الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
فرق بين أن تكون عالماً بالغيب (والذي هو من الصفات المختصة بالله تعالى)، وبين أن تكون عالماً بالغيب بتوفيق من الله تعالى وإفاضة منه عليك وبالمقدار الذي يهبه الله تعالى لأحد أوليائه من عباده الصالحين، والرواية إنما بصدد نفي القسم الأول لا الثاني، وإلّا فكل واحد من المؤمنين يمتلك علماً من علم الغيب بتعليم من الله تعالى بواسطة أحد أنبيائه أو الأئمة المعصومين (عليهم السلام)، فأنت الآن تعلم بوجود الجنة والنار وتعلم بوجود الملائكة وتعلم بما سيقع في آخر الزمان من أحداث، سواء ارتبطت بظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أو بما يرتبط بيوم القيامة، ولكن مع ذلك لا يقال لك بأنك عالم بالغيب، لأن هذه الصفة لا تقال إلّا لمن كان يعلم ذلك بذاته ولا يحتاج إلى غيره في ذلك، وهذا المعنى لا يتصف به إلّا الله تعالى فقط، ولذلك كان الأئمة (عليهم السلام) يرفضون أشد الرفض أن يصفهم أحد بأنهم يعلمون الغيب، ولكن مع ذلك أوضحوا لنا أن علمهم إنما هو بتعليم من الله تعالى وتفضل منه عليهم لا أنهم يستقلون ويستغنون عنه في ذلك، ولذلك روي أن رجلاً من كليب سأل أمير المؤمنين (عليه السلام): لقد أعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب؟ فقال له (عليه السلام): يا أخا كلب! ليس هو بعلم غيب، وإنّما تعلّم من ذي علم. [نهج البلاغة تحقيق صبحي صالح: ص١٨٧]
وروي عنه أيضاً (عليه السلام): كل قوي غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك، وكل عالم غيره متعلم. [نهج البلاغة تحقيق صبحي صالح: ص٩٦]
كما أن المقدار الذي يعلمونه لا يعني الإطلاق الكلي الذي لا يتقيد بقيد، وإنما مع اتساعه وامتداده يبقى في دائرة تخضع للحدود والمقادير، فإنَّ علم الله تعالى وحده الذي لا نهاية له ولا منتهى، روي عن الكاهلي، قال: كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) في دعاء: الحمد لله منتهى علمه، فكتب إليَّ: لا تقولن: (منتهى علمه) فليس لعلمه منتهى، ولكن قل: منتهى رضاه. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص١٠٧]، وأمّا علم الأنبياء والمعصومين (عليهم السلام) فله حدوده ومقاديره التي لا تتجاوز عالم الإمكان والخلق، ولا يتعارض ذلك مع كونهم عالمين بما كان ويكون إلى يوم القيامة، لأنه لن يتجاوز تلك الدائرة ولن تضفي عليه صفة (العالم بالغيب) بالمعنى الذي يختص الله تعالى به والذي لا يشركه أحد فيه، وقد روى الكليني عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن الله (عزَّ وجل) أخبر محمداً (صلّى الله عليه وآله) بما كان منذ كانت الدنيا، وبما يكون إلى انقضاء الدنيا، وأخبره بالمحتوم من ذلك واستثنى عليه فيما سواه. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص١٤٨].
ولأجل ذلك لا يملك أحد من الخلق مفاتح الغيب إلّا الله تعالى وهو المعنى الذي أكده القرآن الكريم بوضوح يقول تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾، ولم يرد في رواياتنا الواردة عنهم (عليهم السلام) كما ذكرتم في سؤالكم توصيف أحد من المعصومين (عليهم السلام) بذلك.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)