٥) الحارث بن حصيرة، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٦٢/ الرقم ٥٣٧/٢٨) من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وفي (ص ١٣٣/ الرقم ١٣٧٤/٥٣) من أصحاب أبي جعفر الباقر (عليه السلام)، قائلاً: (الحارث بن حصيرة الأزدي، تابعي، أبو النعمان، كوفي)، وفي (ص ١٩١/ الرقم ٢٣٦٧/٢٢٤) من أصحاب أبي عبد الله الصادق (عليه السلام).
(١٤١٦) حبة بن جوين العرني، عدَّه الطوسي (رحمه الله) في رجاله (ص ٦٠/ الرقم ٥١٨/٩) من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام)، قائلاً: (كوفي، وكنيته: حبَّة أبو قدامة، وقيل: ابن حوية العرني)، وفي (ص ٩٤/ الرقم ٩٢٩/٥) من أصحاب أبي محمّد الحسن بن عليٍّ (عليه السلام).
(١٤١٧) الظاهر أنَّه يقصد (عليه السلام) أنَّهم يُعلِّمونهم القرآن على حدوده كاملة، وقد ورد أنَّ القرآن الذي بخطِّ عليٍّ (عليه السلام) ويتوارثه الأئمَّة (عليهم السلام) يتفاوت مع القرآن في ترتيب سوره وربَّما آياته، لا في الزيادة والنقصان.
(١٤١٨) عبد الله بن محمّد الحجَّال الأسدي، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٢٦/ الرقم ٥٩٥): (مولاهم، كوفي، الحجَّال المزخرف، أبو محمّد...، ثقة ثقة، ثبت).
(١٤١٩) عليُّ بن عقبة بن خالد الأسدي، أبو الحسن، قال النجاشي (رحمه الله) في رجاله (ص ٢٧١/ الرقم ٧١٠): (مولى، كوفي، ثقة ثقة).
↑صفحة ٤٧٨↑
الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كَأَنِّي بِشِيعَةِ عَلِيٍّ فِي أَيْدِيهِمُ المَثَانِي يُعَلِّمُونَ النَّاسَ المُسْتَأْنَفَ».
[٤٤٤/٥] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ صَبَّاحٍ المُزَنِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ، عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا (عليه السلام) يَقُولُ: «كَأَنِّي بِالْعَجَمِ فَسَاطِيطُهُمْ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ الْقُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ».
قُلْتُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَوَلَيْسَ هُوَ كَمَا أُنْزِلَ؟
فَقَالَ: «لَا، مُحِيَ مِنْهُ سَبْعُونَ(١٤٢٠) مِنْ قُرَيْشٍ بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ، وَمَا تُرِكَ أَبُو لَهَبٍ إِلَّا إِزْرَاءً عَلَى رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لِأَنَّهُ عَمُّهُ».
[٤٤٥/٦] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَمَّنْ رَوَاهُ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «كَيْفَ أَنْتُمْ لَوْ ضَرَبَ أَصْحَابُ الْقَائِمِ (عليه السلام) الْفَسَاطِيطَ فِي مَسْجِدِ كُوفَانَ، ثُمَّ يُخْرَجُ إِلَيْهِمُ الْمِثَالَ المُسْتَأْنَفَ، أَمْرٌ جَدِيدٌ، عَلَى الْعَرَبِ شَدِيدٌ؟».
[٤٤٦/٧] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو طَاهِرٍ الْوَرَّاقُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ عِيسَى، عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ الْكِنَانِيِّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَدَخَلَ عَلَيْهِ شَيْخٌ وَقَالَ: قَدْ عَقَّنِي وَلَدِي وَجَفَانِي إِخْوَانِي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٢٠) قال الفتلاوي في علامات المهدي المنتظَر (عجَّل الله فرجه) (ص ٢٣٥): (توضيح: يحمل علماء الشيعة معنى المحي الواقع في القرآن - في مثل هذه الرواية وغيرها - على ما جاء عن الوحي من تفسير وتأويل للقرآن، وهو الذي كتبه الإمام عليٌّ (عليه السلام) بهامشه، بإملاء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليه، وكان هذا التفسير مثبتاً في مصحف عليٍّ (عليه السلام) الذي جمعه بعد وفاة النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وجاء به للشيخين فرفضاه، وألَّفا مصحفاً غيره خالٍ من التفسير والتأويل النبوي).
↑صفحة ٤٧٩↑
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «أَوَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلْحَقِّ دَوْلَةً، وَلِلْبَاطِلِ دَوْلَةً(١٤٢١)؟ كِلَاهُمَا ذَلِيلٌ فِي دَوْلَةِ صَاحِبِهِ، فَمَنْ أَصَابَتْهُ رَفَاهِيَةُ الْبَاطِلِ اقْتُصَّ مِنْهُ فِي دَوْلَةِ الْحَقِّ(١٤٢٢)»(١٤٢٣).
[٤٤٧/٨] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ (عليهم السلام)، قَالَ: «إِذَا قَامَ الْقَائِمُ بَعَثَ فِي أَقَالِيمِ الْأَرْضِ فِي كُلِّ إِقْلِيمٍ رَجُلاً، يَقُولُ: عَهْدُكَ فِي كَفِّكَ(١٤٢٤)، فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْكَ أَمْرٌ لَا تَفْهَمُهُ(١٤٢٥) وَلَا تَعْرِفُ الْقَضَاءَ فِيهِ فَانْظُرْ إِلَى كَفِّكَ وَاعْمَلْ بِمَا فِيهَا».
قَالَ: «وَيَبْعَثُ جُنْداً إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ، فَإِذَا بَلَغُوا الْخَلِيجَ كَتَبُوا عَلَى أَقْدَامِهِمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٢١) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ١١/ ص ٣٣٩): ((دولة) بالفتح: أي غلبة أو نوبة، قال الجوهري: الدولة في الحرب أنْ تداول إحدى الفئتين على الأُخرى، والدولة بالضمِّ في المال يقال: صار الفيء دولة بينهم يتداولونه يكون مرَّة لهذا ومرَّة لهذا، وقال أبو عبيد: الدولة بالضمِّ اسم الشيء الذي يتداول به بعينه، والدولة بالفتح الفعل، وقيل: بالضمِّ في المال، وبالفتح في الحرب، وأدالنا الله من عدوِّنا، من الدولة، والإدالة الغلبة، ودالت الأيَّام أي دارت، والله يداولها بين الناس، وتداولته الأيدي، أي أخذته هذه مرَّة وهذه مرَّة).
(١٤٢٢) في بعض النُّسَخ: (فمن أصابته دولة الباطل اقتُصَّ منه في دولة الحقِّ)، وكأنَّه من تصرُّف النُّسَّاخ. وفي بعض النُّسَخ: (فمن أصابته ذحلة الباطل اقتُصَّ منه في دولة الحقِّ)، والذحلة: الثار، وقيل: العداوة والحقد، وقيل: طلب مكافأة بجناية جُنيت عليك أو عداوة أُوتيت إليك. وما في المتن واضح المراد، ولعلَّ الكلمة في الأصل غير مقروءة فنشأ الاختلاف من ذلك.
(١٤٢٣) الكافي (ج ٢/ ص ٤٤٧/ باب تعجيل عقوبة الذنب/ ح ١٢) بتفاوت في آخره.
(١٤٢٤) في بعض النُّسَخ: (في كنفك)، هاهنا وفي ما يأتي.
(١٤٢٥) في بعض النُّسَخ: (ورد عليك ما لا تفهمه).
↑صفحة ٤٨٠↑
شَيْئاً وَمَشَوْا عَلَى المَاءِ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِمُ الرُّومُ يَمْشُونَ عَلَى المَاءِ قَالُوا: هَؤُلَاءِ أَصْحَابُهُ يَمْشُونَ عَلَى المَاءِ، فَكَيْفَ هُوَ؟ فَعِنْدَ ذَلِك يَفْتَحُونَ لَهُمْ أَبْوَابَ المَدِينَةِ، فَيَدْخُلُونَهَا، فَيَحْكُمُونَ فِيهَا مَا يُرِيدُونَ(١٤٢٦)»(١٤٢٧).
[٤٤٨/٩] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ أَبَانِ بْنِ تَغْلِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) يَقُولُ: «لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يُنَادِيَ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: يَا أَهْلَ الْحَقِّ اجْتَمِعُوا، فَيَصِيرُونَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ يُنَادِي مَرَّةً أُخْرَى: يَا أَهْلَ الْبَاطِلِ اجْتَمِعُوا، فَيَصِيرُونَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ».
قُلْتُ: فَيَسْتَطِيعُ هَؤُلَاءِ أَنْ يَدْخُلُوا فِي هَؤُلَاءِ؟
قَالَ: لَا وَالله، وذَلِكَ قَوْلُ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩]».
[٤٤٩/١٠] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ اِبْنِ يَعْقُوبَ أَبُو الْحَسَنِ الْجُعْفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مِهْرَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَوُهَيْبٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «لَيُعِدَّنَّ أَحَدُكُمْ لِخُرُوجِ الْقَائِمِ وَلَوْ سَهْماً، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ نِيَّتِهِ رَجَوْتُ لِأَنْ يُنْسِئَ فِي عُمُرِهِ(١٤٢٨) حَتَّى يُدْرِكَهُ فَيَكُونَ مِنْ أَعْوَانِهِ وَأَنْصَارِهِ».
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٢٦) في بعض النُّسَخ: (ما يشاؤون).
(١٤٢٧) دلائل الإمامة (ص ٤٦٦ و٤٦٧/ ح ٤٥٢/٥٦) صدره.
(١٤٢٨) أي يُؤخِّر في أجله إلى أنْ يُدرِك القائم (عجَّل الله فرجه).
↑صفحة ٤٨١↑
↑صفحة ٤٨٣↑
[٤٥٠/١] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنِ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخَوَايَ مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ ابْنَا الْحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ وَعَنْ جُمَيْعٍ الْكُنَاسِيِّ(١٤٢٩) جَمِيعاً، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ كَامِلٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ دَعَا النَّاسَ إِلَى أَمْرٍ جَدِيدٍ كَمَا دَعَا إِلَيْهِ رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وَإِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ(١٤٣٠)، فَطُوبَى(١٤٣١) لِلْغُرَبَاءِ».
