المهدويات الكاذبة
الاستاذ: عماد علي الهلالي/ جامعة ذي قار/ كلية العلوم
سنتناول في هذه السلسلة ان شاء الله تعالى ظواهر اجتماعية دينية منحرفة يعاني منها المجتمع ـ مع شديد الأسف ـ ونبحث ظروفها وأسباب نشوئها، مع إعطاء الحلول المناسبة للعاملين في الساحة فيما ينبغي عليهم فعله إزاءها، وما يتوجب عليهم في وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أخذاً بيد المجتمع نحو المجتمع الفاضل النظيف بإذن الله تعالى. ولا تعني الظاهرة هنا أنها صفة مشتركة واسعة بقدر ما هي صفة خطيرة ـ حتى ولو كانت في نطاق ضيق ـ يجب المبادرة في علاجها. وأما ذلك العلاج فقد لا يكون مبيداً للظاهرة بالكامل لكنه قد يكون حجة ودليلاً لطالبي الحقيقة والباحثين عن الحجة.
لماذا الانحراف؟
يختلف المجتمع في مستويات الوعي بين أبنائه ويتنوع في الأذواق وبقدر ما كان المجتمع متحركاً وطموحاً، وتكثر فيه الاتجاهات الفكرية والاقتصادية بقدر ما يزداد مدى التنوع وتكثر مظاهر الاختلاف، وهو تعبير أيضاً عن (الحرية) الفكرية لأبناء المجتمع الذين لم تأسرهم العموميات المجردة. ويبدو ان ظهور الاختلاف شيء مفيد ومستهدف بميزان الحكمة، ولقد شكى بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه الذنوب حين ينصرفون عنه فقال: لو لم تذنبوا لخلق الله بشراً يذنبون فيغفر لهم انه هو الغفور الرحيم... علق بعض العلماء على هذا الحديث بأن المذنبين سيكونون مظهراً لاسم من أسماء الله سبحانه وهو (الغفور) بل وحتى أقصى الاشكال المتطرفة من الانحراف التي تستحق أقصى درجات العذاب هي مظهر من مظاهر أسماء الله الحسنى مثل (شديد العقاب) لا ينافي ذلك الاختيار الذي تضمه العقيدة الإمامية (لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين)، بل إن الذنوب هي دليل على الاختيار أيضاً لأن الله لم يأمر بها ونهى عنها وكرهها، وهي مظهر من مظاهر إيكال الإنسان إلى نفسه باستحقاقه، ولتظهر في النهاية المستويات المتدرجة بأجمعها، فيقف كل مخلوق في مكانه المناسب وفي ذلك حكمة بالغة وترتيب يتجه الكون باتجاهه، قال تعالى: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ).
فعلى المصلحين ان لا يجزعوا من وجود مظاهر الإنحراف في المجتمع لأنها حالة طبيعية في هذه المرحلة من (تاريخ) البشرية لها نتائج ايجابية منها ظهور الكامن من استعدادات الانحراف في المجتمع. ولا يعني هذا اننا نقف كالمتفرجين على تشتت المجتمع تحت هذه الانحرافات بل علينا أن نمارس دورنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة هذه المظاهر لنكون مع الصادقين وفي موضع النجاة من هذه الانحرافات والابتلاءات، ففي الآية الكريمة: (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لآَمَنَ مَنْ فِي الأَْرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) وفي الحديث الشريف عن الأئمة عليهم السلام: انه ما من راية ضلالة الا وتجد لها أنصاراً قبل قيام قائمنا، وانه قبل ظهوره (يكون اثنا عشر مهدياً كذاباً من ولد فاطمة).
فهذه هي أسباب الانحراف في المجتمع، وهذه بعض الحكمة من الإذن الإلهي بظهورها، ولعل في كلماتنا هذه تسلية لسالكي طريق الإصلاح ودعوة لهم للصبر على وحشة الطريق.
