حكومة الإمام المنتظر عليه السلام
وتنظيماتها المرتقبة في النجف الأشرف
الأستاذ الدكتور حسن عيسى الحكيم/ جامعة الكوفة
تناول سيرة الإمام المنتظر محمد بن الحسن المهدي عليه السلام علماء وباحثون ومؤرخون من مختلف المذاهب الاسلامية، وكان للشيخين الجليلين (النعماني والطـوسي) كتابان حملا اسم (الغيبة)، وكتب السيد الجليل علي بن طاووس كتـــاب(الملاحم والفتن) خصص للإمام المهدي عليه السلام جانباً كبيراً منه، واستمر المؤلفون في الكتابة عن الغيبة وعلائم الظهور والادعاءات المهدوية المزعومة، وقد استمدوا معلوماتهم من روايات مودعة في كتب الحديث والتفسير والتاريخ والأدب وغيرها، وعند تتبعنا للروايات والأحاديث الشريفة، وجدنا بعضها يحدد مكان إقامة الحكومة المرتقبة في البقعة المحددة التي تضم النجف الأشرف والكوفة وكربلاء، ومن هذه البقعة الجغرافية تأخذ الدولة بالتوسع والامتداد حتى تأخذ بعد ذلك بعداً عالمياً، وقد أوردت المصادر بعضا من خطط مدينة الكوفة التي يقف عندها الإمام المهدي عليه السلام وهي:
١ ـ مدينة الكوفة.
٢ ـ مسجد الكوفة.
٣ ـ مسجد السهلة.
٤ ـ ظهر الكوفة.
٥ ـ بيوت الكوفة.
٦ ـ خندق الكوفة.
وإن المقصود بظهر الكوفة وخندقها، هما (أرض الغري) وكان هذا اللفظ قد ورد في عصر ما قبل الإسلام بلفظ (ظهر الحيرة) فالنجف والظهر مصطلحان بمعنى واحد؛ لأن الظهر معناه اللغوي ما غلظ وارتفع من الأرض، ويقال لطريق البر إن كان مسلكه إلى البر أو إلى البحر (طريق الظهر).(١)
أما الخندق الوارد ذكره في بعض النصوص، فإنه (خندق سابور) أو خندق الكوفة، وقد اعتاد الناس بتسميته (كري سعدة) ويشكل الحد الفاصل بين الكوفة ومنطقة الظهر. فالإمام المهدي عليه السلام إذا ظهر في الكوفة، فإنه يتجه إلى مدينة النجف عن طريق الخندق الى الظهر، الذي هو أرض الغري، حيث مثوى أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام.
وقد أوردت المصادر بعضاً من خطط النجف الأشرف التي يقف عندها الإمام المهدي عليه السلام وهي:
١ ـ النجف.
٢ - أرض النجف.
٣ - ظهر النجف.
٤ - نجف الكوفة.
٥ - أرض الغريين.
٦ - الغري.
٧ـ الذكوات البيض.
وتعطي هذه الخطط والمواقع الجغرافية ملامح من مرتكزات حكومة الإمام المهدي عليه السلام المرتقبة، وهي مؤسسة لحكومة عالمية على وفق ما يأتي:
١ ـ النظام الديني.
٢ ـ النظام العسكري.
٣ ـ النظام الاقتصادي.
٤ ـ النظام الاجتماعي.
وقد أكدت النصوص التاريخية والأحاديث المأثورة عن أئمة آل البيت عليهم السلام ، أن الإمام المنتظر عليه السلام ، سوف يملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، ويقول المؤرخ ابن خلدون (ت ٨٠٨هـ): (اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الإعصار انه لابد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية، ويسمى المهدي)،(٢) وقد أشار هذا النص على إقامة حكومة عالمية ذات نظام إسلامي صحيح، وتؤكد بعض النصوص على أن الإمام المهدي عليه السلام ، هو الإمام الثاني عشر من أهل بيت النبوة عليهم السلام، وهو الإمام محمد بن الحسن العسكري عليهم السلام فورد في الحديث الشريف: (إن الله اختار من صلبك يا حسين تسعة أئمة تاسعهم قائمهم)(٣) وكلهم في الفضل والمنزلة عند الله سواء وتؤكد الروايات المتواترة على أن الإمام المهدي عليه السلام من ولد السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وكان في فضل منزلته عند الله تعالى مقام رفيع، لأنه سوف يقيم حكومة العدل، ويهزم الظلم والكفر.
