التكامل اليقيني وضرورة الغيبة
سماحة السيد منير الخباز/ استاذ في الحوزة العلمية
حديثنا عن ضرورة غيبة الإمام عليه السلام, ولماذا اختلفت حياة الإمام الحجة عليه السلام عن حياة بقية أهل البيت عليهم السلام؟ ولماذا يظهره الله تعالى في آخر الزمان فيخرج ويقيم الحضارة الكونية أو العدالة الأرضية العامة؟ ولماذا الغيبة؟ وُلِد قبل ألف ومائتي سنة مثلاً ويعيش هذه الفترة الطويلة المسمّاة بالغيبة, ثمّ يظهر آخر الزمان ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً, كما ورد في الروايات, لماذا يظهره الله آخر الزمان؟ ما هي ضرورة الغيبة؟
من براهين ضرورة الغيبة:
هناك برهانان لضرورة الغيبة:
البرهان الأوّل: البرهان العام الذي لا يرتبط بالشيعة المؤمنين بخصائص الأئمّة عليهم السلام.
البرهان الثاني: وهو البرهان الخاص الذي يرتبط بالشيعة المؤمنين بخصائص أهل البيت عليهم السلام.
البرهان الأوّل العام:
نتحدّث أوّلاً عن: البرهان العام, ما هو البرهان على ضرورة أن يعيش الإمام هذا العمر الطويل كي يتمكّن من تحقيق العدالة التامة؟ وهنا نطرح ثلاثة أسئلة:
السؤال الأوّل: ما معنى التكامل اليقيني؟
السؤال الثاني: هل الإمام خاضع للتكامل اليقيني أم لا؟
السؤال الثالث: ما هو الربط بين التكامل اليقيني وبين الغيبة؟
السؤال الأوّل: ما معنى التكامل اليقيني؟
التكامل اليقيني يقسّمه الفلاسفة إلى ثلاثة أقسام: علم اليقين, وعين اليقين, وحق اليقين.
مثلاً إذا رأيت الدخان فستستيقن بوجود النار, إذ لولا وجود النار لما وُجِد الدخان, فتستدلّ على المؤثر بأثره, فاليقين بوجود النار نتيجة رؤية الدخان هو أوّل درجة من درجات اليقين, وهذا يُسمّى بـ (علم اليقين), وإذا مشيت وراء الدخان إلى أن رأيت النار بعينيك, ألا يتأثر يقينك بوجود النار نتيجة رؤية الدخان؟ نعم, فدرجة اليقين اكتملت وازدادت وتحوّلت من علم اليقين إلى عين اليقين, فصارت عندك درجة أخرى من اليقين. ولو أن شخصاً قد أسقطك في النار وشعرت بالحرارة النارية بحيث صارت الحرارة عن طريق الانصهار, فدرجة اليقين تكاملت إلى أن وصلت إلى أعلى درجة, وهي ما نُسمّيها بـ (حق اليقين), وهذا ما يذكره القرآن الكريم: (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقين * لَتَرَوُنَّ الْجَحيمَ)(١), هذه درجة من درجات رؤية النار, (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقينِ)(٢), أي درجة أخرى, فعندما يأتي يوم القيامة ويحسُّ الإنسان بحرارة النار سيستيقن بوجودها, فإذا رآها أمامه ازداد يقينه, فإذا اُلقي فيها ازداد يقينه إلى درجة حق اليقين: (كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقينِ), فالتكامل اليقيني يعني أن الإنسان ينطلق من درجة إلى درجة أخرى من درجات اليقين, وحتّى اُصور لك الموضوع بشكل أوضح, نأتي مثلاً إلى الرسول صلى الله عليه واله وسلم, هل أن الرسول يتكامل يقينه؟
نحن نلاحظ بعض الآيات القرآنية مثل قوله تعالى: (وَقالَ الَّذينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتيلاً)(٣), هل كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يعيش حالة شكّ أو ارتياب؟ كلا, إذن فما معنى (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ)؟
إن مقصود ذلك أن تصل إلى أعلى درجات اليقين, وهي درجة (حق اليقين), مثلاً إذا فتحت كتاباً _ أيَّ كتاب كان _ يتحدّث عن الإمام المنتظر عليه السلام, وقرأت المعلومات المتعلقة به عليه السلام فقد أخذت المعلومات عن طريق القراءة, ثمّ بعد ذلك جئت إلى المسجد وسمعت المحاضرة, وكانت المحاضرة عن نفس المعلومات التي قرأتها, فستزداد درجة يقينك بهذه المعلومات, ولو طُلب منك أيها الإنسان المثقف الذي سمع المعلومات وقرأها واستوعبها أن تشرحها للآخرين, فقمت بشرحها, فإن شرح المعلومات يزيد من يقينك بها.