وذلك التنوع في قابليات المجتمع ومظاهر الجهل قد تقع تحت ناظري من يشخصها بدقة من المغامرين الانتهازيين فيصوغ دعوته وفق تلك الجهالات وتلك القابلية للإنحراف ويخاطب الأهواء المنحرفة والأنفس الأمارة بالسوء فمن الطبيعي ان يجد أعواناً كما تقدم.
وهذا عرض إجمالي لما يعانيه مجتمعنا في هذه الأعوام، وسنأتي بعون الله على تفصيل الدوافع ثم طرح العلاج الذي ينبغي عمله من قبل المصلحين لمحاربة الانحراف مع تشخيص الظروف الموضوعية التي ساعدت على الانحراف والتي قد تؤدي إلى تحجيمه مستقبلاً أو محوه.
وسنترك التعرض لعناوين الانحراف ليس لتجنب جرح مشاعر المنحرفين ومجاملتهم بل لأنهم حالة تقليدية في تاريخ الشعوب من المتوقع أن تتكرر في كل حين فيبقى العلاج عاماً وان تنوعت عناوين الانحراف، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ستأتيكم فتن كقطع الليل المظلم...) قالوا وما المخرج منها؟ قال: (كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم...).
المهدويات المنحرفة:
أقصد بها ظهور الشخصيات التي تدعي الصلة بالإمام المهدي عليه السلام ومن يدعي انه من الأسماء التي ذكرت في الأحاديث من انهم سيظهرون قبل أو مع الإمام عليه السلام حين ظهوره.. أو من يدعون أنهم المهدي بنفسه أو من يوزعون المهدي على طول الناس وعرضهم فيكون كل شخص (مهدياً) على أصحابه أو على منطقته أو من يجعل المهدي ظاهرة من الوعي العام بعد أن يعجز عن تصور شخص الإمام عليه السلام مع انه يعترف تاريخياً بوجود الأئمة عليهم السلام والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كأشخاص عايشهم المجتمع ورآهم العدو قبل الصديق، ويقرأون القرآن وهو يصفهم بأنهم بشر (ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ)ـ، (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَْسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَ تَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً).
وادعاء العلاقة بالمهدي عليه السلام قديم جداً على اختلاف تفاصيلها، وقد ذكر السيد الصدر قدس سره في كتاب (الغيبة الصغرى) بعضاً منها وهناك كتب أخرى تعرضت أيضاً لأدعياء المهدوية على طول التاريخ وذكروا أن بعض تلك الدعاوى تفاقمت بشكل كبير مثل ما حصل في السودان إبان الاحتلال البريطاني حتى وصل الأمر إلى طرد الانكليز من السودان وذكر أن الشيخ محمد عبدة المصري كان يحدث نفسه باللحاق بتلك الحركة كما أن بعض اتباع ذلك المهدي المزعوم كانوا متفاعلين مع حركته إلى درجة انهم كانوا يعيشون قمة التقشف في المعيشة وتقديم أعلى درجات التضحية ثم لم يلبث الزمن أن كشف زيف ذلك المدعي لتسجل محاولته تلك كرقم في إمكانية خداع الجماهير تحت هذا العنوان وتجربة مفيدة للأجيال اللاحقة بهذا العنوان.
أسباب ظهور أتباع هذه الدعوات:
لا يخفى أن حب الظهور والتأمّر وتكثير الأتباع موجود في النفس الأمّارة بالسوء، وكثرة الانتهازيين والمغامرين شيء معترف به في المجتمع العراقي ولكنا نتساءل هنا عن سبب وجود أتباع لهم وحتى لو كانوا قليلي العدد الا ان القابلية على الإتباع هي الشيء الخطير الذي يجعلنا ندرج هذه الانحرافات تحت عنوان (ظاهرة) لقابليتها على التوسع. فنحن نبحث عن أسبابها من هذه الناحية وهي كما استقرأناها هنا:
١ ـ الاهتمام المركوز في نفوس عامة الناس بقضية الإمام المهدي عليه السلام وعظمة هذه الشخصية كونه بقية الحبل المدود إلى الأرض من الغيب وما يحيط بهذا الإنسان من بهاء وعظمة وشوق إليه. وهو عجل الله فرجه يمثل الخلاص من عصور الانحراف والظلم، والمستقبل السعيد المقترن بظهوره عليه السلام في الأذهان.
