خفاء الشخص لا انعدام الوجود
سماحة السيد محمد علي بحر العلوم/ باحث وأستاذ في الحوزة العلمية
نشرنا في العدد السابق من مجلة الإنتظار الحلقة الأولى من بحث العلامة السيد محمد علي بحر العلوم حول الإمام المهدي والمتعلق بأصل الاعتقاد بالإمام حيث أثبت الباحث أن الواجب على المؤمن الاعتقاد بأن الإمام المهدي عليه الســـلام هو الإمام الثاني عشر وهو آخر أئمة أهل البيت عليهم السلام وأنه ولد وكانت له غيبتان قصيرة، وطويلة تمتد حتى يظهره الله عز وجل ويملأ به الأرض قسطاً وعدلاً:
وفي هذه الحلقة من البحث يتطرق الباحث إلى الشبهات التي أثيرت حول غيبة الإمام وآثارها وما يجب على المكلفين فيها وما يؤديه الإمام في هذه الغيبة الطويلة وغيرها من الأمور المهمة...
هيئة التحرير
سوف نتناول في هذا البحث ما أثير من شبهات حول غيبة الامام عليه السلام وآثارها وما يجب على المكلفين فيها، وما يؤديه الامام في هذه الغيبة الطويلة وغيرها من الأمور المهمة التي قد تطرأ على فكر أي انسان يعمل فكره ويحاول ان يقوي اعتقاده من خلال إثارة التساؤلات، فإنا نصل الى هذه المرحلة من أبحاث الغيبة بعد أن نكون قد طوينا تلك الأبحاث المهمة التي تثبت ضرورة الامامة، وتثبت أحقية الأئمة الاثني عشر عليهم السلام، وتصل النوبة الى تشخيص الامام الثاني عشر وتعيينه بالاسم والنسب، ومن هنا تتحدد أول علائم الغيبة وأول مفهوم في الغيبة وهو انها غيبة الشخص لا انعدام الوجود، إن الهوية الخاصة التي تحدد فيها نسب الانسان وتاريخ ولادته قد تمت لدينا، وبالتالي تتحقق لدينا أول ركيزة من ركائز المعرفة التي تبتني عليها المسألة الاعتقادية، وهناك عدة من الشبهات حول الغيبة نستعرضها ضمن النقاط التالية:
أولاً: لماذا الغيبة، وما هو وجه الحكمة فيها؟.
فقد أثار البعض اشكال حول الغيبة، وانها وهم، وكيف يكون إماما وهو غائب وما فائدته، وان الشيعة أنفسهم قد اختلفوا في أسباب غيبته وذكروا في ذلك أسباباً متعددة، وهذا دليل على انهم حاولوا تأويل الأمر الذي لا وجود له ولكن تبريراً لمعتقداتهم... وبتعبير جامع قالوا بأن الغيبة تناقض ضرورة وجود الامام التي بنوا عليها أصل معتقدهم.
والجواب: ان حلّ مثل هذه الاشكالات يتم ببيان أمرين: احدهما: اننا حتى لو لم نتوصل الى وجه تام للحكمة من الغيبة أو لم نقتنع ـ فرضاً ـ بما ورد من الروايات فهل هذا يؤدي الى إبطال أصل الغيبة؟ بالتأكيد لا، حيث ان اختفاء سبب الغيبة ليس مستلزماً لانكار وقوعها، أو عدم وجود مصلحة فيها، لأن الغيبة قد ثبتت من خلال الأدلة القطعية السابقة، وبالتالي تكون من جملة الأمور الغيبية التي قد لا نتوصل الى حكمتها، ومن جملة السنن التي تقصر عقولنا عن ادراك فوائدها، ونجد بعض علماء الإمامية قد ذهبوا الى هذا الأمر فالشيخ الصدوق في اكمال الدين يقول: (إن ايماننا بعصمة الامام المهدي يقتضي منا التسليم بوجود حكمة وراء غيبته..).