[٤٥١/٢] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ اِبْنُ سِنَانٍ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «الْإِسْلَامُ بَدَأَ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٢٩) الظاهر كونه جميع بن عمير - بتصغيرهما - بن عبد الرحمن العجلي الكوفي المعنون في كُتُب الرجال من الخاصَّة والعامَّة، غير أنَّهم يقولون: رافضي ضعيف. راجع: تهذيب التهذيب (ج ٢/ ص ٩٦/ الرقم ١٧٧/٤).
(١٤٣٠) قوله: (بدأ)، إمَّا ناقص واوي، أو مهموز اللَّام من (بدأ) بالهمز، والأوَّل من بدا الأمر يبدو بدواً أي ظهر، والمعنى: ظهر الإسلام في قلَّة الناس. والثاني من الابتداء، وكأنَّ (بدأ) يكون لازماً ومتعدّياً، فالمعنى: أنَّ الإسلام كان في أوَّل أمره كالغريب الوحيد الذي لا أهل له عنده لقلَّة المسلمين يومئذٍ.
(١٤٣١) طُوبى فُعلى من الطيب، ومعناه فرح وقرَّة عين، غبطة لهم، وقال ابن الأثير في النهاية (ج ٣/ ص ٣٤٨): (أي الجنَّة لأُولئك المسلمين الذين كانوا في أوَّل لإسلام ويكونون في آخره، وإنَّما خصَّهم بها لصبرهم على أذى الكُفَّار أوَّلاً وآخراً، ولزومهم دين الإسلام).
↑صفحة ٤٨٥↑
فَقُلْتُ: اشْرَحْ لِي هَذَا، أَصْلَحَكَ اللهُ.
فَقَالَ: «مِمَّا يَسْتَأْنِفُ الدَّاعِي مِنَّا دُعَاءً جَدِيداً كَمَا دَعَا رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ المُخْتَارِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، مِثْلَهُ(١٤٣٢).
[٤٥٢/٣] وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ مَالِكٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام): إِنَّا نَصِفُ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ بِالصِّفَةِ الَّتِي لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ(١٤٣٣) مِنَ النَّاسِ.
فَقَالَ: «لَا وَالله، لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَداً حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَحْتَجُّ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ، وَيَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ».
[٤٥٣/٤] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ اِبْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْجَلَّابِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (عليهما السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ».
[٤٥٤/٥] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ عِيسَى الْحَسَنِيُّ(١٤٣٤)، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَطَائِنِيِّ، عَنْ شُعَيْبٍ الْحَدَّادِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٣٢) تفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ٣٠٣/ ح ١١٨) بتفاوت.
(١٤٣٣) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٣٦٧): (قوله: (بالصفة التي ليس بها أحد) أي نصف دولة القائم وخروجه على وجه لا يشبه شيئاً من الدول، فقال (عليه السلام): لا يمكنكم معرفته كما هي حتَّى تروه. ويحتمل أنْ يكون مراد السائل كمال معرفة أمر التشيُّع وحالات الأئمَّة (عليهم السلام)).
(١٤٣٤) في بعض النُّسَخ: (الحضيني).
↑صفحة ٤٨٦↑
قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ (عليه السلام): «إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيباً، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ(١٤٣٥)، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ».
فَقَالَ: «يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، إِذَا قَامَ الْقَائِمُ (عليه السلام) اسْتَأْنَفَ دُعَاءً جَدِيداً كَمَا دَعَا رَسُولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)».
قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ وَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ، وَقُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ إِمَامِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، أُوَالِي وَلِيَّكَ، وَأُعَادِي عَدُوَّكَ، وَأَنَّكَ وَلِيُّ الله.
فَقَالَ: «رَحِمَكَ اللهُ».
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٣٥) كذا.
↑صفحة ٤٨٧↑
↑صفحة ٤٨٩↑
[٤٥٥/١] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام) أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: «الْأَمْرُ فِي أَصْغَرِنَا سِنًّا، وَأَخْمَلِنَا ذِكْراً».
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانَ الرَّازِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (عليه السلام)، مِثْلَهُ(١٤٣٦).
[٤٥٦/٢] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَابُنْدَاذَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي السَّفَاتِجِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَحَدِهِمَا - لِأَبِي عَبْدِ الله أَوْ لِأَبِي جَعْفَرٍ - (عليهما السلام): أَيَكُونُ أَنْ يُفْضِيَ هَذَا الْأَمْرُ(١٤٣٧) إِلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ؟
قَالَ: «سَيَكُونُ ذَلِكَ».
قُلْتُ: فَمَا يَصْنَعُ؟
قَالَ: «يُوَرِّثُهُ عِلْماً وَكُتُباً، وَلَا يَكِلُهُ إِلَى نَفْسِهِ»(١٤٣٨).
[٤٥٧/٣] حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٣٦) تقدَّم تحت الرقم (٢٠٧/٣٥) بتفصيل أكثر، فراجع.
(١٤٣٧) أي أمر الإمامة.
(١٤٣٨) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٤٣): (لعلَّ المعنى أنْ لا مدخل للسنِّ في علومهم وحالاتهم فإنَّ الله تعالى لا يكلهم إلى أنفسهم، بل هم مؤيَّدون بالإلهام وروح القُدُس).
↑صفحة ٤٩١↑
الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي الْخَطَّابِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، قَالَ: قَالَ لِي أَبُو جَعْفَرٍ (عليه السلام): «لَا يَكُونُ هَذَا الْأَمْرُ إِلَّا فِي أَخْمَلِنَا ذِكْراً، وَأَحْدَثِنَا سِنًّا».
[٤٥٨/٤] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَابُنْدَاذَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِلَالٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ صَبَّاحٍ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ هَذَا سَيُفْضِي إِلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ الْحَمْلُ»(١٤٣٩).
اُنظروا (رحمكم الله) - يا معشر المؤمنين(١٤٤٠) - إلى ما جاء عن الصادقين (عليهم السلام) في ذكر سنِّ القائم (عليه السلام)، وقولهم: إنَّه وقت إفضاء أمر الإمامة إليه أصغر الأئمَّة سنًّا وأحدثهم، وإنَّ أحداً ممَّن قبله لم يفضَ إليه الأمر في مثل سنِّه. وإلى قولهم: «وأخملنا ذكراً» يشيرون بخمول ذكره إلى غيبة شخصه واستتاره.
وإذا جاءت الروايات متَّصلة متواترة بمثل هذه الأشياء قبل كونها، وبحدوث هذه الحوادث قبل حدوثها، ثمّ حقَّقها العيان والوجود، فوجب أنْ تزول الشكوك عمَّن فتح الله قلبه ونوَّره وهداه، وأضاء له بصره.
والحمد لله الذي يختصُّ برحمته من يشاء من عباده بتسليمهم لأمره وأمر أوليائه، وإيقانهم بحقيقة كلِّ ما قاله، واثقاً بحقّيَّة كلِّ ما يقوله الأئمَّة (عليهم السلام) من غير شكٍّ فيه ولا ارتياب، إذ كان الله (عزَّ وجلَّ) قد رفع منزلة حُجَجه (عليهم السلام)، وخفض منزلة مَنْ دونهم أنْ يكونوا أغياراً عليهم، وجعل الجزاء على التسليم لقولهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٣٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥١/ ص ٤٣): (لعلَّ المعنى أنَّه يحتاج إلى أنْ يُحمَل لصغره. ويحتمل أنْ يكون بالخاء المعجمة، يعني يكون خامل الذكر).
(١٤٤٠) في بعض النُّسَخ: (يا معشر الشيعة).
↑صفحة ٤٩٢↑
والردِّ إليهم الهدى(١٤٤١) والثواب، وعلى الشكِّ والارتياب فيه العمى وأليم العذاب، وإيَّاه نسأل الثواب على ما منَّ به، والمزيد فيما أولاه، وحسن البصيرة فيما هدى إليه، فإنَّما نحن به وله.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٤١) قوله: (الهدى) مفعول ثانٍ لـ (جعل)، وهكذا (العمى).
↑صفحة ٤٩٣↑
↑صفحة ٤٩٥↑
[٤٥٩/١] حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الله جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الله المُحَمَّدِيُّ مِنْ كِتَابِهِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ(١٤٤٢) وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ فَضَّالٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ الصَّيْرَفِيِّ، قَالَ: وَصَفَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَمَّارٍ أَخِي لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) دِينَهُ وَاعْتِقَادَهُ، فَقَالَ: إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله، وَأَنَّكُمْ... وَوَصَفَهُمْ - يَعْنِي الْأَئِمَّةَ - وَاحِداً وَاحِداً حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، ثُمَّ قَالَ: وَإِسْمَاعِيلُ مِنْ بَعْدِكَ.
قَالَ: «أَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَلَا».
[٤٦٠/٢] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَجِيحٍ الْمِسْمَعِيُّ، عَنِ الْفَيْضِ بْنِ المُخْتَارِ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا تَقُولُ فِي أَرْضٍ أَتَقَبَّلُهَا مِنَ السُّلْطَانِ ثُمَّ أُؤَاجِرُهَا مِنْ أَكَرَتِي عَلَى أَنَّ مَا أَخْرَجَ اللهُ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ كَانَ لِي مِنْ ذَلِكَ النِّصْفُ أَوِ الثُّلُثُ وَأَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ، هَلْ يَصْلُحُ ذَلِكَ؟
قَالَ: «لَا بَأْسَ بِهِ».
فَقَالَ لَهُ إِسْمَاعِيلُ ابْنُهُ: يَا أَبَتَاهْ، لَمْ تَحْفَظْ.
قَالَ: «أَوَلَيْسَ كَذَلِكَ أُعَامِلُ أَكَرَتِي؟ يَا بُنَيَّ، أَلَيْسَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَثِيراً مَا أَقُولُ لَكَ: أَلْزَمْنِي فَلَا تَفْعَلُ؟».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٤٢) في بعض النُّسَخ: (اثنتين).
↑صفحة ٤٩٧↑
فَقَامَ إِسْمَاعِيلُ وَخَرَجَ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَمَا عَلَى إِسْمَاعِيلَ أَنْ لَا يَلْزَمَكَ إِذْ كُنْتَ مَتَى مَضَيْتَ أُفْضِيَتِ الْأَشْيَاءُ إِلَيْهِ مِنْ بَعْدِكَ كَمَا أُفْضِيَتِ الْأَشْيَاءُ إِلَيْكَ مِنْ بَعْدِ أَبِيكَ.
