الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
أن يبلغ المؤمن مقام الخدمة للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ويتحقق فيه ذلك، فهذا شرف عظيم وقيمة لا تقدر بثمن، وأي ثمن يوازي أو يعدل أن تكون ملحوظاً بالانتساب لإمام العصر والزمان (عجّل الله فرجه)، ويكفي في عمق هذا المعنى وسموه أن يعلم المؤمن أن خدمته (عجّل الله فرجه) وسام ورد ذكره في القرآن الكريم، فقد روى محمد بن صالح الهمداني قال: كتبت إلى صاحب الزمان (عليه السلام): إن أهل بيتي يؤذونني ويقرعونني بالحديث الذي روي عن آبائك (عليهم السلام) أنهم قالوا: قوامنا وخدامنا شرار خلق الله، فكتب (عليه السلام): ويحكم أما تقرؤون ما قال (عزَّ وجل): ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً﴾، ونحن والله القرى التي بارك الله فيها وأنتم القرى الظاهرة. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٤٨٣]
ولا يخفى إن هذه المنزلة وهذا المقام الرفيع يحتاج إلى توفيق إلهي وتسديد من قبله تعالى، ولا يمكن أن يتأتى لكل أحد من الناس.
وأول شروطه الالتزام الكامل بالشريعة والتقيد بها قدر المستطاع ضرورة أن خدمة الإمام (عجّل الله فرجه) ليست هي أمراً وراء خدمة الدين والانقياد لأوامره وطاعته (عجّل الله فرجه)، ولذا فإن ارتكاب المعاصي والاصرار عليها والاستغراق فيها من غير توبة حقيقية قد تخرج الإنسان وتسقطه عن أن يكون مؤهلاً لهذه الخدمة، وقد روى الكليني عن الحسن بن خفيف عن أبيه قال: بعث [الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)] بخدم إلى مدينة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومعهم خادمان وكتب إلى (أبي) خفيف أن يخرج معهم فخرج معهم، فلما وصلوا إلى الكوفة شرب أحد الخادمين مسكراً فما خرجوا من الكوفة حتى ورد كتاب من العسكر برد الخادم الذي شرب المسكر وعزل عن الخدمة. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٥٢٣]
والشرط الثاني الذي لا بد أن يتوفر في المؤمن ليرتقي إلى مصاف خدمة الإمام (عجّل الله فرجه) أن يتحلى بصفات الكمال والفضيلة، وأهمها العلم والمعرفة والوعي الصحيح للوظيفة التي يراد له القيام بها، ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: ما من حركة إلّا وانت محتاج فيها إلى معرفة. [تحف العقول لابن شعبة الحراني: ص١٧١]
فاذا أردنا أن نقوم بأي فعل من الأفعال يجب أن نمتلك المعرفة الصحيحة السابقة عليها حتى نكون على بينة من أمرنا ويكون العمل خالصاً من الشوائب لأنه ما من شائبة إلّا ومرجعها إلى الجهل، ومن دون هذا الشرط قد يكون الإنسان مفسداً أكثر من كونه مصلحاً، بل قد يكون مصدراً لأذى الإمام (عجّل الله فرجه) والاساءة إليه، ولقد تأذى ويتأذى الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من الجهل والجهلاء ومن عدم فهمنا له وعدم معرفتنا ماذا يريد منا، وقد ورد عنه (عجّل الله فرجه) في توقيعه الشريف: لقد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم. [الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج٢، ص٢٨٨]
ومع هذين الشرطين فأنت بحاجة للعناية الإلهية والتوفيق في بلوغ هذه المنزلة وهذا المقام، ولا ادعى لذلك من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى لكي تكون مقبولاً في رحاب خدمة الإمام (عجّل الله فرجه)، كما ورد مصداق ذلك في دعاء العهد الشريف المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام): اللهم اجعلني من أنصاره، وأعوانه، والذابين عنه، والمسارعين إليه في قضاء حوائجه، والتابعين إلى إرادته، والمستشهدين بين يديه.. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٣، ص٩٥]، وقد ورد في أثر هذا الدعاء وفضله كما روي عن الإمام الصادق (عليه السلام): من دعا إلى الله تعالى أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه بكلّ كلمة ألف حسنة ومَحا عنه ألف سيّئة. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٣، ص٩٥]
ومع تحقق هذه الشروط والأسباب لا يبقى أمام المؤمن إلّا أن يترجم خدمة الإمام (عجّل الله فرجه) إلى سلوك ومنهج عملي يمكن أن يحققه لينساق مع تلك الأمنية التي كان يتمناها إمامنا الصادق (عليه السلام) بقوله: لو أدركته لخدمته أيام حياتي. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢٥٢]، وهي الكلمة التي تكفي لمعرفة فضل هذه الخدمة وقيمتها في مجمل الأعمال العبادية وميزتها عليها، وأما مصاديق هذه الخدمة ومواردها فهي متعددة بتعدد أعمال الخير ومصاديق الإحسان وأهمها لا على سبيل الحصر:
١- التعريف بالقضية المهدوية وبيان معانيها السامية والشدّ الناس إليها والدفاع عنها من خلال توضيح معالمها الصحيحة، ورد الشبهات التي يثيرها أصحاب الأغراض السيئة والذين يستهدفون صدّ الناس عنها أو التدجيل عليهم بالدعوات والأقاويل المزيفة، ولا يتم كل لك بطبيعة الحال إلّا بتوفر الشرط الثاني الذي ذكرناه سابقاً، وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): من كان من شيعتنا عالماً بشريعتنا فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به جاء يوم القيامة على رأسه تاج من نور يضيء لجميع أهل العرصات، ثم ينادي مناد: يا عباد الله: هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة الجنان، فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيراً أو فتح عن قلبه من الجهل قفلاً أو اوضح له عن شبهة. [الاحتجاج للشيخ الطبرسي: ج١، ص٧]
٢- اقامة المجالس الدينية والمحافل المرتبطة والمعنية بالعقيدة المهدوية سواء في مناسبتها الخاصة أو في غيرها وسواء في بيوتنا ومنازلنا أو على مواقع التواصل الاجتماعي.
٣- تأليف الكتب وكتابة المقالات التي تعني بالقضية المهدوية، وحفظ الأحاديث الشريف التي تتكلم عن العقيدة المهدوية ونشرها بين الناس وفي المجتمع وبذلك نمهد الناس فكرياً وروحياً لعصر الظهور.
٤- تأسيس المراكز والمؤسسات التي تُعنى بخدمة القضية المهدوية والمساهمة فيها لمن لا يمتلك امكانية العمل الفردي المستقل، سواء كان هذا الدعم والاسهام في مستواه المادي أو المعنوي وعلى قدر واستطاعة كل واحد منا، فإن الغاية من كل ذلك أن يترك المؤمن بصمته وأثره في ضمن هذا الطريق، وليكون المؤمن مصداقاً ومحققاً لما أراده الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) منه ومتمثلاً قوله في جميع أحواله وأفعاله، فقد ورد عنه (عجّل الله فرجه): فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٣، ص١٧٦]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)