المهدوية في عصر الإمام الرضا عليه السلام
الباحث: علي سعد النجفي
قضية الإمام المهدي عليه السلام من القضايا التي أخذت حيزاً مهماً في تفكير المجتمع الإسلامي، وبالأخص كلما كثر الجور والظلم من الطغاة والسلاطين في فترات مختلفة من التاريخ الإسلامي، وإذا أردنا ان نقدم استقراءاً نلاحظ ان زمن الدولة العباسية من أبرز الأزمنة التي أثيرت فيها هذه القضية حيث برزت ظاهرة ادعاء المهدوية في فترات متعددة ونستطيع ان نرجع ذلك الى عدة أمور منها:
١ ـ شدة الظلم والجور الذي لحق بالناس من طغاة بني أمية مما جعلهم يترقبون الفرج بظهور المهدي عليه السلام.
٢ ـ استغلال بني العباس في بداية ثورتهم لكثير من الأمور المتعلقة بالفرج وعلامات آخر الزمان فأصبح لهذه القضية رواجاً واسعاً كرفعهم للرايات السود محاولة منهم لتطبيق ما ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الأمر لكسب الشرعية لثورتهم.
٣ ـ ادعاء المنصور العباسي بأن ولده محمد هو المهدي المعني بالروايات الصادرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
٤ ـ جور خلفاء بني العباس جعل من المستضعفين والمظلومين يترقبون ظهور الإمام المهدي عليه السلام في كل وقت.
هذه الأمور وغيرها من الأمور جعلت قضية الإمام المهدي عليه السلام قضية بارزة، لذلك نرى كثرة من استغل هذه الظروف وادعى المهدوية أو نسبت إليه، ولعل هذه القضية قد بدت واضحة في عهد الامام الرضا عليه السلام حيث أثيرت هذه المسألة في فترة إمامته أكثر من غيره من الأئمة الذين سبقوه، ففي بداية امامته ظهرت جماعة اطلقت على نفسها الواقفة تدعي بأن الإمام موسى الكاظم عليه السلام هو الإمام الغائب وانه حي يرزق ولم يمت وهو القائم من آل محمد وان غيبته كغيبة موسى بن عمران عن قومه وانه هو المهدي الموعود الذي ذكرته الروايات. وقد اشاع هذه الفكرة جماعة من وكلاء وأصحاب الإمام الكاظم عليه السلام ومنهم:
١ ـ علي بن أبي حمزة البطائني.
٢ ـ زياد بن مروان القندي.
٣ ـ عثمان بن عيسى الرواسي... وغيرهم.
ويعتبر هؤلاء الثلاثة من أوتاد هذا المذهب وأظهروا الاعتقاد به والدعوة له، حيث انهم كانوا وكلاء للإمام موسى بن جعفر عليه السلام وخزنة أمواله التي تجبى إليه من شيعته، فأبوا تسليمها إلى ولده الإمام الرضا عليه السلام فاخترعوا هذه القضية، وقد واجه الإمام الرضا عليه السلام هذه الفرقة مواجهة شديدة لأنه هو (الوحيد الذي افتتن الشيعة في عصره على مستويات عالية جداً من هذا التوجه المضاد لإيقاف النص وتعطيل الإمامة بمفهومها الحقيقي، فتبين انه إن لم يصدع بهذا الأمر فإن أمور الشيعة ستصل إلى ما لا تحمد عقباه وبالنتيجة تكون الخسارة كبيرة لا تعوض.(١)
وقد اتبع الإمام الرضا عليه السلام أساليب شتى في مواجهتهم منها:
١ ـ المناظرة معهم وإلقامهم الحجج الدافعة كمناظرة المكاري والبطائني وغيرهم من أوتاد الواقفة وقد سجل لنا التاريخ جميع هذه المناظرات ومن رغب في ذلك فعليه مراجعة المصادر كالاحتجاج وعيون أخبار الرضا عليه السلام.
٢ ـ النهي عن مجالستهم لكي لا يتأثر الآخرون بأفكارهم الضالة، هذا من جهة ومن جهة أخرى يعتبر هذا الاسلوب نوعاً من أنواع تضييق الخناق عليهم وجعلهم طائفة منبوذة في المجتمع.
قال الكشي(٢) في رجاله (عن محمد بن عاصم قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: يا محمد بن عاصم بلغني انك تجالس الواقفة قلت: نعم جعلت فداك أجالسهم وأنا مخالف لهم. قال: لا تجالسهم فإن الله عز وجل يقول: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ).(٣)
٣ ـ المحاربة الاقتصادية لهم فقد روى الكشي بسنده عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام اعطي هؤلاء الذين يزعمون ان أباك حي من الزكاة شيئاً؟ قال: لا تعطهم فإنهم كفار مشركون زنادقة.(٤)
والدعوة الثانية اثارها محمد بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في سنة ٢٠٠ هـ فبعد ثورة العلويين في الكوفة بقيادة أبي السرايا سنة ١٩٩ هـ ضد المأمون العباسي واتساعها في مناطق أخرى تشمل العراق والأهواز والحجاز واليمن وبعد اخماد الثورة وقتل قادتها ثار في الحجاز محمد بن الإمام جعفر الصادق عليه السلام وادعى بأنه صاحب الأمر والقائم من آل محمد(٥) ولم يكتف بذلك حتى ادعى إمرة المؤمنين، وقد أرسل إليه المأمون العباسي جيشاً فحاصره وقضى على ثورته وقبض عليه وحمله إلى خراسان وكان موقف الإمام الرضا عليه السلام من عمه محمد على النحو التالي:
١ ـ النصيحة والتحذير: فبعد ان خرج محمد بن جعفر الصادق ودعا إلى نفسه ودعي بـ (أمير المؤمنين) وبويع له بالخلافة دخل عليه الإمام الرضا عليه السلام وقال له: يا عمّ لا تكذب أباك ولا أخاك فإن هذا الأمر لا يتم.(٦)
ولكن محمد بن الإمام جعفر الصادق لم يأخذ بنصيحة الإمام وما لبث ان جاء جيش عيسى الجلودي فحاصره وهزمه فخلع نفسه.
