ما إن صدر العددان الأَول والثاني من مجلة الانتظار حتى توالت مشاركات القرّاء على إختلاف توجهاتهم في إرسال نتاجاتهم للمجلة، وكان للمشاركات التالية دلالة واضحة على الوعي العام للثقافة المهدوية.
أولاً: خصائص المصلح العالمي
أسماء إبراهيم صالح
إن الدولة المهدوية العالمية إنما تأتي لتحسم عصر المعاناة الذي عاشته البشرية طويلاً وتقضي على الظلم والجور الذي ملأ الارض نتيجة لحكم الطواغيت وحاكمية الأهواء والشهوات والنزعات المادية، وبظهور الإمام المهدي على مدى القرون (يفرّج الله عن الأمة فطوبى لمن أدرك زمانه) إثبات الهداة: ٣/ ٥٠٤
فالله تبارك وتعالى يحقق على يديه عليه السلام للأمة إلاسلامية، ولبني الانسان عامة، كل الطموحات الفطرية السياسية، ويزيل الشرك ويقيم أطروحة منازل الكمال ومعارج النور.
ثم أن هذا التغيير لا يأتي جزافاً، أي انهُ لا يأتي على شكل المعجزة بحث تكون المعجزات هي الرائدة في مجال تحقق هذا الوعد. وهذا ما يعتقدهُ الكثير، إلاّ أَن الواقع هو غير ذلك تماماً: أي أن تحقق هذا الوعد يعتمد بالدرجة الأساس على عظمة القيادة وحسن تدبيرها وحكمتها. فإننا إذا قلنا: بأن المعجزة هي العامل الحقيقي والمؤثّر في حدوث هذا التغيير، فإننا بذلك سوف نجرّد الإمام المهدي عن أَيَّة صلاحية لقيادة الأَرض. باعتبار أنّهُ سيكون مجرد الأَداة التي يتحقّق بها هذا الوعد. وهذا قول خطير ومخالف للتخطيط الإلهي، لأَن الأَمر لو كان كذلك فلماذا لم يتحقق لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ثم لماذا يحتاج الإمام كلّ هذا الوقت للانتظار؟ ولكن للأمر وجه آخر، وهو أَن عظمة هذا الدور العالمي والتغيير الهائل الذي سيحدثهُ الإمام يدلّ بوضوح على عظمة وحكمة وتدبير القائد العظيم الذي سيحكم البسيطة برمتها وينفّذ الغرض الالهي الأَقصى فيها.
من ذلك نستنتج أَن للإمام المهدي عليه السلام خصائص ومميزات خاصة به تؤهّله للقيام بهذا الدور القيادي العظيم. إلا أَن قولنا هذا لا ينافي القول بوجود المعجزة في طريق تحقيق الوعد الالهي، ولكن نقول أن المعجزة ستدخل ضمن إطار ضمانات الإنتصار بمقدار الضرورة والحاجة، كالصيحة مثلاً، فهي إحدى المعجزات التي ستحدث لضرورة الحاجة إلى وجود دليل حقيقي وملموس يصل إلى كلّ البشر ليثبت للناس على أن المهدي الموعود قد ظهر.