فَقَالَ: «يَا فَيْضُ، إِنَّ إِسْمَاعِيلَ لَيْسَ مِنِّي كَأَنَا مِنْ أَبِي».
قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَقَدْ كُنْتُ لَا أَشُكُّ فِي أَنَّ الرِّحَالَ تُحَطُّ إِلَيْهِ مِنْ بَعْدِكَ، فَإِنْ كَانَ مَا نَخَافُ - وَإِنَّا نَسْأَلُ اللهَ مِنْ ذَلِكَ الْعَافِيَةَ - فَإِلَى مَنْ؟
فَأَمْسَكَ عَنِّي، فَقَبَّلْتُ رُكْبَتَهُ، وَقُلْتُ: ارْحَمْ شَيْبَتِي، فَإِنَّمَا هِيَ النَّارُ(١٤٤٣)، إِنِّي وَالله لَوْ طَمِعْتُ(١٤٤٤) أَنْ أَمُوتَ قَبْلَكَ مَا بَالَيْتُ، وَلَكِنِّي أَخَافُ أَنْ أَبْقَى بَعْدَكَ.
فَقَالَ لِي: «مَكَانَكَ».
ثُمَّ قَامَ إِلَى سِتْرٍ فِي الْبَيْتِ فَرَفَعَهُ وَدَخَلَ، فَمَكَثَ قَلِيلاً ثُمَّ صَاحَ بِي: «يَا فَيْضُ، اُدْخُلْ».
فَدَخَلْتُ فَإِذَا هُوَ بِمَسْجِدِهِ قَدْ صَلَّى وَانْحَرَفَ عَنِ الْقِبْلَةِ، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام) وَهُوَ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ فِي يَدِهِ دِرَّةٌ، فَأَقْعَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَقَالَ لَهُ: «بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، مَا هَذِهِ الْمِخْفَقَةُ(١٤٤٥) الَّتِي بِيَدِكَ؟».
فَقَالَ: «مَرَرْتُ بِعَلِيٍّ أَخِي وَهِيَ فِي يَدِهِ وَهُوَ يَضْرِبُ بِهَا بَهِيمَةً، فَانْتَزَعْتُهَا مِنْ يَدِهِ».
فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «يَا فَيْضُ، إِنَّ رَسُولَ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أُفْضِيَتْ إِلَيْهِ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى، فَائْتَمَنَ عَلَيْهَا عَلِيًّا، ثُمَّ ائْتَمَنَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ الْحَسَنَ، ثُمَّ ائْتَمَنَ عَلَيْهَا الْحَسَنُ الْحُسَيْنَ أَخَاهُ، وَائْتَمَنَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، ثُمَّ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٤٣) قوله: (إنَّما هي النار) أي في عدم معرفتي به دخول النار، فخذ بيدي منها.
(١٤٤٤) كذا، ولعلَّ الأصل كان (لو اطمأننت) فصُحِّف.
(١٤٤٥) في لسان العرب (ج ١٠/ ص ٨٢/ مادَّة خفق): (المخفقة: سوط من خشب).
↑صفحة ٤٩٨↑
ائْتَمَنَ عَلَيْهَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ، وَائْتَمَنَنِي عَلَيْهَا أَبِي، فَكَانَتْ عِنْدِي، وَقَدِ ائْتَمَنْتُ ابْنِي هَذَا عَلَيْهَا عَلَى حَدَاثَتِهِ، وَهِيَ عِنْدَهُ».
فَعَرَفْتُ مَا أَرَادَ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، زِدْنِي.
فَقَالَ: «يَا فَيْضُ، إِنَّ أَبِي كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ لَا تُرَدَّ لَهُ دَعْوَةٌ أَجْلَسَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَدَعَا، فَأَمَّنْتُ، فَلَا تُرَدُّ لَهُ دَعْوَةٌ، وَكَذَلِكَ أَصْنَعُ - بِابْنِي هَذَا -، وَقَدْ ذُكِرْتَ أَمْسِ بِالمَوْقِفِ، فَذَكَرْتُكَ بِخَيْرٍ».
قَالَ فَيْضٌ: فَبَكَيْتُ سُرُوراً، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: يَا سَيِّدِي، زِدْنِي.
فَقَالَ: «إِنَّ أَبِي كَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَراً وَأَنَا مَعَهُ فَنَعَسَ وَكَانَ هُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَدْنَيْتُ رَاحِلَتِي مِنْ رَاحِلَتِهِ فَوَسَّدْتُهُ ذِرَاعِي الْمِيلَ وَالْمِيلَيْنِ حَتَّى يَقْضِيَ وَطَرَهُ(١٤٤٦) مِنَ النَّوْمِ، وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِي وَلَدِي هَذَا».
فَقُلْتُ لَهُ: زِدْنِي، جُعِلْتُ فِدَاكَ.
فَقَالَ: «يَا فَيْضٌ، إِنِّي لَأَجِدُ بِابْنِي هَذَا مَا كَانَ يَعْقُوبُ يَجِدُهُ بِيُوسُفَ».
فَقُلْتُ: سَيِّدِي، زِدْنِي.
فَقَالَ: «هُوَ صَاحِبُكَ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ، قُمْ فَأَقِرَّ لَهُ بِحَقِّهِ».
فَقُمْتُ حَتَّى قَبَّلْتُ يَدَهُ وَرَأْسَهُ، وَدَعَوْتُ اللهَ لَهُ.
فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «أَمَا إِنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لِي فِي المَرَّةِ الْأُولَى مِنْكَ».
فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أُخْبِرُ بِهِ عَنْكَ؟
قَالَ: «نَعَمْ، أَهْلَكَ وَوُلْدَكَ وَرُفَقَاءَكَ».
وَكَانَ مَعِي أَهْلِي وَوُلْدِي، وَكَانَ مَعِي يُونُسَ بْنُ ظَبْيَانَ مِنْ رُفَقَائِي، فَلَمَّا أَخْبَرْتُهُمْ حَمِدُوا اللهَ عَلَى ذَلِكَ، وَقَالَ يُونُسُ: لَا وَالله حَتَّى أَسْمَعَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَكَانَتْ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٤٦) في الصحاح للجوهري (ج ٢/ ص ٨٤٦/ مادَّة وطر): (الوطر: الحاجة).
↑صفحة ٤٩٩↑
بِهِ عَجَلَةٌ، فَخَرَجَ، فَأَتْبَعْتُهُ، فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى الْبَابِ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ - وَقَدْ سَبَقَنَا يُونُسُ -: «الْأَمْرُ كَمَا قَالَ لَكَ فَيْضٌ، اُسْكُتْ وَاقْبَلْ».
فَقَالَ: سَمِعْتُ وَأَطَعْتُ.
ثُمَّ دَخَلْتُ، فَقَالَ لِي أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام) حِينَ دَخَلْتُ: «يَا فَيْضُ، زرقه زرقه(١٤٤٧)».
قُلْتُ: قَدْ فَعَلْتُ.
[٤٦١/٣] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنِ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ اِبْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ مِنْ كِتَابِهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ دُرُسْتَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ صَبِيحٍ، قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: عَبْدُ الْجَلِيلِ كَلَامٌ فِي قِدَمٍ، فَقَالَ لِي: إِنَّ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) أَوْصَى إِلَى إِسْمَاعِيلَ.
قَالَ: فَقُلْتُ ذَلِكَ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): إِنَّ عَبْدَ الْجَلِيلِ حَدَّثَنِي بِأَنَّكَ أَوْصَيْتَ إِلَى إِسْمَاعِيلَ فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِ سِنِينَ.
فَقَالَ: «يَا وَلِيدُ، لَا وَالله، فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ فَإِلَى فُلَانٍ - يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام)، وَسَمَّاهُ -».
[٤٦٢/٤] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ الله بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ رَبَاحٍ الزُّهْرِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَثْعَمِيِّ، عَنْ جَمَاعَةَ الصَّائِغِ(١٤٤٨)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٤٧) (زرقه) بالنبطيَّة، أي: خذه إليك.
(١٤٤٨) في الكافي: (جماعة بن سعد الخثعمي)، قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٤٤): (ما رأيته بهذه النسبة في كُتُب الرجال، والذي فيه جماعة بن سعد الجعفي الصائغ، وهو ضعيف يروي عن أبي عبد الله (عليه السلام)). وفي بحار الأنوار (ج ٤٨/ ص ٢٢ و٢٣/ ح ٣٤): (حمَّاد الصائغ).
↑صفحة ٥٠٠↑
قَالَ: سَمِعْتُ المُفَضَّلَ بْنَ عُمَرَ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام): هَلْ يَفْرِضُ اللهُ طَاعَةَ عَبْدٍ ثُمَّ يَكْتُمُهُ خَبَرَ السَّمَاءِ(١٤٤٩)؟
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «اللهُ أَجَلُّ وَأَكْرَمُ وَأَرْأَفُ بِعِبَادِهِ وَأَرْحَمُ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ طَاعَةَ عَبْدٍ ثُمَّ يَكْتُمَهُ خَبَرَ السَّمَاءِ صَبَاحاً وَمَسَاءً».
قَالَ: ثُمَّ طَلَعَ أَبُو الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام)، فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى صَاحِبِ كِتَابِ عَلِيٍّ؟».
فَقَالَ لَهُ المُفَضَّلُ: وَأَيُّ شَيْءٍ يَسُرُّنِي إِذاً أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ؟
فَقَالَ: «هُوَ هَذَا صَاحِبُ كِتَابِ عَلِيٍّ، الْكِتَابِ المَكْنُونِ الَّذِي قَالَ اللهُ (عزَّ وجلَّ): ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٧٩]»(١٤٥٠).
[٤٦٣/٥] حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَمَّامٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمَاعَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمِيثَمِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَسَأَلْتُهُ عَنْ صَاحِبِ الْأَمْرِ مِنْ بَعْدِهِ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٤٩) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٣/ ص ١٣٠): ((خبر السماء): أي الخبر النازل من السماء، سواء نزل عليه بالتحديث أو نزل على من قبله. وقيل: المراد به أحوال السماوات وما فيها وأهلها. والأوَّل أظهر. وكون مثل هذا العالم بين العباد لطف ورأفة بالنسبة إليهم ليرجعوا إليه في كلِّ ما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم، والله أرأف من أنْ يمنعهم مثل هذا اللطف، ويفرض طاعة من ليس كذلك فيصير سبباً لمزيد تحيُّرهم. وذكر الصباح والمساء على المثال، أو لأنَّهما وقت الاستفادة، أو لأنَّه ينزل ما يحتاج إليه الإمام في اليوم صباحاً، وما يحتاج إليه في الليل مساءً).
