الإمام المهدي عليه السلام نور في الشعر العربي
للمرحوم محمد عباس الدراجي
عرض/ احمد رضا المؤمن
الكتاب:
يُعتبر هذا الكتاب (الإمام المهدي عليه السلام.. نور في الشعر العربي)، من أهم الدراسات والبحوث التي تناولت القضية المهدوية أدبياً، وزادت على ذلك بأن صنفت القضية المهدوية الشريفة تصنيفاً وتبويباً شاملاً.
وبعد أن يُقدّم ـ المؤلف ـ مقدمته التي يبحث فيها بشيء من التفصيل القضية المهدوية والتركيز بالاستدلال على أن هذه القضية الشريفة هي غير مُختصة بالمُسلمين الشيعة، يُشير إلى نقطة أدبية مُهمة بقوله: (.. وإن المُتفحص لجوانب الشعر يرى أن هناك دعامتين رئيسيتين يقوم عليهما الشعر الإسلامي وخاصة في العراق وهما: ملحمة الطف واستنهاض الإمام الحجة عليه السلام، وقد تبلور الابداع والتألق في هاتين المحطتين المُهمتين من تأريخ الإسلام).
ويذكر المؤلف بأنه يعتزم إنجاز الجزء الثاني (ولم يتم بسبب وفاته) من هذا الكتاب ويختص بالنصوص غير العربية، ليكون الكتاب مُحيطاً إحاطة كاملة بما كُتب شعراً عن الإمام المهدي عليه السلام.
فصول الكتاب:
ثم يبدأ المؤلف بتبويب الكتاب حسب ما يُناسب البحث وتصنيفه إلى فصول هي:
الفصل الأول: (مُساجلات شعرية بين العُلماء):
يسجّل المؤلف في هذا الفصل القصائد التي كتبها الشعراء المؤمنون بالقضية المهدوية والتي حاولوا من خلالها إثبات هذه القضية عقلياً ونقلياً، ويذكُر في بداية الفصل قصّة أحد عُلماء بغداد المعروف بـ (أبو الثناء الآلوسي) الذي نظم قصيدة فيها أنفاس السّخرية والشك بالإمام وغيبته، يقول في مطلعها:
أيا عُلماء العصر يا من لهُم خبرُ بكُلّ دقيق حار مِن دونه الفكرُ
لقد حار مني الفِكر بالقائم الذي تنازع فيه الناسُ واشتبه الأمرُ
وقد بعث بالقصيدة إلى عُلماء النجف الأشرف، فكانت الردود مُعلّقات رائعة تفجّرت في خيال وضمائر عُلمائنا الأعلام، وتضوّعت منها أنسامُ الولاء الصادق للإمام المُنتظر وعبير اليقين بولايته وظهوره، فأصبح بذلك هذا الفصل عبارة عن مُحاكمة أدبية نزيهة لمنطق التذبذب والشك بفكرة الإمام المهدي عليه السلام.
الفصل الثاني: (الاستنهاض في عيون الشعراء):
في هذا الفصل الذي يُمثل عنوانه أرقى ما وصل إليه الاعتقاد بفكرة الإمام المهدي عليه السلام، يُسجّل المؤلف أروع ما نظمه الشعراء والأدباء من عُشاق هذا الإمام عليه السلام في الاستنجاد به واستنهاضه لدحر الباطل وهزيمة قوى الظلم والظلام وكشف الظلم والتعسف الذي نالته الجماهير من قبل قوى الجبروت والإستكبار العالمي على القرون السالفة.
ويُشير المؤلف إلى أنّه بعد غيبة الإمام الكبرى فإن الشعراء (وهم الأجهزة الإعلامية النشطة في تلك الأزمان) قد عبّروا باستنهاضاتهم ومُناجاتهم لصاحب الأمر عن مدى غضبة تلك الجماهير المستضعفة التي ترى فرج ظهور المهدي خلاصاً لها من الظلم وقيود الطغيان.
الفصل الثالث: (شخصية الإمام عليه السلام في ضمير الشعراء):
الشعراء الذين آمنوا بفكرة الإمام المهدي عليه السلام واستوعبوا مضامينها المستقبلية استطاعوا أن يصوّروا شخصية الإمام المنتظر عليه السلام في خيالهم لما ورد عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام من وصف دقيق لشخصية الحجة المنتظر عليه السلام ومهامه القيادية ودوره الطليعي في تغيير خارطة العالم والقضاء الكامل على ألوان الفساد والطغيان.
وتشبّع أفكار الشعراء الرساليين بأوصاف الإمام وهيبة شخصيته الشريفة جعلهم يتغنّون بتلذذ خاص وسحر فريد بهذه الشخصية المنقذة والطلعة القدسية التي تنتظرها الملايين من المسلمين، وقد صوّر الشعراء ـ كلّ من نافذته ورؤاه ـ شخصية الإمام عليه السلام وتلهّف الجماهير لنهضته المباركة.