وهذا الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء من متأخري علماء الإمامية:(١)
(السؤال عن الحكمة والمصلحة في بقائه مع غيبته، وهل وجوده مع عدم الانتفاع به إلا كعدمه؟. ولكن ليت شعري هل يريد أولئك القوم أن يصلوا الى جميع الحكم الربانية، والمصالح الإلهية، وأسرار التكوين والتشريع، ولا تزال جملة أحكام إلى اليوم مجهولة الحكمة، كتقبيل الحجر الأسود، مع أنه حجر لا يضر ولا ينفع، وفرض صلاة المغرب ثلاثا، والعشاء أربعا، والصبح اثنين، وهكذا الى كثير من أمثالها، وقد استأثر الله سبحانه بعلم جملة أشياء لم يطلع عليها ملكاً مقربا، ولا نبيا مرسلاً، كعلم الساعة وأخواته (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ)(٢) وأخفى جملة أمور لم يعلم على التحقيق وجه الحكمة في إخفائها، كالاسم الأعظم، وليلة القدر، وساعة الاستجابة. والغاية: أنه لا غرابة في أن يفعل سبحانه فعلاً أو يحكم حكما مجهول الحكمة لنا، إنما الكلام في وقوع ذلك وتحقيقه، فإذا صح إخبار النبي وأوصايائه المعصومين عليهم السلام لم يكن بد من التسليم والاذعان، ولا يلزمنا البحث عن حكمته وسببه... والأخبار في (المهدي) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الفريقين مستفيضة، ونحن وإن اعترفنا بجهل الحكمة، وعدم الوصول إلى حاق المصلحة،ولكن كان قد سألنا نفس هذا السؤال بعض عوام الشيعة، فذكرنا عدة وجوه تصلح للتعليل، ولكن لا على البت، فإن المقام أدق وأغمض من ذلك، ولعل هناك أموراً تسعها الصدور، ولا تسعها السطور، وتقوم بها المعرفة، ولا تأتي عليه الصفة. والقول الفصل: إنه إذا قامت البراهين في مباحث الإمامة على وجوب وجود الامام في كل عصر، وأن الأرض لا تخلو من حجة، وأن وجوده لطف، وتصرفه لطف آخر، فالسؤال عن الحكمة ساقط، والأدلة في محالها على ذلك متوفرة، وفي هذا القدر من الإشارة كفاية إن شاء الله).
وقد جاءت بعض الروايات بذلك فيروي الشيخ الصدوق عن عبد الله بن فضل الهاشمي قال: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول: إن لصاحب هذا الأمر غيبة لابد منها، يرتاب فيها كل مبطل، فقلت: ولم جعلت فداك؟ قال: لأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم، قلت: فما وجه الحكمة في غيبته؟ قال: وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة في غيبات من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره، إن وجه الحكمة في ذلك لا ينكشف إلا بعد ظهوره، كما لم ينكشف وجه الحكمة فيما أتاه الخضر عليه السلام من خرق السفينة وقتل الغلام، وإقامة الجدار لموسى عليه السلام إلا وقت افتراقهما، يا ابن الفضل، إن هذا الأمر أمر من الله تعالى وسر من سر الله، وغيب من غيب الله، ومتى علمنا أنه عز وجل حكيم صدقنا بأن أفعاله كلها حكمة، وإن وجهها غير منكشف،(٣) فإذن عدم عثورنا على حكمة تسليم الأمر الى الله عز وجل ليس فيه غضاضة حتى يلجأ البعض الى التشنيع على الامامية بذلك.
إلا انا من خلال الروايات يمكن الاشارة الى حكمة الغيبة. وما ذكر فيها من وجوه الحكمة.
أ ـ الخوف أو التحذر: ان الحاكم الظالم عندما يعرف بأنه سوف يكون هناك شخص زوال حكمه على يديه فإنه يسعى للقضاء عليه، وهذا ما نقله لنا القرآن عن قصة موسى وفرعون في أنه حاول القضاء على موسى منذ ولادته، وهذا يدل على أن ديدن الحكام الظلمة ذلك في كل عصر وزمان، بل هو ديدنهم مع كل مصلح حتى لو لم ينازعهم الحكم لأن وجود مثل هذا المصلح يقلقه ويزعزع حكمه لما ينشده المصلح من نشر الخير والفضيلة فنلاحظ تصدي حكام الجور لأئمة أهل البيت عليهم السلام طيلة مائتي عام لأن مجرد وجودهم يقلق حياتهم، بل مجرد دعوة الإمام الى الخير والصلاح تخالف مسيرة هذا الحاكم وتكشف زيفه وبطلان حكمه.
ومن هنا كان التعبير الوارد في الروايات بالخوف من القتل، وهو ليس خوفاً ناشئاً عن جبن وضعف، حاشى الامام ذلك.
