الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
نعتقد أن المعصوم عموماً يهدف إلى هداية الناس إلى الدين القويم، وأنه لا يتركهم من دون أن يضع لهم المنهج الذي يسيرون عليه ويهتدون بهديه.
والإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لم يخرج عن هذا الخط العام، فهو لم يترك شيعته من دون أن وضع لهم ما يخرجون به من الحيرة زمن غيبته، وما ينجيهم في الآخرة أيضاً.
ويمكن تنقيط المنهج العام لما وضعه الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لشيعته زمن غيبته بالتالي:
أولا: تكذيب مدّعي السفارة الخاصة بعد السفير الرابع، طبقاً للتوقيع الأخير الذي صدر منه (عجّل الله فرجه) لسفيره الرابع، والذي نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلا بعد إذن الله عز وجل، وذلك بعد طول الأمد وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثانياً: الرجوع إلى الفقهاء العارفين بحديث أهل البيت (عليهم السلام)، طبقاً لما روي عنه (عجّل الله فرجه) من قوله: ...أَمَّا الْحَوَادِثُ الْوَاقِعَةُ فَارْجِعُوا فِيهَا إِلَى رُوَاةِ حَدِيثِنَا فَإِنَّهُمْ حُجَّتِي عَلَيْكُمْ وَأَنَا حُجَّةُ اللَّهِ. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص٢٩١، ح٢٤٧]
وهذا أمر قد أسّس له الأئمة من قبله، فعن الإمام العسكري (عليه السلام) قال: فأما من كان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدينه، مخالفا على هواه، مطيعا لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه، وذلك لا يكون إلا بعض فقهاء الشيعة لا جميعهم.
وعن الإمام الهادي (عليه السلام) قال: لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم (عليه السلام) من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته، ومن فخاخ النواصب، لما بقي أحد إلا ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله (عزّ وجل).
ثالثاً: هناك منهج أخلاقي وتربوي متكامل وضعه الإمام (عجّل الله فرجه) تبعاً لتعليمات القرآن الكريم وأحاديث المعصومين (عليهم السلام)، والذي يمكن تلخيصه بالتالي:
أولاً: العمل وفق المنهج العام للتشيع، الذي ينتقل فيه المؤمن إلى تحصيل رضا الله تعالى من خلال التزام التشريعات التي أوصلها إلينا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)
وفي ذلك يقول الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) في مكاتبته إلى الشيخ المفيد: فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا، فإن أمرنا بغتة فجاءة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة.
ثانياً: هناك حقيقة واقعية، خلاصتها: إن كل فرد له مسؤولية ما في هذا الكون، تتحدّد بحدود معرفته وموضعه، وقد أشار الإمام (عجّل الله فرجه) في أحد الأدعية المنسوبة إليه إلى ما يلزم الأفراد في ذلك كلٌ بحسبه والذي جاء بالنص التالي:
اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية وصدق النية وعرفان الحرمة، وأكرمنا بالهدى والاستقامة وسدد ألسنتنا بالصواب والحكمة واملأ قلوبنا بالعلم والمعرفة وطهر بطوننا من الحرام والشبهة واكفف أيدينا عن الظلم والسرقة واغضض ابصارنا عن الفجور والخيانة واسدد أسماعنا عن اللغو والغيبة وتفضل على علمائنا بالزهد والنصيحة وعلى المتعلمين بالجهد والرغبة وعلى المستمعين بالاتباع والموعظة وعلى مرضى المسلمين بالشفاء والراحة وعلى موتاهم بالرأفة والرحمة وعلى مشايخنا بالوقار والسكينة وعلى الشباب بالإنابة والتوبة وعلى النساء بالحياء والعفة وعلى الأغنياء بالتواضع والسعة وعلى الفقراء بالصبر والقناعة وعلى الغزاة بالنصر والغلبة وعلى الاسراء بالخلاص والراحة وعلى الامراء بالعدل والشفقة وعلى الرعية بالإنصاف وحسن السيرة وبارك للحجاج والزوار في الزاد والنفقة واقض ما أوجبت عليهم من الحج والعمرة بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
وخلاصة ما يُراد من المؤمنين هو التالي:
١- ضبط اللسان بالصواب ونطق الحكمة.
٢- الاهتمام بالعلم والمعرفة.
٣- تطهير البطن من الحرام والشبهة.
٤-كفّ اليد عن الظلم والسرقة.
٥- غض البصر عن الفجور والخيانة.
٦- حبس السمع عن الغيبة وبقية المحرمات المسموعة.
٧- على العلماء أن يتصفوا بالزهد بالدنيا، وبالنصيحة للعباد.
٨-على المتعلم أن يزيد من جهده في التعلم ومن رغبته فيه.
٩-على المستمع للعالم أن يأخذ الموعظة بعين الاعتبار، وأن يتّبع الحق.
١٠- الدعاء للمؤمنين، أحياءً وأمواتاً، وكذا الدعاء للمجاهدين والأسراء، بل الدعاء حتى للمسافرين والحجاج.
١١- على الشيوخ الكبار أن يتسموا بالوقار والسكينة.
١٢- على الشباب أن يتوبوا مما هم فيه لو كانوا على خطأ، وأن يرجعوا إلى بارئهم.
١٣- على النساء أن يلتزمن الحياء، والعفة.
١٤- على الأغنياء أن يتواضعوا لمن هم دونهم، وأن لا يجعلوا من المال سبباً للتكبر على الناس، وأن يوسعوا على أنفسهم وإخوانهم ما استطاعوا.
١٥_ على الفقراء أن يعيشوا القناعة بعد أن يصبروا على فقرهم.
١٦- على من يملك أمراً من أمور الناس أن يكون عادلاً فيهم شفيقاً عليهم.
١٧- على الرعية أن يكونوا منصفين في حكمهم، أن يسلكوا المسالك الحسنة.
فهذا منهج أخلاقي شرعي متكامل، ينبغي على المنتظِر أن يعمل على التزام فقراته بدقّة.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)