٢ ـ الانشداد إلى الغيبيات جملة وتعلق المرء بالأشياء التي تحجب عنه حتى يتحول هذا الانشداد والفضول إلى عقدة نفسية عند بعض الأشخاص تجعله يصدق كل ما يقال له وانه كشف عن سر عجيب كما يتعلق الطفل بالأشياء التي تحجب عنه حتى لو كانت أقل قيمة مما ظهر له. فسرعان ما نجد في المجتمع الانشداد إلى من يدعي أشياء عقائدية غريبة مبهمة ويفتح علامات استفهام جديدة وينثر غيبيات بلا ثمن ويعتقد الناس انهم حصلوا على جواهر ثمينة كان يستأثر بها الخاصة فقط ولا يعلمون أنهم انما (يأخذون جهائل من جهائل وأضاليل من ضلال) تزيدهم جهلاً وبعداً عن الحقيقة الواضحة..
٣ ـ الرغبة في داخل الإنسان ان يكون ممن عاصر الظهور الميمون وتنعم بعصر العدل والرفاه وغالباً ما نجد من يميل إلى تصديق الأشياء التي تصب في مصلحته ولا يتصور خلافها مما يعطل التفكير الموضوعي لديهم في الغالب.
٤ ـ تصريح الكثير من الشخصيات الدينية بأن هذا الزمان هو زمان الظهور وبعضهم يقسم ان جميع من يشاهدهم في مجلسه (يومذاك) هم ممن سيعاصر المهدي ويرى وجهه عليه السلام. ولا نعرف ما قصدهم بالزمان المعاصر للظهور هل هو هذه السنة أو الخمس أو العشر أو المئة سنة وقد تكرر التوقيت من البعض منذ فترة طويلة حتى لقد مات بعض أولئك الذين أقسم على معاصرتهم للظهور ولم يقدم دليلاً على ذلك سوى شعور نفسي مجرد، علماً أن هنالك أحاديث نصت على النهي عن التوقيت (من جعل لهذا الأمر وقتاً فلا تهابن ان تكذبه) ثم ان طبيعة المسألة ـ مسألة الظهور ـ ليست مجرد حدث يقع في يوم من الأيام المستقبلية بل نفهم من يوم الظهور مشروع إلهي ينتظر اختياراً بشرياً بالنضج والنمو ويتوقف على ذلك الاختيار فإن تحقق الوعي المناسب تسببت سائر الأسباب وإلا فإن الإرادة الإلهية تستطيع ان تحقق العدل الكامل في المجتمع من أول يوم من خلقها إلى آخر يوم ولكن الحكمة اقتضت تأخيره إلى تحقق شرائطه لأسباب ذكرناها وأسباب أخرى، فهي قضية أشبه (بالقضية الشرطية) ان تحقق هذا سيتحقق هذا وهي تاريخ (مطاط) نستطيع ان نؤخره أو نقدمه بمقدار تضحياتنا في سبيله.. بل ورد عن الأئمة عليهم السلام ما يفهم منه ان من يوقته يكون سبباً في تأخيره حتى لو اطلع عليه بما يقتضي معرفة زمانه فسيؤخره الله تعالى (أذعتموه فأخره الله) وربما ذلك لأنه سيسبب انتكاسة بالوعي تدفع بيوم استحقاق الظهور أبعد من ذلك اليوم.. وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ان يوم الظهور كالساعة لا تأتيكم الا بغتة ثقلت في السماوات والأرض.
