الإجابة: بسم الله الرحمن الرحيم
الرواية محل السؤال: عن جابر قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: والله ليملكن رجل منا أهل البيت الأرض بعد موته ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً قال: قلت فمتى ذلك؟ قال: بعد موت القائم، قال: قلت: وكم يقوم القائم في عالمه حتى يموت؟ قال: تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته، قال: قلت: فيكون بعد موته هرج؟ قال نعم خمسين سنة، قال: ثم يخرج المنصور إلى الدنيا فيطلب دمه ودم أصحابه، فيقتل ويسبي حتى يقال: لو كان هذا من ذرية الأنبياء ما قتل الناس كل هذا القتل، فيجتمع الناس عليه أبيضهم وأسودهم فيكثرون عليه حتى يلجئونه إلى حرم الله، فإذا اشتد البلاء عليه مات المنتصر وخرج السفاح إلى الدنيا غضباً للمنتصر، فيقتل كل عدو لنا جائر ويملك الأرض كلها، ويصلح الله له أمره ويعيش ثلاثمائة سنة ويزداد تسعاً، ثم قال أبو جعفر: يا جابر وهل تدري من المنتصر والسفاح؟ يا جابر المنتصر الحسين والسفاح أمير المؤمنين (صلوات الله عليهم أجمعين). [تفسير العياشي لمحمد بن مسعود العياشي: ج٢]
وأقدم مصدر وردت فيه هو تفسير العياشي (رحمه الله)، ولكن لا يمكن الاعتماد عليها لعدة أمور:
أولاً: الرواية كما هو واضح مرسلة ومحذوفة الإسناد، ولا يمكن الاعتماد عليها إلّا بملاحظة القرائن الداخلية والخارجية لقبولها أو ردها، فإذا وجدنا لها شاهداً من الروايات الأخرى أمكن الاطمئنان بثبوتها، وإلّا فلا يصار إليها.
ثانياً: نفس هذا المضمون ورد في روايات أخرى ومتصلة السند ولكنها خالية عن الفقرة محل السؤال، أي: وقوع الهرج بعد الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) لخمسين سنة، مما يضعف القيمة العلمية لهذه الفقرة.
مضافاً لما ذكرناه أولاً فقد روى النعماني في كتابه الغيبة: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، قال: حدثنا محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس بن رمانة الأشعري، وسعدان بن إسحاق بن سعيد، وأحمد بن الحسين ابن عبد الملك الزيات، ومحمد بن أحمد بن الحسن القطواني، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن ثابت، عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (عليه السلام) يقول: والله ليملكن رجل منا أهل البيت ثلاثمائة سنة وثلاث عشرة سنة ويزداد تسعاً، قال: فقلت له: ومتى يكون ذلك؟ قال: بعد موت القائم (عليه السلام). قلت له: وكم يقوم القائم (عليه السلام) في عالمه حتى يموت؟ فقال: تسع عشرة سنة من يوم قيامه إلى يوم موته. [الغيبة للشيخ النعماني: ص٣٥٤]، وكذلك رواها بعينها صاحب مختصر البصائر [مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي: ص٢١٤]، وكذلك رواها الطوسي في كتابه الغيبة [الغيبة للشيخ الطوسي: ص٤٧٩]، وهي آخر رواية ذكرها في كتابه، وكذلك جاءت خلو عن هذه الفقرة.
ثالثاً: ومما يضعف رواية العياشي السابقة إنها احتوت على مضامين وفقرات لا يمكن القبول بها لمخالفتها للعديد من الروايات، فقد ذكرت إن هناك انقلاباً يحصل عند رجعة الإمام الحسين (عليه السلام) حتى يموت ثانية بسبب اشتداد البلاء عليه، وهذا المعنى يخالف عشرات الروايات التي تحدثت عن الرجعة وإن الحكمة منها هو الانتقام من الظالمين والمجرمين، وهذه وحدها تكفي لإسقاط الرواية عن الاعتبار.
