مقام الامام المهدي عليه السلام في مدينة الحلة
كتابة: حمد علي مجيد الحلي
تصوير: أحمد آل حجاب الحسني
الحلّة لغوياً:
الحلّة: بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام , تُقال على عدّة اشياء:
١) القوم النزول وفيهم كثرة.
٢) شجر شائك أصغر من العوسج.
٣) علم لعدّة أماكن:
أ) حلّة بني قيل بشارع ميسان بين واسط والبصرة.
ب) حلّة بني دبيس بن عفيف الأسدي, قرب الحويزة بين واسط والبصرة والأهواز.
ج) الحلّة , قرية كبيرة قرب الموصل تسمى حلّة بني الرزاق.
د) حلّة بني مزيد, وهي المقصودة بالبحث هنا وكانت تُسمّى الجامعين.قال الحموي في كتاب (معجم البلدان) ماملخّصه: إنّ الحلّة مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد كانت تسمّى الجامعين، وكان أوّل من عمّرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي وذلك في محرم سنة ٤٩٥هـ، وكانت أجمة تأوي إليها السباع فنزل بها بأهله وعساكره وبنى بها المساكن الجليلة والدور الفاخرة، وتأنّق أصحابه في مثل ذلك فصارت ملجأً، وقد قصدها التجّار فصارت أفخر بلاد العراق وأحسنها مدّة حياة سيف الدولة.
أقول: نورد هنا عدّة فوائد, منها أنّها سُمّيت بـ(الحلّة السيفية), نسبة إلى ممصّرها سيف الدولة صدقة, وأوّل من سمّاها بالسيفية الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في حديث مدح الحلّة الذي نذكره في الباب الثالث من كتابنا هذا, ومنها أنّها سُمّيت بـ(المزيدية), نسبة إلى الجدّ الأعلى لمؤسّسها صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد, ومنها أن (الجامعين) ذُكرت في كتاب (التاريخ الكامل) لابن الاثير قبل سنة ٤٩٥هـ.
موقع الحلّة: هي بين النجف وبغداد, فهي تبعد عن بغداد نحو ١٠٠كم, وعن النجف نحو ٦٠كم، وعن بابل نحو ٧كم.
الحلّة بلدة النور: الحلّة هي وريثة بابل, وكانت بابل وسوراء وحواليهما معقل العلم قبيل الإسلام وبعده ومركز الاصطكاك العقلي بين مفكّري الأمم الهنــــدوايــرانية من الشرق والسريان والآراميين من الغرب, ثمّ صارت معقل الشيعة، ومنها كان الشيعة ببغداد يستلهمون المنعة والقوة, وبعد الاضطهاد السلجوقي لهم واحراق مكتباتهم والتجاء الشيخ الطوسي رحمه الله منها إلى النجف في سنة ٤٤٨هـ, تعاون المزيديون والأكراد الجاوانيون القاطنون بمطير آباد وأسد آباد والنيل حوالي بابل مع السباسيري ببغداد فألغوا الخلافة العبّاسية في ٤٥٠هـ وخطبوا للمستنصر الفاطمي، ثم بعد قتل السباسيري ورجوع الأتراك السلجوقيين والخلافة العباسية إلى بغداد, قام سيف الدولة صدقة بن دبيس المزيدي مع الجاوانيين ببناء الحلّة, فصارت مركز الشيعة وذلك في المحرّم سنة ٤٩٥هـ، وبقيت كذلك حتّى سقوط بغداد ٦٥٦هـ.
فكانت في حقبة من الزمن حاضرة من الحواضر العلميّة ومثابةً لطلاّب العلوم الدينية ودارسي فقه آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وقد بلغت أوجها في هذا المضمار في القرن السابع الهجري، وكان لأمتيازها هذا بواعث وأسباب، منها كونها من معاقل الشيعة الإماميّة منذ تأسيسها حتّى اليوم، ومنها قربها من مدينة النجف الأشرف التي كانت عاصمة العلم ومازالت, فإنّ هذا القُرب كان له الأثر الفاعل في إذكاء جذوة التفاعل بين الحاضرتين الشيعيتين, النجف والحلّة, فإن يأفل نور العلم فيها فتلك قبور العلماء فيها زيت النور, وإن يخفت مرّة أخرى فهاهم طلبة العلم من الحلّيين في النجف لأخذ العلم إليها, كي لا يطفئ فيها نور العلم , منذ تأسيسها إلى الآن.