٥ ـ القلق على المصير: ان المطلع على تاريخ الشعوب يجد ان الفترات التي تلي الحروب والأزمات والفتن والأحدث الخطيرة تشهد ظهور الانحرافات الفكرية أو العقائدية والدعوات الشاذة التي قد تصل أحياناً إلى الخرافة التي لو طرحت في الظروف الاعتيادية لما قبلها الناس وما ذلك الا للقلق على المصير وترقب الحوادث والغيبيات التي تصبح أكثر قبولاً وتتعطل مدارك الناس وقياساتهم الموضوعية فيصبحون عرضة للوقوع في أيدي المغامرين الذين يراهنون في اثبات دعاواهم على ما سيأتي به المستقبل القريب ويعدون الناس بما وراء الأيام القادمة وقد يسبب الوعد ترقباً والترقب انتظاراً وانشداداً سلبياً يجعل المتلقي يعطي الفرصة لهؤلاء الانتهازيين وهي فرصة كافية للكسب حين يعطون الفرصة للتصديق بهم دون تقديم براهين كافية خصوصاً إذا ما استعملوا مغريات نفسية تساعد على الاقناع النفسي. ومن المعلوم ان المهدي عليه السلام سيظهر بعد عدة حوادث كبيرة تحصل قبيل ظهوره فكلما حصل بلاء في المجتمع أو حوادث خطيرة ظن المجتمع ان هذه هي العلامات التي تسبق الظهور مما يمنحهم شعوراً سلبياً في الترقب.
٦ ـ الجهل بحوادث ما قبل الظهور: حتى لقد أدخلت حوادث لم يرد فيها حديث ولم تنص عليها آية وحصل التسامح في تطبيق بعض المظاهر فمثلاً حصول كسوف في غير وقته المألوف في شهر رمضان يجعل الكثير من الناس يتوجسون حتى من الكسوف الطبيعي للشمس في وقته وهو شيء قد حصل فعلاً في السنين الأخيرة.
٧ ـ الجهل بما ينبغي على المسلم في عصر الظهور: وحتى لو ظهرت الشخصيات التي تظهر مع الإمام هل ان مجرد كونهم شخصيات ورد ذكرها في حوادث قبيل الظهور هل يعطيهم ذلك الصفة الشرعية للإتباع ونحن مجتمع يؤمن بإسناد كل فعل من أفعاله إلى حجة شرعية ونحن أمام أمر عام بإتباع العلماء في جميع الحوادث حتى يوم الظهور فهذه الشخصيات حتى لو ظهرت فلا يغنيهم هذا الأمر عن تقديم حجة شرعية ان أرادوا ان نتبعهم.. ثم ان تلك الشخصيات الوارد ذكرها في الأحاديث قابلة لأن يدعيها أي مدعي فما المعيار في معرفة الكاذب من الصادق، قد حصل أن ادعى أحدهم انه مذكور في الأحاديث أن هناك رجل أسمر طويل القامة.. يظهر من البصرة مع العلم ان غالبية أهل البصرة سمر اللون، وطول القامة شيء طبيعي عندهم وليس الرجل صاحب طول متميز لينطبق عليه الحديث دون غيره ولكن مع ذلك وجد أتباعاً يصدقونه!
٨ ـ الجهل بخصوصيات المهدي عليه السلام فمن يقول أنه ظاهرة أو حالة نفسية لا يستطيع ان يفسر كيف ظهر لكثير من الصالحين وغير الصالحين في فترة الغيبة الكبرى وكيف تحول شخص الإمام الذي عاصره المجتمع في الغيبة الصغرى ورآه الثقاة من الشيعة رضيعاً وصبياً كيف تحول ذلك إلى ما يصفونه؟ وما ذلك كما قدمنا إلا لعجزهم عن تصور طول عمر الإمام إلى هذا اليوم.
