قضية تعدد المراجع الدينيين
في رده على سؤال حول قضية تعدد مراجع الدين وما هي ارشاداته (دام ظله) للمقلدين بهذا الخصوص, قال سماحة المرجع الديني الكبير السيد محمد سعيد الطباطبائي الحكيم (دام ظله).
لا ريب في أن تعدد المراجع من الحالات الطبيعية، بعد أن كانت أهلية المرجع للتقليد وأعلميته من الأُمور الحدسية القابلة للاختلاف، وبعد أن كان للمكلف الاختيار في تعيين المرجع عند تعذر معرفة الأعلم وعجزه عن الاحتياط أو لزوم الحرج منه.
وبعد غياب العصمة قد تكون في تعدد المراجع بعض الإيجابيات -أحياناً- لأن وحدة المرجع قد تعرضه للاندفاع في الجري على قناعاته من دون تروٍ وتثبُّت بنحو قد لا تحمد عواقبه.
كما أنها قد تضفي عليه هالة من الجلالة والقدسية، تجعل من سيرته سنة ثابتة لا يمكن الخروج عنها، وتمنع من النظرة الموضوعية لها وإخضاعها للنقد والتعديل. بل قد يتعدى ذلك لآرائه الفقهية، بنحو يعيق عملية الاجتهاد من بعده.
نعم، لا ريب في أن لتعدد المراجع سلبيات أيضاً لايستهان بها، لكنها سلبيات لابد منها بسبب فقد المرجعية المعصومة، نتيجة غيبة الإمام عليه السلام، وينبغي أن تكون مثاراً للحسرة لغيبته، ولانتظار الفرج بظهوره، وللنقمة على الظالمين الذين تسببوا في غيبته، وحرموا الأمَّة من خيرات حضوره وتوليه لإدارة أمور المسلمين بنفسه.
وعلى كل حال فهذه المرجعية بسلبياتها تبقى هي الحل الأفضل بعد أن تعذَّرت المثالية الكاملة بفقد المرجعية المعصومة.
أما وصيتنا لمقلدينا (وفقهم الله تعالى) فهي أن اختلاف التقليد لا ينبغي أن يكون منشأً للفتنة، ولا سبباً للفرقة، ولا مثاراً للتنابز، والتهاتر، والشحناء، والبغضاء. وعليهم احترام الآخرين ما داموا قد عملوا بموازينهم الشرعية التي قامت الحجة عندهم عليها، والتلاحم والانسجام معهم، والتعاون في سبيل الحق، وخدمة المبدأ. ولو فرض خروج البعض عن الميزان الشرعي في اختيار المرجع فاللازم الاقتصار على تنبيهه لخطئه بهدوء وحكمة، بعيداً عن العنف والتشنج والتشنيع ونحو ذلك من ما يعقد الأمور ويكون سبباً في إثارة المشاكل والفتنة.
هذا كله مع تبجيل العلماء العاملين المتقين، وحفظ حقهم، وتعظيم حرمتهم، شكر الله تعالى سعيهم، وأجزل أجرهم، وسدد خطاهم، ونفع بهم، وجعلنا -بتوفيقه- منهم.