ملاحظات على منهجية احمد الكاتب ونقدها
سماحة الشيخ محمد السند/ استاذ في الحوزة العلمية/ النجف الاشرف
اُعاود توجيه النصيحة إلى من عرفته، أن لا تصطدم بأئمّة أهل البيت عليهم السلام الثقل الثاني عدل الثقل الأوّل، وهو كتاب الله العزيز.
وبعد ذلك فأودُّ الإشارة المختصرة إلى المحاور التالية:
الأوّل: إنَّك تنسب إلى نفسك التمسّك بولاء أهل البيت عليهم السلام والمتابعة لهم وأخذ الفقه عنهم، فالعجب من كلامك هذا وإنكارك لإمامتهم، فما تصوّرك عن معنى الولاء لهم، ولماذا المتابعة لهم وأخذ الفقه عنهم وما هو تصورك لحجّية أقوالهم وأفعالهم، هل هم رواة وفقهاء مجتهدون كسائر الرواة والمجتهدين؟ فعلى ذلك قد ساويت بينهم وبين بقية علماء المذاهب والفِرَق الأخرى الإسلاميّة، فلِمَ خصصت متابعتك وولاءك لهم وأخذ فقهك عنهم دون غيرهم، وحلالك وحرامك ودينك عنهم، وإن تصوَّرت حجّيتهم كخلفاء لله تعالى في أرضه أذهب عنهم الرجس وطهَّرهم من الزلل والجهل، وزوَّدهم بعلم لدنّي من عنده وعلم الأسماء كلّها((إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً))(١) ،((إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً))(٢) ،((فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً))(٣) ،((وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا))(٤) ،((إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ))(٥) ،((أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ))(٦). فهذه إمامة إلهية، وعهد إلهي.
وهذا الذي ذكرت لك أنَّك لا تدقّق بين منهج البحث وأداء النتيجة في البحوث التخصّصية.
الثاني: إنَّك تدّعي أنَّ الفرقة الإماميّة الإثني عشرية فرقة حادثة في القرن الثالث الهجري وهم القائلون بالإمامة الإلهية، وهي التي تعني أنَّ الإمامة وحجّة الله في أرضه لا تنقطع إلى يوم القيامة، وهذه القضيّة العقيدية الكبرى وردت عليها أحاديث نبوية، رواها أصحاب الصحاح من علماء السُنّة وعلماء الشيعة، كحديث الثقلين، وأنَّهما لن يفترقا حتَّى يردا عليَّ الحوض، أو أنَّ حجّية العترة كحجّية القرآن وأنَّه كما القرآن باقية حجّته إلى يوم القيامة فكذلك حجّية العترة وأنَّ وجودها باقٍ، وهذا المفاد الكبروي هو دليل قطعي بمقتضى هذا الحديث المتواتر على بقاء الإمامة والإمام ووجوده.
وهكذا حديث الأئمّة اثنا عشر من قريش وغيرها من الأحاديث المتَّفق عليها بين الفريقين الدالّة على كبرى بقاء الإمامة, _ لاحظ إحقاق الحقّ، وملحقاته للسيّد المرعشي _ وكذلك مفاد الآيات القرآنية، كالآيات المتقدّمة وآية التطهير وآية الإبلاغ في الغدير وآية المودّة في القربى وهم الذين أوكل لهم الأموال العامّة في آية الأنفال والفيء في سورتي الأنفال والحشر((كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَْغْنِياءِ))(٧) ، الدالّ على كونهم حكّام الشريعة والناس وغيرها من الآيات التي أحصاها علماء الإمامية وكيفية الاستدلال بها بحسب موازين الدلالة والظهور مضافاً إلى روايات نزولها بحسب روايات الفريقين.
فبقاء الإمامة الإلهية دالٌّ عليها كتلك الأدلّة الدالّة على وجود ثلّة باقية ما بقي القرآن والشريعة والتكليف للبشرية.
الثالث: عدم اعتدادك بأحاديث أهل السُنّة الدالّة على إمامتهم، كما ذكرت ذلك في كتابك حول المهدي عليه السلام وهذا مضحك، لأنَّ خير الفضل ما شهدت به الخصوم، فإنَّه بعيد عن شبهة الدسّ والوضع، وهذا القول منك دالٌّ على موازين حجّية الخبر وكيف تتصاعد نسبة المطابقة للواقع في الخبر، بحسب نظرية حساب الاحتمال الرياضي وهو بحث من علم أصول الفقه وعلم الدراية، ولكنَّه يحتاج إلى تخصّص واطلاع علمي، والأعجب دعواك لزوم دراسة الأحاديث مع عدم معرفتك بموازين حجّية الخبر وهل البحث العلمي بحسب التشهي والانفعال النفسي.