إذن فالمعلومة الواحدة عندما تقرؤها سيصير عندك يقين, ثمّ تسمعها فيزداد يقينك بها, ثمّ تشرحها فيزداد يقينك بها أكثر, إذ التعامل مع المعلومة تعامل تكاملي يدخل في إطار التكامل اليقيني, وهل يتصور هذا التكامل بالنسبة للمعصوم مثلاً أم لا؟ فالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم منذ ولادته كان مطّلعاً وعالماً بجميع معارف القرآن, ولديه علومه, ثمّ نزل عليه جبرائيل عليه السلام وأسمعه هذه المعارف والعلوم, فصار التعامل مع المعلومة بشكل ثانٍ وهو السماع, أي إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرفها عن طريق الإلهام, ثمّ صار يعرفها عن طريق السماع, ثمّ اُمر بتبليغها وشرحها للآخرين, وقيامه بتبليغها وشرحها للآخرين أوجب وصوله إلى أعلى وأسمى درجات اليقين بهذه المعلومة, إذن التكامل اليقيني هو عبارة عن الانتقال من درجة إلى درجة أخرى من درجات اليقين ولتوضيح الأمر أكثر نأتي إلى السؤال الثاني:
السؤال الثاني: هل أنّ الإمام خاضع للتكامل اليقيني؟
يعني هل الإمام فعلاً ينتقل من درجة من اليقين إلى درجة أخرى أم لا؟
الجواب: إن المعصوم عليه السلام مع أنه في كل آن يمرُّ عليه هو أكمل الناس وأعلمهم إلاّ أنه مع ذلك يزداد في مقامه الملكوتي القربي من الله عز وجل بما يفاض عليه من العلم اللدني، فإن منازل المقام الشهودي بدرجات اللطف الخفي ودرجات الانكشاف الملكوتي، ففي معتبرة أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إنّا لنزاد في الليل والنهار, ولو لم نُزد لنفد ما عندنا), قال أبو بصير: جُعِلت فداك, من يأتيكم به؟ قال: (إن منّا من يعاين، وإن منّا لمن يُنقر في قلبه كيت وكيت، ومنّا من يسمع بأذنه وقعاً كوقع السلسلة في الطست)، فقلت له: من الذي يأتيكم بذلك؟ قال: (خَلق لله أعظم من جبرئيل وميكائيل)(٤).
الإمام يذكر في هذه الرواية أن هناك حالة صعود وحالة تكامل يمرُّ بها الإمام عليه السلام, فيجب أن يكون أعلم من غيره, أي أعلم الخلق, وإلاّ لكان تقديمه على الناس من باب تقديم المفضول على الفاضل, وتقديم المفضول على الفاضل قبيح لا يصدر من الله عز وجل, إن الله تعالى عندما جعل الحسن عليه السلام إماماً أو الحسين عليه السلام إماماً فلأنه هو أعلم الناس, وإلاّ لِمَ يجعله إماماً, فجعل الشخص إماماً من دون أن يكون أعلم الناس هو تقديم للمفضول على الفاضل, وتقديم المفضول على الفاضل قبيح.
إذن فالإمام أعلم الناس من أوّل الأمر, والتكامل ليس معناه أن المعلومة كانت مشوّشة ثمّ صارت واضحة فتمام المعلومات منكشفة له تمام الانكشاف، وإنما معناه تكامل المقام القربي من الله عز وجل بواسطة هذه المعلومات.
التكامل اليقيني لدى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:
دعني أوضّح لك الأمر بالمثال أكثر, أنت تقرأ قوله تعالى: (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْري مَا الْكِتابُ وَلاَ الْإيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا)(٥), إن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يتعبّد في غار حراء, وكان على ملّة إبراهيم الخليل؟ فكيف يقول القرآن الكريم: (ما كُنْتَ تَدْري مَا الْكِتابُ وَلاَ الْإيمانُ), كيف يكون ذلك؟ ما هو الجواب عن هذه الآية؟ هل المراد بها أن الرسول كان جاهلاً وصار عالماً؟ أم أنه لم يكن مؤمناً وصار مؤمناً؟! أم ماذا؟
نقول: لو كان المراد بها ذلك لكان مناقضاً للآيات القرآنية الأخرى, فعندنا آيات تُثبّت أن الرسول كان عالماً بالقرآن قبل نزوله, ومطّلعاً على جميع معلومات القرآن تفصيلاً قبل نزول القرآن عليه, مثلاً قوله تعالى: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)(٦), أي لا تخبر أحداً بالقرآن، هذا معناه أنه كان عارفاً بالقرآن, ولو لم يكن عارفاً بالقرآن لما اُمر أن لا يبلّغ القرآن حتّى ينزل عليه الوحي من السماء. أيضاً قوله تعالى في آية أخرى: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ)(٧), معناها أن الرسول كان مطّلعاً على معلومات القرآن, ولكن تقسيم القرآن إلى سور وإلى آيات أمر نزل به جبرائيل عليه, وإلاّ فجميع معلومات القرآن كانت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم, لكن تحوّل هذه المعلومات إلى آيات وإلى سور هو الذي نزل به جبرائيل عليه السلام, وهذا هو معنى: (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ)(٨).