٢ ـ مقاطعته وعدم الاتصال به حتى لا يصدق الناس ما يدعيه فقد روى عمير بن يزيد قال: كنت عند أبي الحسن الرضا عليه السلام فذكر محمد بن جعفر فقال عليه السلام: اني جعلت على نفسي ان لا يظلني واياه سقف بيت فقلت في نفسي: هذا يأمرنا بالبر والصلة، ويقول هذا لعمه!
فنظر إليّ فقال: هذا من البر والصلة إنّه متى يأتيني ويدخل عليّ فيقول فيّ يصدقه الناس، واذا لم يدخل علي ولم ادخل عليه، لم يقبل قوله اذا قال.(٧)
واما القضية الثالثة التي أثيرت في عهده فقد أثارها بعض شيعة الإمام عليه السلام وهم من أصحابه، حيث اعتقد بعضهم بعد تسلم الإمام ولاية العهد بأنه هو الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً وهو المهدي الموعود وكان موقف الإمام الرضا عليه السلام من هذه الشبهة كالتالي:
١ ـ في أكثر المواقف أشار الإمام إلى أصحابه بأن هذا الأمر لا يتم وان المأمون هو الذي سيقتله بالسم.
٢ ـ أشار إلى أصحابه بأن الإمام من بعده هو ابنه محمد الجواد عليه السلام وأوصاهم باتباعه.
٣ ـ توضيح الأمر ورفع الشبهة لمن كان يعتقد بأن الإمام الرضا عليه السلام هو المهدي الموعود كما حدث مع الريان بن الصلت وأيوب بن نوح كما جاء في الخبر، فعن الريان بن الصلت قال: قلت للرضا عليه السلام: انت صاحب هذا الأمر؟ فقال: انا صاحب هذا الأمر ولكني لست بالذي أملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وكيف أكون ذلك على ما ترى من ضعف بدني، وان القائم هو الذي اذا خرج كان في سن الشيوخ ومنظر الشبان، قوياً في بدنه حتى لو مدّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها. ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان عليه السلام، ذاك الرابع من ولدي، يغيبه الله في ستره ما شاء، ثم يظهره فيملأ به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.(٨)
وعن أيوب بن نوح قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: إنني أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر، وأن يسوقه الله إليك بغير سيف، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك.
فقال: (ما منا أحد اختلفت إليه الكتب، وأشير إليه بالأصابع، وسئل عن المسائل وحملت إليه الأموال، الا اغتيل أو مات على فراشه، حتى يبعث الله لهذا الأمر غلاماً منا خفي الولادة والمنشأ، غير خفي في نسبه).(٩)
نلاحظ من خلال هذه الأخبار وغيرها بأن الإمام نفى أن يكون هو المهدي الموعود، وقد بين لأصحابه بأن الإمام المهدي هو من ذريته، وفي أخبار أخرى نلاحظ أيضاً بأن الإمام الرضا عليه السلام قد ذكر أسماء الأئمة الذين سيأتون من بعده لكي لا يقع بعض الشيعة في شبهات أخرى، وخير دليل على ذلك ما جاء في زيارة السيدة الفاضلة فاطمة بنت موسى بن جعفر عليها السلام فعن سعد بن سعد الاشعري القمي قال: عن علي بن موسى الرضا عليه السلام قال: يا سعد عندكم لنا قبر قلت: جعلت فداك: قبر فاطمة بنت موسى عليه السلام ؟ قال: نعم، من زارها عارفاً بحقها فله الجنة، فإذا أتيت القبر فقم عند رأسها مستقبل القبلة وكبّر أربعاً وثلاثين تكبيرة وسبح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة واحمد الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة ثم قل: السلام على آدم صفوة الله... إلى (السلام عليك يا علي بن موسى الرضا المرتضى، السلام عليك يا محمد بن علي التقي، السلام عليك يا علي بن محمد النقي الناصح الأمين، السلام عليك يا حسن بن علي، السلام على الوصي من بعده... الخ).(١٠)
الهوامش
(١) الواقفية دراسة تحليلية/ رياض محمد حبيب الناصري.
(٢) رجال الكشي ج٢ ص ٧٥٧ حديث ٨٦٤.
(٣) النساء: ١٤٠.
(٤) رجال الكشي ج ٢ ص ٧٥٦ حديث ٨٦٢.
(٥) مقاتل الطالبيين ص ٤٤٠.
(٦) عوالم الإمام الرضا عليه السلام ج ٢٢ ص ٣٩١، عيون أخبار الرضا.
(٧) عوالم الإمام الرضا عليه السلام ج ٢٢ ص ٣٩٠، عيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٥ حديث ٣٥.
(٨) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام ج٣ ص ١٥٤ عن كمال الدين ج ٢ ص ٣٧٦ باب ٣٥ حديث ٧.
(٩) معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام ج ٣ ص ١٥٥ عن الكافي ج١ ص ٣٤١ حديث ٢٥.
(١٠) اعلام النساء ص ٥٨٠ عن كتاب المزار للشيخ المفيد.