والكثير من الشعراء استطاعوا بمهارة صياغتهم الشعرية وإبداعهم العروضي أن يصفوا ظهور الإمام عليه السلام ويشبعونها خيالاً وصوراً ليزيدوها يقيناً في ضمير المؤمنين، وبذلك استطاع الشعر الرسالي الملتزم أن يساهم في إحياء ذكرى الإمام عليه السلام وتأدية رسالته في نشر راية العدل وكلمة لا إله إلاّ الله.
الفصل الرابع: (الهروب من الظلام والإلتجاء الى النور):
اختار المؤلف عنوان هذا الفصل كناية عن الشكوى والإفصاح عن الظلم والتعسّف الذي تجرّعته الأمة الإسلامية على مر العصور من جراء سياسات الأنظمة الوضعية المنحرفة عن رسالة القرآن والذي ورد على لسان الشعراء.
وقد انتهز كُل الشُعراء الذين كتبوا للإمام عليه السلام هذه الفرصة ليُعبّروا عن جروحهم العميقة من الوضع المزري الذي تعيشه الأمة، ونظروا لظهور الإمام عليه السلام كأملٍ مُنقذ للجماهير المظلومة.
وقد اختلفت الشكوى من شاعر الى آخر، كُل يُعالجها من نافذته الخاصة، فالبعض تذكّر مآسي كربلاء وفاجعتها الكبرى واستعملها كرمز للتعبير عن مُعاناته وآلامه، وخاطب الإمام عليه السلام بالنهوض لأخذ ثأر جده سيد الشهداء عليه السلام، والبعض الآخر أبرز الوضع المأساوي الذي تعيشه الأمة الإسلامية حيث لا تطبيق للشريعة الإسلامية السمحاء ولا استرشاد بوصايا الرسول القائد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام.
والهروب من الظلام والإرتماء في أحضان النور هو تجسيد حي للإيمان المطلق بظهور هذا المنقذ الإلهي من خلف جراحات المسلمين وعذاباتهم، والمتوهّج ألقه في معترك ظلام الإرهاب والتسلط والعبودية التي تعيشها البشرية في الوقت الحاضر والتي تتجسد صورها في التنكيل المستمر بدُعاة الإصلاح وحملة مشاعل النور في غياهب الظلام، حيث استفحال كل قوى الشر لطمس هذا الدين الحنيف والإنحراف عن تطبيق رسالته المقدسة.
الفصل الخامس: (النور في ملحمة أهل البيت عليهم السلام):
في هذا الفصل الأخير يستعرض المرحوم الدراجي مؤلف الكتاب ملحمة شعرية مهمة نظمها وألفها الشاعر الجليل العلامة الراحل الشيخ عبد المنعم الفرطوسي لتضع في طريق الشعر العربي تأريخاً صادقاً وتوثيقاً تأريخياً للأحداث الإسلامية المهمة، ولتقطع الطريق أمام شهوات المؤرخين الخاضعين لسلطة السيف وجبروته وبريق المال وإغرائه. وفي هذه الملحمة (ملحمة أهل البيت عليهم السلام) يستعرض الشاعر الفرطوسي حياة أهل البيت عليهم السلام بصورة شاملة، موضّحاً إشراقات حياتهم وتأثيرهم الفعال في حركة المجتمع الإسلامي، ويبيّن رحمه الله الظلم الذي تعرضت له عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطاهرة.
وعندما يصل بملحمته إلى الإمام المُنتظر عليه السلام فإنه يُفرد له ٩٥ صفحة ازدحمت شعراً وتوضيحات وافية لظهوره ودوره القيادي التأريخي في إنقاذ الأمة، وقد قسم الشاعر الفرطوسي هذا الجانب الخاص بالإمام الحجة عليه السلام إلى أقسام عديدة أوردها المؤلف الدراجي كما هي في هذا الفصل.
مؤلف الكتاب:
الشاعر الأديب والإعلامي والباحث مُحمد عباس الدراجي يُعتبر من روّاد الحركة الفكرية والأدبية والصحفية والإعلامية في النجف الأشرف خصوصاً وفي العراق عموماً، وُلد في النجف الاشرف في ١٥/ شعبان/ ١٣٧٠ هـ ١٩٥٠م.
في الثامنة من عمره بدأ يحفظ وينشد القصائد الطويلة وخصوصاً في حب أهل البيت عليهم السلام، ثم بدأ بكتابة الشعر في الخامسة عشر من عمره، وتنبأ له العلامة المرحوم الشاعر الشيخ عبد المنعم الفرطوسي والعلامة الشاعر المرحوم السيد مصطفى جمال الدين بمُستقبل شعري وأدبي لامع.