في معرفة تاريخ المقام من خلال المخطوطات
«المخطوطة الأولى ٦٣٦هـ/١٢١٦م»
(مخطوطة الشيخ ابن هيكل)
إنَّ أهَمّ ما يرشدنا في هذه المخطوطة إلى تأريخ مقام صاحب الزمان عليه السلام بالحلّة هو وجود تأريخ لعمارة المقام سنة ٦٣٦هـ، فيظهر منها أنّ المقام كان قبل هذا التاريخ بسنوات عدّة، ولكن وللأسف الشديد لم أعثر أنا على تأريخ قبل هذا التـأريخ، أي بقي تأريخه غامضاً علينا نحو مئة وأربعين سنــة من سنة ٤٩٥هـ ـ وهي سنة تمصير الحلّة ـ إلى سنة ٦٣٦هـ، ولكن اعتناء العلماء بهذا المقام وزيارتهم إيّاه وعمارته والدرس فيه يدلّ على عنايتهم به وأي عناية, فلا بدّ من أثر وعلى قولهم (الأثر يدل على المسير) والآن نأتي على تفصيل ماذكرناه:
قال المحقّق الحجّة السيد محمد صادق بحر العلوم (١٣١٥ـ١٣٩٩هـ) في تحقيقه لكتاب (لؤلؤة البحرين) للشيخ يوسف البحراني رحمه الله ص٢٧٢ ناقلاً عن آية الله العظمى السيد أبي محمد الحسن الصدر في كتابه النفيس (تكملة أمل الآمل): «رأيت بخط الشيخ الفقيه الفاضل علي بن فضل الله بن هيكل الحلي ـ تلميذ أبي العباس ابن فهد الحلّي ـ ما صورته: حوادث سنة ٦٣٦هـ, فيها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نمّا الحلي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان عليه السلام بالحلّة السيفيّة, وأسكنها جماعة من الفقهاء».
«المخطوطة الثانية سنة ٦٧٧هـ / ١٢٥٦م» (نهج البلاغة)
إنّ أهمّ ما يرشدنا إلى تاريخ المقام في هذه المخطوطة أنّها كُتبت في داخل مقام صاحب الزمان عليه السلام سنة ٦٧٧هـ كما صرّح به جمع من العلماء , وسوف نأتي على ذِكر كلامهم, ولتسليط الضوء على هذه النسخة, نأتي على ذكر أصل الكتاب وجامعه وأحوال الناسخ ومواصفات تلك النسخة ومكانها, وهذا المطلب يتطلّب ذكر عدّة أمور، فلنأتِ على ذكرها.
«المخطوطة الثالثة ـ في بداية القرن الثامن الهجري»
(الدرّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة)
إنّ أهمّ ما يُرشدنا إلى تأريخ المقام في هذه المخطوطة هو أنّها كُتبت مجاور مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة السيفية, ولكن وللأسف الشديد لم يُذكر في النسخة تأريخ صريح, لأنّ نسخة الكتاب مخرومة الآخر, ولتسليط الضوء على هذه النسخة, نأتي على ذكر أصل الكتاب ومؤلّفه وأحوال الشارح للكتاب ومواصفات تلك النسخة, ومكانها.
«المخطوطة الرابعة في سنة ٧٢٣هـ /١٣٠٢م»
(تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية)
إنّ أهمّ ما يرشدنا إلى تاريخ المقام في هذه المخطوطة، هي أنّها كُتبت في داخل المقام سنة٧٢٣هـ.
«المخطوطة الخامسة سنة ٧٧٦هـ / ١٣٥٥م »
(قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام)
وأهمّ ما يرشدنا في هذه المخطوطة أنّها كُتبت لكلمات المشكلة في ١٨ شهر رمضان ٧٨٦هـ.
«المخطوطة السادسة سنة ٩٥٧هـ/ ١٥٣٧م»
(المختصر النافع)
وأهمّ ما يرشدنا في تاريخ المقام في هذه النسخة وجوده بوجود المدرسة التي بجانبه والتي سوف نتحدّث عنها فيما بعد, حيث تاريخ هذه النسخة سنة ٩٧٥هـ.
أقول قبل الشروع في ذكر من زار المقام: إنّ الزائرين لهذا المقام المنيف يختلفون من حيث الطبقات, فمنهم العلماء المؤلّفون, ومنهم النسّاخ, ومنهم الأمراء, ومنهم الولاة, ومنهم الرحّالة, ومنهم من شاهد كرامة, وأنا ذاكرهم بعد حسب التسلسل التاريخي لزياراتهم.
١) في آخر شهر صفر سنة ٦٧٧ هـ / ١٢٥٦م:
زار المقام السيد نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن أردشير بن محمد الطبري وأنهى في هذا التأريخ نسخ كتاب(نهج البلاغة) للسيد الرضي(أعلى الله مقامه).
٢) في سادس رجب سنة ٧٢٣هـ /١٣٠٢م:
زار المقام محمود بن محمد بن بدر وفرغ في هذا التاريخ من نسخ كتاب (تحرير الأحكام الشرعية) للعلاّمة الحلّي رحمه الله في داخل المقام, وأنهى العلاّمة الحلي رحمه الله تأليفه هذا في ٢٦ جمادى الآخرة سنة ٧٢٤هـ، ذكر ذلك في نهاية القاعدة الأولى في مخطوطته.
٣) في سنة ٧٢٥هـ / ١٣٠٤م:
زار المقام الرحّالة ابن بطوطة , وسوف نأتي على ذكر كلامه في آخر هذا الباب.
وابن بطوطة هو: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المغربي، ولد سنة ٧٠٣هـ بطنجة, وتقلّب في بلاد العراق ومصر والشام واليمن والهند, ودخل مدينة دهلي واتّصل بملكها, وساح في الأقطار الصينية والتترية واواسط افريقية وبلاد السودان والاندلس, ثم انقلب إلى المغرب واتّصل بالسلطان أبي عنان من ملوك بني مدين, وزار ضريح أمير المؤمين عليه السلام سنة ٧٢٥هـ, واستغرقت رحلته ٢٧سنة، وكان معاصراً لفخر المحقّقين ابن العلاّمة الحلّي، وألّف كتابه (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) المعروف برحلّة ابن بطوطة, ومات في مراكش سنة٧٧٩هـ.
