على هامش نقد إحياء شعيرة الأربعين
كريم الأنصاري
تغرّد بين الفينة والأُخرى أصواتٌ خارج السرب مستهدفة الشعائر الحسينية خصوصاً والطقوس الدينية عموماً لدواعي وأسباب مختلفة لا يخلو بعضها من الحسد والغيض والخشية والإحباط تارةً، ومن قصر النظر والجهل والشذوذ وحساب الأرقام والنقاط تارةً أُخرى.
عاشت أُوروبا فترةً مظلمةً طالت حتى أواسط الألفيّة الميلاديّة الثانية، إلى أن تنامت و ظهرت بوادر النهضة الفكريّة المعرفيّة ابتداءً في المانيا بشكلٍ أساس، ثم هبّت رياح الوعي على سائر القارة العجوز وبالأخصّ فرنسا حتى قيل: زرع الألمان الفكر وحصد نتاجه الافرنج، فأثمرت النهضة المعرفية أخلاقاً إنسانيةً عملية تركت أعظم الأثر على عقل الإنسان الأُوروبي فقادته إلى نهضة علميّة صناعيّة عارمة اجتاحت شتّى أروقة الحياة وانتشلت الناس من الفاقة والبؤس القاتل إلى الثراء والرفاه الشامل حتى ظرفنا المعاصر.
نحن المسلمين، العرب منّا وغير العرب، باشرتنا الرسالة السماوية بقيمها ومبادئها النبيلة وأخلاقها الشريفة قاصدةً ذات الفرد، لبّه وحناياه، كي ترفعه من حضيض النفس البهيمية إلى سموّ الروح الإنسانية، حتى قيل: إنّ الإسلام ما جاء ليحكم بل ليعلّم ويهدي. ولمّا استطاعت الرسالة تغيير السلوك والتفكير والأخلاق نسبيّاً ولج الإنسان المسلم فضاءات العلم والنتاج الميداني بنجاحٍ كبير، حتى شغل المسلمون عرش العالم لزمنٍ ليس بالقصير.
إنّنا حين نغور في تحليل الشعائر والطقوس الدينية إغارةً معرفيةً علمية إنّما نروم التمحور حول جدوائيّتهما والرواشح الناتجة منهما، ولاغرو أنّ تهذيب النفس واستذكار خصائص ومآثر وعطاءات السلف الصالح والتأسّي برموز الخير والهداية والفلاح تأسّياً ميدانياً متواصلاً هي من أهمّ ما نرجو وينبغي أن ينتجه إحياء الشعائر والطقوس، على أنّ الاستثمار الصحيح والاستحلاب السليم لهما شروطهما ولوازمهما وحاجاتهما وأساليبهما ذات البحوث والمطالعات والدراسات ببُعدها العميم.
إنّ أربعينية الحسين عليه السلام شعيرةٌ مقدّسةٌ محترمةٌ ليس على صعيد الشيعة فقط بل عند السنّة كذلك، لا بل عند سائر الأديان والمذاهب؛ كونها تظاهرة إنسانية سلمية تهدف تجليلَ رجلٍ ضحّى بمهجته وأهله وصحبه من أجل التغيير والحرّية والإصلاح والعودة إلى القيم والمباديء السماوية الشمّاء، شعيرةٌ نابضةٌ مُحْياة لاتضاهيها فرصةٌ أبداً في إمكانية تدوير بوصلة الحسّ الإنساني والعقل البشري نحو مرابع الخير والهداية والفلاح، الأمر الذي يعبّد الدرب نحو النهوض الشامل في أروقة الحياة الصناعية والاجتماعية والاقتصادية والفنّية.
إنّ عملية البناء تبدأ إنسانيةً أولاً، بل لا بناء أبداً بدون بناء الإنسان من الذات إلى الذات في الذات، ثم تحلّق عملية البناء منتجةً فاعلةً في دنيا الحياة وما لها من الضرورات والاحتياجات.