الإمام المهدي عليه السلام
بين ثقافة اليأس وثقافة الانتظار
الأستاذ: محمد العرادي/ المنامة ـ البحرين
يعرف علماء الاجتماع الثقافة البشرية، بأنها سلوك تعلمي يكتسبه الأَفراد كأعضاء في جماعات تعيش في مجتمع واحد،والمعروف عن الثقافة أنها كل معتقد يشتمل على المعرفة والفـن والخـلق والقانون والعادات الاجتماعية، ويتطبع الفرد بما اكتسبه من كل ذلك ليعـيش ثقافة وفق درجة المقاييس التي تضمنتها الثقافة كموروث حضاري يتوارثه الجيل بعد الجيل، وهذا يعني أن للثقافة مصادر وجذوراً، ومتى كانت جذورها قوية فإنها تلقي بانعكاساتها القوية على الأجيال الوارثة لتلك الثقافة، وإذا سلّمنا بالقاعدة القائلة بأن الثقافة مكتسبة، وأنّ أصل اكتسابها البشر، فالنتيجة وفق هذا القانون أنه ليس هناك ثقافة لا تحتمل الخطأ والصواب،فليس بمقدورنا الحكم بالصواب والخطأ بمجرد إعجابنا بهذه الثقافة أو تلك، فمصدرها الإنسان وهو محكوم فيما يقوم به بالخطأ والصواب، إذاً ما هي الثقافة التي لا يشوبها الخطأ وما مصدرها ؟؟ لا اعتقد أن هناك اختلافاً حول عصمة الثقافة الإسلامية التي مصدرها الله سبحانه وتعالى، لتكون هي الثقافة المهيمنة على كل الثقافات الزائفة، فهي الثقافة التي تضمنت المواثيق والقوانين التي تنظم حياة الإنسان على هذه البسيطة منذ أن خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد اكتملت معالم هذه الثقافة بخاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم، والذي امتثل لأمر الله سبحانه وتعالى في تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام ليكمل اللمسات الأخيرة للثقافة الإسلامية هو ووُلده صلوات الله عليهم أجمعين، ولا تعتبر الثقافة الإسلامية صحيحة ما لم ترتبط بشيئين لا ثالث لهما،هما كتاب الله والعترة الطاهرة (إنّي مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي) لا ما نشاهده من ثقافات تدّعي الإسلام وهي بعيدة كل البعد عن هذين الشرطين،ومن ثقافة الإسلام ـ بل من أصول الإسلام ـ الإمامة، والإمامة تبدأ بعلي عليه السلام لتكتمل عند الإمام الثاني عشر عليه صلوات الله، الإمام المهدي عليه السلام ، ومصدر ثقافتنا هو الكتاب والرسول وحاملي علم الرسول العترة الطاهرة، وقد حدّد لنا الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم الخط الذي نسير عليه، محدداً من هم الأئمة ومن هو الإمام المنتظر الذي أمرنا بإنتظاره ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً...
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم <إن علي بن أبي طالب إمام أمتي، وخليفتي عليهم بعدي، ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الله عزّ وجل به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بالحق بشيراً إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر> فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله وللقائم من ولدك غيبة؟ فقال: <إي وربي وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين . يا جابر إن هذا الأمر من أمر الله وسر من سر الله مطوي عن عباده، فإياك والشك فيه فإن الشك في أمر الله كفر>.
والمتأمل في الحديث الشريف يلحظ مدى الدقة في تكوين ثقافة الانتظار وفلسفتها، فالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم أشار للإمام بصفة المنتظر الذي ينتظره من يريد الخلاص من الظالمين والفسقة والنواصب المجرمين ليشير بعد ذلك لفائدة ذلك الانتظار بأن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر، أما لماذا اختار صلوات الله عليه وآله الكبريت الأحمر فلأنّه ـ يطلق على الكيمياء وعلى الياقوت الأحمر وعلى الذهب وهو شيء عزيز الوجود، فيراد أن المؤمن يكون في ذلك الزمان أعز من الكيمياء ومن الياقوت الأحمر والذهب، والرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى، وعندما أشار لكلمة <الثابتين> كان يريد ان يعطي إشارة بان مقابل ذلك الثبات يأس ويصل لحد القنوط والعياذ بالله، ولكن حسب الروايات فإن هناك فريقين يخيم عليهما اليأس، فهناك من يصيبهم اليأس من ظهوره عليه السلام ولكنهم لا يصدرون أحكاماً مسبقة على غيبة الإمام وإنما يصيبهم في داخلهم بعض الشكوك، وهذا ما أشار إليه الإمام أبو عبد الله عليه السلام عندما قال <قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم <كيف أنتم إذا استيأستم من المهدي فيطّلع عليكم مثل قرن الشمس يفرح به أهل السماء والأرض> والقسم الثاني أشار أبو عبد الله عليه السلام لهم حين ذكر القائم عليه السلام عنده فقال (أنّى يكون ولم يستدر الفلك حتى يقال مات أو هلك في أي واد سلك) وهذا يدل على ترسخ ثقافة اليأس في هؤلاء الفئة بحيث راحوا يصدرون الأحكام بأن الإمام المهدي صلوات الله عليه مات أو هلك متناسين الثقافة الموروثة من الرسول الأعظم بأنه منتظر ينتظره قويّو الإيمان طافحون بثقافة الانتظار لا ضعيفو الإيمان طافحون بثقافة اليأس.