٤) في ثامن عشر شعبان سنة....... (بداية القرن الثامن الهجري:
زار المقام أبو محمد الحسن الحدّاد العاملي, وصنف في هذا التاريخ, كتابه (الدرّة النضيدة في شرح الأبحاث المفيدة) للعلأمة الحلي رحمه الله, وأنهاه في السادس والعشرين من شهر رمضان, وذلك في الحلّة مجاوراً مقام صاحب الزمان عليه السلام على ساكنه أفضل الصلاة والسلام, علماً أنّ هذا الكتاب خلا من التاريخ السنوي, ولكن مصنّفه كان حيّاً سنة ٧٣٩هـ.
٥) في بداية القرن الثامن الهجري:
زار المقام حاكم الحلّة، المسمى بمرجان الصغير، وكان هذا الحاكم شديد البغض للشيعة الإمامية, وكان كلّما يدخل في هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه, وعندما شاهد قضية أبي راجح الحمامي, تغيّرت عقيدته , وصار يستقبل القبلة اذا جلس فيه.
٦) في سنة ٧٤٤هـ / ١٣٢٣م:
زارت المقام أم عثمان, المرأة العمياء التي كُشف بصرها في داخل المقام, وباتت فيه هي وبعض النسوة المؤمنات, وكانت أم عثمان هذه سنية فتشيّعت هي وولدها عثمان بعدما كشف الله بصرها ببركة صاحب الزمان أرواحنا فداه.
٧) في سنة ٧٥٩هـ / ١٣٣٨ م:
زار المقام , المولى الكبير المعظم جمال الدين بن نجم الدين جعفر الزهدري , وبات فيه , وكان مصاباً بالفالج فشُفي من ليلته.
٨) في غرّة جمادى الآخرة سنة ٧٧٦هـ / ١٣٥٥م:
زار المقام , جعفر بن محمد العراقي , وفرغ في هذا التاريخ , من نسخ كتاب (قواعد الأحكام في مسائل الحلال والحرام) للعلاّمة الحلي رحمه الله, في داخل هذا المقام.
٩) في سنة ٩٦١هـ / ١٥٤٠م:
زار المقام, سيّد علي رئيس وكان هذا السيّد مرسلاً من قِبل سلطان مصر, وكان أمير قبطانيته, وأرسله إلى العراق لغرض إحضاره السفن الموجودة في ميناء البصرة إلى مصر، كما زار هذا المبعوث مشهد الشمس ومقام عقيل أخي الإمام علي عليه السلام في الحلّة ثم عاد إلى بغداد.
(في ذكر عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة)
إن الباحث عن تاريخ عمارة مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة, يجد أنّ تأريخ هذا المقام ظل متواكباً مع تاريخ الحلّة من ابان بزوغ عصرها العلمي, فهو فيها كالقلب من الجسد, فتجد فيه العالم والمتعلم والوالي والرعية والمعافى والســـقيم, حتّى أنّه ما مر بالحلّة من وافد إلاّ وتشرّف بمشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه, فذاك ابن بطوطة وذا سيد علي رئيس المصري وغيرهم, ولولا حقد المتعصّبين لذكر لنا التاريخ عدّة من الزائرين لهذا المقام الشريف, وسوف نذكر في هذا الباب تاريخ عمارة المقام حسب التسلسل التاريخي لها:
١) في القرن السادس الهجري:
لاعلم لنا بتاريخ عمارة المقام وإنشائها في هذا القرن, إلاّ أنّها كانت موجودة, وبحسب التواريخ التالية, وللأسف الشديد فُقد كتاب (المناقب المزيدية في أخبار الدولة الأسدية) للمؤلّف أبي البقاء هبة الله بن نما, فإنّ البلاد الاسلامية خلت من هذه النسخة , سوى نسخة واحدة موجودة في المتحف البريطاني وتحت رقم (٢٣٠٢٩٦) ولابد من ذكر لهذا المقام في هذا الكتاب لأنّ مؤلفه كان من رجال ذلك القرن.
٢) في القرن السابع الهجري:
كانت العمارة موجودة, ومنذ بدأ هذا القرن وهذا ما نجده في ما كتبه الشيخ الفاضل علي بن فضل الله بن هيكل الحلّي تلميذ أبي العباس ابن فهد الحلي ما صورته: ـ
حوادث سنة (٦٣٦هـ): فيها عمّر الشيخ الفقيه العالم نجيب الدين محمد بن جعفر بن هبة الله بن نما الحلّي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان عليه السلام بالحلّة السيفيّة, وأسكنها جماعة من الطلبة.
سنة (٦٧٧ هـ): في داخل المقام نسخ السيد الحسين الطبري رحمه الله كتاب (نهج البلاغة)
٣) في القرن الثامن الهجري:
كانت عمارة المقام شامخة في قلب الحلّة وعلى شهرة واسعة من الذكر من قبل الخاصّ والعام، ففي بداية هذا القرن وفي داخل المقام كتب الشيخ محمد حسن بن ناصر الحداد كتابه الدرّة النضيدة.
وفي سنة (٧٢٣هـ): في داخل المقام نسخ محمود بن محمد بن بدر كتاب (تحرير الأحكام الشرعية) للعلاّمة الحلّي رحمه الله.
