الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
هناك أمران لا يرتبط أحدهما بالآخر وأنتم خلطتم بينهما، ففرق بين أن نقول: (إن الإمام (عجّل الله فرجه) غاب عنا لأجل أن يقوم بالإصلاح)، وبين قولنا: (إن الإمام (عجّل الله فرجه) يقوم بالإصلاح أثناء الغيبة)، ونحن نفينا العبارة الأولى لظهورها في سياق التعليل، وأثبتنا الثانية لصحتها ودلالة الروايات عليها كما أوضحنا ذلك في جوابنا السابق مفصلاً.
ولأنكم أخذتم العبارة الأولى كأصل موضوعي ثابت خرجتم بنتيجة خاطئة أدت بكم إلى التساؤل عن (فائدة غيبته (عجّل الله فرجه)) مع عدم تحقق الإصلاح حقيقة وواقعاً في المجتمع الإنساني المعاصر، والذي أدى بكم إلى هذه النتيجة هو أنكم فهمتم من الإصلاح المهدوي أثناء الغيبة هو ذات الإصلاح الذي سيقوم به (عجّل الله فرجه) عند ظهوره الشريف.
فإن ملئ الأرض قسطاً وعدلاً إنما يتحقق بظهوره (عجّل الله فرجه) لا في أثناء غيبته، وإنما الدور والوظيفة التي يمارسها (عجّل الله فرجه) في زمن الغيبة إنما هي مرتبطة بشؤون الإمامة التكوينية والهداية الأمرية، بمعنى أن فائدة وجوده (عجّل الله فرجه) (في أثناء الغيبة) إنما يوفر للناس الأمان وعدم سوخ الأرض وزوالها، وكذلك قيامه بالهداية التكوينية الخاصة للمؤمنين، وأمّا وظيفته (عجّل الله فرجه) في إقامة الحق ونشر العدل فلا يتحقق إلّا في زمن الحضور المقدس وإلّا لانتفت الحاجة لظهوره في آخر الزمان وتحققت الدولة المهدوية حتى وهو غائب عنا، وعليه فإن الإصلاح الذي يقوم به (عجّل الله فرجه) في غيبته يختلف تماماً عن طبيعة الإصلاح الذي يقوم به في حالة ظهوره ولا توجد علاقة بين الأمرين.
وأمّا بالنسبة لإشكالكم الآخر من كون معصية الناس وظلمهم لو كان هو العلة في غيبته (عجّل الله فرجه) لأدّى ذلك إلى غيبة بقية الأئمة (عليهم السلام).
فالجواب عنه: يتضح من خلال فهمنا لطبيعة الأدوار المناطة بكل إمام من الأئمة (عليهم السلام)، فإن وظيفة الأئمة السابقين (عليهم السلام) إنما كانت إقامة الحجة وبيان التشريع للناس، سواء قبلوا منهم أو لم يقبلوا وهذه الوظيفة لا تتوقف على حفظ حياتهم أو عدم شهادتهم في سبيل ذلك، ولن يحتاجوا عند ذلك للغيبة والخفاء عن أعين الظالمين ولذلك وجدنا أن السماء أرسلت آلاف الأنبياء إلى الأُمم والمجتمعات، مع علمها بأن الناس سوف يقتلونهم في نهاية الأمر، لأن الغاية من إرسالهم ووظيفتهم لم تكن غير إقامة الحجة وبيان معالم الدين بخلاف نبي الله عيسى (عليه السلام) أو الخضر (عليه السلام) فإن بعض الوظائف الملقاة على عاتقهم تستدعي المحافظة عليهم وتغييبهم عن كل الأخطار المحدقة بهم.
ومن هنا نفهم أيضاً لماذا بايع الأئمة السابقين (عليهم السلام) طواغيت عصرهم وحكامهم ولم يجز أن يبايع الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) أحداً منهم، فإن اختلاف هذه المواقف إنما تتبع طبيعة اختلاف دور كل إمام من الأئمة (عليهم السلام).
وأمّا إشكالكم الأخير فجوابه: أن وجود الإمام (عجّل الله فرجه) إنما هو أمان من زوال الأرض وانقراض النوع الإنساني بسبب ظلم الناس وفسادهم، فإن الله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ﴾ وإنما يُرفع عذاب الاستئصال التام لبركة وجوده (عجّل الله فرجه) كما يقول تعالى: ﴿وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾، وهذا لا يمنع على كل حال من وقوع البلايا والكوارث الطبيعية والأمراض، والتي لا تؤدي إلى هلاك جميع البشرية، فإن الذي ننفي وقوعه لم يحصل والذي يحصل لم ننف وقوعه.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)