إذن, إذا كان الرسول عالماً بالقرآن من قبل أن ينزل, فما معنى هذه الآية: (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْري مَا الْكِتابُ وَلاَ الْإيمانُ)(٩)؟, معنى هذه الآية هو نفي درايته بالكتاب والإيمان على سبيل الاستقلال، فإن الدراية بالاستقلال من خواص البارئ عز وجل وإنما درايته بالاكتساب لا بالاستقلال، وهناك معنى آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان على درجة من المقام القربي من الله تعالى فازدادت تلك الدرجة بعد نزول الوحي، وهذا هو ما قلناه إنه صلى الله عليه وآله وسلم كان على درجة من اليقين, ثمّ بالقرآن وبنزوله تكاملت درجة اليقين, وهذا ما يؤكّده الحديث الوارد عن النبي محمّد صلى الله عليه وآله وسلم, هو مما يرويه أهل السُنّة والجماعة أيضاً: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين _ وفي رواية: بين الروح والجسد_)(١٠).
السؤال الثالث: ما هو الربط بين تكامل درجة اليقين وبين الغيبة؟
إذا كنّا نتكلم عن أهل البيت عليهم السلام, وكان المخاطب شيعياً يؤمن من أوّل الأمر بأن الإمام عليه السلام من يوم ولادته عالم بجميع العلوم, وفي أعلى درجات اليقين, فلا نحتاج إلى برهنة ذلك له, أما إذا كنّا نخاطب شخصاً لا يعترف بذلك, أي إنه ليس من الشيعة, أو إنه ليس مسلماً, ونريد أن نقيم له البرهان على أن الغيبة أمر ضروري للإمام عليه السلام, فكيف نُثبت له ذلك وهو لا يعترف بخصائص أهل البيت عليه السلام؟
ما هو الربط بين التكامل اليقيني وبين الغيبة في هذه المدّة الطويلة؟
إن حجم الدور يقتضي أعلى حجم من اليقين, فما هو الدور الذي اُنيط بالإمام القائم عليه السلام؟
دور الإمام الحجة عليه السلام في إقامة العدالة التامّة:
الدور الذي اُنيط بالإمام القائم هو إقامة العدالة التامة.
فما هي العدالة التامة؟
العدالة التامّة هي التي لا تخصُّ رقعة أرضية معيّنة, بل هي عدالة على جميع الأرض, فالدور الذي اُنيط بالإمام عليه السلام هو إقامة العدالة على جميع أرجاء الأرض, ولا يختصُّ برقعة معيّنة.
فالقرآن الكريم يصرّح بذلك: (هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(١١), أي سيأتي حتماً يوم من الأيام يُطبّق فيه الدين الإسلامي على الأرض كلها, ولا بدَّ أن يأتي هذا اليوم, وإلاّ كان خلاف ما ذكرته الآية الشريفة, وهذا ما تؤكّده الأحاديث الشريفة عند السُنّة والشيعة بلا فرق, منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبقَ من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج رجلاً من ولدي _ أو من أهل بيتي, أو منّي _، يواطئ اسمه اسمي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلِئَت ظلماً وجوراً)(١٢), وتعبير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً), أي يقيم العدالة على جميع الأرض من دون استثناء رقعة دون رقعة, تجده تعبيراً دقيقاً لمفهوم العدالة.
إذن, هذا الدور دور خطير جدّاً لم يقم به أحد من الأنبياء أو من المرسلين, فالرسول ما استطاع أن يقوم بهذا الدور, إمّا لِقُصر عمره, وإمّا لعدم ملائمة الظروف لذلك, فهناك دور اُنيط بالإمام لم ينط بأيّ نبي وبأيّ رسول, وهو إقامة العدالة والدين على كل الأرض, وهذا الدور يقتضي حروباً طاحنة ساخنة, وعملية تطهير تستغرق آلاف الطاقات وآلاف الإمكانيات وآلاف الاستعدادات, إن هذا الدور دور عظيم جدّاً لم يقم به بشر إلى الآن, ولم يستطع أن يطبّق الدين على وجه الأرض كلها؛ إذن حجم الدور يقتضي حجماً من اليقين يتناسب معه, أي كلّما كبر الدور توقف على يقين أكبر ودرجة من الإرادة والصمود والشموخ تتناسب مع مستوى الدور وحجمه, لذلك نقول بأن الدور الذي اُنيط بالإمام عليه السلام يحتاج إلى تكامل يقيني, أي يحتاج إلى أن يكون الإمام في أعلى درجات اليقين والشموخ والإرادة؛ كي ينسجم مع هذا الدور العظيم.