الرابع: تصوّرك أنَّ معنى الإمامة هي وراثة نسبية باللحم والدم، أو أنَّها زعامة سياسية فقط كبقيّة الزعامات السياسية البشرية، وكتنظيم سياسي، أو حبوة بين الأرحام، والحال أنَّ الإمامة كمنصب إلهي كما هو مفاد قوله تعالى:((إِنِّي جاعِلُكَ)) لم يقيَّد بـ(في الأرض)، كما أنَّ قوله تعالى قبل ذلك في سورة البقرة:((إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً)) ليس تقييداً لعنوان الخليفة والخلافة وإنَّما هو تقييد لمكان تواجد بدن الخليفة وكونه الجسدي فهي تشمل إمامة الناس والثقلين لسعادة دار الدنيا ودار الآخرة، كما أنَّ اللفظ في((إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً)) لم يخصَّص بكونه نبيّاً ورسولاً.
وهي أي الإمامة والخلافة في ذرّية إبراهيم، كما قال تعالى:((إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ))(٨) أي في المعصومين عهد إلهي، والخليفة الإلهي والحجّة والإمام مزوَّد بعلم لدنّي وهو علم الأسماء كلّها الذي قصرت الملائكة أجمعون عن الإحاطة به كما في سورة البقرة، وقد كفر إبليس بسبب عدم تولّيه وولاءه لخليفة الله تعالى في أرضه.
والزعامة السياسية أحد شؤون خليفة الله وحجَّته في أرضه فالاتّصال بين الأرض والسماء لم ينقطع ولا ولن ينقطع إلى يوم القيامة، بينما في نظرية اليهود في قولهم:((يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)) أنَّه انقطع تصرّف وإدارة السماء لشؤون الأرض ولا إرادة سمائية حاكمة على أهل الأرض، فهم أرادوا قانوناً إلهياً على صعيد التنظير فقط من دون أن تتحكَّم السماء والإرادة الإلهية في شؤون الأرض، بينما العقيدة الإسلاميّة القرآنية أنَّ يد التصرّف الإلهي وإرادة السماء متنفّذة في الأرض، فالوراثة معنوية لدنيّة((وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ))(٩) ،((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ))(١٠)،((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ))(١١)،((ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ))(١٢) والبحث يحتاج إلى بسط تخصّصي كي تلتفت إلى أوّليات محلّ النزاع والاستدلال.
الخامس: إنَّك تحصر طريق العلم بولادة الإمام الثاني عشر عليه السلام بالروايات المتعرّضة لكيفية ولادته ومكانها وظروفها، وهي وإن كانت موجودة بأسانيد صحيحة في غيبة الشيخ الطوسي وإكمال الدين للصدوق وغيبة النعماني مثل ما عن الشيخ عن المفيد عن ابن قولويه عن العظام كالكليني وغيره من مراجع الطائفة وأعلامها عن حكيمة عمّة العسكري وغيرها من الطرق المحتاج معرفة صحَّتها إلى التخصّص في علم الرجال لا الاندفاع بسطحية وعفوية عاطفية إلى فتح كتب الرجال من دون إلمام بموازين الجرح والتعديل والضوابط العلمية. إلاَّ أنَّ الحصر في إثبات ولادته بهذا الطريق والنسبة إلى الشيخ المفيد وغيره باستدلالهم بالطريق العقلي، تخبّط غير علمي وتدليس للواقع والحقيقة وأعجب كيف تريد أن تتحرّى الحقيقة والنجاة لنفسك بالوصول للحقّ، فإنَّ إثبات ولادته ووجوده قد ذكرناه في المحور الرابع أنَّه يمكن إثباته بالتلازم القطعي بين الأدلّة النقلية والعقلية الدالّة على بقاء الإمامة والإمام على وجه الأرض إلى يوم القيامة، كحديث الثقلين وأنَّهما لن يفترقا عن بعضهما إلى أن يردا الحوض، وغير ذلك من الأدلّة على القضيّة الكبروية.
