الإفتتاحية
بسم الله الرحمن الرحيم
لم تكن قضية نزول عيسى قد اختصّ بها الإمامية وحدهم، بل هي من صميم الثقافة الاسلامية التي يشترك بها الجميع، حتّى كاد إسم عيسى في ثقافة بعضهم يطغى على قضية الإمام المهدي عليه السلام ليبلغ في تطرّفه هذا إلى أن يصوّر المصلح الموعود هو عيسى ابن مريم، محا ولةً منه لحرف المسار المهدوي إلى عيسويةٍ صرفة.
لم تكن هذه الجهود بريئةً أو عفويةً، بل كانت لها دواعيها السياسية، فالسلطة العباسية غدت تتوجّس مهدوية أهل البيت عليهم السلام ، وسعى المنصور العباسي إلى استبدال الهوية المهدوية ليحيلها الى حسنيةٍ، ثم ما لبث ان أحالها عباسيةً صرفةً يمثلها ولده المهدي العباسي في محاولةٍ يائسةٍ غير موفقةٍ.
لم يكن الجهد الروائي لرواة البلاط قد ادّخر إمكاناته في تحريف المرتكز الاسلامي من مهدي أهل البيت عليهم السلام الى مهدي (سياسي) تخطهُ أقلام الرواة لترسم ملامحهُ ريشةُ فنانٍ غير جدير يتخبّط في قراءة (بانوراما) الملاحم والفتن الذي أثبتها تراثٌ نبوي ثرّ.
إذن لم يستطع أي جهدٍ مهما بلغ من طيشٍ في تغيير العقلية العامة من محاولة تهميش القضية المهدوية على المستوى التنظيري، فكيف يوفّق في احتوائها عملياً ليسبغها على شخصيات مزعومة؟!
هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى إذا كانت عالمية الدعوة المهدوية تسعى إلى إعداد العالم لأطروحةٍ موحّدة، فإن العنف السياسي يأبى الرضوخ إلى أطروحةٍ تعمّ الجميع، ولعلّ دول العالم المتقدّم التي تؤمن بعيسى ـ بغض النظر عن صحّة هذا الإعتقاد ـ وهي تعيش عنفوانها الاقتصادي وشموخها التقني لا تخضع لدعوة إصلاحٍ تنبثقُ من أوساط العالم الثالث ما لم يكن عيسى ابن مريم ظهيراً للإمام عليه السلام في دعوته، فيسعى الى تغيير ما علق في أذهان أتباعه من ترسّبات الكنيسة حين (احتكرت) اعتقاد أتباعها لتتقوقع على تقليديةٍ خاطئة، ممّا دعى إلى ضرورة نزول عيسى عليه السلام بين ظهرانيهم: ليقول كلمة الصدق ودعوة الحق، وليُدخل أولئك المؤمنين به في بحبوحة الإيمان بمهديّ آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وعلى هذا فهل لنا التمهيد لمهمة عيسى في أوساط هؤلاء كما هي مهمتنا في التمهيد لظهور دعوة الحقّ في مهدوية الإمام عليه السلام ؟
وهل سنكون جديرين حقاً في دعوة العالم بكلّ ثقافاته وقِيمه واتجاهاته بعد أن نصل إلى مستوى المسؤولية عند تطهير نفوسنا وتكاملها لنرقى إلى مستوى (كونوا لنا دعاةً صامتين)؟!
أم نبقى ننام رغداً على أحلام الماضي ونعيش زهو أمنيات المستقبل متخطّين الحاضر بكلّ سلبياته، بل بكل هزائمه؟!
رئيس التحرير