(١٤٥٠) راجع صدره في: بصائر الدرجات (ص ١٤٤/ ج ٣/ باب ٥/ ح ١)، الكافي (ج ١/ ص ٢٦١/ باب أنَّ الأئمَّة يعلمون علم ما كان وما يكون.../ ح ٣).
↑صفحة ٥٠١↑
قَالَ لِي: «هُوَ صَاحِبُ الْبَهْمَةِ(١٤٥١)»، وَكَانَ مُوسَى (عليه السلام) فِي نَاحِيَةِ الدَّارِ صَبِيًّا، وَمَعَهُ عَنَاقٌ(١٤٥٢) مَكِّيَّةٌ، وَهُوَ يَقُولُ لَهَا: «اسْجُدِي لله الَّذِي خَلَقَكِ»(١٤٥٣).
[٤٦٤/٦] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ اِبْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، فَرَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ مُوسَى (عليه السلام)، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثُ سِنِينَ، وَمَعَهُ عَنَاقٌ مِنْ هَذِهِ المَكِّيَّةِ، وَهُوَ آخِذٌ بِخِطَامٍ عَلَيْهَا، وَهُوَ يَقُولُ لَهَا: «اسْجُدِي لله الَّذِي خَلَقَكِ»، فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
فَقَالَ لَهُ غُلَامٌ صَغِيرٌ: يَا سَيِّدِي، قُلْ لَهَا: تَمُوتُ.
فَقَالَ لَهُ مُوسَى (عليه السلام): «وَيْحَكَ، أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ؟ اللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ».
[٤٦٥/٧] وَمِنْ مَشْهُورِ كَلَامِ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) عِنْدَ وقُوُفِهِ عَلَى قَبْرِ إِسْمَاعِيلَ: «غَلَبَنِي الْحُزْنُ لَكَ عَلَى الْحُزْنِ عَلَيْكَ، اللَّهُمَّ إِنِّي وَهَبْتُ لِإِسْمَاعِيلَ جَمِيعَ مَا قَصَّرَ عَنْهُ مِمَّا افْتَرَضْتَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّي، فَهَبْ لِي جَمِيعَ مَا قَصَّرَ عَنْهُ فِيمَا افْتَرَضْتَ عَلَيْهِ مِنْ حَقِّكَ».
[٤٦٦/٨] وَرُوِيَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) وَعَنْ يَمِينِهِ سَيِّدُ وُلْدِهِ مُوسَى (عليه السلام) وَقُدَّامَهُ مَرْقَدٌ مُغَطًّى، فَقَالَ لِي: «يَا زُرَارَةُ، جِئْنِي بِدَاوُدَ بْنِ كَثِيرٍ الرَّقِّيِّ، وَحُمْرَانَ، وَأَبِي بَصِيرٍ».
وَدَخَلَ عَلَيْهِ المُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ، فَخَرَجْتُ، فَأَحْضَرْتُهُ مَنْ أَمَرَنِي بِإِحْضَارِهِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٥١) في لسان العرب (ج ١٢/ ص ٥٦/ مادَّة بهم): (البَهْمةُ: الصغيرُ من أَولاد الغَنَم الضأْن والمَعَز والبَقَر من الوحش وغيرها، الذكَرُ والأُنْثى في ذلك سواء).
(١٤٥٢) في لسان العرب (ج ١٠/ ص ٢٧٥/ مادَّة عنق): (هي الأُنثى من أولاد المعز ما لم يتمّ له سنة).
(١٤٥٣) الغيبة للطوسي (ص ٥٢/ ح ٤١).
↑صفحة ٥٠٢↑
وَلَمْ يَزَلِ النَّاسُ يَدْخُلُونَ وَاحِداً أَثَرَ وَاحِدٍ حَتَّى صِرْنَا فِي الْبَيْتِ ثَلَاثِينَ رَجُلاً، فَلَمَّا حَشَدَ المَجْلِسُ(١٤٥٤) قَالَ: «يَا دَاوُدُ، اكْشِفْ لِي عَنْ وَجْهِ إِسْمَاعِيلَ».
فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «يَا دَاوُدُ، أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ؟».
قَالَ دَاوُدُ: يَا مَوْلَايَ، هُوَ مَيِّتٌ.
فَجَعَلَ يَعْرِضُ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ رَجُلٍ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِ مَنْ فِي المَجْلِسِ وَانْتَهَى عَلَيْهِمْ بِأَسْرِهِمْ، كُلٌّ يَقُولُ: هُوَ مَيِّتٌ، يَا مَوْلَايَ.
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ».
ثُمَّ أَمَرَ بِغُسْلِهِ وَحَنُوطِهِ وَإِدْرَاجِهِ فِي أَثْوَابِهِ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَالَ لِلْمُفَضَّلِ: «يَا مُفَضَّلُ، احْسِرْ عَنْ وَجْهِهِ».
فَحَسَرَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ؟».
فَقَالَ: مَيِّتٌ.
قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ».
ثُمَّ حُمِلَ إِلَى قَبْرِهِ، فَلَمَّا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ قَالَ: «يَا مُفَضَّلُ، اكْشِفْ عَنْ وَجْهِهِ»، وَقَالَ لِلْجَمَاعَةِ: «أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ؟».
قُلْنَا لَهُ: مَيِّتٌ.
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ، وَاشْهَدُوا فَإِنَّهُ سَيَرْتَابُ المُبْطِلُونَ، يُرِيدُونَ إِطْفَاءَ نُورِ الله بِأَفْوَاهِهِمْ - ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى مُوسَى (عليه السلام) - وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ».
ثُمَّ حَثَوْنَا عَلَيْهِ التُّرَابَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْنَا الْقَوْلَ، فَقَالَ: «المَيِّتُ المُحَنَّطُ المُكَفَّنُ المَدْفُونُ فِي هَذَا اللَّحَدِ مَنْ هُوَ؟».
قُلْنَا: إِسْمَاعِيلُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٥٤) أي اجتمع فيه الناس.
↑صفحة ٥٠٣↑
قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ»، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ مُوسَى (عليه السلام) وَقَالَ: «هُوَ حَقٌّ، وَالْحَقُّ مِنْهُ إِلَى أَنْ يَرِثَ اللهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها»(١٤٥٥).
ووجدت هذا الحديث عند بعض إخواننا، فذكر أنَّه نسخه من أبي المرجي ابن محمّد الغمر التغلبي، وذكر أنَّه حدَّثه به المعروف بأبي سهل، يرويه عن أبي الفرج ورَّاق بندار القمِّي، عن بندار، عن محمّد بن صدقة(١٤٥٦) ومحمّد بن عمرو، عن زرارة.
وأنَّ أبا المرجي ذكر أنَّه عرض هذا الحديث على بعض إخوانه، فقال: إنَّه حدَّثه به الحسن بن المنذر، بإسناد له عن زرارة، وزاد فيه أنَّ أبا عبد الله (عليه السلام) قال: «وَالله لَيَظْهَرَنَّ عَلَيْكُمْ صَاحِبُكُمْ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ لأَحَدٍ بَيْعَةٌ»، وقال: «فَلَا يَظْهَرُ صَاحِبُكُمْ حَتَّى يَشُكَّ فِيهِ أَهْلُ اَلْيَقِينِ، ﴿قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ [ص: ٦٧ و٦٨]».
[٤٦٧/٩] حَدَّثَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ اِبْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الله بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْجَمَّالِ، قَالَ: سَأَلَ مَنْصُورُ بْنُ حَازِمٍ وَأَبُو أَيُّوبَ الْخَزَّازُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) وَأَنَا حَاضِرٌ مَعَهُمَا، فَقَالَا: جَعَلَنَا اللهُ فِدَاكَ، إِنَّ الْأَنْفُسَ يُغْدَى عَلَيْهَا وَيُرَاحُ، فَمَنْ لَنَا بَعْدَكَ؟
فَقَالَ: «إِذَا كَانَ ذَلِكَ فَهَذَا - فَضَرَبَ يَدَهُ إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ مُوسَى (عليه السلام)، وَهُوَ غُلَامٌ خُمَاسِيٌّ بِثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ -»، وقَالَ: «هَذَا»، وَكَانَ عَبْدُ الله بْنُ جَعْفَرٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٥٥) مناقب آل أبي طالب (ج ١/ ص ٢٢٩).
(١٤٥٦) في بعض النُّسَخ: (أنَّه نسخه من أبي المرجي محمّد بن المعمر التغلبي، وذكر أنَّه حدَّثه به المعروف بأبي السهل يرويه عن أبي الصلاح، ورواه بندار القمِّي، عن بندار بن محمّد بن صدقة).
↑صفحة ٥٠٤↑
حَاضِراً يَوْمَئِذٍ الْبَيْتَ(١٤٥٧)،(١٤٥٨).
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٥٧) راجع: الكافي (ج ١/ ص ٣٠٩/ باب الإشارة والنصِّ على أبي الحسن موسى (عليه السلام)/ ح ٦)، الإرشاد (ج ٢/ ص ٢١٨).