أما النظام العسكري الذي أشارت إليه الروايات فانه يبين أن الإمام المهدي عليه السلام ، إذا دخل مدينة الكوفة يجد فيها ثلاث رايات قد اضطربت، ثم تصفو له.(٤) وورد في بعض النصوص (فكأني أنظر الى الاعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة) ويبدو أن الرايات هذه تخرج في يوم واحد، وتتسابق للوصول إلى مدينة الكوفة، وكان لتلك الرايات أثرها على يوم الظهور وسيكون لها الدور المباشر على حركة الإمام المهدي عليه السلام.(٥) التي تبدأ من مكة المكرمة، وتقف عند (نجف الكوفة) ويقول الإمام محمد بن علي الباقر عليهم السلام: إن الإمام المهدي عليه السلام سوف يفرق جنوده في البلاد.(٦)
وهذا له دلالة على أن التوسع العسكري للإمام المهدي عليه السلام يبدأ من أرض النجف الأشرف، ويلتحق بجيشه الذي بداياته ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وهم الطليعة العسكرية الأولى التي تبايعه بين الركن والمقام وتسير معه حتى يدخل الكوفة، ومن ثم يأخذ الزحف العسكري أبعاده في البلدان، ويلتحم مع جيش السفياني على أرض النجف بعد حوار كلامي بين الإمام عليه السلام والسفياني.(٧) ويبدو أن التوسع العسكري لدولة الإمام المهدي عليه السلام يبدأ بعد استقراره في النجف والكوفة، وتنظيم شؤون الدولة إدارياً. كما توحي لفظة (الجنود) الواردة في بعض النصوص، وعند ذلك تأخذ الدولة العالمية أبعادها، فتزول الحواجز بين الشعوب، وتهدم الحدود بين الكيانات الحكومية، وتمحى الفوارق العرقية على وفق الدعاء المأثور: (اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعزّ بها الاسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله) ففي ظل هذه الحكومة يعود الإسلام إلى أصوله الرسالية التي أرسى قواعدها الرسول الأعظم نبي الانسانية الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي عهد نظامها الديني والعقائدي تسقط أنظمة الجور والظلم والتعسف في العالم.
أما النظام الاقتصادي لحكومة الإمام المهدي عليه السلام ، فقد أشارت إليه بعض من الروايات، إذ أن دار حكومته سوف تكون في الكوفة، ومجلس حكمه في جامعها العظيم، وأن بيت ماله يستمد من غنائم الفتح المبين، أما موضع خلواته ستكون في (الذكوات البيض) من أرض الغريين.(٨) ويقول الشيخ الطوسي أبو جعفر محمد بن الحسن (ت ٤٦٠ هـ): إن الإمام المهدي عليه السلام يلتقي ببعض الاشخاص في منطقة (الخندق) من ظهر الكوفة، وهو في طريقه إلى النجف الاشرف حيث ينزل فيها.(٩) وقد أشار الإمام الباقر عليه السلام إلى ملامح النظام الاقتصادي لدولة الإمام المهدي عليه السلام المرتقبة بقوله: إن الإمام يأمر بحفر نهر من مشهد الإمام الحسين عليه السلام إلى أرض الغريين، حتى ينزل الماء في أرض النجف، ويعمل على فوهته القناطر والارحاء، فكأني بالعجوز على رأسها مكتل فيه بر تأتي تلك الارحاء فتطحنه بلا كراء.(١٠)
وهذا له دلالة على اتساع حركة العمران، وازدهار الزراعة، ويقول الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهم السلام: (إذا قام قائم آل محمد عليه السلام بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب، واتصلت بيوت الكوفة بنهر كربلاء).(١١) ونستفيد من هذا الحديث أن مدن (النجف والكوفة وكربلاء) سوف تصبح وحدة جغرافية، وأن الصحراء سوف تكسى بالمزارع، وذكرت بعض المصادر أن الإمام المهدي عليه السلام إذا صلى بالناس صلاة الجمعة، فيأمر أن يخط له مسجد على أرض الغري ويصلي بهم فيه.(١٢)
ونستخلص من كل ما تقدم أن الإمام المهدي عليه السلام ، عند وصوله إلى أرض العراق، فإنه ينزل في أرض النجف الأشرف من ظهر الكوفة، وقد ذهب إلى ذلك الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي (ت ٣٨١هـ) في كتابه (اكمال الدين).(١٣) ونقل عن الإمام الصادق عليه السلام قوله: (كأني بالقائم على ظهر النجف، لبس درع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ينشر راية رسول الله) ويؤكد هذا الحديث ما ذهبنا إليه بأن حكومة الإمام المهدي عليه السلام سوف تؤسس نظماً إدارية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، تتمثل فيها العدالة والمساواة، وتتمتع بمثالية لم تألفها الدول المعاصرة والأنظمة الوضعية.
