الأديان السماوية في عصر الظهور بين الالغاء والتعايش(١)
نادية اسماعيل خليل الطائي
مدرس مساعد/الجامعة التكنولوجية
الاديان واسباب اختلافها وتعددها:
لما كان الدين هو الذي يخط المنهج السليم للانسانية ويأخذ بيدها إلى طريق الصواب كان لا بد أن يراعي الحالة الانسانية وطبيعة المجتمع البشري لتتمكن من السير على نهجه ويحقق الدين بذلك هدفه الاساس ويرتفع بالانسانية الى حياة أرقى تبتعد عن كل ما يلوثها أو يشوبها.
من ذلك كان هناك عدة أديان لأزمنة مختلفة يناسب كل دين زمانه ويستمر الى مرحلة يحتاج الى ما ينسخه بتطور المجتمع البشري والحياة البشرية وجاءت الاديان لتقدم الوعي والحضارة للانسانية.
الحركة التكاملية للاديان:
ان اختلاف الاديان لا يعني أنها من مصادر متعددة أو انها تدعو الى مبادئ مختلفة، انما كلها جاءت تدعو الى التوحيد بالدرجة الاساس، ومن ثم تقدم أحكاماً تنظم بها الحياة الانسانية وترعى بها الانسان.
لم تختلف الرسل في هذا ابدا انما وقع الاختلاف في الاحكام المتعلقة بالأزمنة الآنية والتي لم تختلف الا للتطور الحاصل في المجتمع البشري وحياته لذلك كلما جاء نبي من الانبياء من أصحاب الشرائع كانت الشريعة التي جاء بها ذات أحكام أوسع لتشمل الحياة في ذلك الزمن.
لذلك كانت الاديان مكملة لبعضها، لان الدين واحد، كما نجد ان الانبياء كانوا مبشرين بمن بعدهم وهذا خير دليل على وحدة الدين، قال تعالى (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ).
ولم تتوقف حركة الأديان مع أصحاب الشرائع إنما استمرت مع استمرار وجود الأنبياء والأولياء والأئمة عليهم السلام فكانت حركاتهم كلها واحدة.
لم يأت دين ليلغي الدين الذي سبقه إنما جاء لينسخه لان الحياة بحاجة إلى ذلك، لم يلغ الدين أي شريعة سبقته إنما يعترف بها كشريعة ويقرها ويعترف بكل الأنبياء والرسل الذين سبقوه، ولكنه يدعو الى ترك الشرائع السابقة والتمسك بشريعته، ولست أخص شريعة الإسلام إنما أتكلم عن جميع الشرائع، ولكن للأسف أقول: إن الكثير من البشر لم يقدروا أن حركة الأديان واحدة فتمسكوا بالشرائع السابقة ولم يتقبلوا الشرائع اللاحقة فكان الاختلاف وكانت التعددية في الأديان مع أن الدين واحد في اصله.
وقد خسرت الإنسانية الكثير بسبب معاندة البشر وتركهم للحكم الإلهي.
حال الأديان اليوم:
من الواضح ان حال الاديان اليوم هو بعيد كل البعد عما كان يرجى لها من الأديان ذاتها، حيث كان التبشير بالإسلام من قبل الأنبياء وكان التأكيد على وجود رسالات أخرى يجب اتباعها لتصل الانسانية في نهاية المطاف إلى دين واحد يجمعها وهو الدين الحق ولكن نحن اليوم بين معاند لدينه وآخر لا يعي ما هو الدين فكان الابتعاد كل البعد عن الدين الا القلة القليلة.
هذا وما نجده من عداء وصراع بين أتباع الأديان أو من يدعون انهم يتبعون دينا معينا بحد ذاته, ان الإنسانية وللأسف الشديد أضحت في وضع لا استطيع وصفه بالمأساوي لما نجده من صراع.
الحركة المهدوية ومبادئها:
ان الحركة المهدوية ليست الا تحقيقاً للوعد الالهي باظهار الدين كله ولو كره المشركون فهذه الحركة او ما تحققه هذه الحركة ليس الا تحقيقا للغاية المنشودة من الحياة على الارض.