كما يمكن إثباته بطوائف مستفيضة أخرى من الروايات ذكرها الصدوق في إكمال الدين والشيخ الطوسي في الغيبة والنعماني في كتاب الغيبة، بل وبعض علماء العامّة أنَّ المهدي له غيبة تطول وأنَّ له غيبتين، أو النصوص الدالّة على أنَّه ابن العسكري والابن الرابع للرضا عليه السلام أو الابن الخامس للكاظم عليه السلام وغيرها، وقد استدلَّ بها الشيخ المفيد في الإرشاد والطبرسي في إعلام الورى وغيرها.
السادس: إنَّك تطعن على الإماميّة تارة باتّباعهم أحاديث الباطنية وأخرى باتّباع أحاديث الحشوية والظاهرية، وهذا تناقض في كلامك فإنَّك لا تزن منهج البحث وأنَّ الميزان ليس المادية الحسّية ولا الغيب المطلق، بل كلّ من الشهادة والغيب والظهور، فتأويل المتشابه بالمحكم لا بدَّ منه ولكن العذر عدم الاطلاع التخصّصي بالعلوم الدينية كميزان حجّية الظهور وحدودها في علم أصول الفقه وميزان حجّية التأويل في علم التفسير ونشأة الغيب والشهادة في علوم المعارف وغيرها.
السابع: نظرية الحكم والحكومة في الغيبة عند الشيعة الإماميّة، ليست هي بإعطاء الأمّة الصلاحية والولاية للحاكم كالفقيه، بل هي نيابة عن الإمام الثاني عشر الحيّ المستتر واستتاره عن الأنظار لا يعني عدم وجوده وعدم كونه وليّاً فعلياً، بل هو وليّ الأصل، ومعنى النيابة عنه هي تقيّد الحاكم في حكومته بأقوال الأئمّة المعصومين بما فيهم الإمام الثاني عشر في توقيعاته الصادرة عنه في الغيبة الصغرى وكذا في أحكام القضاء وشرائطه بأقوالهم فيه وكذا في الأحكام التنفيذية الإجرائية بأحكامهم عليهم السلام، كما أنَّ على الحاكم بالنيابة في زمن الغيبة أن يتحرّى رضا الإمام الثاني عشر من خلال الأدلّة الروائية عنهم عليهم السلام _ لكن ما هي الحيلة إن لم تكن من أهل التخصّص في الفقه كي تفهم مباحث الفقه السياسي _، هذا مضافاً إلى أنَّ معنى غيبته كما أشارت إليه الروايات وعلماء الإماميّة كالمفيد والمرتضى والصدوق والطوسي ليس بمعنى عدم ممارسة دوره الإلهي بتوسّط علمه اللدنّي المزوَّد به من الله، وكذا دوره الاجتماعي والسياسي بتوسّط منظومة رجال الغيب الذين يصطلح عليهم بتسمية الأبدال والأوتاد والسيّاح الذين يشكّلون منظومة حكومته الخفيّة التي تتحكَّم بمقادير الأمّة الإسلاميّة، بل والبشرية لدرئها عن الانعطاف إلى الهاوية التامّة، ولا عجب في ذلك فإنَّ القوى السياسية الحقيقية في هذا اليوم المعاصر، ليست هي الحكومات العلنية الرسمية الظاهرة، بل هي الخفيّة كتنظيم المخابرات الأمريكية أو المخابرات الروسية أو ألمانيا أو الماسونية أو غيرها من القوى الخفيّة، فالخفاء لا يعني عدم القدرة والوجود، بل يعني شدّة القدرة ونفوذ الوجود، غاية الأمر أنَّ تنظيمه عليه السلام السرّي هي ما لا تقدر البشرية على اكتشافه((فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً))(١٣) فهذه سورة الكهف تنبأ المسلمين عن وجود أمثال الخضر صاحب موسى _ أي منظومة ومجموعة بشرية على وجه الأرض تقوم بمهام إلهية _ وتذكر السورة نوع تلك المهام الخفيّة السرّية الإلهية، فالغيبة ليست بمعنى التعطيل عند الإماميّة ولا العدم، بل السرّية والتستّر إلى أن يأذن الله تعالى بظهور تلك الحكومة الخفيّة إلى العلن، والدعوى والتخيّل الساذج بأنَّه ما الفائدة في ذلك؟ نجيبه بلزوم اليقظة من سباته البارد بمثل القوى التي تدير سياسة العالم هذا العصر، فإنَّها تكمن قوّتها في سرّيتها إن كان السائل يفهم ألف باء السياسة والقوى والنظام البشري.