يؤيدها ما ورد عن زرارة قال: إن للقائم غيبة قبل ظهوره، قلت: ولم؟ قال: يخاف القتل.(٤)
وفي رواية أخرى عن أبان عن الامام الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لابد للغلام من غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل).(٥)
فالخوف هذا ليس هو خوف جبن الا انه تحذر يلجأ اليه العقلاء، كما ان الرسول الأكرم فر عن قومه وغاب عنهم في الغار ولم يكن ذلك عن جبن، وتعبير موسى عليه السلام: (فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً).(٦)
وهنا قد ترد تساؤلات عدة حول السر في اختلاف طريقة الامام في حفظ نفسه عن بقية الأئمة الذين كانوا يستخدمون التقية في حفظ أنفسهم في كثير من الحالات، وقد يجاب عنها ان هذه التقية لم تنفع على طول الخط بل كانت تنتهي باستشهاد الامام عليه السلام كما رأينا في الأئمة السابقين عليهم السلام ، والتقية لا يمكن أن تستمر فترة طويلة ـ طيلة حياته الطويلة ـ كما ان التقية تمنعه من الاتصال بأتباعه، بينما الغيبة تمكنه من الاتصال باتباعه وأن يدير أمورهم بالكيفية التي يرتئيها.
ب ـ أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم.
فقد ورد في بعض الروايات تعليل غيبته (لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف)، وفي جوابه عليه السلام في التوقيع الصادر عنه الى محمد بن عثمان العمري: اما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عز وجل يقول: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) إنه لم يكن لأحد من آبائي عليهم السلام إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي).(٧)
والتاريخ ملئ كيف كان الأئمة يجبرون على أخذ البيعة منهم بالاكراه والقهر، فلأجل ان لايكون مأخوذا بالبيعة وإن كانت ظاهرية وجبرية لــــهم فينــقض عليــهم البــيعــة بقتالهم، ولنعم ما قال البعض ان المراد من بيعة الأئمة لطواغيت زمانهم ليس من باب الاعتراف بهم وبخلافتهم وإكسابها شرعية، بل هي بيعة على عدم الخروج عليهم وعدم الثورة ولذا نجد أن الامام الحسين عليه السلام لم يبايع حتى لا يلزم نفسه بذلك.
ج ـ الامتحان والتمحيص:
وامتحان اتباعه فيمن يثبت على هذه العقيدة ولا تتزلزل بطول المدة ففي احدى الروايات عن الحسن العسكري عليه السلام: (ان ابني هو القائم من بعدي وهو الذي تجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام بالتعمير والغيبة، حتى تقسو القلوب لطول الأمد، فلا يثبت على القول به إلا من كتب الله عز وجل في قلبه الايمان وأيده بروح منه).
وما رواه زرارة عن الامام الصادق عليه السلام: (إن المهدي منا، له غيبة قبل ان يقوم لأن الله عز وجل يحب ان يمتحن خلقه فعند ذلك يرتاب المبطلون)(٨) فالغرض امتحانهم والتعرف على مدى صبرهم وتمحيصهم حتى يثبت المؤمن الحقيقي.
ولا شك ان ما يعانيه المؤمنون من التشكيك بأنحائه المختلفة في وجود الامام المهدي عليه السلام كلما طال الزمان وابتعد الانسان عنه عليه السلام لهو أمر مشهود، فإن الامتحان الإلهي يكون واضحاً لتأكيد الايمان وبيان مدى تغلغل الاعتقاد في نفس الانسان المؤمن، ويشتد التمحيص أكثر فأكثر حتى يأتي آخر الزمان يكون القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار وفي بعض الروايات (لا والله حتى تمحصوا، لا والله حتى تغربلوا، ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد)(٩) راجع منتخب الأثر ٢: ٢٤٨.
وقد يتسائل عن كيفية غيبته في هذه الفترة فهناك نظريتان حول هذا الأمر:
الأولى: نظرية خفاء الشخص: أي ان شخصه مختلف لا يراه احد لكنه يرى الناس فهو مختف بجسمه، وقد يؤيده ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام عندما سئل عن القائم؟ قال: (لا يرى جسمه، ولا يسمى باسمه) وهذا الاحتجاب يكون بأمر إعجازي بحيث لا يراه الآخرون، نعم قد تكون هناك مصلحة في ظهوره بعض الأحيان لأغراض خاصة لبعض الأشخاص، ثم يحتجب فجأة فلايراه أحد بعد ذلك.