لكن كيف يتم ذلك؟ أي كيف يتم التكامل اليقيني؟
إذا كنّا نتكلم مع الآخرين, فنقول لهم: إن الإمام لأجل أن يصل إلى أعلى درجات اليقين بحيث يكون مُعَدّاً للقيام بهذا الدور الخطير لا بدَّ أن يمرَّ بهذا العمر الطويل؛ لأنه ضروري من أجل الوصول إلى أعلى درجات اليقين, فالإنسان إذا كان يعيش في عصور مختلفة وفي عدّة مجتمعات, ويعيش حضارات مختلفة, فتسقط حضارة وتقوم حضارة بعدها, ويعيش في دول مختلفة, فتسقط دولة وتقوم دولة أخرى, ويعيش بين جماعات مختلفة, فإنه جرَّب كل الأنظمة, وجرَّب كل المجتمعات, لذلك تكاملت معلوماته في شتّى الحقول وازدادت درجة يقينه بدوره المنوط به كي تصل إلى أعلى وأسمى درجات اليقين.
إذن, الغيبة ضرورية لكي يعيش الإمام عليه السلام هذا العمر الطويل, وذلك من أجل تحقيق التكامل اليقيني, الذي يتوقف على معاصرة الحضارات المختلفة والعلوم المختلفة والجماعات المختلفة؛ كي يحصل لمن عاصرها أعلى درجات اليقين. وإعطاؤه هذه الدرجة من اليقين والسعة من المعلومات لا يعني أنه أفضل من جدّه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإن ملاك الفضل باتصاله بعالم الملكوت، وتكليم الله له عن طريق الوحي، الذي لم يتحقق لغير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك كان موسى عليه السلام أفضل من الخضر عليه السلام وهو إمامه مع أنه كان أعرف منه ببعض المعلومات، قال تعالى: (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً * قالَ لَهُ مُوسى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً).(١٣)
البرهان الثاني الخاص:
نتعرض له باختصار, وهو برهان خاص, برهان يصلح أن يستدلَّ به الشيعي نفسه على ضرورة بقاء الإمام هذا العمر الطويل, وهذا البرهان يتوقف على سؤالين نطرحهما ونجيب عليهما.
السؤال الأوّل: ما هو الهدف من الدين الإسلامي؟
السؤال الثاني: ما هي الأمور التي يتوقّف عليها تحقيق الهدف من الدين الإسلامي؟
الهدف من الدين الإسلامي:
ما الهدف من الدين الإسلامي؟ إن الهدف من الدين هو تطبيقه على الأرض كلها؛ لأن الدين الإسلامي هو قانون العدالة, وهو الدين الحافظ للعدالة وتطبيقها على الأرض كلها, (هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(١٤), وإلاّ لكان تشريع الدين لغواً, واللغو لا يصدر من الحكيم تبارك وتعالى, وهذا ما أكّدته الآيات القرآنية الأخرى: (وَنُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ)(١٥), وقال تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَني لا يُشْرِكُونَ بي شَيْئاً)(١٦).
أما السؤال الثاني فستكون إجابته في العدد اللاحق ان شاء الله تعالى.
الهوامش:
(١) التكاثر: ٥ و٦.
(٢) التكاثر: ٧ .
(٣) الفرقان: ٣٢.
(٤) بصائر الدرجات: ٢٥٢/ باب ٧/ ح ٥؛ عنه: بحار الأنوار ١٨: ٢٧٠.
(٥) الشورى: ٥٢.
(٦) طه: ١١٤.
(٧) القيامة: ١٦ - ١٨.
(٨) القيامة: ١٧ - ١٩.
(٩) الشورى: ٥٢.
(١٠) راجع: مناقب آل أبي طالب ١: ١٨٣؛ بحار الأنوار ١٦: ٤٠٢؛ الاستيعاب ٤: ١٤٨٨/ ح ٢٥٨٢؛ كنز العمال ١١: ٤٠٩/ ح ٣١٩١٧.
(١١) التوبة: ٣٣؛ الصف: ٩.
(١٢) راجع: روضة الواعظين: ٢٦١؛ الإرشاد ٢: ٢٤٠؛ غيبة الطوسي ٤٢٥/ ح٤١٠؛ مسند أحمد ١: ٩٩؛ سنن ابن ماجة ٢: ٩٢٩؛ سنن أبي داود ٢: ٣٠٩؛ سنن الترمذي ٥٣: ٣٤٣.
(١٣) الكهف: ٦٥ و٦٦.
(١٤) التوبة: ٣٣؛ الصف: ٩.
(١٥) القصص: ٥.
(١٦) النور: ٥٥.