رابعاً: وكذلك تضمنت أن رجعة الإمام الحسين (عليه السلام) سوف تحصل بعد موت الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) بخمسين سنة، وهي مخالفة لما دل من الروايات على أن رجعته (عليه السلام) تتم في حياة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، وأنه هو الذي يغسله بعد موته.
فقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَقَضَيْنَآ إلى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرض مَرّتَيْنِ﴾، قال: قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) وطعن الحسن (عليه السلام) ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ قال: قتل الحسين (عليه السلام)، ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا﴾ فإذا جاء نصر دم الحسين (عليه السلام): ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ﴾، قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم (عليه السلام) فلا يدعون وتراً لآل محمد إلّا قتلوه، ﴿وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا﴾ خروج القائم (عليه السلام) ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ خروج الحسين (عليه السلام) في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهب، لكل بيضة وجهان، المؤدون إلى الناس أن هذا الحسين قد خرج، حتى لا يشك المؤمنون فيه، وأنه ليس بدجال ولا شيطان، والحجة القائم بين أظهرهم، فإذا استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين (عليه السلام) جاء الحجة الموت، فيكون الذي يغسله ويكفنه ويحنطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي (عليهما السلام)، ولا يلي الوصي إلّا الوصي. [الكافي للشيخ الكليني: ج٨، ص٢٠٦]
خامساً: مخالفتها لما دلّت عليه عديد الروايات أن دولة أهل البيت (عليهم السلام) هي آخر دولة على وجه الأرض، وأن العدل سيملأ الأرض ويعدم الظلم والجور، فكيف يمكن الركون لهذا المعنى الذي يخالف المعنى الذي ثبت بالتواتر.
فعلى سبيل المثال لا الحصر روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير قوله (عزَّ وجل): ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ﴾ قال (عليه السلام): إذا قام القائم (عليه السلام) ذهبت دولة الباطل. [الكافي للشيخ الكليني: ج٨، ص٢٨٧]، وكذلك ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام): دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلّا ملكوا قبلنا، لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا ملكنا سرنا مثل سيرة هؤلاء، وهو قول الله (عزَّ وجل): ﴿والعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِين﴾. [الغيبة للشيخ الطوسي: ص٢٨٢]
وكذلك ما روي بسند معتبر عن الإمام الصادق (عليه السلام): لكل أناس دولة يرقبونها، ودولتنا في آخر الدهر تظهر. [الأمالي للشيخ الصدوق: ص٥٧٨]
ولا يخفى أن هذه الدولة التي تتكلم عنها الروايات هي دولة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، ولا دولة بعدها لغيره، وهو قدر إلهي ينسجم مع قوله تعالى: ﴿والعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِين﴾، كما دلّت عليها الآيات الكريمة والروايات الشريفة، بل هناك من الروايات ما نفت بشكل صريح وجود أي دولة لغيرهم (عليهم السلام).
فقد روى الكليني في الكافي عن بكار بن أبي بكر الحضرمي، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لسيرة علي بن أبي طالب (عليه السلام) في أهل البصرة كانت خيرا لشيعته مما طلعت عليه الشمس، إنه علم أن للقوم دولة، فلو سباهم لسبيت شيعته، قال: قلت: فأخبرني عن القائم، أيسير بسيرته؟ قال: لا، لأن علياً (عليه السلام) سار فيهم بالمن لما علم من دولتهم، وإن القائم (عليهم السلام) يسير فيهم بخلاف تلك السيرة، لأنه لا دولة لهم. [الكافي للشيخ الكليني: ج٥، ص٣٣]
وعلى كل حال لا يمكن الاعتماد على هذه الرواية لكونها مبتلات بعدة إشكالات وثغرات، ابتداء من السند وانتهاء بالمضمون والدلالة، وهناك ملاحظات أخرى آثرنا تركها طلباً للاختصار والايجاز، وفيما قدمنا الكفاية كما نعتقد.
ودمتم برعاية المولى صاحب العصر والزمان (عجّل الله فرجه)