الثامن: عدم معرفتك باختلاف أقسام التواتر، فإنَّه ينقسم إلى دوائر متعدّدة، فإنَّه تارة بدائرة وسيعة وأخرى متوسّطة وثالثة صغيرة لا تنافي تحقّق ضابطة التواتر، فمثلاً وقوع الحرب العالمية الأولى متواتر لدى كافّة البشر على وجه الأرض، وأمَّا وقوع حرب بدر فمتواتر بين المسلمين أو بالإضافة إلى الباحثين في التاريخ، وأمَّا قواعد اللغة العربية وكافّة علومها فمتواترة في حدود علماء الأدب واللغة العربية وإن لم يطَّلع عامّة العرب أهل اللسان العربي على كافّة قواعد ومسائل علوم اللغة العربية فإنَّ جهلهم بها لا يضرّ بتواترها لدى علماء اللغة, فإنَّ التواتر متحقّق بضابطته لديهم ولو في ضمن أدنى دوائر التواتر، فعلماء اللسان العربي حاملون لهذا التواتر وإن جهله عامّة العرب وهكذا الحال في تواتر حديث الغدير ونصوص الأئمّة الإثني عشر وغيرها من الأحاديث فإنَّ التواتر بحمل علماء الرواة ولو بعضهم بقدر يحقّق ضابطة العدد _ كمّاً وكيفاً _ للتواتر وإن جهل تلك الأحاديث عامّة الإماميّة أو بعض رواتهم الآخرين، ويمكنك أن تستوضح ذلك بملاحظة مثال اللغة العربية فإنَّ الطفل الذي يولد من أب عربي لا يحيط باللغة في نشأته في الصغر ولا المراهقة حتَّى يكبر ولعلَّه لا يحيط بها كلّها إلى أن يموت ما دام لم يتخصَّص في علم اللغة وإنَّما يتقن ويطَّلع على بعض اللغة ومفرداتها وقواعدها ولكن ذلك لا يضرّ بتواتر اللغة الحامل له علماء التخصّص اللغوي.
والحاصل إنَّك تزداد عندك التساؤلات والإشكالات والاعتراضات بسبب عدم إحاطتك بالعلوم التخصّصية كعلم الرجال والحديث وأبوابهما وغيرها من العلوم.
التاسع: قولك: إنَّ القرآن مصدر أوّل والأحاديث يجب أن تدرس، فهل تدبَّرت في الأدلّة القرآنية على الإمامة ولِمَ لا تذكر ما قالته الإماميّة في هذا الصدد، وأرى أنَّك تخشى الفضيحة أمام آيات القرآن. فكيف تدّعي أنّه مصدر أوّل وأنَّك قد نسيت ذكره سوى قوله تعالى:((إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا))(١٤) ، دون بقية الآيات:((وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ))(١٥) ، و((أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَْمْرِ مِنْكُمْ...))(١٦)، وإلى ما قالته الإماميّة في معنى التشاور من أنَّه بمعنى المداولة في المعلومات _ بنك معلومات - والآراء لا السلطة الجماعية والقيادة المشتركة، فارجع إلى كتب اللغة- إن كنت تحسن البحث اللغوي- في مادة شَوَر فإنَّها بمعنى الاختبار وتمحيص الآراء لإخراج الرأي الصواب، لا تحكيم الأكثرية وإن كان على الباطل ولذلك سمّي المشتري في عقد البيع لأنَّه يختبر ويستعلم جودة المبيع والعوض، فالشورى بمعنى الفحص في الآراء والمداولة لها لاستخراج الرأي الصواب والمصيب لحكمة الواقع وإن كان هو على خلاف الكلّ.
و(أمرهم) أي شؤونهم أي ما خصّص بهم لا ما هو خارج عن اختصاصهم كما في((وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ))(١٧) الولاية العامّة قد حصرتها الآيات في أولي الأمر، وغيرها:((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ))(١٨) ، من الآيات الدالّة على أنَّ الولاية العامّة بيد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأولي الأمر،((لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ))(١٩) ،((النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ))(٢٠) ،((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)).