٩ ـ الإرباك بالثوابت العقائدية: وهذا الإرباك نتج عن تعطيل المدارك في عصور الحوادث الكثيرة الخطيرة ثم ان الجهل بالعقائد والتقاطها من غير مواردها والإطلاع على شيء وترك شيء يسبب ما هو أكثر من ذلك من البدع التي ظهرت في تأريخ المسلمين.
١٠ ـ أنصاف المثقفين الذين يمنحون لأنفسهم حق التفلسف في أمور بعيدة عن منالهم رغم قلة ثقافتهم ويشعرون بالإعتداد بها وقديماً قيل (نصف العلم أخطر من الجهل).
١١ ـ الفهم الخاطئ لأطروحة خفاء العنوان التي قدمها السيد الصدر قدس سره في الموسوعة المهدوية من أن الإمام قد يكون متخفياً تحت عنوان شخصية اجتماعية معروفة قبل الظهور وقبل اعلان شخصيته الحقيقية. فجعلت الظنون ـ ظنون الجهلاء ـ تذهب خلف هذا وذاك مع اغراء من بعض المتصيدين بهذا الشأن وإعطاء ضوء أخضر لبعض أتباعهم في إشاعة مثل هذه الاحتمالات بين الناس (لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) مع العلم أنه إن كان الإمام يريد الاختفاء فليس من المتوقع أن يتعرف عليه عامة الناس.
١٢ ـ الجهل بكون الإمام المهدي هو الثاني عشر من الأئمة عليهم السلام (وهي من بديهيات الشيعة في الظروف الطبيعية) وهو ابن الحسن العسكري عليه السلام الذي ولد في عام ٢٥٥ هـ أما هؤلاء مدعو المهدوية فلهم ولادات معروفة وتأريخ ليس إيمانياً أحياناً. وإن الإمام معصوم في التصرفات والأفعال والألفاظ والحركات أما هؤلاء فمنهم من يخطئ في اللفظ أحياناً وفي المواقف ويتناقض في الأفعال. والإمام مؤيد بالمعجزات ومنصور على أعدائه فليس في عمله انتكاسة أو تردد أو هزيمة.
أركان الخطر في هذه الظاهرة:
لا يروم أصحاب هذه البدع وقادتها تكثير الأتباع واستنزاف أموالهم فقط، بل يصل الأمر أحياناً إلى المغامرة بأرواحهم تحت دوافع رخيصة، وقد يرتبط البعض بأطراف تناصب العداء لأهل البيت عليهم السلام وللإسلام، وقديماً وجدنا التخطيط من قبل أعداء الإسلام بهدمه من الداخل.. وقد صرح بعض قادة الغرب وسياسييهم ان علينا أن نفصل المجتمع عن علمائه وهو تعبير (المس بيل) مندوبة الاحتلال البريطاني بعد هزيمة بريطانيا في ثورة العشرين في العراق لأنها عرفت ان ارتباط الناس بالعلماء هو مصدر قوة للمجتمع فهؤلاء يريدون ضرب تلك العلاقة القائمة بين مجتمع الشيعة وعلمائه منذ قرون طويلة نتيجة لوصية الإمام عليه السلام بالارتباط بالعلماء في فترة غيبته وهي العلاقة التي حفظت المجتمع الشيعي عند كثير من المنعطفات الحرجة في تاريخه لذلك نجد أن أهل البدع أول ما يبدأون يفصلون الناس عن العلماء ليستحوذوا عليهم ويحولوا دون التأثير عليهم وإرشادهم.
بالإضافة إلى ما يسببه زعماء هذه الانحرافات من خلل عقائدي يؤدي إلى هلاك أتباعهم في الآخرة وما يسببونه لهم من سقوط مروءتهم في المجتمع وجعلهم فئة متمردة حاقدة تحتقر المجتمع وتكفره وتنطوي عنه فتنقطع سبل الحوار بينهم وتضيع طاقاتهم بل قد تتحول إلى خطر على المجتمع في أحيان كثيرة.
