الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
لا ريب أن الناس خلقهم الله تعالى شعوباً وقبائل ومجتمعات، وقد يتمايزون كلاً أو بعضاً بتقاليدهم وأعرافهم، وموقف الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) من خصوصيات وسمات تلك الشعوب هو موقف الإسلام من ذلك، فما كان منه يتفق مع روح الدين وأصالته فهو يقرّه وينميه، لما يمثله من الجانب الإيجابي من الروح الإنسانية والفطرة السليمة، بل ويدعو إليه، وقد وجدنا النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قبل بعثته حينما كان عمره الشريف خمساً وعشرين سنة دخل في ما عُرف بـ(حلف الفضول)، وهو الحلف الذي حصل بين قبائل من قريش تعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها أو من غير أهلها ممن دخلها إلّا نصروه حتى تردّ مظلمته، حتى أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال بعد بعثته المباركة وبعد أن استتب له الأمر: لقد شهدت مع عمومتي حلفاً في دار عبد الله بن جدعان ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو دعيت به في الإسلام لأجبت. [سيرة ابن هشام: ج١، ص٨٧]
وقد نجد أمثلة لذلك في دولة الإمام (عجّل الله فرجه)، من إقراره بعض الأنظمة والقوانين المتعارفة عند الحضارات المتقدمة، من قبيل نظام السير والمرور مما لم تكن متعارفة في صدر الإسلام، أو حتى في بعض مجتمعاتنا المعاصرة، والتي تعارف عندها تحميل مسؤولية الحوادث لكل قائد مركبة، وإن لم يكن هو السبب فيما وقع.
روى علي بن سويد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: إذا قام قائمنا (عليه السلام) قال: يا معشر الفرسان سيروا في وسط الطريق، يا معشر الرجال سيروا على جنبي الطريق، فأيما فارس أخذ على جنبي الطريق فأصاب رجلاً عيب ألزمناه الدية، وأيما رجل أخذ في وسط الطريق فأصابه عيب فلا دية له. [تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: ج٦، ص١٥٤]
وأما الأعراف والتقاليد التي تتعارض وتصطدم مع الإسلام وأحكامه فمن الطبيعي أن يرفضها الإمام (عجّل الله فرجه) ويزيلها، لما تشكله من معوقات وموانع للغاية الكبرى في نهضته (عجّل الله فرجه)، وهي نشر العدالة والاستقامة في ربوع الأرض، ويستمد كل ذلك من سيرة النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) القويمة وتعاليمه الصالحة.
روى الشيخ الطوسي عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن القائم (عليه السلام) إذا قام بأي سيرة يسير في الناس؟ فقال (عليه السلام): بسيرة ما سار به رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) حتى يظهر الإسلام. قلت: وما كانت سيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: أبطل ما كان في الجاهلية واستقبل الناس بالعدل، وكذلك القائم (عليه السلام) إذا قام يبطل ما كان في الهدنة مما كان في أيدي الناس ويستقبل بهم العدل. [تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: ج١٠، ص٣١٤]
ومن أمثلة ذلك ما قد نجده في بعض المجتمعات المحكومة بمعايير تقوم على المحابات والعلاقات الخاصة والتي لا تمتلك غطاء شرعياً سوى أنها أعراف وعادات سادت وانتشرت، حتى أصبحت ملاكات للتفضيل والحظوة.
روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): إذا قام قائمنا اضمحلت القطائع فلا قطائع. [قرب الإسناد لعبد الله بن جعفر الحميري: ص٨٠] والقطائع: جمع قطيعة، وهي الأرض الزراعية أو غيرها من الثروات والمنافع التي يعطيها الحكام للمقربين منهم.
وبعد هذا البيان يمكن أن نستوحي ونستجلي من مجموع الروايات والأحاديث التي تكلمت عن معالم دولة الإمام (عجّل الله فرجه) وطبيعة تعاملها مع الشعوب المختلفة، أن المدار عنده (عجّل الله فرجه) ومسار حاكميته تعتمد على مدى انسجام تلك التقاليد والأعراف مع طبيعة الإسلام وعدالته، فما وافق ذلك أقره وأبقاه، وما خالفه نقضه وأزاله، سواء كان ذلك راجعاً في تحقيق أصل العدل وفحواه، أو كان ذلك فيما ابتدع واختلق.
روى أبو سعيد الخدري عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم): يخرج المهدي حكماً عدلاً، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويطاف بالمال في أهل الحواء [وهي البيوت القريبة من بعضها في حي واحد]، فلا يوجد أحد يقبله. [عقد الدرر في أخبار المنتظر للمقدسي: ص١٦٦]
وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: سيميت الله به كل بدعة، ويمحو كل ضلالة، ويحيي كل سنة. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٤١٢]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)