في سنة (٧٧٦هـ): في داخل المقام نسخ جعفر بن محمد العراقي كتاب (قواعد الأحكام) للعلاّمة الحلّي رحمه الله.
وأمّا وصف عمارة المقام في القرن الثامن الهجري فعلى ما يلي:
محراب المقام: ورد ذكر المحراب علي لسان الراوي لحكاية (أبي راجح الحمامي) وهو الشيخ محمد بن قارون, والحاصلة في هذا القرن قائلاً: ـ (وكان يجلس في مقام الامام عليه السلام في الحلّة ويعطي ظهره القبلة الشريفة, فصار بعد ذلك يجلس ويستقبلها), والقبلة الشريفة كناية عن محراب المقام.
باب المقام: ورد ذكر باب المقام على لسان (ابن بطوطة) في رحلته الحاصلة في سنة (٧٢٥هـ) قائلا: ـ (وبمقربة من السوق الاعظم مسجد على بابه ستر حرير مسدول، وهم يسمّونه مشهد صاحب الزمان).
قبة المقام: ورد ذكر لقبّة المقام في هذا القرن أربع مرّات في حكاية (ابن الخطيب وعثمان) الحاصلة في سنة (٧٤٤هـ) قائلاً (أي الراوي للحكاية): (فلمّا كانت ليلة الجمعة حملنها حتّى أدخلنها القبّة الشريفة في مقام صاحب الزمان عليه السلام... وبتن باجمعهن في باب القبّة.. لمّا جعلتنّني في القبة وخرجتنّ... ورأيت القبّة قد امتلأت نوراً).
وذُكرت القبّة ثانيةً في هذا القرن في حكاية (جمال الدين الزهدري) الحاصلة في سنة (٧٥٩هـ) على لسان الراوي لها مرّتين قائلاً: (وقيل لها: ألا تبيّتينه تحت القبة الشريفة بالحلّة المعروفة بمقام صاحب الزمان عليه السلام... وقد أباتتني جدّتي تحت القبة).
وآخر الذكر لعمارة هذا المقام هو ماجرى على لسان ابن ابي الجواد النعماني حينما سأل الامام القائم عليه السلام قائلاً: (يا مولاي لك مقام بالنعمانيّة ومقام بالحلّة، فأين تكون فيهما؟).
٤) في القرن التاسع الهجري:
وفي سنة (٨٧٣ هـ /١٤٥٢ م): قال الغياثي في تأريخه في حوادث تلك السنة (أرسل حسن علي ـ أمير بغداد ـ جيشاً إلى الحلّة للقضاء على حكومة شاه علي بن اسكندر, فلمّا وصل الجيش إلى قلعة بابل رأى قراغول (حراس)، فجرت معركة بين الطرفين, ثمّ اصطلحوا وعاب القرغول أميرهم وقالوا لهم: الجسر منصوب نمضي على غفلة, وساروا وعبروا الجسر والناس يظنّونهم القرغول الذين أرسلوا ومضوا إلى أن وصلوا إلى دار السلطان وأحاطوا بها، وكان ابن اسكندر وابن قرا موسى في القلعة فأخذوهما عريانين وقتلوا ابن قرا موسى, وأمّا ابن اسكندر فألقى بنفسه إلى صاحب الزمان, وقال: كنت درويشاً وجاء بي ابن قرا موسى قهراً وطلب الأمان.......).
أقول: هكذا وردت العبارة في تاريخ الغياثي، والظاهر أن المقصود بعبارة (فالقى بنفسه إلى صاحب الزمان) أنّه القى بنفسه إلى مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه, داخلاً بذمّته آملاً منه أن يتركوه، لأنّه احتمى بصاحب الزمان عليه السلام ويؤيّد كلامنا هذا أنّه لا يوجد شىء يُنسب إلى صاحب الزمان عليه السلام في الحلّة سوى هذا المقام الشريف, فحذف كلمة مقام أو مشهد من العبارة إمّا أن تكون من سهو النّساخ, أو إنما وردت على سبيل المجاز والأتساع بحذف المضاف، وهو شائع في لغة العرب ومحاوراتهم وبه نطق القرآن الكريم في قوله تعإلى (وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَ إِنَّا لَصادِقُونَ) والتقدير على ما أجمع عليه المفسرون: أهل القرية وأهل العِير, كما أنّه شائع في لغتنا اليوم, فيقول أحدنا: زرت علياً عليه السلام وزرت الحسين عليه السلام يريد أنّه زار كلاًّ من مشهديهما.
٥) في القرن العاشر وما بعده:
ذكرت عمارة المقام عندما زاره سيد علي رئيس المرسل من قبل سلطان مصر سنة (٩٦١هـ).وفي عهد الدولة الصفوية (٩٣٠ـ١١٢٠هـ) ذكرت عمارة المقام أيضا حينما عينت تلك الدولة (ال القيم) لسدانة المقام.
٦) في القرن الرابع عشر:
في سنة (١٣١٧هـ/١٨٩٦م), سعى لعمارة مقام الغيبة الواقع في الحلّة العلاّمة الكبير السيد محمد ابن السيد مهدي ابن السيد حسن ابن السيد أحمد القزويني (١٢٦٢ـ ١٣٣٥هـ) الذي كان يهتمّ بعمارة الآثار التأريخية.
