الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
قبل كل شيء لابد أن نعلم أن الدولة المهدوية هي دولة الله تعالى في أرضه، وإنجاح هذا المشروع متفرّع عن حمل التكاليف الثقيلة الملقاة على عاتق الإمام (عجّل الله فرجه) بمعونة أنصاره وأوليائه، وتوفر الأنصار هو شرط واقعي تتوقف عليه النهضة المهدوية توقف المعلول على أجزاء علته، والسبيل الوحيد لتهيؤ هؤلاء الأنصار واستعدادهم ثم التفافهم حول الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ونصرته إنما يتم من خلال العلامات التي تظهر لهم وبواسطتها يشخصون مرحلة التحرك، ولا يمكن أن نفترض أن الله تعالى يمكن أن يوفر الشرط الأول للظهور (الإذن الإلهي) من دون أن يوفر الأسباب والعوامل لتحقق الشرط الثاني للظهور وهو (وجود الأنصار)، وهذه الفرضية كما هو واضح باطلة لاستلزامها نفي الغرض وهو ما لا يمكن أن يصدر من فعل الحكيم، ولأجل ذلك وردت الروايات التي أكدت على أن المعني والمقصود بهذه العلامات هم المؤمنون لا غيرهم، فقد روى محمد بن مسلم، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن قدام القائم علامات تكون من الله (عزَّ وجلَّ) للمؤمنين. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٦٤٩]
ومن هنا لا يمكن أن نفترض أن كل العلامات التي ذكرتها الروايات ستكون عرضة للتغيير والتبديل وإلّا لاستدعى ذلك التعمية على المؤمنين وعدم إمكانية تحقق نصرتهم للإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، فكيف والروايات أكدت أن الوضوح والاستبانة وتشخيص راية الحق من الرايات المشتبهة أجلى من الشمس في رائعة النهار، فقد روى الشيخ الكليني عن المفضل عن الإمام الصادق (عليه السلام): ولترفعن اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أي من أي، قال: فبكيت، فقال: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ فقلت: جعلت فداك كيف لا أبكي وأنت تقول: اثنتا عشرة راية مشتبهة لا يدري أي من أي!؟ قال: وفي مجلسه كوة تدخل فيها الشمس، فقال: أبيِّنة هذه؟ فقلت: نعم، قال: أمرنا أبين من هذه الشمس. [الكافي للشيخ الكليني: ج١، ص٣٣٩]
فإذا أضفنا لذلك ما ذكرناه سابقاً من أن الطريق الوحيد للتعرف على الإمام (عجّل الله فرجه) إنما يتم من خلال ظاهرة العلامات، فلابد من افتراض وجود علامات لا تخضع لعنصر المحو والتغيير، بل تتميز بعنصر الثبات والحتم حتى تتوفر الرؤية الصحيحة لجميع المؤمنين بلحاظ كونهم الشرط العملي الذي لابد من توفره، ومن هنا نجد أن هذه الأخبار استفاضت بتقسيم العلامات إلى قسمين: منها علامات حتمية وعلامات غير حتمية.
فقد روى عمر بن حنظلة، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: قبل قيام القائم خمس علامات محتومات: اليماني، والسفياني، والصيحة، وقتل النفس الزكية، والخسف بالبيداء. [كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق: ص٦٥٠]
وكذلك ما روي عنه (عليه السلام): قلنا له السفياني من المحتوم؟ فقال: نعم، وقتل النفس الزكية من المحتوم، والقائم من المحتوم، وخسف البيداء من المحتوم، وكف تطلع من السماء من المحتوم، والنداء، فقلت وأي شيء النداء؟ فقال: مناد ينادي باسم القائم واسم أبيه. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢٦٥]
ومن هنا ذكر الشيخ الطوسي (رحمه الله) في سياق حديثه عن التقسيم السابق ما نصه: والضرب الآخر هو ما يجوز تغيره في نفسه، لتغير المصلحة عند تغير شروطه، فإنا نجوز جميع ذلك، كالأخبار عن الحوادث في المستقبل، إلّا أن يرد الخبر على وجه يعلم أن مخبره لا يتغير، فحينئذٍ نقطع بكونه، ولأجل ذلك قرن الحتم بكثير من المخبرات، فأعلمنا أنه مما لا يتغير أصلاً، فعند ذلك نقطع به. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص٤٣٢]
نعم قد يستشكل على ذلك ما رواه النعماني في غيبته عن داوود بن القاسم الجعفري حينما سأل الإمام الجواد (عليه السلام) عن إمكانية البداء في المحتوم فقال (عليه السلام): نعم، قلنا له: فنخاف أن يبدو الله في القائم، فقال: إن القائم من الميعاد والله لا يخلف الميعاد. [الغيبة للشيخ للنعماني: ص٣١٥]
والرواية على ضُعف سندها لا يمكن أن نفهمها بمعزل عن الروايات الأخرى التي هي صريحة في لابدية علائمية السفياني، كما جاء في ما رواه عبد الملك بن أعين، قال: كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فجرى ذكر القائم (عليه السلام) فقلت له: أرجو أن يكون عاجلاً ولا يكون سفياني، فقال: لا والله، إنه لمن المحتوم الذي لابدّ منه. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣١٢]
وكذلك ما رواه الفضيل بن يسار عن أبي جعفر (عليه السلام): إن من الأمور أموراً موقوفة وأموراً محتومة، وأن السفياني من المحتوم الذي لابدّ منه. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣١٣]
وهكذا ما جاء في خبر حمران بن أعين عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: من المحتوم الذي لابدّ أن يكون من قبل قيام القائم: خروج السفياني وخسف بالبيداء وقتل النفس الزكية والمنادي من السماء. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٢٧٢]
وفي خبره أيضاً عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ﴾. قال: إنهما أجلان: أجل محتوم، وأجل موقوف، قال له حمران: ما المحتوم؟ قال: الذي لا يكون غيره، قال: وما الموقوف؟ قال: هو الذي لله فيه المشيئة، قال حمران: إني لأرجو أن يكون أجل السفياني من الموقوف، فقال أبو جعفر (عليه السلام): لا والله إنه من المحتوم. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٢ ص٢٤٩]
وعلى ضوء جمع هذه الروايات والأخبار مضافاً لما ذكرناه في أول الجواب يمكن القول: إن المقصود من البداء في السفياني فيما يرتبط بتفاصيل حركة السفياني لا في أصل وجوده وتحققه، وهذا ما استقربه الشيخ المجلسي (رحمه الله) في البحار فقد ذكر هناك: ثم إنه يحتمل أن يكون المراد بالبداء في المحتوم، البداء في خصوصياته، لا في أصل وقوعه كخروج السفياني قبل ذهاب بني العباس ونحو ذلك. [بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج٥٢، ص٢٥١]
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)