الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة (المقربون) تقرأ على نحوين:
الأول: المبني للمعلوم (المقرِّبون) وهم المؤمنون الذين لا يستعجلون ولا يوقتون، بل يقولون عسى أن يظهر هذا الأمر قريباً إن شاء الله، وهو مصداق قول الإمام (عليه السلام): توقعوا هذا الأمر صباحاً ومساءً. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ص١٨٦، ج٥٢]
وهذا المعنى هو الذي استقربه الفيض الكاشاني في الوافي [الفيض الكاشاني: ج٢، ص٤٣٠]، فالحزم أن لا يستعجل الفرج من كان في الضيق بل يصبر حتى يأتي اللَّه له بالفرج، لأنه في الضيق يتوقع الفرج وفي الفرج يخاف الضيق، والمقربون على صيغة الفاعل من التقريب هم الذين يعدون الفرج قريباً، كما قال اللَّه سبحانه: ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَراهُ قَرِيباً﴾، وإنما نجوا لتيقنهم بمجيئه وانشراح صدورهم بنور اليقين. وهو الأقرب
الثاني: المبني للمجهول (المقرَّبون) وهؤلاء هم فئة خاصة من المؤمنين جرى ذكرهم في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ، فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ، وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ﴾
والقرب من الله تعالى له درجات ومراتب متعددة وليس على منزلة واحدة، ولكنها تشترك جميعاً في هذا المعنى الكلي الذي يكون متقدما في الشأن والخصوصية على المعنى العام للإيمان، ولذلك فكل واحد من المقربين هو مؤمن وليس كل مؤمن ينطبق عليه وصف المقربين، ومن هنا قسم العلماء الإيمان إلى عدة درجات، يتحقق أدناها بأداء الواجبات وترك المحرمات ثم تزداد درجات الإيمان تبعاً للالتزام العملي بالنوافل وأداء المستحبات وترك المكروهات وكلما استغرق المؤمن في التزامه الديني أفاض الله تعالى عليه من هدايته وعطائه، وقد ورد عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): ما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وإنه ليتقرب إلي بالنافلة حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته. [الكافي للشيخ الكليني: ج٢، ص٣٥٢]
وبطبيعة الحال لهؤلاء المقربين صفة يشتركون فيها هي التسليم والمتابعة لأهل البيت (عليهم السلام) وعدم الخروج عن تعاليمهم وطاعتهم، فقد روى الشيخ الطوسي عن ابن عباس، قال: سألت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن قول الله (عزَّ وجل): ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّات النَّعِيم﴾ فقال: قال لي جبرئيل: ذاك علي وشيعته، هم السابقون إلى الجنة، المقربون من الله بكرامته لهم. [الأمالي للشيخ المفيد: ص٧٢]
وأهم صفة وأعظم سمة يتحلى بها المؤمن هي صفة التسليم والانقياد لما اراده الله تعالى، ولذا قال الإمام الصادق (عليه السلام) لما سئل بأي شيء علم المؤمن أنه مؤمن؟ بالتسليم لله والرضا بما ورد عليه من سرور وسخط. [الكافي للشيخ الكليني: ج٢، ص٦٣]
ومن كان هذه صفته فلا يُخشى عليه الانحراف والضلال، بل إن النجاة والخلاص يكون مصيره الذي يُرجى له، ولذا ورد في الدعاء الوارد عن السفير الأول ما يحكي هذا المعنى بوضوح، وثبتني على طاعة ولي أمرك الذي سترته عن خلقك فبإذنك غاب عن بريتك، وأمرك ينتظر، وأنت العالم غير معلم بالوقت الذي فيه صلاح أمر وليك في الإذن له، بإظهار أمره وكشف سره، وصبرني على ذلك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت، ولا أكشف عما سترته ولا أبحث عما كتمته، ولا أنازعك في تدبيرك، ولا أقول لم وكيف؟ وما بال ولي أمر الله لا يظهر؟ وقد امتلأت الأرض من الجور، وأفوض أموري كلها إليك. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٥١٣]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)