وهنا أيضاً أطلق البعض لخياله العنان حول قضية السرداب وأنه عليه السلام اختفى في السرداب مع ان السرداب ورد ذكره في قضية وحادثة واحدة وهي ان المعتضد أرسل جماعة للقبض على الإمام، وكان ان الامام نزل السرداب، وهو المكان الطبيعي الذي ينزل اليه من يريد الاختباء، فسمع الجند صوتاً يقرأ القرآن فوقفوا في باب السرداب، ولم يقتحموه وأرسلوا في طلب المدد، وفي هذه الاثناء استغل الامام الفرصة السانحة وخرج أمامهم من السرداب، ولم يلتفت قائد الجند الى خروجه وبعد فترة أمر جنده بالنزول للقبض عليه، فتعجبوا من ذلك، وقالوا له إن المهدي قد خرج منه، فقال لهم لماذا لم تقبضوا عليه، فقالوا له: إنا حسبنا إنك تراه.
ولا يمكن لهم أن يتحركوا من دون إذن قائدهم. فإذن ما يهولونه على الشيعة في مسألة السرداب أمر لا صحة له وأنه ليس باقيا بالسرداب، وما ثبت في الغيبة الصغرى من رؤية الآخرين له واجتماعه معهم دليل واضح على عدم بقائه بالسرداب.
الثانية: خفاء العنوان والهوية، بمعنى ان الناس يرون الامام بشخصه الا انهم لا يعرفونه، أي ان الامام يعيش بين الناس من دون ان يكونوا عارفين بأنه المهدي عليه السلام ، والسر في ذلك ان المهدي قد ولد ولم يطلع على ولادته ولم يره الا فئة محدودة جداً اطلعهم الامام الحسن العسكري عليه السلام على ولادته وأراهم إياه، وفي الغيبة الصغرى لم يكن يتصل الا من خلال سفرائه الأربعة وإن كان قد رآه عدد محدود من الأصحاب أيضاً كعلي بن مهزيار الأهوازي وغيره، وكان الامام المهدي عليه السلام يوصيهم بالكتمان والحذر، وقد انقرض هذا الجيل وقَلّ الذين شاهدوا الامام شيئاً فشيئاً حتى انقرضوا تماماً وجاء جيل آخر جاهل بشكله وسحنته، بحيث لو واجهوه لما عرفوه، وقد يشير الى هذا المعنى ان الامام عند ظهوره يقول الناس انهم كانوا قد رأوه، وهكذا ما ورد من الروايات انه يحضر الموسم ـ أي الحج ـ ويرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه.
وقد يضرب البعض مثالا على ذلك أخوة يوسف حيث يقول: (كان أخوة يوسف ذوي حصافة وعقل وأبناء نبي، وقد جاؤوا يوسف وتحدثوا وتبادلوا التجارة معه وكانوا أخوة له، ومع هذا لم يعرفوه حتى قام بنفسه في التعريف، وقال: انا يوسف وعرفوه بعد ذلك. فهل ينكر الناس المتحيرون ارادة الله تعالى لستر حجته عن الأنظار، فقد كان يوسف مالك مصر وكان البعد الفاصل بينه وبين أبيه مسير ثمانية عشر يوماً ولو كان الله تعالى مريداً لتعيين محل يوسف لأبيه لفعل، اذن كيف ينكرون ان الله فعل مع حجته كما فعل مع يوسف؟ فأي مانع هناك لأن يكون صاحب الأمر بين الجماهير ويمشي في أسواقهم ويضع قدميه على أبسطتهم وفي الوقت ذاته لا تعرفه الناس حتى يأذن الله له فيعرف نفسه كما اذن ليوسف)(١٠) بعد حين.
ثانياً: طول العمر وامتداد الغيبة مئات السنين بل قد تكون آلاف السنين، هل هو أمر ممكن أم محال. وهذا الاشكال قد طرحه العديد من المستشكلين وقالوا بأنه من المحالات العادية وقياسه على عمر نوح ولقمان هو قياس على الأمور النادرة التي لا يجوز القياس عليها، اما قياسه على عمر الخضر والياس فإنه غير ثابت واذا ثبت فهما من زمان غير زماننا، وهذا يلحقهما بالملائكة ولا يجوز أخذ الأحكام منه حينئذ.
والجواب: ان هذا الاشكال لا يعدو الاستبعاد، إذ انهم لا ينكرون امكانية ذلك العقلية، والدراسات العلمية المتأخرة منذ عقد من الزمان تقر بإمكانه العلمي وإن كان امكانه العملي محل كلام، نعم يمكن افتراض امكان ان يسبق الامام المهدي عليه السلام العلم نفسه من خلال العلم الإلهي الذي يتيح له ذلك كما في حادثة الإسراء والمعراج حيث انه من الناحية العلمية أمكن تحقيق ذلك السفر الطويل بعد أجيال عدة. يقول العالم الألماني (وايزمن): (لا يمثل الموت لازما حتمياً للقوانين الطبيعية، وقد وجدت كل ألوان العمر في عالم الطبيعة بدأً من العمر الأبدي حتى عمر اللحظة الواحدة).