ان مبادئ الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) او مبادئ حركته هي مبادئ الاسلام الحقة.
ان الأديان السماوية ـ كما ذكرت ـ واحدة لذلك لا بد ان تتحد بدين واحد، وهو ما تتفق عليه كلها، وهو ما بشرت به كلها وهو الإسلام ونبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لذلك لا بد ان يقوم الإمام (سلام الله عليه) عند ظهوره بنشر الدين الإسلامي واظهار الصحيح من الشريعة وتبيان الخطأ الذي وصلنا والدعوة إلى الدخول في الاسلام من قبل الاديان الاخرى، فلا بد أن تكون هناك حملة واسعة في ذلك ليعم الإسلام الأرض ولا يعبد غير الله تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).
كيفية التعامل مع الأديان الأخرى في عصر الإمام عليه السلام:
ان التعامل مع الأديان لا يكون إلا على أساس أنها تستلزم الإلغاء ولا أعني إلغاء النبوات إنما إلغاء الشرائع الخاطئة وإظهار الشريعة الصحيحة, ونجد في الأحاديث الواردة: انه سلام الله عليه يرسل جيشه فيستخرج من غار بانطاكية تابوت السكينة وفيه نسخ من التوراة والإنجيل وتتم المحاججة مع الاديان الاخرى على هذا الاساس.
ان هذا الامر مع ما فيه من علم، أي علم بالمكان وما فيه وما يترتب عليه من نتائج يمثل أمرين: الأول أهمية مسألة المحاججة لاثبات الشريعة الحقة ليدخل فيها من يشرح الله قلبه للإيمان، والثاني: هو إمداد إلهي ومعجزة غير متوقعة لأتباع الديانات الاخرى قد تكون فاتحة خير لدخول جماعة منهم في الاسلام وليس هذا الا لنشر العقيدة الصحيحة.
ان الظهور المقدس وما يتبعه لا يقتصر على المحاججة انما يكون هناك إمداد الهي أكبر وأوسع فان نزول النبي عيسى عليه السلام وصلاته خلف المهدي (سلام الله عليهما) ليس الا تنويه لأَتباع الديانة المسيحية بإتباع المهدي لما يكون من تأثير ودور للنبي عيسى عليه السلام ـ والكلام للشيخ علي الكوراني ـ قد يكون الله قد ادخر النبي عيسى لهذا الغرض لأهمية قضية إظهار الدين خاصة وأن المسيحية الآن منتشرة بشكل كبير وتمثل قوة وسلطة في العالم فما يقـوم بـه الإمـام هـدفـه الأساسي إظهار الشريعة وتوضيحها للناس لكي يتبعوها وعلى هذا فان دولة المهدي عليه السلام انتقال إلى الوحدة الفكرية والمذهبية.
خلاصة عن الإلغاء والتعايش:
لطالما كان الإلغاء والتعايش بين الأديان هو هاجس يعيش عليه البشر حيث يحاول دعاة السلام السعي الى التعايش السلمي بين الأديان ويحاول البعض إلغاء الأديان الأخرى والتمسك بديانتهم ومحاولة نشرها الا انهم يقعون في التمسك بشرائع خاطئة محرفة.
إن ظهور الإمام وتحقيقه للوعد الإلهي ونشر الدين ليس إلغاءً للأديان الأخرى إنما إلغاء لما حرف من الشرائع والتمسك بالحق. فهو يقوم بإظهار الحق وتبيان الخطأ فيما وصلنا وتمسكنا به من الشريعة الاسلامية فما بال الشرائع المحرفة التي يعترف أتباعها بتحريفها وكونها غير ما نزل على أصحابها وليس هذا إلا إظهاراً للحق وإرضاءً لله تعالى.
الهوامش
(١) بحث مقدم للمشاركة في المؤتمر العلمي الأول في الإمام المهدي الذي عقده مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام في مدينة النجف الأشرف في ٢٢ تموز ٢٠٠٧.