أطياف الحكاية
مولد الإمام المهدي عليه السلام
الاستاذة عقيلة آل حريز/ كاتبة وصحفية وأديبة سعودية(١)
وقفت شياطين البشر تقهقه ثملة بانتصاراتها المصبوغة بدماء الأبرياء بعد أن استحوذوا على كل الأمور، وأطلقوا العنان لجنون أنفسهم وأعطوها حق سجن الحريات وانتهاك الكرامات.
وكانت الأجيال المتعاقبة تتوارث قصص الخوف وتنسج من حقائقها حكايات أشبه ما تكون بالأساطير، فالظلم الموحش هو الذي كان سائداً في المجتمع حين هـجرته العدالة منــذ زمن .. وكان ليل الناس حالكاً يرتجف بالآهات والألم، أمـا النهار فهو يحمل أصداء الخوف الحادة وسط رعب قسري فُرض عليهم خلا من حق إبداء حرية التعبير عن الرأي والانتماء أو الحب والولاء لآل البيت عليهم السلام. وهكذا عاش الناس وسط نظام قاسٍ من التسلط المجحف أنين متواصل .. سجون .. قتل... تعذيب .. عنف وتكبيل وتغييب تحت الأرض وألوان من الإساءات الإنسانية المجحفة تمس كرامة الإنسان فما بالك لو كان مسلماً !
لكن على الرغم من كل هذا ، كانت النفوس تترقب فيض شعاع يبحث عن أمل لعدالة قد تكون غائبة لفترة ما ، و مع الإيمان الذي سكنهم والحب الطاهر الذي امتزج بأرواحهم وجعلهم يحتملون كل ما وقع عليهم فقد بدا أن كل شيء ينبئ بظهور أمل جديد وُعدوا به.
ما تزال عيناه معلّقتين بالسماء... لقد كان يترقب حدثا هاماً ، وها قد قارب شهر شعبان على الانتصاف، وفيه تحفل الليالي والأيام بالعبادة وبالذكر والصلاة والقيام..
طلب إليها ـ عمته ـ البقاء فهو يترقب حدثاً هاماً سيحدث الليلة .. كان يبدو عليه الاستبشار وقد امتد به الشوق إلى حصول الفرج الذي بات وشيكاً بالظهور متحدياً لكل أشكال الظلم المعلنة، فقد فزعت القلوب من الاتّهامات، وضجّت النفوس من ألوان القمع والتنكيل وجلد السياط وحزّ الرؤوس والتغييب تحت الأرض .. وكان وجهه المترقّب ينبض بمشاعر اليقين هذه الليلة..
تسأله السيدة <حكيمة> ـ عمته ـ عن الأمر، فيستقبلها بابتسامة فرح عريضة تعكس يقينه إنه يترقب من <نرجس> ولادة.
تأملتها هي طويلاً .. حاولت طرد الحيرة من نفسها إذ لا أثر لما يقول !!، تجمعت التساؤلات في صدرها وعادت تعرضها عليه لكنه طمأنها أخيراً.
سيأتي يا عمة .. فكوني على يقين ..
هو نور يُهتدى به.. هو سفينة النجاة وعين الحياة .. هو الموعود بالنصر وظهور الأمر .. هو من يُنتظر ظهوره وظهور الحق على يديه، وهو الموسوم بالفرج، هو الحجة المهدي عجل الله له فرجه .. وهو المالئ لها عدلاً وقسطاً بعد أن امتلأت جوراً وظلماً .. هو من بشّرت به السماء ـ يا عمة ـ والأنبياء والرسل، وبه تحصل معجزة الاستتار فيغيب عن الأنظار حتى يأذن الله بظهوره.. سيأتي قارئاً للقرآن ناطقاً بالإيمان والشهادة، سيأتي ساجداً داعياً لله، خاضعاً حامداً له، شاكراً لفضله، فلا تفزعي.
نعم، وُلد الإمام في جو من الكتمان والخفاء ، وفي وقت السحر من ليلة النصف من شعبان، قُبيل الفجر بلحظات وفي بيت أبيه <الإمام العسكري عليه السلام> الذي كان عامراً بالذكر والصلاة وتلاوة القرآن، وفي شهر له شأن ومنزلة خاصة عند الله فيه غفران ورحمة وفيه نور وكرامة كما فيه فوز بالأمان.
ولدَ حين كانت شياطين بنّي العباس يغطّون في نومهم الآثم وينسجون من أحلامهم فصولاً جديدة لأيام مضمّخة بدماء الأحرار.
نعم.. وُلد الإمام واحتفلت الكائنات بولادته المباركة، وأشرقت على الدنيا شمس ولايته التي لن تغيب.. وعاد الأمل يرفرف من جديد ويزفّ أطياف الفرح في قلوب المحبّين .. ولد الإمام بالرغم من تعدد الأقاويل في شأنه، فمنهم من قال لم يولد، ومنهم قال سيولد آخر الزمان، ومنهم من صدّق به وتيقّن وآمن.. وهكذا كانت درجات الإيمان هي التي وزّعت الأدوار بين الناس فغابت أطياف الحكاية إلا عند أصحاب اليقين.
الهوامش:
ـــــــــــــــــــــ
(١) عقيلة آل حريز: كاتبة وصحفية وأديبة سعودية. حصلت على شهادة (البكلوريوس) في علم الاجتماع من جامعة الملك سعود، وشهادة الدبلوم ـ دراسات عليا ـ في التربية من جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة المنورة، محررة بجريدتي اليوم والرياض ومشاركة في بعض الصحف والمجلات والشبكات المحلية، نشرت الكثير من المقالات الثقافية والاجتماعية والقصصية في المواقع والصحف المحلية، لها مجموعة اصدارات قصصية وثقافية منها:
١ ـ (لا تمدنّ عينيك): مجموعة قصصية اجتماعية.
٢ ـ (الروشن): مجموعة قصصية:
٣ ـ (من كربلاء ح٠روف وليست كلمات): كتاب ثقافي أدبي.
٤ ـ (حجاج هذا العام): مشاهد تمثيلية.
٥ ـ مجموعة مشاركات متنوعة.
٦ ـ رواية اجتماعية (مخطوطة).
٧ ـ مجموعة قصصية أخرى.