(١٤٥٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ١٧٦ و١٧٧): (قوله: (إنَّ الأنفس يُغدى عليها ويُراح) أي يأتي أجلها وقت الغداة ووقت الرواح، وهو اسم للوقت من زوال الشمس إلى الليل، وهذا كناية عن قربه ووروده من غير اختيار، وقد يُستعمَل يُغدى ويُراح للذهاب في مطلق الزمان، والظاهر أنَّ الفعلين مجهولان من باب الإفعال، لأنَّ غدا يغدو غدواً وراح يروح رواحاً لازمان بخلاف أغداه وأراحه فإنَّهما متعدّيان بمعنى إذهابه في هذين الوقتين. قوله: (... خماسي)، قيل: يعني كان له خمس سنين، وفي القاموس والنهاية: غلام خماسي طوله خمسة أشبار، وفي النهاية: والأُنثى خماسيَّة، ولا يقال: سداسي ولا سباعي ولا في غير الخمسة. قوله: (عبد الله بن جعفر...) هو عبد الله بن جعفر بن محمّد بن عليِّ بن الحسين (عليهم السلام)، كان أكبر إخوته بعد إسماعيل، ولم تكن منزلته عند أبيه منزلة غيره من ولده في الإكرام، وكان متَّهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد، ويقال: إنَّه كان يخالط الحشويَّة، ويميل إلى مذهب المرجئة، وادَّعى بعد أبيه الإمامة، واحتجَّ بأنه أكبر إخوته الباقين فاتَّبعه جماعة، ثمّ رجع أكثرهم إلى القول بإمامة أخيه موسى (عليه السلام) لـمَّا تبيَّنوا ضعف دعواه وقوَّة أمر أبي الحسن (عليه السلام) ودلالة حقّيَّته وبراهين إمامته، وأقام نفر يسير منهم على إمامة عبد الله، وهم الملقَّبة بالفطحيَّة، لأنَّ عبد الله كان أفطح الرجلين، أو لأنَّ داعيهم إلى الإمامة رجل يقال له: عبد الله بن أفطح، كذا نقله بعض أصحاب الرجال عن المفيد في إرشاده).
↑صفحة ٥٠٥↑
باب (٢٥): ما جاء في أنَّ من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر
↑صفحة ٥٠٧↑
[٤٦٨/١] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ (رحمه الله)، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى، عَنْ حَرِيزٍ، عَنْ زُرَارَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «اعْرِفْ إِمَامَكَ، فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَهُ لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هَذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ»(١٤٥٩)،(١٤٦٠).
[٤٦٩/٢] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ مُعَلَّى بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ اِبْنِ مَرْوَانَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) عَنْ قَوْلِ الله (عزَّ وجلَّ): ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١]».
فَقَالَ: «يَا فُضَيْلُ، اعْرِفْ إِمَامَكَ، فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ إِمَامَكَ لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هَذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ، وَمَنْ عَرَفَ إِمَامَهُ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ كَانَ قَاعِداً فِي عَسْكَرِهِ، لَا، بَلْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَعَدَ تَحْتَ لِوَائِهِ».
قَالَ: وَرَوَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: «بِمَنْزِلَةِ مَنِ اسْتُشْهِدَ مَعَ رَسُولِ الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)»(١٤٦١)،(١٤٦٢).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٥٩) الكافي (ج ١/ص ٣٧١/باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر.../ح ١).
(١٤٦٠) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ١٨٦ و١٨٧) : ((لم يضرَّك تقدَّم هذا الأمر) الجملة فاعل باعتبار مضمونها، أو بتقدير (أنْ)، والمقصود الحكم بالمساواة بين الأمرين، فلا يرد أنَّ الضرر لا يُتصوَّر في صورة التقدُّم، أو ذكر التقدُّم تبعاً واستطراداً كما قيل في قوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٤]، ويمكن أنْ يكون الكلام محمولاً على ظاهره باعتبار مفهومه، فإنَّ من لم يعرف يتضرَّر بالتقدُّم أيضاً).
(١٤٦١) الكافي (ج ١/ص ٣٧١/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر.../ح ٢).
(١٤٦٢) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ١٨٧ و١٨٨): (﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾، قال الطبرسي (رحمه الله): فيه أقوال: أحدها: أنَّ معناه نبيُّهم، فيقال: هاتوا متَّبعي إبراهيم، هاتوا متَّبعي موسى، هاتوا متَّبعي محمّد، فيقوم أهل الحقِّ الذين اتَّبعوا الأنبياء (عليهم السلام)، فيأخذون كُتُبهم بأيمانهم، ثمّ يقال: هاتوا متَّبعي الشيطان، هاتوا متَّبعي رؤساء الضلالة، وهذا معنى ما رواه ابن جبير عن ابن عبَّاس. وروي أيضاً عن عليٍّ (عليه السلام) أنَّ الأئمَّة إمام هدى وإمام ضلالة، ورواه الوالبي عنه بأئمَّتهم في الخير والشرِّ. وثانيها: معناه بكتابهم الذي أُنزل عليهم من أوامر الله ونواهيه، فيقال: يا أهل القرآن، ويا أهل التوراة. وثالثها: أنَّ معناه بمن كانوا يأتمُّون به من علمائهم وأئمَّتهم، ويجمع هذه الأقوال ما رواه الخاصُّ والعامُّ عن الرضا (عليه السلام) بالأسانيد الصحيحة أنَّه روي عن آبائه (عليهم السلام) عن النبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنَّه قال فيه: يُدعى كلُّ أُناس بإمام زمانهم وكتاب ربِّهم وسُنَّة نبيِّهم، وروي عن الصادق (عليه السلام) أنَّه قال: ألَا تحمدون الله إذا كان يوم القيامة فزع كلُّ أُناس إلى من يتولَّونه، وفزعنا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفزعتم إلينا، فإلى أين ترون؟ يذهب بكم إلى الجنَّة وربِّ الكعبة، قالها ثلاثاً. ورابعها: أنَّ معناه بكتابهم الذي فيه أعمالهم. وخامسها: معناه بأُمَّهاتهم، انتهى. وتتمَّة الآية: ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾. وهذا الخبر يدلُّ على أنَّ المراد يُدعَون بإمام زمانهم ويُنسَبون إليه ويُحشَرون معه ويردون مورده، فمن كان عارفاً بإمامه معتقداً له لا تضرُّه غيبته وعدم لقائه له. (قاعداً في عسكره): أي ملازماً له مجاهداً معه لا يفارقه، والقعود تحت اللواء أخصُّ من ذلك، لأنَّه يدلُّ على غاية الاختصاص والامتياز بكثرة النصرة، وأنَّه من أحوال الشجعان، ولذا أضرب (عليه السلام) عن الأوَّل وترقَّى إليه. وإنَّما يثابون ذلك باعتبار نيَّاتهم، لأنَّهم إذا عزموا على أنَّه إذا ظهر إمامهم نصروه وجاهدوا معه وعرَّضوا أنفسهم للشهادة وعلم الله صدق ذلك من نيَّاتهم يُعطيهم ثواب ذلك بفضله، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في بعض غزواته: «شاركوكم في ثوابكم قوم لم يحضروا عسكركم، ولم يوجدوا بعد وهم يتمنَّون كونهم معكم، ويعلم الله صدق نيَّاتهم فيُثيبهم عليها»، وقد ورد أنَّ أهل الجنَّة إنَّما يُخلَّدون في الجنَّة بنيَّاتهم أنَّهم لو بقوا في الدنيا أبداً لكانوا مؤمنين، وكذا أهل النار).
↑صفحة ٥٠٩↑
[٤٧٠/٣] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، رَفَعَهُ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام): جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَتَى الْفَرَجُ؟
↑صفحة ٥١٠↑
فَقَالَ: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، وَأَنْتَ مِمَّنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا؟ مَنْ عَرَفَ هَذَا الْأَمْرَ فَقَدْ فُرِّجَ عَنْهُ بِانْتِظَارِهِ(١٤٦٣)»(١٤٦٤)،(١٤٦٥).
[٤٧١/٤] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ السِّنْدِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيِّ، قَالَ: سَأَلَ أَبُو بَصِيرٍ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) وَأَنَا أَسْمَعُ، فَقَالَ: تَرَانِي أُدْرِكُ الْقَائِمَ (عليه السلام)؟
فَقَالَ: «يَا أَبَا بَصِيرٍ، أَلَسْتَ تَعْرِفُ إِمَامَكَ؟».
فَقَالَ: بَلَى(١٤٦٦) وَالله، وَأَنْتَ هُوَ - وَتَنَاوَلَ يَدَهُ -.
فَقَالَ: «وَالله مَا تُبَالِي - يَا أَبَا بَصِيرٍ - أَلَّا تَكُونَ مُحْتَبِياً بِسَيْفِكَ فِي ظِلِّ رِوَاقِ الْقَائِمِ (عليه السلام)»(١٤٦٧)،(١٤٦٨).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٦٣) في الكافي: (لانتظاره).
(١٤٦٤) الكافي (ج ١/ص ٣٧١/باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر.../ح ٣).
(١٤٦٥) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٤٣): (قوله: (متى الفرج) سأل أبو بصير عن زمان حصول الفرج بظهور الصاحب (عليه السلام)، أجاب (عليه السلام) بأنَّك ممَّن يريد الدنيا وزينتها حيث تطلب الفرج الدنيوي، وهو أمر سهل هيِّن، وإنَّما الفرج هو الفرج الأُخروي بالخلاص من العذاب الأبدي، وهذا الفرج قد حصل لك بالفعل، لأنَّك عرفت هذا الأمر، ومن عرف هذا الأمر فقد فرَّج الله عنه ورفع عنه ضيق الصدر ووسوسة القلب وعذاب الآخرة، كلُّ ذلك لانتظاره ظهور هذا الأمر، وانتظاره لكونه من أفضل الطاعات سبب للفرج الحقيقي، وهو الفرج الأُخروي).
(١٤٦٦) في بعض النُّسَخ: (إي).
(١٤٦٧) الكافي (ج ١/ص ٣٧١/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر.../ح ٤).
(١٤٦٨) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٤٣): (قوله: (تراني أُدرك القائم (عليه السلام)) ترقُّبه إدراك القائم (عليه السلام) إمَّا لعدم علمه بأنَّه الثاني عشر، أو لطول عمره، أو لتوقُّعه زوال دولة الباطل بسرعة وظهور دولة الحقِّ عن قريب لما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إنَّ الله (عزَّ ذكره) إذا أراد فناء قوم أمر الفلك فأسرع إليه فكان على مقدار ما يريد»، وإمَّا لأنَّه تمنَّاه، وهو لا يتوقَّف على إمكان التمنِّي بحسب العادة. فسلَّاه (عليه السلام) بأنَّك إذا عرفت إمام زمانك فكأنَّك أدركت القائم (عليه السلام) وفي ظلِّ رواقه معنًى، ولا تفاوت بين الحالين أصلاً، ولا تبالي أنْ لا تكون في ظلِّ رواقه ظاهراً. والرواق ككتاب وغراب بيت كالفسطاط أو سقف في مقدَّم البيت).