يمكن ان يقال بأن أجل الأفراد يخضع لمجموعة من العوامل الطبيعية (كالأكل والمرض والبيئة...) وهذه القوانين عوامل عامة ظاهرة يعرفها الكثيرون وقد اكتشفت من خلال الملاحظة والتجربة، نعم توجد بعض العوامل الطبيعية التي ليست ظاهرة للجميع حيث نلمس الاختلافات المتنوعة بين الأفراد في قوة البصر والتفاوت في قوة السمع، والقدرة على الحفظ والإبداع، ومجموعة من العوامل المعنوية التي يكون بها طول العمر (كالدعاء والصدقة كما تشير إليها بعض الروايات) ولما كان الامام بعلمه الإلهي مطلعا وواقفا على جميع تلك العوامل الطبيعية والمعنوية فإنه يستطيع توفيرها وتهيئتها وبالتالي يمكن ان يطول عمره، ولا تكون هناك معجزة بالنحو المتعارف، وقد نرى بعض الأشخاص في عالمنا الذي يستطيع ان يهيئ بيئة متوازنة ويأكل بنحو معتدل.... يصل عمره الى ما يزيد عن المائة. اما بقية الأئمة فإنما منع من طول عمرهم مع اطلاعهم على تلك العوامل مانع خارجي وهو حكام الجور المتسلطين على الرقاب، ولذا جاء (ما منا الا مقتول أو مسموم).
ان طول عمره الشريف اذا لم يتوفر الامكان العملي لا يمكن ان يتحقق الا من خلال الاعجاز، كما هو حال عمر المعمرين الذين كانوا قبله، وهو خلاف الحالة الطبيعية، ولا يقول احد انها من ضمن طبايع البشر، نعم تذكر الحالات السابقة عليه من عمر نوح والخضر والياس ونحوهم من باب ان ذلك الاعجاز الإلهي قد تحقق في تلكم الحالات، فلماذا لا يتحقق في حالة الامام المهدي عليه السلام ، خصوصاً أنه يراد منه ان يملأ الأرض قسطاً وعدلا وهذا له وقت خاص وظروف خاصة.
وقد ذكر العديد من الكتاب أسماء أشخاص عدة طالت أعمارهم عن الألف سنة، وذكروا العديد من الأبحاث الطبية التي تثبت صلاحية الخلايا الانسانية الرئيسة للبقاء اذا لم يعرض لها عارض التلف او مانع من البقاء، وهذه أمور يقررها الأطباء،على كل حال المسألة مسألة اعجازية وليست الأمور جارية على طبيعتها حتى نتمسك بهذه الأدلة، وكفتنا الأدلة المتقدمة لتدلل على وجوب بقائه وانه من سنة الله في هذا الكون من بقاء حجته غائباً طيلة هذه الفترة.
إذن القانون العلمي لا يمانع من طول العمر، والتجربة التاريخية على مر العصور والدهور تثبت امكانية طول العمر ـ وإن كانت مصاديقها قليلة ـ لكنه ليس بمستحيل، وحفظ المعمرين وأسمائهم دليل على الوقوع.
٣ ـ الآثار السلبية للغيبة:
ذهب البعض الى وجود عدد من الآثار السلبية للغيبة: منها اشاعة الخرافات والتنبؤات بالغيب، ومنها اشاعة القصص والخرافات التي خربت عقول المسلمين وعلقتها بالأوهام، واخبار المستقبل وصرفتها عن العناية بالحاضر، ومنها ظهور الكثير ممن ادعى المهدوية.
الجواب:
هل هذه الأمور هي نتيجة الاعتقاد بغيبة الامام المهدي عليه السلام أم انها بسبب سوء فهم الغيبة ومعناها ومغزاها، وان هؤلاء المغرضين هم الذين اشاعوا مثل هذه الاساطير والاراجيف، وان الدين الاسلامي حتى من دون الاعتقاد بالمهدي لم يسلم من مثل تلك الأمور، وكم من الأشخاص ادعى النبوة مع التصريح التام بأن النبوة قد ختمت بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وكم من الأوهام والخزعبلات منتشرة بين المسلمين الذين لم يؤمنوا بالمهدي، بل ان تعلق بعض هؤلاء بوجود أشخاص وهميين يلجأون اليهم في الشدائد، بينما نرى انا من خلال عقيدة الامام المهدي نلجأ الى شخص له حقيقة.
