هناك نصوص تدل على أن السفير الثالث كان قد نصب الشلمغاني وكيلاً عنه في فترة من الزمن، ومن ذلك ما رواه الشيخ في الغيبة: أخْبَرَني جَمَاعَةٌ، عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ أحمد بْن مُحَمَّدِ بْن عَيَّاشٍ، عَنْ أبي غَالِبٍ الزُّرَاريّ، قَالَ: قَدِمْتُ مِنَ الكُوفَةِ وَأنَا شَابٌّ إِحْدَى قَدَمَاتِي وَمَعِي رَجُلٌ مِنْ إِخْوَانِنَا - قَدْ ذَهَبَ عَلَى أبي عَبْدِ اللهِ اسْمُهُ - وَذَلِكَ فِي أيام الشَّيْخ أبي القَاسِم الحُسَيْن بْن رَوْحٍ (رحمه الله) وَاسْتِتَارهِ وَنَصْبِهِ أبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ المَعْرُوفَ بِالشَّلْمَغَانِيّ وَكَانَ مُسْتَقِيماً لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الكُفْر وَالالحَادِ وَكَانَ النَّاسُ يَقْصِدُونَهُ وَيَلْقَوْنَهُ لأنه كَانَ صَاحِبَ الشَّيْخ أبي القَاسِم الحُسَيْن بْن رَوْحٍ سَفِيراً بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمُهِمَّاتِهِمْ.
فَقَالَ لِي صَاحِبي: هَلْ لَكَ أنْ تَلْقَى أبَا جَعْفَرٍ وَتُحَدَّثَ بِهِ عَهْداً فَإنَّهُ المَنْصُوبُ اليَوْمَ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ فَإنّي أُريدُ أنْ أسْألَهُ شيئاً مِنَ الدُّعَاءِ يَكْتُبُ بِهِ إلى النَّاحِيَةِ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، ... - إلى أن يقول: - فَكَتَبْتُ رُقْعَةً ذَكَرْتُ فِيهَا حَالِي وَمَا أنَا فِيهِ مِنْ خُصُومَةِ القَوْم لِي وَامْتِنَاعِهِمْ مِنْ حَمْل المَرْأةِ إلى مَنْزلِي، وَمَضَيْتُ بِهَا أنَا وَأبُو جَعْفَرٍ إلى مُحَمَّدِ بْن عَلِيٍّ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الوَاسِطَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الحُسَيْن بْن رَوْح (رضي الله عنه) وَهُوَ إذ ذَاكَ الوَكِيلُ، فَدَفَعْنَاهَا إليه وَسَألنَاهُ إِنْفَاذَهَا، فَأخَذَهَا مِنّي وَتَأخَّرَ الجَوَابُ عَنّي أيَّاماً فَلَقِيتُهُ، فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ سَاءَنِي تَأخُّرُ الجَوَابِ عَنّي، فَقَالَ: لاَ يَسُوؤُكَ فَإنَّهُ أحَبُّ إِلَيَّ لَكَ وَأوْمَأ إِلَيَّ أنَّ الجَوَابَ إِنْ قَرُبَ كَانَ مِنْ جِهَةِ الحُسَيْن بْن رَوْح (رضي الله عنه) وَإِنْ تَأخَّرَ كَانَ مِنْ جِهَةِ الصَّاحِبِ (عليه السلام). [الغيبة للشيخ الطوسي: ٣٠٢/ رقم ٢٥٦]
ولكن الشيخ الطوسي قال في موضع آخر: وأخبرنا جماعة، عن أبي محمّد هارون بن موسى، عن أبي عليّ محمّد بن همام، أنَّ محمّد بن عليّ الشلمغاني لم يكن قط باباً إلى أبي القاسم، ولا طريقاً له ولا نصبه أبو القاسم بشيء من ذلك على وجه ولا سبب، ومن قال بذلك فقد أبطل، وإنما كان فقيهاً من فقهائنا فخلط وظهر عنه ما ظهر، وانتشر الكفر والإلحاد عنه.
فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه والبراءة منه وممن تابعه وشايعه وقال بقوله. [الغيبة للطوسي: ٤٠٨/ رقم ٣٨١.]
فكيف الجواب عن هذا التنافي؟