نُشرت له أول قصيدة بعنوان (نغمات حُب حائرة) سنة ١٣٨٧ هـ ١٩٦٧م في مجلة (رسالة المعلم) التي تصدر في كربلاء المقدسة وتخرج عام ١٩٦٨م ليُعيّن مُعلماً، ونُسّب بعدها مشرفاً للشؤون الأدبية في مديرية النشاط المدرسي.
في عام ١٣٩٥هـ ١٩٧٥م دخل عالم الصحافة حيث انتقل إلى بغداد وكتب قصائده ومواضيعه الصحفية في صحف ومجلات عراقية عديدة وكذلك بعض المجلات العربية مثل القافلة والفيصل والعربي وكُل العرب.
دخل عالم التأليف سنة ١٩٧٧م عندما أنجز كتابه المخطوط الأول (الطفل.. في رحاب الشعر العربي)، وفي سنة ١٩٧٨م طبع له في بيروت كتابه الأول (الإشعاع القرآني في الشعر العربي) والذي قدم له العلاّمة الدكتور حسين علي محفوظ.
شاعرنا المرحوم عضو إتحاد الأدباء العرب وعضو مؤسس لاتحاد أدباء العراق في النجف وعضو ندوة الأدب المعاصر سنة ١٩٧٣م وعضو نقابة الصحفيين العراقيين وعضو اتّحاد المؤلّفين والكتّاب وعضو جمعية الناشرين العراقيين.
وبتأريخ ١٥/ شعبان/ ١٤١٣هـ الموافق ٧/ شباط/ ١٩٩٣م أنجز مشروعه التأريخي الكبير وهو تأسيس مكتبة ومؤسسة أهل البيت عليهم السلام العامة في النجف الأشرف والتي أصبحت فيما بعد مركزاً ثقافياً شامخاً ومُنتدى أدبياً لامعاً تخرّج منه العديد من الأدباء والكُتّاب والشعراء والإعلاميين في يومنا هذا.
من كتبه المطبوعة:
الإشعاع القرآني في الشعر العربي (بيروت ـ ١٩٧٨م).
القصائد الخالدات في حُب أهل البيت عليهم السلام (بغداد ـ ١٩٨٨م).
صحافة النجف.. تأريخ وإبداع (بغداد ـ ١٩٨٩م).
نور من دعاء كُميل (بغداد ـ ١٩٩٠م).
الإمام المهدي عليه السلام.. نور في الشعر العربي (النجف ـ ١٩٩٩م).
سلسلة شخصيات مُضيئة ـ أربعة عشر شخصية مُضيئة في التأريخ الإسلامي (الكويت ـ ١٩٩٠م).
غزل الفقهاء (بيروت ـ ١٩٩٩م).
من كتبه المخطوطة:
الإمام علي عليه السلام والرياضيات.
الطفل في رحاب الشعر العربي.
أبو ذر الغفاري في ضمير الشعراء.
المختار الأنيس من التراث النفس.
ديوان ـ صلاة لأهل البيت عليهم السلام.
ملحمة <المُستضعفون في الأرض>.
وأخيراً فإن المرحوم الدراجي ختم أعماله وجهوده بإصدار مجلته (الكوثر) في النجف الأشرف سنة في آب ١٩٩٩م في ظروف صعبة كان العراقيون مُحاسبين فيها على أنفاسهم فضلاً عما يكتبونه هنا وهناك.
توفي في ٥/ شعبان/ ١٤٢٣هـ ١٢/ ١٠/ ٢٠٠٢م في حادث مروري مؤسف أثناء عودته من بغداد إلى النجف الأشرف، ودُفن في النجف بعد أن شُيع تشييعاً مهيباً حضره كبار الكُتاب والأدباء في النجف الأشرف.
ما قيل فيه:
كتب عنه العلامة الدكتور حسين علي محفوظ قائلاً: (... رأيتُ الدراجي أديباً مُهذّباً وطامحاً يجمع بين أدب الدرس وأدب النفس، وهو يخطو إلى مجد ومستقبل أدبي باهر يدل عليه كتابه الأول ـ الإشعاع القرآني في الشعر العربي ـ).
وقال فيه شيخ المؤرخين العراقيين السيد عبد الرزاق الحسني: (.. إن جُهد الأستاذ الدراجي يُعد كبيراً للغاية، وحقاً أقول إن كتاب صحافة النجف من أنفس الكُتب التي صدرت في هذا المجال وإن عمل صاحب هذا التأليف من الأعمال التي تُسجّل بمداد الفخر).
أما العلامة المؤرخ الجليل الشيخ باقر شريف القرشي فقد كتب فيه قائلاً: (.. إن الأستاذ الدراجي هو لولب الحركة الثقافية في النجف الأشرف ومن ألمع الأدباء الذين تصدوا لخدمة أهل البيت عليهم السلام).