* * *
المصادر والمراجع
الأمين: محسن العاملي
١ ـ أعيان الشيعة، مطبعة الانصاف وكرم/ بيروت ١٣٧٣ هـ/ ١٩٦٧م.
البراقي: حسين أحمد النجفي (ت ١٣٣٢هـ)
٢ ـ تاريخ الكوفة، تحقيق ماجد بن أحمد العطية. مطبعة شريعت، الطبعة الأولى ١٤٢٤هـ.
الحائري: علي اليزدي الحائري (ت ١٣٣٣هـ).
٣ ـ الزام الناصب في اثبات الحجة الغائب، مطبعة النعمان/ النجف ١٩٦٣.
الحائري محمد مهدي
٤ ـ شجرة طوبى، مؤسسة النعمان/ بيروت
الحلو: محمد علي
٥ ـ اليماني راية الحق، مطبعة نقارش، الطبعة الأولى ١٤٢٥ هـ.
ابن خلدون
٦ ـ المقدمة، دار احياء التراث العربي/ بيروت
الصدوق: أبو جعفر محمد بن علي القمي (ت ٣٨١هـ)
٧ ـ اكمال الدين واتمام النعمة في اثبات الرجعة، المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف ١٣٨٩هـ/ ١٩٧٠م.
الطبرسي: أبو علي الفضل بن الحسن
٨ ـ اعلام الورى، المطبعة الحيدرية/ النجف الاشرف ١٣٩٠هـ/ ١٩٧٠م.
الطوسي: ابو جعفر محمد بن الحسن (ت ٤٦٠هـ)
٩ ـ الغيبة، مطبعة النعمان/ النجف الأشرف الطبعة الثانية ١٣٨٥ هـ.
العياشي: أبو النضر محمد بن مسعود
١٠ ـ التفسير، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة في مدينة قم ١٤٢١ هـ.
الفتال: محمد النيسابوري (ت ٥٠٨هـ)
١١ ـ روضة الواعظين، المطبعة الحيدرية/ النجف الاشرف ١٣٨٦هـ/ ١٩٦٦م.
الفراهيدي: ابو عبد الله الخليل بن أحمد (ت ١٧٥ هـ)
١٢ ـ العين، تحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي، شركة المطابع النموذجية/ عمان ١٩٨٢م.
الكاظمي: مصطفى آل السيد حيدر
١٣ ـ بشارة الاسلام في ظهور صاحب الزمان المطبعة الحيدرية/ النجف الاشرف ١٣٩٦هـ/ ١٩٧٦م.
المجلسي: محمد باقر (ت ١١١١هـ)
١٤ ـ بحار الأنوار، المطبعة الإسلامية/ طهران ١٣٨٨هـ/ ١٩٦٨م.
المفيد: أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (ت ٤١٣هـ).
١٥ ـ الارشاد، المطبعة الحيدرية/ النجف الاشرف ١٣٨١هـ/ ١٩٦٢م.
الهوامش:
ــــــــــــــــــــ
(١) الفراهيدي: العين ٤/ ٣٧.
(٢) ابن خلدون: المقدمة ص٣١١.
(٣) المفيد: الارشاد ص ٣٤٨.
(٤) الكاظمي: بشارة الاسلام ص٢٣٦.
(٥) الحلو: اليماني راية الحق ص ٥٢.
(٦) المفيد: الارشاد ص ٣٦٢، الفتال: روضة الواعظين ١/ ٢٦٤.
(٧) العياشي: التفسير ١/ ١٦٣، المجلسي: البحار ٥٢/ ٢٢٢ ـ ٢٢٤، الكاظمي: بشارة الاسلام: ص٢٥٠.
(٨) الكاظمي: بشارة الاسلام ص ٢٧٢.
(٩) الطوسي: الغيبة ص ١٨٢.
(١٠) المفيد: الارشاد ص ٣٦٢. الطوسي: الغيبة ص٢٨١. الأمين: أعيان الشيعة ٤/ ٤٣/ ٥٢٨.
(١١) الطبرسي: اعلام الورى ص٤٦٠، الحائري: شجرة طوبى ١/ ١٥٧.
(١٢) الأمين: أعيان الشيعة ٤/ ق٢/ ٥٢٧.
(١٣) الصدوق: اكمال الدين ٢/ ٦٣٠، الحائري: الزام الناصب ١/ ١٦، البراقي: تاريخ الكوفة ص١٨٥.