↑صفحة ٥١١↑
[٤٧٢/٥] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ إِمَامٌ فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ عَارِفٌ لِإِمَامِهِ لَمْ يَضُرّهُ تَقَدَّمَ هَذَا الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ، وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ عَارِفٌ لِإِمَامِهِ كَانَ كَمَنْ هُوَ قَائِمٌ مَعَ الْقَائِمِ فِي فُسْطَاطِهِ(١٤٦٩)»(١٤٧٠)،(١٤٧١).
[٤٧٣/٦] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ فَضَالَةَ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبَانٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله (عليه السلام) يَقُولُ: «اعْرِفِ الْعَلَامَةَ(١٤٧٢)، فَإِذَا عَرَفْتَهُ لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هَذَا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٦٩) في نسخة: (كان كمن قام في فسطاطه).
(١٤٧٠) الكافي (ج ١/ ص ٣٧١ و٣٧٢/ باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر/ ح ٥)؛ وراجع: المحاسن للبرقي (ج ١/ ص ١٥٥ و١٥٦/ ح ٨٥).
(١٤٧١) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول (ج ٤/ ص ١٨٩ و١٩٠): ((ليس له إمام): أي لم يعرف إمام زمانه من أئمَّة الهدى». والميتة - بكسر الميم -: مصدر نوعي، وميتة جاهليَّة تركيب إضافي أو توصيفي. والجاهليَّة الملَّة التي ليس فيها معرفة الله، ولا معرفة رسوله، ولا معرفة شرائع الدِّين، وكان أكثر الناس عليها قبل البعثة، وصاروا إليها بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهما الجاهليَّة الأُولى والجاهليَّة الأخيرة. وهذا الخبر متواتر معنًى بين الخاصَّة والعامَّة...، وقال الجوهري: الفسطاط بيت من شعر، وفيه لغات: فسطاط، وفستاط، وفساط، وكسر الفاء لغة فيهنَّ).
(١٤٧٢) كذا في الكافي، وفي بعض النُّسَخ: (اعرف الإمامة).
↑صفحة ٥١٢↑
الْأَمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ، إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ [الإسراء: ٧١]، فَمَنْ عَرَفَ إِمَامَهُ كَانَ كَمَنْ هُوَ فِي فُسْطَاطِ المُنْتَظَرِ (عليه السلام)»(١٤٧٣)،(١٤٧٤).
[٤٧٤/٧] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ زَكَرِيا بن شَيْبَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُمْرَانَ بْنِ أَعْيَنَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «اعْرِفْ إِمَامَكَ، فَإِذَا عَرَفْتَهُ لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هَذَا الْأَمْرُ أَمْ تَأَخَّرَ، فَإِنَّ اللهَ (عزَّ وجلَّ) يَقُولُ: ﴿يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾، فَمَنْ عَرَفَ إِمَامَهُ كَانَ كَمَنْ هُوَ فِي فُسْطَاطِ الْقَائِمِ (عليه السلام)».
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٧٣) الكافي (ج ١/ص ٣٧٢/باب أنَّه من عرف إمامه لم يضرّه تقدَّم هذا الأمر.../ح ٧).
(١٤٧٤) قال المولى المازندراني (رحمه الله) في شرح أُصول الكافي (ج ٦/ ص ٣٤٤): (قوله: (اعرف العلامة) أراد بالعلامة الإمام، لأنَّه علامة تُعرَف به أحوال المبدء والمعاد والقوانين الشرعيَّة والطريقة الإلهيَّة. قوله: (إنَّ الله (عزَّ وجلَّ) يقول) تعليل لما تقدَّم من وجوب معرفة الإمام، وعدم لحوق الضرر المذكور بعدها. أمَّا دلالته على الأوَّل فظاهر، وأمَّا على الثاني فقد أشار بالتفريع المذكور، ووجه أنَّ المعيَّة المستفادة من الباء مع عدم إظهار الفرق بين من كان في فسطاطه وغيرهم يقتضي ذلك كما لا يخفى على الفطن).
↑صفحة ٥١٣↑
باب (٢٦): ما روي في مدَّة ملك القائم (عليه السلام) بعد قيامه
↑صفحة ٥١٥↑
[٤٧٥/١] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنِ عُقْدَةَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ التَّيْمُلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ(١٤٧٥)، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّهُ قَالَ: «يَمْلِكُ الْقَائِمُ (عليه السلام) تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَشْهُراً».
[٤٧٦/٢] أَخْبَرَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ اِبْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنْدِيُّ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الله اِبْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الله بْنُ أَبِي يَعْفُورٍ(١٤٧٦)، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ الله (عليه السلام): «مُلْكُ الْقَائِمِ مِنَّا تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَشْهُراً».
[٤٧٧/٣] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ ابْنِ عُقْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ المُفَضَّلِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَيْسِ بْنِ رُمَّانَةَ الْأَشْعَرِيُّ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ الزَّيَّاتُ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليهما السلام) يَقُولُ: «وَالله لَيَمْلِكَنَّ رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَيَزْدَادُ تِسْعاً».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٧٥) يعني به محمّد بن عليِّ بن يوسف، فإنَّ التيملي يروي عن الحسن ومحمّد ابني عليِّ بن يوسف، عن أبيهما، كما تقدَّم مراراً.
(١٤٧٦) في السند سقط، فإنَّ عبد الله بن أبي يعفور كان من أصحاب الصادق (عليه السلام) ومات في أيَّامه، وكان وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) سنة (١٤٨هـ)، ولعلَّ الساقط كان حمزة بن حمران، أو الحسين بن أبي العلاء.
↑صفحة ٥١٧↑
قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: وَمَتَى يَكُونُ ذَلِكَ؟
قَالَ: «بَعْدَ مَوْتِ الْقَائِمِ (عليه السلام)».
قُلْتُ لَهُ: وَكَمْ يَقُومُ الْقَائِمُ (عليه السلام) فِي عَالَمِهِ حَتَّى يَمُوتَ؟
فَقَالَ: «تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ قِيَامِهِ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ(١٤٧٧)»(١٤٧٨).
[٤٧٨/٤] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْبَنْدَنِيجِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ الله بْنِ مُوسَى الْعَلَوِيِّ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ إِسْحَاقَ(١٤٧٩)، عَنْ أَحْمَدَ اِبْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي شُعْبَةَ الْحَلَبِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ، عَنْ عَبْدِ الله بْنِ أَبِي يَعْفُورٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام)، قَالَ: «إِنَّ الْقَائِمَ (عليه السلام) يَمْلِكُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَأَشْهُراً».
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٧٧) قال العلَّامة المجلسي (رحمه الله) في بحار الأنوار (ج ٥٢/ ص ٢٩٩): (إشارة إلى ملك الحسين (عليه السلام) أو غيره من الأئمَّة في الرجعة). وتتمَّة الحديث كما في تفسير العيَّاشي: قال: قلت: فيكون بعد موته هرج؟ قال: «نعم خمسين سنة»، قال: «ثمّ يخرج المنصور إلى الدنيا فيطلب دمه ودم أصحابه، فيقتل ويسبي حتَّى يقال: لو كان هذا من ذرّيَّة الأنبياء ما قتل الناس كلَّ هذا القتل، فيجتمع الناس عليه أبيضهم وأسودهم فيكثرون عليه حتَّى يلجئونه إلى حرم الله، فإذا اشتدَّ البلاء عليه مات المنتصر وخرج السفَّاح إلى الدنيا غضباً للمنتصر، فيقتل كلَّ عدوٍّ لنا جائر ويملك الأرض كلَّها، ويُصلِح الله له أمره، ويعيش ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً»، ثمّ قال أبو جعفر: «يا جابر، وهل تدري من المنتصر والسفَّاح؟ يا جابر، المنتصر الحسين، والسفَّاح أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين)».
(١٤٧٨) تفسير العيَّاشي (ج ٢/ ص ٣٢٦/ ح ٢٤)، الاختصاص (ص ٢٥٧)، الغيبة للطوسي (ص ٤٧٨ و٤٧٩/ ح ٥٠٥).
(١٤٧٩) في بعض النُّسَخ: (أحمد بن الحسن، عن أبيه، عن أحمد بن عمر...) إلخ.
↑صفحة ٥١٨↑
وإذ قد أتينا على الغرض الذي قصدنا له، وانتهينا إلى ما أردنا منه(١٤٨٠) - وفيه كفاية وبلاغ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد -، فإنَّا نحمد الله على إنعامه علينا، ونشكره على إحسانه إلينا، بما هو أهله من الحمد، ومستحقُّه من الشكر، ونسأله أنْ يُصلِّي على محمّد وآله(١٤٨١) المنتجبين الأخيار الطاهرين، وأنْ يُثبِّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ويزيدنا هدًى وعلماً وبصيرةً وفهماً، ولا يزغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأنْ يهب لنا من لدنه رحمةً، إنَّه كريم وهَّاب(١٤٨٢).
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على محمّد وآله الطاهرين، وسلَّم تسليماً كثيراً مباركاً زاكياً نامياً طيِّباً، برحمتك يا أرحم الراحمين.
* * *
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١٤٨٠) في بعض النُّسَخ: (إلى مرادنا).
(١٤٨١) في نسخة: (وآل محمّد).
(١٤٨٢) في النسخة الرضويَّة - على ما نُقِلَ - بعد قوله: (كريم وهَّاب): (تمَّ الكتاب، والحمد لله وصلواته على سيِّدنا محمّد النبيِّ وآله الطاهرين، وسلَّم تسليماً... سنة سبع وسبعين وخمسمائة)، وفي هامشه بخطٍّ آخر: (سنة ٥٧٧ تاريخ كتابته).
↑صفحة ٥١٩↑
١ - القرآن الكريم.
٢ - إثبات الوصيَّة للإمام عليِّ بن أبي طالب: عليُّ بن الحسين بن عليٍّ الهذلي المسعودي/ ط ٣/ ١٤٢٦هـ/ أنصاريان/ قم.
٣ - الاحتجاج: أحمد بن عليٍّ الطبرسي/ تعليق وملاحظات: السيِّد محمّد باقر الخرسان/ ١٣٨٦هـ/ دار النعمان/ النجف الأشرف.
٤ - الاختصاص: الشيخ المفيد/ تحقيق: عليّ أكبر الغفاري والسيِّد محمود الزرندي/ ط ٢/ ١٤١٤هـ/ دار المفيد للطباعة والنشر/ بيروت.
