الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
لا يشكل عدم ذكرهم لهذه الرواية خللاً في مضمونها، وذلك:
أولاً: لعلهم لم يطلعوا عليها واطلع عليها الشيخ الصدوق في كمال الدين والطوسي في الغيبة والطبري في دلائل الإمامة وغيرهم.
ثانياً: ربما اطلعوا عليها ولكن لم تكن بمستوى من القبول عندهم فتركوها.
ثالثاً: ربما يكون هدف الشيخ النعماني من كتابه فقط إثبات ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) وغيبته ولم يكن هدفه من الكتاب التعرض إلى تفاصيل حياة والدته السيدة نرجس (عليها السلام).
رابعاً: لو تأملنا في روايات الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي (رحمهما الله) لرأينا الكثير من الروايات لم يتعرض لهما ولم يذكرهما الكليني في الكافي الشريف ولا النعماني في الغيبة، وهكذا العكس فإن الكثير من الروايات في الكافي الشريف والغيبة للشيخ النعماني لم تذكر عند الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي (رحمهما الله)، وهذا أمرٌ شائع بين الأعلام والسلف الصالح.
خامساً: إن الشيخ المفيد ذكر رواية زيارتها (عليها السلام) وفيها دلالة واضحة على أنها رومية، بل وفيها إشارات واضحة على طريقة زواجها من الإمام العسكري (عليه السلام) كما رواه الشيخ الصدوق.
ومن تلك الزيارة: (المخطوبة من روح الله الأمين ومن رغب في وصلتها سيد المرسلين) كما نص على ذلك الشيخ المجلسي في بحار الأنوار.
يؤيد ذلك ما رواه الفضل بن شاذان في كتابه (مختصر إثبات الرجعة) في الحديث التاسع بسند صحيح عن محمد بن عبد الجبار، قال: قلت لسيدي الحسن بن علي (عليه السلام): يا بن رسول الله جعلني الله فداك: أحب أن أعلم مَن الإمام وحجة الله على عباده من بعدك؟ فقال: إن الإمام وحجة الله من بعدي ابني سميُّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكنِيُّه، الذي هو خاتم حجج الله وآخر خلفائه. قلت: ممن هو يا بن رسول الله؟ قال: من ابنة ابن قيصر ملك الروم، ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة، ثم يظهر. [مختصر إثبات الرجعة للفضل بن شاذان: ص٥٨]
والفضل من شاذان معاصر للإمام العسكري (عليه السلام).
على أن النعماني ذكر أنه (عجّل الله فرجه) ابن سبية، وأما ذكر تفاصيل سبيها فلا ضرورة تدعوه لذكرها، وذكر تلك التفاصيل من بعض الرواة أو المؤلفين لا يلازم ضرورة ذكر الآخرين لها. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢٢٤، ب١٣، ح٥، و ص٢٣٤، ب١٣، ح١٠، و ص٢٣٥، ب١٣، ح١٢]
سادساً: لا دليل ولا ضرورة على أن الشيخ الكليني يذكر كل الروايات المتعلقة بأمهات بالمعصومين (عليهم السلام) بل إنما يذكر بعض الروايات حسب مبانيه أو حسب ما وصل إليه، أو ما يراه مهماً أو لغير ذلك.
ومما يشهد على هذا المعنى، أنه لم يذكر التوقيع الأخير للإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لسفيره الرابع علي بن محمد السمري، رغم أن الشيخ الصدوق ذكره في كمال الدين ص٥١٦، ب٤٥، ح٤٤، وكذا ذكره الشيخ الطوسي في الغيبة ص٣٩٥، ح٣٥٥، والذي نصه: حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: كنت بمدينة السلام في السنة التي توفي فيها الشيخ علي بن محمد السمري - قدس الله روحه - فحضرته قبل وفاته بأيام فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحدٍ يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله (عزَّ وجلَّ) وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم. قال: فنسخنا هذا التوقيع وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه. ومضى (رضي الله عنه)، فهذا آخر كلام سمع منه.
فرغم شهرة هذا التوقيع وشهرة صدوره عنه (عجّل الله فرجه) بين الشيعة، إلّا أن الشيخ الكليني لم يورده في الكافي، وما ذاك إلّا لما ذكرناه قبل قليل.
وعلى كل حال، فالخبر لا يعدو أن يكون من القضايا التاريخية والتفصيلات التي لا يترتب عليها علم ولا عمل ولا هي دخيلة في أصول العقيدة ولا فروعها مع الإيمان بأن أُمهات الأئمة جميعاً كنَّ على منزلة عظيمة من التقوى والإيمان محفوظات بالعناية الإلهية ورعايتها عن كل ما يخدش مقامها وقيمتها ليكون الرحم الطاهر المطهّر الذي يكون وعاء لحمل حجة الله تعالى وخليفته في أرضه، وهذا أصل أصيل دلّت عليه الروايات والزيارات ولا يضره إن لم نقف على تفصيلات وجزئيات موضوعه.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)