أقول: بقيت هذه العمارة إلى سنتنا هذه وهي سنة (١٤٢٥هـ)، وقد أرّخ تلك العمارة الشيخ محمد الملا (ت ١٣٢٢هـ) في آخر قصيدة له قائلا: ـ
مـحمداً فيك العلا قسمت آخيت اسمك اشتقّ من الحمدِ
بأنّــك الحائز علـماً بـه تهــدي إلى الايمان والرشـدِ
شيّـدت للقائم مـن هاشـم مـقـام قدسٍ شامخ المـجـدِ
فلم يزل تهتف فيك العلى علـى لسـان الحرِّ والـعبـدِ
ذا خلف المهدي قد أرّخوا (شاد مقام الخلف المهدي)
والشعر هذا موجود ومكتوب إلى الاّن على باب المقام كتب بالقاساني الأزرق, ولم يتغيّر إلى الآن، وأنا نقلته هنا على ما كُتب على باب المقام، وقد أورد الشيخ الخاقاني رحمه الله في كتابه (شعراء الحلّةج٥ ص٢٤٢) هذا الشعر باختلاف يسير, أوردته بالهامش.
كما انّ الحاج عبد المجيد العطار (١٢٨٢ـ١٣٤٢هـ) أرّخ هذه العمارة ببيتين من الشعر ضمّنهما بـ(٢٨) تاريخاً قائلاً: ـ
توقّع جميل الأجر في حرم البنا بفتحك بالنصر العزيز رواقا
بصاحب عصر ثاقب باسمه السنا نجدّ اقتراباً ما أجار وراقا
٧) في القرن الخامس عشر الهجري:
سنة ١٤٢٢هـ / ٢٠٠١ م:
سعى المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله) بتجديد عمارة المقام وبجهود بعض المؤمنين الخيّرين, بالرغم من تلك الظروف الحرجة من محاربة وطمس آثار التشيّع من قبل حزب البعث الحاكم آنذاك، وتضمن هذا التجديد:
١- تغليف القبّة المنيفة السامية الشامخة للمقام بالقاساني الازرق.
٢-تغليف أرضيّة المقام وجدرانه بالمرمر الفاخر.
٣- تزيين سقف المقام والقبّة من الداخل بالمرايا.
٤-تغيير الآيات التي كُتبت على واجهة المقام.
٥- تكييف المقام وإنارته بالمصابيح والنُّجف.
ولقد أرّخ هذه العمارة الشاعر السيد عصام الحسيني السويدي قائلاً:
يا حجّة الله التي في أرضهِ للعبدِ شُدنا مقامكَ علّنا نحظى بنيلِ السّعدِ
أرواحنا قبل الحجا رةِ سابقت والايدي بالحمدِ تمّ مؤرّخاً
(أنظر مقام المهدي)
١٤٢٢هـ
والشعر هذا مكتوب على لوحة وضعت فوق باب المقام من الداخل.
ط ـ موضع الشبّاك الحالي في داخل المقام: دأب الشيعة أن يضعوا في مقامات أئمّتهم (شبّاكاً) أو نحو ذلك وعلى جهة القبلة، فهذا مسجد السهلة ومقاماته، وكذلك مسجد الكوفة ومقاماته وغيرها من المقامات المشهورة عند الشيعة, لكنّ ما نراه الآن أنّ شبّاك هذا المقام يقع في ظهر القبلة بالنسبة للمصلّي في داخل المقام، وهذا يخالف القاعدة، وممّا يؤيّده قول الشيخ محمد بن قارون في حكاية أبي راجح الحمامي التي أوردناها في الباب الثالث (كان حاكم الحلّة المسمى مرجان الصغير كلّما يدخل هذا المقام يعطي ظهره القبلة الشريفة إذا جلس فيه، وعندما شاهد قضية أبي راجح الحمامي, تغيرت عقيدته, وصار يستقبل القبلة إذا جلس فيه) (أنتهى).
والحال أنّ في الوقت الحالي جميع الداخلين للمقام حالهم كحال هذا الحاكم في جلوسه الأوّل, لأنّ القبلة الشريفة كناية عن هذا الشبّاك الموضوع في جهة القبلة.
ظ ـ قول الراوي في حكاية ابن الخطيب التي أوردناها في الباب الثالث (وبتنً بأجمعهن بباب القبة) أي مجموعة النساء اللواتي كنّ يرافقن أم عثمان, والحال أنّ من يبيت الآن بباب القبّة ينام في وسط السوق لضيق المحل.
م ـ قول الشيخ الزهدري في حكايته الواردة في الباب الثالث من كتابنا هذا (وأنطبق عليً الناس حتّى كادوا أن يقتلونني, وأخذوا ماكان عليً من الثياب تقطيعاً وتنتيفاً يتبرّكون فيها, وكساني الناس من ثيابهم, ورجعت إلى البيت) والحال أنّ مساحة المقام الحالية لا تسع لدخول القليل من الناس فضلاً عن الكثيرمنهم كما وصفهم ابن الزهدري.
و ـ قول السيد حيدر آل وتوت في كتابه (المزارات ومراقد العلماء في الحلّة الفيحاء) إنّ هناك من أخبرني أنّ مساحة مقام الأمام المهدي عليه السلام المشار اليها قد تمّ اختصارها بسبب بناء الجامع المعروف بجامع الحلّة الكبير الذي يقام فيه خطبة الجمعة وصلاة الجماعة عند اخواننا السنة، حيث انضمّ قسم كبير من أرض المقام وأصبح ضمن الجامع.
