الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
هذا السؤال يرتبط بموضوع الولاية التشريعية للمعصوم (عليه السلام) وفيه كلام بين العلماء، ولإيضاح الجواب نقول إن الأحكام الشرعية تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول هي الأحكام الواقعية: وهي كل الأحكام الشرعية التي ذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهي بدورها تنقسم أيضاً إلى قسمين:
١ - أحكام أوليّة وهي التي جرت على موضوعاتها أولاً وبالذات، أي أنها أحكام جُعلت للمواضيع في ظروفها العادية كالحكم بحرمة الخمر أو وجوب الصلاة.
٢ - أحكام ثانوية وهي أحكام جعلت للموضوعات في ظروفها الاستثنائية أي بعد أن طرأت عليها عناوين خاصة من قبيل حرمة الصوم على من يضره الصوم.
وهذه الأحكام لا تتغيّر ولا تتبدل إلى يوم القيامة.
فقد روى أحمد بن الحسن الميثمي أنه سأل الإمام الرضا (عليه السلام) يوماً وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الشيء الواحد، فقال (عليه السلام): ... لأنّا لا نرخّص فيما لم يرخّص فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلّا لعلّة خوف ضرورة، فأمّا أن نستحل ما حرّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو نحرّم ما استحلّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلا يكون ذلك أبداً؛ لأنّا تابعون لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مسلِّمون له كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) تابعاً لأمر ربه مسلِّماً له. وقال الله (عزَّ وجلَّ): ﴿وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾. [عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق: ج٢، ص٢٣]
وروي في الحديث الصحيح عن زرارة، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلال والحرام فقال: حلال محمد حلال أبداً إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبداً إلى يوم القيامة لا يكون غيره ولا يجيء غيره. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٥٨]
القسم الثاني: الأحكام الولائية أو التدبيرية وهي الأحكام التي تصدر من الإمام المعصوم (عليه السلام) بلحاظ كونه حاكماً وله الولاية على الأُمة لتدبير شؤونها وتختلف هذه الأحكام عن القسم الأول أنها لا تتميز بالدوام والأبدية، بل هي أحكام متغيرة تبعاً للمصالح والمفاسد التي يشخِّصها الإمام (عجّل الله فرجه) في المجتمع وينبغي الالتفات إلى أن حدود هذه الأحكام إنما تكون في دائرة المباحات فيقوم الإمام (عجّل الله فجه) بإيجاب بعضها أو تحريم بعضها تبعاً للمصلحة أو المفسدة.
ومن هذا القبيل ما ورد عن معاذ بن كثير، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: موسع على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف، فإذا قام قائمنا حرَّم على كل ذي كنز كنزه حتى يأتيه به فيستعين به على عدوه. [الكافي للشيخ الكليني: ج٤، ص٦١]
وكذا ما رواه جابر، قال: أقبل رجل إلى أبى جعفر (عليه السلام): وأنا حاضر، فقال: رحمك الله، اقبض هذه الخمسمائة درهم فضعها في موضعها فإنها زكاة مالي. فقال له أبو جعفر (عليه السلام): بل خذها أنت فضعها في جيرانك والأيتام والمساكين، وفي إخوانك من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام قائمنا فإنه يقسم بالسوية ويعدل في خلق الرحمن. [علل الشرائع للشيخ الصدوق: ج١، ص١٦١]
ومثله ما رواه علي بن سويد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا (عليه السلام) قال: يا معشر الفرسان سيروا في وسط الطريق، يا معشر الرجال سيروا على جنبي الطريق فأيما فارس أخذ على جنبي الطريق فأصاب رجلاً عيب ألزمناه الدية، وأيما رجل أخذ في وسط الطريق فأصابه عيب فلا دية له. [تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: ج١٠، ص٣١٤]
وما روي كذلك عن الإمام الصادق (عليه السلام): أول ما يظهر القائم من العدل أن ينادي مناديه أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف. [الكافي للشيخ الكليني: ج٤، ص٤٢٧]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)