٥ - اختيار معرفة الرجال (رجال الكشِّي): الشيخ الطوسي/ تحقيق: السيِّد مهدي الرجائي/ ١٤٠٤هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.
٦ - الإرشاد: الشيخ المفيد/ تحقيق: مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام)/ ط ٢/ ١٤١٤هـ/ دار المفيد/ بيروت.
٧ - إرشاد القلوب: الحسن بن محمّد الديلمي/ ط ٢/ ١٤١٥هـ/ مطبعة أمير/ انتشارات الشريف الرضي/ قم.
٨ - الاستبصار: الشيخ الطوسي/ تحقيق: حسن الخرسان/ ط ٤/ ١٣٦٣ش/ مطبعة خورشيد/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
٩ - الاستنصار في النصِّ على الأئمَّة الأطهار: أبو الفتح محمّد بن عليِّ بن عثمان الكراجكي/ ط ٢/ ١٤٠٥هـ/ دار الأضواء/ بيروت.
١٠ - الاعتقادات في دين الإماميَّة: الشيخ الصدوق/ تحقيق: عصام عبد السيِّد/ ط ٢/ ١٤١٤هـ/ دار المفيد/ بيروت.
↑صفحة ٥٢١↑
١١ - الأمالي: الشيخ الصدوق/ ط ١/ ١٤١٧هـ/ مركز الطباعة والنشر في مؤسَّسة البعثة/ قم.
١٢ - الأمالي: الشيخ الطوسي/ تحقيق: مؤسَّسة البعثة/ ط ١/ ١٤١٤هـ/ دار الثقافة/ قم.
١٣ - الإمامة والتبصرة: ابن بابويه/ ط ١/ ١٤٠٤هـ/ مدرسة الإمام الهادي (عليه السلام)/ قم.
١٤ - الأنساب: السمعاني/ تقديم وتعليق: عبد الله عمر البارودي/ ط ١/ ١٤٠٨هـ/ دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت.
١٥ - بحار الأنوار الجامعة لدُرَر أخبار الأئمَّة الأطهار: العلَّامة المجلسي/ تحقيق: يحيى العابدي الزنجاني وعبد الرحيم الربَّاني الشيرازي/ ط ٢/ ١٤٠٣هـ/ مؤسَّسة الوفاء/ بيروت.
١٦ - البداية والنهاية: ابن كثير/ تحقيق وتدقيق وتعليق: عليّ شيري/ ط ١/ ١٤٠٨هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
١٧ - بشارة المصطفى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لشيعة المرتضى (عليه السلام): محمّد بن أبي القاسم الطبري/ تحقيق: جواد القيُّومي الأصفهاني/ ط ١/ ١٤٢٠هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
١٨ - بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمّد (عليهم السلام): محمّد بن الحسن ابن فرُّوخ (الصفَّار)/ تصحيح وتعليق وتقديم: الحاج ميرزا حسن كوجه باغي/ ١٤٠٤هـ/ منشورات الأعلمي/ طهران.
١٩ - تاج العروس: مرتضى الزبيدي/ تحقيق: عليّ شيري/ ١٤١٤هـ/ دار الفكر/ بيروت.
٢٠ - تاريخ بغداد أو مدينة السلام: الخطيب البغدادي/ دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا/ ط ١/ ١٤١٧هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
↑صفحة ٥٢٢↑
٢١ - تاريخ اليعقوبي: أحمد بن أبي يعقوب الكاتب العبَّاسي المعروف باليعقوبي/ دار صادر/ بيروت.
٢٢ - تُحَف العقول عن آل الرسول: ابن شعبة الحرَّاني/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ ط ٢/ ١٤٠٤هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
٢٣ - تصحيح اعتقادات الإماميَّة: الشيخ المفيد/ تحقيق: حسين دركاهي/ ط ٢/ ١٤١٤هـ/ دار المفيد/ بيروت.
٢٤ - تفسير العيَّاشي: محمّد بن مسعود العيَّاشي/ تحقيق: السيِّد هاشم الرسولي المحلَّاتي/ المكتبة العلميَّة الإسلاميَّة/ طهران.
٢٥ - تفسير القمِّي: عليُّ بن إبراهيم القمِّي/ تصحيح وتعليق وتقديم: السيِّد طيِّب الموسوي الجزائري/ ط ٣/ ١٤٠٤هـ/ مؤسَّسة دار الكتاب/ قم.
٢٦ - تقريب التهذيب: ابن حجر العسقلاني/ دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا/ ط ٢/ ١٤١٥هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
٢٧ - تقريب المعارف: أبو الصلاح الحلبي/ تحقيق: فارس الحسُّون/ ط ١٤١٧هـ.
٢٨ - تهذيب الأحكام: الشيخ الطوسي/ تحقيق وتعليق: السيِّد حسن الموسوي الخرسان/ ط ٣/ ١٣٦٤هـ/ دار الكتب الإسلاميَّة/ طهران.
٢٩ - تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلاني/ ط ١/ ١٤٠٤هـ/ دار الفكر/ بيروت.
٣٠ - التوحيد: الشيخ الصدوق/ تحقيق وتصحيح: هاشم حسيني طهراني/ ط ١/ جماعة المدرِّسين في الحوزة العلميَّة/ قم.
٣١ - الثقات: محمّد بن حبَّان بن أحمد أبي حاتم التميمي البستي/ ط ١/ ١٣٩٣هـ/ مؤسَّسة الكُتُب الثقافيَّة.
↑صفحة ٥٢٣↑
٣٢ - ثواب الأعمال: الشيخ الصدوق/ تحقيق: محمّد مهدي الخرسان/ ط ٢/ ١٣٦٨ش/ مطبعة أمير/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
٣٣ - جامع الرواة وإزاحة الشبهات عن الطُّرُق والأسناد: محمّد عليّ الأردبيلي.
٣٤ - الجرح والتعديل: عبد الرحمن بن أبي حاتم التميمي الحنظلي الرازي/ ط ١/ ١٣٧١هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
٣٥ - الخرائج والجرائح: قطب الدِّين الراوندي/ بإشراف: السيِّد محمّد باقر الموحِّد الأبطحي/ ط ١/ ١٤٠٩هـ/ مؤسَّسة الإمام المهدي (عجَّل الله فرجه)/ قم.
٣٦ - خزانة الأدب ولبُّ لباب لسان العرب: عبد القادر بن عمر البغدادي/ تحقيق وتصحيح: محمّد نبيل طريفي/ ط ١/ ١٤١٨هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
٣٧ - الخصال: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ ١٣٦٢ش/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
٣٨ - خصائص الأئمَّة (عليهم السلام): الشريف الرضي/ تحقيق: محمّد هادي الأميني/ ١٤٠٦هـ/ مجمع البحوث الإسلاميَّة/ الآستانة الرضويَّة المقدَّسة/ مشهد.
٣٩ - خلاصة الأقوال: العلاَّمة الحلِّي/ ط ١/ ١٤١٧هـ/ مؤسَّسة نشر الفقاهة.
٤٠ - خلاصة تذهيب تهذيب الكمال: أحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري اليمني/ قدَّم له واعتنى بنشره: عبد الفتَّاح أبو غدة/ ط ٤/ ١٤١١هـ/ مكتبة المطبوعات الإسلاميَّة بحلب/ دار البشائر الإسلاميَّة.
٤١ - دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام: القاضي النعمان المغربي/ تحقيق: آصف بن عليّ أصغر فيضي/ ١٣٨٣هـ/ دار المعارف/ القاهرة.
↑صفحة ٥٢٤↑
٤٢ - دلائل الإمامة: محمّد بن جرير الطبري الشيعي/ ط ١/ ١٤١٣هـ/ مؤسَّسة البعثة/ قم.
٤٣ - رجال ابن الغضائري: ابن الغضائري/ تحقيق: السيِّد محمّد رضا الجلالي/ ط ١/ ١٤٢٢هـ/ دار الحديث.
٤٤ - رجال الطوسي (الأبواب): الشيخ الطوسي/ ط ١/ ١٤١٥هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي.
٤٥ - رجال النجاشي (فهرست أسماء مصنِّفي الشيعة): أبو العبَّاس أحمد ابن عليّ بن أحمد بن العبَّاس النجاشي الأسدي الكوفي/ ط ٥/ ١٤١٦هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
٤٦ - روضة الواعظين: محمّد بن الفتَّال النيسابوري/ تقديم: السيِّد محمّد مهدي السيِّد حسن الخرسان/ منشورات الشريف الرضي/ قم.
٤٧ - سُنَن أبي داود: أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني/ تحقيق وتعليق: سعيد محمّد اللحَّام/ ط ١/ ١٤١٠هـ/ دار الفكر/ بيروت.
٤٨ - السيرة النبويَّة: ابن هشام الحميري/ تحقيق وضبط وتعليق: محمّد محيي الدِّين عبد الحميد/ ١٣٨٣هـ/ مكتبة محمّد عليّ صبيح وأولاده/ مصر.
٤٩ - شرح أُصول الكافي: صدر المتألِّهين/ تحقيق وتصحيح: محمّد خواجوي/ ط ١/ ١٣٨٣ش/ مؤسسه مطالعات وتحقيقات فرهنگي/ طهران.
٥٠ - شرح أُصول الكافي: مولى محمّد صالح المازندراني/ تعليق: الميرزا أبو الحسن الشعراني/ ضبط وتصحيح: السيِّد عليّ عاشور/ ط ١/ ١٤٢١هـ/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت.
٥١ - شرح الأخبار في فضائل الأئمَّة الأطهار: القاضي النعمان المغربي/ تحقيق: السيِّد محمّد الحسيني الجلالي/ ط ٢/ ١٤١٤هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
↑صفحة ٥٢٥↑
٥٢ - شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد المعتزلي/ تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم/ ط ١/ ١٣٧٨هـ/ دار إحياء الكُتُب العربيَّة/ بيروت.
٥٣ - شرح نهج البلاغة: ابن ميثم البحراني/ ط ١/ ١٣٦٢ش/ مركز النشر مكتب الإعلام الإسلامي/ إيران/ قم.
