شاعر الأمل والألم
السيد حيدر الحلي
بين الفاجعة والانتظار
شاكر حسن
شهد الأدب العربي أدباً ملتزماً يعالج قضايا مصيرية تهمُّ المسلم وعقيدته، وأهمّ ما تميّز به الأدب الملتزم هو الأدب المهدويّ الذي وُظّف لمعالجة القضية المهدويّة بكلّ أبعادها، ولعلّ هذا الأدب ميّز شعراء مطبوعين تعاطوا مع قضية الإمام المهدي عليه السلام حتّى أمكننا أن نصفهم بأنهم شعراء مهدويون مطبوعون، ولعلّ هذا الوصف أباحته لنا جهودهم المتميزة في إثراء المكتبة الأدبية الشعرية بعمل متميز صُنّف في عداد الأعمال المبرعة التي تألّقَ بها بعض الشعراء الملتزمين.
ولعلّ أهمّ مَن تشخصّ في هذا المضمار شعراء الحلة التي أنجبت ثلّةً قدّمت إمكانياتٍ هائلةٍ في هذا الشأن.
فقد كانت للمدرسة الشعرية الحليّة شأنها في إثراء الجانب التراجيدي الأدبي الذي صوّر واقعة الطف بكلّ دقائقها المتوفرة في هذا المجال.
فالشاعر الحلي تجيش لديه وقائع عاشوراء المؤلمة التـي هي جزء معاناة الفرد الشيعي الموالي لآل بيت الرسول عليهم السلام، فإذا أراد أن يعبّر عن معاناته عبّر عن مجريات واقعة الطفّ وما صاحبها من استئصال لبضعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المتمثّلة في سبطه الشهيد وآله الطيّبين، لذا فكانت مأساة عاشوراء المرآة لمعاناة الفرد الشيعي الممتحن بالقهر والاضطهاد، وصار الشعر الشيعي اللسان الناطق بمأساة عاشوراء، ممّا هدى بعد ذلك بتبادل الأدوار بين واقعة الطفّ وبين الشعور الشيعي المضطهد.
إلاّ أنّ الأدب الشيعي نحى منحى آخر في هذا المجال، فلغرض التأكيد على معاناته واستشعاره لفاجعة الطف ابتدع اسلوباً آخر في الخطاب الأدبي، وهو التوجّه إلى الإمام المهدي عليه السلام يبثّ شكواه ومخاطبته وتصوير ما يعانيه من خلال تفجّعه لواقعة الطفّ والتأكيد على أنّ مأساته كانت امتداداً لهذه الفاجعة الدامية التي طالت الحسين وآله الطاهرين عليهم صلوات الله، طالباً من الإمام عليه السلام أن يأخذ بثأر جدّه الذي هو أخيراً ثأره وثأر أمته الممتحنة.
يُعدّ رضوان الله عليه من أهمّ الشعراء المطبوعين في هذا المجال، فقد خلّفَ ملاحم تصوّر فاجعة الطفّ، وذلك من خلال مخاطبته للإمام المهدي عليه السلام مستنهضاً إيّاه، طالباً منه أن يأخذ بثأر جدّه الحسين المظلوم، وذلك من خلال ظهوره الذي سيكشف عن الشاعر ومن جميع المستضعفين معاناة أمّةٍ مقهورة.
عاش السيد حيدر الحلي رحمه الله لقضيّته، ورحل من الدنيا بعد أن خلّف وراءه تراثاً أدبياً مهدوياً معروفاً.
ولد رحمه الله في الحلة في ١٥ شعبان ١٢٤٦ هـ ونشأ بها يتيماً. فقد مات أبوه وهو طفل صغير، فتولّى تربيته عمّه السيد مهدي ابن السيّد داود.