إن الأمر المهم الذي يجب أن يتضح بصورة واضحة لا لبس فيها، ان بقاء الامام المهدي عليه السلام واصرار مدرسة أهل البيت على ذلك انما هو النتيجة المنطقية للأدلة السابقة التي تقدم ذكرها، كما انه اشارة الى استمرار الاتصال الدائم بين الأرض والسماء، أي الاتصال بين عالم الغيب والشهادة من خلال الامام الغائب ووجود الحجة، فإن المهمة الأساسية التي يقوم بها الامام هو دوره في عالم التكوين والوجود من خلال بقاء ذلك الاتصال، وقد شاعت لدى اليهود (يد الله مغلولة) بمعنى ان الله عز وجل ترك عالم الخلق يسير كما يشاؤون ولا يتدخل في سيرهم ولا يعيق ارادتهم، وفي عهد مشركي مكة قالوا بضرورة توسيط آلهة صغار ليتم الاتصال مع الذات المقدسة اللا محدودة. والقول بانقطاع الامامة بعد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لهو قول قريب من قول اليهود الذين قالوا يد الله مغلولة، والقرآن عالج المشكلة مع مشركي مكة حيث خطأهم في نقطتين: احداهما ان الرابطة مع الغيب يجب أن تكون ذاتاً مستقلة صغيرة (إله صغير)، وثانيهما اختراعهم لتلك الوسيلة والواسطة من عند أنفسهم دون الله تعالى، فالقرآن في نفس الوقت الذي يؤكد على عدم انقطاع الاتصال بالغيب المطلق وان هناك وسيلة للاتصال بالعوالم العلوية وهي في حقيقتها محكومة لله عز وجل ولا تكون معبودة بل العبودية المطلقة لله عز وجل.
ومن هنا عندما نقول ان (من أراد الله بدأ بكم)، هذا يعني انهم بوابة الغيب وبوابة اللامحدود ولا يستطيع الانسان لمحدوديته التوصل الى ذلك الا من خلالهم، وهذا يقتضي وجودهم الدائم، وانكارهم يعني انكار الاتصال بعالم الغيب، وقد شاءت الارادة الإلهية ان يكون الاتصال بعالم الغيب وبالذات المقدسة من خلال الانبياء والرسل والأئمة، وقد ذكرنا مرارا بأنه ليس من المستحيل على العقل ان تكون النفوس البشرية كلها نفوس الانبياء والرسل والأئمة، أي ليس بممتنع لكن نظام الخليقة لم يكن قائماً على هذا الأساس (وهنا نشير ان كون الانسان نبياً او رسولا او اماما يحتاج الى أهلية خاصة وصفات خاصة، ولذا كانت عملية الاصطفاء لهذه النفوس واختيارها من بين الخلق وجعلها انبياء ورسلاً وأئمة، وليس اختيارا عشوائيا من دون صفات خاصة اتصف بها حتى استحق ان يكون مورداً للاتصال الإلهي) وعلى هذا نفهم ماذا كان يصيب النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم عند نزول الوحي، وكذلك نفهم ما ورد في تبليغ سورة براءة عندما أمر النبي ان تؤخذ الرسالة من أبي بكر، ويقوم الامام بتبليغها للناس، وورد في الحديث (ان جبرئيل نزل على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا محمد لا يؤدي عنك الا رجل منك) وهذا هو التبليغ الأول لسورة براءة ولم يكن القرآن ينزل الى الناس الا من خلال الرسول فليس لكل احد قابلية ان ينقل السورة في اول نزولها أي لم تكن بعد قد قرأت في عالم الدنيا ولم تخرج على اسماع الناس، فهذا المقام المهم لا يتسنى لأي أحد ان يؤديه، وهو مقام التبليغ الأول لسور القرآن عن الله عز وجل فهو مقام خاص بالرسول الأكرم او رجل منه وهو علي بن أبي طالب.
إن إنكار وجود الامام المهدي عليه السلام يعني اغلاق تلك البوابة والعودة الى يد (الله مغلولة)، وهذا هو الأمر الأساسي الذي تشير اليه الروايات من ان الأرض لا تخلو من حجة، وان الأرض سوف تموج بأهلها وتسيخ بهم اذا لم يكن الحجة وانه امان لأهل الأرض...