وهذا يكفي لاثبات المساحة الأصلية للمقام.
(في ذكر مدرسة صاحب الزمان عليه السلام المجاورة للمقام)
مما يعرفه كلّ باحث في تاريخ الحلّة وتراجم علمائها, أنّ اولئك العلماء الأعلام, لابد أن يكون لهم مدارس ومعاهد علمية يلقون فيها دروسهم ويحاضرون بها تلامذتهم, وينسخون فيها كتبهم, ولم يرد في التواريخ إحصاء دقيق لهاتيك المدارس والمعاهد العلمية, فلابدّ أن تكون مدرسة مقام صاحب الزمان عليه السلام والتي تقع بجانبه من جملة المدارس التي كانت تضم طلبة العلوم الدينية في الحلّة الفيحاء, وقد دلّت الأثار التي وقفنا عليها في بعض المخطوطات (كما أشرنا إليها سابقاً في الباب الأوّل من كتابنا هذا) على وجود مدرسة تعرف بـ(مدرسة صاحب الزمان)، ولا يختلج في نفس المتتبّع ريب أنّ مشاهير أعلام الحلّة ـ كابن إدريس وآل نما وآل طاووس والمحقّق والعلاّمة ـ كانوا يلقون دروسهم في هذه المدرسة, لبركتها وكونها متّصلة بمقام بقية الله الخلف المهدي عليه السلام. والآن نأتي على ماعثرنا عليه من التواريخ التي تخص تلك المدرسة المباركة:
التاريخ الأول:
قال ابن هيكل رحمه الله في حوادث سنة ٦٣٦هـ: فيها عمَر الشيخ محمد بن نمَا الحلي بيوت الدرس إلى جانب المشهد المنسوب إلى صاحب الزمان عليه السلام بالحلّة السيفية وأسكنها جماعة من الطلبة.
أقول: يظهر من العبارة المذكورة آنفاً: ـ
أوّلاً: أنّ المدرسة كانت موجودة قبل هذا التاريخ أي (٦٣٦هـ) وأنّ الشيخ الجليل محمد بن جعفر بن نمَا لم يكن هو المؤسّس, بل كان المعمر لها والساعي بتجديدها.
ثانياً: اهتمام العلماء الاجلاّء أمثال الشيخ ابن نّما بتلك المدرسة المباركة.
ثالثاً: يظهر من عظيم منزلتها أنّه لا يسكنها إلاّ الفقهاء من الطلبة.
التاريخ الثاني:
في بداية القرن الثامن صرّح ابو محمد الحسن بن ناصر الحدّاد العاملي وهو من تلاميذ العلاّمة الحلّي رحمه الله بكتابة كتابه (الدرّة النضيدة في شرح الابحاث المفيدة) مجاور مقام صاحب الزمان عليه السلام بالحلّة.
أقول: يظهر من عبارة التاريخ الأوّل أنّ ابن الحدّاد العاملي كتب مخطوطته بهذه المدرسة المجاورة للمقام، إذ أنّ معنى كلمتي جانب ومجاور واحد.
التاريخ الثالث:
في سنة ٧٧٦هـ نسخ حسين بن محمد العراقي لابنه سعد الدين محمد كتاب (قواعد الأحكام) للعلامة الحلي رحمه الله وانتهى من نسخه غرّة جمادى الآخرة من تلك السنة في مدرسة صاحب الزمان عليه السلام.
التاريخ الرابع:
في سنة ٧٨٦هـ قابل جعفر بن محمد العراقي نسخته من كتاب (قواعد الأحكام) للعلامة الحلي رحمه الله على نسخة صحيحة موجودة في مدرسة صاحب الزمان عليه السلام.
التاريخ الخامس:
في ١٦ شهر ربيع الاول سنة ٩٥٧هـ نسخ بمدرسة صاحب الزمان عليه السلام كتاب (المختصر النافع) للمحقق الحلي رحمه الله.
في ذكر سدنة المقام
اهتمّ الشيعة الإماميّة بمشاهد العترة الطاهرة, فبقوا يحافظون على تلك المشاهد المنسوبة إليهم بالعمارة بعد العمارة, وفي كلّ مشهد من تلك المشاهد المعظمة وضعوا طائفة وظيفتها أن تهتمّ بتنظيف تلك المشاهد والعناية بها واحترام زائريها وتقديم الخدمات لهم, وسمّوا تلك الطائفة بالسدنة, ومن تلك المشاهد مشهد صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة, فإنّ مشهده لم يخلُ من تلك الطائفة، لكنّ التاريخ لم يحفظ لنا أسماءً من تلك الطائفة, إلاّ ما وجدته من اسم واحد, وبيت واحد, وهو بيت (آل القيم) وأكرم به من بيت, فبخدمتهم لهذا المقام الشريف نالوا ذلك اللقب السامي, وقد نال هذا البيت الحظّ الأوفر من تلك السدانة وبحقبة زمنية تُقدّر بنحو ثلاثة قرون أو أكثر, يستلمها خلف عن سلف، وصاغر عن كابر, فقد ذكرهم الشيخ الخاقاني رحمه الله في كتابه (شعراء الحلّة) قائلاً: إنّ صاحب كتاب (ديوان القيم) الذي جمعه الشيخ محمد علي اليعقوبي رحمه الله, هو حسن بن الملاّ محمد بن يوسف بن إبراهيم بن إسماعيل بن سلمان بن عبد المهدي، وكان جدّه هذا سادناً على مقام الغيبة التي في نهاية سوق الهرج من جهة الغرب، ومن هنا جاءهم لقب (القيم)، وكانت السدانة لهم من لدن دولة الصفويين في العراق (٩٣٠ – ١١٢٠هـ)، وهم حتّى اليوم يستغلّون ثمرة أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلّة , ولد المترجم له أي الشاعر سنة ١٢٧٦هـ.