للسيد الحلي قصائد مهدويّة عدّة، اخترنا منها هذه القصائد الثلاثة:
وإنّ أعجبَ شيءٍ أن أبُثَّكَها كأنّ قلبَك خالٍ وهو مُحتدِمُ
ما خلتُ تقعدُ حتّى تستَثار لهم وأنتَ أنتَ وهم فيما جَنَوْهُ هُمُ
لم تُبقِ أسيافُهم مِنكم على ابنِ تُقىً فكيف تُبقي عليهمْ لا أباً لَهُمُ
فلا وصفحِكَ إنّ القومَ ما صَفَحوا ولا وحلمِكَ إنّ القومَ ما حلموا
فحملَ أُمِّكَ قِدماً أسقطوا حَنَقاً وطفلَ جدِّك في سهمِ الرَّدى فَطَموا
لا صبرَ أو تضعُ الهيجاءُ ما حملتْ بطلقةٍ معها ماءُ المخاضِ دمُ
هذا المحرّمُ قد وافَتْكَ صارخةً مَمّا استحلُّوا به أيّامُه الحُرمُ
يملأنَ سمعَك مِن أصواتِ ناعية في مسمعِ الدهرِ مِن إعوالِها صمَمُ
تنعى إليكَ دماءً غاب ناصرُها حتّى أُريقتْ ولم يُرفَع لكم عَلَمُ
* * *
تدعو وجُرد الخيلِ مُصغيةٌ لدعوتِها سَميعَه
وتكادُ ألسنةُ السيوفِ تُجيبُ دَعوتَها سَريعة
فصُدورُها ضاقتْ بسرٍّ الموت فأْذَنْ أن تُذيعَه
ماتَ التصبُّر في انتظا رِكَ أيُّها المُحيي الشَّريعه
فانهَضْ فما أبقى التحمُّلُ غيرَ أحشاءٍ جَزوعه
قد مزَّقتْ ثوبَ الأسى وشَكَتْ لواصلِها القَطيعَه
فالسيفُ إنّ به شفاءَ قلوبِ شيعتِكَ الوَجيعَه
فسِواهُ مِنهم ليس يُنعِشُ هذه النفسِ الصَريعَة
كَم ذا القُعود ودِينُكم هُدِمَت قواعِدُه الرَفيعه
تَنعى الفُروعُ أُصولَه وأُصولُه تنعى فُروعَه
فيه تحكَّمَ مَن أباحَ اليـ ـوم حُرمتَه المَنيعة
ماذا يهيجكَ إن صبرتَ لوقعةِ الطفِّ الفَظيعه
أترى تجيء فجيعةٌ بأمضّ مِن تلكَ الفَجيعة
حيثُ الحسينُ على الثَّرى خَيلُ العُدى طَحَنتْ ضُلوعه
قَتَلتْهُ آلُ أُميّة ظامٍ إلى جنبِ الشَّريعَه
ورَضيعُهُ بدمِ الوريدِ مُخَضّبٌ فاطْلُبْ رَضيعَه
وقال مخاطباً الإمام المهدي عليه السلام
مَن حاملٌ لوليّ الأمر مألكةً تُطوى على نفثاتٍ كلِّه ضَرَمُ
يابنَ الأُلى يُقعدون الموتَ إن نهضتْ بهم لدى الرَّوعِ في وجهِ الضبا الهِممُ
الخيلُ عندَكَ مَلَّتْها مَرابطُها والبِيضُ منها عَرى أغمادَها السأمُ
لا تطهرُ الأرضُ مِن رِجسِ العِدى أبداً ما لم يسلْ فوقَها سيلُ الدمِ العرمُ
بحيثُ موضعُ كلٍّ منهمُ لكَ في دِماه تغسله الصمصامةُ الخذمُ
أُعيذُ سيفَك أن تَصدى حديدتُه ولم تكنْ فيه تُجلى هذه الغممُ
قد آن أن يُمطر الدُّنيا وساكنَها دماً أغرَّ عليه النقعُ مُرتكمُ
حرّان تدمغ هامَ القوم صاعقةٌ مِن كفِّه وهي السيفُ الّذي عَلِموا
نَهضاً فمَن بِظباكم هامُه فُلِقَتْ ضرباً على الدّينِ فيه اليومَ يحتكمُ
وتلك أنفالُكم في الغاصبينَ لكم مقسومةٌ وبعَينِ الله تُقتَسَمُ