الإمام المهدي وأَسرار الطبيعة
يوسف العاملي ـ المغرب
من المعلوم والواجب علمه في علاقتنا مع الغيب، أنه يحمل للإنسان كل خير مادام الإيمان به إيمانا نابعا من وعد إلهي حكيم، يريد بنا أن نرى في نفوسنا عظمته غير المتناهية، والمليئة بالأسرار الإلهية والكونية. كل تلك الأسرار مودعة في حكمة تحكمها نواميس عادلة تجعل منا كائنات راغبة في رغبة الله، فاهمة مصدر إيجادها ومنتهى مآلها الأبدي. فالمصدر هو الله والمآل هو الله وفي كل هذا سر رابط يجمع بين المصدر والمآل وهو التحقق بماهية النفس الإنسانية الكلية. ولكي تتحقق بهذه النفس الإنسانية الكلية لا بد لنا من فهم علاقتنا مع الكون ومع رب الكون.
ولا يتم لنا ذلك إلا عبر الاتصال بحضرة الإنسان الكامل الجامع لكل سر وجودي وفهم إلهي.
كونية الانتظار
بعد اكتشاف الخريطة الجينية والو راثية، وبعد اكتشاف أصغر جزء مادي أصبح كل الخبراء والعلماء في حيرة من مصير الإنسان، وبدا الأمر أشبه بالمستحيل الممكن، فعلم الخيال العلمي الغربي في السبعينيات أصبح حقيقة على مشارف القرن الواحد والعشرين، وبدا الكون وكأنه في مهرجان من الكشوفات التي سوف لن تنتهي، مادام العقل البشري في فعل وفي فهم وفي إدراك وفي علاقة مع قوى الكون الفاعلة، ومع كل ذلك نجد هذا الكون قد أصبح صغيرا جدا. فكثرة السكان وكثرة الأفكار وكثرة المعارف وكثرة التجارب وكثرة التطلعات وكثرة التناقضات، فصلت هذا الكائن الإلهي (الإنسان) عن القوى الطبيعية التي تتحكم في فطرته السليمة، وبالتالي صار مرة أخرى صغيرا في فهمه الكلي لمجريات الأمور. فما الحل الذي سوف يدير حركة الكون مرة أخرى، وهاهو كل شيء أصبح مكشوفا لدى الخبراء والعلماء؟ فلم يعد للإنسان والكون سوى الانتظار. انتظار الغيب طبعا.
زمن اللقاء بين العلم والغيب والغيب بالعلم:
كشف العلم التجريبي الكثير من الأمور التي كانت في الغيب، لا يعرفها الإنسان، فأصبح بتلك الكشوفات يدرك بعض أسرار الكون والحياة، لكن معظم تلك الأسرار سوف لن تدرك مادام الإنسان مفصولا عن القوى الطبيعية التي تمنحه التناغم مع وجوده الأسمى، فلا يوجد لدى الإنسان الغربي كل وسائل العيش الرغيد والمرفّه والسهل، لكنه في كل ذلك يملؤه الخوف من المستقبل والمجهول، وذلك راجع لتراجع إيمانه بالغيب. فعندما كثرت كشوفاته الكونية فَفُتن بها وضاعت هويته التي توحده مع خالقه.
فكما تلقى آدم كلمات من ربه فتاب عليه، سوف يتلقى الكونُ والإنسانُ كذلك كلمةَ الله المخلصة والأبدية لتسرع به في دورة مليئة بالأسرار الوجودية بعدما كان وجوده مليئا بالكشوفات الكونية.(١) الكشف الكوني والسر الوجودي:
في الحرب الأخيرة خبر حزب الله سلاحه المتمثل في الجوشن الصغير، وجربت القوى الشيطانية كل أسلحتها المادية، فكانت النتيجة باهرة وأعجزت عقول الماديين الذين طالما سخروا من قوة الروح المتقدة بالإيمان بالغيب، لقد كشف الإنسان مِساحة تواجده، ومسح كل ظلام ومجهول بواسطة مادته الدماغية، لكن الإنسان ليس مادة فحسب، وهذا كشف كشفته المادة نفسها عندما أدركت نهايتها ونهاية دورها الوجودي. فالإنسان جوهر وجودي مكون من المادة والروح، لذا فهو مدعو لمعرفة كيانه السِرّاني بواسطة الروح الخالدة بعدما كان يتعرف على موقعه الوجودي بواسطة مادته العقلية.
فالكشف للمادة والسر للروح.
الخلاصة:
جاء في بعض الروايات أن في زمن ظهور الإمام المهدي عليه السلام سيتم الاتصال بعوالم أخرى ومجرات أخرى بعيدة عن مجرتنا. وذلك ناتج عن كون الإنسان وصل إلى أوج التقدم التكنولوجي والمادي. فعندما نكون قد وصلنا إلى نهاية مادتنا الأرضية بوعينا الأرضي نكون في ذلك قد وصلنا إلى معرفة كل الأبعاد الكونية حسب قانون وحدة المادة الكونية. فنهاية المادة يعني إدراك الأبعاد الكونية، لكن هذا الإدراك سيبقى معطلا مادام الإنسان لم يدرك جزأه الأعلى والأسمى الذي لا يمكن خبرته إلا بواسطة الروح الكونية والكلمة الإلهية المرسلة للإنسان الأرضي، ليدرك كونية الإنسانية الخالدة المكونة من شاعرية المعري وعلمية أنشتاين.
الهوامش
(١) حقق في محله أن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه فتاب عليه هي أسماء الأئمة عليهم السلام فدعا بهم ليتوب الله عليه، ولعل الكاتب أراد أن يربط بين تلقي آدم هذه الكلمات وبين تلقي الإنسان كلمة الله وهو المهدي عليه السلام ليسعد الانسان بهذه الكلمة الإلهية كما سعد آدم بالتوبة عليه _ أسرة التحرير_ .