أقول: ربما إنّ أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلّة هي ممّا وقفه الحكام الصفويّون للمقام الشريف, وكان هذا من عادتهم مع المشاهد الشريفة.
ومن ثمّ انتقلت السدانة إلى بيت آخر من بيوتات الحلّة ولمدّة قصيرة, ومن بعد تحوّلت إلى بيت آخر ثالث يدعى بـ(ال الصفّار). وكان السادن الأوّل منهم الحاج حميد حسين الظاهر الصفار الخفاجي الذي خدم المقام نحواً من أربعة عقود، وكان معروفا بتديّنه وورعه، وتوفي هذا السادن سنة (١٤٠٨هـ)، ثمّ استلم السدانة بعده ولداه عبد الله وعبد علي اللذان كانا يسعيان بين حقبة وأخرى لترميم وصيانة وتطوير المقام وبالشكل اللائق وببعض جهود الخيرين دامت توفيقاتهم. وأخبرني سادن المقام عبد الله الصفار عن كرامة رآها بأم عينيه أحببت تدوينها هنا وهي من املائه عليّ، قال: في سنة (١٤٠٨هـ/١٩٨٨م) وفي الشهر الخامس وفي يوم الجمعة حدثت كرامة في هذا المقام وهي: كان مفتاح باب المقام عند رجل كبير السن وكان مؤمناً اسمه حمزة الحمود (ابو ابراهيم الصفار)، أُمر هذا الرجل من قِبل سدنة المقام لغيابهم عنه في تلك المدة بفتح وغلق باب المقام، وعندما أغلق الباب ليلة الجمعة أغفل امراً مهمّاً وهو أن بعضاً من النساء وضعن بعض الشموع مباشرة على كرسي خشب قديم كان داخل المقام، وكان المقام مفروشاً بحصير من النايلون (البلاستك) لأنّ الموسم كان صيفاً، فأغفل الرجل إطفاء تلك الشموع التي وُضعت على الكرسي مباشرة، فجاء يوم الجمعة صباحاً لفتح باب المقام فوجد أمراً عجيباً قد حدث، وهو أن الكرسي قد احترق بأكمله ولم يبق إلاّ رمادُ ولم يروا أثراً لاحتراقه على الحصير سوى بقع صغيرة بقدر الدرهم والحصير لم يحترق، فاجتمع الناس لرؤية هذه الكرامة، وأخذ الناس رماد ذلك الكرسي للتبرّك، فببركة صاحب هذا المقام لم يحترق الحصير، ولو احترق الحصير لأحرق المقام بأكمله لكن أبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره المشركون.
أقول: لقد انطفأ النور الناتج من احتراق الكرسي عندما حضر النور الالهي تواضعاً منه لذلك النور المقدس، فخمدت تلك النيران ببركات يُمن وجوده عليه السلام كما خمدت نيران كسرى ببركات يمن جدّه صلى الله عليه وآله وسلم.
الأمر الثاني: في ذكر الأوقاف الخاصة بالمقام
دأبت الشيعة الامامية (أنار الله برهانهم) بجعل وقفاً من الأراضي أو المشاريع الخيرية وذلك لتعاهد عمارة تلك المشاهد بالبناء والتعمير، وقد قدّمنا ذكر أوقاف الزوير الواقعة في شمال الحلّة التي من المحتمل أن تكون خاصّة بهذا المقام, والآن نأتي على ماتبقى من الذكر.
أقول: إنّني زرت في سنة ١٤٢٥هـ دائرة الوقف الشيعي في الحلّة فعثرت في طيّات مخزوناتها على أوراق عثمانية يدّعى فيها وجود مقام للإمام المهدي عليه السلام في منطقة المدحتية التابعة للحلّة، ورقم المقاطعة المدّعى فيها وجود هذا المقام هو قطعة ١١٤و١١أو١٤و١٥العوادل خيكان الغربي وخيكان الشرقي رحمه اللهمدحتية, كما عثرت في أوراق عثمانية أخرى على ادّعاء وجود مقام آخر للإمام المهدي عليه السلام في قضاء الكفل التابع للحلّة، ورقم المقاطعة المدّعى فيها وجود هذا المقام هو ٥و٦م مربع هور الشوك رحمه الله كفل, جار ابن الجباوي, والذي اعتقده أنّ الموضعين المذكورين ليس فيهما مقامان للإمام المهدي عليه السلام لعدم وجود عين ولا أثر لهما، ولو كان لهما وجود لما طمست اثارهما ودرست معالمهما، وأغلب الظن أنّهما من جملة المواضع الموقوفة على مقام الإمام المهدي عليه السلام في الحلّة الذي كتبنا هذا البحث في تحقيقه, وقد لا يبعد أن يكون ذكر هذين المقامين في المكانين المزبورين هو من تزويرات الدولة العثمانية المتعصّبة على الشيعة تعصّباً لا هوادة فيه، (وتوظيفاً) لهذا التعصب وبدافع التشويش والتضبيب على عقائد الشيعة اختلقت لهم ما لم يعرفوه ولم ينقله منهم ناقل.
