الشجاعة الحسينية في الأربعين
السيد جلال الحسيني
﴿الَّذينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ﴾ (آل عمران-١٧٣)
هذا هو المؤمن؛ لا يخشى من تهويل الاعداء ولا من تهديدهم بل يزداد ايمانا وتوكلا على الله تعالى ويصبح تهديد العدو وتخويفه سببا لقوته وشجاعته ويسخر منهم لان العدو لا يفهم جوهر اندفاعه نحو ائمته عليهم السلام ولا يعلم بان ائمته هم ملوك الاخرة والسعادة الخالدة ؛ والشيعة في اندفاعهم نحو ائمتهم وسحقهم لكل مخططاتهم في تخويف الشيعة لانهم راغبون في [ورضوان من الله اكبر] وانما يريدون من كل تلك التضحيات ادخال السرور على قلب رسول الله صلى الله عليه واله لذلك استحقوا ان يسميهم الامام الصادق بإخوانه:
باب فضل زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام .... يَا مَنْ خَصَّنَا بِالْكَرَامَةِ وَخَصَّنَا بِالْوَصِيَّةِ وَ وَعَدَنَا الشَّفَاعَةَ وَأَعْطَانَا عِلْمَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ وَجَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْنَا:
اغْفِرْ لِي وَلِإِخْوَانِي وَلِزُوَّارِ قَبْرِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَشْخَصُوا أَبْدَانَهُمْ رَغْبَةً فِي بِرِّنَا وَرَجَاءً لِمَا عِنْدَكَ فِي صِلَتِنَا وَ سُرُوراً أَدْخَلُوهُ عَلَى نَبِيِّكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَإِجَابَةً مِنْهُمْ لِأَمْرِنَا وَغَيْظاً أَدْخَلُوهُ عَلَى عَدُوِّنَا أَرَادُوا بِذَلِكَ رِضَاكَ فَكَافِهِمْ عَنَّا بِالرِّضْوَانِ وَاكْلَأْهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَاخْلُفْ عَلَى أَهَالِيهِمْ وَأَوْلَادِهِمُ الَّذِينَ خُلِّفُوا بِأَحْسَنِ الْخَلَفِ وَاصْحَبْهُمْ وَاكْفِهِمْ شَرَّ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ وَكُلِّ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِكَ أَوْ شَدِيدٍ وَ شَرَّ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَأَعْطِهِمْ أَفْضَلَ مَا أَمَّلُوا مِنْكَ فِي غُرْبَتِهِمْ عَنْ أَوْطَانِهِمْ وَمَا آثَرُونَا بِهِ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ وَقَرَابَاتِهِمْ اللَّهُمَّ إِنَّ أَعْدَاءَنَا عَابُوا عَلَيْهِمْ خُرُوجَهُمْ فَلَمْ يَنْهَهُمْ ذَلِكَ عَنِ الشُّخُوصِ إِلَيْنَا وَخِلَافاً مِنْهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَنَا فَارْحَمْ تِلْكَ الْوُجُوهَ الَّتِي قَدْ غَيَّرَتْهَا الشَّمْسُ وَارْحَمْ تِلْكَ الْخُدُودَ الَّتِي تَقَلبَتْ عَلَى حُفْرَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَارْحَمْ تِلْكَ الْأَعْيُنَ الَّتِي جَرَتْ دُمُوعُهَا رَحْمَةً لَنَا وَارْحَمْ تِلْكَ الْقُلُوبَ الَّتِي جَزِعَتْ وَاحْتَرَقَتْ لَنَا وَارْحَمِ الصَّرْخَةَ الَّتِي كَانَتْ لَنَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَوْدِعُكَ تِلْكَ الْأَنْفُسَ وَتِلْكَ الْأَبْدَانَ حَتَّى نُوَافِيَهُمْ عَلَى الْحَوْضِ يَوْمَ الْعَطَشِ فَمَا زَالَ وَهُوَ سَاجِدٌ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ...
فان الآية القرآنية الكريمة تبين بان المتوكل هو من لا يخاف العدو وان صرخ بنقيقه وازيز صوته كما جاء في تفسير هذه الآية المباركة في كتاب: بحار الأنوار ٢٠ - ١١٠ باب ١٢- غزوة أحد و غزوة حمراء الأسد .....