وأمَّا الاستشهاد باحتجاج علي عليه السلام بالشورى فهو إلزام لمعاوية ومن قبله من الخلفاء بما هو حجّة لديهم:
فإن كنت بالشورى ملكت أمورهم
فكيف بهذا والمشيرون غُيَّب
وما لك لا تبصر الخطبة الشقشقية والخطبة القاصعة وغيرها من خطبه الناصة على جعل الله لهم منصب الإمامة الإلهية والسياسية والاجتماعية، وكلماته عليه السلام في خصائص العترة وحقّهم الإلهي.
وتعبير الرضا عليه السلام:((إنَّ من غصب جماعة بغير مشورة...)) فالجماعة في رواياتهم كما في أصول الكافي من كانوا على الحقّ وإن كانوا أقلّية، لا بمعنى الأكثرية،((إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ))(٢١) ، كيف وقد وصف الله تعالى الأكثرية بلا يعقلون ولا يفقهون وذمّ الأكثرية كما في حديث الإمام الكاظم عليه السلام لهشام في أصول الكافي(ج ١/ كتاب العقل).
وكذا قوله عليه السلام:((لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر)) ونحوهما من كلماته وكلمات الحسن عليه السلام وغيرهما من الأئمّة عليهم السلام، فإنَّه لإعانة الأئمّة المعصومين على تسلّم مقاليد القوّة، لا لأصل مشروعية حكمهم عليهم السلام.
العاشر: عدم التفاتك إلى أنَّ الأدلّة العقلية على ضرورة الإمامة تلازم ضرورة وجود وبقاء الإمامة والإمام إلى يوم القيامة، وذلك للسطحية في البحث والمباحث العقلية.
الحادي عشر: دعواك طرح السؤال والأسئلة واقتراح الحوار مع عدّة من علماء الإماميّة فلم يجيبوك إلى عقد الحوار ولا أجابوك، وكفى بذلك كذباً ودجلاً فكم حاورك من رجال الدين الإماميّة في لندن وإيران وغيرها، وبينك وبين الله تعالى يوم يقوم الأشهاد لربّ العالمين، ألا تستحي من الكذب الصريح، وكيف تزعم مع ذلك أنَّك تتحرّى الحقيقة، ولذلك أنصحك وإنّي لعلى معرفة منك قريبة.
الثاني عشر: تهويلك في رسم الأحداث التاريخية وأراجيفك في النقل عن الكتب الشيعية بالتضليل وبمثل التعبير: فعصفت بالإماميّة، أو أنَّ من اتّبع جعفر الكذّاب أكثر الإماميّة، وغير ذلك وأفحم دليل على زوبعتك اللفظية كعادتك في الكتابة الصحفية _ أيّام مجلة الشهيد _ أنَّ الفرقة الإسلاميّة التي تضرب بعددها في العالم الإسلامي كعدل لأهل السُنّة هي الإماميّة الإثنا عشرية.
الثالث عشر: دعواك أنَّ كتب الإماميّة خالية من عدد الإثني عشر قبل القرن الثالث، فما أجهلك بعلم الحديث وفهارس الكتب، ونظرة واحدة إلى مئات الكتب التي يلتفت إليها بأدنى تتبّع، المشحونة بالإشارة إلى إمامتهم والنصوصية على ذلك بمختلف الدلالات المطابقية والإلتزامية والتضمّنية والإقتضائية والإشارة والإيماء وغيرها.
ولكن ما دواء العيّ والجهل أو العناد للعقدة العاطفية المبتلى بها، وما دواء عدم التخصّص.
الهوامش:
(١)البقرة: ١٢٤.
(٢)البقرة: ٣٠.
(٣)الكهف: ٦٥.
(٤)الأنبياء: ٧٣.
(٥)المائدة: ٥٥.
(٦)النساء: ٥٩.
(٧)الحشر: ٧.
(٨)البقرة: ١٢٤.
(٩)النمل: ١٦.
(١٠)آل عمران: ٣٣.
(١١)القصص: ٦٨.
(١٢)آل عمران: ٣٤.
(١٣)الكهف: ٦٥.
(١٤)المائدة: ٥٥.
(١٥)الشورى: ٣٨.
(١٦)النساء: ٥٩.
(١٧)المائدة: ٥٥.
(١٨)القصص: ٦٨.
(١٩)النساء: ٨٣ .
(٢٠)الأحزاب: ٦.
(٢١)النحل: ١٢٠.