(في موقع ووصف مقام صاحب الزمان أرواحنا فداه في الحلّة)
يقع المقام في مركز مدينة الحلّة السيفية في منطقة تدعى (السنية) وفي سوق الصفّارين على يمين الداخل إلى هذا السوق، ويقع على يسار الداخل للسوق الكبير، وخلف جامع الحلّة الكبير بالضبط. والمشهور عند أهل الحلّة (مقام الغيبة) مشتقة من الغائب الذي هو اسم من أسمائه عليه السلام.
وفي يوم ٢ من شهر ربيع الأول من سنة ١٤٢٥هـ تشرّفت بزيارة المقام كما كنت أتردد عليه كثيراً وخاصّة عند نزولي في الحلّة وهي البلدة التي ولدت فيها في سنة (١٣٩١هـ) في منزل يقع بالقرب من قبر المحقّق الحلي صاحب كتاب (شرائع الاسلام)، ثم انتقلت إلى الأرض المقدسة التي حوت جسد أمير المؤمنين عليه السلام وعشت بجواره متنعّماً مدّة حياتي سوى خمس سنين وأشهر قضيتها في الحلّة أوائل عمري.
وعوداً إلى بدء أقول: إنّ المقام يطلّ على السوق بمساحة قدرها (٩.٥م)، والمساحة الكلية للمقام بنحو (٣٥م٢)، ويتوسّط واجهة المقام باب من خشب الساج ارتفاعه (٢م)، ويعلو الباب شِعر يؤرّخ عمارة السيد القزويني (١٣١٧هـ)، ويعلو واجهة المقام آية التطهير جددت عام (١٤٢٢هـ) وزيارة مختصرة للإمام عليه السلام، وزُيّنَت واجهة المقام بالزخارف الإسلامية، ويقع على يمين الداخل من الخارج مكان للوضوء. وعند الدخول للمقام ترى أمامك شبّاكاً مصنوعاً من خشب الساج علوه (١.٧٥م) وعرضه (١م) تعلوه زيارة للامام عليه السلام، وهي الزيارة المعروفة بـ (السلام على الحقّ الجديد.) كتبت بالقاساني الأزرق، وعند توجّهك إلى جهة القبلة يكون الشباك خلفك وتكون باب المقام أمامك، وكتب على لوح فوق الباب من الداخل شعر يؤرّخ العمارة الاخيرة وهي في سنة (١٤٢٢هـ)، ثم يعلو الباب الدعاء المعروف (يا من أظهر الجميل) (دعاء أهل البيت المعمور) وعليه تأريخ كتابته عام (١٤١٧هـ/١٩٩٦م) وكتب بالقاساني الازرق، والقبّة من الداخل مزيّنة وكُتب فيها آية النور وأسماء اهل البيت عليهم السلام يعلوها لفظ الجلالة وتتوسّطها ثريا جميلة وفاخرة، وصعدنا على مكان مرتفع لنشاهد القبّة الشريفة السامية المنيفة، فرأيتها قد جُدد تغليفها حديثاً، وهي خالية من الكتابة والتأريخ سوى أسماء المعصومين عليهم السلام وهي شامخة ظاهرة للعيان من بُعد، ومن خلال قلمنا هذا ندعو العلماء الأعلام ودائرة الوقف الشيعي والاخوة المؤمنين والمؤسسات الخيرية الذين يريدون أن يعظّموا شعائر الله أن يلتفتوا لتوسعة حرم المقام الذي لا تتجاوز مساحته سوى (٣٥م٢)، وذكرنا أنّ المقام كان أوسع بكثير ولكن) فإنّ مساحته لا تليق وعمره التأريخي وذلك بضمّ بعض المحلات إلى مساحته حتى تشملهم رعاية الإمام عليه السلام ولطفه.
الامر السابع: في سرعة إجابة الدعاء في هذا المقام الشريف.
سألت أحد المجاورين للمقام ـ وهو السيد عصام الحسيني السويدي ـ هل من كرامة رأيتَها بالعيان حتّى أدوّنها؟
قال: لم أرَ بالعيان, ولكن كثرة توافد الزائرين للمقام تدلّ على سرعة الاجابة فيه وحدوثها عاجلة وهي مما جُرّب كثيراً.
أقول ـ وأنا الفقيرـ: إنّ أهل الحلّة يعتقدون اعتقاداً شديداً بهذا المقام وصاحبه عليه السلام, ولذلك يتوافدون عليه بكثرة, وإنني ما زرت هذا المقام فوجدته فارغاً قط, حتّى في وقت الظهيرة, وحتّى في أثناء عمارته وبدون انقطاع, ومن عادة أهل الحلّة من رجال ونساء أن يفرّقوا بعض الحلوى في المقام الشريف بعد إجابة دعواتهم, حتّى انّي في بعض زياراتي للمقام أكلت من تلك الحلوى التي تفرّق على زائري المقام الشريف.