تَفْسِيرُ النُّعْمَانِيِّ، بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ فِي كِتَابِ الْقُرْآنِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.
نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه واله رَجَعَ مِنْ غَزَاةِ أُحُدٍ وَ قَدْ قُتِلَ عَمُّهُ حَمْزَةُ وَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ قُتِلَ وَجُرِحَ مَنْ جُرِحَ وَانْهَزَمَ مَنِ انْهَزَمَ وَلَمْ يَنَلْهُ الْقَتْلُ وَالْجَرْحُ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله سولم أَنِ اخْرُجْ فِي وَقْتِكَ هَذَا لِطَلَبِ قُرَيْشٍ وَلَا تُخْرِجْ مَعَكَ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلَّا مَنْ كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ فَأَعْلَمَهُمْ بِذَلِكَ فَخَرَجُوا مَعَهُ عَلَى مَا كَانَ بِهِمْ مِنَ الْجِرَاحِ حَتَّى نَزَلُوا مَنْزِلًا يُقَالُ لَهُ حَمْرَاءُ الْأَسَدِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ جَدَّتِ السَّيْرَ فَرَقاً فَلَمَّا بَلَغَهُمْ خُرُوجُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه واله فِي طَلَبِهِمْ خَافُوا فَاسْتَقْبَلَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لَهُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ يَا نُعَيْمُ هَلْ لَكَ أَنْ أَضْمَنَ لَكَ عَشْرَ قَلَائِصَ وَتَجْعَلَ طَرِيقَكَ عَلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَتُخْبِرَ مُحَمَّداً أَنَّهُ قَدْ جَاءَ مَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْ حُلَفَائِنَا مِنَ الْعَرَبِ كِنَانَةَ وَعَشِيرَتِهِمْ وَالْأَحَابِيشِ وَتُهَوِّلَ عَلَيْهِمْ مَا اسْتَطَعْتَ فَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنَّا فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ وَقَصَدَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله سولم بِذَلِكَ وَقَالَ إِنَّ قُرَيْشاً يُصْبِحُونَ بِجَمْعِهِمُ الَّذِي لَا قِوَامَ لَكُمْ بِهِ فَاقْبَلُوا نَصِيحَتِي وَارْجِعُوا فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ اعْلَمْ أَنَّا لَا نُبَالِي بِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى رَسُولِهِ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ إِلَى قَوْلِهِ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَإِنَّمَا كَانَ الْقَائِلُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ فَسَمَّاهُ اللَّهُ بِاسْمِ جَمِيعِ النَّاسِ .
ولذلك فان ائمتنا شجعونا على زيارة الامام الحسين عليه السلام وان كان هناك ما يدعو الى الخوف كما في هذه الرواية الواردة في كتاب: كامل الزيارات ص ١٢٥ الباب الخامس و الأربعون ثواب من زار..
و بإسناده عن الأصم عن ابن بكير عن أبي عبد الله قال: قلت له إني أنزل الأرجان و قلبي ينازعني إلى قبر أبيك فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتى أرجع خوفا من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح فقال: يا ابن بكير أما تحب أن يراك الله فينا خائفا؟
أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه و كان محدثه الحسين تحت العرش و آمنه الله من أفزاع يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزع فإن فزع وقوته الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة.
عندما كنت في كربلاء وسمعنا بالانفجارات التي حصلت وحتما ان من اهداف عدونا ان يخوف الزائر لكي يرجع فارا لبلده ويترك امامه الحسين وهو يستغيث لكن ابدا والله كل من سمع بتحليق ارواح السعداء الشهداء تحسر حسرة كادت تخرج مهجته معها وهو يقول:
آه ليتني انا استشهدت وطوبى لمن هو الان من حدّاث الامام الحسين ومن جلسائه كما هو قول الله تعالى: ﴿الَّذينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ﴾ (آل عمران -١٧٣).
ان كل زائر سواء من خارج العراق او من داخله وهم الاغلبية انما خرج من بيته بأمل ان يحصل على امنيته الكبرى وهي الاستشهاد في سبيل امامه؛ فكم فرق بين ما يقوم به العدو من انفجارات وبين ما ينتظره الزائر من معانقة قذيفته ليجعلها مطيته في عروجه الى جنة المأوى .
اللهم لا تحرمنا من حب الحسين ولا من الشهادة في طريق الحسين عليه السلام.