ولكن هؤلاء عز عليهم فهم سنة الله في خلقه وصعب عليهم ادراك كيف تعامل الامام مع الظروف والحوادث المختلفة وكيفية تسييره لدفة الأمور وقيادته لمسيرة البشرية، ونحن من باب التمثيل نستطيع استرجاع قصة الخضر عليه السلام لكي نرى كيف ان الخضر ذلك الشخص الذي زود بعلم لدني يمشي من دون ان يعرفه احد في هذه الأرض ويقوم بتدبير المجتمع وكفالة المحرومين، والحفاظ على عقيدة الناس.
فالغلام الصبي الذي قتله الخضر، لو قدر له ان يعيش لعاث في الأرض فسادا ولقتل سبعين نبيا أي لكان حجاجاً أو صداما آخر، فأراد الله ان يبدلهما خيرا منه فرزقه بنتا ولدت سبعين نبياً، والسفينة التي كانت لمساكين اراد ان يحفظها لهم فهل كان المساكين يعلمون ان الخضر قد حضر لمساعدتهم، والجدار الذي اقامه لمصلحة ايتام لأن اباهما كان صالحا، وفي كل ذلك يقول الخضر (وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) بل هو تدبير الهي تم من خلال الخضر، وهو ليس انسانا عاديا بل رجل ذو منزلة خاصة زود بالعلم اللدني كما تحدثنا الآيات بذلك (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) لذا لا ندري قد يعطف الله قلبه الحنون علينا فيشملنا بعطفه ورافته فيخرجنا من هذه المحن التي نعيشها في ايامنا هذه كما اخرجنا من محن عدة.
ان هذه الأعمال قام بها لأهداف خاصة، هل كان احد على علم بها، أعمال في الخفية قد تحدث في أي وقت الا انها كانت لأجل تحقيق مصالح معينة، والمهدي له موقعية أكبر من الخضر، وعندما نتوسل اليه ونقول ان لنا صاحبا نرجع اليه في الملمات فهل يعز عليه ان يمد لنا يد العون في بعض الشدائد عندما تكون المصلحة الإلهية تقتضي ذلك.
إن الغيبة قد قوبلت في الروايات مع الظهور، لا الحضور، وهذا يعني انها تكون بمعنى الخفاء اما اذا كانت قد قوبلت بالحضور فإن المعنى يكون هو النأي والابتعاد عن الساحة والتوقف عن العمل، وهذا اللبس هو الذي اضفى بمعانيه على مفهوم غيبة الامام الحجة عليه السلام ، فحاروا في فهمه ولم يقفوا على معناه، حيث انهم فهموا منها التوقف فقالوا ما الفائدة من غيبته، اما عندما يكون الخفاء فإنه لا يمنع من العمل وادارة شؤون البشرية بالكيفية التي يراها مناسبة.
وهنا أعود واكرر ما تقدمت الاشارة اليه قبل صفحات ان مفهوم الامامة غائب عن ساحة بقية المسلمين اذ انهم حصروا معناه بالقيادة السياسية وان الامام هو الرئيس المطاع وهو الحاكم الزمني، متناسين ان ابراهيم لم يتول الحكم، وان الله عز وجل لما وصفهم (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) لم يقل جعلناهم رؤساء وقادة سياسيين، بل هم أئمة هداية بأمر إلهي ملكوتي يقودون المجتمع البشري في مسيرته نحو الله ونحو الكمال المنشود، وهذه الهداية هي التي تعني الاتصال بين الأرض والسماء وهذا ما لا نجده الا في مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
وهل نبحث حينئذ عن فائدة أخرى أعظم من تلك الفائدة التي نرجوها من امامنا ومولانا، بل ان سورة القدر تنطق بهذا المعنى (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) والروايات تشير الى أنه حاججوهم بإنا أنزلناه، أي فليسألوا انفسهم ان هذا التنزل في ليلة القدر على من؟ ومن هو الذي في الأرض تتنزل عليه الملائكة؟ وماذا تحمل الملائكة في هذا التنزل؟ انه تنزل الملائكة على المهدي الامام الحي الباقي، اذ تتنزل على من له صلاحية رؤية جميع التقديرات الإلهية للبشرية جمعاء أي انهش واسطة في نزول تلك الفيوضات الربانية، فهي تتنزل من كل أمر ومن هنا كان عليه السلام هو صاحب الأمر، وهذا هو احد صور بقاء الاتصال بين الأرض والسماء.
