الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
بمراجعة الروايات الشريفة يمكن أن نجد عدة معاني للجفر، خلاصتها التالي:
أولاً: وعاء العلم
إن الجفر عبارة عما يشبه الصندوق الذي جُمع في داخله بعض الأمور، كالكتب السابقة وسلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فقد ورد عن عنبسة بن مصعب قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام)... قال: قلت: أصلحك الله وما الجفر؟ قال: وهو والله مسك ماعز ومسك ضأن ينطبق أحدهما بصاحبه فيه سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) والكتب ومصحف فاطمة... .[بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٢٦، ص٤٥، وبصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص١٧٤، ب١٤، ح٩]
فالجفر على هذه الرواية أشبه بمكتبة تحتوي في داخلها كتباً علمية، بالإضافة إلى سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله).
ثانياً: كتاب الجفر:
فقد ورد في بعض الروايات الشريفة ما يظهر منها أن الجفر عبارة عن كتاب علمي، مختص بأهل البيت (عليهم السلام) توارثه اللاحق منهم عن السابق، فعن نعيم بن قابوس قال: قال لي أبو الحسن (عليه السلام): علي ابني أكبر ولدى واسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري ينظر معي في كتابي الجفر والجامعة وليس ينظر فيه إلا نبي أو وصى نبي. [عيون أخبار الرضا (عليه السلام) للشيخ الصدوق: ج٢، ص٤٠، ح٢٧]
فالرواية صريحة في أن الجفر هو عبارة عن كتاب، وأنه من مختصات الأنبياء والأوصياء لا غير.
ويدل عليه أيضاً ما ورد في رواية طويلة عن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر، وأبو بصير، وأبان بن تغلب على مولانا أبى عبد الله الصادق (عليه السلام) فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب، مقصر الكمين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى ... وقال (عليه السلام):... نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله به محمدا والأئمة (عليهم السلام) من بعده، وتأملت منه مولد غائبنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الاسلام من أعناقهم...
وصريح هاتين الروايتين أن كتاب الجفر والعلم الذي فيه هو من مختصات أهل البيت (عليهم السلام)، ولم يطّلع عليها أحد غيرهم إلا ما رووه هم (عليهم السلام) وصرحوا بأنه مما في الجفر.
ثالثاً: الجفران الأبيض والأحمر:
فقد ورد في بعض الروايات أن عند الأئمة (عليهم السلام) جفرين، أحدهما أبيض، والآخر أحمر.
فقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: ... وإن عندنا الجفر الأحمر والجفر الأبيض ... وأما الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولن يظهر حتى يقوم قائمنا أهل البيت، وأما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولى.... [الإرشاد للشيخ المفيد: ج٢، ص١٨٥- ١٨٦]
ويمكن القول في مثل هذه الرواية: بأن هذين الجفرين هما عبارة عما ورد في الرواية الأولى المتقدمة، من أن الجفر عبارة عما يشبه الصندوق الذي ينطبق أحد قسميه على الآخر (مسك ماعز ومسك ضأن ينطبق أحدهما بصاحبه)، وأن هذا الصندوق يحوي في داخله الكتب والسلاح.
ويؤيده ما ورد أبي عبد الله (عليه السلام) حيث قال: ...والله انهما لإهابان عليهما أصوافهما واشعارهما مدحوسين [أي مملوئين[ كتبنا (كتباً) في أحدهما وفى الاخر سلاح رسول الله (صلى الله عليه وآله).... [بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص١٧١، ب١٤، ح٢]
وبهذا يمكن أن نفهم ما ورد من وجود (جفر جلد الثور) بأنه وعاء جُمع فيه الجفران الأحمر والأبيض، فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه تحدث عن الجفر فقال: ...فإنه جلد ثور مدبوغ كالجراب، فيه كتب وعلم ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيّمة، من حلال وحرام، املاء رسول الله بخط علي (عليه السلام) وفيه مصحف فاطمة (عليها السلام) وما فيه آية من القرآن وان عندي لخاتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ودرعه وسيفه ولواه وعندي الجفر على رغم انف من زعم. [بصائر الدرجات لمحمد بن الحسن الصفار: ص١٨٠، ب١٤، ح٣٠]
وعلى كل حال، فإن الجفر بأي معنى فُرض، فهو من مختصات أهل البيت (عليهم السلام) التي ورثها عنهم المولى صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه)، فلا يمكن لأحد أن يدّعي أنه اطلع عليه أو أخذ شيئاً من العلم عنه إلا ما رووه هم (عليهم السلام) وصرحوا بأنه من الجفر وثبت سنده إليهم من خلال الكتب المعتبرة.
فما قد يقال من أن هناك كتاباً باسم الجفر، وهو متاح للناس، لا يمكن القول فيه بأنه نفس الجفر الذي هو من مختصاتهم (عليهم السلام)، وبالتالي فلا يمكن الركون إلى ما ورد في هذا الكتاب المدّعى إلا ما ثبت وجوده في الكتب الحديثية المعتبرة، وليس هناك ما يدل برواية معتبرة على وجود قارات غير التي نعرفها بالوجدان، خصوصاً مع تقدم علوم الاكتشافات الجغرافية اليوم.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)