ملاحظات على مقال التكامل اليقيني في الغيبة
سماحة السيد علاء الموسوي/ استاذ في الحوزة العلمية
اطلعت على مقالة:(ضرورة الغيبة والتكامل اليقيني) لبعض أعزتنا المنشورة في مجلة الانتظار في العدد الخامس عشر من السنة الرابعة. فرأيت فيها مواضع للتأمل وللنقاش، وحاصل ما ورد في تلك المقالة:
ان غيبة الامام المهدي عليه السلام ضرورية لإعطائه فرضة للتكامل اليقيني، من خلال عمر مديد يمر فيه على شتى التجارب ومختلف الأمم، ومعنى التكامل اليقيني هو: التدرج من علم اليقين الى عين اليقين ثم الى حق اليقين، وهي الدرجة القصوى من الوضوح في الحقائق، يتم ذلك للمعصوم بمعايشته في عمره الطويل على مختلف الأحداث والتطورات التي يمر بها البشر.
لكن الكاتب العزيز عاد وعرف اليقين التكاملي بأنه:(التكامل القربي من الله تعالى)، فالامام أعلم من الناس من أول الأمر والتكامل ليس معناه ان المعلومة كانت مشوشة ثم صارت واضحة، فتمام المعلومات منكشفة له تمام الانكشاف، وإنما معناه تكامل المقام القربي من الله عز وجل بواسطة هذه المعلومات. على حد تعبير الكاتب/ ص ١٥ من المجلة المذكورة.
ولا ندري كيف نمضي في نقاشنا وقد اختلف تعريف التكامل اليقيني في المقالة، فإنه من الواضح أن المقام العلمي وتكامل المعلومة واتضاحها غير المقام القربي منه تعالى، ولا تلازم بينهما. نعم العلم والوضوح في الحقائق من وسائل القرب المهمة ولكنها ليست مطابقة ولا مساوية دائماً للقرب من الله تعالى. بل بينهما عموم من وجه.
فقد تتضح الحقائق لشخص وهو أبعد ما يكون عن الله تعالى كبلعم بن باعورا((الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ)) الأعراف: ١٧٥.
وربما تخفى بعض الحقائق عن عبد من العباد وهو يقابلها بالتسليم والخضوع للباري عز وجل فيكون الأقرب إليه تعالى بتسليمه وخضوعه وصبره على ما لا يعلم.
على أن هذا الاضطراب في تعريف التكامل اليقيني لن يكون له أثر كبير على ما أردنا طرحه من تساؤلات، فسواء كان معناه، القرب من الله تعالى، أم الوضوح العلمي.. نقول:
أولاً: هل يعد الامام المعصوم مؤهلاً لخلافة الله تعالى في الأرض بجميع بقاعها منذ بداية إمامته، أم يحتاج الى تأهيل جديد وإضافي؟
الظاهر من عنوان المقالة: ضرورة الغيبة والتكامل اليقيني.. أن المعصوم يحتاج بعد عصمته الى تأهيل جديد يبلغ من خلاله الى أعلى درجات اليقين، هذا إذا قدر له أن يحكم الأرض ويطبق العدل الإلهي في جميع أرجائها، وإلا فلن يكون هناك حاجة لذلك التأهيل الجديد ما دام في منأى من الابتلاء بحكم الأرض وإقامة الدولة العالمية الإلهية.
لكن هذا المعنى عاد الكاتب وخالفه عند الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلمفقال: فالرسول ما استطاع أن يقوم بهذا الدور _والمقصود إقامة الدولة العالمية_ إما لقصر عمره وإما لعدم ملائمة الظروف لذلك. ص ١٠.
فالمانع إذن من عدم إقامة الدولة العالمية في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو مانع خارج لا ذاتي في شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقصر العمر أو عدم ملائمة الظروف منعتا من ذلك.
ولنعد الى سؤالنا السابق لنطرحه بصياغة أخرى: لو تسنى للرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أن يقيم الدولة العالمية دون تلك الموانع الخارجية، هل كان سيحتاج الى ذلك التأهيل زائداً الى كونه معصوماً وإماماً ونبياً؟ وهل سيكون من الضروري قبل ذلك أن يطول عمره ويتقلب في شتى التجارب ليكون قادراً ومؤهلاً لإقامة دولة العدل العالمية؟
نقول: ان شيئاً من ذلك لا يصح، لأن شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم شخصية كاملة ومؤهلة تماماً لخلافة الله تعالى في الأرض بكامل معنى الخلافة. بل لو فرض تواجد الظروف الخارجية لاستلام الامام الجواد عليه السلام الحكم وهو في أول سني إمامته لكان بذلك جديراً وهو في سن لا يزيد على الثمان سنين.
وهل يتوهم أن تلك الطرائق العادية.. كطول العمر والاطلاع على تقلبات الامم وأمثال ذلك، هو مما يحتاجه الامام في تكميل علمه وخبرته! وهو الذي يتصل بعالم الغيب مباشرة ويفاض عليه العلم واليقين بلا توسط شيء من الوسائط العادية. ان هذا النوع من الخبرة إنما ينفع غير المعصوم ويحتاجه من لم يمت بسبب الى الغيب ولم يتوفر على العلم اللدني، اما من كان متصلاً بعالم الغيب في جميع آناته وحالاته هل يحتاج الى الحوادث الأرضية حتى ينضج علمه ويتكامل يقينه!
ألم يقل أمير المؤمنين عليه السلام: لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً، وما ذلك الا لاستغنائه باتصاله المباشر بعلام الغيوب عن كل ما سواه من طرائق تحصيل العلم وإحراز اليقين، حتى لو كان من قبيل كشف الغطاء والاطلاع على عوالم الغيب والملكوت. فمن لا يزيده عالم الغيب وكشف الحجب يقينا، كيف تزيده الحوادث الأرضية وتقلبات البشر التي هي من شؤون العوالم السفلية يقيناً ووضوحاً!
وما الامام المهدي عليه السلام الا نسخة من جده المرتضى ووارثاً لعلمه ومقاماته ورسوخه في العلم واليقين.
والتحقيق أن جاهزية المعصوم لقيادة العالم لا علاقة لها بالتكامل اليقيني سواء منه العلمي أم القربي، فلو سلمنا ما قيل من تكامل علم الامام أو تكامل منزلته عند الله تعالى وهو ليس ببعيد حسب الروايات في هذا الباب، لكننا نقول أن لا علاقة لذلك التكامل بكون الامام مؤهلاً للإمامة بكامل معناها الديني والشرعي، وهي إمامة الخلق أجمعين دون استثناء وفي جميع بقاع الأرض، والتي تقتضي إقامة الحكومة الإلهية في كافة الأصقاع والأزمنة.
فالمعصوم.. منذ اللحظة التي يتولى فيها منصب الامامة سيكون مؤهلاً لقيادة البشرية جمعاء، ولن يكون هناك مانع من ذلك سوى الموانع الخارجية كعدم إقبال الناس والخوف من سطوة الظالمين وأمثال ذلك.
والله تعالى هو العالم بحقائق الأمور والهادي الى سواء السبيل.