٥٤ - الصحاح (تاج اللغة وصحاح العربيَّة): إسماعيل بن حمَّاد الجوهري/ تحقيق: أحمد عبد الغفور العطَّار/ ط ٤/ ١٤٠٧هـ/ دار العلم للملايين/ بيروت.
٥٥ - صحيح البخاري: محمّد بن إسماعيل البخاري الجعفي/ ط ٢/ ١٤١٠هـ/ أوقاف مصر.
٥٦ - صحيح مسلم: مسلم بن الحجَّاج بن مسلم القشيري النيسابوري/ دار الفكر/ بيروت.
٥٧ - الطبقات الكبرى: محمّد بن سعد/ دار صادر/ بيروت.
٥٨ - العسل المصفَّى من تهذيب زين الفتى: أحمد بن محمّد بن عليٍّ العاصمي/ هذَّبه وعلَّق عليه: الشيخ محمّد باقر المحمودي/ ط ١/ ١٤١٨هـ/ مجمع إحياء الثقافة الإسلاميَّة/ قم.
٥٩ - عقد الدُّرَر: يوسف بن يحيى المقدسي/ انتشارات نصائح.
٦٠ - العقد الفريد: أحمد بن محمّد بن عبد ربِّه الأندلسي/ تحقيق وتصحيح: مفيد محمّد قميحة/ ط ١/ ١٤٠٤هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
٦١ - علل الشرائع: الشيخ الصدوق/ تقديم: السيِّد محمّد صادق بحر العلوم/ ١٣٨٥هـ/ منشورات المكتبة الحيدريَّة ومطبعتها/ النجف الأشرف.
٦٢ - العين: الخليل الفراهيدي/ ط ٢/ ١٤٠٩هـ/ مؤسَّسة دار الهجرة.
٦٣ - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي/ ١٤٠٤هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
↑صفحة ٥٢٦↑
٦٤ - الغارات: إبراهيم بن محمّد الثقفي الكوفي/ تحقيق: السيِّد جلال الدِّين الحسيني الأرموي المحدِّث.
٦٥ - الغيبة: الشيخ الطوسي/ تحقيق: عبد الله الطهراني وعليّ أحمد ناصح/ ط ١/ ١٤١١هـ/ مطبعة بهمن/ مؤسَّسة المعارف الإسلاميَّة/ قم.
٦٦ - فضائل الشيعة:الشيخ الصدوق/ كانون انتشارات عابدي/ طهران.
٦٧ - فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام): ابن عقدة الكوفي/ تحقيق وتصحيح: عبد الرزَّاق محمّد حسين حرز الدِّين/ ط ١/ ١٤٢٤هـ/ دليل ما/ قم.
٦٨ - الفضائل: شاذان بن جبرئيل القمِّي (ابن شاذان)/ ١٣٨١هـ/ منشورات المطبعة الحيدريَّة ومكتبتها/ النجف الأشرف.
٦٩ - الفهرست: الشيخ الطوسي/ تحقيق: جواد القيُّومي/ ط ١/ ١٤١٧هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي.
٧٠ - القاموس المحيط: مجد الدِّين محمّد بن يعقوب الفيروزآبادي.
٧١ - قرب الإسناد: أبو العبَّاس عبد الله بن جعفر الحميري القمِّي/ ط ١/ ١٤١٣هـ/ مؤسَّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث/ قم.
٧٢ - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستَّة: محمّد بن أحمد الذهبي الدمشقي/ مقابلة وتقديم وتعليق: محمّد عوامة/ تخريج النصوص: أحمد محمّد نمر الخطيب/ ط ١/ ١٤١٣هـ/ دار القبلة للثقافة الإسلاميَّة، مؤسَّسة علوم القرآن/ جدَّة.
٧٣ - الكافي: الشيخ الكليني/ تحقيق: عليّ أكبر الغفاري/ ط ٥/ ١٣٦٣ش/ مطبعة حيدري/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
٧٤ - كامل الزيارات: جعفر بن محمّد بن قولويه/ تحقيق: الشيخ جواد القيُّومي/ ط ١/ ١٤١٧هـ/ مؤسَّسة نشر الفقاهة.
↑صفحة ٥٢٧↑
٧٥ - الكامل في ضعفاء الرجال: عبد الله بن عدي/ تحقيق: يحيى مختار غزاوي/ ط ٣/ ١٤٠٩هـ/ دار الفكر/ بيروت.
٧٦ - كتاب سُلَيم: سُلَيم بن قيس الهلالي الكوفي/ تحقيق: محمّد باقر الأنصاري الزنجاني/ ط ١/ ١٤٢٢هـ/ دليل ما.
٧٧ - كفاية الأثر في النصِّ على الأئمَّة الاثني عشر: أبو القاسم عليُّ بن محمّد الخزَّاز القمّي الرازي/ تحقيق: السيِّد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي/ ١٤٠١هـ/ انتشارات بيدار.
٧٨ - كمال الدِّين وتمام النعمة: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ ١٤٠٥هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
٧٩ - كنز الفوائد: أبو الفتح محمّد بن عليٍّ الكراجكي/ ط ٢/ ١٣٦٩ش/ مكتبة المصطفوي/ قم.
٨٠ - اللباب في تهذيب الأنساب: عزُّ الدِّين ابن الأثير الجزري/ دار صادر/ بيروت.
٨١ - لسان العرب: أبو الفضل جمال الدِّين محمّد بن مكرم الإفريقي المصري (ابن منظور)/ ١٤٠٥هـ/ نشر أدب الحوزة/ قم.
٨٢ - متشابه القرآن ومختلفه: ابن شهرآشوب/ ط ١/ ١٣٦٩هـ/ دار البيدار/ قم.
٨٣ - مجمع البيان في تفسير القرآن: أمين الإسلام أبو عليٍّ الفضل بن الحسن الطبرسي/ قدَّم له: السيِّد محسن الأمين العاملي/ ط ١/ ١٤١٥هـ/ مؤسَّسة الأعلمي/ بيروت.
٨٤ - المحاسن: أحمد بن محمّد بن خالد البرقي/ تصحيح وتعليق: السيِّد جلال الدِّين الحسيني المحدِّث/ ١٣٧٠هـ/ دار الكُتُب الإسلاميَّة/ طهران.
↑صفحة ٥٢٨↑
٨٥ - مختصر بصائر الدرجات: الحسن بن سليمان الحلِّي/ ط ١/ ١٣٧٠هـ/ منشورات المطبعة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
٨٦ - مرآة العقول في شرح أخبار الرسول: العلَّامة المجلسي/ ط ٢/ ١٤٠٤هـ/ قدَّم له: السيِّد مرتضى العسكري/ إخراج ومقابلة وتصحيح: السيِّد هاشم الرسولي/ دار الكُتُب الإسلاميَّة.
٨٧ - مراصد الاطِّلاع على أسماء الأمكنة والبقاع: عبد المؤمن البغدادي/ تحقيق وتصحيح: عليّ محمّد بجاوي/ ط ١/ ١٤١٢هـ/ دار الجيل/ بيروت.
٨٨ - المستدرك على الصحيحين: أبو عبد الله الحاكم النيسابوري/ إشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي.
٨٩ - المسترشد في إمامة أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب (عليه السلام): محمّد بن جرير الطبري الشيعي/ تحقيق: الشيخ أحمد المحمودي/ ط ١/ ١٤١٥هـ/ مؤسَّسة الثقافة الإسلاميَّة لكوشانبور.
٩٠ - مسند أحمد: أحمد بن حنبل/ تحقيق عدَّة محقِّقين/ ط ١/ ١٤١٦هـ/ مؤسَّسة الرسالة/ بيروت.
٩١ - المعارف: أبو محمّد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري/ تحقيق: ثروت عكاشة/ ط ٢/ ١٩٦٩م/ دار المعارف/ مصر.
٩٢ - معاني الأخبار: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ ١٣٧٩هـ/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
٩٣ - المعجم الكبير: سليمان بن أحمد الطبراني/ تحقيق وتخريج: حمدي عبد المجيد السلفي/ ط ٢/ دار إحياء التراث العربي.
٩٤ - معرفة الثقات: أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجلي الكوفي/ ط ١/ ١٤٠٥هـ/ مكتبة الدار/ المدينة المنوَّرة.
↑صفحة ٥٢٩↑
٩٥ - مقاتل الطالبيِّين: أبو الفرج الأصفهاني/ تقديم وإشراف: كاظم المظفَّر/ ط ٢/ ١٣٨٥هـ/ منشورات المكتبة الحيدريَّة ومطبعتها/ النجف الأشرف.
٩٦ - مقتضب الأثر: ابن عيَّاش الجوهري/ مطبعة العلميَّة/ مكتبة الطباطبائي/ قم.
٩٧ - من لا يحضره الفقيه: الشيخ الصدوق/ تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري/ ط ٢/ مؤسَّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة.
٩٨ - مناقب آل أبي طالب: ابن شهرآشوب/ ١٣٧٦هـ/ المكتبة الحيدريَّة/ النجف الأشرف.
٩٩ - مناقب الإمام أمير المؤمنين: محمّد بن سليمان الكوفي/ ت المحمودي/ط١/١٤١٢هـ/مط النهضة/مجمع إحياء الثقافة الإسلاميّة/قم.
١٠٠ - المنتظم في تاريخ الأُمَم والملوك: عبد الرحمن بن عليِّ بن محمّد ابن الجوزي/ دراسة وتحقيق: محمّد عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا/ راجعه وصحَّحه: نعيم زرزور/ ط ١/ ١٤١٢هـ/ دار الكُتُب العلميَّة/ بيروت.
١٠١ - النهاية في غريب الحديث والأثر: مجد الدِّين ابن الأثير/ تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمّد الطناحي/ ط ٤/ ١٣٦٤ش/ مؤسَّسة إسماعيليان/ قم.
١٠٢ - نهج البلاغة: خُطَب أمير المؤمنين (عليه السلام)/ ما اختاره وجمعه: الشريف الرضي/ تحقيق: الدكتور صبحي صالح/ ط ١/ ١٣٨٧هـ، وبشرح محمّد عبدة/ ط ١/ ١٤١٢هـ/ دار الذخائر/ قم.
١٠٣ - الهداية الكبرى: الحسين بن حمدان الخصيبي/ ط ٤/ ١٤١١هـ/ مؤسَّسة البلاغ/ بيروت.
* * *
↑صفحة ٥٣٠↑