إشارات الى اهمية دراسة الغيبة
المهندس: يحيى غالي ياسين
لم تكن القضية المهدوية بدعة شيعية , ولا شخصية الامام المهدي عليه السلام شخصية اسطورية او ضرب من الخيال...! , وانما هي قضية عالمية حازت على اتفاق العالم ما لم تكد تحز هكذا قضية حساسة وحرجة مثلها.
فالمهدي من حيث المفهوم والاثر نجده عند اهل الديانات وغير اهل الديانات وان تلبَس بعناوين واسماء اخرى ولكنها تدل على نفس المضمون , فتارة يذكر باسم المنقذ وتارة ثانية باسم المخلّص وثالثة يشار الى اعماله واثاره التي ستترشح عنه وهكذا.....
فالقضية المهدوية وحسب المصطلح لم تكن يوماً نقطة اختلاف حكمية وانما هي نقطة اختلاف موضوعية.. أي ان الاختلاف لم يكمن بالمفهوم وانما بالمصداق, لم يختلفوا بالقيادة وانما اختلفوا بالقائد, من هو ومتى سيأتي وكيف سيظهر...الخ.
لذا واستناداً الى عقائد راسخة واحاديث وقصص صادقة وطرق علمية دقيقة ومباحث فنية وبرهانية معتمدة , استطاع أتباع مدرسة اهل البيت عليهم السلام ان يضعوا جواباً محدداً الى تلك الاسئلة , وعرفوا من هو ذلك القائد وما هي مقدمات ظهوره وما هي طريقة الظهور والى غيرها من التفاصيل الاخرى.
وعلى اساس ذلك التحديد واستناداً لتلك العقائد, انفردت هذه المدرسة ببعض الامور داخل مجمل القضية المهدوية او بالاصح , اختصت مدرسة اهل البيت عليهم السلام ببعض التفاصيل التي حسبت عليها... ومن بين اهم تلك التفاصيل واكثرها جدلاً هي قضية( غيبة الامام المهدي عليه السلام).
قطع المذهب الامامي خبراً مفاده : ان الامام المهدي الموعود هو ابن الامام الحسن العسكري عليه السلام والذي هو الامام الثاني عشر من ائمة اهل البيت , ولد عام ٢٥٥ للهجرة وانه سيملأ الارض عدلاً بعد ان ملئت ظلما.
هذا القطع بالخبر او بالاخص بطرفي الخبر وهما : الولادة وتحديد الشخص من ناحية , وملأ الارض بعد حين من ناحية اخرى , استدعى الى واسطة معقولة ومستساغة بين الطرف الاول المنجز منذ ما يقارب ال ١٢ قرناً من الزمان والثاني الذي لم يتحقق بعد....!
هذه الواسطة وهذه القضية التي تملأ الفراغ بين الطرفين تتمثل بـ(غيبة الامام المهدي عليه السلام عن الناس الى يوم لا يعلمه الا الله جل وعلا).
من هنا برزت الحاجة بالنسبة الى المعتقد بها الى التسلح بعلمها والتبصر في مداليل متنها.
لذلك لم تكن دراسة غيبة الامام المهدي والنظر فيها هي نوع من انواع الترف الفكري.... او سفسطة... او ما شاكل ذلك... وانما هي قضية مفصلية لها مساس مباشر وحياة البشر في هذه الحياة وما بعد هذه الحياة.
ويمكننا ان نبين نقاط توضح مدى اهمية دراسة غيبة الامام المهدي عليه السلام:
١. كونها من اكثر القضايا إشكالا مع الاخرين من غير المذهب الامامي.
٢. كونها متمثلة بأخطر الاشياء وقوعاً بين البشر , وهو غياب القائد الحقيقي والهادي الى طريق الصواب , وهذا بغض النظر عن اثبات خطورته عقلاً , فهو ثابت تأريخاً , فقد مرت الانسانية بتجارب مماثلة لهذا الامر ولكنها فشلت وهوت الى نتائج فظيعة , ومنها ما حصل لبني اسرائيل عند غياب موسى عليه السلام , فعلى الرغم من قصر فترة الغيبة هناك الا انهم وقعوا بأكبر الذنوب وابشعها , ألا وهو اتخاذ إلهٍ دون الله جل وعلا.
٣. دلت الاحاديث الثابتة عليه من مرور البشرية في هذه الفترة ببلاءات وامتحانات واضطرابات عصيبة وشديدة , ومرور الأمة بانواع الفتن وشدائد المحن.
٤. ارتباط نهاية الغيبة باكبر حدث كوني , الذي يعتبر هدفاً للسماء والانبياء والصلحاء واملاً للضعفاء , والمتمثل بإقامة المجتمع الانساني الصالح وبناء دولة العدل الالهي.
٥. ما دلت عليه الروايات , بان الاهتمام بها وحسن التصرف بها واجادة الخروج من ازماتها, يعتبر المنفذ الوحيد منها والمعبر الوحيد للتخلص من جريانها. أي ان انتهاء عصر الغيبة مرتبط بحسن تصرف الإنسان فيه , ومتوقف على اجادة ادارته من قبل الناس. ومثله مثل الداخل في متاهة , فخروجه منها غير مرتبط بوقت محدد بل موقوف على معرفة الطريق المؤدي الى المخرج.
٦. الاهتمام بالغيبة يعتبر تكليف اسلامي مترتب على عاتق المسلمين. والنظر فيها وحسن التصرف واتباع بعض الاساليب, تعتبر تكاليف وواجبات أكدت عليها الروايات الثابته كما سنبينه لاحقاً.
٧. ان اثبات صحة وقوع الغيبة يتسلسل بدوره الى اثبات الكثير من العقائد والعبادات التي طالما افترق المسلمون بسببها فيما بينهم من جانب وبينهم وبين الاخر الكافر والملحد من جانب اخر.
هذه النقاط وغيرها, تستدعي الاهتمام والحرص على دراسة ومعرفة الغيبة والنظر فيها نظر عالم عامل.
بقي علينا أن نوضح في مبحثنا هذا شذرات من معنى وكيفية الاهتمام بالغيبة, وكما يلي :
١. الايمان بوقوعها من جانب وإثباتها بالادلة الدامغة لمنكريها من جانب اخر.
٢. العمل على الخروج منها باتباع الاساليب والطرق الواردة الينا.
٣. الارتباط الروحي الوثيق بالامام الغائب عليه السلام وجعل قضيته محوراً لحركاتنا وسكناتنا.
٤. ان يكون الفرد مستعداً لظهوره الميمون في أي لحظة.
وفي نهاية بحثنا هذا..نكون قد سلطنا اضواءاً على بعض اسباب وطرق الاهتمام بغيبة الامام المهدي عليه السلام.والحمد لله رب العالمين.