وإذا أردنا أن نعرف أهم مميزات الإمام:
عمر الإمام: إن ظهور الامام وهو شاب لهُ دلالة كبيرة على أن العمر الذي يستطيع أن يوفّيه الشاب في الحياة يكون طويلاً، ومن هنا يكون مستقبله منفتحاً والأمل فيه عريضاً. على خلاف لو عاد الإمام متقدّماً في السن، لأن الأمل فيه سيكون قصيراً، يقول الإمام الصادق عليه السلام:
(لو قد قام القائم لأنكرهُ الناس، لأنهُ يرجع إليهم شابّاً موفّقاً) غيبة النعماني: ٩٩
وقال الامام الباقر عليه السلام:
(ليس صاحب هذا الامر من جاز الاربعين، صاحب هذا الأمر القويّ المشمّر) غيبة النعماني: ٢٥٨
٢ ـ صفات الامام الجسمية: تدل الروايات على أن الإمام يتمتع بأكمل الصفات الجسمية والخلقية، وقد توسّعت في وصف الإمام وصفاً دقيقاً يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(المهدي رجل من ولدي، وجهه كالكوكب الدري ) الكنجي: ص ٥٤
ومعظم هذه الروايات يشير إلى معنى معين وهو قوة الإمام الجسدية، يقول الامام الرضا في جوابه للريّان بن الصلت حين قال لهُ: أنت صاحب هذا الأمر؟ فأجابه الإمام عليه السلام:
(أنا صاحب هذا الامر، ولكن لست بالذي أملؤها عدلاً كما مُلئت جوراً. وكيف أكون كذلك على ما ترى من ضعف بدني؟! وإن القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ ومنظر الشبان، قوياً في بدنه، حتى لو مدّ يده إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين الجبال لتدكدكت صخُورها) إعلام الورى للطبرسي: ٣٠٧
وروي أنهُ جاء رجل إلى أمير المؤمنين فقال لهُ: يا أَمير المؤمنين نبئنا بمهديكم هذا. فقال عليه السلام:
(إذا درج الدراجون وقلّ المؤمنون ... إلى أن يقول: لا يجبن إذا المنايا هلعت، ولا يخور إذا المنون اكتنفت، ولا ينكل إذا الكماة اصطرعت، مشمر معلولب، ظفر ضرغامة، حصد مخدش ذكر، سيف من سيوف الله، راس قثم، نشؤ راسه في باذخ السؤود، وغارز مجده في أكرم المحتد... إلى أن قال: أوسعكم كهفاً، وأكثركم علماً، وأوصلكم رحماً. النعماني/ ١١٣
وكل هذه الصفات تشير بوضوح إلى قوة الامام الجسدية الفائقة التي تصب في مصبّ واحد وهي شجاعتهُ العظيمة، ويظهر هذا واضحاً في قول الامام ظفر ضرغامة أي أنهُ (اسد منتصر غالب). أي أن شجاعته عامل مهم في تحقيق الإنتصار.
تبقى لدينا خصيصتين تمكّن المصلح العالمي من التطبيق السريع للعدل الكامل في العالم، وهي أيضاً منبثقة من شخص الإمام، وهي:
١ـ خصيصة العصمة: التي تمثل درجة عالية جـداً وضرورية التأثير من الاخلاص والايمــان وتقديم مصالح الصف الأعلى الإلهي على كل مصلحة. وبالتالي فهي تقتضي فعل كل ما هو مشروع ومطلوب في الشرع الإلهي، وترك كل ما هو غير مشروع منه.
٢ـ الخصيصة الثانية: أنهُ متى ما أراد أن يعلم شيئاً أعلمه الله تعالى إياه، وهذه الخصيصة تعتبر من أعظم شرائط القيادة العالمية التي تكون بدونها متعذرة تماماً، فالقيادة العالمية تتوقف على خبرة واسعة جداً، وهذه الخبرة يتعذر الحصول عليها بأي تنظيم بشري أو أي جهاز الكتروني، وخاصة إذا كان المطلوب هو تطبيق العدل المطلق وضمان إستمراره، ثم إنهُ لابد منه التساوق بين قابليات الفرد ومهامه،لا يختلف في ذلك الأنبياء على الأولياء. لذا فيتعيّن وجود هذهِ الصفة للمهدي عليه السلام وهي أنهُ متى ما أراد أن يعلم أعلمه الله تعالى، كما دلّت عليه الروايات.
ولعلّ هذه الرواية توضّح المعنى أكثر فأكثر.
روي عن إبن الجارود أنه قال: قلت لأبي جعفر: جُعلت فداك، أخبرني عن صاحب هذا الأمر، قال:
(يمسي من أخوف الناس ويصبح من آمن الناس، يوحى إليه هذا الأَمر ليلهُ ونهاره. قال: قلت: يوحى إليه يا أبا جعفر؟ قال: يا أبا الجارود إنهُ ليس وحي نبوّة ولكنهُ يوحى إليه كوحيه إلى مريم بنت عمران، وإلى أُم موسى وإلى النحل. يا أبا الجارود، إن قائم آل محمد لأكرم عند الله من مريم بنت عمران وأم موسى والنحل.