وفي الرواية الصحيحة في زيارة الامام الحسين عليه السلام وهي الزيارة المطلقة الأولى، والتي ذكر بأنها صحيحة السند ويرويها جماعة منهم يونس بن عبد الرحمن، والمفضل الجعفي والحسين بن ثويب بن ابي فاختة (السلام عليك يا حجة الله وابن حجته... بكم يمحو الله ما يشاء وبكم يثبت وبكم يفك الذل من رقابنا وبكم يدرك الله ترة كل مؤمن، وبكم تنبت الأرض اشجارها، وبكم تخرج الاشجار ثمارها، وبكم تنزل السماء قطرها وبكم يكشف الله الكرب، وبكم ينزل الغيث، وبكم تسبح الأرض التي تحمل ابدانكم، وتستقر جبالها. ارادة الرب في مقاديره تهبط اليكم وتصدر من بيوتكم.
وهل يكون تسديد الشيعة غير هذا المعنى ففي التوقيع الصادر من الناحية المقدسة (إنا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزلت بكم اللأواء ـ الشدة ـ واصطلمكم الاعداء) فهو محافظ على الوجود الشيعي من الاندثار، وما بقاؤهم عبر عصور الظلم واشتداده إلا ببركة وجوده.
وأخيراً: نشير الى انه لا اشكال في ان الغيبة تعدم الاتصال المباشر والاستفادة المباشرة من الامام عليه السلام وفيها حرمان الانسان من ادراك حضور المربي الأكبر والحجة البالغة، لكن هذا لا يعني ذهاب آثار الهداية والتربية كليا، فلقد وقعت الغيبة في ظروف توفرت على الامكانات التالية:
أ ـ كتاب الله.
ب ـ سنة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.
ج ـ احاديث وأقوال وتعاليم الأئمة الاحد عشر.
د ـ السيرة العملية واسلوب حياة الأئمة طيلة ٢٥٠ سنة في ابعادها المختلفة من الالتزام والمسؤولية والتربية والاقدام والحماسة والايثار.
هـ ـ مرحلة ٧٠ عاما من الغيبة الصغرى ومجموعة التعاليم التي افاض بها الامام الغائب من خلال سفرائه.
و ـ وجود جمع من علماء وعظام الشيعة الذين مروا بمراحل تربوية وتعليمية في ظل مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، مع الواسطة القريبة جدا لمنبع هذه التعاليم.
ويذكر الشيخ مجتبى القزويني (لا يزال الامام في حال الغيبة ـ التي وقعت على أثر انحراف الناس انفسهم ـ وحينما تبتغيه الناس باخلاص سوف يصحر، وهو في نفس الوقت الذي يغيب فيه عن الانظار يقوم بـ:
١ ـ يقضي حوائج المتوجهين اليه والمتوسلين بمقامه.
٢ ـ يمد الطالبين في حل مشكلات علوم الدين، والوصول الى المعرفة.
٣ ـ تؤثر ارادته ودعاؤه في تحويل قلوب المتسلطين والمتنفذين.
٤ ـ حيث انه شاهد على أعمال الأمة، تنصرف الجماهير المؤمنة عن ارتكاب الحرام والمخالفة، وتسلك سبيل الصلاح والتقوى.
٥ ـ تعهد تربية وايصال النفوس المستعدة مراتب السلم في مسيرة التكامل الروحي، ويسعف السالكين على بصيرة ويحفظهم عن الوقوع في شراكة الادعياء والمشعبذين والمتلبسين برداء الدين . (١١)
الهوامش:
ــــــــــــــــــــــ
(١) أصل الشيعة وأصولها ـ الشيخ كاشف الغطاء: ص ٢٢٧.
(٢) لقمان: ٣٤.
(٣) منتخب الأثر ٢: ٢٦٥/ ٦٣٢، عن كمال الدين ٢: ٤٨١/ ٤٤.
(٤) منتخب الأثر ٢: ٢٦٦، عن الغيبة.
(٥) بحار الأنوار ٥٢: ٩٠، باب ٢٠/ ح١.
(٦) الشعراء: ٢١.
(٧) منتخب الأثر ٢: ٢٦٥/ ٦٣٢.
(٨) الكافي ١: ٣٣٧.
(٩) تاريخ الغيبة الكبرى: ٢٢.
(١٠) شمس المغرب ـ محمد رضا الحكيمي: ١٠١، أنظر في علامات الظهور: البحار ٥٢/ ٢٦٢ رواية سلمان عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، ٢١٧ رواية أنس بن مالك عن أمير المؤمنين عليه السلام في براثا، ٢٥٤ حديث حمران بن أعين عن الامام الصادق عليه السلام.
(١١) الحكيمي، شمس المغرب: ١٧٥.