العلاج:
على الأخوة العاملين في الساحة الإسلامية (حفظهم الله) أن يدرسوا حالات الانحراف جيداً ويتفكروا في أسباب العلاج وخصوصيات كل حالة وأقدم لهم الآن بعض النصائح من وجهة نظري لهذه الظواهر..
١ ـ كسر إنغلاق هذه المجموعات المنحرفة وانطوائيتهم لفتح باب النصح والنقاش معهم ولتتوازن أفكارهم مع أفكار الآخرين فإنهم إذا تركوا وشياطينهم فسيزينون لهم كل فكرة شاذة ومنحرفة ويحوطونهم بزخم من الأكاذيب تجعلهم يتصورونها أنها هي القاعدة وغيرها شواذ.
٢ ـ الطرح المتوازن العرفي للعقائد واستخدام الأساليب السهلة في الإقناع وعدم الجوء إلى الطرح المعقد للعقائد والغيبيات التي تفتح شكوكاً أكثر من القناعات في أذهان المتلقي القاصر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم).
٣ ـ شرح العقائد الحقة والمتعلقة بالأئمة عليهم السلام لكي يتحصن المجتمع من الأطروحات الشاذة.
٤ ـ إيجاد زخم فكري يستنكر هذه الظواهر ويثبت الثوابت العقائدية فليس أفضل من أن يعالج الجسد نفسه بنفسه فالدواء الخارجي قد يثير داءاً جديداً وأي استفزاز في التعامل مع هذه الظاهرة قد يسبب تطرفاً اضافياً.
٥ ـ عدم التخلي عنهم وليحوط كل شخص مستقيم قريبة أو صديقه أو جاره (المنحرف) بالعاطفة والعناية ليصدق نصيحته حين ينصحه ولا يتركه لأصدقاء السوء ولتراقب كل عائلة أولادها لئلا يتلقفه الانتهازيون فيخسرونه الدنيا والآخرة.
الظروف التي قد تساعد على علاج هذه الظاهرة:
١ ـ قلنا ان بعض زعماء الانحراف يعطلون مدارك أتباعهم بوعدهم بحوادث تحصل في المستقبل القريب. ولن تلبث السنين القريبة الا وتكشف زيفهم وكذبهم.
٢ ـ والفطرة السليمة التي وإن أربكت لفترة معينة إلا أن الإنسان بلطف الله قد يعيد حساباته ويدرك أنه يتبع هؤلاء بدون دليل وان العاطفة سرعان ما ستخمد وتبقى تلك الدعاوى بلا أدلة عقلية. وقد ينضج الإنسان تدريجياً فتنكشف لديه الأكاذيب التي كانت مبتنية على مستوى سابق من الجهل تخلص منه.
٣ ـ كثرة أخطاء زعماء الإنحراف مما يقلل من عظمتهم في أعين أتباعهم ان التفتوا إليها تدريجياً.
٤ ـ ثمرات التحرك باتجاههم والاحتكاك بهم فإنها ستأتي بثمرات إيجابية بالتأكيد فقد ورد في الحديث (ما كان لله ينمو) وقيل أن الجسد يصح بعضه بعضاً.
ولا يبقى على المصلحين سوى الصبر على هذه المهمة والتوكل على الله فهو خير معين وتكفيهم سلوةً في عملهم انهم يحصلون ثمرة وثواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند من أمر بإعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه وأنهم يؤدون ما عليهم من تكليف في أقل تقدير (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).
هذا عرض موجز لهذه الظاهرة وهو وان لم يكن وافياً بتشخيص هذه الحالة إلاّ أنه يلفت الانتباه إلى ضرورة معالجة هذه الظاهرة وأترك التفاصيل إلى هموم الأخوة العاملين في الساحة.